رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ظل الوضع في السودان بين تأرجحات خارجية وغموض في المواقف في انتظار إعلان الطرف المنتصر، وما بين تشويش وتضليل إعلامي متعمد لحقيقة ما يجري في الداخل المثخن بجراح المدافع. ففي الخارج تنتظر كثير من الدول وضوح الموقف الأمريكي لاتباعه وتنظيم خطواتها على وقعه؛ وموقف واشنطن مضطرب ومتأرجح فيما بين مصادر اتخاذ القرار وجماعات الضغط. غير أنه في غالبه أقرب لإدانة مليشيا الدعم السريع لأسباب لا تتسق مع المواقف الأخلاقية المعلنة التي ترفع رايتها على الدوام. في عصر ما بعد الحقيقة يبرز الإعلام باعتباره أهم أدوات الصراعات الدولية الماثلة؛ ففي هذا العصر المأزوم بالنفاق السياسي، تبدو الحقائق الموضوعية أقل تأثيرا في تشكيل الرأي العام مقارنة بالشحن العاطفي والمعتقدات الشخصية. إن عصر ما بعد الحقيقة، هو عصر يحل فيه الكذب محل الصدق، والعاطفة محل الحقيقة، والتحليل الشخصي محل المعلومة، والرأي الواحد محل الآراء المتعددة. ففي خضم التطورات التكنولوجية برزت ظاهرة صحافة المواطن وهو ما قد ينطبق على منصات التواصل الاجتماعي ومنها تطبيقات مثل «تيك توك» و«فيسبوك»، باعتبارها شكلا جديدا من أشكال الممارسات الصحفية غير المهنية. وفي فضاء علم وتخصص الإعلام يشار إلى هذه الظاهرة باستعمال مصطلحات متنوعة من قبيل الصحافة التشاركية والإعلام مفتوح المصادر وصحافة الشارع أو الصحافة الشعبية وكلها مصطلحات وتسميات تشير إلى ذيوع دخول مهنة الصحافة في عصر مرحلة جديدة لا تخلو من خطورة بالغة. لقد تميز هذا العصر بالتحولات التقنية السريعة التي غيرت طرق تفاعل الناس وتواصلهم وسبل حصولهم على المعلومات في كل أرجاء العالم. وغدا الناس الآن يمتلكون ضخمة فيها الغث والسمين في أجهزة يحملونها في كفوفهم، مما يعني سرعة تردد الأخبار والمعلومات في كل بقاع العالم في ثوانٍ قليلة معدودة. ولا يعني أن منتوج هذا النوع من الإعلام أن الشخص العادي وحده الذي قد يقع في تصدير الخطر إلى المجتمعات بشكل غير مقصود تدفعه بساطته وجهله وربما حسن نيته، وإنما هذا النوع من الإعلام أصبحت تقف من خلفه الدول والحكومات والجماعات السياسية متخفية قاصدة التضليل الإعلامي، باعتبار ذلك وسيلة دعائية وأداة حرب ضد الخصوم. فالقنوات الفضائية الكبرى ذات المصداقية النسبية تتخذ من صدقيتها المكتسبة قاعدة انطلاق للغوص في التضليل والغرف من من مياه وسائل التواصل الاجتماعي الآسنة، إما بغرض الكسب الرخيص أو أنها تعمل على تنفيذ أجندات سياسية. وساد التضليل الإعلامي وانتشر حتى أن منظمة الأمم المتحدة اضطرت لوضع تعرفيات لهذه الظاهرة؛ وترى المنظمة الأممية إن كان نشر المعلومات المغلوطة هو الانتشار العرضي للمعلومات المغلوطة أو المعلومات غير الدقيقة، فإن التضليل الإعلامي، هو السعي إلى نشر معلومات مغلوطة قصدا إلى الخديعة وإلحاق ضرر وخيم. وتضيف بأن التضليل الإعلامي يمكن أن يضخم التوترات في حالات الطوارئ أو حالات الصراع المسلح. يقول الباحثون الإعلاميون إن التضليل الإعلامي يتمثل في أن القائمين عليه يدركون أهمية الصدقية الإعلامية في كسب عقول الناس وقلوبهم، ليس حبًا في الصدق؛ بل لمعرفتهم بالمستوى المطلوب لتمرير الكذب عند الضرورة من خلال الرسائل والمضامين الدعائية التي تقدم للجمهور على أنها خطاب إعلامي صادق. من هنا ظهرت نظرية ما يعرف بـ«كيمياء الكذب» التي تشترط تمرير 95 % من الرسائل والأخبار الصادقة أولاً بهدف كسب ثقة النَّاس، ثم بعد ذلك يمكن بث مضامين ورسائل مضللة وكاذبة عند الحاجة دون اكتشاف ذلك من الجمهور الذي تعود على المصداقية من تلك الوسائل. ومما يؤسف له أن كثيرا من القنوات تبني قصصها الخبرية في معالجتها للأوضاع في السودان على مقاطع وسائل التواصل الاجتماعي، فغدا الواقع هناك مرهوناً بما تنقله وتتداوله وتؤثر به وسائل التواصل الحالية ولدرجة تصل إلى حالة البلبلة أو التشوش أو الاضطراب الفكري والسلوكي في بعض الأحوال. إن لإعلام وبصورة أشمل الاتصال، هو نقل المفاهيم بقصد الإقناع وهي عملية أساسها خلق الترابط في الحركة. كما هي مشاركة في الأفكار والمعلومات عن طريق إرسال وتوجيه وتسيير، ثم استقبال بكفاءة معينة وخلق استجابة معينة في وسط اجتماعي معين. ولذلك يفترض أن الإقناع هو الأثر القائم على الحقيقة وهو الهدف السامي للاتصال، ويذهب الكثير من الدارسين والباحثين إلى أن الرسالة المقنعة والفعّالة هي تلك التي تتميز بخصائص جديرة بتحويل الوظيفة السيكولوجية للفرد على نحو يجعله يستجيب علناً تجاه موضوع الإقناع، ومفرداته، وبالأساليب التي يريدها القائم بالاتصال أو التي يوحي بها. أما إذا ساءت النوايا وساد التلبيس والتدليس فإن الهدف السامي ينقلب إلى شر مستطير. ولعل الخطورة الكبيرة في أن الإعلام الاجتماعي قد أتاح للصورة الحية المنقولة مجالا واسعا، فمن الثابت أن العين ترى وتدرك أكثر من 75 % من جملة الإدراك الذي تقوم به حواس الإنسان في اليوم. وللصّورة قدرة على تأسيس دلالات مزدوجة وصناعة تورية ثقافية جديدة وحادة، فالصّورة الحديثة التي تنقلها كاميرا الهاتف الذكي ومن ثمّ القنوات التلفزيونية أطلقت الظّل وحررته من سلطة الجسد عليه، فهي بهذه الكيفية أصبحت تملك قابلية على خلق دلالات خاصة بها لا تتطابق مع دلالات الأصل. إن كثيراً مما تنقله الصّورة الحية من أحداث من شأنه تحريك مراكز الإحساس والشعور لدى المرء، وصولا إلى التأثير في لا شعوره. فحتى بعد انتهاء المشاهدة، تبقى صورة الحدث عالقة في الذهن، تعيد إنتاج الحدث ذهنيّاً، إذ إن فعل الكاميرا يُساهم في خلق صورة ذهنيّة أو افتراضية مأخوذة من الصّور الفعلية للحدث لدى المشاهد. فالكاميرا هي الفاعل المجهول - المعلوم، الموجود في لحظة التماس الأولى مع الحدث.
3162
| 06 مايو 2023
لعل الصراع العسكري العنيف الذي شبَّ في السودان خلال الأسبوعين الماضيين، ليست تداعياته الكارثية تقتصر على الداخل السوداني فحسب، ولا على المحيط الإقليمي المضرب، وإنما تأثير ذلك يمتد إلى الفضاء العالمي عبر تهديد أمن وهو البحر الأحمر، فالسودان إحدى أهم الدول المشاطئة لهذا الممر المائي الإستراتيجي. إن خطر استمرار الصراع السوداني وتصاعده ينذر بخلل في منظومة أمن البحر الأحمر ودخول قوى دولية ظلت تبحث عن موطئ قدم لها ومن ثمَّ يتحول إلى ساحة صراع دولي حاد، فليس الولايات المتحدة وحدها من يتخذ له قواعد عسكرية في دولة جيبوتي فلها هناك أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في أفريقيا، بل تحتفظ فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة كذلك بوجود عسكري كبير هناك، كما تستضيف جيبوتي أول قاعدة عسكرية خارجية للصين وأول قاعدة عسكرية يابانية منذ الحرب العالمية الثانية، ومعلوم أن لدى تركيا قاعدة عسكرية في الصومال. ومن المعلوم أنه منذ العام 1869 ومع افتتاح قناة السويس في مصر أصبح البحر الأحمر أقصر وأسرع ممر بحري بين الشـرق والغرب، وبديلا في ذات الوقت لطريق رأس الرجاء الصالح الطويل في حركة التجارة الدولية. ولاحقا ومع اكتشاف النفط الخليجي الذي أصبح هذا الممر أكبر مشغل لماكينة الصناعة الأوروبية والأمريكية تحول البحر الأحمر إلى طريق نفطي إستراتيجي. وفي نفس الوقت أصبح ممرا لنقل السلع المصنعة من أوروبا إلى أكبر سوق لها في آسيا وأفريقيا، لتدخل كل من الصين واليابان والهند في زمرة القوى الاقتصادية العالمية المؤثرة التي يمثل لها البحر الأحمر ممرا حيويا لتجارتها وحراكها الاقتصادي. ولعل روسيا اليوم ترى أن إنشاء قاعدة لها في البحر الأحمر أصبح أمرا ملحا. وسبق أن أجرت مباحثات مع الخرطوم كان طرفها الفاعل قادها قائد مليشيا الدعم السريع غير أنها لم تثمر بسبب ممانعة داخلية ربما بايعاز من أطراف دولية وإقليمية. بيد أن محمد حمدان حميدتي قائد الدعم السريع ظل يؤكد أن من حق روسيا إقامة قاعدة عسكرية في السودان إذا كان ذلك في مصلحة السودانيين. وكانت روسيا قد عزمت في نوفمبر 2021 على إقامة قاعدة عسكرية روسية في منطقة فلمنجو الإستراتيجية على ساحل البحر الأحمر. وشرعت موسكو فعليا في عمليات إنشاء قاعدة قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية، بدعوى الحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي. وسبق ذلك القرار الروسي زيارة المدمرة الروسية «الأدميرال غريغوروفتش» وهي السفينة الحربية الروسية الأولى لميناء بورتسودان السوداني على البحر الأحمر. ولا يبدو الأمر مصادفة، إذ سبقت المدمرة الروسية وصول السفينة الحربية الأمريكية، «يو أس أس تشرشل»، إلى الميناء نفسه، وكانت السفينة الأمريكية الثانية التي زارت المياه الإقليمية السودانية خلال أقل من أسبوع. إن الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر وتقاطعات مصالح القوى الدولية والإقليمية عوامل تعمل على استدامة المخاطر المحدقة بأمن هذا الممر الحيوي وهي كثيرة ومتنوعة ومطردة. وأصبح النفوذ في هذا الممر، وحوله، هدفاً لقوى إقليمية مترسخة مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية أو صاعدة مثل تركيا وإيران وإسرائيل. وتندلق مجمل أوضاع البحر الأحمر في مسار جيوإستراتيجي ذي إسقاطات طويلة الأمد على المنظومة الدولية والإقليمية. ولذلك فإن أي تضعضع للمنظومة الأمنية السودانية الممثلة في الجيش الوطني وصعود قوة جديدة مثل مليشيا الدعم السريع سيقلب ميزان التوازن النسبي الحالي في محيط هذا الممر المائي الخطير. ويشارك السودان في أحدث منظومة إقليمية أنشئت في يناير 2020، باسم مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن بالرياض. وضم المجلس بالإضافة إلى السودان 7 دول هي السعودية، والأردن، ومصر، وجيبوتي، وإريتريا، والصومال، واليمن. وفي مايو من العام الماضي شارك السودان في مناورات عسكرية باسم «الموج الأحمر 5» مع 4 دول مشاطئة للبحر الأحمر، هي مصر والأردن والسعودية وجيبوتي واليمن. وفي أبريل 2022، أعلنت الولايات المتحدة تشكيل قوة باسم المهام المشتركة 153، بوصفها رابع قوة تنضم إلى تحالف القوات البحرية المشتركة «CMF»، لتلحق بـ «قوة المهام المشتركة 150 ونظيرتيها 151 و152»، وجميعها معنية بحماية الأمن البحري لاسيما في البحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي. وهذه القوة عبارة عن تحالف عسكري متعدد الجنسيات يتكون من 34 دولة، وقد انضمت إليه مصر في أبريل 2021 محتلة الترتيب الـ34. من جهتها تراقب تركيا ما يجري في البحر الأحمر باعتبارها لاعبا إقليميا مؤثرا في المنطقة التي تشهد تنافسا محموما للسيطرة والتوسع، خاصة بعد التغيرات الإستراتيجية التي تمخضت عن أيلولة جزيرتي تيران وصنافير للسعودية ليغدو خليج العقبة ممرا دوليا تستفيد منه إسرائيل مما شجعها لإقامة مشروع قناة إسرائيلية موازية لقناة السويس. وربما بسبب تزايد عقبات انضمام تركيا لمنظومة الاتحاد الأوروبي، فقد لجأت تركيا إلى تكثيف انخراطها في المنطقة عموما. إن ضمان أمن البلاد المطلة عليه البحر الأحمر يمثل محورا مهما من محاور ضمان الأمن القومي العربي. وبالضرورة فإن هذه الدول ذات حساسية عالية تجاه كل ما يؤثر في التوازن البحري المرتبط بالتوازن الدولي. وتثبت التجارب أن الدول المطلة على البحر الأحمر كانت على الدوام الطرف الأكثر تضرراً من أي اختلالات أمنية، ومن ثمَّ، فإن العبء الأكبر يقع عليها وعلى منظومة الأمن القومي العربي - إن وجدت - في حماية الملاحة في هذه المنطقة الحساسة. والحقيقة الجازمة أن الأمن والاستقرار في السودان يمثل حتمية لكامل الأمن القومي العربي والإقليمي.
