رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أثارت عودة العلاقات السودانية – الإيرانية إلى طبيعتها وتبادل السفراء كثيراً من الجدل، وربما كثيراً من المخاوف في هذه المنطقة المثخنة بالاضطراب، وبسوء الكيل، ولا يبدو أن ذلك قائم على أسباب موضوعية منطقية. ولعل الظرف الاستثنائي الذي يمر به السودان، والذي شكل أخطر تهديد على كيان الدولة منذ الاستقلال منذ نحو 7 عقود، قد اقتضى تصحيح مسار علاقاته الخارجية، وتنشيط اتصالاته الدبلوماسية بنهج متوازن يحقق الحد الأقصى لمصالحه لاسيما تلك التي تتعلق بصيانة أمنه القومي الذي تحيط به تهديدات كإحاطة السوار بالمعصم.
لقد قطعت الحكومة السودانية علاقاتها مع طهران قبل نحو 8 سنوات قطعاً كاملاً دون مسوغ مقبول، وبدا الأمر حينها غريباً في سياق الأعراف الدبلوماسية، فلم يكن الإجراء كرهاً أو بسبب تهديد مباشر من طهران للخرطوم. وقد كان متاحاً للخرطوم التعبير عن موقفها تجاه إيران بدرجة أقل من ذلك الإجراء العنيف؛ كأن تخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي لمستوى القائم بالأعمال أو غير ذلك من أشكال التعبير الدبلوماسي الذي ضمن سياق دبلوماسية (شعرة معاوية) . وعندما قطعت العلاقات بين البلدين كان هناك تعاون اقتصادي، وتبادل تجاري بين البلدين قابل لأن يبلغ مستويات أكبر لصالح اقتصاد البلدين. وكان هناك تعاون دفاعي عسكري مكّن السودان من تأسيس قاعدة صناعات عسكرية متقدمة ساهمت في انتاج أكثر من 150 نوعاً من الصناعات العسكرية الأمر الذي جعل البلاد تكتفي ذاتياً من معظم حاجتها للسلاح بل وتتمكن من تصدير الفائض في وقت كانت العقوبات العسكرية، والاقتصادية الغربية تشدّ الخناق على السودان. وربما يرجع صمود الجيش السوداني في وجه الحرب المتعددة الجنسيات التي انطلقت شرارتها في ابريل 2023 إثر تمرد مليشيا الدعم السريع عليه بايعاز وترتيب خارجي لم يعد خافياً على كل ذي بصيرة، ظل مستنداً إلى تلك القاعدة من الصناعات العسكرية الوطنية. ويجب التذكير هنا بأنه ليست هناك معاهدات أو اتفاقات دولية تمنع دولة ذات سيادة من استيراد حاجتها من السلاح من أي مكان يمكن أن تسد حاجتها. يقول مدير مشروع القرن الأفريقي في مجموعة الأزمات الدولية ألان بوسويل: إن توفير إيران طائرات مسيرة للجيش السوداني أمر مقبول في المجتمع الدبلوماسي. يشار أن إيران ظلت تمد دولة عظمى مثل روسيا بالطائرات المسيرة، وبعض أنواع الأسلحة الأخرى. والحقيقة غير الخافية أن إيران بالمنظور الإستراتيجي الإقليمي دولة عظمى من الناحيتين العسكرية، والاقتصادية، ويصعب تجاوزها، أو اغفال أهمية اقامة علاقات دبلوماسية معها على الأقل في حدودها الدنيا. ولعل جوهر العلاقات بين البلدين اليوم أنها علاقات تبادل مصالح، ولا تقوم على أي فكرة أيدولوجية.
ولا يبدو للمتابع أن السودان مندفع أو غير متريث في توسيع شبكة علاقاته الدبلوماسية عبر الشرق والغرب؛ إذ إن الاتفاق على عودة العلاقات بين السودان وطهران كان في نوفمبر الماضي أي قبل نحو 8 أشهر بينما تم تبادل السفراء فعلياً الأسبوع الماضي. وقد أعلنت طهران دعمها لسيادة البلاد الوطنية ودعم أمنه، واستقراره في مواجهة الهجمة التي يتعرض له كيانه الجيوسياسي. إن الدول التي تمانع عودة هذه العلاقات إلى طبيعتها على أساس تبادل المصالح وليس على أساس أنها حلف عسكري موجه ضد طرف ثالث، ليست على استعداد لمد جسور التعاون مع السودان، فبدا حالها كحال من حبست هرة فلا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. المدهش، والغريب أن الدول التي أبدت قلقها هي نفسها تقيم علاقات دبلوماسية طبيعية، وهذا ما قد يفهم في السودان ليس على قاعدة (أحرام على بلابـله الدوح حلال للطير من كل جنس)، ولكن يمكن أن يمثل ذلك شكلاً من أشكال الوصاية، ورهن الإرادة الوطنية. وذات الدول التي أبدت غضبها من تطبيع السودان علاقاته مع إيران صمتت ولم تبد أي غضب لتطبيع دول عربية أخرى علاقاتها مع إسرائيل.
