رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

القيادة في عيون كيسنجر 2/3

يواصل هنري كيسنجر في كتابه (القيادة)، وهو آخر ما سطّره قبل رحيله، الحديث عن القيادة من خلال ستة نماذج طرحها للقيادة الرؤيوية صاحبة الرؤية، وهي مختلفة عن قيادة الدولة أو ما يعرف برجل الدولة وهي المهتمة بتحديد الاختلافات وإدارتها، فهو يبحث عن حالة التراضي، بينما رجل الدولة ذو الرؤية فهو ببصيرته يبحث عن المطلق، فيضع عدة خصائل للقيادة الرؤيوية ومنها أن: «تحيط بمنزلة من هم مستعدون لحمل عبء يُثقل جداً من هم أقل قدراً، الثمن الذي عليهم دفعه مقابل هذه القيادة هو الانضباط الذاتي المتواصل، والمخاطرة باستمرار، والكفاح الداخلي الدائم، وليعلم أن أفضل طريق للفوز والنجاح في العمل معرفة كيفية السيطرة الدائمة على النفس، ودرجة معاناة، تتفاوت طبقاً لمزاج الفرد». ولذلك قيل إن العظيم هو الذي يشعر كل من في حضرته بأنه عظيم، فعلى القائد أن يحيط نفسه بالصقور وبالعظام، فالقيادة والعظمة حزينة كما قال نابليون، فلعل في مشاركته حزنه من الكبار تسلية له. يصل كيسنجر في كتابه إلى أنموذج ريتشارد نيكسون الذي عمل معه كمستشار للأمن القومي، فيرى أن مواطن ضعفه تكمن في « قلقه وانعدامه الإحساس بالأمان.) ويعزو نجاح نيكسون في استراتيجيته بالانفتاح على الصين، لفصلها عن الاتحاد السوفياتي، إذ كان بوابها كيسنجر نفسه، فيقول عن السرّ: « بدون السرية ما كان هناك انفتاح على الصين، فكان يقول لا تُخبر أي شخص أنك غير قادر على تنفيذ مهمة مُسندة إليك». كانت رؤية نيكسون أن ترك الصين خارج السرب الدولي خطأ، ولا بد من أخذها إلى السرب الدولي، لمنع الاتحاد السوفياتي من الاستفراد بها ضد الغرب. كانت رؤية نيكسون تجاه التعاطي مع الصين، مختلفة عما نصح به نابليون قبل قرن تقريباً، حين قال: «دع الصين تنام، فإن استيقظت اهتزّ العالم». فقد كان يرى نيكسون أن التهميش والإهمال له مردود سلبي، ولذا سعى إلى دمج الصين مع الغرب، ليحرم الاتحاد السوفياتي من تعزيز قطبه ومعسكره، بالإضافة إلى أن الاقتراب من الصين يجعل الغرب يعرف ما تفكر به الصين، فيكون أقدر على معالجته المبكرة، لأن الإهمال والتهميش في السياسة الدولية قد تنقلب بشكل مفاجئ وخطير، وتكون عواقبه وخيمة زمانياً ومكانياً، كما حصل في ظهور الخلافة العباسية من الأماكن المهملة والمهمشة. هنا يضع كيسنجر خبرته الطويلة والعميقة الممتدة من الخبرة السياسية النظرية القادمة من أرقى الجامعات في هافارد وغيرها، إلى أعلى منصب في الأمن القومي والسياسة الخارجية، كمستشار للأمن القومي ووزارة الخارجية الأمريكية، التي وفرت له التعامل مع كل زعماء العالم، يقول كيسنجر في هذا السياق: « السلام والاستقرار هما الوضع الطبيعي، أما الصراع فناجم عن سوء الفهم، أو الحقد»، ويعتقد أن رجل الدولة تكمن مهمته في تحديد الاختلافات وإدارتها، فالمفاوض المرن يستغل سحره الشخصي، والمتشدد يعتمد على الضغوط التي تمكنه من المناورة، ويؤمن من خلال خبرته الطويلة في التفاوض، أن المفاوضات في جوهرها إنما تعتمد على وحدة الوفد التفاوضي ومن يمثل، وأن المجتمعات لا تُصبح عظيمة من خلال تدمير خصوم الداخل، أو تحقيق انتصارات حزينة، وإنما من خلال المصالحة والتوحد خلف هدف مشترك. حين يتحدث كيسنجر في كتابته عن الرئيس المصري أنور السادات كرجل رؤية كما يصفه، وربما لهذا رشوة له على عقده السلام مع اسرائيل بوساطته، ينقل عن السادات قوله: « تعلمت من تأمل الحياة وطبائع البشر في ذلك الحبس الانفرادي أن من لا يستطيع تغيير فكره، لن يكون قادراً على تغيير الواقع». ويستذكر في هذا كيسنجر الكارثة التي حلّت بمصر على يد سلفه جمال عبد الناصر حين « حوّل برنامج ناصر التصنيعي مساحات كبيرة من أراض زراعية، إلى أراض بور مخصصة للمصانع، الأمر الذي أدّى إلى اعتماد مصر حتى اليوم على الخارج في استيراد القمح». وحين يُعرج كيسنجر في الحديث عن الكاريزما يضرب مثلاً لذلك شخصية عبد الناصر فيقول:» يدير الزعماء ذوو الكاريزما، مثل جمال عبد الناصر سياساتهم بالإلهام وليد اللحظة، ويقصدون بخطابهم وسلوكهم المهم مواراة الحقائق المرة للحياة اليومية، وهكذا تتجلى تلك الحقائق، وتصبح حاضرة بقوة ما إن يختفي الزعيم». وهنا لا بد من التأكيد على أن الكاريزما قد تُلحق أفدح الضرر بصاحبها، وبلدها، إن لم يُتنبه إلى حقيقة الشخصية وقوتها ووزنها، وإلا فهي تتعامل حينها مع وهم القوة وليس مع القوة، حقيقة وواقعاً، فمقولة كلما زاد سحر الخصم زادت خطورته، دقيقة وصحيحة، لاسيما إن لم يكن السحر مدعوماً بالقوة الحقيقية، وإنما بوهم القوة، حينها ستكون النتيجة شبيهة بما حصل مع رئيسين عربيين سابقين بغض النظر عن ملابسات وما أحيط بكل منهما، وهما جمال عبد الناصر وصدام حسين. كانت إشارة كيسنجر إلى السادات خبيثة وذكية جداً ربما حين دفعه من خلالها أن يُعيد النظر في علاقات مصر مع موسكو فقال له: «أنت تخوض حرباً بالأسلحة السوفياتية، ضع في اعتبارك أنه يتعين عليك تحقيق السلام مع الديبلوماسية الأمريكية.»، فكان أن تخلّى السادات عن المستشارين الروس حين طردهم من مصر بعد تسلمه السلطة، وبدأ يقترب من واشنطن الذي وصفها بأن 99 % من أوراق التفاوض والديبلوماسية معها.

