رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ظلت بريطانيا الدولة الأفضل على نطاق أوروبا، والغرب عموماً في التعاطي مع التنوع العرقي داخلها، بيد أن ذلك ليس بسبب حقيقة قلة هذا التنوع من حيث الكم على الأقل، ولكن بسبب قوة نفاذ قوانينها، وتشديدها على تجريم الممارسات العنصرية، فضلاً عن حاجة بريطانيا للمهاجرين لدعم اقتصادها الذي يعاني بنقص حاد في الأيدي العاملة حاضراً، ومستقبلاً. غير أنه منذ نحو أسبوعين مضت شهدت البلاد أعمال عنف، وشغب من جانب اليمين المتطرف احتجاجاً على ما يعتبرونه زيادة أعداد المهاجرين، والملونين باختلاف دياناتهم، ومعتقداتهم، وكانت تلك الأحداث المؤسفة هي الأعنف في السنوات القليلة الماضية. ولعل هذه الأحداث المستهجنة من غالب البريطانيين لها خلفيات، وأسباب معلومة؛ فقد ظل حزب المحافظين الذي أُقصي انتخابياً بعد أن حكم بريطانيا لنحو 14 عاما يبذر بذور الفتنة، وهو يزايد على كونه الحزب الأقدر على وقف الهجرة في محاولات مستميته للاستثمار في الشعبوبة المتنامية ليس في بريطانيا فحسب، وإنما في عموم أوروبا.
جدل واسع شهدته أروقة السياسة البريطانية في الشهور الأخيرة بعد تصريح وصف بأنه «عنصرى» حسب صحيفة «الجارديان» أدلى به أكبر مانح لحزب المحافظين، حيث قال إن النظر إلى النائبة البريطانية العمالية، ديان أبوت يجعلك «ترغب في كراهية جميع النساء السود»، وقال إنه «يجب إطلاق النار عليها». وكان فرانك هيستر، قد قدم 10 ملايين جنيه استرليني إلى حزب المحافظين في العام الماضي. وقالت أبوت: إن حقيقة مقتل اثنين من أعضاء البرلمان في السنوات الأخيرة تجعل مثل هذا الحديث أكثر إثارة للقلق”. إن الفوز الكاسح لحزب العمال البريطاني في انتخابات الشهر الماضي قد أقضّ مضاجع اليمين المتطرف سيما، وأن حزب العمال معروف بدعمه للمهاجرين، وقد أعلن مراجعة سياسة حزب المحافظين التي تضمنت إقرار سياسات مناهضة للمهاجرين، والتي منها ترحيل لاجئين إلى رواندا.
ولعل هذا العنف الذي يدار بأيد خفية يقصد منه تخويف حزب العمال، ومنعه من إقرار سياسات في صالح المهاجرين. والمدهش أنه في حين كان حزب المحافظين يظهر صرامة في التعامل مع شكاوى «معاداة السامية» منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر الماضي، ظل الحزب متساهلاً، وربما متماهياً مع خطاب كراهية، ومعاداة المسلمين الذي تصاعد في الآونة الأخيرة ضد الأقلية المسلمة في البلاد، وقد تضاعفت الاعتداءات على الجاليات المسلمة عقب ذلك بمعدل 3 أضعاف. وذات حزب المحافظين كان قد تحفظ على تبني تعريف لـ «الإسلاموفوبيا» الذي سبق أن تبنته مجموعة برلمانية واسعة في 2019، بدعوى أنه «تعريف فضفاض، ويتعارض مع مبادئ حرية الرأي، والتعبير». يقول عمدة لندن الحالي المسلم صادق خان: إن العنصرية المؤسسية ليست وهما، بل حقيقة موجودة ومقلقة. ومنذ عقد الثلاثينيات في القرن الماضي، راحت سياسة اليمين المتطرف في بريطانيا تظهر للعلن، بالتزامن مع انطلاق النازية، والفاشية، والحركات المعادية للسامية. مع مرور الوقت اكتست سياسات اليمين المتطرف بطابع عنصري أكثر وضوحًا، والتي عارضت هجرة غير البيض، وظلوا يعلنون بوضوح عن رغبتهم في الحفاظ على ما يسمونه بالثقافة البريطانية.
