رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لعل كل التجمعات الدولية كانت قد نشأت بعد معاناة من الحروب، باعتبارها أدوات لحل المشكلات والأزمات بين الدول عوضا عن إعمال آلة الحرب، ولو لم تتوفر القناعة بعبثية الحروب وآثارها المدمرة لما تداعت الأمم لإنشاء هذه المنظمات. وهكذا مضت الدول الأقل نموا في إنشاء منظمات إقليمية تُعنى بقضاياها الإقليمية، لكن كثيرا منها تحول لفائدة موظفيها بالدرجة الثانية وبالدرجة الأولى فائدة الدول الكبرى التي لم تتخل بعد عن أطماعها الاستعمارية. لقد تحولت دول الايقاد من منظمة تختص بمكافحة الجراد والتصحر إلى هيئة سياسية منغمسة حتى أخمص قدميها في جدال السياسة، بينما ظل الجراد يرتع بحرية في دوله المنكوبة بفشل ساستها ونخبها مسببا الجوع والمسغبة، كما مضى التصحر يقضم الأراضي الزراعية قضما ويبتلعها ابتلاعا. بل تحولت كابينة السكرتارية لمخلب قط تبيع خدماتها للقوى الدولية والإقليمية الطامعة في التحكم في الأنظمة الأفريقية وموارد شعوبهم ودولهم التي لا حدود لثرائها ووفرتها. كذلك تحولت منظمة دول «الايكواس» في غرب إفريقيا من هيئة معنية بتطوير الاقتصاد والتجارة لدولها إلى حلف نيتو أفريقي وقررت خلال الشهور الماضية غزو دولة النيجر بسبب انقلاب داخلي يبدو قد وجد سندا شعبيا، لكنها تراجعت بشكل مخجل، وهي بذلك لا طالت عنب الشام بتحقيق هدفها التنموي الأساسي ولا بلح اليمن بإجبار الانقلابيين في النيجر على التراجع.
وفي كلا المثلين؛ «الإيقاد» و»الإيكواس» نجدهما انطلقا في تحركاتهما ليس لمصلحة شعوب القارة وتحقيق تطلعاتهم في التنمية والرخاء وإنما لمصلحة الذين يحركون مسرح العرائس من وراء الكواليس، بينما بقيت العرائس فرحة بفتات يرضي مصالحها الشخصية الضيقة. وبالتالي لم تعد هذه المنظمات تحظى بأي ثقة في القيام لا بدور سياسي متعلق بتولي الوساطة بين المتصارعين في النزاعات التي تعج بها دول القارة ولا بتحقيق أهداف تأسيسها. وقد أبرزت الحرب الدائرة في السودان بسبب تمرد مليشيا الدعم السريع على الجيش الوطني بشكل جلي عيوب منظمة الاتحاد الأفريقي وما يدور في فلكها من تجمعات. في الأسبوع الماضي تجدد التوتر بين السودان و»الإيقاد» إثر رفض الخارجية السودانية نقاطا جوهرية وردت في البيان الختامي للقمة الطارئة لزعماء دول المنظمة في جيبوتي والتي خصصت لبحث الأزمة السودانية، وأقرت خطوات لوقف الحرب، المستمرة منذ 15أبريل الماضي، بعد ما انتقدت الخرطوم المنظمة ودور اللجنة التي شكلتها برئاسة الرئيس الكيني الذي اعتبرته شخصا غير محايد وأبدى ميلا لصالح المليشيا التي يرتبط بها بمصالح شخصية. وبلغ غضب الخرطوم بأن هددت بالانسحاب من «الإيقاد» وفشلت حينها وساطة «الإيقاد» لإصرار الرئيس الكيني على رئاسة لجنة الوساطة رغم رفض الخرطوم مما عزز اتهامات الخرطوم له، وهنا يكمن الخلل فلا يمكن نجاح أي وساطة دون قبول أطراف النزاع بها، ولذا لم تملك «الإيقاد» الديناميكية المطلوبة لمعالجة ما يثير قلق الخرطوم. وفي محاولة «الإيقاد» الأخيرة أخذت الخرطوم عهدا بمعالجة ما