2184
| 29 أبريل 2023
العيد فرصة لتجديد حسن الظن في الله وفي من حولنا حيث يطيب عيشنا، وإنه كذلك مناسبة لاعتناق الفرح بمساراته الروحية والدنيوية. فكيف لا نفرح ومع نسمات صباح العيد الأولى ترن نواقيس الأطفال وتعلو ضحكاتهم البريئة. ومع سماع هذه النواقيس هناك في ذات الوقت نواقيس في مجمعات ومدننا أسكتتها المدافع والصواريخ بلا رحمة، ولعل الخرطوم هي أحدث المدن الإسلامية التي أصابها الاقتتال العنيف. السعادة الحقيقية تخبرنا أن ليس السعيد ذلك الذي تسعده أمواله بل السعيد من يتذوق فرحة العيد وهي فرحة لا تكلفنا مالا ولا رهقا. بالأمس ذرفنا الدموع على فراق شهر رمضان الكريم فعبّر عنا ذلك الشاعر الملتاع قائلا: أيها الضيف تمهل كيف ترحل؟ والحنايا مثقلات، والمطايا تترجل كيف ترحل هل عتقنا؟ أم بقينا في المعاصي نتكبل؟ أيها الشهر تمهل خذ فؤادي حيث سرت، فحنيني يتنقل وبعد رمضان حل العيد ضيفا كريما بين ظهرانينا فأصبح حالنا كقول شاعر آخر: رحمات رمضان تملأ المكان وأنفاس العيد تعطر الزمان وبسمات المحبين تضيء الأكوان في السودان وقبل نحو 4 أعوام اندلعت ثورة رفضا لواقع كان الأفضل من النواحي الاقتصادية والسياسية والأمنية، فأحدثت تغييرا فجائيا لنظام الحكم السابق، على أن يلي ذلك إصلاح سياسي لكن الفوضى السياسية التي طرأت على المسرح السوداني إثر تلك الثورة استدعت تغييرا سياسيا وليس إصلاحا فحسب، لأن الإصلاح يهدف لمعالجة بعض المشاكل والأخطاء الجادة دون المساس بأساسيات النظام. بيد أن المأمول كان إحداث ثورة جديدة وتغييرات جوهرية تمس بنية النظام السياسي، ولا غرو أن الثورة تسعى للتغيير الشامل والجذري. وبما أن الإصلاح السياسي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالديمقراطية، والديمقراطية مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالمجالس المنتخبة بكافة أنواعها ومنها النيابية. فسودان ما بعد الثورة لا طال بلح الشام ولا عنب اليمن، فلا نظام سياسيا قابلا للإصلاح ولا مشاركة حقيقية للمواطنين في صنع القرار وإقامة المؤسسات الديمقراطية وتعزيزها واحترام الجيش الوطني ودعمه في مواجهة الأخطار التي تهدد كيان الدولة. كان المأمول الشروع في ثورة تنموية شاملة بما في ذلك التنمية السياسية التي تهدف لنقل النظم السياسية التقليدية إلى النظم السياسية الحديثة، فهي جزء من التنمية الشاملة التي يسعى النظام السياسي لتحقيقها. فالتنمية تعرف لدى علماء السياسة بأنها «كل الجهود التي تبذل من أجل النمو والتقدم، وتحقيق الرفاهية للمواطن والمجتمع، وهي كلمة جامعة وشاملة لا تعني مجرد خطة أو مجرد برامج أو مشروعات للنهوض بالشعوب اقتصادياً أو اجتماعياً وإنما تعني كل عمل إنساني بناء، في جميع القطاعات والمستويات يحقق زيادة في الإنتاج وعدالة في التوزيع، ووفرة في الخدمات ودعما لعلاقة التعاون داخل المجتمع التي تحقق الخبرة العملية وتكشف الموارد الاقتصادية والبشرية وتوجهها باعتبارها قوة دافعة وموحدة لطاقات المجتمع باتجاه تحقيق أهدافه الكبرى»، فهذا التعريف للتنمية الشاملة، التي تعتبر التنمية السياسية جزءا لا يتجزأ منها. اليوم انتقل الصراع السياسي في السودان إلى مربع خطير ليقف على شفا جرف هار، فيقع اقتتال عنيف بين الجيش القومي ومليشيا قوات الدعم السريع وهي قوات يفترض أنها تتبع الجيش وتحت إمرته؛ غير أن تحركاتها الأخيرة شكلت تمردا ربما كان هروبا من استحقاق دمجها كليا في الجيش ومعالجة الأخطاء التي صاحبت تأسيسها في 2013. وإلا فإن استمرار وجود جيشين قد يفضي إلى تقسيم البلاد. ولا يخفى أن قوات الدعم السريع في سبيل الهروب من استحقاق الدمج، مواقف سياسية مدنية في ظاهرها دعم الانتقال الديمقراطي وتسليم السلطة للمدنيين. لكن في حقيقة الأمر أن التنمية الشاملة لا سيما التنمية السياسية بما في ذلك الأمن والاستقرار والنمو وصولا للديمقراطية لا تتم بدون وحدة المؤسسة العسكرية ومن ثمّ وحدة الدولة. لا أحد يريد أن يصبح حال السودان مثل حال دول أخرى أضحت فيها الميليشيات المسلحة أمرا واقعا تمارس فيه السياسة استنادا لقوتها العسكرية وليس استنادا لبرنامجها التنموي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. اليوم تحتاج البلاد لتدخل غير أيديولوجي للجيش، وهو أمر تفرضه الضرورة، ويستهدف إنهاء أوضاع سياسية مضطربة أکثر مما يستهدف بناء أوضاع جديدة وفق خطة واضحة، لذا فهو أقصر عمراً، ولا يحمل مشروعاً سياسياً واضح المعالم، ويفترض أن يسعى للتوافق مع القوى السياسية والشعبية الفاعلة متقبلاً تسليمها السلطة من حيث المبدأ، وهو النمط الذي تجلى في حالة المشير عبد الرحمن سوار الذهب 1985 - 1986. لقد أعقب سقوط نظام الرئيس عمر البشير في 2019 فراغ كبير تمثل في غياب المشروع السياسي في بعديه الإستراتيجي والتكتيكي، فضلا عن إعلان الالتزام بتسليم السلطة للمدنيين عبر انتخابات تعقب المرحلة الانتقالية، وللحقيقة أن المجلس العسكري أبدى الكثير من التنازل بشأن إدارة الفترة الانتقالية ليتحول إلى شريك لأطراف أخرى سياسية حزبية وهو ما أطال فترة الانتقال وفتح الباب لتنازع المدنيين في السلطة الانتقالية بدون معرفة أوزانها السياسية. وهكذا نجد اليوم بروز العديد من الأزمات التي ترافق العملية السياسية وأنظمتها بسبب انتفاء وجود عناصر الرضا والتوافق في المجتمع بل طغى نهج المحاصصة المتسم بالسمات الديكتاتورية وإقصاء الآخر، فتضاءلت قيمة الفرد أمام السلطة السياسية ضمن إطار النشاط السياسي والثقافي والاجتماعي فهي تؤمن بالمشاركة السياسية والمبادئ الديمقراطية لكن مقابل ذلك هناك صراع طبقي نابع من أعلى سلطة في الحكم وصولاً إلى المجتمع بسبب اعتماد البنى التقليدية والقبلية وعدم الفصل بينها وبين عوامل الانفتاح في المجتمع. هل يدرك الساسة السودانيون إن لم يزالوا في غيهم ساردين، أن استمرار الصراع الحاد بينهم حول السلطة سيفضي حتما لتفكك وضياع وطنهم وحينها لن يجدوا سلطة ووطنا يصطرعون عليه؟. وحدها دولة المؤسسات بإسناد نظام سياسي معافى، يمكن أن تضمن بقاء التنوع والتباين السياسي في إطار التنافس والتبادل السلمي للسلطة بإرادة شعبية حرة، وليس الاصطراع المدمر كما يجري اليوم ومنذ عقود مضت.
