رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم يكن الزعيم الخالد جمال عبد الناصر مفجر وقائد ثورة يوليو 1952. التي ستحل ذكراها الثانية والستين بعد غد الأربعاء. مخطئا عندما وضع الولايات المتحدة في خانة العدو لمصر ومشروعها الوطني التحرري وللأمة العربية. بعد أن حاول مرارا كسب ودها. بل وسعى إليها في مطلع الثورة لتكون عنصر إسناد له في مرحلة البناء التي بدأها سواء اقتصاديا عبر طلب مساعدتها في إنشاء السد العالي أو عسكريا لتزويد الجيش المصري باحتياجاته ومتطلباته من الأسلحة الحديثة. كان آنذاك حسن النية للغاية مع واشنطن. بيد أنه سرعان ما اكتشف الحقيقة بعد رفضها تقديم العون المالي والفني لبناء السد العالي. ثم تراجعها عن تسليح الجيش المصري وانخراطها في سلسلة من المؤامرات لإجهاض المشروع الوطني لعبد الناصر مما اضطره إلى التوجه شرقا إلى الصين ثم الاتحاد السوفيتي. وهو ما عمق المسافة بين القاهرة وواشنطن. رغم فترة شهر عسل بين ناصر وكيندي في النصف الأول من ستينيات القرن الفائت والتي انتهت تماما باغتيال الأخير. ثم تولى ليندون جونسون رئاسة أمريكا والتي أخذت معه حالة العداء تجاه مصر تتصاعد وبلغت ذروتها في عدوان الخامس من يونيو من العام 1967 والذي كشفت فيه وثائق أميركية وغربية وإسرائيلية حجم التآمر الذي مارسته واشنطن ليس فقط تجاه عبد الناصر ومشروعه التحرري. ولكن ضد المشروع القومي للأمة والذي كان يقوده الزعيم المصري بكفاءة عالية واقتدار حالما بأمة واحدة وليس إمبراطورية يتحكم فيها وفقا لتصورات الإعلام والنخب السياسية الأمريكية في ذلك الأوان البعيد.
وعقب ذلك غيرت الولايات المتحدة إستراتيجيتها بالكامل تجاه الكيان الصهيوني. وأصبحت هي الممول الرئيسي له سواء مالا أو سلاحا. ثم تطور الأمر في عقود لاحقة إلى التزام واشنطن بأمن الكيان ثم المحافظة على تفوقه العسكري على كل جيرانه وعدم السماح بسقوطه في ضوء المحددات التي وضعها هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي للرئيس نيكسون في سبعينيات القرن الفائت. الأمر الذي حال دون هزيمة الكيان بشكل كامل في حرب أكتوبر 1973 من خلال تعويضه بكل الأسلحة والمعدات العسكرية التي خسرها في المواجهات. خاصة مع الجيش المصري في سيناء. أو عبر مساعدته في العثور على ثغرة تمكن منها لواء من جيشه بقيادة شارون من العبور إلى الضفة الغربية لقناة السويس. مما أجهض نشوة الانتصار العربي. ولم يكتف كيسنجر بهذا الإنجاز العسكري. فساعد على تحقيق مكاسب نوعية للكيان على الصعيد السياسي عبر المفاوضات التي أدت إلى فض الاشتباك بين الجيشين المصري والصهيوني في ظل تهافت الرئيس الراحل أنور السادات وسعيه لتغيير معادلة الحكم وتوجهات السياسة المصرية سواء وطنيا أو قوميا أو خارجيا. وقاده تفكيره إلى إبرام اتفاقية السلام في كامب ديفيد ذاك المنتجع الأمريكي في 1979 تحت رعاية الرئيس جيمي كارتر الذي بدا انحيازه واضحا لمطالب الكيان على حساب مصر والقضية الفلسطينية.
وبعد هذه الاتفاقية. دخلت العلاقات الأميركية الصهيونية مرحلة التحالف الاستراتيجي التي ما زالت مستمرة حتى الآن. كواحدة من أهم ملامح السياسة الأميركية في المنطقة . وذلك يعني بوضوح أن كفة الكيان الصهيوني هي الراجحة والرابحة دوما إذا وضعت في مقابل كفة العالم العربي.
