رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

طوفان الأقصى.. انهيار المسلمات

الحرب الإسرائيلية المستعرة في غزة على الفلسطينيين تؤكد أن المقاومة الفلسطينية لا تزال تقدم نماذج بطولية نادرة في مواجهة اعتداءات المحتل. فقد وقف العالم مشدوهاً أمام جسارة المقاومة وإصرارها على رد العدوان فتألم المحتلون كما تألم الفلسطينيون بيد أن الفلسطينيين يرجون من الله ما لا يرجوه أعداؤهم. وصورة المشهد البطولي للمقاومة الفلسطينية ظلت تملأ الزمان والمكان. ولا شك أن خيبة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي هي خيبة للدولة المحتلة في المحصلة، جرتها عليه بطولات لا تبدو معتادة في زمان طغيان وجبروت القوة الغاشمة المستبدة بترسانات الأسلحة المتطورة. إن قرار المقاومة الفلسطينية خلال السنوات القليلة الماضية استخدام ترسانتها الصاروخية لم يكن اعتباطيا أو من باب التجريب بل كان إدراكا منها بأن ذلك سيترتب عليه في كل مرة هجوم إسرائيلي كبير على غزة، لكنها ظلت تتخذ القرار الصعب دائما فكانت هي من يحدد توقيت الحرب وذلك يدل على احترافية ومهنية عسكرية. ولعل أهم معطى أن المقاومة خرجت من إطار فعل التفجيرات المنفردة والمتباعدة في عمق دولة الاحتلال وتلكم مسألة تثير جدلا كبيرا ظل يكبح التعاطف مع القضية الفلسطينية، إلى إطار الحرب المنظمة. فبعد سنوات من الكمون النسبي أظهرت المقاومة نجاحا كبيرا في تكوين منظومة صاروخية قادرة على الوصول إلى كل المدن الإسرائيلية، وعلى إحداث خسائر، وإرباك الحياة اليومية. وغير الهزيمة المعنوية المدوية، فإن جزءا مهما من نجاح دولة الاحتلال الإسرائيلي في الترويج لسوق سلاحها وخبرتها في مجال الأمن والمخابرات، ظل قائما على صورة جيشها الذي لا يقهر، فانحطت هذه الصورة وتداعت بدون شك. لعل من أكبر خسائر دولة الاحتلال الإسرائيلي من حربها المجنونة ضد غزة تأكيد عزلتها واستحالة اندماجها في محيطها فضلا عن تكريس حالة العداء ضدها وضد داعميها. وقد سبق ذلك محاولات يائسة لفرض هذا الكيان على المنطقة على قاعدة تصفية القضية الفلسطينية نهائيا بيد أن عملية طوفان الأقصى في السابع من الشهر الجاري أكدت أن هذه القضية حية ولن تستطيع أي مشاريع محلية أو عابرة، تصفيتها سواء بالقوة الغاشمة أو بالقوة الناعمة. ليس هذا فحسب فإن عملية المقاومة الأخيرة أكدت هشاشة وكرتونية دولة الاحتلال، وما تعاظم الهبة الغربية الداعمة وموسم حج زعماء هذه الدول، إلا محاولة عبثية لتأكيد أن هذه الدولة المصنوعة دولة طبيعية وقادرة على البقاء. وما هذه الزيارات التي تمت على أعلى المستويات إلا انعكاسا لحالة الهلع سيطرت على حكومة الاحتلال التي صرخت مستنجدة بأصحاب المشروع الصهيوني في المنطقة. بعد 7 عقود من إنشاء هذه الدولة لم تستطع أن تشعر بالأمان والقضاء على المقاومة الفلسطينية المتقدة. وليس خافيا أن الكيان الإسرائيلي هو مشروع أمريكي غربي في المنطقة، وليس للولايات المتحدة حليف أو صديق في هذه المنطقة الإستراتيجية إلا هذا الكيان الغاصب، فلا تغتر دولة أو تركن لأي تحالف مع واشنطن. وربما كان قطار التطبيع الذي تقوده واشنطن وسط ألغام الرفض الشعبي الكاسح، يفضح المحاولات الأمريكية لجعل الدول المطبعة دولا وظيفية. والدولة الوظيفية هي الدولة التي تقوم بوظيفة ما، وتؤدي خدمة ما مؤقتا أو لمدة معينة، عبر المراحل التاريخية أو أنها تعمل على منع حدوث أمر ما في المنطقة. والدولة الوظيفية تحرسها نخب ترتبط مصالحها ببقاء هذه الدولة، ولذلك فهي حريصة على اجتراح نظريات ورؤى فكرية تعمل على بقاء الدولة الوظيفية لأكثر مدة ممكنة حتى تحافظ على مصالح هذه النخبة ومناصبها وأدوارها. ويشكل يهود الغرب وهم اليهود الأشكناز، النخبة المتحكمة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهم نتاج الجالية اليهودية في الولايات المتحدة التي تتكون من المنحدرين من شتات يهود وسط أوروبا وشرقها، ويمثلون 90- 95 % من اليهود الأمريكيين. فدولة الاحتلال الإسرائيلية هي صدى ليهود الغرب بثقافتهم الشاذة والمتعالية على الثقافة الشرقية فضلا عن شعورهم الباطني بأنهم سُرّاق لأرض فلسطين ولا علاقة لهم بها ولا لأجدادهم فهم شعب أوروبي بديانة يهودية محرّفة ومختلقة في غالبها. والمفارقة المدهشة تتبدى في قوة تأثيرهم في الدولة الأمريكية بالرغم من نسبتهم الضئيلة مقارنتهم بحجم سكان الولايات المتحدة، ففي سنوات قليلة مضت قُدِّر تعدادهم بين 5.5 مليون و8 ملايين، وهذا يمثل 1.7 %- 2.6 % من إجمالي السكان. فهذا التأثير قد تحقق بالإعلام والمال وذلك الذي يحدث فرقا في انتخاب أي رئيس أمريكي. اليوم القادة المطبوعون هم أول ضحايا الخبث الإسرائيلي؛فقد ظهر جليا الدعم والإسناد الذي تقدمه دولة الكيان الإسرائيلي لمليشيا الدعم السريع في السودان، فبالرغم من أن الجنرال عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة في السودان كان قد قاد التطبيع مع إسرائيل والتقى نتنياهو في في أبريل 2020 بالعاصمة الأوغندية كمبالا، إلا أن تل أبيب دعمت محاولة انقلاب مليشيا الدعم السريع على البرهان في 15 أبريل الماضي. فبعد نحو عام من ذلك اللقاء المشؤوم حطت طائرة خاصة تابعة للموساد بالخرطوم وكان على متنها مسؤولون بالجهاز الاستخباراتي الإسرائيلي، للالتقاء بقائد المليشيا الجنرال محمد حمدان دقلو المشهور بحميدتي. وعند بدء عملية طوفان الأقصى سارعت المليشيا المتورطة في أعمال إرهابية في السودان إلى تأييد إسرائيل وإدانة المقاومة الفلسطينية. وبعد مرور عدة أشهر من توقيع اتفاق التطبيع بوساطة أمريكية والمعروف باتفاق إبراهام في يناير الماضي، لم تف واشنطن بوعدها بالاستثمار في مشروعات الزراعة والتكنولوجيا في السودان. وأشار تقرير إسرائيلي بأن الخرطوم مستاءة تشعر بخيبة أمل بسبب الاستثمارات الأمريكية غير الكافية، التي كانت ترى أن زيادة الأموال ستضفي المزيد من الشرعية للتطبيع مع إسرائيل وتسويقه للشعب السوداني المعروف بممانعته القوية للتواصل مع إسرائيل.

