رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

من جديد.. البحر الأحمر مثار جدل وقلق

بتوقيع أثيوبيا اتفاقا عسكريا – تجاريا مع جمهورية أرض الصومال الانفصالية من جانب واحد، برز من جديد الجدل حول البحر الأحمر باعتباره ممرا مائيا استراتيجيا. ولعل ما يثير الجدل وقلق الدول المطلة على البحر الأحمر، أنه لا يجوز الاتفاق مع كيان انفصالي لم يعترف به من قبل أية دولة أو منظمة دولية، وتجاهل الحكومة المركزية الصومالية في مقديشو مقابل أن تعترف أديس أبابا رسميا بأرض الصومال جمهورية مستقلة. واكتفت الولايات المتحدة بقولها بضرورة وجوب احترام سيادة الصومال. وهذا قد يكرس الانفصال في دولة عربية ويمهد لأن يتم ابتلاع الصومال قطعة واحدة تلو الاخرى ويخشى المشفقون أن يكون ذلك مخططا استراتيجيا على المدى البعيد. وكان رئيس وزراء أثيوبيا، آبي أحمد، قد وصف حاجة بلاده إلى منفذ بحري، بأنها مسألة «وجودية». وقال في خطاب تلفزيوني العام الماضي؛ إن الحصول على ميناء في البحر الأحمر ضروري ليخرج 120 مليون من مواطنيه من «سجنهم الجغرافي». ويعطي هذا الاتفاق الذي يمتد لخمسين عاما أثيوبيا الحق في استغلال 20 كيلو مترا من سواحل الصومال بما في ذلك ميناء بربرة، بينما سواحل جيبوتي المجاورة تمتد لنحو 31 كيلومترا. وتتحدث أثيوبيا عن ما تسميه (حق سيادي) هناك. علما بأن الاستغلال سيكون عسكريا وليس تجاريا فحسب كما لا يمكن التراجع عنه بسهولة. ولأول مرة تم قبل شهور قليلة تخريج أولى دفعات البحرية الإثيوبية بعد عامين من التدريب في مجالات مهنية مختلفة، بما في ذلك الملاحة والهندسة والكهرباء والاتصالات وإدارة التسلح. وأثيوبيا دولة مغلقة بدون منافذ بحرية منذ استقلال إريتريا عنها في العام 1991. فما أهداف تشكيل قوات بحرية لدولة مغلقة وما هي العقيدة العسكرية لهذه القوات وما هو العدو المحتمل الذي قد تواجهه؟. كل هذه التساؤلات لخصت المسائل مثار القلق لدول الإقليم تجاه الخطوة الأثيوبية. وكانت أثيوبيا قد طالبت حتى قبل هذه الخطوة بالانضمام إلى منتدى البحر الأحمر. ويشارك في المنتدى 8 دول هي السودان وجيبوتي وإريتريا ومصر والأردن والسعودية والصومال واليمن. يقع البحر الأحمر في عمق المنطقة العربية التي تستمد تاريخها من كونها مركز الحضارات القديمة ومهد الديانات السماوية الثلاث. وتحيط بضفتي هذا البحر الشرقية والغربية، 7 دول عربية، هي الأردن والسعودية واليمن والصومال وجيبوتي والسودان ومصر، وتحوز هذه الدول على نحو %90 من سواحله، ومن المفترض أن يكون الوطن العربي لاعبا رئيسيا في موازين القوى والسياسات الدولية المتعلقة بهذا الممر الاستراتيجي. وبالضرورة فإن هذه الدول ذات حساسية عالية تجاه كل ما يؤثر في التوازن البحري المرتبط بالتوازن الدولي. وتثبت التجارب أن الدول المطلة على البحر الأحمر كانت على الدوام الطرف الأكثر تضرراً من أي اختلالات أمنية، ومن ثمّ، فإن العبء الأكبر يقع عليها وعلى منظومة الأمن القومي العربي - إن وجدت - في حماية الملاحة في هذه المنطقة الحساسة. ومثّل العام 1869 نقلة نوعية في الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر وذلك بالتزامن مع افتتاح قناة السويس في مصر لتربطه لأول مرة بالبحر الأبيض المتوسط فيصبح أقصر وأسرع ممر بحري بين الشـرق والغرب، وبديلًا في ذات الوقت لطريق رأس الرجاء الصالح الطويل في حركة التجارة الدولية. وترتكز أهمية البحر الأحمر الإستراتيجية بشكل أساسي إلى موقعه الجغرافي المؤثر في العلاقات الإقليمية والدولية. ويقع هذا البحر متوسطا قارات العالم القديم الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا، ويشكِّل إضافة لذلك نقطة التقاء إستراتيجية بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي. ولعل وجود إسرائيل ضمن الدول المطلة على البحر الأحمر يشكل أحد مهددات الأمن القومي العربي؛ وكان البحر الأحمر ومضايقه وخلجانه وجُزره، جزءاً من الحروب العربية - الإسرائيلية، وتعتبر إسرائيل خليج العقبة موقعاً حيوياً لها، من الناحية الإستراتيجية، لتحقيق تجارتها مع الدول الأفريقية. وكان أمر تحقيق الملاحة في خليج العقبة، وتأمين تجارتها عبر خليج العقبة، سبباً غير مباشر في شنها حربها على مصر، في العام 1956 أو ما عرف بالعدوان الثلاثي على مصر، وكذلك سبباً مباشراً في شن إسرائيل حرب 1967 على كل من مصر وسورية والأردن. ويقع البحر الأحمر متوسطا قارات العالم القديم الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا، وليس هذا فحسب، إذ يشكِّل نقطة التقاء إستراتيجية بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي. وفرض متغير تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية بعد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في إبريل 2016، وضعا جيوإستراتيجيا جديدا، إذ تتحكم الجزيرتان في مدخل خليج تيران الممر الملاحي الرئيسي المؤدي إلى ميناء إيلات الاسرائيلي على خليج العقبة الأمر الذي مكن إسرائيل من الاطلال على مياه دولية في البحر الأحمر. وتحتفظ أثيوبيا بعلاقات قوية واستراتيجية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبينما وجدت إسرائيل موطء قدم في مياه دولية شمال البحر الأحمر، فإن القاعدة العسكرية الإثيوبية على سواحل الصومال المزمع إنشاؤها بموجب الاتفاق الأخير، فإن إسرائيل ستكون حاضرة كذلك في جنوب البحر الأحمر قبالة مضيق باب المندب.

684

| 14 يناير 2024

السودان.. طبخة جديدة لإحياء «الإطاري»

كان منظر بعض القوى المدنية السودانية وهي تتسابق في أديس أبابا العاصمة الأثيوبية لمصافحة قائد مليشيا الدعم السريع حدثا محبطا للشعب السوداني الواقع تحت لهيب جرائمه التي سارت بها الرياح ولم يعرف لها مثيلا في تاريخ البلاد، وهي جرائم وثقها أفراد المليشيا بأنفسهم مجاهرةً بجرائمهم من قتل واغتصاب وسرقة في ظاهرة فريدة من نوعها، فالمجاهرة بالمعصية كبيرة من الكبائر التي تميت القلوب وتقضي على الحياء. إن العمل الذي قامت به تلكم المجموعة المدنية السياسية بمصافحة أياد ملطخة بدماء شعبهم، أنطق كاميرون هدسون المسؤول السابق في البيت الأبيض والمبعوث الأمريكي السابق للسودان وجعله يبدي اشمئزازه. وكتب مغردا في حسابه بمنصة إكس: ‏(إن مشاهدة القادة المدنيين المفترضين في السودان وهم يعاملون الشخص الذي يدمر بلادهم ويغتصب نساءهم وينهب منازلهم مثل أخيهم هو أمر مثير للاشمئزاز حقًا، ولا يمنحني أي أمل في مستقبل البلاد. إنها خدمة لمصالح ذاتية وخيانة مخزية لكل السودانيين). ولعل ذلك التداعي الذي تم في أديس أبابا كان لأجل توقيع اتفاق سياسي يخدم مصالح الطرفين وأطرافا خارجية، لا مصالح الشعب السوداني؛ فالمليشيا تبحث عن طبخة سياسية لتبييض وجهها وغسل عار جرائمها. أما مجموعة القوى المدنية التي سمت نفسها اختصارا (تقدم) وهي نسخة جديدة من قوى الحرية والتغيير المعروفة اختصارا (قحت)، حيث تسعى لركوب دبابات المليشيا لتأتي بها إلى السلطة، أما الأطراف الخارجية فتسعى للتمكن من ثروات البلاد. الطرفان وقعا اتفاقاً سياسياً فضفاضاً خلاصته أنه نتاج مساومة سياسية واستجابة لمخاوف من الملاحقة الجنائية ومطامع أطرافه. وهو نسخة لذات الاتفاق الذي كان من أسباب الحرب وهو ما عرف بالاتفاق السياسي الإطاري. فالاتفاق الجديد وصفة جديدة لاستمرار الاضطراب السياسي في البلاد. وقد كان الاتفاق الإطاري الموقع بالأحرف الأولى في ديسمبر 2022 يقضى بأن تدير الفترة الانتقالية جهة حزبية أو ائتلاف حزبي لمجموعة صغيرة من الأحزاب وهو تحالف (قحت). وكان مثاراً للسخرية أن كان وجود ممثلي الأطراف الدولية أكثر من وجود الأطراف السودانية. فقد كان هناك تكالب دولي وإقليمي فات حد المعقول فكان من أبرزهم: الآلية الثلاثية المسهلة للحوار المكونة من دول «إيقاد»، والاتحاد الأفريقي، وبعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال، والآلية الرباعية المكونة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبلدين إقليميين. وقد هدفت تلك الأقلية بمعاونة أطراف خارجية إلى تشكيل الفترة الانتقالية تشريعياً وقانونياً وتجيير ذلك لصالحها وتفكيك الجيش والتمكين للمليشيا، ولا حاجة لانتخابات طالما حصلت على السلطة بدون جهد وعناء وتنافس شريف وحر ونزيه، فهي لا تتعجّل الانتخابات لتدخل في مخاطرة فقدان كل السلطة أو حتى جزء منها. وقد دعت حالة عدم اليقين لدى أطراف ذلك الاتفاق تسميته بـ «الإطاري» فقد حمل مضامين فضفاضة تسمح لكل طرف بهامش عريض من التفسيرات التي يظن كل طرف أنها حققت له مكاسب سياسية على حساب الطرف الآخر. ولذلك أعلن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان أن الاتفاق الإطاري يظل مفتوحا للنقاش والمشاركة من الأطراف الأخرى المتفق عليها لتطويره في المرحلة الثانية لاتفاق نهائي وترتيبات دستورية انتقالية وهو ما لم يعجب مجموعة (قحت) ومن خلفها قائد مليشيا الدعم السريع وهددوا إما يبقى الاتفاق مقصوراً عليهم أو الحرب. فكانت أهم نقاط ضعف الاتفاق الإطاري أنه لم يكن يمثل كل السودانيين ولا قضايا الهوية ولم يتجاوز كونه اتفاقاً سياسياً لتقاسم السلطة بين عسكريين يواجهون ضغوطاً داخل المؤسسة العسكرية ومدنيين منقسمين وغير مفوضين ولاهثين نحو كراسي السلطة لهثاً. بل إن الاتفاق قسّم السودانيين إلى درجتين مواطنين درجة أولى يختارون رئيس الوزراء ومواطنين درجة ثانية تتم مشاورتهم في اختيار الوزراء فقط، وبالطبع هناك أغلبية غالبة ليس لها، لا في العير ولا في النفير. ولذلك كان ذلك الاتفاق المعلول لا يؤسس لديمقراطية تقوم على الفصل بين السلطات إذ إن مجلس العدل الانتقالي الذي تعينه قوى سياسية هو الذي يختار رئيس القضاء ونوابه والنائب العام ومساعديه ورئيس المحكمة الدستورية وأعضاءها والمراجع العام. إن التحالف الذي يضم مليشيا الدعم السريع وبعض القوى المدنية (قحت) أو (تقدم) فضلا عن القوى الخارجية، يهدف في المقام الأول إلى ضرب الجيش السوداني لتستباح البلاد في كيانها الجيوسياسي المعلوم وثرواتها تحت الأرض وفوق الأرض. وفي جدل ذلك الاتفاق الإطاري، ذهب قائد مليشيا الدعم السريع بعيدا في جسارته على الجيش الوطني ومغازلة القوى السياسية المدعومة أجنبياً، زاعما أن الجيش يحتاج لجراحة عميقة. فكان التحرش واضحا، ولذا عندما أطلقت المليشيا الشرارة الأولى في 15 أبريل الماضي للانقلاب على الجيش بتحريض من تلك القوى المدنية ودعم إسناد خارجي لم يكن صعباً على كل مراقب تفسير ما جرى ويجري اليوم. ومثلما كان مشروع الاتفاق الإطاري يُخرج مليشيا الدعم السريع من تبعيتها لقائد الجيش السوداني ويضعه لوحده تحت إمرة رئيس وزراء غير منتخب تفرضه (قحت) القوى الأجنبية على السودانيين، فإن اليوم يراد لطبخة حديدة قديمة أن تحقق ما لم يتحقق بالاتفاق الإطاري. لذلك تتعالى الأوساط الوطنية والشعبية تطلب من رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الجنرال البرهان بألا يشترك في هذه المسرحية الهزلية فمقامه عند شعبه وجيشه الباسل أكبر من هذه المهازل والخطط المكشوفة ضد كيان الدولة السودانية. هذه الجَلَبات واللقاءات المصطنعة والمعطونة في الابتسامات الصفراء، هي طُعم لاصطياد أكبر وأهم مؤسسة وطنية قومية. وإن كان من بد فليذهب أحد مساعديه، فالبرهان قائد الجيش بكل خبرته وتأهيله وذاك قائد مليشيا إجرامية من شتات دول مجاورة. إن الشعب السوداني ينتظر قائد جيشه ألا يترك قيادة معركة الكرامة لأجل لقاء المهانة.