رأته خللا بعد جولات لرئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في كل من كينيا وإريتريا وجيبوتي وإثيوبيا وتم الاتفاق على ترتيبات وافقت الخرطوم على إثرها على حضور قمة لدول «الإيقاد» مخصصة للأزمة السودانية. لكن الخرطوم تفاجأت بصدور بيان للقمة غير متفق عليه عقب مغادرة البرهان، قالت وزارة الخارجية السودانية، إنها تتحفظ عليه تماما. إذ تضمن مسائل لم يتم الاتفاق عليها وأقحمت إقحاما لصالح جهات إقليمية ودولية تدعم مليشيا الدعم السريع. وكان البرهان قد اشترط إقرار وقف دائم لإطلاق النار في البلاد، وخروج المليشيا من الخرطوم قبل لقاء مفترض مع من يتولى قيادتها حاليا. وليس الفشل في تحريف وربما تزوير بيان القمة فتلكم طامة ولكن الطامة الأخرى إعلان «الإيقاد» عجزها بأن أقرت مظلة موسعة من 22 دولة ومنظمات إقليمية ودولية معنية بملف السودان، وآلية من «إيغاد» والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لمعالجة الأزمة وابتدار عملية سياسية تجمع الفرقاء السودانيين. وكما يقولون إذا أردت إفشال عمل شكّل له لجنة موسعة ومتضخمة تظل تلت وتعجن دون انجاز. وهناك اعتقاد لدى أوساط سودانية عديدة بأن تسارع المبادرات الملغومة اللاهثة يتزامن مع تسارع خطى الحسم العسكري التي يخطوها الجيش السوداني على أرض ما يعتبره السودانيون معركة الكرامة. وتعلم القوى المتربصة الدافعة لهذه الوساطات بأن التفاوض مسار مغلق وأنه ليس أكثر من فخ وصناعة بيروقراطية بهدف تعطيل تقدم الجيش الوطني، ومنعه من قطف ثمار الانتصار العسكري التي بانت مؤشراته. وأن الالتفاف على رؤية السودان للحل لا يمكن أن يتم بطريقة ساذجة في اصدار بيان محرف، وفي ذلك جهل برسوخ الدبلوماسية السودانية ودور السودان الإقليمي باعتباره واحدا من المؤسسين الرئيسين للاتحاد الأفريقي و»الإيقاد». والخلاصة أن تحفظات السودان تتعلق بقضايا جوهرية لا يمكن تجاوزها ببيان مزور وبالتالي سيتجاهل السودان مخرجات القمة لأنها لا تعنيه في شيء. والمشكلة أنه حتى الجهات الأجنبية لها أجندات متضاربة، وكلما استمرت التدخلات الأجنبية تعقدت الوساطات والمبادرات، كما لا يوجد حل سياسي في الأفق، لأن منطق المليشيا هو الحرب والبندقية والحرب على المواطنين العزل وانتهاك حرماتهم واحتلال بيوتهم وسرقة أموالهم. فلا رؤية سياسية تحكمها ولا وحدة مركزية تستطيع التحكم في جموع مقاتلين تحولوا إلى عصابات. ولعل السودان غير معني بأي حل لا يتضمن حماية سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه وشعبه. فضلا أنه لا مناص من وجود جيش وطني واحد، يحتكر استخدام القوة العسكرية ففي ذلك ضمانة اساسية للاستقرار والسلم ليس في السودان وانما في كل الإقليم. كما أنه من الضروري إعمال مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب على الفظائع غير المسبوقة من جانب المليشيا المتمردة، هو السبيل الوحيد لعدم تكرارها. ولا يجب أن يكون حمل السلاح وشن الحرب على الدولة وسيلة للحصول على امتيازات سياسية غير مستحقة فالوصول إلى السلطة يتم عن طريق الانتخابات.