798

| 21 أكتوبر 2023

طوفان المقاومة.. ضرورات توازن الردع

فضَّل الله تعالى الإنسان على كثير ممن خلق تفضيلا، وكل الحيوانات التي فُضِّل الإنسان عليها تدرك قدر نفسها حتى الخيل التي شرفها الله وبين فضلها، لكن يوما قرر اثنان منها وهما المسخان اللذان مسخهما الله أن يصطفا على قارعة طريق ينتظران مرور الإنسان ليصفانه بأنه حيوان بشري في محاولة لرميه بدائهما. بيد أن ذلك لم يغير من حقيقة أنهما أدنى الحيوانات درجة كما لم يغير بالضرورة حقيقة الإنسان الذي فضله الله على كثير ممن خلق تفضيلا. على وقع جحافل المقاومة المنتفضة في فلسطين على ظلم الاحتلال الذي طال وتمادى ظلما وتقتيلا وارتكنوا لأرض احتلوها، أفاضت عليهم بنعم طيبة وفرحوا بها، جاءتهم ريحٌ عاصفٌ وجاءهم الموج من كُلِ مكان، فقاموا مذعورين مرعوبين يبحثون عن الجيش (الذي لا يقهر) فما وجدوه يقينا. إزاء تلك الحالة الهستيرية انتزع وزير دفاع الجيش المقهور من قلبه كل خالجة تشير إلى إنسانيته ليصف الشعب الفلسطيني ومقاومته بأنهم (حيوانات بشرية). لأول مرة تستفيق دولة الاحتلال الإسرائيلي على تهديد وجودي وتذكير قوي بحقيقة أن لا استمرارية لدولة تحتل شعبا وتغتصب أرضه. العقلاء من المحتلين ظلوا ينوهون ويحذرون من هذا المآل غير أن العزة بالإثم ظلت تأخذ معظمهم لهثا وراء سراب الدولة اليهودية الثيوقراطية. في مقالة للكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي كتب يقول: «إنّنا نُواجه أصعب شعب في التّاريخ، وعمليّة التدمير الذاتي والمرض السرطاني الإسرائيلي بلغا مراحلهما النهائيّة، ولا سبيل للعِلاج بالقبب الحديديّة، ولا بالأسوار، ولا بالقنابل النوويّة”. اليوم المقاومة الفلسطينية بكل طيفها تواجه عارية أكبر طاغوت إقليمي مدعوما بأكبر طاغوت دولي، ومع ذلك أثبتت أنها قادرة على إحراج الاحتلال والإمساك بتلابيبه وهزه هزا. لقد كان المطلوب من المقاومين الصمت، على اعتبار أن مجرد رفع الصوت في مواجهة آلة الطاغوت موت وأن الصمت حياة. أي إياك أيها المقاوم أن تتخذ قرارك، وأن ترفع صوتك، وأن تعلي صرختك، وأن تعلن موقفك، وأن تمارس إنسانيتك، فقط اصمت وإلى الأبد. لقد خلص تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن «السلطات الإسرائيلية تسعى من خلال التمييز العنصري للحفاظ على هيمنة ممنهجة من اليهود الإسرائيليين على الفلسطينيين»، وذلك التمييز العنصري أسست له وكرّسته سياسات وممارسات وتصريحات قادة الاحتلال الإسرائيليين. دروس المقاومة تقول إن المقاومة فعل مستمر ولا بديل له في ظل الظلم الغاشم، والدليل فشل محاولات الفصل بين المقاومين وعامة الشعب. لقد أثبت طوفانها أنها مقاومة مشرفة في واقع سياسي بئيس. من وسط ركام الأبنية المدمرة نظمت أنات الأطفال وهمسات الكبار ألحان المقاومة ولا ألحان دونها، ألحان ازدادت توثّبا واضطرمت رغبة وعزما، حتى غدا ظلام العالم كله يعجز عن إطفاء قناديلها المتقدة. لقد أعلنوا حرب الفرح وديمومة الحياة في مواجهة العدو والجرح، سيظل كبرياء الجرح عيدا. لقد حولت عزيمة المقاومة (الجيش الذي لا يقهر) إلى نعامة فتخاء. فنحن إذن في حاجة إلى عزيمة وإيمان لتعادل أضعافا من رؤوس إسرائيل النووية المحزنة بعلم الوكالة الدولية للطاقة الذرية. إن العدو لا ترهبه القوة المادية بقدر ما ترهبه العزيمة وقوة الإيمان بحق العيش بكرامة وعزة، ولذلك فإن كل مقاومة بهذه الصفات فهي موسومة بالضرورة بفرية الإرهاب، فهي تخيفهم وتذهب بعقولهم وتذكرهم بضعفهم. هذه المقاومة لم تقم بأي عمليات خارج نطاق فلسطين ولا حتى تنسق أو تتلقى أي توجيهات خارجية فقد كشف مسؤولون أمريكيون لصحيفة «نيويورك تايمز» أنّ الإدارة الأمريكية جمعت معلومات استخبارية متعدّدة تدلّ على أنّ قيادات دولة متهمة بدعم طيف من المقاومة الفلسطينية قد تفاجأت بالهجوم السبت الماضي. ومع ذلك يحاول الاحتلال عبثا ربطها بالإرهاب أو تشبيهها بداعش استدرارا للعطف وتغطية لإرهابه الحقيقي الماثل. صور الأطفال المرعوبين والرضع المقتولين وفرق المسعفين التي لم تستثنها طائرات الاحتلال، ذلك هو الإرهاب الحقيقي. لأول مرة يشاهد العالم فريق إسعاف يهرع لإسعاف فريق آخر وانتشال أشلاء زملائهم من بين سيارة إسعاف دمرتها طائرات الاحتلال تدميرا، وليس منبع الدهشة أنها مميزة بعلاماتها وهيئتها التي لا تخطئها عين ولكن الدهشة أنها سارت لإنجاز مهمتها بعد تنسيق تم عبر الصليب الأحمر الدولي الذي أبلغ الاحتلال بمهمة الإسعاف. لقد أثبتت الأمم المتحدة وموظفوها وتقاريرها وما شابهها من منظمات وظيفية، لاسيما حين يقع الحدث في فضاء الهامش الدولي، أنها لا تعدو في مجملها صناعة بيروقراطية يصعب عليها أن تتوشح بالموضعية والصدقية. اليوم العالم يتابع ما يحدث في غزة جراء العدوان الإسرائيلي تجاه المدنيين دون أن يحرك ساكنا، ولم يستطع جيش الاحتلال إثبات إصابته لأي أهداف عسكرية في غزة وإنما ظل القصف الغادر موجها إلى المدنيين ومنازلهم والمستشفيات واستكمل القصف المدمر المستمر بقطع خدمات المياه والكهرباء ومنع دخول الإمدادات الطبية العاجلة. لن يقف ما يسمى بالمجتمع الدولي في وجه الصلف الإسرائيلي إن لم يشجعه ويدعمه، هكذا تشير الوقائع والتجارب. من قبل أعلنت دولة الاحتلال رسميا أنها لن تتعاون مع تحقيق تجريه المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم حرب قد تكون ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقال رئيس الحكومة إن إسرائيل ستبلغ المحكمة الجنائية الدولية بأنها لا تعترف بسلطة المحكمة، التي تعتزم التحقيق في جرائم حرب في فلسطين. وهذه وزيرة الثقافة البريطانية في بلاد تتغنى بأنها واحة الحريات لاسيما الحرية الإعلامية تطالب المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بتعديل الدليل التحريري لديها لوصف إحدى حركات المقاومة بالإرهاب، وذلك على خلفية العمليات الفدائية الأخيرة في العمق الإسرائيلي. فمن يحدّث الفلسطينيين بعد هذا بأن يتركوا المقاومة ويدفعهم إلى الاستسلام؟.

624

| 14 أكتوبر 2023

حروب العالم.. عبثية المشهد

في أول 5 دقائق من أي نشرة إخبارية مصورة واحدة تشاهد مظاهر مفجعة من الدمار والبؤس والموت المجاني بسبب الحروب التي أصبحت تغطي معظم العالم ولا تكاد تستثني بقعة. تتطاول الحروب وتنتشر رغم ثبات عبثيتها في تحقيق الأهداف السياسية لا سيما الأطماع في أوطان ثروات الآخرين. قبل نحو 35 عاما خرج الاتحاد السوفييتي السابق صاغرا من أفغانستان، ولم ينفعه جبروت قوته واندحر أمام قوة أفغانية محلية. ولم تع الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك الدرس وأقدمت بعد نحو عقدين في 2001 على عملية عسكرية لاحتلال أفغانستان وخرجت كذلك صاغرة بعد عشرين عاما عجافا في 2021 في سياق ملهاة دولية رتيبة. والوطن العربي يجد حظه غير منقوص من هذه الملهاة، فهو عالم مصغر تكتوي كل رقعة منه بنار الدمار. وفلسطين جرح الأمة الغائر، ظلت قضيتها المركزية وتطوراتها مؤشرا قويا لحال هذا الوطن العربي. في بداية عام 2020 أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ما أسماه بخطة السلام بين فلسطين وإسرائيل والمعروفة بـ «صفقة القرن» بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسفراء أربع دول عربية في العاصمة الأمريكية واشنطن، وظل ترامب يصر على تسويق هذه الخطة ممنيا أهل فلسطين بوعود كاذبة في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل تطبيق حتى الحلول الاستسلامية، مثل حل الدولتين وعودة اللاجئين، وظلت تؤكد أنه من الصعب إجلاء المستوطنين من أراضي الضفة الغربية. وفي سياق هذه الصفقة، شهد ذات العام 2020 صفقات صغرى مكملة، ليلتحق بقطار التطبيع عدد من الدول العربية ليس من بينها أي دولة من دول الطوق (المواجهة) أو قريبة جغرافيا من دولة الاحتلال الإسرائيلي، حتى يتعلل بعضها بضرورات الجغرافيا السياسية ويتخذ ذلك ذريعة للتعاطي مع الدولة الغاصبة. ليس خافيا أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى من منظار إستراتيجي أن دولة إسرائيل هي الوريث «الشرعي» لعرش الشرق الأوسط أو العالم العربي. في المقابل فإن حال الولايات المتحدة الأمريكية لا يسر المشفقين عليها، ولعل إخفاق سياساتها حول العالم ينعكس لا محالة سلبا على الداخل وتماسكه، يقول ديفيد هيرست الكاتب البريطاني الشهير ومدير تحرير موقع ميدل إيست آي: إن الغرب الذي يمثل في مجموعه القوة الأعظم نجح فقط في نشر توحش وبؤس الحرب في أفغانستان على مدى عقدين، وإن حساب تكلفة التدخل الغربي في أفغانستان بعدد الأرواح العسكرية الأمريكية والبريطانية التي أزهقت هو الدليل القاطع على أننا حضارة تتآكل. والداخل الأمريكي اليوم يئن بمحاكمة مجلس النواب والقضايا المرفوعة في حق الرئيس السابق ترامب، وهي تكاد لا تقف عند حد، فقد ذكرت قناة «إيه بي سي نيوز» وصحيفة «نيويورك تايمز» أمس الأول الخميس، أن ترامب تشارك قبيل مغادرته البيت الأبيض معلومات سرية حول غواصات نووية أمريكية مع رجل أعمال أسترالي الذي تشارك هذه المعلومات مع ما لا يقل عن 45 شخصا على الأقل فيهم موظفون لديه وصحفيون ومسؤولون أستراليون بينهم رؤساء وزراء سابقون. وذكر أن ما سرّبه ترامب يعرض الأسطول النووي الأمريكي للخطر. المدهش أن الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه ويحكم باسمه الرئيس الحالي جو بايدن، كان عند نشأته حزبا ذا توجه محافظ يحمي مؤسسة العبودية قبل أن تندلع الحرب الأهلية الأمريكية في 1862. لكنه تحول فيما بعد تحولا جذريا بعد انتخاب الرئيس فرانكلين روزفلت في 1932، من حزب محافظ ليصبح ممثلا للتيارات الليبرالية ومناصرا للنقابات العمالية وللتدخل الحكومي في الاقتصاد. بيد أنه اليوم بدا وكأنه يعود لما قبل 1932 لا سيما في موقفه الداعم بقوة للحرب في أوكرانيا وبدا أن لو ترامب كان اليوم رئيسا ممثلا للحزب الجمهوري المحافظ لما اتخذ هذا الموقف المتشدد. إن ما يشجع طموحات بوتين هو تفكك المنظومة الغربية وتضعضها، ابتداءً من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. واليوم تدفع الولايات المتحدة بالاتحاد الأوروبي نحو شبه مواجهة مع روسيا، وهي مواجهة لا يقدر عليها وليس مستعدا لها، فهو يعيش حالة توهان في مستنقع أوكرانيا ومع تطاول أمد الحرب وهي استراتيجية روسية جديدة غير التي بدأت بها موسكو حربها، فإن أوروبا اليوم قلقة من تخلي واشنطن عن دعمها وبالأمس صرح مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل بأن أوروبا لن تستطيع أن تكون بديلا للدعم الأمريكي ويحمل هذا التصريح قلقا من توقف أو تباطؤ الدعم الأمريكي وفي ذات الوقت لم تخف أوروبا قلقها من تعثر الهجوم الأوكراني المضاد على روسيا مع اقتراب فصل الشتاء. وقبل عامين نشبت أزمة بسبب الاتفاقية الأمنية التي ضمت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وهي التي أثارت غضب فرنسا والاتحاد الأوروبي قبل أن تثير غضب الصين وهي الطرف المستهدف أصالة، وهي ضمن الشرق الجيوسياسي. وقد انتقدت فرنسا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، تلك الاتفاقية ورأت في الأمر «خيانة» و»طعنة في الظهر» إذ جاءت على حساب صفقة عقدتها مع أستراليا منذ 2016. إنه في ظل هذا العالم المستكبر فيه الأقوياء بقوتهم، تظل هناك حقائق تاريخية يجب أن تطمئن الشعوب المستضعفة لا سيما في منطقتنا، وهي أن أعظم الانتصارات التاريخية التي تمثل إعجازًا في تاريخ الحروب، كانت انتصار الجيوش قليلة العدد والعتاد على ما سواها بشكل مستمر، حين توفر لها شرط مهم عصي الاستيعاب، وهو أن النصر بيد الله حيث تستجمع قوة معنوية مدمرة لأن الهدف هو حق العيش بكرامة ودفع الظلم. التاريخ يحدثنا أن معركة اليرموك، جرت بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد، وجيش الإمبراطورية البيزنطية، في سنة 13هـ، وكانت معركة مهمة في التاريخ لأنها كانت بداية انتصارات المسلمين خارج الجزيرة العربية، وقد استمرت بعدها الفتوحات حتى وصل المسلمون بعد قرن منها إلى مشارف باريس. وفيما كان تعداد جيش المسلمين 36 ألف مقاتل، كان تعداد الجيش البيزنطي 240 ألفا.

