رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
غالب من يرفعون راية وسائل التواصل الاجتماعي ويروجون لها، هم أصحاب الأعمال وكبريات الشركات وقد نضيف إليهم مروجي المخدرات والإباحية. لقد أصبح هذا الغول غاصبا لفكرنا وانتباهنا، وقد ورطنا في عالم افتراضي يموج فضاؤه بصراعات الشركات وإعلاناتها، وبصدام الأيدلوجيات ودعاياتها السوداء، وفوق كل ذلك فضاءٌ تسرح وتمرح فيه شياطين الإنس مبشرة بكل ما هو هادم للقيم، تروج بضاعة مزجاة قوامها الربح الفاحش والآثم فضلا عن الجنس والمخدرات. ويساهم إقبال الناس على تداول الأخبار ومشاركتها دون تدقيق أثناء الأزمات والكوارث في انتشار الأخبار الكاذبة والإشاعات على وسائل التواصل الاجتماعي أسرع بـ6 مرات من الأخبار الصحيحة، حسب دراسة أجراها معهد ماساشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة في العام 2018. لقد أضحت حياتنا المتسارعة وواقعنا الراهن مرهونين بما تنقله وتتداوله وتؤثر به وسائل التواصل الحالية ولدرجة تصل إلى حالة البلبلة أو التشوش أو الاضطراب الفكري والسلوكي في بعض الأحوال.
وتجدر الإشارة هنا إلى ما نقلت مجلة فوربس الأمريكية ذات الصيت عن المؤلف المختص إريك كوالمان قوله: «الناس مولعون بوسائل الإعلام الاجتماعي وأن يدور حول الإنصات أولاً، ثم البيع». واختير كوالمان باعتباره أكثر مؤلف يحظى بجماهيرية بعد مؤلف سلسلة هاري بورتر، وصنف من بين أكثر مائة شخص مؤثرين في مجال وسائل التواصل الاجتماعي. ولعل هذا الرجل الذي اعتبر حجة في هذا المجال، ليس متخصصا في مجال الإعلام والاتصال وإنما هو من أبرز الأساتذة الجامعيين في التسويق وحاصل على ماجستير في إدارة الأعمال، إذن فالرجل ينظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي من منظور تجاري رأسمالي بحت، فلا تهمه تأثيرات وسائل التواصل في القيم والأخلاق ولا هو صاحب اختصاص أكاديمي وفلسفي في سوق الاتصال والإعلام. ووصف أحد المتحمسين له ومن كبار رجال الأعمال كتابا أصدره كوالمان بأنه السبيل لتحقيق النجاح في وسائل الإعلام الاجتماعي هو الفعل وليس التروي.
إن غول السوشيال ميديا وحش له عشرات وربما مئات الأنياب والمخالب ولا يمكن حصرها في منصات وتطبيقات مثل تويتر وفيسبوك وتلغرام وإنستغرام وسناب شات وتك توك وواتساب فحسب، وإنما هي أكثر من ذلك. ومن سلبيات التواصل الاجتماعي أنها تحد كثيرا من عملية الاتصال المباشر بين أفراد المجتمع، ولا يمنع ذلك من اكتساب مهارات التواصل المباشر، بل يقتصر تواصل المشاعر بين الأفراد على استخدام رموز وصور للتعبير، فتتبلد المشاعر وتكبر الشقوق الاجتماعية وتصبح أخاديد عظمى، فيقف المجتمع على جرف هار من التفكك والانهيار.
أما عن إشاعتها الخمول والكسل فحدث ولا حرج، فقد تم استبدال الزيارات العائلية والمقابلات والنزهات بالحديث عبر الشاشات دون حركة. وترتب على ذلك كذلك زيادة معدلات الإصابة بالسمنة نتيجة للجلوس لفترات طويلة. وأصبحنا نلاحظ انشغال كل فرد من أفراد العائلة بما في ذلك الأبوان بهاتفه المحمول يتحدث مع الغرباء ويندمج في عالمه الافتراضي، مما يعزله عن أسرته فتضعف وشائج العلاقات الأسرية. وعبر غول وسائل التواصل الاجتماعي تعرضت الخصوصيات للانتهاك، حيث يتدخل البعض في حياة الآخرين ويبحث عن عيوبهم وأسرارهم. ولعل أهم فئات المجتمع وهم الشباب والأطفال والمراهقون كانوا أكثر الفئات التي تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي فأصابتهم الكثير من الآثار السلبية، سواء عبر ظاهرة التنمر على الآخرين.