624

| 07 يناير 2024

مقاومة شعبية راشدة ضد «الجنجويد»

لم يعد الجدل المحتدم حول حياة أو موت قائد تمرد مليشيا الدعم السريع متغيرا أو حتى ثابتا مهما في سياق الأزمة السودانية، بل إن احتدام الجدل مرتبط بمتغير جديد طغى وسيطر على المشهد برمته، وربما كان التعجل لحد الهستيريا للاستثمار لأكبر وقت في كاريزمية قائد التمرد، له علاقة وهدف استباقي بهذا المتغير الجديد الذي قد يغير مجرى الصراع الدامي البلاد، وذلك الاستثمار مقصود لادامة اسلوب عقلية القطيع في قيادة عناصر المليشيا. وذلك المتغير الجديد هو نهوض مقاومة شعبية واستنفار عارم لقيام عامة المواطنين بالدفاع عن أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم ضد انتهاكات المليشيا التي لا يردعها رادع، لا ديني ولا أخلاقي ولا قيمي. وبالفعل تدفقت التبرعات بالنفس والمال نقدا وعينا وانتظمت التدريبات والتحشيد العسكري في كل مناطق السودان. لقد بلغ الغضب الشعبي مدى أصبحت فيه المقاومة الشعبية تشتري السلاح بنفسها ولا تنتظر أن يوفره لها الجيش. إن هذه المقاومة الشعبية الخالصة ستكون حتما عقبة كأداة في وجه امنيات الجنجويد الساذجة باحداث تغيير ديمغرافي في البلاد والسيطرة على الحكم. كما لا يمكن وصف ما يجري بحرب أهلية بقدر ما هو دفاع شعبي ذاتي ضد عصابات نهب وسرقة تستهدفه. في ذات الوقت يجب ألا تكون من اهداف المقاومة الشعبية الناهضة أن تستعدي أي مكون لانتمائه الجهوي، فذلك يخدم أجندة الجنجويد الذين في معظمهم غير سودانيين. إن الجميع في السودان متضررون من انتهاكات الجنجويد بما في ذلك أهل دارفور الذين يجب أن يكونوا ضمن الجهد الشعبي لدحر الفوضى، فالجميع تجمعهم أخلاق طبعتهم وميزتهم دهورا وقرونا عديدة. إن التفكير الهادئ العقلاني وبعد النظر هو القوة القاهرة لكل اعتداء واستهداف لاسيما وان الجنجويد يغلب عليهم الجهل وتقودهم عقلية القطيع. لا أن أبناء السودان الجنود في جيشه تُسدّ بهم الثغور ويتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء. فهذه حرب عادلة ومقننة ومتوافقة مع مجموعة من المعايير والضوابط التي تهدف إلى الحد من العنف أو الانتقام أو العدوان على الساكنة المدنية. فالحرب العادلة تستقي مشروعيتها، من مصدر قانوني أخلاقي أساسه مسؤولية إنسانية، راسخة في منظومة القيم، تنأى بها على أن تكون حربا عدوانية، أو انتقامية. فبعد مرور ٩ أشهر على هذه الحرب المفروضة على السودان وشعبه قد تم تدمير القوة الرئيسية للتمرد عدة وعتادا وقوة بشرية. وتم تفكيك وجودهم في العاصمة إلا من بعض الارتكازات التي لن تصمد بمرور الوقت والغرض منها كسب نقاط على طاولة المفاوضات. وسياسيا فقدت المليشيا كل مشروعيتها بسبب الجرائم التي ظلت ترتكبها وهي جرائم ضد الانسانية أقلها الابادة الجماعية والتطهير العرقي. وسينتهي الامر بتصنيفها دوليا منظمة ارهابية فليس هناك من عاقل يستطيع الدفاع عنها. وعلى صعيد الحراك الإقليمي عبر منظمة «الايقاد» فإن التركيبة الحالية لهذه المنظمة المعلولة وانعدام ثقة الحكومة السودانية فيها، تبدو ليست قادرة على انجاز اي اتفاق سياسي لصالح الأزمة في السودان. ونعلم ان الحكومة السودانية اعتبرت بيان المنظمة في قمتها الأخيرة بجيبوتي المخصصة للسودان بحضور عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، مُحوّرا شابه التزوير ولا يعنيها إذ أنه خرج عن النقاط المتفق عليها في القمة. وذهبت الخرطوم إلى ابعد من ذلك بأن لوحت بالنظر في أمر انسحابها من «الايقاد» احتجاجا على تعاطيها غير المحايد مع الازمة السودانية ووجود علاقات مصلحية بين اطراف منها وقيادة التمرد. إن مخاوف البعض من حالة تعدد الحكومات في السودان على غرار ليبيا لا تبدو في محلها، فمليشيا الدعم السريع ليست بتلك القدرة التنظيمية التي تمكنها من صياغة خطاب سياسي متماسك يمكنها من تشكيل حكومة فضلا عن أن هناك شكوكا حقيقية في مدى تحكم قيادة مركزية في شتاتها المنتشر في العديد من المناطق لأنها قوات ذات طبيعة فوضوية ذات سمعة سيئة تمنع استجابة الكوادر الضرورية لتشكيل مثل هذه الحكومة. ومع اقتراب وضع الحرب لأوزارها تشير التوقعات الممزوجة بالأمل والاستقراء الموضوعي استنادا لمجريات حالية، إلى أن معطيات ما بعد الحرب لن تكون كما كانت قبلها. فالمسرح السياسي كله سيتغير ويُصار إلى تفكير سياسي جديد يتجاوز الأخطاء التي أفضت إلى الحرب. ولعل فظاعة الحرب وآثارها قد تفرض فترة يلتقط فيها الناس انفاسهم قبل أن تعود عجلة الحياة لا سيما في جانبها السياسي المدني، لطبيعتها وتفاعلاتها مع الحياة في البلاد. ويتوقع أن الكلمة والسلطة كاملة والترتيبات الاولى ستكون بيد السلطات العسكرية والأمنية ومسؤوليتها بوضع خطة لسحب السلاح من أيدي الناس واقتصاره على الدولة ومؤسساتها الأمنية. ولن تكون نتائج أي اتفاق أن تعود مليشيا الدعم السريع لتضطلع بأي دور سياسي أو عسكري. وقد يكون حينها تم الاتفاق دوليا على تصنيفها منظمة إرهابية. ولعل التحدي الاكبر للدولة بكل مؤسساتها رسمية وشعبية هو اعادة تعمير ما دمرته الحرب من مؤسسات وبنى تحتية. ولن ينجح اعادة الاعمار إذا ما تم التعويل على الخارج وانتظار الايفاء بوعود يمكن أن يقطع بها بعض المانحين. ومن أهم دروس الحرب سياسيا، أن تقتنع القوى السياسية بعبثية عزل قوى سياسية ومجتمعية تحت أي مسوغ، فالمعادلة الصفرية (إما نحن أو هم) أثبتت كلفتها الباهظة على أمن واستقرار البلاد. وستجد مؤسسات الدولة الاجتماعية والدينية والاعلامية أمام تحدي ضرورات التعافي الاجتماعي وازالة آثار البغضاء والكره التى وقرت في القلوب نتيجة ممارسات المليشيا الاجرامية، ويتضمن ذلك محاولة اعادة ادماج وتأهيل افراد تلك المليشيا من السودانيين المغرر بهم وكل من ساندها من طرف عصبية او جهوية او قبلية، في المجتمع ليعودوا افرادا صالحين يعملون بايجابية ضمن المجتمع لرفعته واستقراره وتقدمه.