708

| 05 نوفمبر 2024

القيادة في عيون هنرى كيسنجر 1/ 3

الكتاب الأخير الذي نشره وزير الخارجية الأمريكي ومستشار الأمن القومي لسنوات، بعنوان ( القيادة.. ست دراسات في الاسترايجية العالمية) كان آخر ما كتبه قبل رحيله، وقد بلغ المائة عام، فكان الكتاب عصارة جهدة وفكره وتجربته وممارسته للسياسة الخارجية الأمريكية، وكان بحق كتاباً مهماً في مضمونه، لاسيما وقد قسّم القادة إلى قادة رؤيويين ببصائرهم، باحثين عن المطلق، وقادة دولة متميزين بقدراتهم التحليلية ومهاراتهم الدبلوماسية، مقتصرين في ممارساتهم بالبحث عن التراضي، وهنا يُميز بين الطرفين بقوله: رجل الدولة مهمته بالحفاظ على مجتمعه من التلاعب في الظروف بدلاً من تركها تتلاعب به، أما رجال الرؤية فهم رجال غير عقلانيين كما قال برنارد شو، يؤمنون بالحلول النهائية، ويضيف شو: ( العاقل يتكيف مع العالم، وغير العاقل يحاول تكييف العالم. ) فهدف رجال الرؤية تجاوز الوضع الراهن بدلاً من إدارته، فإن كان رجل الدولة يعمل على الحفاظ على النظام الدولي، وعدم تغييره، فإن صاحب الرؤية مستعد لقلب النظام رأساً على عقب، ولعل المستشار الألماني أديناور الذي سنتحدث عنه لاحقاً لخص رجال الرؤية بقوله: ( القيادة تتطلب القدرة على الإلهام وتبني رؤية مع مرور الوقت.) وتبقى الشجاعة عنصراً مهما في قيادة الرؤية ما دام ( النجاح من نصيب الشجعان.) بحسب الحكمة الرومانية. درس كيسنجر في كتابه ست قيادات ممتدة من المنطقة العربية إلى أمريكا وأوروبا كقادة رؤيويين بنظره، وبغض النظر عن اتفاقنا، أو اختلافنا في تقييمه التفصيلي لهذه القيادات، ولكنها تبقى بكل تأكيد منهجية ورؤية مهمة وعميقة جديرة بالقراءة و التعلم، لتستفيد منها الأجيال الحالية، لاسيما الممارسة للسياسة اليوم. حين يتحدث كيسنجر عن ونستون تشرشل ينقل عنه ما سطّره الأخير في كتابه الأهم "العاصفة الوشيكة" وهو يقدم نصيحته لرجل الدولة: ( لا يقتصر دور رجل الدولة على تسوية الملفات السهلة، فهذه غالباً ما تُسوي نفسها بنفسها، إن دوره حيث انعدام التوازن، والتباس النسب والاحتمالات، وحينما تفرض فرصة اتخاذ قرارات تنقذ العالم نفسه.)، وحين سُئل تشرشل عن نصيحته في كيفية الاستعداد لتحديات القيادة لخصها بقوله: ( ادرس التاريخ، ثم ادرس التاريخ، ففي التاريخ تكمن كل أسرار فن الحكم.) ينتقل كيسنجر إلى صاحب رؤية أخرى وهو تشارل ديغول الذي وصف نفسه ذات مرة: ( رجل لا ينتمي لأحد، ورجل ينتمي إلى كل شخص.)، وينقل عنه ما كتبه في كتابه "حدّ السيف":( القادة الاستراتيجيون بحاجة إلى صفات الفنان الذي يستشعر كيفية صياغة المستقبل باستخدام الخامات المتوفرة.) وينتقل كيسنجر في كتابه الذي أبحر بنا في محيطات وبحور السياسة وتعقيداتها وتداخل التاريخ مع الجغرافيا مع الاقتصاد والديمغرافيا والحرب والسلم، فيحدثنا عن استراتيجية التواضع التي انتهجها المستشار الألماني الذي أخرج بلاده من الحرب العالمية الثانية منهزمة ليضعها على سكّة التعافي من خلال استراتيجيته التي أطلق عليها كيسنجر " استراتيجية التواضع"، والتي لخصها بالتأقلم مع وضع جديد وهو الهزيمة، فسعى إلى دمج بلده مع أوروبا وأمريكا المنتصرتين. تتكون استراتيجية التواضع لدى أديناور من أربع قوائم وهي: (قبول عواقب الهزيمة، واستعادة ثقة المنتصرين، وبناء مجتمع ديمقراطي، وتأسيس اتحاد أوروبي يتجاوز انقسامات أوروبا التاريخية.)، ويُبرز كيسنجر بلفتة ذكية ودقيقة قدرة ألمانيا يومها في استغلال غزو كوريا الشمالية لجارتها الجنوبية عام 1950، مما أقنع أمريكا للدفاع عنها، فكان لا بد من مشاركة ألمانيا بهذا الدفاع، مما شكل فرصة ذهبية لقبول ألمانيا أوروبياً، فأعيد تسليحها، واستعادت بذلك هويتها، وتم دمجها بالمؤسسات الأوروبية، فكسر أديناور بذلك سياسة أمريكا التي سبقت حرب الكوريتين ( الاحتواء المزدوج) والتي هدفت واشنطن من ورائها احتواء روسيا، على أن تتولى أوروبا احتواء ألمانيا، لمخاوف أوروبا من طموحات ألمانيا. هكذا واجهت ألمانيا التحدي بالبحث عن ثغرات واقتناص الفرص، مدركة تماماً أن التاريخ لا يمنح فترات راحة، وهي التي كانت كطائرة الفينيق الذي خرج من رماد حربين مدمرتين له، هما الحرب العالمية الأولى والثانية والتي كانت في فترة زمنية قصيرة جداً في عمر الدول حيث بين الأولى والثانية عقدين فقط من الزمن. كانت كلمة السرّ الرائعة في نجاحات أديناور هي ما التزم بها: ( إن أردت أن تنتقم في السياسة، فانتقم بدم بارد.)، وهو الذي سبق أن عرّف السياسة بأنها فن الإصرار والإرادة، فكان رأيه أن مهمته بعد هزيمة بلاده في الحرب العالمية الثانية تكمن في إعادة بناء القيم الديمقراطية على أساس الأخلاق المسيحية، قارئاً بدقة نفسية شعبه: ( الألمان شعب مضطرب ومتضارب بشدة، ليس بسبب ماضيه النازي وحسب، ولكن بمعنى أعمق، نتيجة غياب الإحساس بالتناسب أو الاستمرارية التاريخية.) وحين سئل أديناور عن الإرث الذي أراد تخليده بعد رحيله: ( أن يُقال عنه بعد رحيله لقد قام بواجبه.)

