رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الإعلام التقليدي والجديد بين المصداقية والتطور

لم يعد تأثير الثورة التكنولوجية في مجال الإعلام، أو ما أصطلحت تسميته بالإعلام الجديد على العملية الإعلامية عابراً، أو مقتصراً على جانب دون الآخر؛ وإنما طال ذلك التأثير الشكل، والمضمون. بل إن قدرات الصحفي قد تتأثر سلباً، أو ايجاباً. ومع افتراض أن هناك اتفاقاً على وجود سلبيات، وايجابيات وبغض النظر عن الاعتقاد بأن السلبيات أكثر من الايجابيات، أو العكس؛ فإن هناك من يرى أنه ربما يكون هناك تأثير إيجابي لوسائل التواصل الاجتماعي على الإعلاميين لاسيما من ناحية تعزيز محتواهم الإعلامي الذي ينتجونه. ومع أن هذه الوسائل الجديدة قد فرضت حقيقة وجود (إعلاميين) على نحو غير مهني من جانب عامة المستخدمين - وهذا ما يصب في تعزيز سلبيات هذا النوع من الإعلام - إلا أنه لابد من الوقوف على أي نحو يمكن أن يتأثر انتاج للإعلاميين المهنيين المحترفين معززاً بايجابيات الإعلام الجديد؛ لأن هذا الذي يجب أن يعوّل عليه في تقديم رسالة إعلامية مهنية في اطار المسؤولية الاجتماعية للإعلام، وبالتالي يصار إلى تعضيد إمكانية التقليل من أثر سلبيات الإعلام الجديد الذي غدا يشكل خطورة على السلام الإجتماعي والقيم الإنسانية. والإعلام الجديد مفهوم تعزز مع استمرار ظاهرة تفجر المعلومات بشكل لم يكن متوقعاً، فضلاً عن تطور أساليب الاتصال، ومن ثمّ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي مثل: يوتيوب،- وفيسبوك، وتويتر. إن مع تزايد انتشار وسائل التواصل الإعلامي رأسياً وأفقياً، بفضل القفزة الرقمية الكبيرة، فقد غدت تمثل ملتقىً للعديد من أفراد المجتمع لاسيما قادة الرأي، ومتخذي القرار والسياسيين الأمر الذي يتيح للجميع تداول المعلومات، والأفكار، وكذلك التعرف على ردود الأفعال أو ما يعرف بالتغذية الراجعة Feedback. بيد أن الإشكالية الماثلة اليوم تكمن في كيفية استثمار ما وفّرته هذه القفزة الرقمية عبر ما يعرف بالإعلام الجديد لصالح إنتاج محتوى إعلامي يعزز دور الإعلام في المجتمع. لعل مشكلة ما اصطلح على تسميته بوسائل الإعلام التقليدية في ظل القفزة التكنلوجية الكبيرة؛ أنها كثيرًا ما تكون متأخرة عن التكنولوجيا، فتلجأ حينها إلى استعارة طرق للنشر سبقتها إليها منصات أخرى غير صحفية، وحتى أشخاص يعملون في مجالات لا علاقة لهم بمهنة الإعلام. وتبين أن هذا التطوّر الحاصل في النشر على مواقع وسائل التواصل الإجتماعي يحتم على المؤسسات الإعلامية التقليدية أن تحوّل - على سبيل المثال - وظيفة مسؤول مواقع التواصل الإجتماعي من وظيفة فنية إلى وظيفة صحفية يقوم بها صحفيون، وإعلاميون محترفون يتوفرون على تكوين في هذا المجال، فضلاً عن أن النشر على مواقع التواصل الإجتماعي يحتاج كذلك إلى مهارات تحريرية، والتزوّد بأخلاقيات المهنة، وقواعد المؤسسة. وقد يبدو أحياناً، اختفاء الحدود الفاصلة بين الإعلام الجديد، والإعلام التقليدي، لاسيما في حالة المواكبة من جانب الأخير - أفراداً، ومؤسسات - إذ حدثت حالات تبادل منافع بين هذين النمطين الإعلاميين؛ فكثيرٌ من الإعلاميين الممارسين الذين يعملون في الإعلام التقليدي، قد استخدموا أفضل الطرق للجمع بين مميزات هذين النمطين الإعلاميين. ومن الحقائق التي غدت تفرض نفسها؛ أن هناك أهميةً متزايدةً للمحتوى المنشور على شبكات التواصل الاجتماعي بالنسبة للصحفيين، حيث أنّ وجود الإعلامي أو الصحفي - سواء بصفته الشخصية، أو ممثلاً لمؤسسته - على منصات التواصل الإجتماعي يجعله يصل لجمهور أكبر، فلا يصبح محصورًا في منطقة معينة، بل قد يتيح له هذا التفاعل الدائم، ويساعده على بناء مصداقية بين الجمهور، إضافة إلى القدرة على نشر محتواه في الوقت الفعلي. إن ما يصنع فرقًا حقيقيًا في وجود الإعلامي على منصات التواصل الإجتماعي هو: أن يقدم محتوىً مختلفاً، يساعد في أن يصبح المحتوى الإعلامي مميزاً، وغير مبتذل، وهذا يعني أنه يكون - في هذه الحالة - شخصاً فاعلاً على هذه المنصات، وليس مجرد مستخدم عادي. لقد أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي قوة منتشرة في مختلف المجالات، وعلى رأسها السياسة، مما أدى إلى تغییر دیناميكيات التواصل بین القادة الساسیین، والإعلاميين، والجمهور. إن معدلات انتشار الشائعات تتناسب طردياً مع التقدم في تكنولوجيا الاتصال، وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، حيث يلجأ البعض للتخفي، أو باستخدام أسماء مستعارة، أو مرموزة، لنشر أخبار كاذبة تجد رواجاّ لدى الناس لا سيما الشائعات المُضرة، بعد أن أصبحت أداة قوية من أدوات حروب الجيل الرابع. إن هذه السلبيات للإعلام الجدید قادت إلى التساؤل حول مدى مشروعية تسمیته بـ»الإعلام» انطلاقاً مما عرف به الإعلام التقليدي. ولا شك أن الضرر الأبلغ هو تزييف الأخبار، ونشرها، ونسبتها - زورًا - لوسائل إعلامية محترفة، وذات سمعة، ومصداقية. ومن المفارقة أن من سمات وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها مجتمعات افتراضية، أنّها تنتهي بمستخدميها إلى عزلة، وانفراد، على غير ما تعد به من انفتاح علـى العـالم، وتواصل مع الآخرين. فمن المدهش أن المجتمعات الافتراضية، وقد نشأت لأغراض شتّى منها تخلـيص البشـر مـن عزلتهم، تنتهي بهم إلى عزلة جديدة عن عالمهم الواقعي.