1002

| 30 ديسمبر 2023

الأمن الإستراتيجي.. لبن آخر مسكوب

ظل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين أكبر المهددات الهيكلية للأمن القومي العربي، ولم تقتصر جرائم الاحتلال على جغرافيا فلسطين المجروحة، بل بقيت يد التخريب والاختراق الأمني تمتد تغطي معظم جغرافيا الوطن العربي لا سيما المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية التي تشكل قواعد أساسيا للأمن القومي العربي. ولعل أخطر مهددات الأمن القومي العربي سلاح القوة الناعمة التي تستخدمه إسرائيل عبر التطبيع الذي حوّل دولا مطبعة إلى دول فاعلة في المجهود الحربي الإسرائيلي وكان هذا قمة النجاح الإسرائيلي في اختراق الأمن القومي العربي. اليوم إسرائيل موجودة بقوة في الحرب الدائرة في السودان الذي يمثل البوابة الجنوبية للوطن العربي عبر وكالائها ومنفذي أهدافها وسياساتها الخبيثة. بالأمس القريب نصبت البُكائيات في مختلف أرجاء الوطن العربي (حُزنا) على انفصال جنوب السودان، أكبر الدول العربية مساحة وأغناها بالموارد الطبيعية، وبعيدا عن التفاعلات والأسباب الداخلية والتاريخية التي أدت إلى مآل الانفصال، نستطيع القول أن انفصال جنوب السودان كان نتيجة حتمية لخلل هيكلي في الأمن القومي العربي، هذا الأمن المختل أضاع العراق ومن قبله فلسطين ومازالت هناك العديد من المهددات التي تتربص بهذا الوطن الملتاع. يكفي المرء التأمل بحسرة في تفاعلات الأزمة السورية وسرعان ما يصل إلى حقيقة مأساة الوضع العربي، الذي لم يعد مأزوما بعجز القادة على أي فعل إيجابي فحسب، بل بغياب تام عن المسرح إقليميا قبل أن يكون دوليا. فالجامعة العربية أصبحت هيكلا بلا معنى أو مضمون ولا تُحِسّ منها فعلا أَو تكاد تسمع لها ركزًا. لم يفرز الغياب أو الهروب العربي من المسرح السوري تموضع الكبار موسكو وواشنطن فحسب، بل تموضع أيضا لاعبون صغار. ويتسق ذلك الحال المحزن مع حالة الانشاء والتمنيات التي تسم كل القمم العربية دون أن يتبع ذلك أفعال على أرض الواقع. وجاء في احدى توصيات القمم ما نصه وهو نص يكاد يستنسخ في كل قمة: «التأكيد على مركزية قضية فلسطين بالنسبة للأمة العربية جمعاء، وعلى الهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة، عاصمة دولة فلسطين». فلماذا مصطلح القدس الشرقية فالقدس هي القدس بشرقها وغربها؟!. وتكريسا لواقع الاحتلال الإسرائيلي يطلق مصطلح «القدس الشرقية» على ذلك الجزء من المدينة الذي لم تحتله إسرائيل عام 1948 واحتلته عام 1967، وكان يشكل وقتئذ ما نسبته 16% من مساحة مدينة القدس. أي أن القمة وكأنها تخلت بإرادتها عن 84% من مساحة المدينة والذي أطلق عليه لاحقا اسم القدس الغربية. وبنظرة سريعة لمجهودات الجامعة العربية بشأن قضايا الوطن العربي منذ تأسيسها في 22 مارس 1945، نجد مدى تواضع هذه المجهودات بل ان دورها في ضمور واضمحلال مستمرين. ففي هذا الإطار الزمني توسطت الجامعة في 12 من أصل 20 من الأزمات الإقليمية. كما تدخلت في 5 فقط من 22 حربا أهلية رئيسية. مع الإشارة بشكل خاص إلى أن الجامعة تقف اليوم عاجزة عن أي فعل ايجابي تجاه ما يحدث اليوم في العراق وسوريا واليمن وليبيا. إن الأمن القومي بمفهومه الشامل يتضمن الجوانب الاقتصادية مثلما يتضمن الجوانب السياسية لكن لم تتحرك المنظومة العربية تجاه السودان بما يكفي بمنظور اقتصادي أمني، بيد أن الخُذلان العربي للسودان في جانبه الاقتصادي يتضاءل ويتواضع جدا أمام الخُذلان السياسي العسكري. من لا يعلم أن دولا عربية دعمت الحركة الشعبية التي قادت التمرد ضد الجيش السوداني والانفصال في نهاية المطاف، دعما عسكريا في فترة من أحلك فترات الصراع فقويت الحركة عسكريا وأستأسدت، فقط لأن تلك الدول لها خلافات سياسية مع نظام الحكم في السودان حينها. لقد أوشك السودان أن يقيم متحفا لانتهاكات شرف الأخوة العربية. هذا المتحف كان سيحتوي على دلائل دعم عدد من الدول العربية للحركة الشعبية، أسلحة ومعدات وأشياء أخرى. على المستوى السياسي كان زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق يجد المنابر السياسية والاعلامية في تلك الدول ليوجّه من خلالها منصاتها رسائله المعادية للعروبة والداعية للانفصال على أساس عنصري. اليوم يتكرر ذات السيناريو بينما يكتفي الأفضل حالا من العرب بالصمت الآثم. ويقاتل الجيش السوداني مليشيا الدعم السريع التي تنشر الفوضى والتخريب في البلاد ولم يطل أمد الحرب إلا بفضل توالي الدعم الخارجي لها. ذات الجيش السوداني الذي روت دماء جنوده الثغور العربية في سيناء وفلسطين واليمن حيث لازال هناك، هو ذاته الجيش الذي يتفرج عليه جيرانه ويساوونه بمليشيا متمردة متعددة الجنسيات، وهو يخوض ليس معركة الأمن القومي السوداني فحسب، وإنما معركة الأمن القومي العربي. لاشك أن هناك خُلّص في الوطن العربي يسوءهم حال النظام العربي وفي حلوقهم غصة ومرارة، ويشاركون السودان أسفه وحزنه. في الدورة العامة الرابعة والخمسين لمؤتمر الأحزاب العربية الذي انعقد بالمغرب في 2011 وقد جاء شعار هذه الدورة ملائما ومتسقا مع حالة السودان حينها تحت عنوان «نحو مواجهة الفتن الداخلية وأعاصير التجزئة». وكان من ضمن أهم مقررات الاجتماع، اعتبار يوم إعلان انفصال جنوب السودان يوما سنويا باسم (اليوم العربي لمناهضة التجزئة). إن أهمية السودان للأمن القومي العربي تشمل جميع مجالات ومظان الأمن؛ سياسيا وعسكريا واقتصاديا وحتى ثقافيا. فالسودان يمثل جسرا باتجاهين؛ ناقل للمؤثرات العربية الإسلامية للقارة الافريقية وفي ذات الوقت ناقل للثقافة الافريقية للمجال العربي. وظل أن السودان منذ القدم عبارة عن بوتقة، أو (افريقيا مصغرة). فهذه الخصائص جعلت السودان مؤثرا جدا في المجالين العربي والأفريقي، ويستطيع خدمة التكامل الأفريقي العربي في كافة المجالات وبالضرورة الأمن القومي العربي. فلا تنتظروا أن تبكوا على كوب لبن مسكوب آخر، أم لم تعد هناك مشاعر تحرك الدموع؟!.

474

| 23 ديسمبر 2023

لماذا الأزمة السودانية عصية على «الإيقاد»؟

لعل كل التجمعات الدولية كانت قد نشأت بعد معاناة من الحروب، باعتبارها أدوات لحل المشكلات والأزمات بين الدول عوضا عن إعمال آلة الحرب، ولو لم تتوفر القناعة بعبثية الحروب وآثارها المدمرة لما تداعت الأمم لإنشاء هذه المنظمات. وهكذا مضت الدول الأقل نموا في إنشاء منظمات إقليمية تُعنى بقضاياها الإقليمية، لكن كثيرا منها تحول لفائدة موظفيها بالدرجة الثانية وبالدرجة الأولى فائدة الدول الكبرى التي لم تتخل بعد عن أطماعها الاستعمارية. لقد تحولت دول الايقاد من منظمة تختص بمكافحة الجراد والتصحر إلى هيئة سياسية منغمسة حتى أخمص قدميها في جدال السياسة، بينما ظل الجراد يرتع بحرية في دوله المنكوبة بفشل ساستها ونخبها مسببا الجوع والمسغبة، كما مضى التصحر يقضم الأراضي الزراعية قضما ويبتلعها ابتلاعا. بل تحولت كابينة السكرتارية لمخلب قط تبيع خدماتها للقوى الدولية والإقليمية الطامعة في التحكم في الأنظمة الأفريقية وموارد شعوبهم ودولهم التي لا حدود لثرائها ووفرتها. كذلك تحولت منظمة دول «الايكواس» في غرب إفريقيا من هيئة معنية بتطوير الاقتصاد والتجارة لدولها إلى حلف نيتو أفريقي وقررت خلال الشهور الماضية غزو دولة النيجر بسبب انقلاب داخلي يبدو قد وجد سندا شعبيا، لكنها تراجعت بشكل مخجل، وهي بذلك لا طالت عنب الشام بتحقيق هدفها التنموي الأساسي ولا بلح اليمن بإجبار الانقلابيين في النيجر على التراجع. وفي كلا المثلين؛ «الإيقاد» و»الإيكواس» نجدهما انطلقا في تحركاتهما ليس لمصلحة شعوب القارة وتحقيق تطلعاتهم في التنمية والرخاء وإنما لمصلحة الذين يحركون مسرح العرائس من وراء الكواليس، بينما بقيت العرائس فرحة بفتات يرضي مصالحها الشخصية الضيقة. وبالتالي لم تعد هذه المنظمات تحظى بأي ثقة في القيام لا بدور سياسي متعلق بتولي الوساطة بين المتصارعين في النزاعات التي تعج بها دول القارة ولا بتحقيق أهداف تأسيسها. وقد أبرزت الحرب الدائرة في السودان بسبب تمرد مليشيا الدعم السريع على الجيش الوطني بشكل جلي عيوب منظمة الاتحاد الأفريقي وما يدور في فلكها من تجمعات. في الأسبوع الماضي تجدد التوتر بين السودان و»الإيقاد» إثر رفض الخارجية السودانية نقاطا جوهرية وردت في البيان الختامي للقمة الطارئة لزعماء دول المنظمة في جيبوتي والتي خصصت لبحث الأزمة السودانية، وأقرت خطوات لوقف الحرب، المستمرة منذ 15أبريل الماضي، بعد ما انتقدت الخرطوم المنظمة ودور اللجنة التي شكلتها برئاسة الرئيس الكيني الذي اعتبرته شخصا غير محايد وأبدى ميلا لصالح المليشيا التي يرتبط بها بمصالح شخصية. وبلغ غضب الخرطوم بأن هددت بالانسحاب من «الإيقاد» وفشلت حينها وساطة «الإيقاد» لإصرار الرئيس الكيني على رئاسة لجنة الوساطة رغم رفض الخرطوم مما عزز اتهامات الخرطوم له، وهنا يكمن الخلل فلا يمكن نجاح أي وساطة دون قبول أطراف النزاع بها، ولذا لم تملك «الإيقاد» الديناميكية المطلوبة لمعالجة ما يثير قلق الخرطوم. وفي محاولة «الإيقاد» الأخيرة أخذت الخرطوم عهدا بمعالجة ما رأته خللا بعد جولات لرئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في كل من كينيا وإريتريا وجيبوتي وإثيوبيا وتم الاتفاق على ترتيبات وافقت الخرطوم على إثرها على حضور قمة لدول «الإيقاد» مخصصة للأزمة السودانية. لكن الخرطوم تفاجأت بصدور بيان للقمة غير متفق عليه عقب مغادرة البرهان، قالت وزارة الخارجية السودانية، إنها تتحفظ عليه تماما. إذ تضمن مسائل لم يتم الاتفاق عليها وأقحمت إقحاما لصالح جهات إقليمية ودولية تدعم مليشيا الدعم السريع. وكان البرهان قد اشترط إقرار وقف دائم لإطلاق النار في البلاد، وخروج المليشيا من الخرطوم قبل لقاء مفترض مع من يتولى قيادتها حاليا. وليس الفشل في تحريف وربما تزوير بيان القمة فتلكم طامة ولكن الطامة الأخرى إعلان «الإيقاد» عجزها بأن أقرت مظلة موسعة من 22 دولة ومنظمات إقليمية ودولية معنية بملف السودان، وآلية من «إيغاد» والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لمعالجة الأزمة وابتدار عملية سياسية تجمع الفرقاء السودانيين. وكما يقولون إذا أردت إفشال عمل شكّل له لجنة موسعة ومتضخمة تظل تلت وتعجن دون انجاز. وهناك اعتقاد لدى أوساط سودانية عديدة بأن تسارع المبادرات الملغومة اللاهثة يتزامن مع تسارع خطى الحسم العسكري التي يخطوها الجيش السوداني على أرض ما يعتبره السودانيون معركة الكرامة. وتعلم القوى المتربصة الدافعة لهذه الوساطات بأن التفاوض مسار مغلق وأنه ليس أكثر من فخ وصناعة بيروقراطية بهدف تعطيل تقدم الجيش الوطني، ومنعه من قطف ثمار الانتصار العسكري التي بانت مؤشراته. وأن الالتفاف على رؤية السودان للحل لا يمكن أن يتم بطريقة ساذجة في اصدار بيان محرف، وفي ذلك جهل برسوخ الدبلوماسية السودانية ودور السودان الإقليمي باعتباره واحدا من المؤسسين الرئيسين للاتحاد الأفريقي و»الإيقاد». والخلاصة أن تحفظات السودان تتعلق بقضايا جوهرية لا يمكن تجاوزها ببيان مزور وبالتالي سيتجاهل السودان مخرجات القمة لأنها لا تعنيه في شيء. والمشكلة أنه حتى الجهات الأجنبية لها أجندات متضاربة، وكلما استمرت التدخلات الأجنبية تعقدت الوساطات والمبادرات، كما لا يوجد حل سياسي في الأفق، لأن منطق المليشيا هو الحرب والبندقية والحرب على المواطنين العزل وانتهاك حرماتهم واحتلال بيوتهم وسرقة أموالهم. فلا رؤية سياسية تحكمها ولا وحدة مركزية تستطيع التحكم في جموع مقاتلين تحولوا إلى عصابات. ولعل السودان غير معني بأي حل لا يتضمن حماية سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه وشعبه. فضلا أنه لا مناص من وجود جيش وطني واحد، يحتكر استخدام القوة العسكرية ففي ذلك ضمانة اساسية للاستقرار والسلم ليس في السودان وانما في كل الإقليم. كما أنه من الضروري إعمال مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب على الفظائع غير المسبوقة من جانب المليشيا المتمردة، هو السبيل الوحيد لعدم تكرارها. ولا يجب أن يكون حمل السلاح وشن الحرب على الدولة وسيلة للحصول على امتيازات سياسية غير مستحقة فالوصول إلى السلطة يتم عن طريق الانتخابات.