إن الزوبعة الفنجانية التي يُثيرها اليمين المتطرف اليوم لا تقوم على حيثيات مقنعة بل تتصادم مع المصلحة العليا لبريطانيا لاسيما في مجال الاقتصاد الذي يعاني كثيراً. فبالرجوع لآخر احصاء سكاني في البلاد في 2021 نجد أن من بين 61.5 مليون هم مجمل عدد السكان نجد 82٪ من الأشخاص قد حددوا هويتهم بأنهم مجموعة عرقية بيضاء، و9٪ بمجموعة عرقية آسيوية، و4٪ بمجموعة عرقية سوداء، و3٪ بمجموعات عرقية مختلطة أو متعددة، و2٪ بمجموعات عرقية أخرى. بمعنى أن 18% فقط هم غير بيض بينما بلغت نسبة السود - وهم الأكثر استهدافا - فقط 4%. وأوضح التعداد أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا بشكل كبير عن عدد الأطفال والمراهقين، أو عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و64 عامًا. وهذا يشير إلى نقص كبير في الفئات التي يقع عليها عبء الانتاج، ورفد الاقتصاد البريطاني بالأيدي العاملة المنتجة. ولذلك ظلت الشركات الكبرى تمارس ضغوطاً على الحكومة من أجل إقرار خطط لتسهيل هجرة الأيدي العاملة إلى بريطانيا. ووصل سوق العمل البريطاني حداً من نقص في العمال بلغ ملايين الوظائف. بل إن سوق العمل سيشهد نقصا في الأيدي العاملة سيصل إلى 2.6 مليون وظيفة بحلول 2030. كذلك يستفيد الدخل القومي البريطاني من الفوائد المترتبة على التحاق الطلاب الدوليين بالجامعات البريطانية حيث تقدر الحكومة أن قيمة «صادرات» التعليم العالي بلغت نحو 21.7 مليار جنيه إسترليني في 2021. هذا فضلا عن مليارات الجنيهات الاسترلينية التي يضخها السياح في الاقتصاد البريطاني ولعل هذه الأحداث تصادف موسماً سياحياً مهماً ستنعكس سلباً عليه وعلى المواسم التالية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1818
| 21 نوفمبر 2025
عندما أقدم المشرع القطري على خطوة مفصلية بشأن التقاضي في مجال التجارة والاستثمارات وذلك بإصدار القانون رقم 21 لسنة 2021 المتعلق بإنشاء محكمة الاستثمار مختصة للنظر في الدعاوى المتعلقة بالاستثمار والأعمال التجارية لتبت فيها وفق إجراءات وتنظيم يتناسب مع طبيعة هذه النوعية من القضايا. وتعكس هذه الخطوة القانونية الهامة حرص المشرع القطري على تطوير المناخ التشريعي في مجال المال والأعمال، وتيسير الإجراءات في القضايا التجارية التي تتطلب في العادة سرعة البت بها مع وجود قضاة متخصصين ملمين بطبيعتها، وهذه المميزات يصعب للقضاء العادي توفيرها بالنظر لإكراهات عديدة مثل الكم الهائل للقضايا المعروضة على المحاكم وعدم وجود قضاة وكادر إداري متخصص في هذا النوع من الدعاوى. وجاء القانون الجديد مكونا من 35 مادة نظمت المقتضيات القانونية للتقاضي أمام محكمة الاستثمار والتجارة، ويساعد على سرعة الفصل في القضايا التجارية وضمان حقوق أطراف الدعوى كما بينت لنا المادة 19 من نفس القانون، أنه يجب على المدعى عليه خلال ثلاثـين يوماً من تـاريخ إعلانه، أن يقدم رده إلكترونياً وأن يرفق به جميع المستندات المؤيدة له مع ترجمة لها باللغة العربية إن كانـت بلغة أجنبية، من أسماء وبيانات الشهود ومضمون شهاداتهم، وعناوينهم إذا كان لذلك مقتضى، ويجب أن يشتمل الرد على جميع أوجه الدفاع والدفوع الشكلية والموضوعية والطلبات المقابلة والعارضة والتدخل والإدخال، بحسب الأحوال. وعلى مكتب إدارة الدعوى إعلان المدعي أو من يمثله إلكترونياً برد المدعى عليه خلال ثـلاثـة أيام ولكن المادة 20 توضح لنا أنه للمدعي أن يُعقب على ما قدّمه المدعى عليه من رد وذلك خلال (خمسة عشر يوماً) من تاريخ إعلان المدعي برد المدعى عليه إلكترونياً. ويكون للمدعى عليه حق التعقيب على تعقيب المدعي (خلال عشرة أيام على الأكثر) من تـاريخ إعلانه إلكترونياً وبعدها يُحال ملف الدعوى إلكترونياً للدائرة المختصة في أول يوم . لانتهاء الإجراءات المنصوص عليها في المواد (17)، (19)، (20) من هذا القانون، وعلى الدائرة إذا قررت إصدار حكم تمهيدي في الدعوى أن تقوم بذلك خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ الإحالة، ليتضح لنا اهتمام المشرع بضمان تحقيق العدالة الناجزة. وتتألف هذه المحكمة من دوائر ابتدائية واستئنافية، وهيئ لها مقر مستقل ورئيس ذو خبرة في مجال الاستثمار والتجارة كما هيئ لها موازنة خاصة وهيكل إداري منظم، وسينعقد الاختصاص الولائي