وللتعليم والدراسة نصيب وافر من أذى هذا الغول، حيث ينشغل النشء في متابعة وتصفح هذه الوسائل ويهمل دراسته ويفقد تركيزه، ويعاني من تشتت الانتباه بين الدراسة والواجبات الدينية والمجتمعية. ليس هذا فحسب فمن أخطر الآثار السلبية ما أنتجته هذه الوسائل من تعددية في الأطر المرجعية للقيم والسلوك، هذه الأطر التي يحكم بها الفرد على سلوكه بالقبول أو ضده، فمن أحادية الإطار - الأسرة والمجتمع المحلي - إلى تعددية الأطر - العالمية - ونتيجة لذلك لم يعد معيار القبول والرفض والخطأ والصحيح للسلوك واضحا لدى الشباب، حيث قد يقوم شاب بسلوك يستهجن من قبل مجتمعه المحلي، إلا أنَّه يلقى له صدى وقبولا وتأييدا لدى أطر أو مرجعية أخرى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
فلا غرو حين يقول هاري جيه جولد الرئيس التنفيذي لشركة أوفر رايد إنتراكتيف الأمريكية «نحن نعيش في عالم يعد فيه التواصل مع مستهلك بضائعك حيويا، فنموذج تواصل الفرد مع المجموعة راح لحال سبيله. ويقول آخر وهو رئيس تنفيذي في شركة كبرى: «إن المعلومات التي يقدمها كوالمان حول وسائل التواصل الاجتماعي لا غنى عنها للشركات والأفراد. فلابد من أن يطبق كل شخص وكل شركة إستراتيجية هذا الكتاب»، وهو الكتاب الذي أشرنا له ويعظم فيه الكتاب (كوالمان) أهمية وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها مكسبا تجاريا وشبكة يصطاد عبر المستهلكين من رواد هذه المنصات والتطبيقات. ويذكر كتاب كوالمان أن شركة فورد للسيارات قامت بإعطاء 100 سيارة فيستا مصنعة بمواصفات عالمية للمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي من أصحاب العدد الكبير من المتابعين، فخلال ستة أشهر كانت هناك نتائج مذهلة. فقد جعلوا هؤلاء المؤثرين يفعلون ما يقومون به في العادة من إرسال تغريدات وكتابة مدونات، وإرسال مقاطع فيديو وصور، وإخبار كل ما وجدوه من تجربة امتلاك تلك السيارة. والنتيجة أن أكثر من 7 ملايين مشاهدة لمقاطع فيديوهاتهم على اليوتيوب، و750 ألف مشاهدة لصورهم على أحد التطبيقات، وأكثر من 125 ألف شخص صوتوا على موقع فورد. فتسابق نحو 11 ألف زبون جديد لشراء ذلك الموديل. فقررت فورد تعديل ميزانية التسويق بحيث تم تخصيص 25 % منها لوسائل التواصل الاجتماعي صائدة الزبائن. وفي 2014 وللمرة الأولى لم تبث كوكاكولا إعلانات في مباريات كرة القدم الأمريكية النهائية حتى توفر هذه الملايين لطرح إعلانات في وسائل التواصل الاجتماعي. ووجدت دراسة أجرتها شركة أبحاث جوبيتر الأمريكية في 2009 أن 50 % من مستخدمي الإنترنت قاموا باستشارة مواقع التواصل الاجتماعي قبل شراء شيء.
الكبار صُنَّاع الحياة يرحلون ويتركون بصمات مشرقة في مساحات الحياة، وما أكثرهم في حياة أمتنا الحية، ونحن اليوم... اقرأ المزيد
267
| 16 أكتوبر 2025
إدراك وفهم عميقان لمعنى وحقيقة يوم القيامة، اليوم الذي تنقطع فيه كل الصلات والوشائج والعلاقات التي كانت بين... اقرأ المزيد
228
| 16 أكتوبر 2025
• فرحة التأهّل إلى كأس العالم هي فرحة بطعم خاص، بطعم استضافة كأس العالم 2022، ذلك الحدث التاريخي... اقرأ المزيد
234
| 16 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
6735
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6204
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3366
| 12 أكتوبر 2025