2439

| 16 ديسمبر 2023

السودان وتشاد.. تأثير متبادل لا فكاك منه

يشترك كل من السودان وتشاد في كثير من الظروف الجيوسياسية والطبيعية، إلى جانب تداخل اجتماعي معقد فهناك 13 قبيلة مشتركة على جانبي الحدود، والتي تعتبر الأطول بعد حدود السودان مع دولة جنوب السودان غير أن الأولى سهلية ودون عوائق طبيعية تذكر، وتمتد لنحو 1403 كيلومترات. وعبر تاريخ البلدين كانت العلاقات توثق عراها العوامل الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وقد شهدت الأجزاء الشمالية في كلا البلدين قيام دول إسلامية تأثرت تأثرا قويا بهجرات القبائل العربية التي انداحت من الشمال والشرق ووجدت في أراضي السودان وتشاد امتدادا طبيعيا لحياة العرب البدو لاسيما البيئة الصحراوية القريبة إلى نفوسهم. ولذلك كله ظل هناك تأثير عميق متبادل بين البلدين - سلبا وإيجابا - لا سيما في إقليم دارفور السوداني المتاخم لتشاد. وكان للسودان بحكم جواره وتداخله مع تشاد حظه من ذاك الاضطراب حيث تدفق السلاح إلى السودان بسبب الحرب الأهلية في تشاد، وبسبب توفر السلاح تطورت نزاعات الكلأ والمرعى عبر التاريخ من نزاعات بالأسلحة البيضاء إلى نزاعات تستخدم فيها الأسلحة النارية فتصاعدت آثار النهب المسلح وتعطل النشاط الاقتصادي ولم تسلم دارفور قاطبة من تعقيدات تشاد السياسية، فكانت أزمة دارفور التي مازالت تفت في عضد البلاد وأمنها واستقرارها. ومع ذلك كله لم يشهد البلدان منذ استقلالهما أي تقارب إستراتيجي، بل ظلت فترات التقارب مجرد تكتيك ولحين، يريد به كل طرف من الطرفين تجاوز أزماته داخلية المستعصية. بيد أنه ومنذ العام 2010 وقع البلدان على اتفاق أمني مشترك مازال صامداً على غير عادة الاتفاقات بين البلدين. ولعله بسبب هذا الاتفاق قامت القوة العسكرية المشتركة الأسبوع الماضي باعتراض دعم عسكري مهم كان في طريقه لمليشيا الدعم السريع التي تقاتل اليوم الجيش السوداني في حرب عنيفة اندلعت في 15 ابريل الماضي. وذكر موقع Africa Analysts نقلا عن ما وصفه بالمصدر الموثوق، بأن الجنود التشاديين التابعين للقوات التشادية السودانية المشتركة قاموا بعملية الاعتراض وقاموا بتسليم الإمدادات إلى حركة العدل والمساواة السودانية إحدى حركات دارفور المسلحة والموقعة على اتفاق سلام مع الخرطوم وأعلنت مؤخرا وقوفها بوضوح مع الجيش السوداني في مواجهة مليشيا الدعم السريع. ومعلوم أن مساعد القائد العام للجيش السوداني والرجل الثالث في هيكل تراتبية الجيش، كان قد شن هجوما لاذعا على الدول التي تدعم المليشيا المتمردة وقال ان الدعم يجد طريقه لوجستيا عبر تشاد. وقد يمثل ما قامت به القوة المشتركة لاسيما الجانب التشادي توجها جديدا ووعيا بخطورة تطاول النزاع في السودان وتوسع رقعته واحتمالات انتقاله إلى تشاد إذ كل ظروف انتشار الحريق في تشاد متوفرة وبقوة، ولا سبيل لتجنب ذلك إلا بتعاون وثيق بين البلدين لاسيما في المجال الأمني والعسكري. ومما يؤكد الارتباط الوثيق للاوضاع الأمنية في البلدين، أن أي نشاط عسكري سالب لأي من الدولتين مع طرف ثالث يهدد الأمن والسلم في الدولة الأخرى. قبيل اندلاع الحرب في السودان اشتكت تشاد من نشاط مشبوه لمليشيا الدعم السريع على الحدود مع دولة أفريقيا الوسطى المجاورة للبلدين، وحينئذ قام الرئيس التشادي محمد ديبي بزيارة سرية للخرطوم موضحا للسلطات في الخرطوم أن قائد مليشيا الدعم السريع أقام بالتعاون مع مجموعة فاغنر الروسية معسكرات لتدريب المعارضة التشادية قرب الحدود السودانية مع أفريقيا الوسطى، في مخطط للإطاحة بحكمه. واليوم هناك الآلاف من عناصر المعارضة التشادية، والذين دربتهم فاغنر في أفريقيا الوسطى يقاتلون حاليا مع مليشيا الدعم السريع في الخرطوم، أبرزهم زعيم حركة «نضال مظلوم» التشادية حسين الأمين جوجو، بعد أن أعلن عن نفسه في مقطع فيديو مما عزز اتهامات الخرطوم للمليشيا باستخدام مرتزقة من غرب أفريقيا. وكان جوجو قال في الفيديو، «إنهم بعد إسقاط البرهان في الخرطوم سينتقلون إلى العاصمة نجامينا للسيطرة على تشاد». إن آفاق التعاون السوداني التشادي لا تقتصر على الجانب العسكري والأمني وإن بدا في الوقت الحاضر أولوية قصوى؛ فقد سبق أن تعاون البلدان قبل عدة سنوات وحينها أثمر التعاون الأمني بينهما استقرارا غير مسبوق في حدودهما، مما شجع على تعاون اقتصادي يشمل تصدير نفط تشاد عبر أنبوب يمر عبر أراضي السودان من غربه إلى أقصى شرقه حيث موانئه على البحر الأحمر. إن تصدير نفط تشاد عبر السودان إن قدر له أن يكتمل سيحقق نتائج ايجابية ليست على المستوى الاقتصادي بل على المستوى السياسي مع دول الجوار الأخرى، وربما يشجّعها للدخول في مثل هذه الشراكات. وللسودان أنبوب نفطي هو الأطول من نوعه في إفريقيا والشرق الأوسط وهو السبيل الوحيد لتصدير نفط دولة الجنوب في الوقت الحاضر، ولذا ربما ذلك يقلل تكاليف إنشاء خط فرعي مكمل لتصدير النفط التشادي. وهناك إمكانية مشروعات للربط بين البلدين، متمثلة في مشروع سكة الحديد الذي كان قد عُهد به إلى شركات صينية، وطريق القاري حيث التزم الجانب السوداني بإيصال الطريق إلى مدينة الجنينة الحدودية، فيما وافقت دولة قطر على تمويل الطريق بين مدينتي أبشي التشادية والجنينة السودانية. وبالفعل إذا ما توفرت لدى قيادة البلدين الإرادة لبناء علاقة إستراتيجية بين البلدين، فإن الشروط السياسية والاقتصادية وحتى التاريخية متوفرة وحاضرة. إن تاريخ العلاقة بين الخرطوم وانجمينا المثقل بالاضطراب والمواجهة، سببه الأنظمة السياسية المتعاقبة في كلا البلدين؛ بيد أنه في نفس الوقت لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال الآثار السالبة للتركة الاستعمارية الثقيلة التي كافحت بضراوة كل المشتركات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. لقد وقف الاستعمار بآثاره الباقية ومحاولاته المستمرة، حجر عثرة في وجه محاولات الإصلاح والتعاون بين القُطرين.