ويتفهم السودان تعقيدات علاقة الجوار العربي - الايراني، ويعلم بأن سياسة إيران المعلنة بأنها قائمة علی حسن الجوار وضمان الأمن في المنطقة. تحتاج لتأكيدات عملية أقوى فمجرد الإعلان ليس كافياً؛ فما زالت هناك أسئلة، واستفسارات كثيرة وجيهة حول دور إيران في كل من العراق، وسوريا، واليمن. مع التأكيد بأن جوار ضفتي الخليج العربي ليس لديهما خيار اختيار جوار بعضهما البعض، ولذا يتحتم التواضع على صيغة تعايش بل تعاون، وتطوير علاقتهما، فللجانبين هُوية مشتركة يمكن البناء عليها؛ فهما يتشاركان في الهُوية الإسلامية برغم اختلاف تفسيراتهم لها، كما يشتركان في تاريخ طويل، وممتد في التجارة عبر الخليج باعتباره ممراً استراتيجياً.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
1833
| 22 سبتمبر 2025
من يراقب المشهد السياسي اليوم يظن أنه أمام مسرحية تعرض بلا انقطاع، تتغير فيها الأدوار والسيناريوهات بسرعة بينما يبقى الديكور - التعليم - ثابتاً كأنه حجر لا يتزحزح. لكن تبقى حقيقة أن التعليم ليس ديكورا بل صناعة بحد ذاته. صناعة فكر، صناعة قناعات، وصناعة مهارات، بل صناعة مستقبل كامل. فهل وعى المسؤولون أن التعليم يُدار كصناعة إستراتيجية، أم ما زالوا يتعاملون معه كأنّه مطبعة كتب وشهادات اجتياز؟ صناعة التعليم الغائبة التعليم يفترض أن يكون مصنعًا للعقول، مختبرًا للقادة، ومسرحًا للتفكير النقدي. لكنه غالبًا يُختزل إلى دروس جامدة، جغرافيا بلا سياق سياسي، تاريخ يتوقف عند معركة كأن العالم بعدها تجمّد. وما هي النتيجة؟ (صناعة متوقفة لا تُنتج سوى شهادات) في وقت يتطلب العالم صناعةً للوعي، وصناعةً للمواطنة، وصناعةً للقدرة على اتخاذ القرار. (التعليم إن لم يُفهم كعملية إنتاج متكاملة سيظل يكرر نفسه بلا أثر حقيقي). هل فكَّر صنّاع القرار في التعليم؟ ربما… لكن التفكير ظلّ محصورًا في «إنتاج الكتاب» لا في «إنتاج الإنسان». بينما المطلوب هو تحويل التعليم إلى صناعة شاملة تُنتج عقلًا محللًا للأحداث، متفهمًا للمصالح، وصاحب موقف واعٍ. الطالب يجب أن يتخرج وهو يعرف أن السياسة ليست نشرات أخبار، بل مسرح يشارك فيه بقوة عقله ومهاراته. أما أن نظل نحشو المناهج بحقائق جامدة، فهذا يعني أننا نصنع جمهورًا صامتًا ينتمي (لتشارلي تشابلين) لا قادة فاعلين. المسرح السياسي لا ينتظر السياسة تتحرك بسرعة الضوء، تحالفات تنهار، اقتصادات تهتز، وحروب تُشعل العالم في ساعات. التعليم هنا إذا لم يُدار كصناعة ديناميكية سيبقى ينتج «خريجين بلا أدوات»، مجرد جمهور يصفق لأي مشهد هابط. صناعة التعليم تعني أن نصنع عقلًا يقظًا، قادرًا على النقد، وإعادة التوجيه، والابتكار. إنها ليست مجرد صناعة كتب، بل صناعة أدوات لفهم العالم، وصناعة وعي يحصّن الأجيال ضد التضليل. دروس من تجارب عالمية - رواندا: بعد الإبادة حوّلت التعليم إلى صناعة للمصالحة الوطنية وبناء السلام، فنجحت في إعادة الثقة بين مكونات المجتمع. - ألمانيا: جعلت التعليم مصنعًا للديمقراطية بعد أن كان مصنعًا للدعاية النازية، فبنت جيلًا لا يكرر أخطاء الماضي. - تونس: أدخلت صناعة الوعي المدني والحريات العامة في التعليم بعد الثورة، مما فتح الباب أمام جيل يناقش ويشارك بدل أن يكتفي بالصمت. مقترحات وحلول 1. إدراج مادة «صناعة الأزمات وإدارتها»: بدلًا من تلقين الطالب قصائد عن الطيور، تمنحه أدوات لمواجهة العواصف السياسية. 2. مختبرات محاكاة سياسية في المدارس: صناعة قادة الغد تبدأ من صناعة مشاهد تجريبية تُدرّب الطالب على اتخاذ موقف. 3. ربط العلوم بالسياسة: الكيمياء تصنع التفاعلات، والسياسة تصنع التحالفات. فلماذا لا نصنع عقلًا يقرأ الاثنين معًا ويفهم المعادلات المخفية؟ 