تحولت الطائرات المُسيرة بالريموت كنترول من لعبة صغيرة بريئة يلهو بها الأطفال ويستمتعون بها وهي تطير من مكان... اقرأ المزيد
168
| 07 أكتوبر 2025
من أسمى الإدراكات التي يمكن أن يبلغها امرؤ في يوم ما، أن يُدرك أن الاستغناء سيادةٌ تتجلّى حين... اقرأ المزيد
321
| 07 أكتوبر 2025
تقول مرآة السيارة: الأجسام المرئية على المرآة ليست على المسافات أو من الأبعاد الحقيقية.. كما هو الحال مع... اقرأ المزيد
168
| 07 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5280
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ «استيراد المعلّب»، حيث يتم استقدام برامج أو قوالب تدريبية جاهزة من بعض الدول الخليجية المجاورة لعرضها على وزارات أو مؤسسات في قطر، رغم وجود كفاءات محلية وجهات تدريبية قادرة على تقديم محتوى أكثر أصالة وفاعلية. الفكرة بحد ذاتها ليست إشكالية، فالتبادل المعرفي مطلوب، والتعاون الخليجي قيمة مضافة. لكن الإشكال يكمن في الاختزال: أن يكون الخيار الأول هو الحل المستورد، بينما تبقى القدرات المحلية في موقع المتفرج. أين الخلل؟ حين تأتي وفود خارجية وتعرض برامج جاهزة، غالبًا ما يتم التعامل معها باندفاع هذا المشهد قد يعطي انطباعًا مضللًا بأن ما تم تقديمه هو «ابتكار خارجي» لا يمكننا بلوغه داخليًا، بينما الحقيقة أن في قطر كفاءات بشرية ومؤسسات تدريبية تمتلك القدرة على الإبداع والتطوير. والمفارقة أن لدينا في قطر جهات رسمية مسؤولة عن التدريب وتحت مظلتها عشرات المراكز المحلية، لكن السؤال: لماذا لا تقوم هذه المظلات بدورها في حماية القطاع؟ لماذا تُترك الوزارات لتتسابق نحو البرامج المستوردة من الخارج، بل إن بعضها يُستورد دون أي اعتماد دولي حقيقي، غياب هذا الدور الرقابي والحامي يفتح الباب واسعًا أمام تهميش الكفاءات الوطنية. وتزداد الصورة حدة حين نرى المراكز التدريبية الخارجية تتسابق في نشر صورها مع المسؤولين عبر المنصات الاجتماعية، معلنةً أنها وقّعت اتفاقيات مع الوزارة الفلانية لتقديم برنامج تدريبي أو تربوي، وكأن الساحة القطرية تخلو من المفكرين التربويين أو من الكفاءات الوطنية في مجال التدريب. هذا المشهد لا يسيء فقط إلى مكانة المراكز المحلية، بل يضعف ثقة المجتمع بقدراته الذاتية. منطق الأولويات الأصل أن يكون هناك تسلسل منطقي: 1. أولًا: البحث عن الإمكانات المحلية، وإعطاء الفرصة للكوادر القطرية لتقديم حلولهم وبرامجهم. 2. ثانيًا: إن لم تتوفر الخبرة محليًا، يتم النظر إلى الاستعانة بالخبرة الخليجية أو الدولية كخيار داعم لا كبديل دائم. بهذا الترتيب نحافظ على مكانة الكفاءات الوطنية، ونعزز من ثقة المؤسسات بقدراتها، ونوجه السوق نحو الإبداع المحلي. انعكاسات «استيراد المعلّب: - اقتصادياً: الاعتماد المفرط على الخارج يستنزف الموارد المالية ويضعف من استدامة السوق المحلي للتدريب. - مهنياً: يحبط الكفاءات المحلية التي ترى نفسها مهمشة رغم جاهزيتها. - اجتماعياً: يرسخ فكرة أن النجاح لا يأتي إلا من الخارج، في حين أن بناء الثقة بالمؤسسات الوطنية هو أحد ركائز الاستقلال المجتمعي. ما الحل؟ الحل ليس في الانغلاق، بل في إعادة ضبط البوصلة: وضع آلية واضحة في الوزارات والمؤسسات تقضي بطرح أي مشروع تدريبي أولًا على المراكز المحلية. - تمكين المظلات المسؤولة عن التدريب من ممارسة دورها في حماية المراكز ومنع تجاوزها. - جعل الاستعانة بالبرامج المستوردة خيارًا تكميليًا عند الحاجة، لا قرارًا تلقائيًا. الخلاصة: «استيراد المعلّب» قد يكون مريحًا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد يضعف مناعة المؤسسات ويعطل القدرات الوطنية. إننا بحاجة إلى عقلية ترى في الكفاءة القطرية الخيار الأول، لا الأخير. فالطموح الحقيقي ليس في أن نستحسن ما يأتي من الخارج ونستعجل نشر صورته، بل في أن نُصدر نحن للعالم نموذجًا فريدًا ينبع من بيئتنا، ويعكس قدرتنا على بناء المستقبل بأيدينا.
3732
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
2607
| 05 أكتوبر 2025