1122

| 29 أكتوبر 2024

السنوار إذ يكتب السطر الأخير من حياته

قلّما توافرت تلك المشاهد لقائد راحل، كما تجلّت لـ يحيى إبراهيم السنوار، فقد تجلّت ديكتاتورية الصورة بأبهى صورها في رحيله، ما دامت الصورة تتحدد بتعدد المشاهد في الإطار ذاته، فها هي مشهد الأصالة ممثلاً بعصا السنوار تهاجم الدرون، ومشهد سلك الكهرباء المربوط على ذراع نازفة في مواجهة قذيفة دبابة أو رصاصة استقرت في الرأس على أرجح الروايات متسببة في استشهاده بحسب الطب الشرعي الصهيوني، وها هي الجلسة على أريكة ساخراً من كل ما تفتقت عنه آلة الحرب الصهيونية ومن ورائها إخوانها وأخواتها يمدونها بالغي والقتل والإجرام، متجعباً جعبة الاشتباك، لينسف بهذه اللحظات كل السرديات الصهيونية والغربية التي تحدثت عن هروبه واحتمائه بالأسرى الصهاينة، وخوفه وقلقه، كل هذا بددته تلة السلطان التي قضى فيها، فكان لها من اسمها نصيب، إذ سيخلد ذكره وذكرها بعد اليوم التاريخ العالمي وليس الفلسطيني فحسب. رحل القادة الفلسطينيون من عز الدين القسام إلى السنوار، ولكن لم يكتب أحدهم السطر الأخير بالطريقة التي يتمناها كل ثوري، رحل الكثير منهم في عمليات اغتيال في لبنان وحمام الشط في تونس وفي غيرهما ولكن لم نعرف شيئاً عن اللحظات الأخيرة لرحيلهم، لكن السنوار مختلف، فقط صاغ مشهده، بحيث يعجز أي مخرج هوليودي عن صوغ مشهد درامي هوليودي كالذي رأيناه، فتجلّت ديكتاتورية الصورة بدقائق، تشرح لمن حضر ولمن سيسمع بعد قرون ربما قصة شعب تجلّت في قائد، وفي لحظات. اليوم مع آلة الإجرام الصهيونية التي تصب حممها على جباليا وبيت لاهيا وغيرهما تؤكد الوقائع بما لا يدع مجالاً للشك أن الحقد على السنوار وإخوانه فقط، أكذوبة روجها الإعلام الصهيوني والغربي، فالحقد على كل صغير فلسطيني، وعلى كل عجوز وسيدة فلسطينية، الحقد الصهيوني على كل شجرة زيتون، على كل ما يذكر الصهاينة بالسنوار وبفلسطين، ولذا فالمذبحة والمجزرة مستمرة على الهواء مباشرة، وسط صمت وتخاذل وعجز الجميع، لكن فائض الحقد الفلسطيني الذي يتراكم نتيجة الهولوكوست والإبادة التي يتعرض لها، أين ومتى وكيف سيتم تفريغها، هذا الحقد الفلسطيني وإذ يتركم اليوم في عواصم الطوق وما بعد الطوق، سيدفع العالم كله ثمنه عاجلاً أو آجلاً، والسؤال من سيثق بعد اليوم أن أمثال هؤلاء يمكن التطبيع معهم؟، هل يتابع العدو الصهيوني مشاهد أطفال غزة وهم يتلفعون بالكوفية وممسكون بعصار السنوار كدليل على مواصلة مقاومة الاحتلال الصهيوني، مشاهد مقلقة بكل تأكيد للعدو الصهيوني، ومقلقة لما تبقى من العقلاء منه إن كانوا لا يزالون موجودين، الذين يفكرون في مآلات الأمور، ومسارات الحروب، وكيف ستدفع ثمنها الأجيال المقبلة... ديكتاتورية المشهد الذي خلفه السنوار طغى على مشهد تشي غيفارا الذي قتل على يد الجيش البوليفي عام 1967، فتحديق السنوار في عدسة الكاميرا في لحظاته الأخيرة، تعكس سخريته من كل آلتهم العسكرية وبطشهم وإجرامهم، ويحق له ذلك وهو الذي قضى فوق الأرض، متحدياً المحتلين، ومتحدياً رواياتهم، وكأنه يخاطب عدسة الكاميرا، صوّري ليعلم العالم كله كيف يرحل الفلسطيني، وكيف يرحل أحفاد القسام وأبناء ياسين وإخوان الرنتيسي والمقادمة وعياش، ذاك الركب الطويل من قادة المقاومة الفلسطينية. يوم كتب الشاعر الفلسطيني محمود درويش قصيدته عام 1982 بعد حصار بيروت، والخروج من طرابلس لم يكن يكتبها لمعاصريه، فقد كان الخروج مهيناً أمام حصار العدو واحتلاله لثاني عاصمة عربية، فجاء اليوم الذي قصده وعناه درويش، فينفذ السنوار وصيته بكل تفصيلة من تفاصيل قصيدة مديح الظل العالي التي قال فيها: حاصر حصارك لا مفر سقطت ذراعك فالتقطها لا مفر وسقطتُ قربك فالتقطني واضرب عدوك بي فأنت الآن حر وحر وحر.