لها حسب المادة 7 في نزاعات محددة على سبيل الحصر تدور كلها في فلك القطاع التجاري والاستثماري. وإيمانا منه بطابع السرعة الذي تتطلبه النزاعات التجارية كما حدد هذا القانون مددا قصيرة للطعون، إذ بخلاف المدد الزمنية للطعن بالاستئناف في القضايا العادية أصبح ميعاد الاستئناف أمام هذه المحكمة (15 يوما) من تاريخ الإعلان، و7 أيام بالنسبة للمسائل المستعجلة والتظلم من الأوامر على العرائض والأوامر الوقتية، (و30 يوما بالنسبة للطعن بالتمييز). ومن أهم الميزات التي جاء بها أيضا قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة ما سمته المادة 13 «النظام الإلكتروني» والذي بموجبه سيكون أي إجراء يتخذ في الدعوى يتم إلكترونيا سواء تعلق بتقييد الدعوى أو إيداع طلب أو سداد رسوم أو إعلان أو غيره، وذلك تعزيزا للرقمنة في المجال القضائي التجاري، وتحقيقا للغاية المنشودة من إحداث قضاء متخصص يستجيب لرؤية قطر المستقبلية. ونؤكد ختاما أن فكرة إنشاء محكمة خاصة بالمنازعات الاستثمارية والتجارية في دولة قطر يعطي دفعة قوية للاقتصاد الوطني منها العوامل التي جعلت دولة قطر وجهة استثمارية مميزة على مستوى المنطقة والعالم وجعلها تتمتع ببيئة تشريعية قوية متقدمة تدعم الاستثمارات وتحمي حقوق المستثمرين. وتساهم في جلب الاستثمارات الأجنبية الكبرى، وتعزز من مكانتها الدولية في المجال الاقتصادي لكن هذا المولود القضائي يجب أن يستفيد من التجارب المقارنة في المحاكم التجارية بالبلدان الأخرى لتفادي الإشكالات والصعوبات التي قد تطرح مستقبلاً ليكون رمزاً للعدالة الناجزة التي تسعى إليها الدولة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
1548
| 25 نوفمبر 2025
أصبحت قطر اليوم واحدة من أفضل الوجهات الخليجية والعربية للسياحة العائلية بشكل خاص، فضلاً عن كونها من أبرز الوجهات السياحية العالمية بفضل ما تشهده من تطور متسارع في البنية التحتية وجودة الحياة. ومع هذا الحضور المتزايد، بات دور المواطن والمقيم أكبر من أي وقت مضى في تمثيل هذه الأرض الغالية خير تمثيل، فالسكان هم المرآة الأولى التي يرى من خلالها الزائر انعكاس هوية البلد وثقافته وقيمه. الزائر الذي يصل إلى الدوحة سواء كان خليجياً أو عربياً أو أجنبياً، هو لا يعرف أسماءنا ولا تفاصيل عوائلنا ولا قبائلنا، بل يعرف شيئاً واحداً فقط: أننا قطريون. وكل من يرتدي الزي القطري في نظره اسمه «القطري”، ذلك الشخص الذي يختزل صورة الوطن بأكمله في لحظة تعامل، أو ابتسامة عابرة، أو موقف بسيط يحدث في المطار أو السوق أو الطريق. ولهذا فإن كل تصرّف صغير يصدر منا، سواء كان إيجابياً أو سلبياً، يُسجَّل في ذاكرة الزائر على أنه «تصرف القطري”. ثم يعود إلى بلده ليقول: رأيت القطري … فعل القطري … وقال القطري. هكذا تُبنى السمعة، وهكذا تُنقل الانطباعات، وهكذا يترسّخ في أذهان الآخرين من هو القطري ومن هي قطر. ولا يقتصر هذا الدور على المواطنين فقط، بل يشمل أيضاً الإخوة المقيمين الذين يشاركوننا هذا الوطن، وخاصة من يرتدون لباسنا التقليدي ويعيشون تفاصيل حياتنا اليومية. فهؤلاء يشاركوننا المسؤولية، ويُسهمون مثلنا في تعزيز صورة الدولة أمام ضيوفها. ويزداد هذا الدور أهمية مع الجهود الكبيرة التي تبذلها هيئة السياحة عبر تطوير الفعاليات النوعية، وتجويد الخدمات، وتسهيل تجربة الزائر في كل خطوة. فبفضل هذه الجهود بلغ عدد الزوار من دول الخليج الشقيقة في النصف الأول من عام 2025 أكثر من 900 ألف زائر، وهو رقم يعكس جاذبية قطر العائلية ونجاح سياستها السياحية، وهو أمر يلمسه الجميع في كل زاوية من زوايا الدوحة هذه الأيام. وهنا يتكامل الدور: فالدولة تفتح الأبواب، ونحن نُكمل الصورة بقلوبنا وأخلاقنا وتعاملنا. الحفاظ على الصورة المشرّفة لقطر مسؤولية مشتركة، ومسؤولية أخلاقية قبل أن تكون وطنية. فحسن التعامل، والابتسامة، والاحترام، والإيثار، كلها مواقف بسيطة لكنها تترك أثراً عميقاً. نحن اليوم أمام فرصة تاريخية لنُظهر للعالم أجمل ما في مجتمعنا من قيم وكرم وذوق ونخوة واحترام. كل قطري هو سفير وطنه، وكل مقيم بحبه لقطر هو امتداد لهذه الرسالة. وبقدر ما نعطي، بقدر ما تزدهر صورة قطر في أعين ضيوفها، وتظل دائماً وجهة مضيئة تستحق الزيارة والاحترام.
1497
| 25 نوفمبر 2025