546

| 07 أكتوبر 2023

شتاء الحرب.. هل يعبر بوتين الروبيكون؟

من حرب خاطفة تعيد الابن العاق لحظيرة الأسرة، أو على الأقل تحييده وتحول دون ارتمائه كليا في أحضان المعسكر الخصيم، إلى حرب استنزاف قد تطول لعقد من الزمان. اليوم الجبروت الروسي وكبرياء القيصر في محك وتحدٍ كبيرين. في 24 فبراير 2022، أبتدرت روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا، لمنعها من خطط الانضمام إلى حلف النيتو، وهو ما اعتبرته موسكو تهديدا لأمنها الإستراتيجي. اليوم ومع تصاعد الدعم العسكري النوعي الأوروبي – الأمريكي قفز من الأسلحة الدفاعية إلى الأسلحة الهجومية، فقد بدا للمراقب العادي أن كفة الحرب تميل لصالح أوكرانيا التي تجرأت على ضرب العمق الروسي، فيما تتراجع القوات الروسية في عدد من المحاور. بيد أن سلوك الدب الروسي لا يمكن التنبؤ به، ومع تباشير الشتاء الذي طالما انحاز تاريخيا إلى جانب الروس، حيث دأب ضباط نازيون على تسمية الشتاء الروسي بـ”الجنرال جليد”. إذ يمثل الشتاء مختبرًا للأطراف المتصارعة في أوكرانيا؛ فهل يعبر بوتين نهر الروبيكون؟، وعبور هذا النهر الإيطالي يعني في الأمثال الروسية الإتيان بفعل حاسم يتجاوز كل التوقعات، ففي عام 49 قبل الميلاد، حين اشتعلت الحرب الأهلية بين يوليوس قيصر وبومبيوس الكبير في روما، عبر القيصر الروسي وجيشه ذلك النهر الشهير فمضى الأمر مثلا. إن هذه الحرب الدائرة اليوم أثبتت تطوراتها حالة عدم اليقين فيما يمكن أن تُقدم عليه موسكو؛ فقبل اندلاع الحرب، قيل إن بوتين لن يهاجم أوكرانيا وسيكتفي بإطلاق التهديدات، لكنه فعل، وقيل أيضًا إنه لن يطلق التعبئة العسكرية، لكنه فعل، وتم استبعاد تكرار سيناريو شبه جزيرة القرم، لكن الجيش الروسي اقتطع أجزاء كبيرة من أوكرانيا وضمها إلى روسيا. وبينما لم تحقق روسيا أهدافها من الحرب بعد، كذلك لم تتمكن أوكرانيا، رغم الدعم والإسناد العسكري الذي لم تحظ به أي دولة تخوض حربا مثيلة، تحرير الأراضي التي ضمتها روسيا. وكانت روسيا قد سيطرت على مساحات شاسعة من منطقتي خيرسون وزابوريجيا في الجنوب، بما يشمل المفاعل النووي هناك، كما تسيطر تقريبا على كل لوغانسك وعلى نحو نصف دونيتسك، أي أنها لا تزال تسيطر على نحو 20% من مساحة أوكرانيا. وروسيا التي تشهد تراجعا وتقهقرا نسبيا لم تكن تضع في حسبانها الدعم الغربي غير المسبوق ولم يقف الدعم عند السلاح العسكري المتقدم، بل شمل عناصر وميزات تفتقدها روسيا ولم تضعها في حسبانها وخططها الحربية؛ فعناصر الدعم شملت قوة دفعها الضغوطات الاقتصادية والاعلامية والدبلوماسية فضلا عن العسكرية والتي يتم توظيفها مجتمعة بالتزامن، حيث إن التفاعل بين هذه العناصر يغطي على أي نقص في أي عنصر حتى لو كان العنصر الأهم وهو الجانب العسكري. لقد استطاعت الدبلوماسية والإعلام في المعسكر الداعم لأوكرانيا (الولايات المتحدة وأوروبا)، رسم وتشكيل صورة لروسيا باستخدام «سياسة عدم الاستفزاز» بحيث لا تدخل روسيا في حرب عالمية يكون لها فيها فرصة لاستخدام أسلحتها النووية وهذه قدرة لا يمكن الجزم بنجاحها بشكل دائم. ومن يتابع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يلاحظ كيف يستخدم التأطير العقلي والتلاعب اللغوي في بث رسائل غير مباشرة. ونتيجة لهذه السياسة تبلور ما يمكن تسميته بـ»الموقف الدولي» حيث ظل الناس يميلون لتصديق الأخبار التي مبعثها دولة ذات سلطة ونفوذ سياسي وتعتبر الولايات المتحدة أكثر الدول التي تملك مثل هذه القوة والتأثير. لقد جعلت القوة الأمريكية من الإعلام أداة لاستراتيجياتها الدبلوماسية من خلال مناهج تغطية مسار الحرب الروسية وقرارات بوتين من خلال الدبلوماسية الإعلامية الأمريكية. إن العالم غير القابل للاستقطاب لأي من طرفي هذه الحرب يتطلع لنهاية ترسي دعائم التوازن العسكري وتحول دون الأحادية القطبية. المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ساعٍ بقوة لنهاية تمنع روسيا من أن تكون طرفا في هذا التوازن بل تستهدف أن تكون قطبا أوحد وبجانبها الحلفاء الأوروبيون. وبالنسبة للمنطقة العربية فيجب أن تعلم أن استراتيجيات الأمن القومي الأمريكي في مجملها تصب في مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى، وربما بدرجة أقل ضمان استمرار تدفق الطاقة. إن هناك حقائق لابد أن تكون حاضرة لأصحاب القرار العالمي إن أرادوا إيقاف هذه الحرب وتجنيب العالم مخاطر الانزلاق في أتون حرب نووية شاملة تمثل نهاية العالم أجمع. إن استمرار صمود الجيش الأوكراني الذي يبدو قائما على الدعم العسكري الغربي الذي اقترب من حدود استفزاز الدب الروسي، كما أن ذلك يؤكد أن كييف غير قادرة على تسليح نفسها بنفسها، وهو ما يطرح سؤالا ملحا وهو إلى أي حد تستطيع دول الغرب الاستمرار في تسليح أوكرانيا، لاسيما في ظل الضغط الذي أصبح يواجه المخزون الاحتياطي لحلف النيتو؟. ومع فرضية استمرار هذا الدعم فإنه غير قادر على إلحاق هزيمة بروسيا، وإن طال أمد الحرب فإن الوقت سيكون لصالح موسكو، مع قلق أوروبي متزايد من انتقال الحرب إلى المواجهة المباشرة مع روسيا. إذن فإن الحل القائم على المعادلة الصفرية وسحق الآخر، لا يبدو واقعيا ولا ممكنا لكلا الطرفين روسيا من جهة وأوكرانيا وحلفاؤها من جهة أخرى. ولا تظن واشنطن أن هزيمة روسيا يعني القضاء عليها، لأن الهزيمة التي تعرضت لها هي في الحرب الفيتنامية سنة 1954 وكانت ضربة قاسية لها، لم تمنعها من أن تستمر باعتبارها قوة عظمى. لا بديل لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية إلا الحل الدبلوماسي، وربما يكون على أوكرانيا إن أصرت على أن تكون جزءًا من النيتو، أن تقبل بالتخلي عن (بعض) أراضيها باعتبار ذلك خيارا قد تقبله موسكو.

570

| 30 سبتمبر 2023

الجديد في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة

ظلت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة منبراَ للعلاقات العامة، يسعى رؤساء الدول ورؤساء وفودها إلى توجيه الرأي العام نحو منتجاتهم السياسية وجعلها أخبارا تسير بها رياح أجهرة الإعلام حول العالم. بل قد يلجأ بعضهم إلى الإتيان بأفعال وتصرفات درامية تفرض نفسها على الإعلام الدولي بسبب غرابتها. في سبتمبر من كل عام تنعقد هذه الاجتماعات بمقر الأمم المتحدة بنيويورك وتعتبر المنظومة الإدارية للمنظمة أن الجمعية العامة تحتل موقعا مركزيا بوصفها الهيئة الرئيسية للتداول ورسم السياسات والتمثيل في الأمم المتحدة. بيد أنه هناك تناقضات فاضحة للمنظمة جعلت مدادا كثيرا يسيل داعيا لإصلاحها بدون جدوى. فمجلس الأمن على سبيل المثال يملك كما هو موضح في الفصل السابع المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة، القدرة على الحكم على قانونية حرب ما من عدمه، لكن لو أن دولة من المتمتعات (5 دول فقط) بالعضوية الدائمة للمجلس وحق نقض قراراته، طرف في حرب ما، فلا يستطيع المجلس اتخاذ قرار بعدم قانونية تلك الحرب، إذ بإمكان تلك الدولة نقض القرار بكل بساطة. ففي مسألة غزو العراق في 2003 نوقشت مشروعية غزو الولايات المتحدة الأمريكية له واحتلاله، وقال الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك: «لقد أوضحت أنها لا تتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة. من وجهة نظرنا ومن وجهة نظر ميثاق الأمم المتحدة، كانت - الحرب - غير قانونية». معلنا صراحة أن الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق كانت غير قانونية. في 2017 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بـأغلبية 128 عضوا (من 193) مشروع قرار عربي إسلامي يرفض القرار الأمريكي باعتبار مدينة القدس عاصمة لدولة الكيان الإسرائيلي، لكن قبيل أيام أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية قرارا لمجلس الأمن الدولي الذي لا تزيد عضويته عن15 عضوا، كان يدين ذات القرار الكارثي الذي أصدرته واشنطن، باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن. ولعله اليوم أضحت الجمعية العامة أقل ضجيجا أو ربما أكثر برودا؛ ففي عام 1960 قام نيكيتا خريتشوف، رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي، بطرق الطاولة التي أمامه بحذائه اعتراضًا على خطاب رئيس الوفد الفلبيني. وفي عام 2009، حمل معمر القذافي زعيم ليبيا نسخة من ميثاق الأمم المتحدة، حيث قرأ منه بعض الجمل، ثم قام في لحظة درامية بتمزيقه وإلقائه أمام القادة والرؤساء أثناء الخطاب، في إشارة لعدم جدواه في ظل عدم احترامه والعمل به. منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في ديسمبر 1991، أصبح هذا التاريخ المحطة المفصلية في مسيرة المنظمة الأممية، فعقب بدء عملها رسميا في أكتوبر 1945، برز بقوة مصطلح النظام العالمي الجديد والذي ارتبط بالمدلول الأيديولوجي للحكومة العالمية وسيادة عهد القطب الواحد. وربما كان ذلك أهم أسباب الحرب في أوكرانيا، ومحاولة روسيا ومن خلفها من وراء الحجاب، الصين وكوريا الشمالية، لإعادة التوازن وتعدد الأقطاب. خلال هذه الدورة الـ 78 تجدر الإشارة إلى خطابين يتعلقان بأزمتين سياسيتين بارزتين في المنطقة في الوقت الحاضر؛ وهما خطاب كل من رئيسي السودان وفلسطين. فقد استطاع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان أن يروج لبضاعته السياسية ويرسخ لكونه ممثلا شرعيا للدولة السودانية في خضم حرب داخلية ظلت بعض الأطراف الخارجية تضعها في اطار نزاع بين طرفين وليس في اطار تمرد عسكري على الجيش القومي. ولأول مرة منذ اندلاع الحرب في 15 ابريل الماضي تقدم مرافعة أمام هذا المنبر الدولي تشمل كل الجرائم التي ظلت ترتكبها مليشيا الدعم السريع ضد المواطنين السودانيين. وقال البرهان إنها هذه المجموعات مارست القتل والنهب والسرقة والاغتصاب والتطهير العرقي والاستيلاء على منازل المواطنين وممتلكاتهم ودمرت الأعيان المدنية من مرافق للخدمات ومستشفيات ومقار الدولة ودواوين الحكومة وحاولت طمس تاريخ وهوية الشعب السوداني بالاعتداء على المتاحف والآثار وسجلات الأراضي والسجل المدني وسجلات المحاكم. ولعل أبرز ما طالب به البرهان المجتمع الدولي اعتبار مليشيا الدعم السريع مجموعات إرهابية يقف الجميع في وجهها ويحاربها لحماية الشعب السوداني والإقليم بل والعالم. حيث تسببت في مقتل الآلاف ونزوح وتشريد الملايين. ولعل هذا الطلب يتطلب اجراءات محلية تتولاها وزارة العدل السودانية وديوان النائب العام وهذا ما لم تتوفر معلومات بأنه تم. كما انتقد البرهان بشدة الاتحاد الإفريقي عندما قال إن التدخلات الإقليمية والدولية أصبحت ظاهرة وواضحة، مما يعني بأن هذه أول الشرارة التي ستحرق الإقليم والمنطقة وتؤثر مباشرةً على الأمن الإقليمي والدولي. وقال البرهان إن على منظماتنا الاقليمية التحرر من الوصاية والنظر الى مصلحة الشعوب الافريقية حتى تستعيد ثقة الافارقة. أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن فقد طالب بعقد مؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية، متسائلا عما إذا كان هذا الأمر صعبا؟. وقد لا يكون الأمر صعبا فما أكثر المؤتمرات الدولية التي عقدت بخصوص القضية الفلسطينية ولم تجد فتيلا. فإن لم يستطع مجلس الأمن بشأن القدس في 2017 فماذا ينتظر أبو مازن من أي مؤتمر دولي جديد؟. وحتى القرار رقم 242 الذي أصدره مجلس الأمن منذ 56 عاما في 22 نوفمبر 1967، والقاضي بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في حرب 1967، ظل حبرا على ورق بل خطط الاحتلال ماضية لضم الضفة الغربية نفسها حيث يتخذ منها أبومازن مقرا لسلطته المنقوصة. الفلسطينيون لاسيما الشباب القابض على جمر المقاومة، يعلمون أن تحرير بلادهم لن يتم عبر المنابر الدولية ولا بطلب الاعتراف بدولة تكفلها الدولة المحتلة وانما بوسائل النضال المشروعة وقبل ذلك وقف الاقتتال الفلسطيني - الفلسطيني في مخيمات اللجوء.