1260

| 22 أكتوبر 2024

غزة والأمة الشاهدة العاجزة

لم تبدُ الأمة العربية والمسلمة عاجزة كما هي اليوم، وهي تشاهد وترقب مشاهد الحرق والإبادة والتهجير والتغريبات الفلسطينية التي تتكرر بشكل يومي وربما لحظي، بل ونشاهد ونتابع كل أصناف القهر والغضب في غزة، العدوان الذي دخل عامه الثاني دون أفق حل، بعد أن استمسك العدو الصهيوني المجرم بكافة أشكال تكتيكات القهر والإبادة وما تفتقت عنه آليات الإجرام لديه أو لدى غيره من أمثاله المجرمين، ونحن نراه يستنسخ ويسرق براءة اختراع البراميل المتفجرة، فيُلقيها على رؤوس الساكنين في غزة ومخيماتها، لتقتل الأبرياء من المدنيين أطفالاً ونساءً و كباراً. يقف المسؤولون في العالم العربي والإسلامي عاجزين أو متواطئين، لا يُحركون ساكناً، بل لو وقعت مثل هذه المجازر في بلدان لا تمت للعروبة والإسلام بشيء، لهُرع بعضهم باسم الانسانية والبشرية للمساعدة والنصرة، ولكن غزة لا بواكي لها، والخشية كل الخشية اليوم مع استمرار هذه المجازر الحية، أنها تنتظر تفريغ كتلتها السكانية الضخمة من أجل حماية الصهاينة، تماماً كما نجحوا في تفريغ الكتل السكانية الضخمة من أكناف بيت المقدس من الشام والعراق، بعد أن تم تهجير ملايين المسلمين الذين تحدثت كل ذكريات ومذكرات قادة الصهاينة التاريخيين عن مخاطر الكتل السكانية المحيطة بدولتهم، فحلموا بالتخلص من فائض الكتل السكانية المهددة لكيانهم. الحقيقة الصارخة اليوم بوجهنا جميعاً أن لا بديل عن ممارسة الضغوط الشعبية على الحكومات والمجتمع الدولي، إن كان في الشوارع أو في وسائل الإعلام بمختلف منصاتها من أجل دفع العالم لوقف هذه المذبحة المتواصلة، مستهدفة البشر والحجر، وينبغي التعويل فقط عل جهودنا، وعدم تعليق أوهام زيد أو عمرو، فقد ثبت أن كل جهة مساندة أو داعمة بالقول أو بغيره، إنما تريد النجاة بجلدها، في ظل هيجان الثور الصهيوني والذي لن يقف عند حد ولن يرعوي من شيء، ولذا لا بد من حشد الجهود وتعبئة الطاقات من أجل الضغط ثم الضغط على المجتمع الدولي لوقف هذه المذبحة المستمرة على مدار الساعة. ليس هناك عاجز شرعاً ولا عقلاً، وإن بدا الأمر ظاهرياً كذلك، فالنبي عليه الصلاة والسلام لطالما تعوذ بالله من العجز والكسل، ولذلك على الأمة وعلمائها استنهاض الشعوب وتحذيرها من العجز والكسل، كما ينبغي على النخب بكافة شرائحهم وطبقاتهم أن يلتفتوا إلى حقيقة مهمة وهي أن المعركة الحقيقية اليوم في غزة وعلى غزة وأهلها، وبالتالي الانشغال بمعارك دنكشوتية تبعدنا عن الهدف الغزي أولاً، ثم تفرق الصف الواحد تجاه غزة، ليس من الحكمة في شيء، وليس من فهم المناط المتعلق بغزة وأهلها ومجاهديها وأطفالها ونسائها. ليس أمام أحرار الأمة من غانة إلى فرغانة سوى الضغط على الحكومات وعلى المجتمع الدولي، من أجل وقف هذه المذبحة ولا يخال أي واحد فينا أنه عاجز، فالعجز قرين الكفر والعياذ بالله، وكل واحد فينا قادر على أن يحدث فرقاً لصالح الأمة، ولصالح قضيتها غزة، فمن رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. مرة أخرى ما يجري في غزة تتفطر له الأكباد، ونخشى أن يعمنا الله بعذابه وعقوبته نتيجة تقاعسنا أو خذلاننا لا سمح الله، فنكون ممن خذلوها، وقد حذر نبينا عليه الصلاة والسلام من خذلان الشام تحديداً، بعد أن حذر من عواقب خذلان المسلم أينما حل وأقام، فالله.. الله في غزة.. والله... الله في فلسطين وأهلها.

2673

| 15 أكتوبر 2024

7 أكتوبر.. سجلات الانتصار والعدوان

عام مرّ على السابع من أكتوبر الذي حفر اسمه في التاريخ، حفره بدماء أبطال فلسطين، وحفره بأحرف من دم وعرق وتعب وهجرة ومعاناة، ليُذكر العالم كله بقضية شعب دخلت مأساته قرنها الثاني تقريباً، لكن لا تزال الضحية متمسكة بموقفها وقضيتها، ولا يزال الجيل يورث من بعده حقه في الوجود والتحرر، فجاء السابع من أكتوبر ليرسم مرحلة جديدة متعددة العناوين الفلسطينية والإقليمية والدولية، ونحن على أعتاب العام الثاني من طوفان الأقصى، يجدر بنا أن نتوقف عند هذه العناوين، بعد أن امتد لهيبها إلى ما بعد فلسطين، مما يهدد المنطقة كلها، ولذا فالتوقف عند العناوين الرئيسة التي أرادها السابع من أكتوبر، أو أفرزها طوفان الأقصى جديرة بالتوقف والتأمل. على الساحة الفلسطينية جاء طوفان الأقصى في الوقت الذي اقترب الشعب الفلسطيني من حدّ اليأس والإحباط بحيث، ومن خلفه المواطن العربي، إذ لم يعد أمام الفلسطيني سوى القول بأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان وهي المقولة التي راجت عند صانع القرار العربي في فترة ما بعد الاحتلالات الأجنبية ونشوء الدولة الوطنية، لكن طوفان الأقصى فرْمل هذه الذهنية والعقلية، وبدأ يطرح طروحات خارج الصندوق الذي أريد للفلسطيني أن يفكر فيها، ومن خلفه العربي وغير العربي، ولذلك فإن قلب المعادلة، ومعه قلب الطاولة، طرح معه خيارات المقاومة، بل وقدرة أصحابها على الصمود لعام كامل، بعيداً عن الاختراقات، وبعيداً عن رفع الراية البيضاء على الرغم من التآمر العالمي على الطوفان، ودفع الكيان الصهيوني بكل آلته التدميرية التخريبية في القضاء على الطوفان، ومع هذا لا يزال ثوار فلسطين صامدين كعادتهم في وجه أعتى قوة إقليمية ومن خلفها قوى دولية مرئية وغير مرئية. على الساحة الإقليمية أتى الطوفان ليضع حداً لكل محاولات التطبيع التي أراد لها الكيان الصهيوني أن تُفرض، فتتحول إلى حالة وظاهرة عامة، وكرة ثلج حقيقية تكبر شيئاً فشيئاً، فيستقوي كل واحد بمن سبقه على طريق التطبيع، وجاء طوفان الأقصى ومن بعده العدوان الرهيب على غزة، ليكشف حقيقة الطرف الصهيوني، الذي خاله البعض قد تغير ربما، فبدا أنه لم ولن يتغير، والدليل على ذلك حجم الجرائم الصهيونية التي ارتكبت بحق المدنيين وعلى كافة الشرائح والمؤسسات المدنية، وهو ما وثقته المؤسسات الدولية، مما أحرج حتى القوى الإقليمية والعربية التي كانت إلى وقت قريب داعية ومشجعة للتطبيع مع هذا الكيان، ووجدت نفسها على الأقل محرجة إعلامياً وشعبياً، أمام فائض الإجرام الصهيوني التي جعلها تُفرْمل قطار تطبيعها مع هذا الكيان الذي يرتكب جرائمه على الهواء مباشرة دون أن يعبأ بوساطات إقليمية ودولية. وهنا نصل إلى الدائرة الدولية حيث الفشل الأمريكي لعام كامل في جمع العدوان الصهيوني، وهو الأمر الذي كشف بنظر مراقبين ومحللين وخبراء عن ضعف أداء الإدارة الأمريكية دبلوماسياً، وضعف قوة ونفوذ تأثيرها على قادة العدوان الصهيوني في القبول بتسوية أو وقف لإطلاق النار بعد حجم الضحايا والخراب والدمار الرهيب الذي لحق غزة وما حولها، وهو الأمر الذي أفرز كارثة إنسانية غير مسبوقة. لكن على الجانب الصهيوني يرى في لحظة طوفان الأقصى بأنها عرّته أمام المجتمع الدولي، وكشفته، وأبانت عن ضعفه وعجزه في أن يكون القاعدة المتقدمة للمجتمع الغربي في مواجهة المنطقة، ولذا يُصر هذا الكيان الصهيوني على انتزاع نصر ولو من فكي الهزيمة، من أجل تثبيت شرعية حضوره الدولي وإعادة أهميته، ولو أدى ذلك إلى توسيع المعركة، لتعزيز هذا الحضور، وتقديم أوراق اعتماد جديدة.

