رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ظل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين أكبر المهددات الهيكلية للأمن القومي العربي، ولم تقتصر جرائم الاحتلال على جغرافيا فلسطين المجروحة، بل بقيت يد التخريب والاختراق الأمني تمتد تغطي معظم جغرافيا الوطن العربي لا سيما المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية التي تشكل قواعد أساسيا للأمن القومي العربي. ولعل أخطر مهددات الأمن القومي العربي سلاح القوة الناعمة التي تستخدمه إسرائيل عبر التطبيع الذي حوّل دولا مطبعة إلى دول فاعلة في المجهود الحربي الإسرائيلي وكان هذا قمة النجاح الإسرائيلي في اختراق الأمن القومي العربي. اليوم إسرائيل موجودة بقوة في الحرب الدائرة في السودان الذي يمثل البوابة الجنوبية للوطن العربي عبر وكالائها ومنفذي أهدافها وسياساتها الخبيثة.
بالأمس القريب نصبت البُكائيات في مختلف أرجاء الوطن العربي (حُزنا) على انفصال جنوب السودان، أكبر الدول العربية مساحة وأغناها بالموارد الطبيعية، وبعيدا عن التفاعلات والأسباب الداخلية والتاريخية التي أدت إلى مآل الانفصال، نستطيع القول أن انفصال جنوب السودان كان نتيجة حتمية لخلل هيكلي في الأمن القومي العربي، هذا الأمن المختل أضاع العراق ومن قبله فلسطين ومازالت هناك العديد من المهددات التي تتربص بهذا الوطن الملتاع. يكفي المرء التأمل بحسرة في تفاعلات الأزمة السورية وسرعان ما يصل إلى حقيقة مأساة الوضع العربي، الذي لم يعد مأزوما بعجز القادة على أي فعل إيجابي فحسب، بل بغياب تام عن المسرح إقليميا قبل أن يكون دوليا. فالجامعة العربية أصبحت هيكلا بلا معنى أو مضمون ولا تُحِسّ منها فعلا أَو تكاد تسمع لها ركزًا. لم يفرز الغياب أو الهروب العربي من المسرح السوري تموضع الكبار موسكو وواشنطن فحسب، بل تموضع أيضا لاعبون صغار.
ويتسق ذلك الحال المحزن مع حالة الانشاء والتمنيات التي تسم كل القمم العربية دون أن يتبع ذلك أفعال على أرض الواقع. وجاء في احدى توصيات القمم ما نصه وهو نص يكاد يستنسخ في كل قمة: «التأكيد على مركزية قضية فلسطين بالنسبة للأمة العربية جمعاء، وعلى الهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة، عاصمة دولة فلسطين». فلماذا مصطلح القدس الشرقية فالقدس هي القدس بشرقها وغربها؟!. وتكريسا لواقع الاحتلال الإسرائيلي يطلق مصطلح «القدس الشرقية» على ذلك الجزء من المدينة الذي لم تحتله إسرائيل عام 1948 واحتلته عام 1967، وكان يشكل وقتئذ ما نسبته 16% من مساحة مدينة القدس. أي أن القمة وكأنها تخلت بإرادتها عن 84% من مساحة المدينة والذي أطلق عليه لاحقا اسم القدس الغربية. وبنظرة سريعة لمجهودات الجامعة العربية بشأن قضايا الوطن العربي منذ تأسيسها في 22 مارس 1945، نجد مدى تواضع هذه المجهودات بل ان دورها في ضمور واضمحلال مستمرين. ففي هذا الإطار الزمني توسطت الجامعة في 12 من أصل 20 من الأزمات الإقليمية. كما تدخلت في 5 فقط من 22 حربا أهلية رئيسية. مع الإشارة بشكل خاص إلى أن الجامعة تقف اليوم عاجزة عن أي فعل ايجابي تجاه ما يحدث اليوم في العراق وسوريا واليمن وليبيا.