1470
| 21 أبريل 2023
هل يكمل المسلمون والعرب فصول الفرجة حتى ينجح وحوش قطعان وزير «الأمن القومي» في حكومة الاحتلال الإسرائيلي إيتمار بن غفير، في ذبح قرابينهم في المسجد الأقصى، أو إعمال آلة الهدم لجدرانه وقاعاته وقببه، وهل سينتظرون أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة الذي «تقدم» خطوة من حالة «القلق العميق» لسلفه بان كيمون إلى حالة «الذهول»، بينما الجامعة العربية دخلت حالة الموت السريري وخبا حتى صرير بياناتها المتلعثمة. الكاميرا تنقل مساء يوم من ليالي رمضان في الأسبوع الماضي جنود الاحتلال يدفعون رجالا داخل ساحة القدس الشريف أغلبهم فوق الستين عاما وهم خاشعون يؤدون صلاة التراويح بينما دنست أحذية الجنود السجاد الذي تسجد فيه جباه المصلين عبادة لله. فيما تحول المكان كله داخل وخارج المسجد لساحة معركة غير متكافئة بين مصلين، نساءً ورجالا، وبين جنود طغاة مدججين بالسلاح والهروات الكهربائية والغاز المسيل للدموع. في كل عام، تضغط الجماعات اليهودية المتطرفة للسماح بذبح الماعز في المسجد الأقصى أو ما يزعمون خطلا بأنه جبل الهيكل عشية عيد الفصح. وبدأ عيد الفصح مساء الأربعاء لينتهي مساء الخميس القادم 13 ابريل الجاري، ويسمي المتطرفون اليهود المتصهينين أنفسهم «جماعة العودة للجبل». ويضم مجمع الأقصى المسجد القبلي وقبة الصخرة داخل أسواره بالحرم القدسي الشريف؛ وخلال تاريخه، أشرفت على إدارة المسجد الأقصى ورعايته جهات عدّة، وفقاً لتعاقب الخلافات الإسلامية والدول التي حكمت فلسطين التاريخية. فخلال المائة عام الماضية، تبع الأقصى إدارياً لوزارة الأوقاف العثمانية، خلال حكم العثمانيين. وبعد سقوط الدولة العثمانية في 1922، وخلال فترة الانتداب البريطاني، تولى المجلس الإسلامي الأعلى برئاسة الشيخ أمين الحسيني، مفتي عام القدس، شؤون أوقاف المسلمين ومؤسساتهم الدينية والتعليمية، ومن ضمنها المسجد الأقصى. وبعد الإحتلال الإسرائيلي في 1948، انتقلت أوقاف القدس إلى عهدة الأردن، ولاحقاً، جاءت اتفاقية وادي عربة للسلام بين الأردن والمحتل الإسرائيلي في 1994، لتكرس وصاية الأردن على الأوقاف المقدسية. وفي العام 1969 طلب مجلس الأمن الدولي من دولة الإحتلال وفقاً لقرار أصدره بالرقم 271، عدم إعاقة مشاريع ترميم وصيانة الأماكن المقدسة التي يديرها الأردن، على خلفية حريق المسجد الأقصى في ذات العام. وتتلخص صلاحيات الوصاية الأردنية في الإشراف على أبواب المسجد الأقصى الأربعة عشر وحمل مفاتيحها، باستثناء باب المغاربة الذي تتحكم دولة الاحتلال بمفاتيحه منذ عام 1967. السؤال الملح هو: هل القضية الأساسية هي في القدس وحدها مع أهميتها؟ كلا إنما القضية هي الإحتلال الإسرائيلي لكامل أرض فلسطين أما القدس الشريف فهي مشكلة متفرعة من تلكم القضية المركزية، والتي يجب إنهاء احتلالها ضمن إنهاء الإحتلال الإسرائيلي لكامل أرض فلسطين. وهذا بكل تأكيد يتعارض مع ما يسمى بنهج الواقعية السياسية التي يعبر عنها البعض دولا وأفرادا، وهي محاولة لتوطين فكرة قيام دولتين متجاورتين وهما «إسرائيل» وفلسطين. ولاشك أن قطار التطبيع الماضي في سكة الديانة الإبراهيمية يسعى من خلاله الإحتلال ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية لضم المزيد من الأنظمة والسياسيين الذي يعبدون صنم الواقعية السياسية. لم تعد جامعة الدول العربية مع الأسف، كما كانت عشية انعقاد القمة العربية في الخرطوم في العام 1967م وحينها عرفت الخرطوم بعاصمة اللاءات الثلاث: لا صلح ولا تفاوض ولا إعتراف باسرائيل. وظلت مقاومة الاحتلال في كل مكان تستقي من تلك اللاءات قوتها وعنفوانها. لقد ظلت الجامعة العربية منذ العام 1948 كتلة وازنة سياسيا وهو جهد الـمُقل، غير أنه على صعيد الحل الاستراتيجي الناجع للقضية الفلسطينية، بقيت فكرة هذه المؤسسة فكرة حالمة تتأسس على أشواق تعتمل في نفس كل عربي ومسلم. بيد أن القضية الفلسطينية التي كانت من دواعي قيام الجامعة بقيت تحديا كبيرا أمامها، بل أظهرت ضعفها وارتباكها وموتها في نهاية المطاف. فالجامعة بتركيبتها الهيكلية ونسق قرارتها التقليدي الذي يتخذ من المنطقة الرمادية سكنا وموئلا، لا يمكنها حتما من اتخاذ قرارات قوية نافذة. وما يحير حقاً كيف فشل القادة العرب والمسلمون بمحاصرة الدولة اليهودية على الرغم من توافر نفس المبررات التي على إثرها انهار نظام (الأبارتايد) بجنوب إفريقيا وحلت محله جمهورية جنوب إفريقيا الحديثة؟. حيث يوجد شبه تطابق بأسس النظامين الصهيوني و(الأبارتايد) فقد أسس نظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا بتأسيس مفهوم الدولة أو السيادة على نشاط استيطاني ضمن مشروع استعماري انفصل عن الدولة الاستعمارية الأم (بريطانيا)، وتشكلت جماعة قومية من خلال هذا الاستيطان تؤكد تميزها «العرقي الأرقى» عن السكان الأصليين، فضلاً عن نظام حقوقي من الفصل العنصري يبقي «العرق الأدنى» في نطاق الدولة ولكن يحرمه كامل حقوقه كالتنقل والاقتراع، فأبناء «العرق الأدنى» السكان الأصليون هم نظرياً مواطنون لكن الدولة ليست تعبيراً عن تطلعاتهم بل أداة لسيطرة «العرق الأرقى» عليهم. ومع كل ذلك فإن الحرب الإسرائيلية المستعرة على الفلسطينيين تؤكد أن المقاومة الفلسطينية لا تزال تقدم نماذج بطولية نادرة في مواجهة اعتداءات المحتل، صحيح أن أي قوتين متصارعتين متماثلتين في القوة قد تحققان في نهاية المطاف توازن القوى، ومن دون ذلك فيوجد منتصر ومهزوم. لكن المقاومة الفلسطينية التي لا سبيل لتوازن قوة مع دولة غاصبة من ورائها أعظم قوة بالعالم، قد حققت توازن الرعب مع دولة الإحتلال. ووقف العالم مشدوهاً أمام جسارة المقاومة وإصرارها على رد العدوان فتألم المحتلون مثل ما يتألم الفلسطينيون بيد أن الفلسطينيين يرجون من الله ما لا يرجوه أعداؤهم. ومع الأمثلة البطولية التي ملأت صورة الزمان والمكان افتقد الفلسطينيون دعم دول وحكومات كثيرة، وكشفت صورة المشهد التي احتلت الزمان والمكان فراغات وبثوراً عديدة في العقل العربي والإسلامي.
576
| 08 أبريل 2023
عقب توقيع ما عرف بالاتفاق الإطاري السياسي في السودان ديسمبر الماضي والهادف إلى إقرار عملية سياسية طرفاها العسكريون والمدنيون تنهي الأزمة السياسية في البلاد منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير، عقدت 5 ورش عمل تُعرف باسم ورش ومؤتمرات المرحلة النهائية للعملية السياسية، تم الاتفاق عليها ضمن متطلبات الاتفاق، بيد أن الورشة الأخيرة كانت اقترابا خطيرا من عش الدبابير، وهي ورشة الإصلاح العسكري والأمني، وذلك قبيل الأول من أبريل المقبل حيث من المزمع توقيع الاتفاق النهائي وتشكيل حكومة مدنية وإنهاء حالة الفراغ الدستوري. ومنذ فترة طويلة تمور الساحة السياسية في البلاد بتحريض جدي وعلني ضد الجيش باعتباره مؤسسة عريقة ذات تقاليد ونظم صارمة. وبشكل مفاجئ انسحب ممثلو الجيش بحجة عدم الاتفاق على كل قضايا الإصلاح الأمني والعسكري خلال الورشة، فيما تحفظت القوى المدنية على ذلك، وأصرّت على ختام الورشة، بمشاركة قوات الدعم السريع، والأطراف الدولية والإقليمية الراعية للعملية السياسية. والمشكلة أن تلك القوى المدنية ليست سوى 3 تنظيمات في قوى الحرية التغيير- المجلس المركزي بالعملية ومقاطعة بقية القوى حتى الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، وهذا مثل قلقا يتمدد في أوساط قوى إقليمية ودولية بأن العملية السياسية الجارية بشكلها الحالي عملية هشة. وبهذا الموقف الأناني خلقت قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي معارضة واسعة لحكومتها قبل ميلادها، برفضها تقديم تنازلات تقود إلى توافق وطني بسبب حرصها على السلطة. ولعل ما أغضب الدبابير في عشها التدخل الذي اعتبر سافرا في شؤون مؤسسة الجيش ليس من قبل الأطراف المدنية السياسية فحسب، وإنما من قبل أطراف أجنبية أو ما عرف بممثلي الآلية الثلاثية الدولية والتي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية لشرق إفريقيا (إيقاد). فضلا عن وقوف هذه الأطراف خلف قوات الدعم السريع في مماطلتها في تنفيذ خطة دمجها في الجيش القومي. ولعل تجاوز تنفيذ دمج هذه القوات في الجيش للفترة الانتقالية يعني وضع أسس للفوضى والانقسام وذهاب الدولة السودانية، فلم يعد الصراع بين الفرقاء المدنيين صراعا سياسيا، وإنما سيتهدد كيان الدولة واستقرارها بانفجار صراع مسلح بين الجيش وهذه القوات التي يستخدمها قائدها لتحقيق طموحات سياسية ومصالح اقتصادية. وقوات الدعم السريع في أساسها مليشيات وقوات غير نظامية استعان بها الرئيس السابق عمر البشير في