747

| 08 أكتوبر 2024

المشهد.. ما بعد رحيل حسن نصر الله

رحيل الشخصيات الفاعلة في الأحداث ينعكس بشكل تلقائي ومباشر على الأرض والمشهد الذي كانت تتحرك فيه، ورحيل أمين عام حزب الله حسن نصر الله الذي ارتبط اسمه ليس بالحدث اللبناني ومن ثم الفلسطيني فالسوري وحتى اليمني والعراقي، سيُلقي بظلاله على كل هذه الساحات كل بحسب تأثيره ونفوذه ما قبل الرحيل، فنصر الله كان القاعدة العسكرية المتقدمة للنفوذ الإيراني على مدى عقود، وقد تجلّى ذلك أكثر ما تجلّى في التحرك الإيراني لإنقاذ رئيس النظام السوري بشار الأسد من الثورة الشعبية التي واجهها ولا يزال، ولكن نصر الله لم يلقَ شيئاً من هذا الدعم يوم اغتالته إسرائيل في معقله بالضاحية الجنوبية في بيروت. اللافت أن رحيل نصر الله كان متزامناً مع استهدافات لمعظم قيادات الصف الأول العسكرية، والمثير في الأمر هو حجم الاختراقات التي استهدفت القيادات بحيث يتم قتل المسؤول العسكري إبراهيم العقيل، فيعقبه الكركي، ثم يقتل سرور وهكذا، مما يشير إلى عمق الاختراقات الصهيونية، سيما وقد أتى ذلك بعد تفجيرات البيجر والوكي توكي، بحيث استهدفت الآلاف من قادة حزب الله الميدانيين في لبنان وسوريا. ملامح مبدئية للمشهد في مرحلة ما بعد نصر الله، على الرغم من صعوبة التنبؤ كون الأحداث متلاحقة، ولا تزال في حالة سيولة لم تتشكل ولو في حدها الأدنى، ولكن تبين على مدى 11 شهراً عجز أو عدم رغبة القيادة الأمريكية في التوصل لهدنة أو اتفاق يقضي بوقف المذبحة في غزة، ثم امتداد الصلف الإسرائيلي إلى الجنوب اللبناني، وهو ما يشي بأن مرحلة جديدة للمنطقة ليست رغبة إسرائيلية فحسب، وإنما رغبة أمريكية حتى، ولذلك وجدنا الصمت الإيراني إزاء استهداف نصر الله، بحيث لجأ مرشد الثورة الإيراني إلى حكاية نقله إلى مكان آمن، ملتزماً الصمت تقريباً إزاء مقتل أكبر حلفائه العسكريين في المنطقة، وصاحب ذلك صمت من حزب الله وهو المعروف بعملياته الخارجية، مما سيلقي ذلك كله بتداعيات نفسية خطيرة وبعيدة المدى على الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة من سوريا والعراق إلى لبنان وأفغانستان وباكستان وغيرهم. الكثير من المراقبين والمحللين العسكريين ومن بينهم كتاب وخبراء مرموقون في صحيفة الفايننشال تايمز تحدثوا أخيراً أن بداية الاختراق الذي تعرّض له الحزب بدأ منذ دخوله إلى سوريا، بحيث تم انكشاف الحزب، وبالتالي بدأت عملية اختراقه أمريكياً وصهيونياً من هناك، وهنا أتذكر جملة رائعة للخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رأى اندياح قوى الفتح الإسلامي بسرعة في مناطق العراق وما بعد العراق فدعا إلى سياسة ( الزحف البطيء) مستشرفاً بذلك مخاطر الزحف السريع وتداعياته على العسكرتاريا الإسلامية وحتى على الجوانب الدينية والفكرية التي ربما لن تكون بنفس القوة والفاعلية والتأثير حين يكون التحرك بطيئاً، والاقتناع تدريجياً بحيث يأخذ مداه الطبيعي. جغرافيا الاستهداف الصهيوني والذي شمل كل الرقع الموجودة عليها الأذرع الإيرانية يشي بأن المخطط كبير، وأن المشهد الذي كان قبيل استهداف نصر الله لم يعد مسموحاً به بعده، ونحن نعيش الأيام الأولى للذكرى السنوية التاسعة للتدخل الروسي لسوريا المصادف يوم الثلاثين من اكتوبر 2015، نستذكر معه تصريحات نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي وشهادته أمام الكونغرس الأمريكي عن موافقتهم للتدخل الروسي في سوريا، وهو الأمر الذي يذكر بالموافقة الأمريكية ـ الإسرائيلية على تدخل حافظ الأسد في لبنان عام 1976، ورسم الخطوط له التي ينبغي ألاّ يتجاوزها، فمثل هذه التدخلات الإقليمية لا يمكن أن تحصل دون موافقات إقليمية ودولية، ولكن كل تدخل له ميقاته وجغرافيته وأدواته. من الواضح أن الساحة السورية ستكون أكثر الساحات تأثراً بالمشهد اللبناني، إن كان من حيث الضربات العسكرية التي استهدفت وتستهدف مراكز وتحشدات حزب الله، أو من حيث انسحاب قوات حزب الله في حال بدأ الهجوم البري الصهيوني على الجنوب اللبناني، وهو الأمر الذي سيدفع بمقاتلي الحزب إلى التوجه للجنوب اللبناني، الأمر الذي سيخلّ بالميزان العسكري للنظام السوري، والذي سعى جاهداً للنأي بنفسه عن كل ما حدث ويحدث في لبنان، إن كان بالنعي المتأخر الضعيف الذي أصدره بمقتل حسن نصر الله، أو ما تردد عن نزع صوره على بعض الحواجز، وذلك ليعطي رسائل عن ابتعاده وافتراقه عن ذلك المحور. لكن الإشكالية الأساسية للنظام السوري التي يدركها ويعيها تماماً أن بقاءه على رأس الحكم طوال الثلاثة عشر عاماً الماضية ما كان له أن يحصل دون الدعم الإيراني وأذرعه العسكرية، وعلى رأس هذه الأذرع حزب الله والذي كان بمثابة المتعهد الإيراني الأساسي ليس في الساحة السورية فقط وإنما حتى في ساحات أخرى، خصوصاً بعد رحيل قاسم سليماني، إذ إن خليفته لم يقدر أن يحل محله بنفس القوة والفاعلية، فكان لحضور حسن نصر الله القوة الأبرز على الساحة السورية.