1581

| 09 ديسمبر 2023

مقومات إنقاذ الدولة السودانية

تريد قوى دولية بأدوات إقليمية وعملاء محليون تفكيك وتحطيم الدولة السودانية وجعلها أثرا بعد عين ضمن مشروع إستراتيجي لا يستهدف السودان فحسب وإنما يستهدف المنطقة بأكملها وهذا غدا معلوما لكل ذي بصيرة أو ألقى السمع وهو شهيد. ومن يرى اليوم جرائم وممارسات مليشيا الدعم السريع منذ الخامس عشر من أبريل، يدرك حجم المؤامرة ومدى استعجال المتربصين لدك قواعد الدولة السودانية وبُناها التحتية وقدراتها ومقوماتها وفوق كل ذلك إنسانها عصب الدولة وأهم مقوماتها. ومقومات كل دولة هي مواطنوها، ورقعتها الجغرافية، وسيادتها الوطنية، وثقافتها وتاريخها وحضارتها، وسلطتها المركزية بما في ذلك استمراريتها السياسية. كل هذه المقومات كانت أهدافا عسكرية هاجمتها المليشيا بضراوة وبلا هوادة ولم ترقب فيها إلا ولا ذمة. ومع التهديد العسكري الخطير المحيط بكيان الدولة السودانية والذي لم تواجه له مثيلا منذ نشأتها، فإن سلطة الجيش الوطني القائمة استطاعت بسند شعبي قوي أن تُبقي على وجود هذه الدولة. ولو لا أن الدولة السودانية ظلت تتمتع بكافة مقومات الدولة الحديثة لأتت هذه الهجمة على بنيانها من القواعد ولانهارت الدولة في أسابيع قليلة من شدة مكر المؤامرة واحكامها. فالدولة الحديثة تعرف في العلوم السياسية بأنها منطقة جغرافية مُحددة من الأرض يسكنها شعب ضارب الجذور، وتحكمها حكومة شرعية، خالية من أي سيطرة خارجية، وتمارس سيادتها داخل هذا الحيز الجغرافي. ومع استهداف العاصمة القومية وتحويلها لساحة قتال، لم تتوقف الدولة عن تسيير أمورها، فكانت هناك العديد من المدن التي يمكن أن تصبح مقرا مؤقتا للسلطة المركزية، فكانت هناك مدينة بورتسودان في شرق البلاد ببنيتها التحتية ومطارها الدولي فضلا عن الميناء البحري المطل على أهم الممرات البحرية الدولية الإستراتيجية وهو البحر الأحمر. ومضت البعثات الدبلوماسية السودانية حول العالم تؤدي مهامها المنوطة بها. وتمكن قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة من القيام بعدة جولات خارجية بما في ذلك مخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. وساهمت هذه الجولات في ترسيخ الوضع الدولي السياسي للدولة السودانية وتأكيد حضورها وفعاليتها. لقد ظل استهداف الدولة السودانية يتخذ أشكالا مختلفة حسب طبيعة النظام القائم؛ وشمل ذلك العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية وإستراتيجية شد الأطراف وتفجير علاقات الجوار الجغرافي، ثم عبر سرقة الثورات الشعبية أو وأدها أو تغيير مساراتها وكان ذلك أمرا حاصلا في الثورة التي يُعتقد على نطاق واسع أنها مصنوعة وهي التي أطاحت بنظام عمر البشير في أبريل 2019. فكان اليقين يقطع الشك في أن كثيرا من الأحداث يحركها من أطلقوا ما يسمى بنظرية الفوضى الخلاقة. فقد تحولت بعض الثورات ليس في السودان فحسب وإنما في العديد من الدول المستهدفة إلى حالة فوضوية دائمة. ومصطلح (الفوضى الخلاقة) صمم في معهد (أمريكان انتربرايز) وهو قلعة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، ويلخص المصطلح إستراتيجية كاملة أعدت للمنطقة العربية، تهدف إلى إجراء (حملة طويلة من الهندسة السياسية والاجتماعية) تفرض بالقوة. يقول مايكل ليدن، العضو البارز في المعهد: «إن الوقت قد حان لكي تصدر الثورة الاجتماعية من أجل إعادة صياغة المنطقة العربية ليس عبر تغيير النظم فقط، بل والجغرافية السياسية كذلك، انطلاقاً من رؤية خاصة تقود إلى (تصميم جديد لبناء مختلف). ومع انتشار الفوضى السياسية والأمنية عقب التغيير السياسي في أبريل 2019 قالت ناشطة سياسية سودانية اشتهرت ببث مقاطع صوتية عبر وسائل التواصل الاجتماعي في أحد تسجيلاتها وهي تخاطب السودانيين: «علينا أن نودع بعضنا فلا ندري فقد لا نلتقي في القريب كسودانيين يضمن الوطن بحدوده المعروفة». وعلى الرغم من أن حديث تلك الناشطة كان نوعا من الفن المسرحي التراجيدي أو الكاريكاتور الصوتي الساخر، إلا أن ما ذهبت إليه كان بسبب حالة عبثية عاشتها البلاد حيث بدت الدولة للمشفقين حينها، غائبة وفاقدة للسيطرة على مجمل الأوضاع. كانت ما سُميت بحكومة الثورة برئاسة عبد الله حمدوك غارقة في وحل هشاشة سياسية وفشلت في تكوين المؤسسات الرسمية والشعبية، وعجزت عن اجتراح صيغة توافقية بين القوى الاجتماعية والسياسية لتنمية الولاء القومي على حساب الولاء الجزئي والقبلي في سياسات تعليمية وإعلامية متفق عليها، وفي التوافق على قيود فاعلة للحيلولة دون نفوذ الجهوية والعصبية السياسية في مؤسسات الدولة. بل أكثر من ذلك من خلال ممارسة غير رشيدة خرجت عن الأطر القانونية كتجيير السيادة للغريب، من خلال دعوة حمدوك لبعثة أممية بلا سند شرعي أو دستوري، فعاث رئيس البعثة فولكر بيتريس فسادا وتفريقا بين أبناء الوطن وشكَّل حكومة موازية أشبه بحكومة الاستعمار البريطاني. اليوم ومع قرب انجلاء معركة إنقاذ الدولة السودانية لصاح الجيش الوطني، لابد من خطة طوارئ سياسية وطنيّة لخلق رؤية سياسية وطنية تشمل كل المستويات الداخلية والدولية لترسيخ القرار الوطني الحر المستقل والسيادة على التراب الوطني. إنّ المبادئ السياسية ومصالح الشعوب مترابطة ولا يمكن الفصل بينها على الإطلاق، وهي مجموعة الأهداف والقواعد والأسُس التي تتحدّد على أساسها السياسة العامة. مع الأخذ في الاعتبار أن يتحلى الرجل السياسي وهو لاعب رئيسي بالوطنية والوعي المدرك لحجم المؤامرة على السودان. ولعل الهدف الأسمى للسلطة السياسية بناء وتعضيد مقومات الدولة القوية والمؤثرة، ومقومات الدول القوية تتمثل في التوغل بالتساوي في كامل التراب الوطني لفرض حكمها وسلطتها عليه وعلى المناطق الجغرافية التابعة لها. والعمل على استقلالية الدولة عن الجهات الفاعلة غير الحكومية، وممارسة السلطة الداخلية بطريقة مُستقلة عن المجموعات الاجتماعية. واعتماد الدولة على المهنية، وقدرتها مؤسسيًّا على تنفيذ السياسات العامة. هذا فضلا عن فرض سيادة القانون على إقليمها بالكامل. وبالتالي امتلاك الدولة قدرة واسعة لتنفيذ نظامها السياسي العام، واستثمار مواردها البشرية والاقتصادية.

1272

| 02 ديسمبر 2023

إعلام الاحتلال.. مقاربة جديدة في ظل الأزمة

هناك علاقة جدلية بين أضلاع مثلث يفرض نفسه على التفاعلات السياسية والمجتمعية في أي مجتمع من المجتمعات وتتمثل هذه الأضلاع في ثلاثة عناصر: الرأي العام، والإعلام، وإدارة الأزمات. ونظرا إلى طبيعة التداخل البنيوي والوظيفي بين هذه المكونات أو الأضلاع، فإنها مرتبطة كليا ببعضها البعض عبر التأثير المتبادل بينها. وهو تأثير قد يتم بشكل متوازن في الحالات الطبيعية بين الرأي العام والإعلام بيد أن دخول عنصر الأزمات قد يخلق وضعا غير طبيعي، يأخذ خلاله التفاعل والتأثير المتبادل نتائج وأوضاعا جدية ومختلفة. اليوم شكلت عملية طوفان الأقصى تحديا غير مسبوق في مجتمع دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ ففي ظل هذه الأزمة التي عصفت بالقيادة السياسية والعسكرية من جانب وهزت ثقة الرأي العام والإعلام في هذه القيادة من جانب آخر، لم يصمد الفعل التضليلي والتحريضي الرسمي أمام طوفان الحقائق وانكشاف الغطاء عن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة. وبينما سار معظم الإعلام الإسرائيلي في البداية في معية القطيع الرسمي مُضللا ومُحرضا نأى جزءٌ منه بنفسه وتفاعل مع الأزمة والحقائق على الأرض، فتحول لمرآة عاكسة للرأي العام ولتفاعلات الانهزام والإحباط الممسك بتلابيب المجتمع الصهيوني. اليوم فقد حزب الليكود الحاكم في دولة الاحتلال الإسرائيلي نصف قوته الانتخابية وغدا حتما سيخسر الغالب الأعظم منها مع انقشاع سحابة التضليل وتنامي انكشاف الحقائق المؤلمة. فالشارع يموج احتجاجا وغضبا والإعلام ينقل بعض الحقائق مضطرا وخَجِلا تحت وطأة ضغط الإعلام الخارجي فضلا عن سريان التشققات والانهيارات في جسم كابينة القيادة بقيادة رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. المشهد الإعلامي الإسرائيلي المنهزم خلا تماما من تعابير النصر، والجيش الذي لا يقهر، وسحق المقاومة الفلسطينية. بل غدت التقارير الإعلامية والتغطيات الصحفية تعكس حالة الخوف والهلع من قادم الأيام السوداء، على أقل تقدير ظل أفضلها يعكس حالة عدم اليقين والتوجس. وفي هذه المرحلة فقد حدث الفصام بين الإعلام الإسرائيلي والقيادة السياسية والعسكرية، ففي الوقت الذي ما زالت القيادة السياسية تصر على وصف صفقة الهدنة والتبادل الجزئي للأسرى بـ «الإنجاز»، اعتبرت بعض التحليلات الإعلامية أن إسرائيل تذوق طعم الخسارة. وحاولت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تخفيف طعم مرارة الخسارة، فاختارت عنوان «ننتظرهم.. عائلات المحتجزين تتوقع البشارة»، وقال كاتب إسرائيلي في مقالة له بالصحيفة: «لا يوجد مكان للفرح، وبالتأكيد بعد الهجوم المفاجئ بالسابع من أكتوبر». وفي إشارة إلى الحزن بالمجتمع الإسرائيلي من عدم تحرير جميع المحتجزين دفعة واحدة وعددهم 240، أضاف يميني «لا مكان للفرح وما دام هناك رهائن في غزة.. لا مكان للفرح ما دام بمقدور حماس مواجهة الجيش الإسرائيلي عسكريا وإطلاق الصواريخ.. لقد توصلنا إلى صفقة جزئية تبقي على الكثير من التساؤلات». وكل ذلك قد يعضد ويعزز مخرجات دراسة علمية لمركز الجزيرة للدراسات تناولت هذا الموضوع، والتي كانت قد خلُصت إلى أن مقاربة العلاقة التفاعلية التكاملية التي تجمع بين الإعلام والرأي العام والأزمات تبيِّن أن هذه الأطراف عندما تجتمع، تشكِّل وجها ثلاثي الأبعاد لظاهرة تواصلية إنسانية في مكان وزمان مخصوصين؛ إذ لا يمكن الفصل بين الإعلام والرأي العام، أو الإعلام والأزمات، أو الرأي العام والأزمات، ولا يمكن لأي منهم أن يستغني عن الآخر. فوسائل الإعلام لم تعد محتكرة للفعل التواصلي الإعلامي فتتستر على الأزمة لأجندتة تخصها أو لرغائب سياسية تضغط عليها؛ وأفراد المجتمع ليس بمقدورهم تشكيل رأي عام في غياب التواصل الإعلامي الذي تقوم به وسائل الإعلام التقليدية أو الجديدة أو صحافة المواطن. ولا شك أن الإعلام يتبوأ مكانةً محوريةً في مختلف أوجه الحياة، بل قد يكون دوره حاسماً في نجاح المشاريع السّياسية والاقتصادية أو العكس تماما، فهو القادر على قولبة الاتجاهات الفكرية في المجتمع. ويُعتقد أن الإعلام يشكّل مع القوة العسكرية أهم مصدرين للقوة في المجتمعات والدول. وعليه فإن الدروس المستفادة من الحالة الإسرائيلية للحكومات والدولة العربية التي لم تعط الإعلام بعد الاهتمام الجدير به. فهو أداة من أدوات السّياسة، ينقل سياسات صناع القرار إلى الشعوب، ويبلور اتجاهات ومواقف الشعوب حتى يستفيد منها صنّاع القرارات؛ ووسائل الإعلام أداة قوية يعتد بها بالنسبة للنظم السّياسية. حتى أن عُلماء السّياسة والاتصال السّياسي والاجتماع السّياسي أهتموا كثيرا بدراسة التفاعل بين الاتصال والنظام السّياسي والعملية السّياسية بصفة عامة، وأكدوا على العلاقة الجوهرية بينهما، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك حين نادوا بإعادة دراسة وتحليل العلوم السّياسية بالاعتماد على نظريات الاتصال. ومع ذلك ومع كون المسؤولية تتوزع بين السلطة السّياسة من جانب وبين وسائل الإعلام، غير أن السلطات السّياسية – بما في ذلك الهيئات التشريعية - تتحمل القدر الأكبر من هذه المسؤولية لتوفر عنصر القوة السلطوية لديها، فينبغي عليها المبادأة بوضع الإعلام في موضعه ومكانته الصحيحة. ولعل رفاهية الدول وتطورها وأمنها مرهون باستقرارها السّياسي، ولا يتحقق الاستقرار السّياسي إلا بالوعي السّياسي لكل قطاعات المجتمع، قيادات وأفرادا. ولكون أن مهمة الإعلام مرتبطة بإشاعة الوعي؛ فإن هناك مسؤولية تضامنية ثقيلة تقع على عاتق وسائل الإعلام في هذا الصدد. كما تجدر الإشارة إلى التحذير من التناول الانطباعي لقضايا الإعلام العربي بشكل عام، إذ إن ذلك ينتج عنه صورة ذهنية سالبة تُحمّله وزر كل تشوهات النظام العربي السّياسية والاقتصادية والاجتماعية. على الرغم من أننا قد نتفق على أن الإعلام العربي في عمومه الأعم يرزح تحت القيود الحكومية التي تشكّل عليه ضغوطاً سياسيةً واقتصادية تمنعُه من القيام بدوره التنموي في المجتمع.