4. تأهيل المعلمين كصنّاع وعي: كيف يُنتج المصنع جودة إن لم يكن المهندس مدرَّبًا؟ المعلم هنا هو المهندس الحقيقي لخط الإنتاج العقلي. كلمة أخيرة صناعة التعليم هي أعقد الصناعات وأخطرها. فهي لا تقتصر على صناعة الفكر، بل تمتد إلى صناعة القيم، وصناعة القناعات، وصناعة المهارات. أما ترك التعليم مجرد تكرار، فهو كإعادة عرض مسرحية قديمة على جمهور غادر القاعة منذ زمن. والسؤال: هل نريد أن نكون متفرجين في مسرح السياسة، أم صُنّاعًا لوعي جديد قادر على إعادة كتابة السيناريو وإخراج عرض يليق بمستقبلنا؟
660
| 18 سبتمبر 2025
منظومة دراسية منذ القرن الثامن عشر وما زالت تصحب طلابنا، وصاحب هذه الفكرة (هوراس مان) وزير التعليم الأمريكي آنذاك، ويعتبر رائداً في مجال الإصلاحات التعليمية في بلاده، تأثر بالنظام البروسي في أوروبا وآمن بأهميته وتطبيقه، وكان يرى أهمية فكرة الاثني عشر عاماً أنها توحد النظام التعليمي، وتضمن تكافؤ الفرص، وتؤهل الطلبة حيث يتم تزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة للحياة، سواء في التعليم الجامعي أو في مسيرته المهنية، ومن أهمية هذه الفكرة كذلك تأتي مرحلة النضوج للطالب بسن 18 عاماً وهو ما يعتبره الطالب فيه بالغاً. وبعد هذه الرحلة الطويلة جداً (أكثر من قرنين) من عمر هذه الفكرة ونحن في القرن الحادي والعشرين ما زلنا مع منظومة دراسية عاش معها أجيال وأجيال من الطلاب، أما آن لأجيالنا القادمة أن تصحب منظومة دراسية جديدة في مراحلها التعليمية النظامية، ونكتبها وبصراحة آن للمنظومة الدراسية أن تتغير. ولا ننسى أن نذكّر أن الطالب يقضي أكثر عمره على مقاعد الدراسة، ثلاث سنوات في الحضانة، وسنتان في الروضة، واثنتا عشرة سنة في المرحلة الدراسية النظامية، والمجموع سبع عشرة سنة، أكثر مما يقضيها في الدراسة الجامعية في جميع مراحلها من (البكالوريس والماجستير والدكتوراه)، ما هذا يا الكرام، ونقول كفى!. وهنا نطرح مبادرة بوجه جديد للمنظومة الدراسية، ولنقف على ما يناسبنا لا ما يقرره ويفرضه علينا غيرنا، فنحن نريد تعليماً رائداً وأن نصنع لمجتمعنا منظومة تتلاءم مع مستجدات الحياة والمتغيرات من حولنا دون المساس بالثوابت والمبادئ التي ينتمي لها مجتمعنا وهو دينه الإسلامي وهويته الإسلامية والعربية الأصيلة. والمبادرة أيها الكرام... تقول: المراحل الدراسية الاثنا عشر الحالية يمكن دمجها، أقترح أن تصبح كالتالي:- أولاً: المرحلة الابتدائية فقط خمس مراحل أي من (الصف الأول إلى الصف الخامس الابتدائي ويلغى الصف السادس). ثانياًً: المرحلة الإعدادية مرحلتان (الأول والثاني الإعدادي ويلغى الصف الثالث الإعدادي). ثالثاً: المرحلة الثانوية ثلاث مراحل من الأول إلى الثالث ثانوي كما هي الآن، لأنها مرحلة تخصصية وتحدد مسار الطالب فيما يرغب من توجه نحو المسار الدراسي ما بعد المرحلة الثانوية. فلنكتب مشهداً دراسياً تعليمياً في حياة طلابنا فيه من الفأل وسيرى الأثر. فكم من مشهد جديد أتى بالمباهج في الحياة!. كلمات موجزة... عشر سنوات دراسية كافية لصناعة طالب اليوم وتصنع الفارق في حياته!. صناعة الوقت في حياة طلابنا أصبح ضرورة!. كفانا تقليداً وسيراً خلف غيرنا!. طالب اليوم ليس كطالب الأمس!. الطالب الصالح المتحرك هو خير ضمان لبناء مجتمع قوي والقيام على نهضته!. القرار بأيدينا ونحن من نصنع النموذج التعليمي الدراسي! نعم القرار نحن من يصنعه. «ومضة» تعليم مختصر أفضل من تعليم طويل ممل قائم على التلقين والحفظ ثم يُنسى ثم لا شيء!.
645
| 18 سبتمبر 2025