2172

| 01 أكتوبر 2024

الجزيرة ضحية العدوان الصهيوني على غزة

وكأن الاحتلالات تقرأ من كتاب واحد، وكأنهم أخوات لعلاّت واحدة، وكأن المعلم والمرشد واحد. لقد تعلمنا خلال العقود الأخيرة من بعد ظهور قناة الجزيرة، أن تلجأ الاحتلالات إلى غلقها بعد أن تتظاهر بأنها صبرت وصبرت عليها، فلم تجد حيلة سوى إغلاقها. حدث هذا حين تم قصف مكتبها في كابول خلال حرب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على أفغانستان، وتكرر أيضاً بعد عامين فقط من هذا، حين شنت أمريكا وبريطانيا حربهما على العراق، فكانت العاقبة أن تم قصف مكتب الجزيرة، فاستشهد زميلنا الإعلامي طارق أيوب، لتتسرب وثائق بعد سنوات أن بوش وبلير قررا قصف شبكة الجزيرة في الدوحة، ثم تخليا عن الأمر. الأنظمة العربية الاستبدادية التي شهدت ثورات الربيع العربي كلها تحصنت بإغلاق مكاتب الجزيرة ظناً منها أن ذلك سيحول دون انتفاضة الشعوب، فسعت إلى كسر المرآة وهي الجزيرة، ولم تصلح شكلها وسياستها والتي هي الأساس المشكلة الحقيقية لثورات الشعوب، وهي ما تعكسه الجزيرة وغير الجزيرة من وسائل الإعلام قديمة وحديثة، حين كانت تغطي أحداث الربيع العربي وثوراته. لا حاجة بنا، للتدليل على أهمية الجزيرة، ولا ضرورة للتأكيد على الفارق الكبير الذي أحدثته في العالم العربي، حتى بات البعض يطلق عليه عالم ما قبل الجزيرة، وعالم ما بعدها، ولكن على ما يبدو قرار الاحتلال الصهيوني الأخير بإقفال مكتب الجزيرة في رام الله، ومنعها من البث دليلاً آخر على أن عقلية الاحتلال هي ذاتها لا فرق بين أمريكي وبريطاني وإسرائيلي، وهو الأمر الذي شاركته معهم أنظمة الاستبداد العربية، الهادفة إلى خنق الحقيقة، لكن تفوّق الاحتلال الصهيوني ربما عن غيره بحجم الاستهدافات التي طالت أكثر من مائة صحفي خلال أشهر من اجتياحه لغزة، وهو الأمر الذي ينبغي أن يضعه في قائمة جينيس للأرقام القياسية، إذ لم يسبق لاحتلال أن قتل بدم بارد صحفيين وإعلاميين عزل في فترة قصيرة من احتلاله هذا العدد الضخم من الإعلاميين. على الرغم من أهمية وجود الجزيرة وغيرها من المحطات الفضائية في غزة لتغطية الجرائم الصهيونية بحق أهلنا، حيث المصداقية العالية التي لا تزال تحظى بها أمام الشعوب، مقارنة بوسائل الإعلام الحديثة، إلاّ أن مواقع التواصل الاجتماعي وفّرت منصات مهمة وريادية من أجل تغطية الحدث، وبات كل فلسطيني اليوم يملك منصة إعلامية وكاميرا ووسيلة نقل وهو الانترنت في نقل ما يراه ويشاهده ويشعر به، ولذا فإن مئات الآلاف من الجزيرة اليوم ممثلة بالمراسلين الشخصيين، تغطي من غزة، وستبقى تغطي من غزة، ولن يُفلح قرار الاحتلال الصهيوني بقفل الجزيرة ومنعها من التغطية في الحؤول دون نقل الحقيقة، حقيقة المعارك والمشاهد المحزنة التي يتعرض لها أهلنا في غزة الحبيبة على مدار الساعة. إن الحالة الشعبية الأوروبية بالوقوف إلى جانب الفلسطينيين والغزيين تحديداً لم تكن نتاج تغطية شبكة الجزيرة فقط، لقد أتت هذه الحالة نتيجة طوفان حقيقي من المعلومات اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، ففرضت حتى واقعاً جديداً على القنوات الفضائية الغربية بتغطية غزة بشكل واقعي وحقيقي، وهو ما ساعد على كسر الحصار الإعلامي الذي فُرض على المواطن الغربي لعقود، فظهر وكأنه لأول مرة يعرف المأساة الفلسطينية وتفاصيلها، وبالتأكيد فإن الفضل يُنسب هنا إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تحدثت استطلاعات رأي عن تغريدات ضخمة للحق الفلسطيني، وزادت أضعافاً مضاعفة مقارنة بحجم التغريدات التي كانت مؤيدة للكيان الصهيوني، وهو الأمر الذي لعب دوراً كبيراً وهائلاً في قلب المزاج الغربي، وحتى المزاج الأكاديمي الغربي والذي ظهر بشكل واضح وجلي في الجامعات الغربية العريقة، التي قامت بقطع علاقاتها مع جامعات الكيان الصهيوني. على هذه الخلفية نقول للكيان الصهيوني إن كنتم قد أغلقتم مكتب الجزيرة في رام الله، فقد فتحتم بذلك مكاتب للجزيرة في كل بيت فلسطيني سيقوم بنفسه بنقل الحقيقة، وفتحتم بذلك مكاتب للجزيرة في قلوب العالم العربي والإسلامي بحيث باتوا يتابعون كل منصة فلسطينية فردية أو جماعية لمعرفة الحقيقة. لم تعد اليوم الاحتلالات ولا الأنظمة الاستبدادية بقادرة على فرض أحادية الرأي، ولا على منع تغطية الحقيقة، في ظل سموات مفتوحة، وشباب وشابات يرابطون على نقل الحقيقة، فكيف بحقيقة نقل المعاناة.