546

| 25 نوفمبر 2023

غزة.. المواقف الجمعية مُثبّطة

لا نقول إن المواقف الجمعية لدول المنطقة العربية والإسلامية لا تخدم القضية الفلسطينية أو ما يجري في غزة من حرب على إنسانية الإنسان فحسب، لأن ذلك لا يلامس الحقيقة البتة. بيد أن تداعيات ما يجري في المنطقة جراء العدوان الإسرائيلي خطيرة جدا على المنطقة بأسرها، فإن كانت هذه المواقف الجمعية إيجابية وقوية بما يكفي فإنها ستمنع وتحمي دول المنطقة من حرب شاملة لا تبقي ولا تذر. المقدمات اليوم تشير إلى اتساع الرقعة الجغرافية للحرب المباشرة لتشمل لبنان وسوريا والعراق، وإن كان الاتساع الجغرافي قد يتأخر قليلا عن مناطق ودول بعيدة نسبيا عن بؤرة الحرب فإن التداعيات السياسية والاقتصادية لن تتأخر وقد يوازن وقعها عليها وقع الحرب العملياتية في البؤرة الملتهبة. على سبيل المثال، هناك على مرمى حجر شمالا تدور حرب طاحنة في ظاهرها بين أوكرانيا وروسيا وفي حقيقتها حرب بين الشرق المجروح الكبرياء وبين الغرب المتغطرس المفتتن بترسانته العسكرية، مع حقيقة أن بقاء الصين بكل جبروتها العسكري والاقتصادي على مسافة بعيدة من كلتا القوتين المتصارعتين فضلا عن كوريا الشمالية لن يدوم طويلا. وعلى فرض أن رياح تلك الحرب المشتعلة جاءت بكوارث لا تخطئها عين على روسيا وأوكرانيا، فإن عواصفها جاءت بالكثير على باقي العالم من أقصاه إلى أدناه، وهذا ما أقرته الأرقام الاقتصادية، إذ إن البلدين مسؤولان عن نحو 30% من تجارة القمح العالمية. اليوم هناك حوالي 20 مليون طن من الحبوب عالقة في الصوامع الأوكرانية. فالحرب الدائرة وإن بدت في ظاهرها حربا عسكرية، غير أن رقعتها توسعت أيضا في الفضاء الاقتصادي الممتد، حيث إن غيوم الجوع والمسغبة تجري تسوقها رياح الاقتتال الدامي إلى أرجاء العالم وقد غدا بعضها مثل الروض لم تترك به النكباء زهرة. فرغم البعد النسبي للمنطقة عن جغرافية الحرب الروسية الأوكرانية فإنه وبحسب برنامج الغذاء العالمي أن نحو42% من احتياجات المنطقة العربية من القمح و23% من احتياجاتها من الزيوت النباتية يأتي من كل من أوكرانيا وروسيا. ولن نخوض في عجز القدرة الجمعية لدول المنطقة عن تأمين هذه الاحتياجات من دولة واحدة على الأقل وهي عضو في هذه المجموعة. لكن على أية حال وبغض النظر عن ذلك الحُلم المتبخر أو الخطأ الإستراتيجـي فإن الأمن القومي العربي اليوم على جرف هارٍ بسبب تلك الحرب البعيدة، فما بال الحال مع اتساع الصراع في فلسطين المحتلة؟. إن أسوأ السيناريوهات لقادم الأيام ينذر بقيام حرب عالمية ثالثة إن لم يرعو جبابرة العالم وربيبتهم (إسرائيل) في المنطقة، وإن لم تتخذ الإرادة الجمعية لدول المنطقة ما يلزم لإبعاد وتقليص رقعة هذا السيناريو جغرافيا عن المنطقة بقدر الإمكان؛ فحتى الأمس القريب كان تعبير «الحرب العالمية الثالثة» لا يستخدم إلا في قصص خيالية عن حرب محتمل حدوثها. لكن السياسي الأمريكي المخضرم هنري كيسنجر «بشّر» العالم قبل سنوات قليلة باقتراب أوان حرب عالمية لوّاحة لا تبقي ولا تذر. وقال لصحيفة «ديلي سكيب» الأمريكية: «إن نُذُر الحرب العالمية الثالثة بدت في الأفق وطرفاها الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا وإيران من جهة أخرى». ويزيد من تحديات هذا السيناريو المخيف أن البعض يدفع دفعا بأن تكون المنطقة مسرحا وميدانا للصراع الدولي بل إن الصراع أصلا حول ثروات هذه المنطقة ومميزاتها الجيوسياسية والجيواستراتيجية، وما إسرائيل إلا فيلق متقدم لجحافل خلف الحجب. فضلا عن أن الحرب ستمول بموارد وثروات المنطقة. كيسنجر نفسه يقول: «إن الدوائر السياسية والاستراتيجية الأمريكية طلبت من العسكريين احتلال سبع دول شرق أوسطية من أجل استغلال مواردها الطبيعية خصوصا النفط والغاز، مؤكدا أن السيطرة على البترول هي الطريق للسيطرة على الدول، أما السيطرة على الغذاء فهي السبيل للسيطرة على الشعوب». وسواء كانت تصريحات كيسنجر دعائية أو مستندة إلى أحداث ووقائع موضوعية، فإن الاستعداد للحرب واتقاء شرورها ديدن الدول الحصيفة وذات النظرة الاستراتيجية البعيدة. إن أعلى سقف وصل إليه زعماء المنطقة العربية والإسلامية في قمتهم الأخيرة لا يرقى لحجم التحديات الخطيرة الماثلة، فلا يكفي أن يدعو زعماء وقادة المنطقة في بيانهم إلى وقف الحرب على غزة، ورفض توصيف الحرب الانتقامية الإسرائيلية على أنها دفاع عن النفس أو تبريرها تحت أي ذريعة. ولا دعوتهم إلى كسر الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية إلى القطاع، فكسر الحصار - على سبيل المثال - وهو جهد المقل ليس قولا وإنما فعل وقرار تسنده إرادة قوية. إن البيان الصادر قد حوى كل ما يحتمله القاموس السياسي من تعابير ومصطلحات قوية، بيد أن كل ذلك لا يجدي نفعا ولا يغيث ملهوفا ولا يضمد جراحا ويربت على كتف يتيم ملتاعا، ولا يردع بالضرورة قوة غاصبة متجبرة مثل دولة الكيان الصهيوني. لحسن الحظ فإن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ماضٍ إلى أن تقوم الساعة: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك). ولحسن الحظ كذلك أن من أقوال كيسنجر: «الأمة الاسلامية تنام ولكن لا تموت ومتى استيقظت اعادت في سنوات ما سلب منها في قرون». إن المقاومة الفلسطينية وشعبها الصابر يضربون أروع الأمثال في الصمود والمقاومة. وهذا مما جعل صعود جيش الاحتلال وقيادته السياسية الشجرة سهلا لكن صَعُب عليهم النزول منها، حين قالوا إنهم بصدد تدمير وسحق المقاومة في غزة. اليوم يؤكد خبراء ومسؤولون أمنيون إسرائيليون سابقون استحالة الجمع بين الهدف المعلن بتدمير المقاومة وتحرير الأسرى لديهم. وأكد الجنرال في جيش الاحتياط غيورا آيلاند - رئيس قسم العمليات سابقا - أن حماس كمنظمة لم تنكسر «ليس فقط لأن قيادتها موجودة، بل أيضا لأن الهدف من ناحيتها بسيط جدا؛ وهو التمسك والثبات».