459

| 23 سبتمبر 2023

المنطقة العربية.. كفى بالكوارث واعظاً

طغت أحداث كارثتي الزلزال والسيول في المغرب وليبيا على الكوارث السياسية والعسكرية في السودان وسوريا واليمن، عدا الأزمات الاقتصادية هنا وهناك في هذه المنطقة المنكوبة. ومع كل هذه الكوارث والأزمات المتنوعة، كاد الناس أن ينسوا أن هناك جسما اسمه جامعة الدول العربية، فلا تكاد تحس منها من مسؤول أو تسمع لهم ركزا. لم يبق من تلكم المؤسسة في نفس كل عربي، حتى تلك الفكرة الحالمة التي تأسست على أشواق ظلت تعتمل في النفوس المجهدة، لتحقيق الوحدة والتضامن والرخاء الاقتصادي وقيام تجمع قوي ومؤثر إقليميا ودوليا. بالأمس قرر وزراء الخارجية مكافأة النظام في سوريا وإسقاط التزاماته تجاه الجامعة التي تمثل مساهماتها في موازنات الجامعة والأجهزة الملحقة وجميع المنظمات والمجالس الوزارية المتخصصة خلال فترة تعليق مشاركتها فيها (2012 - 2022) وكأنما التعليق كان غلطة تستوجب الاعتذار والسماح. المدهش أن هذا القرار جاء في وقت تصرخ فيه الجامعة من أزمة مالية، بسبب عدم تسديد بعض الدول لالتزاماتها، وقال محمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة، إن عددًا من الدول العربية لم تسدد المستحقات المترتبة عليها منذ سنوات. والواقع يقول، إن لم تستجب الجامعة لحاجات الشعوب ولو من باب التضامن المعنوي، فمن الصعب أن يستمتع موظفوها في هياكلها العديدة برواتبهم ومخصصاتهم المعتبرة التي تقطم جزءًا مقدرا من موازنة الجامعة التي تقدر بنحو 65 مليون دولار. إذن بقيت محاولات تضميد جراحات كارثتي زلزال المغرب وسيول ليبيا قاصرة على المساهمات الفردية، بينما اكتفت الجامعة ومؤسساتها بالفرجة وربما الهروب والتواري تماما. لقد أشارت كارثة ليبيا أن المنطقة العربية تتكبد أعباء كبيرة ومخاطر عديدة تحدق بها، فيما ظل صوتها خافتا في قمم المناخ الدولية بسبب الخلل الذي يعتري منظمات العمل العربي المشترك. فعلى سبيل المثال، لو زاد معدل ذوبان الجليد عما هو متوقع، فإن سطح البحر سيرتفع بمقدار 5 أو 6 أمتار. وفي هذه الحالة، ستغرق دلتا مصر، وربما يمتد ارتفاع البحر إلى القاهرة. فبدون شك إن قضية حماية البيئة أضحت قضية سياسية نظرا لأهمية قضية التغيّر المناخي، وأثرها الواضح على العلاقات الدولية، كما أن الأخطار الكارثية الكونية لا يمكن معالجتها إلا عبر قرارات سياسية في أعلى مستوى. وسبق أن عرضت القضية البيئية على مجلس الأمن الدولي على أساس أن تغير المناخ سوف يؤثر على أمن وسلامة العالم كله. بيد أن تجارب قمم المناخ ومؤتمرات البيئة السابقة ظلت تنوء بمزايدات كثيفة. ففي إحداها سلم المفاوضون والمندوبون الوزراء المعنيين بالبيئة وثيقة من 43 صفحة، تحتوي على أكثر من تسعمائة صيغة بسبب الخلافات الكبيرة بين الدول. إن عاصفة «دانيال» التي ضربت السواحل الليبية كانت جزءًا من خلل احترار الغلاف الجوي لكوكب الأرض. وهذا ما أقر به وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في معرض تعليقه على الكارثة. ويتسبب الاحترار أو الاحتباس الحراري في زيادة نسبة الرطوبة في الهواء، وبالتالي زيادة احتمالية هطول الأمطار. ويقول الخبراء إن هطول الأمطار في هذه الحالة يحمل بعض الجوانب السلبية؛ إذ يتسبب ارتفاع درجات الحرارة أيضًا في زيادة جفاف التربة، لتقل نسبة امتصاصها لمياه الأمطار، وتسهم بالتالي في انتشار المياه إلى مناطق أبعد من المعتاد. كما يمنح ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي والمسطحات المائية، طاقة أكبر للعواصف الساحلية والأعاصير، فتهب بدرجات أقوى ومعدلات تزداد عامًا بعد عام، وتزيد بالتالي من شدة وسرعة وتيرة حدوث الفيضانات. إن العدالة الدولية التي لم تتعد إطارها النظري إلا قليلا، تتمثل في كيان الأمم المتحدة وتفريعاتها المؤسسية كمجلس الأمن واليونيسف ومنظمة الصحة العالمية وغيرها. بيد أن أساس هذه العدالة المزعومة قائم على توازنات القوى في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، وكذلك على المصالح الاقتصادية التي تتقاطع قواعدها البنيوية مع موجبات الحفاظ على البيئة وتوصيات القمم والمنتديات المناخية. فالحديث عن ضرورة الحد من الغازات الملوثة للجو والبيئة، يعني بالضرورة الحد من النشاطات الاقتصادية؛ وهنا يتعارض الأمر مع مصالح قوى كبرى، وهي تمانع التوجه نحو الاستثمار في نشاطات اقتصادية صديقة للبيئة، أو نشاطات صناعية نظيفة وخضراء، لارتفاع التكلفة، وهنا تشتبك السياسة وتتداخل مع المال، فيظهر تأثير رجال المال والاقتصاد على السياسيين، وهذا ما زاد من صعوبة نقاش موضوع التغيرات المناخية في قمة المناخ الأخيرة في فرنسا وبريطانيا، خاصة من جانب الدول الصناعية الكبرى. ويبدو أن جعل الطاقة أكثر تكلفة مسؤولية سياسية وهذا هو التحدي الماثل. غير أنه ولسوء الحظ فإن أصحاب القرار الدولي المعنيين بتنفيذ التوصيات المحافظة على البيئة، هم لوردات الحروب المستمرة التي تحصد الإنسان والبيئة على حد سواء، وفي أحسن الأحوال هم لوردات الصناعات الكبرى صاحبة قصب السبق في الانبعاث الكربوني القاتل الخفي. فمن المؤسف أن تغدو الصراعات العسكرية والاقتصادية مشروع انتحار كوني لا يبقي ولا يذر وتلكم هي الطامة الكبرى، وهو انتحار بأفعال الكبار ولا تملك الأغلبية من سكان العالم أي أوراق ضغط على الكبار إلا أن تتمنى أن يصحو الضمير عندهم. والضمير هو تلك القدرة البشرية الطبيعية على التمييز بين الخطأ والصواب، وبين الحق والباطل، وبين الخير والشر. آخر قمم المناخ التي استضافتها بريطانيا تقول إن تجنب درجات الحرارة الأكثر ضررا يتطلب خفض انبعاثات الكربون العالمية إلى النصف بحلول العام 2030، وإن تكفي عقودا من الجدل حول المناخ والانبعاث الحراري، فهل تكفي 7 سنوات لتغير عقليات لوردات الحرب والصناعة؟.