1110

| 24 سبتمبر 2024

التصعيد في أوكرانيا والفرصة في سوريا

تحدثت تقارير موثوقة أخيراً عن انسحاب بعض مرتزقة وجنود روسيا من الأراضي السورية باتجاه الأراضي الروسية، إثر الانتكاسات والهزائم التي تعرضت لها روسيا أخيراً في أوكرانيا، والتصعيد الأخير بين الطرفين بات يهدد اليوم روسيا نفسها، بضرب عمقها بصواريخ بعيدة المدى، تقوم الدول الغربية بتزويد أوكرانيا بها، الأمر الذي دفع نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيدف إلى التهديد والوعيد بحرب نووية، وقوله إن صبر روسيا قد نفد، وهو التعبير الذي لطالما كرره منذ بداية الحرب. التقارير الموثوقة تحدثت عن انسحاب هذه القوات من الأراضي الروسية وشغورها من قبل المليشيات الطائفية، متزامناً مع تصريحات إيرانية عن حرب حسينية ويزيدية في المنطقة، الأمر الذي عكس مدى القلق ربما من التراجع الروسي على الجبهة السورية، مما سيضع الحليف الإيراني في مواجهة الثورة السورية، ليعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل 2015 سنة التدخل الروسي، وقد أشغلت الحرب الروسية في أوكرانيا الروس عن سوريا، حيث بات لهم ثلاثة أسراب جوية في قاعدة حميميم، مما يعني أن الغطاء الجوي الروسي لأول مرة لن يكون فعالاً كما كان يوم دخوله سوريا عام 2015، يوم هرع قائد فيلق القدس سابقاً قاسم سليماني طالباً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التدخل من أجل إنقاذ نظام الأسد، وتحديداً فيما يتعلق بالغطاء الجوي. المقلق للنظام السوري وحلفائه اليوم هو أن انشغال حلفائه في معاركهم قد يدفع الفصائل السورية إلى استغلال الفرصة، خصوصاً وأن الحديث يتزايد عن قرب معركة حلب، الأمر الذي سيجعل النظام السوري الذي يعاني أصلاً من قلة دعم حلفائه عسكرياً واقتصادياً، وحتى على المسرح الدولي، نتيجة عجزه وفشله في القدرة على تعويم نفسه وتسويق نفسه عربياً ودولياً، سيدفعه إلى مزيد من الحصار والضعف والتراجع. التصعيد الروسي الأوكراني وصل إلى مديات خطيرة، وصفه البعض بأنه على عتبة الحرب العالمية الثالثة، لاسيما مع تحذير بوتين من سماح الغرب باستخدام الصواريخ البعيدة المدى للأوكران، الأمر الذي يعني أن الغرب وأوروبا دخلوا الحرب ضد روسيا بحسب تعبير بوتين، أما وزير الخارجية البريطاني فقد وصف بوتين بالفاشي، وأنه لن يسمح له بإخراج الأمر عن مساره، والظاهر أن الغرب تعلم من أفغانستان في أن يدعم الحرب في أوكرانيا على نار هادئة، ليُجبر روسيا في لحظة ما على إعلان الهزيمة، تماماً كما حصل مع أسلاف الروس من السوفيت، وذلك من خلال استنزافها الطويل الأمد وهو ما تكرر في حرب أفغانستان خلال فترة الثمانينيات، والذي نجم عنه انسحاب القوات السوفيتية، ثم تفكك الاتحاد السوفيتي إلى دول وجمهوريات. الظاهر أن روسيا غدت في ظرف صعب وحالة أصعب، ولعلها لم تمر في هذه الحالة في تاريخها الحديث، إذ إن الحرب التي يدعمها الغرب في أوكرانيا، لم يسبق أن تعرضت لها من قبل الأوروبيين في تاريخها، فالحرب في أفغانستان لم تكن بنفس درجة شراسة الدعم الأوروبي للأفغان، وهو الأمر الذي يعجل بانسحاب روسيا ربما من ساحات دولية، ولعل الساحة الأكثر ترشيحاً لذلك هي الساحة السورية، نظراً لغوصها فيها سياسياً، إذ إنها فشلت طوال السنوات التسع الماضية من حسم الوضع فيها سياسياً، فضلاً عن عسكرياً، فإن كانت عاجزة عن الحسم في سوريا وهي التي لا تقارن بالوضع في أوكرانيا، فكيف ستقدر على الحسم عسكرياً على الساحة الأوكرانية. العالم يعيش حالة من السيولة وفقدان الوزن غير مسبوقة، إن كان على جبهات أوكرانيا وغزة، أو على جبهات سوريا ونحوها، وبالتالي فإن ثمة فرصا ربما تكون ثمينة للقوى المستعدة لتلك اللحظة، والتي تبدو فيها روسيا ضعيفة ومشغولة بنفسها. لقد ثبت تاريخياً أن القوى الدولية المحتلة للغير، إنما تهزم حين تتعرض لهزيمة داخلية، وهو ما تعانيه روسيا اليوم، وتنتظره الثورة السورية إن هي أتقنت قنص اللحظة التاريخية، فالنظام السوري لم يعد نظاماً حقيقياً وواقعياً، يُراهن عليه بعد أن رهن سوريا لاحتلالات متعددة، وبعد أن تفسخ وغدا خطره على الجوار أكثر من خطره على نفسه بحسب تعبير الكاتب البريطاني المختص بالشأن السوري ريتشارد ليستر في مقال له معروف في مجلة الفورين بوليسي.

