رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ما جرى مساء الثلاثاء الماضي من وقائع أسفرت عن رفض مشروع القرار العربي المقدم لمجلس الأمن. والذي ينص على إنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية في فلسطين، وفق جدول زمني ينتهي بنهاية العام 2017. وذلك بحسبانه رمانة الميزان، في معادلة الاستقرار والأمن وحقوق الشعوب المقهورة والواقعة تحت الاحتلال، يعبر عن جملة من الحقائق. أولها أن العالم لم ينضج بعد للخروج من عباءة التأثير الصهيوني خاصة الدولة الكبرى. الولايات المتحدة. التي مارست كل صنوف الضغوط لإجهاض عملية التقدم بمشروع القرار سواء على الجانب الفلسطيني أو على الجانب العربي الذي أبدى حماسا واضحا لمشروع القرار على نحو يصل إلى حد الإجماع. ثم تواصلت هذه الضغوط -ومعها ضغوط صهيونية - عند طرح المشروع للتصويت خاصة على الدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن والتي تجاوب بعضها معها في حين أن البعض الآخر لم ينحن له، وهو ما يتعين على الدول العربية أن تقوم بدراسته بعمق، لتتعرف على سبيل المثال على الأسباب التي تدفع دولة إفريقية كبرى، مثل نيجيريا ترتبط بعلاقات قوية مع أغلبها ويشكل الإسلام مكونا مهما لملايين من سكانها للتصويت بلا. ضد مشروع القرار وهو ما يعنى أن ما يسمى بالمنظومة العربية الإفريقية، والتي عقدت خلال السنوات الخمس الماضية، قمتين إحداهما في سرت الليبية في العام 2010. والثانية في الكويت في 2013 ليست على النحو المطلوب من التماسك. مما يتعين معه إعادة النظر في كل الخطوات التي يتخذها العرب تجاه مثل هذه الدول التي سرعان ما تستجيب لرغبات الكيان الصهيوني. على نحو يجعلها أكثر فعالية من الخطوات التي يقوم بها الكيان في إفريقيا. والتي – حتى نكون أكثر صراحة –تتسم بقدر كبير من الانسجام والتناغم مع متطلبات الدول الإفريقية.
ثانيا: ثمة إشكالية في المنهجية الفلسطينية -ومعها بالطبع العربية - في التعاطي مع مجلس الأمن. فالجميع كان لديه قناعة بأن الإدارة الأمريكية المتحالفة أفقيا ورأسيا مع الكيان الصهيوني. باعتباره الشريك الاستراتيجي الحقيقي والوحيد في منطقة الشرق الأوسط. سوف تستخدم حق النقض – الفيتو – وبالتالي لم تركز على الخطوات الإجرائية. التي تسبق التصويت النهائي. والمتمثلة في اعتماد القرار والذي يتطلب توافر تسعة أصوات وهو ما لم تنجح فيه الدبلوماسية الفلسطينية والعربية. وكان من الضروري أن تتكثف الاتصالات مع الدول الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن. بما يضمن الأصوات التسعة ثم ملاحقة مختلف أشكال الحصار والضغوط التي يقوم بها الطرفان الأمريكي والإسرائيلي. وليس الاكتفاء فحسب بمجرد الحصول على وعود من ممثلي هذه الدول. عبر استخدام كل القنوات المتاحة. بما في ذلك إجراء الاتصالات على مستوى القمة. وهو ما نجح فيه بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان. عندما اتصل بصديقه رئيس نيجيريا -على حد وصفه - والذي استجاب لطلبه. وشخصيا. فإنني على علم بأن ذلك لم يحدث على المستوى العربي. فالجميع ركن إلى الاتصالات التي أجراها الوفد الوزاري العربي. والذي ضم وزراء خارجية الكويت وموريتانيا وفلسطين إضافة إلى الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية. مع وزراء خارجية أمريكا وبريطانيا وفرنسا في كل من لندن وباريس. بينما تحرك نتنياهو إلى روما للقاء جون كيري في نفس توقيت تحرك الوفد الوزاري العربي. وبذلك تبدو واشنطن في حالة من البراءة والنقاء والشفافية. فهي تجاوبت مع مطالب العرب في تجنب اللجوء إلى الفيتو. بيد أنها في الوقت ذاته عملت على إجهاض مشروع القرار من الجذور.
ثالثا: ثمة تساؤل ألم يكن الطرف الفلسطيني - والعربي بالضرورة - على وعي وإدراك، بأن هناك تغييرا سيطال تركيبة العضوية غير الدائمة لمجلس الأمن في مطلع العام الجديد، وستضم خمس دول بطبيعتها مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني، فلماذا كان الإصرار على عرض المشروع للتصويت قبل بداية العام الجديد، خاصة أن موازين القوى في المجلس تكاد تكون معروفة؟ وهل ينبئ ذلك عن سوء تقدير للموقف؟ أم أن هناك أسبابا غير معروفة وراء هذا التحرك؟ خاصة أنه كان لدي معلومات من مسؤول فلسطيني رفيع المستوى بأن هناك تفكيرا جادا لدى القيادة الفلسطينية لطرح المشروع على التصويت في شهر يناير.