1173

| 16 سبتمبر 2023

الإرهاب الثقافي لا يضمد جراح الكبرياء

تنزّل كبرياء باريس المجروح في النيجر، عسفا على عسف وضيما فوق ضيم ضد المسلمين في فرنسا، فقررت حكومة إمانويل ماكرون منع لبس العباءة في المدارس؛ لأنها اكتشفت بعد حين وبعد لأي أنها لباس يتعارض مع مبادئ العلمانية في الدولة. وباريس الرسمية غير معنية بمخاطر التمييز السافرة ضد المسلمين، بل إن تحديد الدولة لفئة من الناس وهم مواطنون فرنسيون، لأن تلبس ماذا ولا تلبس ماذا، أمر لا يتعارض مع الحريات الشخصية التي تتغنى بها الجمهورية الفرنسية؟!. وعلمانية فرنسا أو بقرتها المقدسة، هي علمانية فريدة في تطرفها بل إرهابها للآخر؛ فلم نسمع بالعلمانية في بريطانيا أو في الولايات المتحدة أنها تناقض نفسها في أمر أساسي وهو الحرية الشخصية، فتحدد للناس ماذا يلبسون. ورغم أن علمانية فرنسا تسمح للناس بالسير شبه عراة في الطرقات العامة باعتبار ذلك حرية شخصية، إلا أنها عند لبس العباءة يغدو الأمر ممنوعا منعا باتا. لقد بقي خطاب الكراهية نهجا رسميا ومؤسساتيا في فرنسا، وهذا ما كشفت عنه الأحداث المتتالية لاسيما منذ بداية ولاية الرئيس ماكرون في مايو 2017. ولم تتوان صحيفة الغارديان البريطانية في القول بأن الغضب المتزايد إزاء الرئيس ماكرون أصبح أكثر حدة إثر خطاب ألقاه في أكتوبر 2020 أعلن فيه عن نيته محاربة ما أسماه بـ»النزعة الانفصالية الإسلامية»، واصفا الدين الاسلامي بأنه «في أزمة في جميع أنحاء العالم». وأقرت الغارديان بأن رد الفعل الغاضب امتد وانتشر في شتى أرجاء العالم الإسلامي، وأثار مظالم تاريخية وحالية. لقد عكست حادثة صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية في 2015 مثالا شاخصا لمآلات التصرفات الشاذة للمؤسسات الاعتبارية. فقد استمرأت «شارلي إيبدو» استفزاز الأديان بزعم ذلك حرية تعبير. في يناير 2013، نشرت إصدارا مؤلفا من 64 صفحة، ووصفت ذلك العدد بأنه الجزء الأول لسلسلة من الرسوم الكاريكاتيرية الصادمة التي تزعم أنها تصور حياة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم. وعلق رئيس التحرير بمناسبة نشر هذا العدد، قائلاً: «إنه إذا أراد الناس الشعور بالصدمة فإنهم سيشعرون بالصدمة عند تصفح هذا الإصدار من الصحيفة». ولم تبال الصحيفة بدعم من الدولة بالغضب الإسلامي وأخذتها العزة بالإثم لتعيد بعد سنوات نشر تلك الرسوم الكاريكاتورية، وكتبت متحديا: «لن ننحني أبداً. لن نستسلم»، وكان ذلك عشية محاكمة 14 شخصًا متهمين بمهاجمة مقر الصحيفة في 2015 لنشرها نفس الرسوم. في العام قبل الماضي ادّعى ماكرون عدم وجود أمة جزائرية قبل حقبة استعمار بلاده للجزائر (1830 - 1962). بمعنى أن استعمار فرنسا كان سببا في وجود أمة جزائرية من العدم!. في ذات الوقت كان ماكرون قد اعترف قبيل انتخابه رئيسا لفرنسا في 2017 بأن استعمار بلاده للجزائر كان جريمة ضد الإنسانية، بيد أنه ظل يصر على أن تلك الجريمة لا تستحق الاعتذار للجزائر، بينما اعتذرت فرنسا لليهود حين شاركت الحكومة االفرنسية في جمع اليهود وترحيلهم من فرنسا إلى معسكرات الاعتقال في ألمانيا النازية وبولندا. لقد أضحت فرنسا منذ مطلع القرن السابع عشر إمبراطورية استعمارية ضمت مجموعة من المناطق التي خضعت للحكم الفرنسي خارج أوروبا حتى أواخر عام 1980. وكانت فرنسا، في القرنين التاسع عشر والعشرين، ثاني أكبر سلطة في العالم بعد الإمبراطورية البريطانية. وتمددت سلطتها على نحو 9% من مساحة الكرة الأرضية، أي ما يعادل 13 مليون كيلو متر مربع. ولا يكتفي الاستعمار الفرنسي بسرقة موارد مستعمارته وإذلال شعوبها وإنما يعمد إلى تدمير ثقافتهم والحط منها واستبدالها بثقافة من لدنه يفرضها بقوة السلاح وجبروت الطغيان. فقد تعرضت المجتمعات الإفريقية في غرب إفريقيا على وجه الخصوص في منتصف القرن الماضي لقصف ثقافي مضاد من قبل الاحتلال الفرنسي بعد أن بسط سيطرته العسكرية فلم يجد بُدا من محاربة المكون الثقافي الذي ترسخ بفعل قوة دفع الحضارة العربية والإسلامية التي سبقته إلى تلك الأرض البكر. لقد كان الاستعمار الفرنسي أنكى أنواع الاستعمار الذي ضرب القارة الإفريقية، استعمار معنيٌّ بالدرجة الأولى بالتغيير الثقافي والقيمي، فلاقيم عنده إلا قيمه الغربية ولا لغة عنده إلا اللغة الفرنسية، أهدافه (فرنسة) الشعوب المستعمرة بالكامل. اليوم فرنسا بهذا النهج الاستعماري الاستعلائي تخسر كثيرا، لاسيما في القارة الإفريقية ولعل ما يجري في النيجر من رفض لكل ما هو فرنسي دليل على هذا الخسران المبين. لقد أرغت فرنسا وأزبدت مهددة ومتوعدة المجموعة الانقلابية في نيامي، غير أن كل ذلك قابله رفض شعبي عارم، وقد استثمر الانقلابيون بشكل ناجح هذا الشعور الشعبي المتنامي ضد فرنسا فكسبوا دعم الشارع رغم المعاناة التي خلفتها عقوبات دول الإيكواس بإيعاز وتحريض فرنسي. وفوق ذلك أرادت فرنسا أن تنوب عنها الإيكواس في تدخل عسكري في النيجر بحجة إعادة الشرعية الدستورية لكن تحريضها تكسر أمام عناد الانقلابيين المتكئ على الدعم الشعبي. اليوم فرنسا تحاول لعق جراح كبريائها وتبحث عن مخرج لقواتها في النيجر التي اعتبرتها السلطة الجديدة أنها موجودة في البلاد بشكل غير قانوني وطالبت برحيلها فورا. وبعدما كانت فرنسا تصر على عدم التعاطي مع سلطات الانقلاب باعتبارها سلطات غير شرعية غير معترف بها؛ أعلن متحدث باسم هيئة الأركان العامة الفرنسية، أن فرنسا تدرس عدة خيارات لسحب قواتها من النيجر، وأن الاتصالات مستمرة مع الجيش النيجري وتتعلق بالجوانب العملياتية والفنية.

654

| 09 سبتمبر 2023

غضب أفريقي ضد مراوحة الاستعمار

على خلفية انقلاب الغابون العسكري الأربعاء الماضي علق الاتحاد الأفريقي عضوية الغابون في الاتحاد، وأثبت هذا القصر المشيد والبئر المعطلة أنه لا يجرؤ إلا على الفعل السلبي تجاه قضايا ومشاكل القارة، فالتعليق يقطع سبل التواصل مع الدولة المعاقبة. وهناك اليوم عدد من الدول الأفريقية المؤثرة معلقة عضويتها، وربما يمضي الاتحاد في تعليق عضوية دولة بعد أخرى حتى يغدو اتحادا بلا عضوية. المادة 30 من القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، تنص تحت بند «تعليق المشاركة» على أنه «لا يسمح للحكومات التي تصل إلى السلطـة بطـرق غير دستورية بالمشاركة في أنشطة الاتحاد»، فضلا عن أسباب أخرى كعدم رسوم الاشتراك كما حصل مع دولة جنوب السودان. إن التخلف الذي تعيشه أقطار القارة الأفريقية ليس إلا نتاجاً لتراكم أوضاع تاريخية مرتبطة بدخول الاستعمار إلى القارة. ولهذا فقد اقترن الغزو والحكم الاستعماري بالقهر، وذبح وابادة الحكام المحليين، وإخضاع المواطنين للعبودية وسرقة موارد المنطقة. ما قبل دخول الاستعمار للقارة الأفريقية كان للقارة نظم سياسية تقليدية مستقرة وملائمة لطبيعة القارة ولم تصاحبها انقلابات أو تغييرات بالقوة وإنما كانت السلطة تنتقل بسلاسة دون أن تهدد المجتمع أو تعصف بالاستقرار، فكانت تلك النظم مثالية ومستدامة قبل أن يفرض الاستعمار الغربي على القارة نظاما سياسيا من منصة الأستاذية سماه الديمقراطية، متهما النظم السياسية التقليدية بالاستبداد في الحكم، وكان هذا زوراً وبهتاناً في نظر أبناء القارة الواقعة تحت استعمار متأبط نظرة استعلائية خلفت صورة نمطية سلبية عن إنسانها لم تراوح مكانها حتى اليوم. بل أكثر من ذلك، ظلت أجهزة الإعلام الغربية توحي إلى الأفارقة بأن العرب هم أول من استعمر إفريقيا، وأنكى من استعبد أهلها، وإنهم اليوم وراء الأزمات الاقتصادية العالمية والتضخم نتيجة سياستهم النفطية. ويتعمد المستعمر الغربي في نظرته الدونية للقارة، تجاهل حقائق تاريخية وأنثروبولوجية منها أن أول من صنع الآلات هو الإنسان الإفريقي، والذي أُكتشف عند مضيق الدوفيا في شمال تنجانيقا، ومن المرجح أن هذا الانسان كان يعيش منذ قرابة المليوني سنة مضت. ويمضى الاستعمار مستكبرا يستزرع قسرا (ديمقراطيته) في تربة وبيئة مغايرة، لينبت نباتا شائها لم يستطع يوما أن يستوي على سوقه البتة، ولكن اللوم يقع على عمرو في أمر ليس بيده أبدا. لقد ساد أفريقيا ما قبل الاستعمار نمطان أساسيان للسلطة والحكم: النمط الأول؛ قبائل ذات كيانات متعددة بنظم سياسية مختلفة تحكم نفسها بنفسها. أما النمط الثاني؛ فهو قبائل تخضع لحكم أو حماية قبائل أخرى، سواء طوعاً أو كرهاً. إن الصراع على السلطة في أفريقيا فيما قبل حقبة الإستعمار وفي اطار النظم السياسية التقليدية لم يخرج عن الفكرة والطبيعة الإنسانية؛ فالسلطة وفقا لابن خلدون هي: «منصب شريف ملذوذ، يشتمل على جميع الخيرات الدنيوية والشهوات البدنية والملاذ النفسانية، فيقع فيه التنافس غالباً، وقل أن يسلمه أحد لصاحبه إلا إذا غلبه عليه، فتقع المنازعة وتفضي إلى الحرب والقتال والمغالبة». وبعد الاستعمار الذي خرب نظم الحكم التقليدية وحط من قدرها أصبحت الانقلابات العسكرية الآلية الرئيسية لانتقال وتبادل السلطة في أفريقيا بين نخب الأفريقية، حتى غدت حدثا منتظما في العقود التي تلت الاستقلال. وبنظرة للسنوات القليلة الماضية ومنذ 2017 فقط، احتلت أفريقيا المرتبة الأولى عالمياً، بعدد الانقلابات العسكرية، إذ وقع حتى اليوم، 18 انقلاباً حول العالم، كلها في القارة السمراء عدا واحدا منها كان في ميانمار . وظل العدد الإجمالي لمحاولات الانقلاب في أفريقيا ثابتا بشكل ملحوظ منذ 1960 بمعدل نحو 4 محاولات كل عام. وقبل انقلاب الغابون الأسبوع الماضي، كانت النيجر آخر دولة أفريقية تشهد انقلابا. والملاحظة الجديرة بالذكر هنا أن تلك تلك الانقلابات هيمن عليها خطاب معادٍ للغرب، خاصة فرنسا. كذلك يمكن ملاحظة أن أكثر الانقلابات العسكرية في أفريقيا كانت ساحتها دول الغرب الأفريقي، التي في ذات الوقت تتمتع بثروات تسيل لعاب الدول الغربية. اليوم لا يدعم الغرب المستعمر التقليدي لأفريقيا قيام مؤسسات عريقة للحكم المدني على عكس مزاعمه التي يخفي من ورائها نواياه الحقيقية، بل يدعم ديمقراطيات شكلية يستمر عبرها في نهب ثروات القارة. فقيام مؤسسات حكم قوية يعني رفض مؤكد للاستعمار في أشكاله الجديدة وعدم تمكين النخب المحلية التي تعمل على تحقيق مصالح ذات المستعمر. وقد عانت الغابون من الاستعمار منذ نحو 6 قرون مضت وكان البرتغاليون أول الأوروبيين الذين تطأ أقدامهم البلاد. ففي 1472، أقاموا مستوطنات دائمة، وأنشأوا مزارع السكر واقاموا تجارة الرقيق من السكان المحليين عبر المحيط الأطلسي. ومنذ العام 1885 أصبحت الغابون مستعمرة فرنسية حتى استقلالها في 1960. ولعل الاستعمار الفرنسي من أنكى أنواع الاستعمار الذي ضرب القارة الإفريقية خلال القرنين الماضيين؛ وما زالت فرنسا تريد استمرار استعمارها ولكن بتكلفة أقل من خلال أنظمة إفريقية موالية لها تسبح بحمدها ليلاً ونهاراً. فالتعاون الفرنسي مع الأنظمة الدكتاتورية الإفريقية قائم على تبادل المنافع ولكن بطريقة مختلة لا تصب في صالح الشعوب الإفريقية، ومن لا يذكر ذلك الفساد الفاضح عندما كان الامبراطور جين بيدل بوكاسا الذي حكم جمهورية إفريقيا الوسطي منذ عام 1966 وحتى نهاية السبعينيات، يرسل أغلى أنواع المجوهرات للرئيس الفرنسي آنذاك فاليري جسكار ديستان. وتبرر فرنسا بمكر لتدخلاتها لاسيما الغرب الأفريقي، بأنها تحارب الإرهاب، بينما ينتج التطرف في الأصل عن السياسات الاستعمارية لفرنسا ومن بعدها الأنظمة الديكتاتورية سواء دكتاتوريات عسكرية أو مدنية. ولأن الفرنسيين معنيين بفرض ثقافتهم ولغتهم فضلا عن نهب ثروات الشعوب، فإن ذلك ينشئ رد فعل عنيف في شكل انقلابات وحركات متطرفة معارضة.