قتال الحركات المسلحة في دارفور وليس هذا فحسب بل كان له غرض آخر وهو الاعتماد عليها حين بدأت تراوده الهواجس من انقلاب الجيش عليه يوما، ولذا مكّن لهذه القوات وأغدق عليها بالمال والتجهيزات العسكرية حتى غدت تنافس الجيش بل تسعى اليوم لوراثته وتفكيكه. بالعودة إلى نهايات تلك الورشة ومواقف كل من الطرفين، نجد إعلان الجيش إلتزامه بالعملية السياسية بشرط تنفيذ عملية دمج الدعم السريع والحركات المسلحة الأخرى وهذا موقف يبدو سليما ومنطقيا وينسجم مع مهمة الجيش في حماية البلاد من أخطار الانفلات الأمني والحرب الأهلية، وعلى مدى 67 عاما منذ استقلال البلاد عن بريطانيا، ظل الجيش السوداني أحد أهم عناصر الحفاظ على الدولة. بينما كان موقف قوات الدعم السريع الالتزام بالعملية السياسية مع إرجاء عملية الدمج وهذا أمر يعضد الشكوك في عدم اقتناع قادة هذه القوات بعملية الدمج التي من المؤكد أنها ستطيح بطموحات قادته الشخصية. لقد ارتكبت المكونات السياسية المدنية أخطاءً كثيرةً أهمها التدخل في شؤون مؤسسة الجيش، وإن كان ممكنا إصلاح الأخطاء الصغيرة في مهدها، إلا أنه يستعصىي إصلاح الكبير منها، وبينما يرتكب السياسيون الأخطاء، تدفع الشعوب ثمن هذه الأخطاء. أما ولوج العسكر في مستنقع السياسة يكاد يكون جزءاً لا يتجزأ من العملية السياسية في السودان منذ فجر الاستقلال. ومن أسباب تورط الجيش في السياسة محاولة حماية مصالح الجيش المؤسسية إن تهددها خطر تقليص الميزانية أو الإهمال أو وجود مليشيات منافسة، أو التدخل السياسي في شؤونه المهنية كما هو الحال اليوم. وتدخل القوى السياسية المدنية حاليا في لعبة الاستقطاب الخطرة ويحاول بعضها استخدام قوات الدعم السريع في صراعها مع مؤسسة الجيش القومي واللعب على المتناقضات. لكن عندما تزداد حالة الصراع والاستقطاب السياسي تتزايد فرص الانقلابات. وعليه فإن الحقيقة المرة أن تزايد الاستقطاب والصراع السياسي يسهم في انهيار الأنظمة سواء المدنية أو العسكرية. وقد يكون الجيش في دولة من الدول بمثابة جماعة ضغط في صناعة القرارات، وقد يتعدّى هذا الدور فرض النظام الذي يعتقد أنه مناسبا للدولة، عبر آلية الانقلاب العسكري. ومعلوم أن للجيش في افريقيا والعالم الثالث عموما دورا سياسيا لا يستطيع أحد التغاضي عنه. ولا مجال للحكم على دور الجيش هناك بمعيار وضعية جيوش العالم الأول في ظل ديمقراطيات عريقة. وعليه لا يمكن تصور حدوث أي تحول سياسي في العالم الثالث سواء من دكتاتورية الى ديمقراطية أو العكس، من ديمقراطية الى ديكتاتورية إلا بمساهمة وتدخل الجيش. ويتمتع الجيش السوداني بخبرة نادرة حيث ظل في وضعيه قتالية منذ (الحرب العالمية الثانية) ومعلوم أن طول حالة الحرب ينشئ خبرة تراكمية عالية وهذا ما لم يتوفر لجيوش أخرى هي أفضل تسليحا. وتتكون بنيته التحتية من قوة عسكرية ضخمة تتمثل في مصانع للمدرعات والآليات الثقيلة ومصانع للأسلحة والذخائر.
1038
| 01 أبريل 2023
ضج ليل العاصمة البريطانية لندن في أول ليالي شهر رمضان بحدث فريد وغير مسبوق، حيث أضيئت نحو 30 ألف مصباح في الشوارع احتفاء بحلول الشهر الكريم. وأنار الأضواء عمدة لندن، مشاركا نحو 1.3 مليون مسلم يعيشون في العاصمة البريطانية. ورغم أن البعض قد يعتبر ذلك خطوة تدخل في اطار الشكليات، غير أنها قد تكون مقدمة لخطوات مهمة أخرى أو على الأقل مؤشرا لتنامي تأثير المسلمين في بريطانيا وهو ما تجدر الاشادة به والتفاؤل به. ويعتبر المسلمون في بريطانيا ثاني اكبر جالية في البلاد، بيد أنها جالية ظلت تكابد حالة مخاض في انتظار تحقق معادلة بين الاندماج والتمايز في المجتمع البريطاني العريض. فالمسلمون يعانون من إشكالية الاندماج الثقافي والقيمي في بريطانيا، وكذلك تأثير الإسلاموفوبيا عليهم. غير أنه بدون شك فقد تمكنت الجالية المسلمة من تحقيق نجاحات مقدرة، مثل إقامة وممارسة الشعائر الإسلامة على طول البلاد وعرضها. ويبدو أن جانبا من الاندماج الثقافي والقيمي، تمثل في تقبل المجتمع البريطاني لكثير من العادات والقيم الاجتماعية. لكن البعض يجادل بأن العيش في مجتمع غير مسلم وتقبل القيم الإنسانية العامة أمر طبيعي، إلا أن الاشكالية عندما تُفرض على الأقليات قيم غير قيمهم الأصيلة بل قد تتعارض مع أحكام الدين. وفي ذات الوقت ينظر كثير من المهتمين بشأن تعايش المسلمين مع موطنهم الجديد، إلى أن الاندماج الاجتماعي وربما السياسي، فيه مصلحة لهم وقد يمكنهم ذلك من مواجهة صعود التيار اليميني أبرز المكونات البريطانية التي تمثل تهديدا للمسلمين. ويعتبر الحد الأدنى لمطالب الأقلية المسلمة، ألا يتم التعامل معها باعتبارها جماعة صغيرة، وإنما باعتبارهم أفرادا يتمتعون بالمساواة والمواطنة الكاملة، ولهم الحق في التعبير عن قيمهم وعاداتهم. ولربما يكون مسلمو بريطانيا هم الأكثر حظا من بين الاقليات المسلمة التي تعيش في الغرب؛ فعلى سبيل نجد فروقا جلية بالنسبة لقبول الرموز الإسلامية، كقبول ارتداء النساء للحجاب وحتى النقاب، وقد يعزى ذلك إلى أن بريطانيا على المستوى الرسمي تعتبر بلدا متدينا، وأن علاقة الدين بالدولة قوية. وتوجد في بريطانيا مدارس تابعة لكنيسة إنجلترا تمولها الدولة، ويجلس الأساقفة الأنجليكان في الغرفة العليا من البرلمان، ويعتبر الملك هو «المدافع عن الإيمان» والحاكم الأعلى للكنيسة. وكان تشارلز قد قال في مقابلة صحفية: «إنني أفضل أن يُنظر إلي كمدافع عن الإيمان، لأنني أدافع عن حرية أصحاب المعتقدات الآخرين في هذه البلاد في العبادة، ويبدو لي دائمًا أنه يمكنك في نفس الوقت الذي تعمل فيه على الدفاع عن الإيمان أن تكون حاميا لكل الأديان». ولعل المفارقة المدهشة هنا أنه على المستوى الشعبي هناك تزايد مطرد لغير المتدينين مما جعل الشعب البريطاني واحدا من أقل الشعوب تديناً، مما يشير إلى مدى الخلاف بين السكان والدولة وهذا هو الهامش الذي يحاول خصوم المسلمين استغلاله. ومع ذلك لا يبدو أن ذلك يشكل تهديدا للمسلمين، إذ أوردت صحيفة الغارديان البريطانية قبل سنوات، تقريرا عن المسلمين تضمن أن أقل من ثلث البريطانيين اعتبروا أن المسلمين يتسمون بالعنف مقابل 60% في إسبانيا و52% في ألمانيا و45% في الولايات المتحدة و41% في فرنسا. لقد سبق شهر رمضان بأيام قليلة الاحتفال بأول يوم عالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا الذي صادف الخامس عشر من مارس الحالي، وكانت الأمم المتحدة قد أقرته قبل عام، ليكون يوما يهدف إلى زيادة الوعي بتلك الظاهرة، التي غدت متنامية بصورة كبيرة خلال الأعوام الماضية، خاصة في المجتمعات الغربية. ومعلوم أن نسبة تصاعد «الإسلاموفوبيا»، كانت قد ارتفعت في بريطانيا ستة أضعاف إثر هجمات نيوزيلندا الإرهابية التي وقعت في مارس 2019. ويثير قلق المسلمين في بريطانيا عدم الاتفاق على تعريف موحد للإسلاموفوبيا الأمر الذي يفتح الباب أمام تعريفات رغائبية ويربط الإسلام بالإرهاب بشكل مباشر. وهذا على غير ما يدعو إليه قرار الأمم المتحدة الذي نص على إن «كره الإسلام أو كراهية الإسلام أو ما يعرف بـ الإسلاموفوبيا، هو الخوف من المسلمين والتحيز ضدهم، والتحامل عليهم، بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء، والتعصب بالتهديد وبالمضايقة، وبالإساءة وبالتحريض، وبالترهيب للمسلمين ولغير المسلمين، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت، وتستهدف تلك الكراهية،- بدافع من العداء المؤسسي والأيديولوجي والسياسي والديني الذي يتجاوز تلك الأطر إلى عنصرية بنيوية وثقافية - الرموز والعلامات الدالة على أن الفرد المستهدف مسلما». وسواء ظل مصطلح «الإسلاموفوبيا» كما هو أو تم تخفيف عبارته بعبارة «التحيز ضد المسلمين»، فإن إيجاد تعريف له باعتباره ظاهرة تهدد الأمن والسلم المجتمعي، أمر يكتسب أهمية كبيرة، كما هو الحال بالنسبة لمعاداة السامية عند الجالية اليهودية، الذي تم تبنيه من قبل الأحزاب السياسية والحكومة البريطانية. وهناك تعريف بدا مقبولا من قبل معظم الأحزاب البريطانية ما عدا حزب المحافظين الحاكم وحكومته. ويؤخذ على الحزب أن هناك العديد من مظاهر الإسلاموفوبيا لديه، حيث تم في وقت سابق تجميد عضوية بعض أعضائه، ومن أعضائه المتهمين ببث الكراهية ضد المسلمين، رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون الذي شبّه المرأة المنقبة «بلصوص البنوك». حتى إن مجلس مسلمي بريطانيا كان قد دعا إلى إجراء تحقيق رسمي بشأن ظاهرة الإسلاموفوبيا في صفوف حزب المحافظين، وقدّم المجلس إلى «لجنة المساواة وحقوق الإنسان» تقريرا يتضمن أدلة في أكثر من عشرين صفحة على العداء داخل الحزب ضد المسلمين.
