رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
السؤال مطروح بقوة في المشهدين الفلسطيني والعربي. وثمة مطالبة واسعة بانخراط القوى الفلسطينية الحيوية خاصة الشباب في انتفاضة سلمية مع قوات الاحتلال. بل إن الأراضي المحتلة شهدت خلال الأيام الأخيرة بدايات واضحة بهذا الاتجاه. ومع ذلك هناك هواجس من أن تتحول مثل هذه الانتفاضة إلى مواجهات عسكرية سيكون جيش الاحتلال هو المحرض عليها حتى يجردها من مضمونها الإنساني وينشئ مبررات لمواصلة نزوعه العدواني الهمجي ضد الشعب الفلسطيني مثلما حدث في قطاع غزة قبل أشهر وجيزة.
وفي تقديري. فإنه بات من الضرورة بدء حراك شعبي يأخذ شكل المظاهرات والاحتجاجات السلمية. من دون اللجوء إلى الحجارة أو أي من أشكال المواجهات. وذلك كمقدمة للدخول في انتفاضة شعبية واسعة إن لم تستجب سلطات الاحتلال الصهيوني لمتطلبات الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة. وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته. مثله مثل أي شعب آخر. خاصة أنه الشعب الوحيد في العالم اليوم الذي يخضع لأعتى وأسوأ أنماط الاحتلال . دون أن يحرك القوى الكبرى في هذا العالم. والتي تزعم انتماءها لحضارة إنسانية تعلي من قيمة حقوق الشعوب. وتنحاز لاستقلالها وكأن الشعب الفلسطيني يقيم في كوكب آخر دون كوكبنا. وهي مفارقة- لغز في الفكر السياسي الغربي. الذي ما زال منحازا على مستوى النخب الحاكمة والمؤثرة لمنظور الاعتداء على الشعب الفلسطيني. ومتبنيا طروحات الجلاد والمعتدي والمحتل معتبرا أعمال القتل التي يمارسها ضد هذا الشعب الفلسطيني دفاعا عن النفس (...).
وثمة عوامل موضوعية تدفع باتجاه البدء في القيام بالحراك الشعبي المطلوب في المرحلة الراهنة أولها: أن المشروع التوسعي الاستعماري الاستيطاني العدواني للكيان الصهيوني. مصر على البقاء في حالة اشتعال وعلى كل المستويات. دون أن تطرف عين لقادة الكيان ومسؤولي مؤسسته العسكرية. بهدف إجهاض المشروع الوطني الفلسطيني. ومحو الهوية الفلسطينية العربية من الوجود. وهو ما يتجلى في سلسلة الاعتداءات والانتهاكات والاقتحامات المتواصلة في القدس الشريف وعلى المسجد الأقصى. والتي طالت البشر والحجر.وبلغت ذروتها بإغلاق قدس الأقداس في فلسطين: مسجدها الأقصى مؤخرا ومنع المصلين من الوصول إليه . ورغم تراجع سلطات الاحتلال تكتيكيا عن هذه الإجراءات تظل النزعة العدوانية تجاه الأقصى راسخة. في توجهات حكومة نتنياهو اليمينية المتحالفة مع عتاة المستوطنين. والتي تتيح لهم البيئة الحاضنة لتحقيق أحلامهم العبثية باستعادة هيكل سليمان المزعوم. من خلال حماية إقامة صلواتهم بباحات المسجد الذي يدنسون طهارته ويقضون مضاجع عباد الرحمن فيه. ويشاركهم في ذلك كبار المسؤولين بالدولة المغتصبة. الذين لا يتورعون عن اقتحام المسجد ذاته تحميهم قوات أمن مدججة بكل أنواع الأسلحة الفتاكة.
ثانيا: لم يوقف الكيان مشروعه الاستيطاني. سواء في القدس أو في غيرها من الأراضي المحتلة. رغم أن صدور قرارات من الشرعية الدولية الباهتة الظلال فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني. وتعهدات حكومة نتنياهو بالتوقف عنه. وكان آخر مظاهر ذلك موافقتها على بناء 200 وحدة جديدة. ما جعل القدس محاطة بغابات كثيفة من المستوطنات التي تشكل. على نحو أو آخر. أخطر المعوقات في أي عملية تفاوض جادة لإنهاء الاحتلال الصهيوني. ومصدرا من مصادر الابتزاز السياسي للفلسطينيين . في سعيهم لبناء دولتهم المستقلة. وفق رؤية حل الدولتين التي قبلوا بها على مضض. رغم أنها تعطيهم مساحة لا تزيد على 22 في المائة من أراضي فلسطين التاريخية. واللافت أن العالم كله بما في ذلك الولايات المتحدة ينظر إلى بناء المستوطنات بحسبانها معوقا أساسيا في سبيل عملية سلام مأمولة . غير أن الكيان لا يعر أي اهتمام لمثل ذلك . ويمضي سادرا في غيه. لأنه مدرك تماما أنه لن يتلقى العقاب الذي يستحق . غير أن المرء لا ينسى موقف الاتحاد الأوربي على هذا الصعيد. الذي منع استيراد أي سلع صهيونية منتجة في مناطق الاستيطان. وهو ما يمكن اعتباره أضعف الإيمان. ويتطلب من الطرف الفلسطيني والعربي تحركا أوسع. باتجاه شرح مخاطر المشروع الاستعماري الاستيطاني للكيان الصهيوني على أمن أوروبا. القريبة التي لا يفصلها عن فلسطين والوطن العربي سوى بضعة أميال بحرية.