1584

| 29 سبتمبر 2024

خلفيات بيان بايدن حول السودان

بعد 17 شهراً من حرب بالوكالة التي تشنها مليشيا الدعم السريع على الدولة السودانية، ومقوماتها؛ البشرية، والتاريخية، والاقتصادية خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن على الناس ببيان يصف تلك الحرب بأنها «فارغة من المعنى انبثقت عنها واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم». وهذا وصف صحيح ينطبق على كثير من الحروب التي خاضتها بلاده، وما زالت تخوضها في أنحاء مختلفة من العالم. ولعل الشعور بالحرج - إن كان حقيقياً - أمر في حد ذاته قد يكون إيجابياً بالمقارنة بحالة الاصطفاف الكاملة إلى جانب مليشيا مجرمة لها تاريخ إجرامي معلوم، وبالضرورة لها حاضر أكثر قتامة، وإظلاماً. ليس جرم الولايات المتحدة كان بالصمت، ولا بغض الطرف تجاه عما يجري، ويرتكب من جرائم، وإنما كان بالدعم العسكري، والذي قد نقول انطلاقاً من حسن الظن إنه لم يكن مباشراً، ربما لأسباب تتعلق بسلوك المليشيا الذي لا يمكن التغاضي عنه ليقوم بتحمل تلك المسؤولية مقاول بالباطن يتلقى اللعنات، والإدانات نيابة عن الولايات المتحدة. لقد تم ضبط أسلحة أمريكية نوعية بيد المليشيا، وهي أسلحة لا يمكن أن تصل إلى أيدي مستخدميها دون موافقة أمريكية سياسية، وأمنية عالية المستوى. وقد أقر الرئيس بايدن في بيان أصدره كسر به حاجز الصمت المخجل، بأن الحرب تسببت في نزوح نحو 10 ملايين شخص، وتعرضت خلالها النساء، والفتيات لعمليات الخطف والاعتداء الجنسي. وقال إن مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور ظلت ترزح تحت وطأة حصار تفرضه مليشيا الدعم السريع منذ عدة أشهر. وأن هذا الحصار تحول إلى هجوم شامل في الأيام القليلة الأخيرة. وبينما غضب بايدن من احتلال مباني الكونغرس الأمريكي من قبل أنصار خصمه دونالد ترامب في واقعة مشهورة، معتبراً ذلك تمرداً على الدولة الأمريكية، سمى المليشيا التي تمردت على الدولة السودانية بالسلاح طرفاً مقابلاً للجيش السوداني الذي من أوجب واجباته - كما هو الحال لأي جيش قومي في بقية دول العالم - دحر التمرد على الدولة لاسيما إن كان في أخطر حالاته باستخدام السلاح، واستهداف المواطنين في أرواحهم، وأعراضهم، وممتلكاتهم. وسيبقى الجيش السوداني ثابتاً في التزامه بمبادئ القانون الإنساني الدولي، وأعراف الحرب بما في ذلك حمايه المدنيين، والبنى التحتية. ولطالما طالب بايدن المليشيا بوقف هجومها الذي يؤذي المدنيين السودانيين بشكل غير متناسب على حد وصفه، فبالضرورة تكون هناك جهة مسؤولة دستورياً تقوم بوقف هذه الاعتداءات، وهي الجيش السوداني، وإن لم تدعمه أي جهة تعلن سعيها لاستقرار، والسلام في البلاد قولاً لا فعلاً، فلتساعده بالصمت، وعدم تشجيع جرائم المليشيا بالإيحاء لها بأنها طرف موازٍ يمكن أن تستثمر سياسياً في الجرائم التي ارتكبتها بتحويلها لمكاسب سياسياً عوضاً عن محاسبتها عليها. وقد أعلن بايدن بأن: «الولايات المتحدة تقف إلى جانب الشعب السوداني، وأنهم يضغطون من أجل السلام، ويسعون إلى محاسبة الجهات الفاعلة التي تحاول إدامة العنف”. بيان بايدن الذي بدا مفاجئاً، أو أنه إشارة لتغيير ما، ولو تكتيكياً في الموقف الأمريكي تجاه الأزمة في السودان لابد من ربطه بعدة ملاحظات: وهي أن ملف السودان في الإدارة الأمريكية قد انتقل من وزارة الخارجية إلى البيت الأبيض، متزامناً ذلك مع توجّه سوداني نحو روسيا، وقد بدا توجها جاداً، وبالتالي نتوقع اهتماماً أكبر بما يجري في السودان، ومحاولة لاعتراض خطوات هذا التوجه. بيد أن بيان بايدن قد تجاهل حقيقة أن الحرب قد فرضت على الشعب السوداني من خلال تمرد فصيل عسكري إثني كان تابعاً للجيش وبدأ بمحاولة احتلال مطار مروي قبل يومين من بدء الهجوم الشامل على الدولة ولحقه انتشار مسلح بالعاصمة، وهجوم على قيادة الجيش، والشروع في اغتيال رئيس مجلس السيادة، وقائد الجيش. كذلك تجاهل بايدن أن الضربات الجوية للجيش السوداني هي ضربات محكمة، وفي إطار دحر المليشيا، وتركزت على تجمعات المليشيا العسكرية، ومخازن الأسلحة، وليس قصفاً عشوائياً للمدنيين الذين هم في حقيقة الأمر يهربون من مناطق سيطرة المليشيا إلى مناطق سيطرة الجيش وهذا سبب كافٍ لدحض اتهام الجيش بقصف المدنيين. كذلك تجاهل بايدن حقيقة أن السودان ليس رافضاً للسلام مبدأً، وإنما يصر على تنفيذ ما اتفق عليه في منبر جدة في أول 3 شهور بعد اندلاع التمرد، وهذا ما يمكن البناء عليه، وليس تجاهله. إن هذا التطور الأمريكي قد يفتح المجال لنقاش سوداني – أمريكي على مستوى رئاسي على هامش الدورة الـ 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبدأ الثلاثاء القادم 24 سبتمبر الحالي. ومن المتوقع أن يناقش رئيس مجلس السيادة السوداني، وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان مسار الأزمة مع الرئيس بايدن، وعدد من المسؤولين الأمريكيين بشكل مباشر. ومن المتوقع أن يكون النقاش حصرا على الجانبين السوداني، والأمريكي. ويعتبر بعض المراقبين ذلك بداية للتعاطي الإيجابي، وخطوة تمكن الجانب الأمريكي من تصحيح ما يمكن أن يكون فهماً مغلوطاً.

987

| 24 سبتمبر 2024

معارك دبلوماسية وعسكرية متزامنة

ما بين معارك الجيش السوداني على الأرض لتخليص البلاد من جرائم مليشيا الدعم السريع، ومعارك الدولة على الصعيد الدبلوماسي وأروقة الأمم المتحدة تزامن، وتشابه كأنما هو عزف من نوتة موسيقية تنبئنا بنوع النغمة وزمنها؛ فبعد استيعاب الصدمة في بداية الانقلاب المباغت في أبريل 2023 الذي تورطت فيه المليشيا امتلك الجيش السوداني بعد فترة زمام المبادرة مستخدماً خططاً احترافية ذات نفس طويل جعلت المليشيا تتراجع بشكل مستمر رغم الدعم الخارجي بشرياً، وعسكرياً، ولوجستياً، فتحولت لعصابات تائهة لا تجيد سوى النهب، والسرقة، والاغتصاب، وترويع المواطنين، وفي أحسن الأحوال التدوين العشوائي الجبان نحو المدن، أما مواجهة الجيش وجها لوجه فهي لا تستطيع فعل ذلك، وقد غدا حال قادتها في الصفوف الأولى، والثانية، والثالثة ما بين قتيل، وهارب خائف يترقب، ويطلبون من داعميهم الخارجيين تنجيتهم من بطش الجيش السوداني. هذا التقدم على الصعيد العملياتي العسكري فضلاً عن السند الجماهيري، والمقاومة الشعبية، وتحالف حركات دارفور المسلحة كل ذلك كان زاداً، ووقوداً لتحركات دبلوماسية شكلت مواقف قوية ممانعة لتقديم أي تنازلات سياسية تفسح المجال لعودة ما للمليشيا، أو منحها مشروعية سياسية فقدتها حتما قبل ذلك بسبب فقدانها المشروعية الأخلاقية من خلال جرائمها ضد الإنسانية التي سارت بها الرياح وعلمها القاصي، والداني، وعجزت عن مداراتها القوى الإقليمية، والدولية الداعمة لها. لقد كان موقف الحكومة السودانية الممانع لمفاوضات جنيف التي دعت لها واشنطن في 14 أغسطس الماضي قوياً تجسدت فيه الإرادة السياسية القوية المدعومة بسند شعبي قوي، وموقف عملياتي عسكري متقدم. إن الاستجابة لمفاوضات جنيف كانت ستكون خصماً على تماسك الجبهة الداخلية، والانتصارات العسكرية للجيش التي تتحقق بوتيرة متزايدة، ولعل هذا هو الهدف من توريط البلاد في تلك المفاوضات تحت شعارات رنانة بوقف الحرب، وإرساء السلام، وتوصيل المساعدات الإنسانية التي لم تصل للمستحقين في معسكرات تشاد، وأفريقيا الوسطى إن كانت هناك جدية من المجتمع الدولي، أو من يتحدث باسم هذا المجتمع المثالي الذي لم يعد إلا كطائر العنقاء الخرافي. في أروقة الأمم المتحدة، ومنظماتها، ومجلس الأمن دارت معارك دبلوماسية خرج منها السودان منتصراً، وبأقل الخسائر؛ فرغم ثبات جرائم مليشيا الدعم السريع إلا أن بعض التقارير تقحم الجيش السوداني إقحاماً، لتخفيف الضغط على المليشيا، وإرضاء داعميها الدوليين عبر الحديث عما يصفونه بأطراف النزاع، والإيحاء بأن الجيش طرف مقابل لمليشيا متمردة مجرمة. فكيف لجيش يقوم بواجبه الدستوري في حماية البلاد، ومواطنيها يعتبر طرفا مع مليشيا أكثر من نحو 80 % من عناصرها مرتزقة أجانب من خارج الحدود بل كيف لجيش عمره أكثر من مائة عام خاض حروباً عديدة، وشارك في استتباب الأمن في العراق، والكويت ولبنان، ومصر، والعديد من الدول الأفريقية أن يكون شريكاً في الجرائم التي ترتكبها المليشيا؟ بيد أن تقارير الأمم المتحدة نفسها تكشف زيف مزاعمها ضد الجيش من خلال حديث معمم يشمله، لكن هذه التقارير لا تملك إلا الحديث بشكل واضح، ومحدد عن جرائم مليشيا الدعم السريع؛ فبحسب تقرير بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان، فقد أشار تقريرها إلى أن المليشيا ارتكبت اعتداءات مُرعبة ضد مجتمع المساليت في مدينة الجنينة وحولها بغرب دارفور تضمّنت القتل، والتعذيب، والاغتصاب وغيرها من أشكال العنف الجنسي، وتدمير الممتلكات والنهب. كما ذكر التقرير أنه وجد أن هناك «أسبابا معقولة للاعتقاد» بأن المليشيا ارتكبت جرائم حرب أخرى من بينها الاستعباد الجنسي وتجنيد الأطفال دون سن 15 عاما، وقامت بأفعال أخرى قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية بما في ذلك الاسترقاق، والاضطهاد على أسس عرقية، والتهجير القسري للسكان. وعلى ضوء ذلك تم تمديد فني، وروتيني لحظر دخول الأسلحة إلى دارفور. وهو قرار يحمل الرقم 1591 كان قد فرض قبل عشرين عاما في 2004، وطالب السودان بإلغائه لأنه يحد من قدرة الجيش على بسط الأمن، وتأمين عودة المواطنين ودحر المليشيا المجرمة، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إليهم. ويغض طائر العنقاء الطرف عن أن حماية المدنيين تتطلب تحركًا وإمدادات للقوات النظامية، وهو غير مهتم بأن عدم إعادة توازن القوى في دارفور لصالح الجيش، والقوات النظامية سيؤثر سلبًا على جهود الدولة السودانية في حماية المدنيين. وفيما تراوح جهود من سمته الولايات المتحدة الأمريكية مبعوثاً خاصا لها إلى السودان مكانها، يبقى يحوم حول الحمى، ولا يقربه؛ فالرجل يقوم بجولات مكوكية في جوار السودان وما أبعد، مثل أثيوبيا، والسعودية، ومصر، وكينيا زاعماً بحثه عن حل للأزمة السودانية لكنه لا يصل مدينة بورتسودان المقر الحالي للحكومة السودانية. وطالب مرة في محاولة لذر الرماد على العيون بزيارة بورتسودان مشترطاً أن يبقى في المطار برفقة قوة حماية أمريكية على أن يحجّ إليه المسؤولون وبينهم دستوريون في المطار، والرجل الذي ربما هو أقل من مستوى مدير إدارة بالخارجية الأمريكية لم يكن يريد زيارة السودان، ولذلك وضع تلك الشروط التعجيزية التي كشفت نواياه الحقيقية. وتحدث يوماً في العاصمة الكينية نيروبي باسم السودانيين، زاعما بأن وجود ما أسماهم بالإسلاميين، في المشهد الحالي، «يمثل مشكلة كبيرة لنا وللسودانيين»، مضيفاً بدون إثبات: «نعلم أن هناك مقاتلين منهم داخل الجيش، وهناك من جاءوا من خارج البلاد وانضموا للحرب». ولم يتحدث يوماً عن الأجانب الذين استجلبتهم المليشيا من نحو 17 دولة ليقاتلوا معها!. فالرجل جعل من نفسه طرفاً في التفاعلات السودانية الداخلية فكيف يكون نزيهاً، ويقدم حلولاً نزيهة للأزمة في البلاد؟!.