963
| 25 مارس 2023
ظل مفهوم الأمن القومي منذ أن ظهرت على الوجود الدولة القومية بمفهومها الجيوسياسي المعاصر، متعلقا بحدودها الجغرافية وغالبا ما كانت تلك الحدود حدودا طبيعية، كالجبال والبحار والصحاري والغابات. ثم تطور المفهوم مع تشابك مصالح الدول وتقاطعها وعبورها للحدود، ليغدو المجال الأمني للدول متسعا يزيد مداه بعلاقة طردية كل ما زادت قوة وجبروت دولة من الدول. وبدت مصطلحات مثل الاحتواء والردع والتوازن عناوين بارزة في مثل هذه المقاربات بهدف تحقيق الأمن القومي. ولعل الانتشار الكثيف للأسلحة والتطور النوعي الذي شهده عالم اليوم، أدى إلى تعديلات في النظام الدفاعي للدول وكذلك ثوابتها التقليدية الموروثة. فلم يعد غريبا ذلك التشابك بين الأمن القومي ومفهوم القوة، لاسيما بعد بروز المدرسة الواقعية التي رسمت فكرة التنافس من أجل القوة في العلاقات الدولية، وبحيث يُنظر للأمن على أنه مشتق من القوة وأنه أداة لتعظيمها. لكن اليوم ومع الاندماج شبه الكامل والتداخل المعقد لاقتصاديات الدول وتشعب علاقات شعوبها عبر تكنولوجيا التواصل، غدت مقاربة الأمن القومي مختلفة تماما. بل أصبح من الضروري الحديث عن الأمن الدولي القائم على تحقيق توازن إستراتيجي يمنع انهيارا كاملا للمنظومة الدولية ويقتضي ذلك تحالفا أو على أقل تقدير، تعاونا من جانب دول العالم. وعلى مستوى المنطقة العربية، فلا شك أن هناك مسؤولية عربية مباشرة وكبيرة في كلّ ما يحدث من تداعيات خطيرة حبلى بالمؤشرات التي تصبّ في عملية إعادة تشكيل المنطقة تشكيلا يهدد أمنها واستقرارها وتقويض مصادر قوتها الثقافية والعسكرية والاقتصادية. لكن في ذات الوقت تقف الحكومات وقفة الصامت المتفرّج. ويشكّل العالم العربي إحدى المرايا العاكسة لعلاقات القوى والمتغيرات الهيكلية في النظام العالمي ككل، بالإضافة إلى أنه يمثل واحدا من المتغيرات فيه والتي لعبت أدوارا في تغييره ودفعه نحو آفاق جديدة. فعندما تتحدث المنطقة عن ثرواتها الهائلة الزراعية والحيوانية واحتياطياتها النفطية والغازية وتحكمها في الطرق البحرية الإستراتيجية وهذا صحيح، فقد تظن أن القوة الاقتصادية وحدها ضمان لأمنها واستقرارها. والحقائق تشير إلى أن الدول العربية تمتلك ما يصل لأكثر من 55 % من الاحتياطي العالمي للنفط، كما أن من دولها العشر الدول صاحبة الاحتياطي الأكبر للنفط، وتمتلك الدول العربية خمس دول تملك هذه الدول الخمسة ما يساوي نحو 713 مليار برميل من النفط مُشَكلة بها قوة وثروة معدنية هائلة. كما تحوز الدول العربية على أهم احتياطات الغاز الطبيعي، وهذا يتضح تماما من امتلاكها ما يزيد عن الربع في الاحتياطي العالمي، وطبقاً لإحصائيات التقارير التي قدمتها منظمة الأقطار العربية وهي الهيئة المختصة بتصدير البترول الأوبك في 2015، حيث بينت أن احتياطي الغاز الطبيعي في الدول العربية بلغ نحو 54.3 تريليون متر مكعب، أي ما يعادل نحو 28 % من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي. لكن مع ذلك يجب أن تتنبه دول المنطقة لأن هذه القوة الاقتصادية مرهونة ومرتبطة بالمنظومة الغربية وبدرجة أقل بالأنظمة الاقتصادية العالمية الأخرى كالصين وروسيا. بيد أن أي انهيار أو خلل في تلك الأنظمة يعني انهيارا أو اختلالا في أمن واستقرار المنطقة على الأقل من الناحية الاقتصادية. فيما تقتضي ديمومة الأمن والاستقرار المضي في السعي لأجل الاندماج الإقليمي، على شكل تعاون أمني واقتصادي يجعلها واحدة من أكبر وأهم الاقتصادات في العالم. وكل ذلك يفضي بها لأداء دور مؤثر في حلّ الصراعات الإقليمية، سيما وأن الشعوب العربية تعيش على مساحة واسعة، وتتمتع بروابط تاريخية، وتقليدية موحدة، وبالرغم من أنهم ينتشرون في 22 قُطراً مختلفاً، لكنهم جزء من أمةٍ واحدةٍ. وتحيط بدول المنطقة قوى إقليمية ذات تأثير سالب عليها إذا ما كانت هناك حالة عداء وتنافر، والعكس يكون صحيحا. غير أن كيانا واحدا لا تنطبق عليه هذه القاعدة وهو جولة الاحتلال الإسرائيل في فلسطين، فلا مجال إلا أن تصنف وبشكل إستراتيجي، عدوا يحذر مكره. لأنها في الأساس دولة مصطنعة تمثل رأس الرمح في استهداف المنطقة ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها جزءًا أصيلا من المنطقة. أما بقية القوى يمكن أن تحمل مشاريع حضارية وتعتبر الدول العربية شركاء في المنطقة لا خصوما، ويمكن أن يؤسس التاريخ المشترك لمستقبل تعاون قد يرقى لمستوى تجربة الاتحاد الأوروبي. فالرهان على مد جسور التعاون وإشاعة جو السلام، يبدو المخرج الوحيد والضمانة الوحيدة والراسخة لأمن واستقرار هذه المنطقة. ولعل من أقوى مهددات الأمن القومي للمنطقة العربية نزيف القوى البشرية وهجرة العقول. فهناك أرقام مفجعة وصادمة توردها المنظمات الدولية المعنية بالهجرة وحتى جامعة الدول العربية. فقد أشارت دراسة للجامعة العربية خلال السنوات الأخيرة إلى أن مجموع عدد الكفاءات العلمية العربية في الخارج يصل إلى أكثر من مليون كفاءة علمية. فهذه الأرقام المخيفة وكأنها تُحدّث عن عمليات «تفريغ» ممنهج من أهم موارد المنطقة على الإطلاق وهي الموارد البشرية، خاصة أصحاب الكفاءات والتخصصات النادرة. وتقف مهن الطب والتعليم والهندسة في أعلى سلم الهجرة، فلا يقل مقياس إدارة الموارد البشرية، وإدارة الاقتصاد، يعتمد على استثمار العقول. ففي السودان على سبيل المثال لا الحصر فإن هجرة الأطباء السنوية تصل إلى 5 آلاف طبيب. ويشير جهاز المغتربين إلى أن هجرة الأطباء تعتبر فقدا لرأس المال البشري للدولة. وفي خلال سنوات قليلة مضت أعلن الجهاز عن هجرة نحو 50 ألفاً من الكفاءات السودانية، من أساتذة الجامعات والأطباء والصيادلة والمهندسين والعمال المهرة، بدافع تحسين أوضاعهم المعيشية. وربما يقلل من ضخامة هذه الأرقام أن جزءًا من هذه الهجرة تكون في إطار دول المنطقة، غير أن الهجرة إلى الولايات المتحدة وأوروبا لا يستهان بها على الإطلاق.
1728
| 18 مارس 2023
تواصل حكومة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك مساعيها لتمرير مشروع قانون جديد تقول إنه يهدف إلى مكافحة ما تعتبره هجرة غير شرعية، ويأتي هذا التحرك من جانب الحكومة البريطانية بينما يزداد الجدل بشأن المعاملة غير الإنسانية التي تطبقها بريطانيا على المهاجرين مع تكشُّف الظروف البشعة التي يُحتجزون فيها ضمن مراكز اللجوء قبل ترحيلهم إلى رواندا. المدهش أن أكثر شخصين معنيين بتنفيذ هذه السياسة الفظة التي تعبر عن العقل الباطن لحزب المحافظين البريطاني اليميني، هما ريشي سوناك، رئيس الوزراء وسويلا برافرمان، وزيرة الداخلية، وهما من المهاجرين من ذوي الأصول الهندية. ولعل ذلك لم يكن صدفة وأمرا بريئا فهما أداتان لسياسة يتوارى منها من يطبخونها خلف الكواليس حتى تبدو بيدي لا بيد عمرو. وهكذا أعلن سوناك، أنه «مستعد للنضال» من أجل تطبيق القانون. يذكر أن أجداد سوناك كانوا قد هاجروا من ولاية البنجاب الهندية إلى شمال أفريقيا في بداية الأمر، ثم هاجر والداه إلى بريطانيا في ستينيات القرن الماضي. إن الحزن بمفارقة الأوطان سواد يرخي سُدوله على القلب، كما يغشى الليل الأرض كل مساء، فحينها يتوقف القلب عن النبض وهو أحوج لتلك الدقات القلائل لتقاوم انحدار الدموع. فبلاء هجر الأوطان فيه حزن ينقبض له القلب، ويعبس له الوجه وتنطفئ منه الروح ويتلاشى معه الأمل. ومع ذلك ليس حبُّ الأوطان مشاعر سلوك يقترب من حدود الشعر، فمن اضطر للهجرة لا يبحث عن تحرير نفسه من الظلم بل هو سعي لتحرير آخرين من أسرته. وكان من المتوقع أن تتعرض سياسة الحكومة البريطانية المثيرة للسخط والاشمئزاز بشأن ترحيل المهاجرين وطالبي اللجوء قسرا إلى إحدى الدول الأفريقية حتى يتم البتّ النهائي في أوضاعهم، لانتقادات عنيفة من منظمات حقوق الإنسان بشأن المعاملة غير الإنسانية التي يواجهها المهاجرون في مراكز اللجوء البريطانية. والمحافظون وحكومتهم التي تحاول صرف الأنظار عن الضائقة المعيشية بسبب الخروج غير المدروس من الاتحاد الأوروبي والتورط في الصراع الأوكراني الروسي، تحاول أن تصور اللاجئين والمهاجرين كما يصوّر الغول الخرافي في القصص الشعبية والحكايات الفلكلورية؛ فهو مخلوق بشع مخيف وفوبيا أسطورية. ومع أن الغول عند العرب أحد ثلاثة مستحيلات هي (الغول والعنقاء والخل الوفي)، غير أن لدى لندن قناعة راسخة بأن اللاجئين يمثلون غولا يستحق ضرب غرائب الإبل. فحكومة سوناك كأنما تردد كل يوم مقولة الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي وهو يخاطب أهل العراق في خطبته الشهيرة بالكوفة في أول ولايته عليهم قائلا: «أما والله لألوحونكم لحو العود، ولأعصبنكم عصب السلمة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل». وظل سوناك يتعهد بإنهاء ظاهرة وصول المهاجرين غير الشرعيين عبر القوارب الصغيرة، بيد أن منتقدين كُثرا، منهم وزراء سابقون في حزب المحافظين، قالوا إن مساعي سوناك محكوم عليها بالتوقف، لأن معارضيها سيطعَنون عليها في محاكم الاتحاد الأوروبي، ومن ثم فهو يستخدم القضية استخداماً دعائياً