534

| 02 سبتمبر 2023

«بريكس» و «فاغنر» ورمادية مستقبل العالم

عكست أحداث العالم السياسية خلال الأسبوع الماضي، حالة التوتر وعدم الاستقرار وربما المخاض الذي قد يفضي إلى أوضاع سياسية دولية جديدة مغايرة للأوضاع الحالية التي كرستها حالة ما بعد الحرب العالمية الثانية ومن ثمّ انتهاء الحرب الباردة في 1991. فمن نتائج قمة دول البريكس واحتمالات زيادتها من 5 أعضاء إلى 50 عضوا، إلى مقتل قائد ومؤسس أضخم شركة عسكرية في العالم تضم 50 ألف مقاتل في ظروف غامضة، ومجالات تأثير ذلك على موازين القوى حول العالم فضلا عن الحرب الروسية الأوكرانية، والتي في واقعها حرب بين معسكرين شرقي وغربي بعد طغيان الغربي على الشرقي منذ ما بعد نهاية الحرب الباردة، لينتفض المعسكر الشرقي ليوقف محاولة التمدد المعسكر الغربي على حساب وجوديته. فإن كانت حركة دول عدم الانحياز قد تأسست لمقاومة حالة الاستقطاب الحادة على طرفي قطبي العالم حينئذ، الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين وحلف الناتو العسكري من جهة، والاتحاد السوفييتي السابق الذي ورثته روسيا، فضلا عن حلف وارسو العسكري من جهة أخرى. واختارت تلك المجموعة مصطلح (عدم الانحياز) لا (الحياد) على اعتبار الحياد تعبير يستخدم أثناء الحروب فقط، أما عدم الانحياز إذ يعني أن تقرر الدول المعنية سياستها وفقا لما تعتقده، لا وفقا لما يُرضي أيا من القوتين العظميين، موسكو وواشنطن. لقد تعاهدت هذه المنظمة التي أصبحت اليوم أثرا بعد عين، في عام 1955 بنواة ضمت 29 دولة؛ انتهاج سياسة مستقلة قائمة على تعايش الدول ذات النظم السياسية والاجتماعية المختلفة، وألا تنحاز، أو تظهر اتجاها يؤيد هذه السياسة، وألا تكون دول المنظمة عضواً في حلف عسكري جماعي تم في نطاق صراع بين الدول الكبرى. كذلك يجب ألا تكون الدولة العضو طرفا في اتفاقية ثنائية مع دولة كبرى. أو تسمح لدولة أجنبية بإقامة قواعد عسكرية في إقليمها بمحض إرادتها. وكانت الحرب الباردة بمثابة تحد كبير للدول الصغيرة والمستضعفة، فإما أن تكون مع معسكر شيوعي يتزعمه الاتحاد السوفيتي أو مع معسكر ليبرالي تتزعمه الولايات المتحدة. ومثلت مواجهة سياسية وأيديولوجية وأحيانا عسكرية بشكل غير مباشر، ودارت أحداثها خلال 1947-1991 بين أكبر قوتين في العالم بعد الحرب العالمية الثانية. وفيما حاول الاتحاد السوفيتي التعاطي بإيجابية مع حركة دول الانحياز أو محاولة لاحتوائها، وهو ما دفعه إلى إدخال تحويرات ضخمة على إستراتيجيته الدولية. فمن مبدأ حتمية الحرب إلى التعايش السلمي، ومن رفض الحياد في السابق إلى تقبله ومؤازرته عبر بذل المساعدات الاقتصادية لتلك الدول بتسهيلات كبيرة، وأبدى الاتحاد السوفيتي بالفعل مؤازرته للدول غير المنحازة في حملتها ضد الأحلاف والتكتلات العسكرية الغربية والمشاركة في إدانتها كأداة استعمارية تحاول الضغط على هذه الشعوب وإكراهها على اعتناق سياسات تضر باستقلالها ولا تخدم مصالحها. أما الولايات المتحدة فقد عبرت منذ البداية عن رد فعل معادٍ لسياسات دول عدم الانحياز، وربما كان ذلك نتيجة لميلها إلى تقسيم دول العالم ما بين مؤيد ومعارض لها، بل فقد وصم وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون فوستر دالاس حركة عدم الانحياز بالانتهازية واللا أخلاقية. لكن ومع تغيير الواقع الدولي في محاولة الولايات المتحدة أن تبقى قطبا أوحد في العالم، لقد أثبتت المؤتمرات الأخيرة لحركة عدم الانحياز - آخرها قمة فريق الاتصال لحركة عدم الانحياز بالعاصمة الأذرية باكو مارس الماضي - أن الواقع الدولي قد تغير كثيرا ولم تعد هناك جدوى لها. اليوم تبدو منظمة دول بريكس التي عقدت قمة لها الأسبوع الماضي بجنوب أفريقيا، استجابة لتغير الواقع الدولي المائل نحو القطبية الأحادية، حيث تضمن إعلان تأسيسها السعي لنظام عالمي ثنائي القطبية. والبريكس منظمة سياسية واقتصادية بدأت مفاوضات تشكيلها في 2006، وتضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. ولعل الجمع بين الاقتصاد والسياسة لخصها البعض باعتبارها محاولة لإيجاد أسواق جديدة خارج إطار عمل منظومة الدولار الأمريكي، تساعد الدول المستضعفة في مواجهة ما أسموه بـ»الإرهاب الاقتصادي الأمريكي». ومع استمرار التوتر العالمي وعدم الاستقرار وتداعيات الحرب الروسية الغربية في مسرح أوكرانيا، رأت العديد من الدول التقدم للانضمام لمنظمة البريكس، فقد أعلنت جنوب أفريقيا الرئيسة الحالية للمنظمة أن أكثر من 40 دولة أبدت اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة، فيما قدمت 23 دولة طلبات رسمية بما في ذلك دول عربية. ومن المتوقع أن تشكل هذه الدول حلفا أو ناديا سياسيا فيما بينها مستقبلا. وتشكل بعضويتها الحالية ربع مساحة اليابسة، وتعداد سكاني يقارب 42% من سكان الأرض، كما تمثل نحو 23% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وأكثر من 16% من التجارة العالمية، وبهذا تنظر إلى نفسها بديلاً للهيمنة الاقتصادية الغربية. ومع محاولات البعض إيجاد توازن عالمي عبر الدبلوماسية والتأثير الاقتصادي كما يبدو في محاولات منظمة البريكس؛ تستمر من طرف آخر محاولات احداث توازن عبر القوة العسكرية التقليدية كما يجري اليوم في حرب أوكرانيا بين روسيا والغرب. ويأتي مقتل زعيم فاغنر خواتيم الأسبوع الماضي يفغيني بريغوجين في خضم تفاعلات هذه الحرب، فبينما بدا موقف الغرب بقيادة الولايات المتحدة مختلطا بين الارتياح لمقتل الرجل القوي الذي قاد أعنف العمليات العسكرية في أوكرانيا وما بين الخشية من أن تحكم روسيا قبضتها على فاغنر فتصبح أكثر تطويعا وفاعلية في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سواء في حرب أوكرانيا أو مناطق النفوذ الروسي حول العالم، وفي ذات الوقت تستغل الحادث في تغذية الدعاية السياسية الغربية ضد بوتين. وما بين الدبلوماسية الناعمة وسلاح الاقتصاد من جهة، والقوة العسكرية التقليدية من جهة أخرى يبقى العالم في انتظار مصيره ومستقبله الموشح بالرؤية الرمادية.