462

| 15 سبتمبر 2024

الميديا الغربية تحت ضغط الحقائق

رغم ارتباط الميديا في الغرب بالنظم السياسية في عموم أدائها لوظائفها لاسيما عندما يرتبط الموضوع بالشؤون المتعلقة بالآخر، إلا أنها أحياناً لا تستطيع غض الطرف عن بعض الحقائق الدامغة، فتشير لها، وتتجاوز حواجز، ورغائب النظام السياسي المتحكم، أو الدولة العميقة. فوسائل إعلام مثل ليموند الفرنسية، ونيويورك تايمز، وواشنطن الأمريكيتين، وميدل إيست آي، والغارديان البريطانيتين؛ قد أبرزت تقارير تعكس الجرائم الفظيعة التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع منذ تمردها على الجيش السوداني في أبريل 2023. بيد أنه إن لم يفض هذا الانحياز المتأخر للحقيقة إلى ضغط سياسي على الحكومات الغربية يصار عبره إلى تصنيف واضح لمليشيا الدعم السريع منظمة إرهابية؛ فإنه يبقى طعناً في ظل الفيل وليس الفيل. في العديد من الدول الغربية، يُعتبر الإعلام مستقلاً عن الدولة، ويعمل بموجب قوانين تكفل حريته. ومع ذلك، فإن التأثير السياسي يظل موجودًا، سواء بشكل مباشر، أو غير مباشر. بعض وسائل الإعلام قد تتأثر بأيديولوجيات معينة، أو بمصالح الشركات الكبرى، التي قد تكون لها ارتباطات سياسية. وكثيراً ما تكون وسائل الإعلام في الغرب مملوكة لشركات خاصة، أو أفراد لهم توجهات سياسية محددة. وهذه الملكيات قد تؤثر على محتوى الوسيلة الإعلامية وتوجهاتها بتبنيها توجهات تتماشى مع أيديولوجيات سياسية معينة كما نلمس في تجاهلها المخجل لجرائم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. ويمكن أن تلعب اللوبيات، ومراكز القوى دوراً مؤثراً في توجيه بعض وسائل الإعلام، فهذه الجماعات تحاول التأثير على الإعلام لترويج مصالح معينة تتماشى مع أهدافها السياسية، أو الاقتصادية. ومع هذا التفاعل المعقد بين الإعلام، والنظم السياسية الغربية، فإنه يحافظ في بعض الأحيان على استقلالية نسبية، لكنه في أحيان كثيرة نجده في قبضة التأثيرات السياسية، والاقتصادية. ومع بداية هذا العام بدأ ضغط حقائق جرائم مليشيا الجنجويد ينعكس علي وسائل الإعلام الغربية؛ ففي فبراير الماضي كشفت صحيفة واشنطن بوست أن مليشيا الدعم السريع نفذت حملة اختطاف في صفوف المدنيين، إما للحصول على فدية، أو لاستعبادهم. ونقلت عن ضحايا تحدثت لهم بأن عناصر المليشيا المجرمة جعلت من عمليات الاختطاف مصدراً للدخل. وقال بعض الضحايا إنهم استعبدوا وبيعوا للعمل في مزارع تابعة لقادة المليشيا. وأكد شهود للصحيفة الأمريكية أن من بين المختطفين فتيات تم استغلالهن في التجارة الجنسية. وذكرت واشنطن بوست، آنّه في أوائل نوفمبر 2023، قتل نحو 15 ألف شخص خلال هجوم على مدينة الجنينة غربي دارفور، مشيرة إلي تقرير غير منشور للأمم المتحدة اطلعت عليه الصحيفة. وفي أبريل 2024 كشفت صحيفة الغارديان البريطانية عن أن الخارجية البريطانية انخرطت في محادثات سرية مع مليشيا الدعم السريع. وأشارت إلى لقاء تم بين مسؤولين من وزارة الدفاع والأمن، مع ممثلين عن المليشيا في مارس الماضي. وأشارت الغارديان إلى التحذيرات التي أطلقتها جماعات حقوقية بريطانية بأن مثل هذه المحادثات تخاطر بإضفاء الشرعية على الميليشيا سيئة السمعة، والتي تواصل ارتكاب جرائم حرب متعددة مع تقويض مصداقية بريطانيا الأخلاقية في المنطقة. وفي يونيو الماضي ذكرت صحيفة ليموند الفرنسية أن مليشيا السريع قصفت المستشفى السعودي في مدينة الفاشر، مما أسفر عن مقتل صيدلي، ونهبت مخزون الأدوية وسيارة إسعاف. وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن الهجمات القاتلة التي تشنها المليشيا لا تقتصر على دارفور، إذ ارتكبت عدة مجازر في ولاية الجزيرة، وبثت الذعر بين السكان المدنيين. وفي يونيو أكدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن مليشيا الدعم السريع تستخدم تكتيكات الأرض المحروقة حيث تظهر الأدلة أن آلاف المنازل قد دمرت بشكل منهجي، وأن عشرات الآلاف من الأشخاص اضطروا إلى الفرار، كما تظهر مقاطع الفيديو معاملة مهينة للأسرى، ووجود قائد كبير في مليشيا الدعم السريع – شقيق حميدتي - ممن شملتهم العقوبات الأمريكية لدوره في الفظائع ضد المدنيين. ومع بداية شهر سبتمبر الحالي أفاد موقع «ميدل إيست آي» البريطاني، بأن مليشيا الدعم السريع نهبت متحف السودان القومي في العاصمة الخرطوم، وهرّبوا بعض القطع الأثرية إلى خارج البلاد عبر حدودها الجنوبية. وأن عملية نهب وتهريب واسعة النطاق شملت محتويات المتحف. وأوضح الموقع في تقريره أن صور الأقمار الصناعية أكدت أن شاحنات محملة بمواد غادرت المتحف في وقت مبكر من هذا العام، متجهة نحو الحدود مع جنوب السودان، وأضاف التقرير أن الشاحنات كانت تحمل معروضات من المتحف. ونقل الموقع الإخباري البريطاني عن قناة «إس بي سي»، استنادا إلى مصادر وصفتها بالمطلعة، أن بعض محتويات المتحف عُرضت للبيع عبر الإنترنت.