فى ضوء كل ذلك لم يفاجئني الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما بتصريحاته يوم الجمعة الفائتة. والتي أبدى فيها تفهمه وتشجيعه للعملية العسكرية التي يقودها جيش الاحتلال في قطاع غزة وصنفها بأنه حرب على الإرهاب يستحق الدعم والتأييد حتى يعيش قطعان بني صهيون في حالة من الأمن والاطمئنان. وإن طالب - بقدر كبير من اللامبالاة - قوات الكيان بمراعاة أرواح المدنيين. ولاشك فإن التصريحات تعكس ضيق أفق سياسي لم يعد خفيا أن رئيس أكبر دولة في العالم يتميز به . فضلا عن محدودية في البعد الأخلاقي لديه. إن لم يكن منعدما تماما. فهو ينظر للأمور بالعين الصهيونية وتحديدا بعين نيتانياهو رئيس الوزراء وحكومته الشديدة التطرف . والتي تتعامل بصلف وغطرسة مع الشعب الفلسطيني ولا تتورع عن اللجوء إلى استخدام كل وسائل القهر العسكري ووصفه دوما بالإرهاب عندما يرد على العدوان أو يقاوم. وللأسف نجح الكيان في تسويق هذا المنظور لدى أغلب النخب السياسية والرأى العام في الغرب في ظل عجز عربي وفلسطيني عن تسويق قيم المقاومة. والتي كان بالإمكان تمريرها . لاسيَّما أن أغلب دول أوروبا بل والولايات المتحدة كابدت سنوات من الاحتلال وانتهجت المقاومة الوطنية سبيلا للتخلص منه.
ويبدو لي أن أوباما ضحل في قراءته لمفردات الواقع السياسي في المنطقة. بمساواته بين الجلاد والضحية. منحازا لرؤية الجلاد التي تقوم على الاستئصال والإبادة مثلما يحدث منذ أكثر من ثلاثة عشر يوما في قطاع غزة مما أسفر عن قتل الأطفال والشيوخ والنساء بالمئات وأعداد كبيرة منهم تنتمي إلى عائلة واحدة . عبر استخدام الطائرات المقاتلة التي كانت توجه غاراتها وقصفها على نسف البيوت والمنشآت الحيوية والمرافق الخدمية. ثم اللجوء إلى الحرب البرية مساء الجمعة الماضية. متزامنا ذلك مع عمليات عدوانية من البحر بينما الضحية ليس لديه سوى صواريخ يطلقها باتجاه العدو. محققا في بعض المراحل تطورا نوعيا من خلال وصولها إلى مدن بعيدة مثل تل أبيب وحيفا وغيرها في شمال فلسطين المحتلة في 1948. لكنها لم تقتل أو تصب أحدا. ربما أعداد محدودة للغاية قياسا إلى مئات الشهداء وآلاف الإصابات من جراء القصف الجوى والبرى والبحري. والذي ثبت أن جيش الكيان استخدم فيه أسلحة محرمة دوليا كعادته مكرسا عدوانية استثنائية غير مسبوقة في التاريخ القديم أو المعاصر. ويكفي الإشارة إلى أن الأٍسلحة والمقاتلات والمعدات العسكرية التي يستخدمها جيش قطعان بني صهيون في قطاع غزة. وبالطبع في الضفة الغربية وفي كل حروبه العدوانية السابقة ليس ضد فلسطين فحسب. ولكن ضد مصر ولبنان وسوريا والعراق وتونس في السنوات والعقود المنصرمة هي صناعة أمريكية وما يصنع في داخله منها يكون بدعم وإسناد الحليف الاستراتيجي. والتدريبات على استخدامها يتم بالتعاون مع الجيش الأمريكي الذي يحتفظ بمخازن أسلحة معدة للاستخدام الفوري في القتال في أراضي فلسطين 1948. وهو ما يجسد بوضوح أبعاد الدور العدواني والتآمري الأمريكي ضد الفلسطينيين والعرب. ومع ذلك وتلك مفارقة تحيرني. لا يفتأ العرب يلجأون لواشنطن لحل مشكلاتهم مع الكيان . ورغم الثقة العربية المتهافتة في العم سام والتي بدأت مع مقولة السادات بأن أوراق القضية بنسبة 99 في المائة هي بيد الولايات المتحدة. فإنها لم تنحز مطلقا لقضاياهم بل كانت سباقة بالانحياز لقضايا ومصالح الكيان والدفاع عنه بكل السبل بما في ذلك اللجوء إلى حق النقض – الفيتو – في مجلس الأمن الدولي لإجهاض أي قرار قد ينطوي على قدر من إدانة سلوكه العدواني فهل ثمة خطر على الأمة العربية وعلى القضية الفلسطينية يوازى خطر الولايات المتحدة والتي هي الوجه الآخر للكيان الصهيوني؟
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5349
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
4737
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
4179
| 05 أكتوبر 2025