516

| 26 أغسطس 2023

الأزمة السودانية.. مربع المزايدات

عوضا على أن تفتح المبادرة التي طرحها الأسبوع الماضي نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار وأسماها خارطة طريق لوقف الحرب آفاقا للحل، بدت مربكة للمشهد السياسي في البلاد؛ فرغم أنها أعطت توصيفا صحيحا لمليشيا الدعم السريع التي فجرت الأوضاع الدموية في 15 ابريل الماضي، حيث وصفتها بالقوات المتمردة، وألا سبيل لوجود جيشين في دولة واحدة، في مقابل ذلك كأنما فتحت مجالا لإعادة إنتاج الأزمة السياسية عبر تكريس دكتاتورية مدنية واحتكار العمل السياسي وعزل الآخر. وبذلك تنعش آمال قوى سياسية معزولة تفتقر للسند الشعبي للعودة وتسيّد المشهد السياسي من جديد استنادا لارتباطاتها الخارجية ودعمها المكشوف للمليشيا المتمردة. كما أنها في ذات الوقت بدت متقاطعة في بعض جوانبها مع مضامين آخر خطاب لقائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، الأمر الذي قد يؤثر سلبا على المجهود الحربي سيما وأن الانتصار أضحى في كفة الجيش فيما اتخذت المليشيا وضعية الدفاع. ويخشى المشفقون على الأوضاع في البلاد أن يكون البرهان يتعمد الحديث بلسانين في محاولة لإرضاء كل الأطراف سودانية وغير سودانية، الأمر الذي يدخل مجمل الأوضاع في مستنقع المساومات السياسية فتزيد أمد الحرب. إذ أن المياه الراكدة تحت الجسر لا تحتاج لمجرد إلقاء حجر يثير روائحها الكريهة أكثر مما يحركها؛ فالمطلوب فتح المستنقع من ناحيتين، الأولى تسمح بدخول مياه جديدة بينما يسمح فتح الناحية الأخرى بمرور المياه الآسنة ومن ثمّ تصبح المياه تحت جسر الأزمة صحية ومتجددة. إن الذي يعقد المشهد السياسي باستمرار ومنذ سقوط نظام الرئيس عمر البشير في ابريل 2019 هو مزايدة جميع القوى السياسية في صراعاتها السياسية، على العداء لأنصار نظام البشير ظنا منها أن ذلك قد يكون كرتا ناجحا في المعارك السياسية. بينما يقول واقع الحال أن النظام السابق عمليا خارج المعادلة السياسية بل إن أنصاره غير راغبين في لعب أي دور في الفترة الانتقالية تحديدا. كما أن الحديث عن أنصار النظام السابق باعتبارهم كتلة واحدة غير دقيق، لأن مسيرة 30 عاما وهي عمره قد أوجدت طيفا واسعا من السياسيين الذين تعاملوا وتحالفوا معه على فترات مختلفة بل أن من يزايدون اليوم عليه كانوا أقرب إليه من بعض أنصاره الذين اختلفوا معه على كثير من سياساته. ولعل مالك عقار صاحب المبادرة الحالية يعتبر من أبرز من تعامل مع نظام البشير، حاكما لإقليم النيل الأزرق ووزيرا اتحاديا وجزءًا من تجربة حكمهم. وقد خصص عقار حيزا غير يسير من طرحه للهجوم على ما أسماهم بالإسلاميين في إشارة لأنصار نظام البشير، واصفًا تجربتهم بـ»البضاعة المنتهية الصلاحية». ولعل تجربة الأربع سنوات التي أعقبت سقوط البشير والتي شهدت تدهورا غير مسبوق في جميع مناحي حياة السودانيين سياسيا واقتصاديا لينتهي الأمر بحرب لا تبقي ولا تذر، قد أثبتت أن الهجوم وحده على النظام السابق هو بالأحرى بضاعة منتهية الصلاحية، ما لم تستطع القوى السياسية تقديم الأفضل من تجربة الحكم السابق. وعقار مثله مثل بقية السياسيين من قادة الحركات المتمرد السابقة له سجل ممتد من الاخفاق السياسي حتى على مستوى حركته وشركائه في التمرد. وسرعان ما ضربت الحركة الشعبية - شمال التي يرأسها عقار خلافات عاصفة خلال السنوات الأخيرة، حين قدم نائبه عبد العزيز الحلو مطلع عام 2017 استقالته. وهي الخطوة التي عدّها عقار بمثابة «انقلاب داخلي غير معلن». وهكذا تحولت الحركة إلى كيانين يقودهما كل من الحلو وعقار. ثم لاحقا انقسم الجزء الخاص بعقار الذي احتفظ بمنصبه في مجلس السيادة، بينما اختار القيادي الآخر ياسر عرمان البقاء في تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير جناح المجلس المركزي. وأعلن عقار أن حركته ليست ضمن «تحالف الحرية والتغيير»، وأن من يشاركون فيه لا يمثلون إلا أنفسهم في إشارة إلى عرمان شريكه السابق الذي أسس كذلك حركة منفصلة. وتجدر الإشارة هنا إلى ان هذه الخلافات انعكست على رد تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، الذي يعتبر عرمان أحد قادته المؤثرين فيه، إذ اعترض على طرح مبادرة عقار تشكيل حكومة مؤقتة لتسيير دولاب الدولة. ولم يلتق التحالف مع عقار إلا في مزايدته على ما أسماهم بأنصار النظام السابق وهجومه عليه. إن الخطر الأعظم على استقرار البلاد يظل كثرة الحركات والمجموعات المسلحة وتحديها للجيش الوطني ولعبها أدوارا سياسية استنادا لقوتها العسكرية وليس شعبيتها الانتخابية. كذلك لم تتعلم الحركة السياسية المدنية شيئا من تجاربها الفاشلة لأن من أكبر اشكالياتها، الصراع العبثي فيما بينها، وضعف بنيتها الحزبية وغياب المؤسسية في داخلها وكذلك الديمقراطية التي تتأبطها نفاقا. لكن هل هناك من حل؟ يبدو أن الأمر معقد جدا لكن في أحسن الأحوال قد تكون هناك فرصة لحل ما عبر العودة لدستور 2005 الذي وضع بتوافق كبير لم يشهد السودان مثله في التاريخ الحالي، يمكن على أساسه تكوين مفوضيات الانتخابات والتعداد السكاني خلال فترة انتقالية محكومة بزمن محدد وليست مفتوحة على الاطلاق، لانجاز انتخابات تفرز برلمانا يمكن أن يضع دستورا يتمتع بالقبول الشعبي والتوافق السياسي. بيد أن التفكير خارج الصندوق وإقرار حل جديد لا سابق له هو الأمر المطلوب، وتلك مهارة بالأساس ترتكز على القدرة على الإبداع. فقبل نحو عام طرح أستاذ جامعي صاحب نشاط فكري معلوم ومميز، اسهاما فكريا مفاده أن الديمقراطية ستقود لمزيد من عدم الاستقرار السياسي والاضطراب المجتمعي، مشيرا إلى أن النهضة الاقتصادية والاستقرار السياسي يمكن أن يتحققا حتى في ظل نظام غير ديمقراطي، مضيفا أن ذلك الأمر ممكن عبر نظام الحزب الواحد مع توسيع قاعدة المشاركة الشعبية وهو ما أطلق عليه نظام (الشمولية الواسعة).

777

| 19 أغسطس 2023

اللاجئون.. انكشاف زيف الأقنعة

مع تصاعد الأزمات الدولية وتنامي حدة الاستقطاب العالمي لم يعد ممكنا أو صعبا، إخفاء حالة النفاق الدولي والسياسي سواء على مستوى حكومات الدول أو على مستوى المؤسسات والمنظمات الدولية، كما لم تعد عبارات الإعراب عن القلق فعالة في تغطية وجه النفاق البشع. كان لافتا حين أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه «قلق جدًا» بشأن ظروف اعتقال رئيس النيجر المعزول محمد بازوم، مستنكرا أنه محتجز في ظروف معيشته البائسة. في ذات الوقت تناسى غوتيرش أن نحو 27 مليونا من سكان النيجر محتجزون في ذات الظروف نظرا للعقوبات التي فرضتها دول الإيكواس على النيجر بسبب الانقلاب على الرئيس بازوم، فقد قطعت نيجيريا الكهرباء عن النيجر التي تستورد 70 % من حاجتها من الكهرباء من نيجيريا. ولعل الظروف المعيشية البائسة التي يعيشها بازوم حسب وصف غوتيرش سببها قطع الكهرباء. إن تلك العقوبات التي فرضتها الإيكواس بتشجيع أممي وغربي تضر في الأصل بعامة الشعب وليس بقادة الانقلاب. وغير بعيد عن النيجر هناك على الحدود التونسية الليبية تدور مأساة إنسانية تتفطر لها القلوب السليمة، لكن الأمم المتحدة وأمينها العام رأت في ظروف احتجاز بازوم أمرا أكثر أهمية وإلحاحا. هناك على الحدود المقفرة مات 21 طالب لجوء أفريقي بينهم أطفال ونساء جوعا في صحراء متوحشة وإن كانت أقل توحشا من قلوب بعض البشر. وذلك بعدما ألقي بهم في الصحراء وكأنهم نفايات أو مجموعة من الصراصير تحت مرأى وسمع العالم وبالضرورة بعلم غوتيرش والاتحاد الأفريقي ومجموعة الإيكواس المشغولين بالأجندة الفرنسية وإعادة بازوم بأي ثمن ولو كان إبادة شعب النيجر بكامله، فوجوده مهم لتثبيت المصالح الاستعمارية كما أن قيام بعض الدول بدور البواب لصالح أوروبا المنزعجة من موجات اللجوء كذلك يخدم مصالح المستعمر السابق والجديد في آن واحد. وتقول منظمة «المرصد التونسي لحقوق الإنسان» وكذلك منظمة هيومن رايتس ووتش إن طالبي اللجوء الأفارقة حُصروا في منطقة عسكرية عازلة بين حدود تونس وليبيا، وارتُكِبت تجاههم انتهاكات خطيرة. وطالبت المنظمتان بضمان احترام حقوق الإنسان والقضاء على التمييز العرقي. وطالبتا الاتحاد الأوروبي بتعليق تمويل مراقبة الهجرة الموجه إلى قوات الأمن، ووضع شروط حقوقية للحصول على دعم إضافي. في إشارة إلى مذكرة تفاهم الشهر الماضي بين «الاتحاد الأوروبي» وتونس بشأن «شراكة إستراتيجية» تضمنت حزمة تمويل بقيمة مليار يورو. ليس صدفة تزامن العنف القائم على الكراهية والعنصرية تجاه اللاجئين على بوابات وتخوم القارة الأفريقية مع ما يجري تجاههم في بريطانيا وفرنسا بل كان ذلك تشجيعا وضوءًا أخضر لدول أخرى صغيرة. لقد تعرضت سياسة الحكومة البريطانية تجاه اللاجئين للسخط والاشمئزاز ورمت إلى ترحيل المهاجرين وطالبي اللجوء قسرا إلى رواندا حتى يتم البتّ النهائي في أوضاعهم. بل تطورت للتعامل الخشن مع مرتادي القوارب في بحر المانش الذي يفصل بين بريطانيا وفرنسا. ولأول مرة منذ العام 2018 اجتمعت بريطانيا مع فرنسا بعد جفوة وسنوات من التوتر لأجل إقرار سياسة جديدة و«شراكة وثيقة» تهدف إلى مكافحة عنيفة للاجئين. اليوم تصوّر الدول اللاجئين والمهاجرين كما يصوّر الغول الخرافي في القصص الشعبية والحكايات الفلكلورية؛ فهو مخلوق بشع مخيف يستحق ضرب غرائب الإبل. وصمتت الأمم المتحدة صمتا تاما ولم تتكرم على هؤلاء اللاجئين حتى بعبارة «الإعراب عن القلق». لقد قفزت مشكلة اللجوء إلى قمة أجندة المشاكل الدولية المزمنة خلال السنوات العشر الأخيرة، وضاقت أوروبا بها ذرعا وطفقت تلتمس الحلول بكل السبل الميكافيلية وفي أي مكان وبأي وسيلة. ولم يعد المشكل كما كان في السابق مجرد ترف تنشغل به الحكومات والمنظمات الطوعية لإظهار «إنسانية» العالم المتحضر، وللتعويض النفسي جراء الشعور بالتقصير تجاه عالم استعمروه سنين عجافا، وسموه ثالثاً ونكبوه بالحروب والأزمات السياسية وسرقة ثرواته. وفي الأزمة السودانية تصر الأمم المتحدة على فرض رئيس بعثتها في الخرطوم فولكر بيرتس رغم رفضها له لأسباب ترى أنها موضوعية، وحتى إن لم تكن موضوعية فلا سبيل لفرض هذه الشخصية، إذ إن مهمة البعثة وقد جاءت عبر إجراءات ملتبسة، المساعدة في عبور آمن للفترة الانتقالية وتنتهي بانتخابات شفافة ونزيهة، وهذا يتطلب حدا أدنى من القبول لرئيس البعثة من جانب الأطراف الفاعلة فضلا عن حياده المشكوك فيه. ففي آخر جلسة لمجلس الأمن الأسبوع الماضي اضطر فولكر أن يتخلى عن تقديم إحاطة بعد أن أصرت الخرطوم على رفضه. وقالت المبعوثة الأمريكية في المجلس ممتعضة إنهم تلقوا ما مفاده أن فولكر سيقدم إحاطة إلى المجلس لكن اسمه سحب صباح الجلسة من جدول الأعمال، وهذا حدث للمرة الأولى منذ تعيينه. ولو أن الأمم المتحدة تحترم رغبات كل الأعضاء على حد سواء دون تحيز لتجنبت هذا الموقف المحرج. وعلقت الخرطوم على الحدث بأن ذلك كان ممارسة لحقها المشروع في قبول من ترى أنه يخدم السودان وشعبه ويرفض من يعمل ضده. اليوم تبدو الأمم المتحدة بأذرعها المختلفة مثل مجلس الأمن الدولي كقصر مشيد وبئر معطلة، فرغم إنشائها منذ أكتوبر 1945 إلا أن حصيلة نجاحاتها متواضعة ولا تتناسب مع حجم الأموال المنفقة ولا مع حجم الزخم الإعلامي المصاحب لأنشطتها. فلم تكن إلا مطية للقوى الكبرى وآلية لصياغة المبررات واجتراح المسوغات لتحقيق أطماع هذه القوى وسيطرتها على الدول الضعيفة وفرض رؤاها السياسية عليها. الخلاصة أن الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة المتفرعة منها تحتاج لإصلاح شامل لكي يكون أداؤها فاعلا. بيد أنه في أحسن الأحوال لن يكون هناك إصلاح إلا محدودا وشكليا، في ظل غياب إرادة سياسية للإصلاح، لأن الدول الكبرى مستفيدة ومستثمرة في هذه الاختلال المطلوب في حد ذاته من جانبها.