لمهاجمة خصومه من حزب العمال ضمن الدعاية الانتخابية العامة. وإذا ما تم إقرار مشروع القانون الجديد، فإن كل من يصل من اللاجئين على متن القوارب الصغيرة سيكون طلب لجوئه مرفوضاً على نحو تلقائي، ولن تنظر وزارة الداخلية أيضاً في طلبات اللاجئين القادمين من بلاد تلتهمها الحروب، مثل أفغانستان وسوريا، أو اللاجئين بدعوى التعرض للاضطهاد. وذكرت تقارير صحفية أن نصف من عبروا القناة العام الماضي جاءوا من أفغانستان أو إريتريا أو إيران أو السودان أو سوريا. ولم تتمكن وزيرة الداخلية الثلاثاء الماضي من تأكيد ما إذا كان مشروع القانون متوافقاً مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، أم لا. بل اعترفت بأن نسبة عدم توافق التشريع مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان أكثر من 50 %. ويقول قانونيون إن الحق في الحياة الأسرية ضمن المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية، أحد أبرز الحقوق التي يتوقع أن يتضمن مشروع قانون حكومة سوناك تعارضاً معها، وإن كان المشروع قد يثير النزاع بشأن بنود أخرى في الاتفاقية الأوروبية مثل حظر المعاملة المهينة واللاإنسانية كما في المادة 3. وقالت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن قانون اللجوء الذي اقترحته الحكومة البريطانية «مقلق للغاية»، ومن شأنه أن يمنع حتى أولئك الذين لديهم طلبات مقنعة. ووصفت ممثلة المفوضية في بريطانيا، الإجراء البريطاني بأنه سينتهك القانون الدولي، وليس هناك حاجة لوقف عبور القناة. ويسعى سوناك لإشراك فرنسا لمساعدته في سياسته الجديدة واعتبر عشية مشاركته مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أول قمة فرنسية بريطانية منذ 2018، وبعد سنوات من التوتر، أن من «الضروري» وجود «شراكة وثيقة» مع فرنسا. وركز سوناك نقاشه على تعزيز شراكة لمواجهة التحديات المشتركة، خصوصاً إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية. لقد قفزت مشكلة اللجوء إلى قمة أجندة المشاكل الدولية المزمنة خلال السنوات العشر الأخيرة، وضاقت أوروبا بها ذرعا وطفقت تلتمس الحلول بكل السبل الميكافيلية وفي أي مكان وبأي وسيلة وطريقة. ولم يعد المشكل كما كان في السابق مجرد ترف تنشغل به الحكومات والمنظمات الطوعية لإظهار «إنسانية» العالم المتحضر، وللتعويض النفسي جراء الشعور بالتقصير تجاه عالم استعمروه سنين عجافا، ويسمى ثالثاً ونكبوه بالحروب والأزمات السياسية وصولا لتحقيق مصالهم الخاصة. اليوم طوفان موجات اللجوء نحو أوروبا يؤرّق حكوماتها ويؤزها أزا، وبلغ مستوى لم يبلغه منذ الحرب العالمية الثانية. وبدلا من تقديم المساعدة والعون للاجئين الفارين إلى أوروبا من جحيم الحروب، اتخذت أوروبا سياسات طرد ميكافيلية وقاسية. فالميكافيلية في الأصل ثقافة أوروبية من لدن نيكولو دي برناردو دي ماكيافيلّي المفكر والفيلسوف السياسي الإيطالي (1469 - 1527) إبان ما عرف بعصر النهضة. فهو المؤسس للتنظير السياسي الواقعي وتلك لعمري تسمية مخففة لسياسة «الغاية تبرر الوسيلة».
1728
| 11 مارس 2023
بعد 3 سنوات عجاف من خروج بريطانيا من منظومة الاتحاد الأوروبي، والمعروف بـ»بريكست»، تصاعدت صرخات الندم داخل بريطانيا بعد وصول اقتصاد البلاد لأسوأ حالاته منذ القرن الماضي، لكن ولات ساعة مندم. وأعلنت مؤسسات دولية وحكومية بريطانية، أن اقتصاد بريطانيا أصبح الأسوأ بين دول مجموعة «العشرين». وأضافت تلك المؤسسات الموثوقة بأن التراجع الذي داهم الاقتصاد البريطاني وأصابه في مقتل، ليس بسبب أزمة كورونا ولا الحرب الأوكرانية، ولكن خسائر بريطانيا نتيجة «البريكست» وهي خسائر أقل بكثير من خسائر الاتحاد الأوروبي. فمنذ أشهر تسجل بريطانيا تضخماً تجاوز 10% وتحركات اجتماعية وإضرابات عمالية غير مسبوقة منذ 10 سنوات خصوصاً في التعليم والنقل العام وحتى منسوبي الجوازات والحدود. اليوم تكشّف للبريطانيين أن نظر حزب المحافظين الحاكم كان قصيراً، حينما وضع الحزب كل بيضه في سلة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ فرهن مستقبل بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي باتفاق تجاري بين بريطانيا والولايات المتحدة على حساب اتفاق خروج آمن وسلس ومجزٍ لكل الأطراف من الاتحاد الأوروبي. وكانت لندن تقترب من صفقة تجارية مع إدارة ترامب السابقة، وقد كان الخصم الشرس للاتحاد الأوروبي وأراد ترامب بهذا الاتفاق أن يحرج الاتحاد الأوروبي ويضعف موقفه التفاوضي مع بريطانيا. غير أن رياح التغيير السياسي في الولايات المتحدة وانتخاب جون بايدن بعد فوزه على ترامب، جاءت بما لا تشتهي سفن حزب المحافظين الذي خطط ودبّر لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد 47 عاماً من العضوية الملتزمة والمؤثرة. وبالفعل نقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن الرئيس جون بايدن أنه لن يوقع أي اتفاقيات جديدة حتى تصبح الولايات المتحدة أكثر تنافسية. وقد كلف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الاقتصاد البريطاني نحو 124 مليار دولار سنويًا، مع آثار تمتد لكل شيء من الاستثمار التجاري إلى قدرة الشركات على توظيف العمال. وبلغ من تشدد رئيس الوزراء البريطاني ورئيس حزب المحافظين الأسبق بوريس جونسون أن أقسم ليتمنّ الخروج من الاتحاد الأوروبي باتفاق أو بغير اتفاق دون تقدير حكيم للعواقب الكارثية بسبب ذلك. بيد أن اتفاقا تمّ إلا أنه مع ذلك لم تسلم بريطانيا من العنت والكبد الذي تعيشه هذه الأيام. وكان خيار مغادرة الاتحاد الأوروبي قد أحدث جدلاً وانقساماً كبيرين في المجتمع البريطاني، إذ صوتت كل من اسكتلندا، وأيرلندا الشمالية على البقاء في الاتحاد الأوروبي. وربح مؤيدو الخروج في 2016 بفارق ضئيل بحجة أن مغادرة الاتحاد ستعيد سيطرة بريطانيا على حدودها. ولعل نسبة كبيرة من المصوتين لصالح البريكست كانوا قد تم تضليلهم بحملات سياسية دعائية بمعلومات تؤكد أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سينعش الاقتصاد البريطاني لكن العكس تماما هو ما حصل. وفي نشوة الانتصار الكاذب بتحقيق البريكست، قال جونسون حينها: «إن بريطانيا ستعيد اكتشاف العضلات التي لم نستخدمها منذ عقود». وظل حزب المحافظين يعزف للبريطانيين على إسطوانة أن الاتحاد الأوروبي لم يعد يتماشى مع أحلام البريطانيين، ويؤكد حتمية الانفصال، ويرى أن مستقبل بريطانيا سيكون أفضل بعد البريكست. لكن هناك قائمة ممتدة لرؤساء الوزراء البريطانيين من حزب المحافظين انتهى مشوارهم السياسي بسبب العقدة الأوروبية والجدل حول استمرار بريطانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي؛ والقائمة ضمت ليزا تراس، بوريس جونسون، تريزا ماي، دافيد كاميرون، جون ميجير، ومارغريت ثاتشر. وها هو ريتشي سوناك رئيس الوزراء الحالي وزعيم حزب المحافظين يصارع أمواج البريكست العاتية، لكن يبدو أنه أول من استوعب الدرس من أسلافه، حيث أقدم على أول خطوة في طريق التراجع. فبعد أكثر من عامين عقد سوناك اتفاقاً جديداً الأسبوع الماضي، بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بشأن أيرلندا الشمالية – وهي جزء لا يتجزأ من المملكة المتحدة - والتبادل التجاري بينها وبين الاتحاد. والاتفاق يمنع وضع قيود على الحدود بين أيرلندا والاتحاد الأوروبي عبر أيرلندا الجنوبية وهي المنطقة البريطانية الوحيدة التي لها حدود برية مع الاتحاد الأوروبي، كما قضى مشروع البريكست بذلك من قبل. ويشير ذلك إلى أن اتفاق البريكست اربك بريطانيا كثيراً وتضمن التزامات لم تستطع الإيفاء بها مثل رسوم القيمة المضافة على بضائعها المصدرة للاتحاد الأوروبي. وتعمد سوناك أن يغير سياسة سابقه جونسون، فاتبع سياسة تصالحية مع الاتحاد عوضاً عن سياسته الهجومية بل والمتعالية. ويأمل سوناك في أن تعيد هذه الصفقة الخارقة ترتيبات التجارة في أيرلندا الشمالية وإعادة ضبط العلاقة الشائكة في كثير من الأحيان بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأن تكون الخطوة الأولى لإصلاح بعض الأضرار التي ألحقها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي باقتصاد المملكة المتحدة. وهذه الصفقة أو الاتفاق تم تصميمه بشكل رئيسي للسماح لأيرلندا الشمالية، وهي جزء من المملكة المتحدة، بالبقاء داخل السوق الأوروبية الضخمة حتى تتمكن من تداول السلع بحرية عبر حدودها البرية مع جمهورية أيرلندا الجنوبية، العضو في الاتحاد الأوروبي. وتقول الإحصاءات إن التبادل التجاري بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، كان كبيراً جداً، حيث بلغت صادرات بريطانيا للاتحاد نحو 274 مليار جنيه إسترليني، وهذا يمثل نحو 44 % من صادرات بريطانيا، بينما تبلغ وارداتها من الاتحاد نحو 341 مليار جنيه استرليني أي نحو 53% من الواردات البريطانية، ويقوم هذا التبادل الضخم بصورة أساسية على الميزات التي كانت تتمتع بها بريطانيا بسبب عضويتها في الاتحاد، ولذا تأتي أهمية اتفاق الخروج لكونه يوفر بديلاً لبريطانيا عقب خروجها النهائي.