522

| 18 نوفمبر 2023

الصورة التلفزيونية.. عدو إسرائيل اللدود

لم يكن العالم ليكذّب الصور التلفزيونية الحية القادمة من غزة الصمود والمقاومة، صور جرحت كبرياء الغطرسة الإسرائيلية وعرّت الشعارات الإنسانية المدعاة. لم تنقل تلك الصور الحية بشاعة قتل الآلة الحربية الإسرائيلية الممنهج الذي شمل الأطفال والنساء قبل الرجال فحسب، وإنما نقلت كذلك ذعر قادة الاحتلال في لقاءاتهم واطلالاتهم الإعلامية وبدا وزير الدفاع مرتجف الفرائص زائغ العينين لا يستقر لها حال، فعلم الناس أن فيهم ضعفا وخوارا يحاولون تغطيته بعمليات عسكرية حمقاء، ليسجل التاريخ أسوأ ما عرفته البشرية من إرهاب وتعطش للدماء. لقد تزامنت الحرب الإعلامية على إدعاءات الإحتلال الإسرائيلي، مع حربه العسكرية الميدانية ضد غزة، ورغم الدمار والقتل إلا أن الأولى كانت بارعة في نقل الحقيقة المجردة ودحض الرواية الإسرائيلية. واتسمت التغطية الإعلامية عبرها بكثافة غير معتادة وتدفق غير مسبوق للأخبار والتقارير والصور. ولم تنجح مزاعم رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإقناع أحد بأن حربهم على غزة هي حرب بين الحضارة والبربرية بل أثبتت الصورة التلفزيونية المباشرة العكس تماما. ولهذا أُعتبرت الصورة التلفزيونية لغة معبرة وأداة لمخاطبة إنسانية المشاهد، كما أنها تعتبر إحدى الوسائل البصرية لاسيما وقد تطورت بتطور التكنولوجيا وتعتبر من الوسائل التركيبية التي تمزج بين العناصر الصوتية والحركية والبصرية في إرسالية واحدة عن طريق الأقمار الصناعية، فهي أكثر تأثيراً وإقناعاً، مع الأخذ في الاعتبار توافر الظروف المواتية للتأثير والإقناع وتمثل ذلك في وجود قضية فلسطينية عادلة في مواجهة محتل غاصب. لقد تغيرت المعادلة السائدة باعتبار أن إثارة الغرائز هي الأخطر ومن ثمّ جعل «لعبة الغرائز الحسية» أهم وسائل جذب للمشاهدين. فقد حلت صدقية النقل عبر الصورة التلفزيونية المباشرة محل تلك المعادلة (الهوليودية) حيث مصانع السينما الأمريكية الأكثر تأثيرا في هذا المجال. إن الصورة الحية تستطيع التغلب على إشكالية الأمية وكذلك الكسل فهي تطارد المشاهد وتعتقله اعتقالا، بينما في حالة الكلمة المكتوبة فإن القارئ يطارد الكلمات مع إمعان جهد التخيل وتحويل الكلمات المكتوبة إلى صورة حيّة في عقله. ولهذا يُعدّ التلفزيون الآن من أهم وسائل الاتصال الجماهيرية ولعل أبلغ وصف يوضح مدى التأثير الذي يتركه، التلفزيون بأنه أصبح عين الإنسان وأُذنيه. وينسجم ذلك مع الحقيقة العلمية بأن العين ترى وتدرك أكثر من 75% من جملة الإدراك الذي تقوم بها حواس الإنسان في اليوم وتليها مباشرة الأذن التي تسمع اصواتا تحمل معلومات تعادل 8% من جملة إدراك الإنسان اليومي، إذ ينقل التلفزيون إلى المشاهدين الأحداث الجارية بكل ما فيها من معانٍ وانفعالات فهو يربط بينهم وبين الصورة. وفي هذه الحالة يكون المتلقي أقرب إلى الاتصال المواجهي المباشر، أو الاتصال وجها لوجه مثلما هو الحال مع الاتصال الشخصي والاتصال الجمعي. وفي هذا النوع من الاتصال تكون أذهان المشاهدين دائما ملتصقة بالواقع ومرتبطة بحيز الحياة الواقعية، كما أن المسافة بين المشاهد والعرض تعتبر طبيعية ومباشرة في نفس الوقت الذي تُعبر فيه عن علاقة بين شخص وشخص. وعليه فإن المؤثرات تقاس دائما على الواقع الفعلي وفي ظل هذا المناخ يحس الجمهور – جمهور المشاهدين – بواقعية ما هو واقعي وبعدم واقعية غير الواقعي. إن كثيراً مما تنقله الصّورة التلفزيونية من أحداث من شأنه تحريك مراكز الإحساس والشعور لدى المرء، وصولا إلى التأثير في لا شعوره. فحتى بعد إطفاء الشاشة، تبقى صّورة الحدث عالقة في الذهن، تعيد إنتاج الحدث ذهنيّاً، إذ أن فعل الكاميرا يُساهم في خلق صّورة ذهنيّة أو افتراضية مأخوذة من الصّور الفعلية للحدث لدى المشاهد. فالكاميرا التلفزيونية هي الفاعل المجهول - المعلوم، الموجود في لحظة التماس الأولى مع الحدث. وبالتالي تتحول الكاميرا - عبر شاشة التلفزيون - من راصدة للحدث إلى فاعلة ومشاركة فيه، ولو في شكلٍ غير مباشرٍ، عبر ما تقدمه من نتاج مرئي حقيقي، له دوره في تنشيط الذّهن، وصناعة الوعي. تشكّل الصّورة المنقولة من دمار ومعاناة غزة بُعداً نفسياً كامناً في لاشعور المُتلقي، باعتبارها تفصيلاً حياتياً يومياً، وتتجه ببصره وحسه نحو معايشة حقيقية وكأنه جزء من ذلك الواقع الأليم، وهذا الاندماج الذي تحققه الصورة يفرض التعاطي الايجابي ورفض الظلم والمطالبة بمحاسبة الجاني فضلا عن أن ذلك يخلق تحصينا ضد الدعاية السوداء التي يتعمد إعلام الاحتلال الإسرائيلي وداعموه بثها وفرضها على كونها بديلا لحقائق الواقع. في حالة ما يجري في غزة تتوارى الجوانب السلبية لفعل الكاميرا؛ فالإنسان بطبعه يتعمّد إبداء أفضل ما لديه من وجه حسن تعلوه ربما الابتسامة عندما توجّه الكاميرا إليه وتكمن السلبية هنا أنه من الصعب عليه أن يتم اقتناص الواقع أو الحقيقة، حيث تنطوي الصّورة التي يتعمدها المراسل أو مصدره أو محدثه، على احتيال وثناء ذاتي. بيد أنه في حالة غزة اليوم وفي كل حالات الكروب لا تجد الكاميرا عناءً في نقل الواقع المجرّد بكل آلامه وجروحه وتمظهراته الإنسانية عميقة التأثير. وبحسب المفكر الفرنسي جان بوديّار فإن التلفزيون ينقل لنا «عالم الواقع المفرط»، فالواقع الحقيقي لم يعد موجوداً، بل استعيض عنه بما نشاهده على شاشته من مشاهد وصور وأحاديث وتعليقات. فلولا نقل هذا الواقع المفرط لما تمكن خيالنا من تصور ما يحدث في غزة الجريحة، ولصدقنا السياسيين والموظفين الأممين وخدرنا تعبيرهم عن «القلق» وسعيهم (الحثيث) لإنقاذ الأطفال والنساء. ومن حسن الحظ أن الصورة التلفزيزنية غدت سلطة نافذة تفوق سلطة أولئك ولذا نتفق تماما مع يقول الدكتور دومينيك فولتون مدير أبحاث في المركز الفرنسي للدراسات، في كتاب التلفزيون على سدة السُلطة «إن التلفزيون وجد طريقه لتبوؤ سدة السلطة تأثيراً ونفوذاً، كما أنه أصبح موضوع نجاحات استثنائية منذ أكثر من نصف قرن تقريباً، دون أن تكتسب الشرعية الفكرية والاجتماعية التي تستحقها».

1119

| 11 نوفمبر 2023

احتلال العقل.. تيك توك وصويحباتها

ليست الحرب المُجيّشة ضد فلسطين في غزة بدعم أمريكي أوروبي صريح وسخي، هي طائرات مدمرة ومدرعات حصينة وقنابل قاتلة فسفورية وانفجارية من كل نوع وجنس وازنت في قدراتها التدميرية القنبلة النووية التي ألقيت في هيروشيما وناجازاكي في اليابان إبان الحرب العالمية الثانية؛ بل إن أدوات ووسائل الحرب بدت أبشع من كل ذلك بكثير، فإن كانت تلك وسائل خشنة، فهناك وسائل ناعمة معنية بتجريف واحتلال العقل وتوسيع مجال المستهدفين ليشمل كامل الأمة العربية والإسلامية وكل من تحدثه نفسه من شعوب العالم بالتعاطف ودعم الحق الفلسطيني وإدانة الطغيان والجبروت الإسرائيلي والغربي، وتمثل ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسية في العالم مثل فيس بوك، وتيك توك، وتويتر وغير ذلك، وهي تحت سيطرة ومُلك الطاغوت الدولي الداعم لدولة الكيان الإسرائيلي. وقد غدا عالم اليوم يحاكي رواية جورج أورويـل 1984، التي روت قصة أمة ترزح تحت نير نظامٍ سياسيٍّ يدعو نفسه «زورا» بالاشتراكية (الحُر)، وتملك زمام هذا النظام (العولمي) نخبة أعضاء الحزب الداخلي الذين يلاحقون الفردية والتفكير المغاير بوصفها جرائم فكر. تُجسَّد (الدولة الأعظم) طغيان ذلك النظام، وهي دولة (قائدة) تحكم كزعيم لا يأتيه الحق من بين يديه ولا من خلفه، وإن كان ثمة احتمال أنه لا وجود له. يسعى الحزب للسلطة (الهيمنة) لا لشيءٍ سوى لذاتها، لا لمصلحة الآخرين. أما بطل رواية أورويـل هو (وسائل التواصل الاجتماعي) فهو عضو في الحزب الخارجي وموظفٌ في وزارة الحقيقة المسؤولة عن الدعاية ومراجعة التاريخ؛ وعمله إعادة كتابة المقالات القديمة وتغيير الحقائق التاريخية بحيث تتفق مع ما يعلنه الحزب (الطاغوت الدولي) على الدوام. اليوم تمنع إدارات فيسبوك وتيك توك وغيرها انسياب حقائق الحرب على غزة وتضع القيود والمتاريس على الرأي الحر. وتمضي تغلق الحسابات (المتمردة) وتحذف كل ما لا يروق لها ويمثل تهديدا ومقاومة لاحتلال العقول وفرض دعاية حربية ورواية أحادية تقنن وتجمّل الإبادة الجماعية التي تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيلي على فلسطين وغزة. حدثني أحدهم أن تيك توك حذفت دعاء كان قد ردّ به على فلسطيني ملتاع طالبا من متابعيه الدعاء له، فجاءت لصاحبي رسالة من تيك توك تقول له ان مساهمته حذفت لأنها تشتمل على (عنف) وتتعارض مع الضوابط. وقال انه كان قد كتب داعيا: (اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا). ليس مطلوبا من جماهير العالم الثالث أن تتعاطى وتتبادل الرأي الحر ولا حتى الدعاء بالنصر، لأنها بذلك تعارض (الحقيقة) المصممة في الدوائر العليا في دولة (أوريل) الحاكمة عالميا؛ إنما المطلوب فقط أن تستخدم تيك توك وصويحباتها للتسويق والترويج الإعلاني والتجاري لمنتجات العالم الأول في أسواق العالم الثالث. فاحتلال العقل يبدأ مـن إعلان لمنـتج تجاري إلى دعايـة سياسية وحـربية مـدمرة. المطلوب استسلامك وخضوعك وقبولك وأنـت في قمة الرضا. ومـن أجـل منـع الآخر من الوصـول إلى أي أفكـار مناهضـة غـير مطلوبـة أو وجهـات نظـر أو مشاعر أو أفعال لا يوافـق عليهـا الطاغوت، يـتم منـع اسـتخدام تعابير وكلمـات محددة. ومن المعروف أن الكلمات تعـبر عـن الأفكـار والمشـاعر، وأن هـذه الأفكار قادرة على تحريك الأفعال. إذن حين تـتم السـيطرة عـلى الكلـمات يمكن السيطرة بالتالي على الأفكار والمشاعر والأفعال. هناك جهود مكثفة ومسـتمرة لتقليـل مـن ثقـة الآخر بنفسه وخلـق إحساس بالعجز والضعف. بل أكثر من ذلك يجبر على الاعتقاد بأن (الطاغوت) يعرف ما هو خير له وأنـه عـلى صواب دائمـا وأن الفـرد (الآخر) مخطئ وعليـه نبـذ قناعاتـه السـابقة والثقة بذلك الطاغوت الذي لا يأتيه الباطل مطلقا. كان مـن المفترض أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي وسـيلة لتطـور العقـل الــبشري بيد أنها أصــبحت الوســيلة المــثلى لغســيل الــدماغ بــما يخــدم الأهــداف السياسية الطاغوتية. وكان من المفترض أن تكسر هذه الوسائل احتكار الشركات التجارية الكبرى لاسيما الإعلامية الكبرى التي ظلت الأداة الباطشة للطاغوت الدولي. إن تيك توك وصويحباتها ظللن يمُدّنّ ألسنتهن كمنتصر غاصب وقد تجبّر وافترى؛ فعلاوة على توحشهن السياسي لكونهن أدوات حرب فهن غاصبة لفكرنا وانتباهنا، وقد ورطن المستهدفين في عالم افتراضي يموج فضاؤه بصراعات الشركات وإعلاناتها، وافتراء الأيدلوجيات المعادية ودعاياتها السوداء، وفوق كل ذلك يمثلن فضاء تسرح وتمرح فيه شياطين الإنس مبشرة بكل ما هو هادم للقيم، تروج بضاعة مزجاة قوامها الجنس والمخدرات وكل فكر منحل. وقبل أن تدوي هزيمة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هناك خطوات ضرورية لتقويض ركائز احتلال العقل وتجريفه، بتطبيق ونشر نهج التربية الإعلامية، وهي سلسلةٌ من الكفاءات الإعلامية مع قدرةٍ على الوصول والتحليل والتقييم والتواصل. فهي تتيح للأفراد لاسيما النشء ليكونوا مفكرين ناقدين لمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي. وتعرّف اليونسكو التربية الإعلامية والمعلوماتية بأنها: «الكفاءات الأساسية التي تتيح للمواطنين التعامل مع وسائل الإعلام على نحو فعّال، وتطوير الفكر النقدي ومهارات التعلّم».فالتربية الإعلامية باختصار تُعني بمهارة التعامل مع وسائل الإعلام واتقاء شرورها المتناسلة بكثافة. وباختصار تكمن أهمية التربية الإعلامية في أنها تتيح للأفراد اكتساب المهارات والخبرات التي تمكنهم من فهم الكيفية التي يشكل بها غول الإعلام إدراكهم، بل أكثر من ذلك، وهو إرفادهم بكل ما يعينهم على المشاركة في صناعة المحتوى الإعلامي وتعديل اعوجاجه ليتماشى مع أخلاقيات المجتمع وقيمه وقوانينه.