ثالثا: فشل كل طروحات السلام. سواء التي قدمت على مدى العقود الثلاثة الأخيرة بها الجانب الفلسطيني أو الجانب العربي. أو حتى على الصعيد الدولي وعدم احترام الكيان بقياداته المتطرفة المتعاقبة لأي من التعهدات التي التزموا بها. للمضي قدما في مفاوضات. كان من شأنها -لو تعاملوا معها بجدية وليس باستخفاف - أن تحقق حلا متوازنا مرضيا للطرفين . رغم أن ذلك الحل يساوي بين القاتل والقتيل بين الجلاد والضحية . ولكن الطرف الفلسطيني. ومعه العرب. قدموا أقصى ما يمكن من مرونة. والتي بلغت مستوى التنازلات المرة . ومع ذلك أجاد ممثلو الكيان لعبة إهدار الوقت في كل جولات التفاوض التي جرت وعملوا على إغراق المفاوض الفلسطيني في التفاصيل المملة . وركزوا دوما على ما يحقق أهداف الكيان. دون أن يلقوا بالا. لأي من حقوق ومطالب الشعب الفلسطيني. والذين ينكرون وجوده بالأساس اتكاء على موروث توراتي مغرق في الضلال والتشويش. والقدرة على قلب الحقائق وتقديمها للآخر الغربي باعتبارها ثوابت. لا تتعارض مع أنساقه الفكرية والسياسية. وبالطبع نحن ندرك أن الكيان الصهيوني هو حصيلة تصور غربي لإقامة كيان يجتمع فيه اليهود. ليحقق مصالحه في الاستحواذ والهيمنة على الوطن العربي. والفصل بين مشرقه ومغربه. والحيلولة دون أي مقاربات وحدوية بين مكوناته. وللأسف نجح الغرب إلى حد كبير في أهدافه من وراء زرع هذه الدويلة. المقامة على مساحة تقترب من العشرين ألف كيلو متر مربع . ويسكنها نحو ستة ملايين نسمة. والتي لم يتمكن الوطن العربي بدوله الاثنين والعشرين. ومساحته التي تصل إلى 14 مليون كيلو متر مربع وسكانه الذين يتجاوزون الـ300 مليون نسمة. من إجهاض مشروعها أو على الأقل ردع نزعتها العدوانية
رابعا: ثمة تحولات نوعية على المستوى الشعبي والنخبوي في أوروبا والولايات المتحدة باتجاه حقوق الشعب الفلسطيني . ورفض عدوانية الكيان الإسرائيلي متمثلا في وصول المئات من الناشطين السياسيين الأجانب إلى الأراضي المحتلة . والذين يشاركون الشعب الفلسطيني احتجاجاته الرافضة لاستمرار الاحتلال . ومناوشاته قرب الجدار العازل فضلا عن رفض بعض من أبناء الجالية اليهودية في أمريكا لسياسات الكيان . ويمكن استغلال كل ذلك. وغيره من أشكال التأييد الخارجي للقضية الفلسطينية في رفد الحراك الشعبي في الأراضي المحتلة. بالمزيد من القوة والمساندة . ويمكن أن يشكل في الآن عينه. أرضية للانطلاق عالميا لتوسيع دائرة هذا التأييد.
خامسا: هناك حراك شعبي عربيا في بلدان ما يطلق عليه بثورات الربيع العربي . صحيح أن أغلبها دخل في متاهات وصراعات واضطرابات داخلية تكاد تقضي على أسس الدولة الوطنية في هذه البلدان. ولكن يمكن توظيف جوانبها المضيئة . المتمثلة في قدرة الشعوب -عندما تتحرك سلميا وبكثافة ودون توقف - على إحداث تغيير في المعادلة القائمة فمثلما تمكنت شعوب تونس ومصر وليبيا واليمن من إسقاط أعتى النظم الاستبدادية في المنطقة. سيكون بمقدور الشعب الفسطيني بتحرك واع سلمي ومنظم من إسقاط أسوأ أنواع الاحتلال في التاريخ المعاصر وأشدها عدوانية وإمعانا في القتل وإهدار حقوق الشعوب.
تعلمون بأنني أتصفح بشكل يومي موقع صحيفة الشرق بل وأستمتع وأنا أتصفحه لتنوعه واهتمامه بأدق الأمور وأصغرها، وهذا... اقرأ المزيد
183
| 20 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت سنتر»، خيارًا ترفيهيًا أو موضة مؤقتة، بل أصبحت جزءًا من... اقرأ المزيد
738
| 20 أكتوبر 2025
لم نكن لنتخيل أن الغباء له هذا الحضور الطاغي بيننا، وأن التفاهة تملك هذا العدد الهائل من الأنصار.... اقرأ المزيد
456
| 20 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7920
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6996
| 14 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2853
| 16 أكتوبر 2025