رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك علاقة جدلية بين أضلاع مثلث يفرض نفسه على التفاعلات السياسية والمجتمعية في أي مجتمع من المجتمعات وتتمثل هذه الأضلاع في ثلاثة عناصر: الرأي العام، والإعلام، وإدارة الأزمات. ونظرا إلى طبيعة التداخل البنيوي والوظيفي بين هذه المكونات أو الأضلاع، فإنها مرتبطة كليا ببعضها البعض عبر التأثير المتبادل بينها. وهو تأثير قد يتم بشكل متوازن في الحالات الطبيعية بين الرأي العام والإعلام بيد أن دخول عنصر الأزمات قد يخلق وضعا غير طبيعي، يأخذ خلاله التفاعل والتأثير المتبادل نتائج وأوضاعا جدية ومختلفة. اليوم شكلت عملية طوفان الأقصى تحديا غير مسبوق في مجتمع دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ ففي ظل هذه الأزمة التي عصفت بالقيادة السياسية والعسكرية من جانب وهزت ثقة الرأي العام والإعلام في هذه القيادة من جانب آخر، لم يصمد الفعل التضليلي والتحريضي الرسمي أمام طوفان الحقائق وانكشاف الغطاء عن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة. وبينما سار معظم الإعلام الإسرائيلي في البداية في معية القطيع الرسمي مُضللا ومُحرضا نأى جزءٌ منه بنفسه وتفاعل مع الأزمة والحقائق على الأرض، فتحول لمرآة عاكسة للرأي العام ولتفاعلات الانهزام والإحباط الممسك بتلابيب المجتمع الصهيوني.
اليوم فقد حزب الليكود الحاكم في دولة الاحتلال الإسرائيلي نصف قوته الانتخابية وغدا حتما سيخسر الغالب الأعظم منها مع انقشاع سحابة التضليل وتنامي انكشاف الحقائق المؤلمة. فالشارع يموج احتجاجا وغضبا والإعلام ينقل بعض الحقائق مضطرا وخَجِلا تحت وطأة ضغط الإعلام الخارجي فضلا عن سريان التشققات والانهيارات في جسم كابينة القيادة بقيادة رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو. المشهد الإعلامي الإسرائيلي المنهزم خلا تماما من تعابير النصر، والجيش الذي لا يقهر، وسحق المقاومة الفلسطينية. بل غدت التقارير الإعلامية والتغطيات الصحفية تعكس حالة الخوف والهلع من قادم الأيام السوداء، على أقل تقدير ظل أفضلها يعكس حالة عدم اليقين والتوجس. وفي هذه المرحلة فقد حدث الفصام بين الإعلام الإسرائيلي والقيادة السياسية والعسكرية، ففي الوقت الذي ما زالت القيادة السياسية تصر على وصف صفقة الهدنة والتبادل الجزئي للأسرى بـ «الإنجاز»، اعتبرت بعض التحليلات الإعلامية أن إسرائيل تذوق طعم الخسارة. وحاولت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تخفيف طعم مرارة الخسارة، فاختارت عنوان «ننتظرهم.. عائلات المحتجزين تتوقع البشارة»، وقال كاتب إسرائيلي في مقالة له بالصحيفة: «لا يوجد مكان للفرح، وبالتأكيد بعد الهجوم المفاجئ بالسابع من أكتوبر». وفي إشارة إلى الحزن بالمجتمع الإسرائيلي من عدم تحرير جميع المحتجزين دفعة واحدة وعددهم 240، أضاف يميني «لا مكان للفرح وما دام هناك رهائن في غزة.. لا مكان للفرح ما دام بمقدور حماس مواجهة الجيش الإسرائيلي عسكريا وإطلاق الصواريخ.. لقد توصلنا إلى صفقة جزئية تبقي على الكثير من التساؤلات».
وكل ذلك قد يعضد ويعزز مخرجات دراسة علمية لمركز الجزيرة للدراسات تناولت هذا الموضوع، والتي كانت قد خلُصت إلى أن مقاربة العلاقة التفاعلية التكاملية التي تجمع بين الإعلام والرأي العام والأزمات تبيِّن أن هذه الأطراف عندما تجتمع، تشكِّل وجها ثلاثي الأبعاد لظاهرة تواصلية إنسانية في مكان وزمان مخصوصين؛ إذ لا يمكن الفصل بين الإعلام والرأي العام، أو الإعلام والأزمات، أو الرأي العام والأزمات، ولا يمكن لأي منهم أن يستغني عن الآخر. فوسائل الإعلام لم تعد محتكرة للفعل التواصلي الإعلامي فتتستر على الأزمة لأجندتة تخصها أو لرغائب سياسية تضغط عليها؛ وأفراد المجتمع ليس بمقدورهم تشكيل رأي عام في غياب التواصل الإعلامي الذي تقوم به وسائل الإعلام التقليدية أو الجديدة أو صحافة المواطن.
ولا شك أن الإعلام يتبوأ مكانةً محوريةً في مختلف أوجه الحياة، بل قد يكون دوره حاسماً في نجاح المشاريع السّياسية والاقتصادية أو العكس تماما، فهو القادر على قولبة الاتجاهات الفكرية في المجتمع. ويُعتقد أن الإعلام يشكّل مع القوة العسكرية أهم مصدرين للقوة في المجتمعات والدول. وعليه فإن الدروس المستفادة من الحالة الإسرائيلية للحكومات والدولة العربية التي لم تعط الإعلام بعد الاهتمام الجدير به. فهو أداة من أدوات السّياسة، ينقل سياسات صناع القرار إلى الشعوب، ويبلور اتجاهات ومواقف الشعوب حتى يستفيد منها صنّاع القرارات؛ ووسائل الإعلام أداة قوية يعتد بها بالنسبة للنظم السّياسية. حتى أن عُلماء السّياسة والاتصال السّياسي والاجتماع السّياسي أهتموا كثيرا بدراسة التفاعل بين الاتصال والنظام السّياسي والعملية السّياسية بصفة عامة، وأكدوا على العلاقة الجوهرية بينهما، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك حين نادوا بإعادة دراسة وتحليل العلوم السّياسية بالاعتماد على نظريات الاتصال.
ومع ذلك ومع كون المسؤولية تتوزع بين السلطة السّياسة من جانب وبين وسائل الإعلام، غير أن السلطات السّياسية – بما في ذلك الهيئات التشريعية - تتحمل القدر الأكبر من هذه المسؤولية لتوفر عنصر القوة السلطوية لديها، فينبغي عليها المبادأة بوضع الإعلام في موضعه ومكانته الصحيحة. ولعل رفاهية الدول وتطورها وأمنها مرهون باستقرارها السّياسي، ولا يتحقق الاستقرار السّياسي إلا بالوعي السّياسي لكل قطاعات المجتمع، قيادات وأفرادا. ولكون أن مهمة الإعلام مرتبطة بإشاعة الوعي؛ فإن هناك مسؤولية تضامنية ثقيلة تقع على عاتق وسائل الإعلام في هذا الصدد. كما تجدر الإشارة إلى التحذير من التناول الانطباعي لقضايا الإعلام العربي بشكل عام، إذ إن ذلك ينتج عنه صورة ذهنية سالبة تُحمّله وزر كل تشوهات النظام العربي السّياسية والاقتصادية والاجتماعية. على الرغم من أننا قد نتفق على أن الإعلام العربي في عمومه الأعم يرزح تحت القيود الحكومية التي تشكّل عليه ضغوطاً سياسيةً واقتصادية تمنعُه من القيام بدوره التنموي في المجتمع.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5253
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
2481
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
1983
| 05 أكتوبر 2025