735

| 08 سبتمبر 2024

صراع البحر الأحمر.. مرحلة كسر العظم

كثير من المؤشرات تؤكد أن أفريقيا هي الميدان الأكثر سخونة للصراع الدولي على الموارد، والممرات البحرية الدولية. والمتصارعون الأساسيون الولايات المتحدة الأمريكية، وحاشيتها من حلفاء بعضهم تعلو قامته، وآخر تتقاصر لحد التقزم فضلاً عن أدوات محلية، ودول وظيفية، وفي الجانب الآخر تبدو روسيا، وهي تعمل على استراتيجيتها القديمة للوصول، والتمركز في المياه الدافئة، وفي ذلك لا تحدها سوريا التي أوجدت لها فيها موطئ قدم. وهناك طرف آخر يصارع، ولكن بأدوات ناعمة لاسيما عبر الاقتصاد، وهو الصين بكل جبروتها الاقتصادي بينما تبقي سلاحها الذي لا يستهان به ليوم كريهة، وسِدادِ ثَغْر. ولقد كشفت بيانات خدمة أبحاث الكونغرس عن حجم الهوة بين جدية استثمارات البلدين في القارة السمراء؛ إذ أبرمت الصين في 2020 وحده اتفاقيات بقيمة 735 مليار دولار مع 623 شركة، فيما بلغت قيمة 800 صفقة تجارية واستثمارية مع 45 دولة أفريقية أكثر من 50 مليار دولار العام الماضي. في المقابل أفادت البيانات بأن الولايات المتحدة استثمرت فقط 22 مليار دولار في 80 شركة في أفريقيا خلال نفس الفترة. وفي خضم الصراع حول أفريقيا لاسيما في الساحل الغربي للبحر الأحمر أبرز الممرات الدولية الإستراتيجية التي يدور فيها مارثون التمركز، والاستحواذ؛ فقد أرسلت إثيوبيا، يوم الجمعة الماضي، مندوباً جديداً بدرجة سفير إلى الكيان الذي أطلق على نفسه (جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها)، وذلك لأول مرة منذ بدء العلاقات بين أديس أبابا، والإقليم المتمرد على الدولة الصومالية المعترف بها دولياً. حيث وقعت أثيوبيا اتفاقاً مع (أرض الصومال) يناير الماضي يمنحها الوصول إلى ميناء على البحر الأحمر من خلال استئجار شريط ساحلي بطول 20 كيلومترا مقابل اعترافها بالإقليم (دولة مستقلة) رغم أنف القانون الدولي. وكانت (أرض الصومال) قد أعلنت في مايو 1991 من جانب واحد استقلالها، بيد أنها لم تحظَ حتى اليوم بأي اعتراف دولي أو إقليمي. وتقع (أرض الصومال) في القرن الأفريقي في البر الرئيسي لقارة أفريقيا على شاطئ خليج عدن. وأثيوبيا دولة حبيسة ليس لها أي منفذ بحري مثلها مثل 17 دولة أخرى، وأصبحت حبيسة هضابها بعد انفصال إريتريا المطلة على البحر الأحمر عنها عام 1993. ويكفل القانون الدولي لها في الفقرة 125 حق توقيع اتفاقيات ثنائية تمكنها من استغلال موانئ دول الجوار. وهناك دول مجاورة لأثيوبيا ولها منافذ بحرية كان يمكن لها أن تعقد معها اتفاقات دون انتهاك لسيادتها مثل جيبوتي، وأريتريا، والسودان. لكن الخطوة الأثيوبية الأخيرة بدت متحدية للقانون الدولي إذ إن الدولة صاحبة الحق في عقد اتفاق ثنائي هي جمهورية الصومال الفيدرالية، وعاصمتها مقديشو، وليست (أرض الصومال). ولذا لم تحترم أديس أبابا وفقاً للقانون الدولي سيادة جمهورية الصومال على أراضيها ومياهها الإقليمية. وربما كانت تصريحات رئيس الوزراء الأثيوبي في ذات السياق قد أثارت القلق تجاه تلكم الخطوة بل اعتبرتها كثير من الدول المعنية خطوة عدائية؛ إذ ذكر مخاطباً برلمان بلاده ما أسماه بـ“الضرورة الوجودية لإثيوبيا في الوصول إلى منفذ في البحر الأحمر” حيث يرى أنه لابد من مناقشة فكرة وجود منفذ دائم، و»مستقل» على البحر الأحمر، فكيف يكون منفذا مستقلاً وهو ضمن أراضي دولة أخرى ذات سيادة؟!. وقد وصف وزراء الخارجية العرب، خلال اجتماع طارئ، عُقد لدعم الصومال الفيدرالية، اتفاق أثيوبيا و(أرض الصومال) بأنه: «انقلاب صارخ على الثوابت العربية، والأفريقية، والدولية المستقرة، ومخالفة واضحة للقانون الدولي، والاتفاقيات الدولية النافذة». مع العلم أن لأثيوبيا اتفاقية مع جيبوتي حيث يمر أكثر من 95% من وارداتها، وصادراتها مقابل 1.5 مليار دولار سنويا. غير أن الأمر الخطير أن الخطوة الأثيوبية تتخطى الأهداف الاقتصادية، والتجارية إلى محاولة التموضع عسكرياً؛ فالاتفاق الأثيوبي مع (أرض الصومال) ليس اتفاقاً تجارياً تنافسياً، أو أنه يمكن التراجع عنه بسهولة كبقية الاتفاقات. بل ربما يأتي في إطار اتفاقيات غير معلنة مع دول محورية في الصراع المحتدم على البحر الأحمر، و(إسرائيل) ليست بعيدة عن المشهد. إذن فإن ذلك الاتفاق يمنح أثيوبيا قاعدة عسكرية مع قدرتها على التحكم، والتمركز في ساحل بطول 20 كيلومترا لمدة 50 عاما، ويضم ميناء بربرة، ويشكل ذلك نحو 90%؜ من طول ساحل جيبوتي الذي يبلغ نحو 31 كيلومترا، ولعل أثيوبيا اختارت (أرض الصومال) لأنها تعتبر كيانا رخوا، وهذا ما يكرس الانفصال في دولة عربية، ويمهد لأن تبتلع أثيوبيا كلتيهما واحدة تلو الأخرى وربما هو مخطط استراتيجي بشراكة دولية على المدى البعيد. وأثيوبيا في أحسن الأحوال تسعى لامتلاك نفوذ عسكري واستراتيجي وتقديم نفسها طرفًا في المعادلة الإقليمية الخاصة بالأمن البحري في القرن الإفريقي.

585

| 01 سبتمبر 2024

تحديات ما بعد الحرب والأزمة السياسية

فيما تسابق الحكومة الأمريكية ممثلة في الحزب الديمقراطي الحاكم الزمن لاهثة لإضافة أي إنجاز خارجي تدعم به حملتها الانتخابية التي اشتد أوارها في مقابلة خصم عنيد وعلى حساب الأزمة السودانية الحالية؛ تبدو الحكومة السودانية المثقلة بتبعات الحرب قد أجادت المناورة السياسية، وتكاد تفوت الفرصة على طبخة أمريكية متعجلة تكرس حلاً يشابه مآلات الانقسام والتفتت في ليبيا، واليمن، وسوريا. هذه المناورة قد عملت على تنفيس مفاوضات جنيف، ولاحقاً مشاورات القاهرة، وبدا الراعي الأمريكي يائساً من فرض أجندة خارجية لصالح الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وبالضرورة لصالح أدواتها في الداخل السوداني مليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي المعروف بقوى تنسيقية تقدم، وبالضرورة أدواتها الإقليمية. بيد أن نجاح هذه المناورة لا يكتمل إلا بتحقيق أهداف عسكرية ميدانية عاجلة تعيد الأمن والاستقرار وتدحر المليشيا الإرهابية، وأخرى سياسية في المديين المتوسط والبعيد، لضمان خروج آمن للدولة السودانية من مؤامرة تواجهها تستهدف كيانها، وكانت قاب قوسين أو أدنى أن تنجح، ليصبح السودان الذي نعرفه جزءاً من التاريخ، ومن ثم تعج المنطقة بفوضى لا تبقي ولا تذر. ولعل الأهداف العاجلة معنية بها القيادة الحالية، والتي قد تكون جزءاً كذلك من قيادة مستقبلية تكون معنية بأهداف المديين المتوسط القريب والبعيد المنظور. فلابد للنخب السياسية السودانية عسكرية ومدنية أن تعتمد على ذاتها في تصحيح أخطائها عبر الحقب الماضية، وما هذا المآل الحالي إلا نتاج أخطاء متراكمة ظلت تتكرر بمنوال رتيب. ولكل نظام سياسي مضى له نصيب من انفضاض الجماهير عنه، وفشل خطابه السياسي في خلق الحد الأدنى من الالتفاف الجماهيري حول برامجه السياسية. وإن حقق نظام منها شيئاً من النجاح فهو لم يكن إلا أمراً طارئاً تستمر بعده الفجوة بينه وبين الجمهور وتتسع يوما بعد يوم حتى يفضي ذلك في نهاية المطاف إلى زواله وسقوطه. ولعل الإشكالية الأساسية كانت دائماً تكمن في أن الخطاب السياسي لتك الأنظمة ظل خطاباً صفوياً يفتقد أصحابه قيمة التواضع فلم تتحقق فيهم خصلة الموطئين أكنافا. أما الإشكالية الأخرى فتمثلت في مفردات الخطاب السياسي المستخدمة مما عزز الفجوة في مجتمع ما زالت ترتفع فيه نسبة الأمية. إن الخطاب السياسي وسيلة لإقناع الجماهير بمشروعية القيادة السياسية، ووسيلة لإقناعهم بالبرامج السياسية المطروحة؛ فليس مقبولاً أن يختار نظام حاكم خطاباً سياسياً موغلاً في الميكافلية لأن ذلك يتقاطع كثيراً مع القيم المجتمعية النابعة من الأخلاق والدين، لاسيما وأن المجتمع في السودان في عمومه مجتمع متدين ومحافظ. وقد فشلت كل الأنظمة السابقة في صوغ خطاب يقوم على المشتركات بين الخطابين السياسي والدعوي، حيث يمكن ذلك من اندماجهما في خطاب واحد مبرأ من منزلقات الميكافلية والفساد؛ إذ إن الخطاب الدعوي هو دعوة الناس إلى منافعهم معاشاً ومعاداً، فهو خطاب مُساير لمتغيرات العصر ومستجداته، ويراعي ظروف المخاطبين وواقعهم. وليحقق الخطاب المثالي المدمج بشقيه الدعوي والسياسي غايته يجب أن يكون إقناعيا بامتياز، ليوصل المخاطب إلى بر القبول والتسليم بالصدقية والإيمان بالشرعية السياسية، ومن ثم التفاعل معه، فتتعاون الوسائل اللغوية والمنطقية جنباً إلى جنب مع مكونات تعبيرية أخرى، ويسبقه كذلك إعداد قوي يواكب العصر وتقنياته الحديثة، ليؤدي وظيفته ورسالته السامية في الحض على العمل والإنتاج والإبداع في مجالات الحياة المختلفة؛ لأن العمل عنده بمثابة قيمة عظمى؛ ليحقق بذلك مقصد العمارة والاستخلاف في الأرض. ويجب كذلك أن ينشر الخطاب المثالي روح المحبة والتواصل والتقارب بين أفراد المجتمع، وينهى عن البغضاء والتحاسد والتدابر والتقاطع بين الناس أجمعين؛ ليحقق مقصد: (لتعارفوا) خاصة بعد حرب ضربت بقوة في النسيج الاجتماعي. فضلا عن ضرورة أن يعمل هذا الخطاب على أن يجمع القلوب على حب الأوطان، وغرس الانتماء في نفوس النشء، محفزًا الجميع على العطاء لرفعة شأن الوطن بين الأمم. ومع إهمال الاهتمام بالنشء والبراعم بقيت الأجيال الشبابية تئن تحت وطأة جفاف روحي وخواء فكري وسطحية معرفية وهشاشة في العقيدة والانتماء وغياب لمعاني القيم، والتي أضحى جلها عبارة عن شعارات جوفاء لا أثر لها في صناعة الحياة وصياغة الأهداف، وتشكيل الرأي وتحشيد الإرادة. لقد أهملت النظم السياسية السابقة القضايا المعاصرة التي تشغل الرأي العام في خطابها إهمالا تاما مثل: الحريات وحقوق الإنسان والتنمية والبعد الإنساني في التشريعات الدينية وحقوق الأقليات، وفي المقابل كان الاستغراق في الخطاب الوعظي والبياني الذي يستعرض المقدرات اللغوية من الجناس والطباق والبديع.

