رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم يعد الجدل المحتدم حول حياة أو موت قائد تمرد مليشيا الدعم السريع متغيرا أو حتى ثابتا مهما في سياق الأزمة السودانية، بل إن احتدام الجدل مرتبط بمتغير جديد طغى وسيطر على المشهد برمته، وربما كان التعجل لحد الهستيريا للاستثمار لأكبر وقت في كاريزمية قائد التمرد، له علاقة وهدف استباقي بهذا المتغير الجديد الذي قد يغير مجرى الصراع الدامي البلاد، وذلك الاستثمار مقصود لادامة اسلوب عقلية القطيع في قيادة عناصر المليشيا. وذلك المتغير الجديد هو نهوض مقاومة شعبية واستنفار عارم لقيام عامة المواطنين بالدفاع عن أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم ضد انتهاكات المليشيا التي لا يردعها رادع، لا ديني ولا أخلاقي ولا قيمي. وبالفعل تدفقت التبرعات بالنفس والمال نقدا وعينا وانتظمت التدريبات والتحشيد العسكري في كل مناطق السودان. لقد بلغ الغضب الشعبي مدى أصبحت فيه المقاومة الشعبية تشتري السلاح بنفسها ولا تنتظر أن يوفره لها الجيش. إن هذه المقاومة الشعبية الخالصة ستكون حتما عقبة كأداة في وجه امنيات الجنجويد الساذجة باحداث تغيير ديمغرافي في البلاد والسيطرة على الحكم. كما لا يمكن وصف ما يجري بحرب أهلية بقدر ما هو دفاع شعبي ذاتي ضد عصابات نهب وسرقة تستهدفه.
في ذات الوقت يجب ألا تكون من اهداف المقاومة الشعبية الناهضة أن تستعدي أي مكون لانتمائه الجهوي، فذلك يخدم أجندة الجنجويد الذين في معظمهم غير سودانيين. إن الجميع في السودان متضررون من انتهاكات الجنجويد بما في ذلك أهل دارفور الذين يجب أن يكونوا ضمن الجهد الشعبي لدحر الفوضى، فالجميع تجمعهم أخلاق طبعتهم وميزتهم دهورا وقرونا عديدة. إن التفكير الهادئ العقلاني وبعد النظر هو القوة القاهرة لكل اعتداء واستهداف لاسيما وان الجنجويد يغلب عليهم الجهل وتقودهم عقلية القطيع. لا أن أبناء السودان الجنود في جيشه تُسدّ بهم الثغور ويتقى بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء. فهذه حرب عادلة ومقننة ومتوافقة مع مجموعة من المعايير والضوابط التي تهدف إلى الحد من العنف أو الانتقام أو العدوان على الساكنة المدنية. فالحرب العادلة تستقي مشروعيتها، من مصدر قانوني أخلاقي أساسه مسؤولية إنسانية، راسخة في منظومة القيم، تنأى بها على أن تكون حربا عدوانية، أو انتقامية.
فبعد مرور ٩ أشهر على هذه الحرب المفروضة على السودان وشعبه قد تم تدمير القوة الرئيسية للتمرد عدة وعتادا وقوة بشرية. وتم تفكيك وجودهم في العاصمة إلا من بعض الارتكازات التي لن تصمد بمرور الوقت والغرض منها كسب نقاط على طاولة المفاوضات. وسياسيا فقدت المليشيا كل مشروعيتها بسبب الجرائم التي ظلت ترتكبها وهي جرائم ضد الانسانية أقلها الابادة الجماعية والتطهير العرقي. وسينتهي الامر بتصنيفها دوليا منظمة ارهابية فليس هناك من عاقل يستطيع الدفاع عنها. وعلى صعيد الحراك الإقليمي عبر منظمة «الايقاد» فإن التركيبة الحالية لهذه المنظمة المعلولة وانعدام ثقة الحكومة السودانية فيها، تبدو ليست قادرة على انجاز اي اتفاق سياسي لصالح الأزمة في السودان. ونعلم ان الحكومة السودانية اعتبرت بيان المنظمة في قمتها الأخيرة بجيبوتي المخصصة للسودان بحضور عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، مُحوّرا شابه التزوير ولا يعنيها إذ أنه خرج عن النقاط المتفق عليها في القمة. وذهبت الخرطوم إلى ابعد من ذلك بأن لوحت بالنظر في أمر انسحابها من «الايقاد» احتجاجا على تعاطيها غير المحايد مع الازمة السودانية ووجود علاقات مصلحية بين اطراف منها وقيادة التمرد. إن مخاوف البعض من حالة تعدد الحكومات في السودان على غرار ليبيا لا تبدو في محلها، فمليشيا الدعم السريع ليست بتلك القدرة التنظيمية التي تمكنها من صياغة خطاب سياسي متماسك يمكنها من تشكيل حكومة فضلا عن أن هناك شكوكا حقيقية في مدى تحكم قيادة مركزية في شتاتها المنتشر في العديد من المناطق لأنها قوات ذات طبيعة فوضوية ذات سمعة سيئة تمنع استجابة الكوادر الضرورية لتشكيل مثل هذه الحكومة.
ومع اقتراب وضع الحرب لأوزارها تشير التوقعات الممزوجة بالأمل والاستقراء الموضوعي استنادا لمجريات حالية، إلى أن معطيات ما بعد الحرب لن تكون كما كانت قبلها. فالمسرح السياسي كله سيتغير ويُصار إلى تفكير سياسي جديد يتجاوز الأخطاء التي أفضت إلى الحرب. ولعل فظاعة الحرب وآثارها قد تفرض فترة يلتقط فيها الناس انفاسهم قبل أن تعود عجلة الحياة لا سيما في جانبها السياسي المدني، لطبيعتها وتفاعلاتها مع الحياة في البلاد. ويتوقع أن الكلمة والسلطة كاملة والترتيبات الاولى ستكون بيد السلطات العسكرية والأمنية ومسؤوليتها بوضع خطة لسحب السلاح من أيدي الناس واقتصاره على الدولة ومؤسساتها الأمنية. ولن تكون نتائج أي اتفاق أن تعود مليشيا الدعم السريع لتضطلع بأي دور سياسي أو عسكري. وقد يكون حينها تم الاتفاق دوليا على تصنيفها منظمة إرهابية. ولعل التحدي الاكبر للدولة بكل مؤسساتها رسمية وشعبية هو اعادة تعمير ما دمرته الحرب من مؤسسات وبنى تحتية. ولن ينجح اعادة الاعمار إذا ما تم التعويل على الخارج وانتظار الايفاء بوعود يمكن أن يقطع بها بعض المانحين. ومن أهم دروس الحرب سياسيا، أن تقتنع القوى السياسية بعبثية عزل قوى سياسية ومجتمعية تحت أي مسوغ، فالمعادلة الصفرية (إما نحن أو هم) أثبتت كلفتها الباهظة على أمن واستقرار البلاد. وستجد مؤسسات الدولة الاجتماعية والدينية والاعلامية أمام تحدي ضرورات التعافي الاجتماعي وازالة آثار البغضاء والكره التى وقرت في القلوب نتيجة ممارسات المليشيا الاجرامية، ويتضمن ذلك محاولة اعادة ادماج وتأهيل افراد تلك المليشيا من السودانيين المغرر بهم وكل من ساندها من طرف عصبية او جهوية او قبلية، في المجتمع ليعودوا افرادا صالحين يعملون بايجابية ضمن المجتمع لرفعته واستقراره وتقدمه.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
6123
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4494
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3342
| 29 سبتمبر 2025