2337
| 04 مارس 2023
استكملت الأزمة السودانية شروط حالة الانفجار المدمر، بعد أن أضحى الصراع بين الجنرالين على المكشوف وتصاعدت حرب التصريحات بينهما لأعلى درجة، فالحرب أولها كلام. ولا يبدو حتى الآن في الأفق المكفهر أي محاولات جادة لنزع الفتيل، والفتيل - أو الشعال - في مجال المتفجرات هو الجزء المسؤول عن إيصال الشرارة إلى الذخيرة. ليس بين الرجلين أجسام قوية قادرة على منع الاحتكاك بينهما، وعندما نقول الرجلان فإننا نختزل القوتين العسكريتين اللتين تحت إمرتهما، فالقوى المدنية نسمع ضجيج طحينها ولا نرى طحينها، فهي غير مؤهلة للقيام بدور نزع الفتيل، هذا إن لم يكن بعضها يدفع الرجلين للصدام. فموقع القوة المدنية من إعراب الحالة السودانية لا محل لها من الإعراب وفي أحسن الأحوال تمثل علامة السكون. فالإعراب له علامات أربع هي الضمة والفتحة والكسرة ثم السكون. لعل أكبر أخطاء الجنرال محمد حمدان المشهور بحميدتي قائد قوات الدعم السريع والذي ينازع قائد الجيش السوداني السيطرة على الأوضاع في البلاد، والتي اعترف بها، ليس المشاركة في ما اعتبره انقلابا على عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السابق وإنما المعضلة كانت دائما في خطابه السياسي الذي يعتبر الأكثر إرباكا للساحة السياسية السودانية والذي بقيت شظاياه الحارقة تنتاش استقرار وأمن البلاد لا سيما النسيج الاجتماعي الواهن. المدهش في ما وصفه بالانقلاب في 25 أكتوبر 2021، أن الاعتراف يستوجب المحاكمة على اعتبار أن السلطة الحالية، وهو جزء منها، تحاكم اليوم الرئيس السابق عمر البشير على انقلابه على رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي قبل ثلاثين عاما ونيف. فلو أن الندم كافٍ لإسقاط (الجرم)، فمن حق البشير أن يعطوه هذه الفرصة باعتبار ذلك نوعا من العدالة التي تنتحب اليوم وتبكي جراء انتهاك أسسها وموجباتها. ويفتقر الجنرال حميدتي للخبرة السياسية فضلا عن العسكرية وقد وجد نفسه بشكل مفاجئ على قمة هرم السلطة في البلاد. هذه الظروف التي أحاطت بالرجل جعلت منه أداة طيعة في أيدي الآخرين لاسيما خارجيا. ودق حميدتي بموقفه الأخير من قائد الجيش آخر مسمار في نعش ما عرف بالاتفاق السياسي الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر الماضي. وسبق لحميدتي أن قال معرضا بقائد الجيش، إنه لو كان الرئيس السوداني الأسبق، جعفر نميري، حيا لسلّم إليه السلطة لأنه كان قويا ومسيطرا تماما على الأمور!. وهناك من تساءل حينها عمن يحق له أن يمتلك السلطة ومن يحق له أن يسلمها لمن يشاء؟!. وإلى أبعد من ذلك اتهم حميدتي الأجهزة الأمنية التي تحسب على سلطات خصمه الجنرال عبد الفتاح البرهان بالتواطؤ مع العصابات التي تنهب وتعتدي على المواطنين. وفي نظر البعض أن حميدتي ظل يحاول الهروب إلى الأمام من تهمة تورط قواته في أحداث دامية في دارفور وجنوب كردفان فضلا عن اتهامها بفض اعتصام القيادة العامة الشهير في يونيو 2019. ومعلوم قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي ظلت محل انتقاد من جانب عسكريين مهنيين وكذلك من جانب أطراف سياسية وشعبية بسبب تجاوزات أفرادها، ونفوذها الطاغي، الذي بات يهدد استقرار البلاد. ولعل أسوأ ما في الأزمة أن الخلاف بين الرجلين قد يتعداهما إلى خلاف بين الجيش الوطني والدعم السريع وهنا مكمن الخطر، فحتى لو ذهب الرجلان فإن الخطر سيظل قائما ما لم تندمج قوات الدعم السريع في الجيش تحت قيادة واحدة، وإلا فإن تطور الصراع بين الطرفين قد يدفع بأطراف خارجية للتدخل. وربما الذي أثار حفيظة حميدتي تصريحات للبرهان ربط فيها بين دمج قوات الدعم السريع في الجيش وبين المضي قدما في تنفيذ الاتفاق الإطاري. وعزا موافقة الجيش على الاتفاق الإطاري لتضمنه بندا مهما جدا يهم العسكريين، وهو دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وأعتبر ذلك هو الفيصل بينهم وبين الحل الجاري الآن. سياسيا يرى حميدتي التركيز على المضي قدما في الاتفاق الإطاري وعزل قوى سياسية أخرى وهو رأي المجموعة السياسة التي تحالف معها مؤخرا وهي قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بعد انشقاقها لمجموعتين. غير أن البرهان يرى ضرورة التمهل حتى يتم جمع بقية القوى السياسية حول الاتفاق السياسي. وحتى إذا اتفق الرجلان حول هذا الاتفاق وهو أمر مستبعد، فإنه لا يبدو حلا سحريا للأزمة التي تمسك بتلابيب البلاد، إذ إن أطرافه غير معنية بإنهاء الفترة الانتقالية وإقامة انتخابات وتحقيق العدالة. بيد أن الذي يدور ليس أكثر من نزاع بين مجموعات سياسية وحزبية متهافتة على تقاسم السلطة، والاستئثار بها فهي سلطة سهلة لم تأت بانتخابات وتفويض شعبي. ويبدو أن البرهان يستند في حربه مع حميدتي إلى مرتكزين أساسيين: الأول الجيش الوطني باعتباره المؤسسة القومية الوحيدة وصاحبة الرصيد النضالي وعلاقاتها الخارجية باعتبارها قوات مهنية وذات انضباط عالي المستوى. كما أن البرهان يرتكز في الدعم الخارجي لا سيما الأمريكي في قيادته لسياسة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي. وهذا لا يعني أن حميدتي ضد التطبيع بل كثيرا ما يرسل رسائل الغزل لإسرائيل، لكن حميدتي وقواته لا يتمتعون بثقة الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها قواتا لها ماضٍ يصعب تسويقها معه. لكن سبق بأنّ مسؤولين بالجهاز الاستخباراتي الإسرائيلي، بحميدتي في الخرطوم في 2021. وعزز ذلك اللقاء الهواجس بأنّ حميدتي يعمل على إقامة علاقات مستقلة مع الإسرائيليين من أجل تنفيذ أجندته السياسية الخاصة داخل السودان كما يفعل خصمه البرهان. السؤال ماذا لو وصلت قيادة الجيش إلى قناعة بأن قوات الدعم السريع غدت مهددا حقيقيا لأمن واستقرار الدولة السودانية، ومن مهام الجيش ذات الأولوية الكبرى الحفاظ على أمن واستقرار البلاد؟.
3237
| 25 فبراير 2023
غالب من يرفعون راية وسائل التواصل الاجتماعي ويروجون لها، هم أصحاب الأعمال وكبريات الشركات وقد نضيف إليهم مروجي المخدرات والإباحية. لقد أصبح هذا الغول غاصبا لفكرنا وانتباهنا، وقد ورطنا في عالم افتراضي يموج فضاؤه بصراعات الشركات وإعلاناتها، وبصدام الأيدلوجيات ودعاياتها السوداء، وفوق كل ذلك فضاءٌ تسرح وتمرح فيه شياطين الإنس مبشرة بكل ما هو هادم للقيم، تروج بضاعة مزجاة قوامها الربح الفاحش والآثم فضلا عن الجنس والمخدرات. ويساهم إقبال الناس على تداول الأخبار ومشاركتها دون تدقيق أثناء الأزمات والكوارث في انتشار الأخبار الكاذبة والإشاعات على وسائل التواصل الاجتماعي أسرع بـ6 مرات من الأخبار الصحيحة، حسب دراسة أجراها معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة في العام 2018. لقد أضحت حياتنا المتسارعة وواقعنا الراهن مرهونين بما تنقله وتتداوله وتؤثر به وسائل التواصل الحالية ولدرجة تصل إلى حالة البلبلة أو التشوش أو الاضطراب الفكري والسلوكي في بعض الأحوال. وتجدر الإشارة هنا إلى ما نقلت مجلة فوربس الأمريكية ذات الصيت عن المؤلف المختص إريك كوالمان قوله: «الناس مولعون بوسائل الإعلام الاجتماعي وأن يدور حول الإنصات أولاً، ثم البيع». واختير كوالمان باعتباره أكثر مؤلف يحظى بجماهيرية بعد مؤلف سلسلة هاري بورتر، وصنف من بين أكثر مائة شخص مؤثرين في مجال وسائل التواصل الاجتماعي. ولعل هذا الرجل الذي اعتبر حجة في هذا المجال، ليس متخصصا في مجال الإعلام والاتصال وإنما هو من أبرز الأساتذة الجامعيين في التسويق وحاصل على ماجستير في إدارة الأعمال، إذن فالرجل ينظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي من منظور تجاري رأسمالي بحت، فلا تهمه تأثيرات وسائل التواصل في القيم والأخلاق ولا هو صاحب اختصاص أكاديمي وفلسفي في سوق الاتصال والإعلام. ووصف أحد المتحمسين له ومن كبار رجال الأعمال كتابا أصدره كوالمان بأنه السبيل لتحقيق النجاح في وسائل الإعلام الاجتماعي هو الفعل وليس التروي. إن غول السوشيال ميديا وحش له عشرات وربما مئات الأنياب والمخالب ولا يمكن حصرها في منصات وتطبيقات مثل تويتر وفيسبوك وتلغرام وإنستغرام وسناب شات وتك توك وواتساب فحسب، وإنما هي أكثر من ذلك. ومن سلبيات التواصل الاجتماعي أنها تحد كثيرا من عملية الاتصال المباشر بين أفراد المجتمع، ولا يمنع ذلك من اكتساب مهارات التواصل المباشر، بل يقتصر تواصل المشاعر بين الأفراد على استخدام رموز وصور للتعبير، فتتبلد المشاعر وتكبر الشقوق الاجتماعية وتصبح أخاديد عظمى، فيقف المجتمع على جرف هار من التفكك والانهيار. أما عن إشاعتها الخمول والكسل فحدث ولا حرج، فقد تم استبدال الزيارات العائلية والمقابلات والنزهات بالحديث عبر الشاشات دون حركة. وترتب على ذلك كذلك زيادة معدلات الإصابة بالسمنة نتيجة للجلوس لفترات طويلة. وأصبحنا نلاحظ انشغال كل فرد من أفراد العائلة بما في ذلك الأبوان بهاتفه المحمول يتحدث مع الغرباء ويندمج في عالمه الافتراضي، مما يعزله عن أسرته فتضعف وشائج العلاقات الأسرية. وعبر غول وسائل التواصل الاجتماعي تعرضت الخصوصيات للانتهاك، حيث يتدخل البعض في حياة الآخرين ويبحث عن عيوبهم وأسرارهم. ولعل أهم فئات المجتمع وهم الشباب والأطفال والمراهقون كانوا أكثر الفئات التي تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي فأصابتهم الكثير من الآثار السلبية، سواء عبر ظاهرة التنمر على الآخرين. وللتعليم والدراسة نصيب وافر من أذى هذا الغول، حيث ينشغل النشء في متابعة وتصفح هذه الوسائل ويهمل دراسته ويفقد تركيزه، ويعاني من تشتت الانتباه بين الدراسة والواجبات الدينية والمجتمعية. ليس هذا فحسب فمن أخطر الآثار السلبية ما أنتجته هذه الوسائل من تعددية في الأطر المرجعية للقيم والسلوك، هذه الأطر التي يحكم بها الفرد على سلوكه بالقبول أو ضده، فمن أحادية الإطار - الأسرة والمجتمع المحلي - إلى تعددية الأطر - العالمية - ونتيجة لذلك لم يعد معيار القبول والرفض والخطأ والصحيح للسلوك واضحا لدى الشباب، حيث قد يقوم شاب بسلوك يستهجن من قبل مجتمعه المحلي، إلا أنَّه يلقى له صدى وقبولا وتأييدا لدى أطر أو مرجعية أخرى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. فلا غرو حين يقول هاري جيه جولد الرئيس التنفيذي لشركة أوفر رايد إنتراكتيف الأمريكية «نحن نعيش في عالم يعد فيه التواصل مع مستهلك بضائعك حيويا، فنموذج تواصل الفرد مع المجموعة راح لحال سبيله. ويقول آخر وهو رئيس تنفيذي في شركة كبرى: «إن المعلومات التي يقدمها كوالمان حول وسائل التواصل الاجتماعي لا غنى عنها للشركات والأفراد. فلابد من أن يطبق كل شخص وكل شركة إستراتيجية هذا الكتاب»، وهو الكتاب الذي أشرنا له ويعظم فيه الكتاب (كوالمان) أهمية وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها مكسبا تجاريا وشبكة يصطاد عبر المستهلكين من رواد هذه المنصات والتطبيقات. ويذكر كتاب كوالمان أن شركة فورد للسيارات قامت بإعطاء 100 سيارة فيستا مصنعة بمواصفات عالمية للمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي من أصحاب العدد الكبير من المتابعين، فخلال ستة أشهر كانت هناك نتائج مذهلة. فقد جعلوا هؤلاء المؤثرين يفعلون ما يقومون به في العادة من إرسال تغريدات وكتابة مدونات، وإرسال مقاطع فيديو وصور، وإخبار كل ما وجدوه من تجربة امتلاك تلك السيارة. والنتيجة أن أكثر من 7 ملايين مشاهدة لمقاطع فيديوهاتهم على اليوتيوب، و750 ألف مشاهدة لصورهم على أحد التطبيقات، وأكثر من 125 ألف شخص صوتوا على موقع فورد. فتسابق نحو 11 ألف زبون جديد لشراء ذلك الموديل. فقررت فورد تعديل ميزانية التسويق بحيث تم تخصيص 25 % منها لوسائل التواصل الاجتماعي صائدة الزبائن. وفي 2014 وللمرة الأولى لم تبث كوكاكولا إعلانات في مباريات كرة القدم الأمريكية النهائية حتى توفر هذه الملايين لطرح إعلانات في وسائل التواصل الاجتماعي. ووجدت دراسة أجرتها شركة أبحاث جوبيتر الأمريكية في 2009 أن 50 % من مستخدمي الإنترنت قاموا باستشارة مواقع التواصل الاجتماعي قبل شراء شيء.