888

| 25 أغسطس 2024

طاولة جنيف.. غسيل الدم

بدون صاحب الحق الأصيل، وهو الشعب السوداني، وحكومته التي تمثله، وجيشه الذي يصد عنه اعتداء المعتدين، وجرائم المجرمين؛ انطلقت الأسبوع الماضي ما عرف بمفاوضات جنيف برعاية أمريكية رئيسية. وأخفي مكان التفاوض على غير العادة ربما تجنباً لمواجهة تظاهرات السودانيين في سويسرا المناهضة لأي تسوية يتم من خلالها التجاوز عن جرائم مليشيا الدعم الدعم السريع، بل وإعطائها مشروعية أخلاقية مفقودة، ومكاسب سياسية على جماجم ضحاياها التي مارست نحوهم أسوأ أنواع الإبادة الجماعية التي حدثت في العالم خلال العقود الماضية. لقد رفضت الحكومة السودانية المشاركة لأن الوساطة الأمريكية لم تستجب للحد الأدنى من شروطها، وهي أبسط متطلبات إقامة سلام عادل يمنع إعادة إنتاج الأزمة من خلال احتفاظ المليشيا بقواتها المتبقية، وكذلك علاقاتها المشبوهة بدول خارجية ربطها بها حبل سري من الدعم العسكري الآثم. فلم تلتزم واشنطن بإلزام المليشيا بتنفيذ ما التزمت به عبر منبر جدة في مايو من العام الماضي وهو الخروج من بيوت المواطنين، والمستشفيات والمؤسسات الحكومية المدنية. كما أصرت واشنطن على إشراك دول، ومنظمات إقليمية متورطة بالأدلة الدامغة في دعم المليشيا، واستمرار حربها على المواطنين السودانيين، فضلا عن ذلك أصرت واشنطن على أن يأتي الوفد السوداني ممثلا للجيش، وليس الدولة السودانية، وفي ذلك محاولة لئيمة لجعل الجيش السوداني طرفا موازيا لمليشيا تمردت عليه. كما أن حربها اليوم ليست موجهة نحو الجيش فحسب بل أكثر من ذلك موجهة نحو المواطنين العزل، فليس من جيش في العالم يقبل مساواته بفصيل تمرد عليه بإيعاز خارجي. المشكلة الكبرى أن هناك عدم ثقة في الوسيط الأمريكي الذي يقدم أجندته في السودان التي تتعارض مع أمنه القومي، واستقراره، حتى أن رغبات واشنطن تتعارض مع مقتضيات العدالة الدولية، وحقوق الإنسان. ولذلك بدت مفاوضات جنيف منتدى لفرض الإرادة الخارجية، وسَطلاً تُغسل فيه أيادي المتورطين من دماء الأبرياء في السودان؛ فهل تقبل الحكومة السودانية، وجيشها تلكم القسمة الضيزى؟ ولو قبلت فلن يقبلها الشعب السوداني. بيد أن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان كان قد قطع الشك باليقين عشية تلك المفاوضات، أو حوار الطرشان بقوله: «لا سلام والميليشيات المتمردة تحتل البيوت، والمدن، والقرى، وتحاصرها، وتقطع الطرق». وجدد البرهان في خطابه بمناسبة عيد الجيش الـ70 الثلاثاء الماضي التأكيد بأن طريق السلام، أو وقف الحرب واضح وهو «تطبيق ما اتفقنا عليه في جدة خلال مايو من العام الماضي». المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيريللو قال في مؤتمر صحفي في جنيف الأسبوع الماضي بلهجة تستبطن تهديداً لا يخفى: «لن نتمكن من عقد محادثات، وساطة مباشرة مع الأطراف إذا لم تكن الأطراف موجودة، وحتى في غياب طرف واحد. لذا إذا استمر الوضع على حاله ولم تلتزم القوات المسلحة السودانية بالمشاركة فسوف نركز على الخارطة الدولية والإقليمية، لوقف العنف، ووصول المساعدات الإنسانية». فالرجل يلوح ربما بإجراءات في مجلس الأمن، لكن يبقى هذا التهديد فقاعة هواء، إذ يعلم الناس أن مجلس الأمن الدولي غدا مشلولاً غداة اندلاع الحرب في أوكرانيا، ولم يستطع إنجاز، أو تمرير قرارات قد تخدم أجندة كل من القوتين العظميين المتحاربتين في أوكرانيا، وهما الولايات المتحدة، وروسيا فكلاهما يستخدم حق الفيتو لإبطال أي قرارات يقف من خلفها الخصم الآخر. وعلق الموظف السابق في البيت الأبيض والمختص في شؤون القرن الأفريقي كاميرون هدسون بقوله: “إن الولايات المتحدة حاولت خلق الوهم بوجود لحظة من الزخم لإجبار الجيش السوداني على التعاون، لكنه فهم أنها خدعة إذ يعلم أن المجتمع الدولي منقسم». أما شماعة المساعدات الإنسانية فهي حجة مكشوفة للتغطية بها على النوايا الحقيقية، وهي إدخال العتاد العسكري لصالح المليشيا ضمن هذه المساعدات عبر فتح المعابر الحدودية مع الدول المجاورة التي تدعمها. ولو كانت النوايا صادقة في تقديم المساعدات لما كانت معسكرات اللاجئين السودانيين في تشاد، وإثيوبيا تنعدم فيه أبسط متطلبات العيش، فالأطفال يموتون جوعاً هناك، وهي معسكرات بالطبع خارج نطاق العمليات العسكرية. إن أكبر عيب للوساطة الأمريكية غير نهج الصلف الذي تتعامل به مع الدولة السودانية؛ أنها تتجاهل حقيقة أن مليشيا الدعم السريع متهمة بارتكاب العديد من الجرائم، والانتهاكات الخطيرة مثل: القتل العمد للمدنيين، والعنف الجنسي حيث تم توثيق حالات اغتصاب واسعة النطاق ضد النساء، والفتيات، وتجنيد الأطفال قسريًا واستخدامهم وقودا في الحرب. هذا فضلاً عن الهجمات المتعمدة التي طالت البنية التحتية المدنية، وتدمير المستشفيات، والمدارس، ونهب ممتلكات المواطنين، واحتلال منازل المواطنين ومزارعهم. كل ذلك أدى إلى لجوء، ونزوح ملايين السودانيين، وأسرههم من مناطقهم داخل وخارج البلاد. فكل هذه الجرائم، والانتهاكات أثارت إدانات واسعة من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان، لكنها لم تحرك شعرة في الإدارة الأمريكية.

561

| 18 أغسطس 2024

بريطانيا أحوج للمهاجرين من حاجتهم إليها

ظلت بريطانيا الدولة الأفضل على نطاق أوروبا، والغرب عموماً في التعاطي مع التنوع العرقي داخلها، بيد أن ذلك ليس بسبب حقيقة قلة هذا التنوع من حيث الكم على الأقل، ولكن بسبب قوة نفاذ قوانينها، وتشديدها على تجريم الممارسات العنصرية، فضلاً عن حاجة بريطانيا للمهاجرين لدعم اقتصادها الذي يعاني بنقص حاد في الأيدي العاملة حاضراً، ومستقبلاً. غير أنه منذ نحو أسبوعين مضت شهدت البلاد أعمال عنف، وشغب من جانب اليمين المتطرف احتجاجاً على ما يعتبرونه زيادة أعداد المهاجرين، والملونين باختلاف دياناتهم، ومعتقداتهم، وكانت تلك الأحداث المؤسفة هي الأعنف في السنوات القليلة الماضية. ولعل هذه الأحداث المستهجنة من غالب البريطانيين لها خلفيات، وأسباب معلومة؛ فقد ظل حزب المحافظين الذي أُقصي انتخابياً بعد أن حكم بريطانيا لنحو 14 عاما يبذر بذور الفتنة، وهو يزايد على كونه الحزب الأقدر على وقف الهجرة في محاولات مستميته للاستثمار في الشعبوبة المتنامية ليس في بريطانيا فحسب، وإنما في عموم أوروبا. جدل واسع شهدته أروقة السياسة البريطانية في الشهور الأخيرة بعد تصريح وصف بأنه «عنصرى» حسب صحيفة «الجارديان» أدلى به أكبر مانح لحزب المحافظين، حيث قال إن النظر إلى النائبة البريطانية العمالية، ديان أبوت يجعلك «ترغب في كراهية جميع النساء السود»، وقال إنه «يجب إطلاق النار عليها». وكان فرانك هيستر، قد قدم 10 ملايين جنيه استرليني إلى حزب المحافظين في العام الماضي. وقالت أبوت: إن حقيقة مقتل اثنين من أعضاء البرلمان في السنوات الأخيرة تجعل مثل هذا الحديث أكثر إثارة للقلق”. إن الفوز الكاسح لحزب العمال البريطاني في انتخابات الشهر الماضي قد أقضّ مضاجع اليمين المتطرف سيما، وأن حزب العمال معروف بدعمه للمهاجرين، وقد أعلن مراجعة سياسة حزب المحافظين التي تضمنت إقرار سياسات مناهضة للمهاجرين، والتي منها ترحيل لاجئين إلى رواندا. ولعل هذا العنف الذي يدار بأيد خفية يقصد منه تخويف حزب العمال، ومنعه من إقرار سياسات في صالح المهاجرين. والمدهش أنه في حين كان حزب المحافظين يظهر صرامة في التعامل مع شكاوى «معاداة السامية» منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر الماضي، ظل الحزب متساهلاً، وربما متماهياً مع خطاب كراهية، ومعاداة المسلمين الذي تصاعد في الآونة الأخيرة ضد الأقلية المسلمة في البلاد، وقد تضاعفت الاعتداءات على الجاليات المسلمة عقب ذلك بمعدل 3 أضعاف. وذات حزب المحافظين كان قد تحفظ على تبني تعريف لـ «الإسلاموفوبيا» الذي سبق أن تبنته مجموعة برلمانية واسعة في 2019، بدعوى أنه «تعريف فضفاض، ويتعارض مع مبادئ حرية الرأي، والتعبير». يقول عمدة لندن الحالي المسلم صادق خان: إن العنصرية المؤسسية ليست وهما، بل حقيقة موجودة ومقلقة. ومنذ عقد الثلاثينيات في القرن الماضي، راحت سياسة اليمين المتطرف في بريطانيا تظهر للعلن، بالتزامن مع انطلاق النازية، والفاشية، والحركات المعادية للسامية. مع مرور الوقت اكتست سياسات اليمين المتطرف بطابع عنصري أكثر وضوحًا، والتي عارضت هجرة غير البيض، وظلوا يعلنون بوضوح عن رغبتهم في الحفاظ على ما يسمونه بالثقافة البريطانية. إن الزوبعة الفنجانية التي يُثيرها اليمين المتطرف اليوم لا تقوم على حيثيات مقنعة بل تتصادم مع المصلحة العليا لبريطانيا لاسيما في مجال الاقتصاد الذي يعاني كثيراً. فبالرجوع لآخر احصاء سكاني في البلاد في 2021 نجد أن من بين 61.5 مليون هم مجمل عدد السكان نجد 82٪ من الأشخاص قد حددوا هويتهم بأنهم مجموعة عرقية بيضاء، و9٪ بمجموعة عرقية آسيوية، و4٪ بمجموعة عرقية سوداء، و3٪ بمجموعات عرقية مختلطة أو متعددة، و2٪ بمجموعات عرقية أخرى. بمعنى أن 18% فقط هم غير بيض بينما بلغت نسبة السود - وهم الأكثر استهدافا - فقط 4%. وأوضح التعداد أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا بشكل كبير عن عدد الأطفال والمراهقين، أو عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و64 عامًا. وهذا يشير إلى نقص كبير في الفئات التي يقع عليها عبء الانتاج، ورفد الاقتصاد البريطاني بالأيدي العاملة المنتجة. ولذلك ظلت الشركات الكبرى تمارس ضغوطاً على الحكومة من أجل إقرار خطط لتسهيل هجرة الأيدي العاملة إلى بريطانيا. ووصل سوق العمل البريطاني حداً من نقص في العمال بلغ ملايين الوظائف. بل إن سوق العمل سيشهد نقصا في الأيدي العاملة سيصل إلى 2.6 مليون وظيفة بحلول 2030. كذلك يستفيد الدخل القومي البريطاني من الفوائد المترتبة على التحاق الطلاب الدوليين بالجامعات البريطانية حيث تقدر الحكومة أن قيمة «صادرات» التعليم العالي بلغت نحو 21.7 مليار جنيه إسترليني في 2021. هذا فضلا عن مليارات الجنيهات الاسترلينية التي يضخها السياح في الاقتصاد البريطاني ولعل هذه الأحداث تصادف موسماً سياحياً مهماً ستنعكس سلباً عليه وعلى المواسم التالية.

636

| 11 أغسطس 2024

الاغتيال السياسي وسيلة الجبناء

جريمتا اغتيال سياسي في يوم واحد، والفاعل واحد سواء بدا ظاهراً سعيداً، أو تخفى من وراء حُجب عبر أدوات مرتجفة، والهدف واحد تركيع الأمة، واخماد جذوة الجهاد، والنضال، وتسليم زمام أمرها كاملاً للصهيونية العالمية. الأربعاء الماضي أفاقت الأمة على خبر صاعق باغتيال الوجه الدبلوماسي لحركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، وزعيمها السياسي إسماعيل هنية في طهران. وبعد سويعات جرت محاولة أخرى في السودان فاشلة لاغتيال رئيس مجلس السيادة، وقائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان. اغتيال هنية تم بإعداد، وتنفيذ إسرائيلي، ربما بضربة صاروخية أو عبوة ناسفة فُجّرت عن بُعد باستخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية. أما محاولة اغتيال البرهان فقد تمت بطائرتين مسيّرتين، في موقع تخريج دفعة جديدة من مجندي الجيش السوداني بولاية البحر الأحمر، بإعداد وتخطيط أجنبي، وتنفيذه من قِبل مليشيا الدعم السريع المؤيدة بشدة، والمتحالفة مع إسرائيل، وبمساعدة خدمات قمر صناعي إسرائيلي، غير أن المضادات الأرضية كانت قد تصدّت للمسيّرتين اللتين استهدفتا البرهان. المقاومة الفلسطينية تخوض حرباً وجودية على أرضها المحتلة، والجيش السوداني يخوض كذلك حرباً وجودية متعددة الجنسيات تقف من خلفها إسرائيل وأعوانها في المنطقة لمحو الدولة السودانية من الوجود. وأراد الفاعل في كلتا الحادثتين إرهاب المقاومة الفلسطينية، وإجبارها على كسر موقفها التفاوضي القوي الذي أنهك حكومة العدو بنيامين نتنياهو، حيث ظل الشهيد هنية يلعب دوراً كبيرًا في عملية التفاوض. وفي الحادثة الأخرى كان قد تم إعداد مائدة لئام تفاوضية تعقد في 14 أغسطس الجاري بجنيف لكنها تواجه موقفاً صُلبا من الدولة السودانية، موقف يرفض إعادة المليشيا الإجرامية للمشهد السياسي السوداني بينما ظل ذلك الهدف هو الهم المسيطر على رعاة التفاوض، خاصة مع تقدم الجيش السوداني، وتشرذم المليشيا. وجاءت محاولة اغتيال البرهان بعد يوم واحد من إعلان وزارة الخارجية السودانية عن رفضها طلباً تقدمت به نظيرتها الأمريكية لزيارة بورتسودان في السابع من أغسطس الجاري لإجراء محادثات بخصوص مائدة التفاوض التي أعدتها واشنطن، لكن بعد نصف ساعة من محاولة اغتياله، قال البرهان إن «الجيش السوداني لن يتفاوض مع مليشيا الدعم السريع، ولا يخشى الطائرات المسيّرة، ولا الموت، وسيستمر في القتال». وفي ذات الوقت لن تكون مفاوضات إسرائيل مع المقاومة سهلة وستزداد مصاعب نتنياهو وجيشه المنهار. إن استمرار العمليات الهجومية بالمسيرات في السودان يشير إلى وجود إمداد لوجستي متواصل لمليشيا الدعم السريع من خارج الحدود، فضلاً عن دعم تقني معلوماتي لا يتوافر إلا من جانب إسرائيل. لا شك أن الاغتيال السياسي عمل جبان، وغير أخلاقي يشبه الصهيونية العالمية التي قامت، وتأسست على مثل هذه الأفعال. في عام 2009، نشرت مجلة «مومِنت» اليهودية الأمريكية حوارا مع الحاخام الصهيوني «مانيس فريدمان» حول الطريقة المثلى لتعامل اليهود بفلسطين المحتلة مع جيرانهم من العرب، وقد أتت إجابة «فريدمان» صريحة: «إنني لا أؤمن بالأخلاقيات الغربية، بمعنى أن عليك ألا تقتل المدنيين أو الأطفال، وألا تدمر الأماكن المقدسة، وألا تقاتل في المناسبات الدينية، وألا تقصف المقابر، وألا تطلق النار قبل أن يطلقها عليك الآخرون. إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية: دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم». وقد علل «فريدمان» ذلك بأنه الرادع الوحيد، والحقيقي للتخلص من ثبات الفلسطينيين ومقاومتهم المستمرة، وأن تلك هي قيم التوارة التي ستجعل الإسرائيليين «النور الذي يشع للأمم التي تعاني الهزيمة بسبب هذه الأخلاقيات المدمرة التي اخترعها الإنسان». يُعرف الاغتيال السياسي بأنه قتل شخصية سياسية بغرض تحقيق أهداف سياسية، أو عسكرية. وبينما تأخذ عملية القتل الجنائي شكلًا واحدًا، وتتم في اتجاه واحد. غير أن عملية الاغتيال السياسي تأخذ ثلاثة أشكال: الاغتيال المعنوي، والاغتيال المادي، والاغتيال «القانوني». ووفقًا للقانون الدولي، يعتبر الاغتيال السياسي جريمة حرب. يُحظر بشكل صريح في الاتفاقيات الدولية. ونجد ذلك في المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيث تُعرِّف القتل العمد باعتباره جريمة حرب. وتحظر المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف الاعتداء على الحياة، والسلامة البدنية للأشخاص الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية. والاغتيالات السياسية ظاهرة وجريمة في آن، فهي ظاهرة اجتماعية تاريخية بحكم تكرار حدوثها وانتشارها زمانيًّا ومكانيًّا، فضلًا عن تعدد، واختلاف أسبابها ودوافعها. ومن ناحية التوصيف القانوني هي جريمة وضرب من ضروب القتل العمدي، محرمة دينياً، ومجرمة قانوناً، ومرذولة اجتماعياً. ولذلك نجد أن الجذر اللغوي لـ(الاغتيال) يأتي من: غاله، غوله، واغتاله: أي أخذه من حيث لا يدري فأهلكه. والغُول: (الجمع غِيلان)، والغِيلان في المخيال الشعبي عند العرب هي الشياطين التي تظهر للناس في الفلاة، فتتلون لهم في صور شتى وتغولهم؛ أي تضللهم وتُهلكهم. والغيلة: الاغتيال. يقال قتله غيلةً: على غفلة منه. إن الجهة التي تلجأ إلى الاغتيال السياسي تريد أن تكرس في الوعي العام أن مسار التاريخ يحتكم لقوة خفية شريرة، تعمل في الظلام وتهدف إلى تحقيق أهداف خفية غير معلنة بنزعة شيفونية أنانية. بينما الواقع، والعلم يقرران أن التاريخ يتحرك وفق قوانين موضوعية، ومشاهدة وبإرادة جماعية خيِّرة. ومن أهداف الذين يقفون وراء جرائم الاغتيال السياسي أن يمتد تأثيرها ليشمل المجتمع والأمة بكاملها؛ إذ يأملون في تداعيات واسعة تشمل: الاضطرابات السياسية، فغالباً ما يتوقعون أن يؤدي الاغتيال إلى فراغ في السلطة، وصراعات داخلية حول من سيخلف الشخصية المستهدفة. أما اجتماعياً فيستهدفون أن يؤدي الاغتيال إلى خوف، وانعدام ثقة في الحكومة، والنظام السياسي. فهذه الجريمة النكراء تستهدف أشخاصًا مؤثرين في مجتمعاتهم مثل: زعماء سياسيين، قادة عسكريين، مفكرين، أدباء، مثقفين، صحفيين، ناشطين، وتداعياتها، وتأثيراتها تمتد إلى المجتمع بأسره.