إن الأمن القومي بمفهومه الشامل يتضمن الجوانب الاقتصادية مثلما يتضمن الجوانب السياسية لكن لم تتحرك المنظومة العربية تجاه السودان بما يكفي بمنظور اقتصادي أمني، بيد أن الخُذلان العربي للسودان في جانبه الاقتصادي يتضاءل ويتواضع جدا أمام الخُذلان السياسي العسكري. من لا يعلم أن دولا عربية دعمت الحركة الشعبية التي قادت التمرد ضد الجيش السوداني والانفصال في نهاية المطاف، دعما عسكريا في فترة من أحلك فترات الصراع فقويت الحركة عسكريا وأستأسدت، فقط لأن تلك الدول لها خلافات سياسية مع نظام الحكم في السودان حينها. لقد أوشك السودان أن يقيم متحفا لانتهاكات شرف الأخوة العربية. هذا المتحف كان سيحتوي على دلائل دعم عدد من الدول العربية للحركة الشعبية، أسلحة ومعدات وأشياء أخرى. على المستوى السياسي كان زعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق يجد المنابر السياسية والاعلامية في تلك الدول ليوجّه من خلالها منصاتها رسائله المعادية للعروبة والداعية للانفصال على أساس عنصري.
اليوم يتكرر ذات السيناريو بينما يكتفي الأفضل حالا من العرب بالصمت الآثم. ويقاتل الجيش السوداني مليشيا الدعم السريع التي تنشر الفوضى والتخريب في البلاد ولم يطل أمد الحرب إلا بفضل توالي الدعم الخارجي لها. ذات الجيش السوداني الذي روت دماء جنوده الثغور العربية في سيناء وفلسطين واليمن حيث لازال هناك، هو ذاته الجيش الذي يتفرج عليه جيرانه ويساوونه بمليشيا متمردة متعددة الجنسيات، وهو يخوض ليس معركة الأمن القومي السوداني فحسب، وإنما معركة الأمن القومي العربي. لاشك أن هناك خُلّص في الوطن العربي يسوءهم حال النظام العربي وفي حلوقهم غصة ومرارة، ويشاركون السودان أسفه وحزنه. في الدورة العامة الرابعة والخمسين لمؤتمر الأحزاب العربية الذي انعقد بالمغرب في 2011 وقد جاء شعار هذه الدورة ملائما ومتسقا مع حالة السودان حينها تحت عنوان «نحو مواجهة الفتن الداخلية وأعاصير التجزئة». وكان من ضمن أهم مقررات الاجتماع، اعتبار يوم إعلان انفصال جنوب السودان يوما سنويا باسم (اليوم العربي لمناهضة التجزئة).
إن أهمية السودان للأمن القومي العربي تشمل جميع مجالات ومظان الأمن؛ سياسيا وعسكريا واقتصاديا وحتى ثقافيا. فالسودان يمثل جسرا باتجاهين؛ ناقل للمؤثرات العربية الإسلامية للقارة الافريقية وفي ذات الوقت ناقل للثقافة الافريقية للمجال العربي. وظل أن السودان منذ القدم عبارة عن بوتقة، أو (افريقيا مصغرة). فهذه الخصائص جعلت السودان مؤثرا جدا في المجالين العربي والأفريقي، ويستطيع خدمة التكامل الأفريقي العربي في كافة المجالات وبالضرورة الأمن القومي العربي. فلا تنتظروا أن تبكوا على كوب لبن مسكوب آخر، أم لم تعد هناك مشاعر تحرك الدموع؟!.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4503
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3369
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون أعمق، لكن الوجدان لا يتحمل كل هذه الأوجاع. في الوقت الذي نقف في قلب الحسرة ونحن نطالع ذلك الجرح النازف في غزة دون أن نستطيع إيقاف نزفه، يتملكنا الشعور أحيانًا بأنها المأساة الوحيدة في أمتنا وذلك من فرط هولها وشدتها، ويسقط منا سهوًا الالتفات إلى مصائبها الأخرى، تأتي أزمة السودان في صدارة هذه المآسي. أوجاع السودان كثيرة ومتعددة، كلها بحاجة لأن تكون حاضرة دائما في الوجدان العربي الإسلامي، لكن أولاها في الوقت الراهن