رابعا: إن الخطوات التي أقدمت عليها القيادة الفلسطينية في اليوم التالي للإخفاق في تمرير مشروع القرار، تعكس رغم كل الملاحظات سالفة الذكر عن استعداد جيد للتعامل مع تداعيات هذا الإخفاق ولعل ما يستحق الإعراب عن التقدير في هذا الصدد، هو أن الرئيس أبو مازن لم يخش التهديدات والضغوط التي تعرض لها للتراجع عن هذه الخطوات، وفي صدارتها توقيع طلب الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وهي الخطوة التي أصابت قادة الكيان بالقلق، لكونها توفر المطالبة بمحاكمتهم لارتكابهم جرائم حرب ضد الفلسطينيين، وقد حاول نتنياهو شخصيا التقليل من هذه الخطوة، عندما أراد أن يلقي بالكرة في ملعب الفلسطينيين حيث لفت أن المحكمة ستحاكم قادتهم بتهمة انتمائهم لتنظيم إرهابي – حسب توصيفه هو حركة المقاومة الإسلامية – حماس – وهو ما لم يخف أيا من رموز القيادة الفلسطينية. التي لم توقع على طلب الانضمام لهذه المحكمة فحسب. وإنما لـ22 من المنظمات والهيئات والبرتوكولات الدولية التي يحق لدولة فلسطين. العضو غير المكتمل بالأمم المتحدة. الانضمام إليها مما سيتيح لها الحصول على المزيد من الحقوق والامتيازات على الصعيد الدولي. ولكن ذلك يستوجب تحركا فلسطينيا وعربيا نشطا باتجاه الأمم المتحدة. وهذه المنظمات والهيئات والبرتوكولات لقطع الطريق على أي ضغوط صهيونية وأمريكية. تحاول أن تجهض عضوية دولة فلسطين بها مما يستوجب أن يكون في صدارة جدول أعمال الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية. الذي سيعقد منتصف الشهر الجاري المخصص لبحث تداعيات مشروع القرار.
خامسا: ثمة حاجة حقيقية لإعادة النظر في مجمل تفاعلات المشهد الفلسطيني الداخلي. باتجاه بناء مصالحة وطنية حقيقية. تكون بمنأى عن الاهتزاز والسقوط في أفخاخ التصريحات الإعلامية المستفزة من هذا الطرف أو ذاك. فذلك وحده كفيل بتحقيق وحدة الموقف. فضلا عن أنه يشكل إسنادا قويا للمفاوض الفلسطيني. في تعاطيه السياسي. سواء مع الكيان الصهيوني أو مع الأطراف الدولية. الأمر الذي يجب أن يقود بالضرورة إلى ضرورة تحقيق إستراتيجية وطنية - وفق تعبير الكاتب الفلسطيني معين الطاهر - للرد على تداعيات إخفاق مجلس الأمن في إقرار مشروع القرار. وحسب رؤيته فإنه في ظل ظروف الانقسام الفلسطيني وما أنجزته المقاومة في غزة من جهة، وطبيعة الأوضاع في الضفة، فإنه قد يتجسد أسلوبان مختلفان من النضال، لكنهما يصبان ضمن إطار هذه الإستراتيجية وطنية شاملة. ففي غزة، ينبغي الاستعداد للجولة المقبلة، بتعزيز قدرات المقاومة العسكرية والتمسك بسلاحها، وهذا يستدعي تشكيل إدارة وطنية موحدة من الفصائل والشخصيات الوطنية، تخوض النضال من أجل رفع الحصار، وتخفيف المعاناة الإنسانية، وتحافظ على قدرات المقاومة العسكرية وتطورها.
أما في الضفة الغربية، فقد آن الأوان لخوض مقاومة شعبية شاملة حقيقية، تشكل الوجه الرئيس، والسمة الغالبة لكفاح الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة. تتجاوز هذه المقاومة الشعبية ما عرف بالمسيرات الأسبوعية ضد جدار الضم العنصري، لتتحول إلى مواجهة يومية مع حواجز الاحتلال ومستوطناته ودورياته، في مقاومة شعبية، تتصدى للاحتلال، وتقيم لجانها الوطنية في كل الأحياء والمدن والقرى، مقاومة شعبية ترفض المفاوضات والاتصالات مع العدو، وتنهي كلياً التنسيق الأمني معه، وتضع شروطها لدحر الاحتلال من دون قيد أو شرط.
تعددت نماذج القيادة عبر الأزمان ولكن لسنا بحاجة للرجوع إلى النماذج الغربية للقيادة، فلدينا أعظم مرجع للقيادة يحتذى... اقرأ المزيد
33
| 03 أكتوبر 2025
ليس واحدا أو اثنين أو ثلاثة، بل أربعة دفعة واحدة استشهدوا مع أبناء عمومتهم والجيران، قُصف المنزل على... اقرأ المزيد
42
| 03 أكتوبر 2025
في مشهد تربوي يؤكد حضور اللغة العربية كهوية وانتماء، دشّنت مدرسة الوكرة الإعدادية للبنات يوم الخميس 25 سبتمبر... اقرأ المزيد
24
| 03 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
6033
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4470
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3336
| 29 سبتمبر 2025