543

| 03 أغسطس 2024

السودان وإيران.. تصحيح مسار

أثارت عودة العلاقات السودانية – الإيرانية إلى طبيعتها وتبادل السفراء كثيراً من الجدل، وربما كثيراً من المخاوف في هذه المنطقة المثخنة بالاضطراب، وبسوء الكيل، ولا يبدو أن ذلك قائم على أسباب موضوعية منطقية. ولعل الظرف الاستثنائي الذي يمر به السودان، والذي شكل أخطر تهديد على كيان الدولة منذ الاستقلال منذ نحو 7 عقود، قد اقتضى تصحيح مسار علاقاته الخارجية، وتنشيط اتصالاته الدبلوماسية بنهج متوازن يحقق الحد الأقصى لمصالحه لاسيما تلك التي تتعلق بصيانة أمنه القومي الذي تحيط به تهديدات كإحاطة السوار بالمعصم. لقد قطعت الحكومة السودانية علاقاتها مع طهران قبل نحو 8 سنوات قطعاً كاملاً دون مسوغ مقبول، وبدا الأمر حينها غريباً في سياق الأعراف الدبلوماسية، فلم يكن الإجراء كرهاً أو بسبب تهديد مباشر من طهران للخرطوم. وقد كان متاحاً للخرطوم التعبير عن موقفها تجاه إيران بدرجة أقل من ذلك الإجراء العنيف؛ كأن تخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي لمستوى القائم بالأعمال أو غير ذلك من أشكال التعبير الدبلوماسي الذي ضمن سياق دبلوماسية (شعرة معاوية) . وعندما قطعت العلاقات بين البلدين كان هناك تعاون اقتصادي، وتبادل تجاري بين البلدين قابل لأن يبلغ مستويات أكبر لصالح اقتصاد البلدين. وكان هناك تعاون دفاعي عسكري مكّن السودان من تأسيس قاعدة صناعات عسكرية متقدمة ساهمت في انتاج أكثر من 150 نوعاً من الصناعات العسكرية الأمر الذي جعل البلاد تكتفي ذاتياً من معظم حاجتها للسلاح بل وتتمكن من تصدير الفائض في وقت كانت العقوبات العسكرية، والاقتصادية الغربية تشدّ الخناق على السودان. وربما يرجع صمود الجيش السوداني في وجه الحرب المتعددة الجنسيات التي انطلقت شرارتها في ابريل 2023 إثر تمرد مليشيا الدعم السريع عليه بايعاز وترتيب خارجي لم يعد خافياً على كل ذي بصيرة، ظل مستنداً إلى تلك القاعدة من الصناعات العسكرية الوطنية. ويجب التذكير هنا بأنه ليست هناك معاهدات أو اتفاقات دولية تمنع دولة ذات سيادة من استيراد حاجتها من السلاح من أي مكان يمكن أن تسد حاجتها. يقول مدير مشروع القرن الأفريقي في مجموعة الأزمات الدولية ألان بوسويل: إن توفير إيران طائرات مسيرة للجيش السوداني أمر مقبول في المجتمع الدبلوماسي. يشار أن إيران ظلت تمد دولة عظمى مثل روسيا بالطائرات المسيرة، وبعض أنواع الأسلحة الأخرى. والحقيقة غير الخافية أن إيران بالمنظور الإستراتيجي الإقليمي دولة عظمى من الناحيتين العسكرية، والاقتصادية، ويصعب تجاوزها، أو اغفال أهمية اقامة علاقات دبلوماسية معها على الأقل في حدودها الدنيا. ولعل جوهر العلاقات بين البلدين اليوم أنها علاقات تبادل مصالح، ولا تقوم على أي فكرة أيدولوجية. ولا يبدو للمتابع أن السودان مندفع أو غير متريث في توسيع شبكة علاقاته الدبلوماسية عبر الشرق والغرب؛ إذ إن الاتفاق على عودة العلاقات بين السودان وطهران كان في نوفمبر الماضي أي قبل نحو 8 أشهر بينما تم تبادل السفراء فعلياً الأسبوع الماضي. وقد أعلنت طهران دعمها لسيادة البلاد الوطنية ودعم أمنه، واستقراره في مواجهة الهجمة التي يتعرض له كيانه الجيوسياسي. إن الدول التي تمانع عودة هذه العلاقات إلى طبيعتها على أساس تبادل المصالح وليس على أساس أنها حلف عسكري موجه ضد طرف ثالث، ليست على استعداد لمد جسور التعاون مع السودان، فبدا حالها كحال من حبست هرة فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. المدهش، والغريب أن الدول التي أبدت قلقها هي نفسها تقيم علاقات دبلوماسية طبيعية، وهذا ما قد يفهم في السودان ليس على قاعدة (أحرام على بلابـله الدوح حلال للطير من كل جنس)، ولكن يمكن أن يمثل ذلك شكلاً من أشكال الوصاية، ورهن الإرادة الوطنية. وذات الدول التي أبدت غضبها من تطبيع السودان علاقاته مع إيران صمتت ولم تبد أي غضب لتطبيع دول عربية أخرى علاقاتها مع إسرائيل. ويتفهم السودان تعقيدات علاقة الجوار العربي - الايراني، ويعلم بأن سياسة إيران المعلنة بأنها قائمة علی حسن الجوار وضمان الأمن في المنطقة. تحتاج لتأكيدات عملية أقوى فمجرد الإعلان ليس كافياً؛ فما زالت هناك أسئلة، واستفسارات كثيرة وجيهة حول دور إيران في كل من العراق، وسوريا، واليمن. مع التأكيد بأن جوار ضفتي الخليج العربي ليس لديهما خيار اختيار جوار بعضهما البعض، ولذا يتحتم التواضع على صيغة تعايش بل تعاون، وتطوير علاقتهما، فللجانبين هُوية مشتركة يمكن البناء عليها؛ فهما يتشاركان في الهُوية الإسلامية برغم اختلاف تفسيراتهم لها، كما يشتركان في تاريخ طويل، وممتد في التجارة عبر الخليج باعتباره ممراً استراتيجياً.

531

| 28 يوليو 2024

عودة ترامب تقلق بكين وتسعد موسكو

مضت اليوم زهاء 35 عاماً على رهان الولايات المتحدة الأمريكية بانهيار النظام الصيني، غير أن الصين اليوم تمثل أكبر منافس بل ومهدد للنظام الاقتصادي والعسكري الذي تقوم عليه الولايات المتحدة أكبر دولة في العالم. قال الأكاديمي الأمريكي فرانسيس فوكوياما أهم مفكري المحافظين الجدد، في كتابه الشهير (نهاية التاريخ والرجل الأخير) الذي صدر في 1992: إن النظام الصيني سينهار بسبب فقدان قنوات الاتصال بين قمة الهرم السياسي والقاعدة الجماهيرية. ومع تصاعد احتمالات فوز المرشح للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية القادمة، فإن بكين قلقة من «العداء» الذي ظل يظهره ترامب لها دون مواربة، وقد يصل للحد الذي قد تتغير معه المعادلات السياسية والعسكرية التي تحكم العالم اليوم لاسيما في الحرب الدائرة اليوم على أرض أوكرانيا ما بين المجتمع الغربي (الولايات المتحدة وأوروبا) من جهة وروسيا من جهة أخرى. الأمر الذي مثّل إشغالا لواشنطن عن مراقبة ومتابعة الانطلاقة الصينية في كل المجالات الإستراتيجية. وتعهد ترامب في حملاته الانتخابية الحالية بوقف الحرب الأوكرانية في 24 ساعة فقط. وهو ما يعني أنه سيسحب الدعم المالي والعسكري من أوكرانيا. وقد ظل ترامب ينظر للصين في ولايته الأولى على أنها المهدد الأكبر لمكانة «القوة العظمى» التي تحتلها بلاده منذ الحرب العالمية الثانية، وعليه فإن من المتوقع سعيه بكل قوة لعرقلة التقدم الصيني خلال فترة رئاسته الثانية المحتملة. وسبق أن وصفت بكين الحرب التجارية في ظل ولاية ترامب لأولى (2017 – 2021) بأنها «أكبر حرب تجارية في تاريخ الاقتصاد العالمي». وتتخوف الصين من احتمال حدوث تقارب بين واشنطن وموسكو خلال فترة رئاسة ترامب المحتملة. فالحرب القائمة الآن في أوكرانيا بمعادلاتها السياسية والاقتصادية ارتدت سلبا على السياسات الاقتصادية والخارجية على التحالف الغربي في عمومه، خاصة على أوروبا وتايوان ودول جنوب شرقي آسيا التي تعتمد على الولايات المتحدة في حمايتها العسكرية وتربطها علاقات قوية بالاقتصاد الأمريكي وتجارته الخارجية، وهذا ظل يصب في صالح الصين وسياساتها الاقتصادية وخططها الاستراتيجية. ولذلك تتوجس الصين من فوز ترامب الذي ستشهد ولايته موقفًا أمريكيًا أكثر صرامة بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية مع الصين، مما يؤدي إلى دق أسفين بين الاقتصادين. واليوم يلوح ترامب في حملاته الانتخابية بطرح تعريفات جمركية بنسبة ضخمة تصل إلى 60 % أو أعلى على جميع البضائع الصينية، ورسوم جمركية شاملة بنسبة 10 % على البضائع من جميع دول المنشأ. وباختصار فإن سياسات ترامب المرتقبة ستؤدي إلى تفكيك التحالف الغربي الذي تقوده واشنطن في أوكرانيا. بيد أن هناك من يرى أن الصين يمكنها الاستثمار في هذا المتغير بتقوية اقتصادها تجارياً وتدويل عملتها اليوان عبر تعزيز نفوذ مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي. وما يصب في المصلحة النسبية لبكين أن ترامب ينظر لأهمية تايوان باعتبارها مكانا لصناعة الرقائق الإلكترونية المتقدمة، وفي حال فوزه قد يعمد إلى تحويل شركات صناعة الرقائق من تايوان إلى الولايات المتحدة وترك الجزيرة خالية من صناعة الرقائق الذكية لبكين. ويقول ترامب إن تايوان يجب أن تدفع للولايات المتحدة مقابل الدفاع لأنها «لا تعطينا أي شيء». وعليه فإن تلك الخطط تعمل على تمكين بكين من تنفيذ سياسة «الصين الواحدة» التي تعني ضم هونغ كونغ وتايوان إلى الصين. هل تنتبه أوروبا التي شهدت إهمالا أمريكيا في عهد ترامب الأول، وتفكر في مصالحها الإستراتيجية بمعزل عن الولايات المتحدة وتمد جسور التعاون الإستراتيجي مع الصين؟. قبل نحو عقد ونيف من الزمان كانت أوروبا قد نحت منحى إيجابياً تجاه الصين، التي دخلت أفضل فترة للاستثمار في الأسواق الأوروبية، خاصة وأن أوروبا تتميز بأنها أكثر انفتاحا مقارنة بأمريكا. إن الصين دولة مركزية قوية تاريخيا استطاعت أن تقود نموا اقتصاديا مستمرا، ويعود لها الفضل بأداء رائع في السنوات الخمسين الماضية، رغم الانتقادات الغربية لها بغياب آليات المحاسبة تجعل البلاد معرضة لما يسمونه بـ «مشكلة الامبراطور السيئ». إن للصين مسيرة تاريخية حافلة وجهودا معاصرة مضنية شكلت الصين كقوة اقتصادية وسياسية، دولية مؤثرة. فقد كان هناك معدل نمو قياسي فاق كل المعدلات المعهودة عالميا، وتحولت البلاد إلى عملاق يقف على حافة تغيير موازين القوى التي تشكلت وبرزت عقب الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945).