747

| 12 أغسطس 2023

«الإيكواس».. تبعية مستترة وأدوار مرسومة

ماذا لو اتخذ مجلس الأمن الدولي قرارا بالتدخل العسكري في النيجر؟ والتدخل العسكري هو أقسى قرار يتخذه المجلس ضد دولة من الدول، ويتطلب ذلك توافقا بين أعضاء المجلس الخمسة عشر، لا سيما الدول الخمس المتمتعة بالعضوية الدائمة، ليس هذا فحسب بل لابد من ضمان ألا تستخدم إحدى الدول دائمة العضوية حق الرفض (الفيتو) لإحباط القرار. ومجلس الأمن الدولي هيئة تابعة للأمم المتحدة مسؤولة عن اتّخاذ القرارات حول القضايا المتعلقة بحفظ السلام والأمن الدوليين وذلك من خلال نظام القرارات والتصويت. لكن من المفارقات أن منظمة دول «الإيكواس» وتضم 15 دولة في غرب أفريقيا، اتخذت قرارا خطيرا في أقل من 48 ساعة بالتدخل العسكري في النيجر بمهلة لا تتجاوز أسبوعا. وذلك لتحقيق طلب يدخل في فضاء المستحيلات أو اللامعقول وهو إجبار قادة الانقلاب في نيامي على التراجع عن انقلابهم وإعادة الرئيس المعزول محمد بازوم إلى السلطة. ودول «الإيكواس» التي تبدو كنمر له أنياب من ورق، كانت قد رفعت عند تأسيسها شعارَ تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين دول المنطقة كمدخلٍ إلى اندماج اقتصادي شامل، لكنها اليوم بدت كشرطي مطيع ليس لصالح دول القارة ولكن لصالح قوى دولية تعهد إليها بمهام تنأى هي بنفسها عنها. صحيح أنه من الناحية السياسية هناك تأييد دولي واسع لعودة بازوم، بيد أن ذلك لا يكفي لأن ترتقي «الإيكواس» هذا المرتقى الصعب، فترفع عقيرتها بالتهديد والوعيد وعظائم الأمور. إن أي مغامرة للتدخل العسكري عمل أحمق وقفزة في الظلام تصب في هدف القوى الدولية بإشاعة الفوضى الخلاقة الهادفة لإعادة تشكيل وترتيب دول المنطقة بما يتناسب مع المصالح الإستراتيجية لتلك القوى. إن الإجراءات التي اتخذتها «الإيكواس» في المجال الاقتصادي والتجاري، مفهومة وإن كانت في سياق سياسي والتي تشمل تعليق التبادل التجاري وإغلاق المجال الجوي لدولها أمام النيجر، غير أن قرار التدخل العسكري بدا غير واقعي وغير ممكن بل يعتبر صبا لمزيد من الزيت على نار الوضع المضطرب. مع الإشارة هنا إلى أن دولة عظمى مثل روسيا قد أبدت اعتراضها على هذا الاتجاه وقالت وزارة الخارجية الروسية إن التهديد باستخدام القوة ضد النيجر لن يسهم في تسوية الصراع. وهذا يشير إلى أنه حتى مجلس الأمن الدولي أعلى سلطة دولية لن يكون قادرا على إصدار قرار بالتدخل العسكري في النيجر باعتبار روسيا عضوا دائما له حق استخدام حق (الفيتو) ضد أي قرار في هذا الاتجاه. وليس كل دول «الإيكواس» على قلب رجل واحد فهناك دول أعضاء في المجموعة تعترض على قرار التدخل العسكري، فقد حذرت كل من مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري من أي تدخل عسكري ضد النيجر، بل إن بوركينا فاسو ومالي اعتبرتا أن أي خطوة كهذه ستعد بمثابة إعلان حرب ضدهما أيضا. حتى العقوبات التي فرضتها المجموعة على النيجر كانت محل إدانة من حكومتي مالي وبوركينا فاسو، معتبرة إياها غير شرعية وغير قانونية وموجهة ضد شعب النيجر، حسب البيان. وبالرغم من الانقلاب الذي وقع على الرئيس بازوما ولم يشهد لحسن الحظ سقوط قطرة دم واحدة؛ فإن بازوما ظل يتمتع بهامش مقدر من الحركة الأمر الذي مكنه من التواصل مع العالم الخارجي بما في ذلك رؤساء دول وحكومات بل كتب مقالا في الواشنطن بوست محذرا - ربما مستجديا التدخل - فرنسا ودول الغرب من تمدد روسي محتمل في أفريقيا، وكأنما يحذر من استبدال هيمنة غربية على أفريقيا بأخرى روسية. فهو غير مقتنع بقدرة وفعالية تهديدات الإيكواس بالتدخل العسكري لإعادته للسلطة، وإنما يتطلع إلى الكفيل الرئيسي وليس إلى الوكيل. «الإيكواس» اسم يطلق على المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وهي تكتل يضم 15 دولة، وهي: النيجر، نيجيريا، مالي، بوركينا فاسو، السنغال، غانا، ساحل العاج، توغو، غامبيا، غينيا، غينيا بيساو، ليبيريا، سيراليون، بنين، وجمهورية الرأس الأخضر. وكانت موريتانيا الدولة العربية الوحيدة العضو في المجموعة لكن أعلنت انسحابها في ديسمبر 2000. وترى هذه الدول أنه تجمع بينها روابط ثقافية وجغرافية ومصالح اقتصادية مشتركة، ويقع مقرها الرئيسي في مدينة أبوجا، عاصمة نيجيريا. إن التجمعات الإقليمية والقارية لدول المنطقة تبدو في أهدافها التأسيسية وأطرها النظرية استجابة مهمة لحاجات دول المنطقة الإستراتيجية للتنمية والتعاون والانعتاق من تداعيات الحقبة الاستعمارية شديدة العصف بالمنطقة وشعوبها، لكن هذه التجمعات سرعان ما تتحول لحصان طروادة يحمل في جوفه الاستعمار في وجه الجديد وأساليب مبتكرة. لقد ظل نَهم القوى الدولية للاستيلاء على ثروات أفريقيا سلوكا ممتدا لا ينقطع عبر حقب تاريخية ماضية وفي حاضر مثقل بوسائل خبيثة، ولا يقف ذلك خارج حدودها الجغرافية فحسب، بل حتى إلى خارج أطرها الثقافية. وما التخلف الذي تعيشه أقطار القارة الأفريقية إلا نتاجاً لتراكم أوضاع تاريخية مرتبطة بدخول الاستعمار إلى القارة. فالتخلف الاقتصادي ليس بسبب نقص الموارد الطبيعية؛ ولكن بسبب عجز الحكومات الأفريقية بعد الاستقلال عن إدارة الموارد التي تزخر بها القارة لأن بعضهم ارتضى دور وكيل الاستعمار. ولا يمكن الزعم بأن النظم السياسية التقليدية في أفريقيا ما قبل الاستعمار كانت نظماً ديمقراطية بالمفهوم الغربي الحديث، لكنها كانت ملائمة على الأقل لطبيعة القارة ولم ينتج عنها تلكم الإشكاليات الماثلة لا سيما غلبة الانقلابات العسكرية. لقد كتب بعض المثقفين من أبناء القارة مشيدين بالنظم التقليدية؛ لكن ذلك ربما كان بدافع الرد على نظرائهم من المستعمرين الذين حاولوا إيجاد مبررات أخلاقية للاستعمار، مثل جون إستيوارت ميل الذي كان يرى الاستعمار من باب الحسنات أينما وجد الاستبداد في الحكم، وهو أمر وصمت به نظم الحكم التقليدية في أفريقيا زوراً وبهتاناً في نظر أبنائها.

936

| 05 أغسطس 2023

alsharq
غياب المعرفة المالية عن الطلاب جريمة اقتصادية بحق الأجيال

في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...

2241

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
كبار في قفص الاتهام.. كلمة قطر أربكت المعادلات

في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...

1944

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...

1110

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
غزة.. حين ينهض العلم من بين الأنقاض

في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...

843

| 23 سبتمبر 2025

alsharq
قطر في الأمم المتحدة.. السيادة والإنسانية

يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...

762

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
1960.. أمّ الانقلابات في تركيا وإرث الوصاية العسكرية

بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...

741

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
أهمية وعي المُستثمر بالتشريعات الناظمة للتداول

يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...

654

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
الأمير يكشف للعالم حقيقة الكيان الإسرائيلي

صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....

615

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
خطاب صريح أقوى من السلاح

• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...

597

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
عيسى الفخرو.. خطاط الإجازة

يؤكد اهتمام جيل الشباب القطري بالخط العربي؛ تزايد...

501

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
رواتب العاملات

يتداول في هذه الأيام في أغلب دول الخليج...

489

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
حين يحتضن المرء طفولته!

ليستْ مجرد صورةٍ عابرةٍ تلك التي يُنتجها الذكاء...

483

| 22 سبتمبر 2025

أخبار محلية