مأساة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تخضع منذ العاشر من يونيو/حزيران 2024 لحصار خانق فرضته قوات الدعم السريع للضغط على الجيش الوطني السوداني. سكان مدينة الفاشر يفتك بهم الجوع والقصف المدفعي اليومي الذي يحول دون دخول المساعدات الإنسانية، في ظل ضعف التعاطي العربي مع القضية وتجاهل دولي تام لهذه المأساة، على الرغم من أنها تقترب من الإدراج في صفحات الإبادة الجماعية. قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي تحاصر الفاشر، تسيطر على أربع ولايات من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، لذا تقصف بوحشية مدينة الفاشر عاصمة الولاية الخامسة (شمال دارفور)، التي تمثل أكثر من نصف مساحة الإقليم وتعادل حوالي 12 بالمائة من مساحة السودان، وذلك بهدف إتمام السيطرة على الإقليم بأسره. إضافة إلى الوضع الكارثي للمدنيين في الفاشر بسبب الحصار والقصف الهمجي، ينذر سقوط الفاشر ووقوعها بقبضة ميلشيات الدعم السريع، بكارثة عظمى للسودان بشكل عام. الفاشر ليست مدينة عادية في أهميتها، فهي مفتاح السيطرة على مساحات إستراتيجية واسعة تصل إلى حدود تشاد وليبيا، وهي كذلك تقع على الطرق المؤدية بين شرق وغرب السودان، بما يعني أن سيطرة قوات الدعم عليها سيحول دون قيام دولة مركزية، وفرض واقع عسكري يتحكم في جغرافيا المنطقة، إضافة إلى أن السيطرة عليها ستؤمن لقوات الدعم ممرات تهريب الأسلحة. سيطرة قوات حميدتي على الفاشر يؤمن لها كذلك خطوط الإمداد ويقوي شوكتها ويجعل الولاية مركزا لمهاجمة الولايات الأخرى والسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني. لذا نستطيع الجزم، بأن الفاشر هي آخر الخطوط الفاصلة بين سودان موحد وسودان مجزأ، ولن يكون مجرد سقوط مدينة، بل انهيار وحدة الدولة السودانية، والذي سيتحول إلى شمال مركزي تحت سيطرة الجيش، وغرب تحت سلطة الميلشيات، وشرق تتجاذبه الانقسامات والنزعات القبلية، وجنوب منهك مهمش. إذا سقطت الفاشر، فإن الخطورة ستتجاوز حينئذ القتال بين الجيش وميليشيات الدعم، فمن أخطر تداعيات سقوط الفاشر – لا قدر الله - انفجار الصراع الإثني في السودان الذي يكتظ بالتنوع الإثني والقبائل المسلحة مختلفة الولاءات، لأن هذا البلد يرقد على بركان تسليح الهوية، وفي هذه الحال سيمتد الصراع الإثني بلا شك إلى الدول المجاورة. الدول العربية، والدول المحيطة بالسودان وعلى رأسها مصر، منوطة بالعمل الفوري الجاد على منع سقوط الفاشر والذي يعني تفتيت وحدة السودان وما له من تداعيات على الجوار، وذلك عبر مسارين، الأول هو كسر هذا الحصار على المدينة وإدخال المساعدات، والثاني تقدم الدعم العسكري واللوجستي للجيش السوداني المنهك لفرض سيطرته التامة على ولاية شمال دارفور ومنع سقوطها في أيدي حميدتي، والضغط كذلك على الدول والجهات التي تدعم ميلشيات الدعم السريع المتمردة. وعلى المستوى الشعبي، يتعين على نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وضع مأساة الفاشر والملف السوداني بشكل عام في بؤرة الاهتمام، وتسليط الضوء على الأحوال الكارثية التي يعانيها أهل المدينة، وأهميتها الإستراتيجية وخطورة سقوطها في أيدي قوات الدعم على وحدة السودان، لتكوين رأي عام عربي ضاغط على الأنظمة والحكومات العربية لسرعة التدخل، إضافة إلى لفت أنظار الشعوب الغربية إلى هذه المأساة لإحراج حكوماتها والعمل على التدخل الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية.
1341
| 28 سبتمبر 2025