516

| 21 يوليو 2024

السودان.. تحركات خارجية متسارعة

مع تسارع وتيرة العمليات العسكرية في السودان نشطت تحركات دبلوماسية وسياسية في سياق حركة زيارات خارجية نحو العاصمة السودانية المؤقتة بورتسودان لمسؤولين كبار لدول لها اهتمام بالأزمة السودانية الراهنة؛ وكان الحدث الأبرز زيارة رسمية قام بها رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد رفقة مسؤولين أثيوبيين معنيين بملفات مشتركة؛ عسكرية، وأمنية، وسياسية. ويأتي عنصر الدهشة من التباين الكبير بين قيادتي البلدين الجارين إثر هذه الأزمة، غير القضايا الأخرى ذات البعد الإقليمي مثل مشروع سد النهضة المثير للجدل. فالسودان يتهم جارته الشرقية بالوقوف علنا إلى جانب مليشيا الدعم السريع المتمردة على الجيش السوداني وجناحها السياسي المتمثل في قوى الحرية والتغيير (قحت) التي عدلت اسمها لتنسيقية (تقدم). وبلغ الغضب السوداني عندما تحدث آبي أحمد في يوليو من العام الماضي عن ما أسماه بـ»الفراغ في قيادة السودان»، ثم استقباله لما روّج بأنه قائد مليشيا الدعم السريع المتمردة في أديس أبابا والاحتفاء به. المتابعون يرون بأن فقدان الأمل في وجود أي مشروعية سياسية مستقبلية للقوات المتمردة وتراجع حظوظها في تحقيق أي تقدم على الأرض في مقابل تقدم قوات الجيش عليها، وتمكنه من ضرب كل قوتها الصلبة، فضلا عن التقارير الدولية المستقلة المتتالية عن انتهاكاتها الفظيعة ضد الإنسانية التي سارت بها الرياح في كل مكان، كل ذلك قد جعل أثيوبيا تعيد تموضعها من الأزمة السودانية وتقترب أكثر من القيادة السودانية، وتمد جسور التعاون معها. ويضيف البعض الآخر من المحللين السياسيين بأن قضية سد النهضة أيضاً حاضرة في الأجندة الأثيوبية، إذ أن اعتراض السودان على الموقف الأثيوبي من أزمته، جعله وفقاً لتقديرات أثيوبية أقرب إلى مصر لا سيما وأن الأخيرة، وإن لم يرض السودان تماماً على موقفها من أزمته؛ إلا أنه يعتبر الأفضل من بين المواقف الخارجية. وبدأت أثيوبيا الأسبوع قبل الماضي عمليات الملء الخامس لسد النهضة، محتجزة بذلك 23 مليار متر مكعب إضافية من مياه النيل، لتضاف إلى 41 مليار متر مكعب تم احتجازها في المراحل الأربع السابقة، رغم الاحتجاجات الرسمية من مصر والسودان. ولعل أثيوبيا استثمرت طيلة سنوات بناء السد الذي أوشك على الاكتمال، في الخلافات المصرية السودانية، وكانت لها بمثابة فرصة تاريخية لانشاء السد والتحكم بالكامل في إدارة تخزين وتصريف مياهه. واستطاعت أديس أبابا فرض إرادتها على مصر والسودان حيث تتعزز حقيقة أن السد أضحى أمراً واقعاً مع مرور الوقت، وفي ظل ضعف البلدين الشديد (مصر والسودان): فالأول يعصف به وضع اقتصادي متدهور والثاني تعصف به حرب مدمرة إقليمية دولية بأدوات داخلية. ولذا تأمل أثيوبيا أن يمضي الملء الخامس والأخير دون ضجة، أو أي تحرك لا من جانب مصر ولا بالضرورة من جانب السودان. فخلال أزمة سد النهضة منذ 2013، اتخذت الحكومة السودانية مواقف داعمة لأثيوبيا في مشروع سد النهضة، ومع أن السودان حينها نظر لبعض الفوائد التي ستعود عليه من قيام السد، ومع ذلك بدت هذه النظرة قاصرة بالبعد الاستراتيجي للأمن القومي في البلدين. وربما تنبهت الخرطوم متأخراً لهذا (الخطأ)، وعمدت إلى قيادة وساطة أسفرت عن اتفاق بين الدول الثلاث في مارس 2015، لكنه لم يصمد بسبب التعنت الأثيوبي، فأثيوبيا كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في إنجاز مشروع السد الأمر الذي مكنها من التعويل على أن المشروع أصبح أمراً واقعاً رضى من رضا وأبى من أبى. إن خلاصة الزيارة التي قام بها آبي أحمد للسودان تشير إلى أن الجانبين تجاوزا التوتر في العلاقات عقب محادثات مغلقة بين زعيمي البلدين. وقيل إن رئيس الوزراء الأثيوبي عرض لعب دور لتقريب المواقف في الأزمة السودانية، كما أقر الجانبان إجراءات للتعاون والتنسيق الأمني للمحافظة على الاستقرار في حدود البلدين، ولا سيما منع تسلل مسلحين على جانبي الحدود، خصوصا مع احتمالات اقتراب المواجهات العسكرية بين الجيش والمليشيا المتمردة من الحدود الأثيوبية، حيث تسعى المليشيا لفتح منفذ شرقي لتدفق الدعم الخارجي. لكن لا يبدو أن القيادة السودانية يهمها من نتائج زيارة آبي أحمد سوى تأمين الحدود مع جارتها الشرقية ومنع نفاذ أي دعم خارجي يمكن أن يأتي من صوبها. فرئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش السوداني أكد عقب تلك الزيارة في محاطبة لجنوده بأنه لا تفاوض مع المليشيا الإرهابية إلا بعد خروجها من الأعيان المدنية ومساكن المواطنين.

678

| 14 يوليو 2024

alsharq
في خاصرتي خنجر.. الأمة التي تقرأ جراحها لا تهزم

خنجر في الخاصرة قد لا يبقيك مستقيما لكنه...

1368

| 15 سبتمبر 2025

alsharq
لهذا يرفض الاحتلال حل الدولتين؟

مثّل الانتهاك الإسرائيلي للسيادة القطرية باستهداف قيادات حماس...

780

| 14 سبتمبر 2025

alsharq
الوسيط المُستهدف

شهدت الدوحة مؤخراً حدثاً خطيراً تمثل في قيام...

732

| 14 سبتمبر 2025

702

| 13 سبتمبر 2025

alsharq
انصر أخاك

ها هي القمة العربية الإسلامية تعقد في مدينة...

666

| 15 سبتمبر 2025

alsharq
المسرح السياسي وديكور التعليم

من يراقب المشهد السياسي اليوم يظن أنه أمام...

594

| 18 سبتمبر 2025

alsharq
منصات وزارة العمل.. من الفكرة إلى الأثر

منذ تولي سعادة الدكتور علي بن سعيد بن...

579

| 18 سبتمبر 2025

alsharq
عمري قطر

في أغلب الأحيان تكون المصائب والنوائب لها نتائج...

570

| 15 سبتمبر 2025

alsharq
الحاجة إلى نظام أمني جديد في الشرق الأوسط

لم يعرف الشرق الأوسط الاستقرار منذ مائة عام،...

558

| 15 سبتمبر 2025

alsharq
يا قادة أمتنا.. بلغ السيل الزبى

حين ننظر إلى الدعم الغربي لذلك الكيان المحتل،...

537

| 14 سبتمبر 2025

alsharq
لأجل عينج يا قطر

الأحداث التي فُرضت علينا وإن رفضناها بعد الاعتداء...

525

| 16 سبتمبر 2025

alsharq
أيها القادة.. خذوا حذركم

في خضم هذا العالم المتصارع، حيث لا مكان...

495

| 14 سبتمبر 2025

أخبار محلية