996
| 18 فبراير 2023
ربما بدت كارثة الزلزال الذي ضرب مناطق شاسعة في تركيا وسوريا أفدح خسائر في الأرواح والممتلكات من كارثة الحرب في أوكرانيا التي مضى عليها عام كامل. في لمحة بصر قضى الزلزال على نحو 21 ألف شخص وتدمير مئات الآلاف من المباني السكنية والمؤسسات العامة بينما أصبح عشرات الملايين بغير مأوى، حتى أن منظمة الصحة العالمية حذرت من أن كارثة إنسانية أخرى قد تقع ما لم يحصل الناجون على مأوى وغذاء وماء ودواء على وجه السرعة. إن الزلازل والفيضانات ظواهر طبيعية بيد أن الحروب أخطاء بشرية بحتة. والصورة المقلوبة في عالم اليوم، يتم تجييش الرأي العام محليا ودوليا لحشد الموارد المادية والبشرية وقودا لهذه الحرب العبثية، بينما مثل هذه الكوارث لا تعير اهتماما وحشدا للرأي العام إلا بقدر حفظ ماء وممارسة العلاقات العامة. وفيما تركيا تتمتع بنظام سياسي مستقر واقتصاد قوي، فإن سوريا وشعبها تمعن الكارثة فيهم آلاما فوق طاقة البشر. وتجاوزت تركيا من قبل بنجاج آثار زلزال مشابه ضرب شمال غربي البلاد في العام 1999 والذي كان قد أسفر عن سقوط 17,000 قتيل. أما هذا الزلزال فيعدّ أحد أكثر الكوارث الطبيعية دويا في القرن الجديد. وتمارس أجهزة الإعلام ومراكز اتخاذ القرار في جزء من العالم مجموعة الضغوط والأحكام على الجماهير لتوجيه قوة الرأي العام نحو وجهة بعينها، ليسير عبر الجماهير، ثم تتشكّل عنه طاقة لها فعالية في عمليات التغيير السياسي. ويعتبر الرأي العام قوة ذات أثر كبير في حياة الناس اليومية. فهو الذي يبني الشهرة ويهدمها، ويؤازر هيئات الخدمة العامة ويضع القوانين ويلغيها، كما هو الذي يرعى التقاليد الاجتماعية والمبادئ الأخلاقية أو يتنكر لها، وينفخ في الروح المعنوية أو يُثبّطها. وليس غريباً أن يوصف بأنه أكبر قوة عرفها البشر طوال تاريخهم الطويل، وأنه يمثل الإرادة الواحدة للجماعة الإنسانية. ويمثّل أيضا القوة المعنوية التي تتحقق بها الأهداف المشتركة لكل جماعة منها. وإذا تحولت هذه القوة المعنوية إلى قوةٍ ماديةٍ في ظروف معينة، أصبحت كالطوفان، واكتسحت أمامها كل شيء ولم تبالِ بأي شيء. وكون الرأي العام نتاج جمعي، فهو ييسّر تنسيق العمل الذي لا يشترط أن يقوم على الإجماع، أي أن الرأي العام يتجه دائما نحو اتخاذ قرار رغم أنه لا يتسم بالإجماع. وللرأي العام خصائص كثيرة تُعيي مراكز القرار والإعلام الذي يدور في فلكهم؛ فهو ظاهرة متغيرة فالناس عادة لا يثبتون على حال واحدة. من هذه الخصائص التبرير فالفرد قد يجنح لتبرير سلوك معين بأسباب منطقية يقبلها العقل مع أن أسبابه الحقيقية انفعالية. أما خاصية التعويض تتبدى عندما يكون حظ الدولة صغيرة من التقدم محدودا، فإنها تلجأ على لسان النخبة أو القيادة إلى تعويض هذا النقص بإبراز صفات أخرى كالتاريخ. ومن خصائص الرأي العام كذلك، ما يعرف بالتقمّص أو التماثل؛ فإسرائيل تحاول تقمص شخصية الولايات المتحدة الأمريكية وتعتبر نفسها قاعدتها المتقدمة في المنطقة العربية. إذن لا يوجد ما يمكن أن نسميه رأيا عاما ثابتا دائما، لأن من شروط الرأي العام أن يكون ناتجا عن حركة ديناميكية، وإلا تحول إلى عقيدة أو قيمة أو عادة. كما يجب ألا يتم الخلط بين الرأي العام الذي سِمته عدم الاستمرار، وبين العادات والتقاليد التي لها صفة الدوام والثبات والاستقرار. ويرى الفلاسفة وعلماء السّياسة، أن العادات قواعد اجتماعية تكونت على مر الزمن واكتسبت احترام الرأي العام وتقديسه. وهناك فارق بين التقاليد والعادات والرأي؛ فالعادات أكثر ثباتا من الرأي وأرسخ منه. ومع افتراض أن بعض الناس تعودوا تناول اللحوم كل يوم فهذا لا يعد اتجاها لأنه ليس اتجاها نحو مشكلة، أما إذا فرض واختفت اللحوم من السوق أو ارتفع ثمنها، أي وجدت مشكلة، فهنا يظهر الرأي العام، وحين تحل المشكلة يزول الرأي العام. ويمكن لإنسان ما أن يحمل، بكل صدق، رأيين مختلفين جداً، أو متناقضين أحياناً حول الموضوع نفسه، وذلك حسب إبدائه لهذا الرأي باعتباره عضواً في مجموعة اجتماعية أو بصفة شخصية. ولكن الآراء المتعارضة لا تعيش في نفس الفرد إلا من خلال ضغط المجموعات الاجتماعية المتنوعة التي ينتمي إليها. فمعظم الناس يحرصون، قبل كل شيء على «التناغم» مع الآخرين، ونادراً ما يجرؤون على تعكير الانسجام المهيمن عليهم بطرح فكرة مضادة للفكرة العامة السائدة. يقول الصحفي الأمريكي وولتر ليبمان 1899م في كتابه: الرأي العام، إن كل رأي يقوم على ما أسماه بـ «القالب المصبوب» وعُني بذلك أن عقول الناس كأنما تصب في قوالب، فهذه العقول لا تنتج إلا نفس الآراء العامة المصبوبة فيها. وذلك مثل الاعتقاد المسبق بأن الصباح يكون ندياً، أو أن الفتاة العذراء خجولة، أو أن القسيس يكون رجلاً قديساً، أو أن كل رجل إنجليزي مفتقر إلى روح الفكاهة والدعابة. وتظل هذه الأحكام قائمة طيلة الوقت دون تمحيص أو فحص. ويتكون الرأي العام عبر خمس مراحل، أولها إدراك المشكلة ولوسائل الإعلام دور مهم في هذه المرحلة في إثارة الاهتمام بالمشكلة. أما المرحلة الثانية فتعرف بمرحلة المناقشة الاستطلاعية وتعدد الآراء، حيث تظهر وجهات النظر المختلفة في تصور المشكلة وحلولها. وتسمى المرحلة الثالثة بمرحلة الصراع حيث يبدأ الصراع – ضمن عمليات المناقشة – بالأفراد وينتهي بالقوى الاجتماعية القائمة، فيصبح صراعاً فئوياً أو طبقياً. وتعرف المرحلة الرابعة بمرحلة البلورة والتركيز حيث تؤدي عملية الصراع إلى وضوح الأبعاد والمفاهيم فتبدأ وجهات النظر في الالتقاء والتقارب. أما المرحلة الخامسة فتعرف بمرحلة الرضا والاتفاق والانقضاء، مع استبعاد الآراء المتطرفة والوصول إلى الحلول الوسط بالنسبة إلى بعض النقاط، فيصبح هناك رأي يحوز على رضا الأغلبية وقبولها.
2505
| 11 فبراير 2023
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4602
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
3402
| 29 سبتمبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...
1437
| 05 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
1119
| 02 أكتوبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1059
| 29 سبتمبر 2025
منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...
885
| 30 سبتمبر 2025
في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...
852
| 30 سبتمبر 2025
لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...
768
| 03 أكتوبر 2025
كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...
750
| 02 أكتوبر 2025
في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...
633
| 30 سبتمبر 2025
كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع...
624
| 30 سبتمبر 2025
في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...
621
| 05 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل