رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من حرب خاطفة تعيد الابن العاق لحظيرة الأسرة، أو على الأقل تحييده وتحول دون ارتمائه كليا في أحضان المعسكر الخصيم، إلى حرب استنزاف قد تطول لعقد من الزمان. اليوم الجبروت الروسي وكبرياء القيصر في محك وتحدٍ كبيرين. في 24 فبراير 2022، أبتدرت روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا، لمنعها من خطط الانضمام إلى حلف النيتو، وهو ما اعتبرته موسكو تهديدا لأمنها الإستراتيجي. اليوم ومع تصاعد الدعم العسكري النوعي الأوروبي – الأمريكي قفز من الأسلحة الدفاعية إلى الأسلحة الهجومية، فقد بدا للمراقب العادي أن كفة الحرب تميل لصالح أوكرانيا التي تجرأت على ضرب العمق الروسي، فيما تتراجع القوات الروسية في عدد من المحاور. بيد أن سلوك الدب الروسي لا يمكن التنبؤ به، ومع تباشير الشتاء الذي طالما انحاز تاريخيا إلى جانب الروس، حيث دأب ضباط نازيون على تسمية الشتاء الروسي بـ”الجنرال جليد”. إذ يمثل الشتاء مختبرًا للأطراف المتصارعة في أوكرانيا؛ فهل يعبر بوتين نهر الروبيكون؟، وعبور هذا النهر الإيطالي يعني في الأمثال الروسية الإتيان بفعل حاسم يتجاوز كل التوقعات، ففي عام 49 قبل الميلاد، حين اشتعلت الحرب الأهلية بين يوليوس قيصر وبومبيوس الكبير في روما، عبر القيصر الروسي وجيشه ذلك النهر الشهير فمضى الأمر مثلا. إن هذه الحرب الدائرة اليوم أثبتت تطوراتها حالة عدم اليقين فيما يمكن أن تُقدم عليه موسكو؛ فقبل اندلاع الحرب، قيل إن بوتين لن يهاجم أوكرانيا وسيكتفي بإطلاق التهديدات، لكنه فعل، وقيل أيضًا إنه لن يطلق التعبئة العسكرية، لكنه فعل، وتم استبعاد تكرار سيناريو شبه جزيرة القرم، لكن الجيش الروسي اقتطع أجزاء كبيرة من أوكرانيا وضمها إلى روسيا.
وبينما لم تحقق روسيا أهدافها من الحرب بعد، كذلك لم تتمكن أوكرانيا، رغم الدعم والإسناد العسكري الذي لم تحظ به أي دولة تخوض حربا مثيلة، تحرير الأراضي التي ضمتها روسيا. وكانت روسيا قد سيطرت على مساحات شاسعة من منطقتي خيرسون وزابوريجيا في الجنوب، بما يشمل المفاعل النووي هناك، كما تسيطر تقريبا على كل لوغانسك وعلى نحو نصف دونيتسك، أي أنها لا تزال تسيطر على نحو 20% من مساحة أوكرانيا. وروسيا التي تشهد تراجعا وتقهقرا نسبيا لم تكن تضع في حسبانها الدعم الغربي غير المسبوق ولم يقف الدعم عند السلاح العسكري المتقدم، بل شمل عناصر وميزات تفتقدها روسيا ولم تضعها في حسبانها وخططها الحربية؛ فعناصر الدعم شملت قوة دفعها الضغوطات الاقتصادية والاعلامية والدبلوماسية فضلا عن العسكرية والتي يتم توظيفها مجتمعة بالتزامن، حيث إن التفاعل بين هذه العناصر يغطي على أي نقص في أي عنصر حتى لو كان العنصر الأهم وهو الجانب العسكري. لقد استطاعت الدبلوماسية والإعلام في المعسكر الداعم لأوكرانيا (الولايات المتحدة وأوروبا)، رسم وتشكيل صورة لروسيا باستخدام «سياسة عدم الاستفزاز» بحيث لا تدخل روسيا في حرب عالمية يكون لها فيها فرصة لاستخدام أسلحتها النووية وهذه قدرة لا يمكن الجزم بنجاحها بشكل دائم. ومن يتابع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يلاحظ كيف يستخدم التأطير العقلي والتلاعب اللغوي في بث رسائل غير مباشرة. ونتيجة لهذه السياسة تبلور ما يمكن تسميته بـ»الموقف الدولي» حيث ظل الناس يميلون لتصديق الأخبار التي مبعثها دولة ذات سلطة ونفوذ سياسي وتعتبر الولايات المتحدة أكثر الدول التي تملك مثل هذه القوة والتأثير. لقد جعلت القوة الأمريكية من الإعلام أداة لاستراتيجياتها الدبلوماسية من خلال مناهج تغطية مسار الحرب الروسية وقرارات بوتين من خلال الدبلوماسية الإعلامية الأمريكية.
إن العالم غير القابل للاستقطاب لأي من طرفي هذه الحرب يتطلع لنهاية ترسي دعائم التوازن العسكري وتحول دون الأحادية القطبية. المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ساعٍ بقوة لنهاية تمنع روسيا من أن تكون طرفا في هذا التوازن بل تستهدف أن تكون قطبا أوحد وبجانبها الحلفاء الأوروبيون. وبالنسبة للمنطقة العربية فيجب أن تعلم أن استراتيجيات الأمن القومي الأمريكي في مجملها تصب في مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى، وربما بدرجة أقل ضمان استمرار تدفق الطاقة.
إن هناك حقائق لابد أن تكون حاضرة لأصحاب القرار العالمي إن أرادوا إيقاف هذه الحرب وتجنيب العالم مخاطر الانزلاق في أتون حرب نووية شاملة تمثل نهاية العالم أجمع. إن استمرار صمود الجيش الأوكراني الذي يبدو قائما على الدعم العسكري الغربي الذي اقترب من حدود استفزاز الدب الروسي، كما أن ذلك يؤكد أن كييف غير قادرة على تسليح نفسها بنفسها، وهو ما يطرح سؤالا ملحا وهو إلى أي حد تستطيع دول الغرب الاستمرار في تسليح أوكرانيا، لاسيما في ظل الضغط الذي أصبح يواجه المخزون الاحتياطي لحلف النيتو؟. ومع فرضية استمرار هذا الدعم فإنه غير قادر على إلحاق هزيمة بروسيا، وإن طال أمد الحرب فإن الوقت سيكون لصالح موسكو، مع قلق أوروبي متزايد من انتقال الحرب إلى المواجهة المباشرة مع روسيا. إذن فإن الحل القائم على المعادلة الصفرية وسحق الآخر، لا يبدو واقعيا ولا ممكنا لكلا الطرفين روسيا من جهة وأوكرانيا وحلفاؤها من جهة أخرى. ولا تظن واشنطن أن هزيمة روسيا يعني القضاء عليها، لأن الهزيمة التي تعرضت لها هي في الحرب الفيتنامية سنة 1954 وكانت ضربة قاسية لها، لم تمنعها من أن تستمر باعتبارها قوة عظمى. لا بديل لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية إلا الحل الدبلوماسي، وربما يكون على أوكرانيا إن أصرت على أن تكون جزءًا من النيتو، أن تقبل بالتخلي عن (بعض) أراضيها باعتبار ذلك خيارا قد تقبله موسكو.
(تكلمنا فألجمناهم) هذا أقل ما يمكن أن توصف به كلمة سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني... اقرأ المزيد
39
| 28 سبتمبر 2025
خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، من على منبر الأمم المتحدة، ليس... اقرأ المزيد
27
| 28 سبتمبر 2025
في 23 سبتمبر 2025، ألقى صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، كلمة قوية... اقرأ المزيد
45
| 28 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
2403
| 26 سبتمبر 2025
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2304
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2301
| 25 سبتمبر 2025