1059

| 04 نوفمبر 2023

جرائم إسرائيل.. الإعلام المهني شاهداً

عجز ظلام تحيز الإعلام الغربي عن إطفاء شمعة قناة تلفزيزنية واحدة، فقد ظلت شعوب العالم على موعد مع نقل حي بدون ألوان أو نكهات مضافة تغيّر من طبيعة الكارثة في غزة، سلبا أو إيجابا. وبدا أن قناة الجزيرة تخوض وحدها عكس تيار بحر تضليلي ممتد في هذا العصر، عصر ما بعد الحقيقة، وفيه غدت وسائل الإعلام أدوات فاعلة في الصراعات الدولية ليس بالتزام الحقيقة والموضوعية ولكن بالخوض مع تيار تلوين الواقع والحقائق بألوان الجبروت والقهر السياسي. ولعل مفهوم عصر ما بعد الحقيقة يشير إلى الحالة أو الظروف التي تكون فيها الحقائق الموضوعية أقل تأثيرا في تشكيل الوجدان قبل الرأي العام. قبل أن تفرض الجزيرة نهجها كان الإعلام الآخر ينتهج التضليل القائم على أهمية الصدقية الإعلامية في كسب عقول الناس وقلوبهم، ليس حبًا في الصدق؛ ولكن لمعرفته بالمستوى المطلوب لتمرير الكذب عند الضرورة، من خلال رسائل تقدم على أنها خطاب إعلامي صادق صادر من مؤسسات ناشئة في فضاء الحريات المطلقة وحقوق الإنسان المرعية. إن نظرية «كيمياء الكذب» وهي معالجة بث على ما يبدو حقائق مع دس أكاذيب مطلقة لتمريرها وكأنها جزء من تلك الحقائق، وهي النظرية التي يتبناها إعلام الآخر، بيد أنها أفرزت اليوم مع جهود تعديل الصورة التي تعكسها «الجزيرة»، تمردا لدى جمهور أولي القربى قبل جمهور الجار الْجُنُبِ، لأن تلك المعلومات الممزوجة مزجا والمتناقضة في تركيبتها قد أحدثت توتراً داخلياً مما شكَّل نوعاً من المقاومة لما يسببه الإعلام الغربي بكل أشكاله وأنماطه وهو يغدو أداة طيعة في أيدي الأيدولوجيات السياسية العابرة للقارات. وما لم يأخذه ذلك الإعلام في اعتباره، أن الطبيعة البشرية وفطرة الإنسان تعمل باستمرار لإبطال التناقض المعرفي ومن ثمّ الوصول إلى حالة الاتزان والرضا النفسي قبل أن ينعكس ذلك على سلوكه، وتبدى ذلك السلوك في المظاهرات العارمة المؤيدة للحق الفلسطيني والتي لم يشهد الغرب لها مثيلا سواء في الولايات المتحدة وبريطانيا أو دول أوروبا الأخرى. وجاء ذلك متسقا مع ما يؤكده علماء النفس بأن التوازن لا يحدث إلا حينما تكون هناك معلومات أو معارف متسقة منطقيا، ومع القيم الإنسانية السامية. لقد مثلت تغطية قناة الجزيرة المستمرة على مدار الساعة شاهدا نزيها على جرائم الإبادة في غزة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا، وسطرت تفاصيل لن يجد التاريخ الإنساني لها بديلا. وكان مرتكز التغطية الإعلامية لـ «الجزيرة» أن الفلسطينيين ليسوا أقل إنسانية عن غيرهم وليس كما أراد قادة الاحتلال وصفهم بأنهم «حيوانات بشرية»، وأن مأساتهم وجرائم عدوهم لابد أن يراها العالم بدون ألوان ورتوش، فنجحت في تكريس إعلام منحاز للحقيقة وليس كمعظم الإعلام الغربي المنحاز إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي السابح في بحر لجي من التضليل المتعمد. لقد ظللنا نتابع مع «الجزيرة» اللحظات الإنسانية لاستشهاد أفراد من عائلة مراسلها في غزة وائل الدحدوح وهي لحظات هزت العالم ومع ذلك الألم المُستسن في صدره أصر الدحدوح على العودة إلى تغطية العدوان الإسرائيلي بعد سويعات من فقده الجلل. وتابعنا كذلك ذلك الرجل الملتاع الذي ظل يحشر رأسه عميقا بين الأنقاض والركام وهو يصيح عله يسمع صوتا أو أنينا لأحد أفراد أسرته فيهرع لإنقاذه لكنه ظل لا يسمع إلا أنين الصمت. كثير من القصص الحية تابعها العالم على شاشة «الجزيرة» حصريا بينما نظيراتها ظلت تجتر الرواية الإسرائيلية اجترارا مملا. عندما يغدو حجب الحقائق قرارا سياسيا ترتفع من ناحية أخرى وبالتزامن الأصوات بإسكات «الجزيرة» بمختلف أشكال الضغوط لا سيما غير المشروعة. وظل هذا الحال منذ نحو ربع قرن ومنذ انظلاقتها؛ ففي خضم الحرب الأمريكية الآثمة على العراق نشرت صحيفة الديلي ميرور البريطانية فيما بعد في 22 نوفمبر 2005م موضوعاً حصرياً على غلافها تقول فيه إن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن خطط لتفجير مبنى قناة الجزيرة حسبما كشفت عنه مذكرة «سرية جداً» صادرة عن 10 داوننغ ستريت. وأوردت الصحيفة تقول: «كشف بوش عن فكرته المجنونة أثناء قمة عُقدت وجهاً لوجه في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في يوم 16 أبريل من العام 2004م. وهكذا ظل مسلسل استهداف «الجزيرة» ومنسوبيها حاضرة في كل أزمة ترفع فيها صوت الحقيقة ليس ابتداءً بضرب مكتب أفغانستان مرورا باستهداف شيرين أبو عاقلة في جنين وانتهاءً باستهداف عائلة الدحدوح ليلة الخميس الماضي، وقد أكد محرر الشؤون الفلسطينية في القناة 13 الإسرائيلية تسفي يحزقيلي بأن عائلة الدحدوح كانت هدفا لقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا أنهم يعرفون ما يضربون بالضبط. إن «الجزيرة» تعتبر أول قناة تكسر التابوهات الإعلامية وتبث المعلومة من الجنوب إلى الشمال ليس العكس فحسب، وهكذا تغيّر مجرى كانينساب بشكل لا نهائي على ذلك النحو، وأصبح لدى الشعوب العربية الذين كانوا يلجأون إلى الـCNN أو Fox أو الـBBC في بحثهم عن أخبار منطقتهم، يلجأون إلى «الجزيرة» منذ انطلاقتها فصاعدا حيث وفرت خدمة إعلامية عالية المهنية باللغة العربية الأُم، مع تبني رؤية تلائم القضايا العربية الإستراتيجية. وبعد عامين من ولادتها وصفت صحيفة «تاتس» الألمانية المعروفة، «الجزيرة» حينذاك بأنها ريح منعشة في الإعلام العربي هبّت من ركن لم يتوقعه أحد، وأن ما تقدمه من رأي ورأي آخر يعتبر ثورة في منطقة تستخدم فيها وسائل الإعلام كأبواق موصلة لأقوال الحكام». وفي 2002 أكد أستاذ الإعلام والاتصال الفرنسي دانيال بونيو أن «الجزيرة» جرحت نرجسية الغرب وتفرّده واحتكاره للمعلومة والخبر وأن ما تقوم به الجزيرة هو إنجاز كبير في تاريخ الإعلام الحديث».

663

| 28 أكتوبر 2023

alsharq
بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...

4407

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4104

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
كبار في قفص الاتهام.. كلمة قطر أربكت المعادلات

في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...

4083

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
الفن ضد الدمار

تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...

1533

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

1284

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1254

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
فلسطين والكيان والأمم المتحدة

أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...

1173

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
قطر في الأمم المتحدة.. السيادة والإنسانية

يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...

1050

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1047

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
غزة.. حين ينهض العلم من بين الأنقاض

في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...

948

| 23 سبتمبر 2025

alsharq
الأمير يكشف للعالم حقيقة الكيان الإسرائيلي

صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....

930

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
حضور فاعل للدبلوماسية القطرية

تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...

831

| 25 سبتمبر 2025

أخبار محلية