783

| 17 سبتمبر 2024

لماذا لا يغار النظام السوري من إدلب؟

سؤال يردده أهالي المناطق السورية الخاضعة للنظام، وقد تحدث عنها أخيراً بعض من لجأ إلى المناطق المحررة في إدلب، حيث روى هؤلاء كيف أن حاضنة النظام السوري تلح هذه الأيام على مسؤولي النظام السوري بالسؤال لماذا لا تغارون من إدلب وأنموذجها، في ظل انشغال إدلب بمعرضها الذي خطف الأضواء والأصوات، ويركز هؤلاء على تذكير النظام بالخدمات التي تعيشها المناطق المحررة، وهي المغيبة عن مناطق النظام، وهي بالأصل خدمات طبيعية عادية إن قورنت بدول أخرى، ولكنها غدت رفاهية في الحالة السورية، وربما في حالة غيرهم من البلدان المجاورة كتوافر المياه والكهرباء على مدار الساعة، بالإضافة إلى الخدمات الأخرى. يقول أحد القادمين من مناطق النظام السوري إن الخبز المتوافر في مخابزكم لا يُقارن بالمتوافر لدينا، فضلاً عن غياب حياة الفرح والسرور نتيجة الضائقة الاقتصادية المتزايدة والمتعاظمة، مع تدني الرواتب، فراتب الشرطي في مناطق النظام السوري لا يتعدّى العشرين دولارا، بينما راتب الشرطي في المناطق المحررة يتجاوز المائة وخمسين دولاراً، وقد أثارت صفحة على الفيس بوك تتم إدارتها من إدلب قضية انقطاع الكهرباء يومياً في إدلب لمدة ساعة، ودعت إدارة الصفحة إلى مظاهرات تطالب الحكومة بوقف ما أسمته المهزلة وهو انقطاع الكهرباء لساعة، الأمر الذي أثار ردود فعل قوية ومستهجنة من ساكني مناطق النظام السوري، حيث كتب بعضهم، أنتم تنقطع عندكم الكهرباء لساعة ونحن تأتينا لساعة فقط، ولم يصدق الكثيرون منهم كلام الصفحة من أن الكهرباء متوافرة في المناطق المحررة لثلاث وعشرين ساعة. اللافت أن هذا التقدم إن كان بتأهيل الطرق والسدود كما هو الحال في سد البالعة، أو بتوافر الكهرباء، أو بتحسين المباني الجامعية، وإنشاء مبان جديدة، وتوفير خدمات صحية وخدماتية بشكل عام، كل ذلك يجري بموارد محلية، على الرغم من فقر إدلب في الموارد، بخلاف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، أو لكيان قسد، حيث يغيب النفط والغاز والفوسفات عن إدلب، وحتى يغيب عنها المعابر مع الدول الأخرى باستثناء معبر واحد وهو معبر باب الهوى، وهو الأمر الذي يعزز ما يتردد منذ عقود حيث حكم آل الأسد حجم السرقات والنهب الذي تعرضت له البلاد. معرض إدلب للكتاب والذي يستمر لعشرة أيام وتشارك فيه دور نشر وشخصيات علمية وازنة في فعاليته منح فرصة كبيرة للعالم كله أن يُتعرف على الوجه الحقيقي للمحرر بشكل عام، بعيداً عن التشويه والتضليل والتزييف، وقد ساعد على ذلك دخول عشرات اليوتيوبرز والمؤثرين إلى إدلب لنقل الصورة، يجري هذا في ظل غياب وسائل الإعلام الأخرى من صحف وفضائيات، ويسألونك عن سبب تراجع وسائل الإعلام التقليدية؟، إنه الغياب والتقاعد عن نقل الخبر ومواكبة الحدث والتطور الذي يعيشه المواطن، إن كان في إدلب أو غيرها. النظام السوري اليوم الذي يسيطر على كثير من الموارد السورية إن كان في الجزيرة، أو في حمص والجنوب السوري، وكذلك الساحل السوري، لكنه لم يحسن إدارة هذه الموارد في ظل الفساد المستشري، فضلاً عن تحكم الاحتلالات بالقرار السوري، بخلاف استقلالية القرار السياسي والعسكري والاقتصادي والخدماتي التي تحظى بها مناطق إدلب، وقدرتها على إدارة مواردها الفقيرة والمتاحة، فنجحت في تأهيل الطرق، وتشغيل شبكات الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى الارتقاء بالمستوى الصحي والتعليمي للمحرر، وهو ما شكل علامة فارقة، قدمت المحرر كثورة ناعمة، غيّرت من مزاج السوريين في دول الشتات وحتى المعارضين لنموذج إدلب، وكذلك لعب ذلك دوراً في عملية التغيير وسط المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، بحيث قلبت مزاج المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ضده وتعاطفاً مع تجربة إدلب من الناحية الخدماتية. عوامل كثيرة لعبت دوراً في ذلك كله، لكن بكل تأكيد على رأس هذه العوامل، العامل الذاتي حين اعتمدت إدلب على نفسها وذاتيتها وقدراتها وإمكانياتها، بالإضافة إلى انشغالات الأطراف الداعمة للنظام السوري، فالروسي اليوم مشغول، بل ومنهك في الثقب الأسود الأوكراني، والإيراني مشغول في مواجهاته مع الكيان الصهيوني، مما قد يوفر فرصة ذهبية للثورة السورية في الشمال المحرر، وبأية لحظة.

1674

| 10 سبتمبر 2024

إدلب بين معرض الكتاب ومعارض أخرى

لم تعد إدلب كما كانت عليه أيام النظام السوري محافظة مهمشة ومهملة، حيث الكثير يعتقد أن هذه المدينة الواقعة إلى شمال غرب سوريا على الحدود السورية ـ التركية دفعت ثمن وقوفها ضد النظام السوري منذ بداية وصوله إلى السلطة، إن كان من خلال ضربه بالبندورة والحذاء يوم زارها الرئيس الراحل حافظ أسد عام 1970، وهو يسوّق لنفسه، أو بسبب نفوذ وقوة جماعة الإخوان المسلمين في المحافظة خلال فترة الثمانينيات. لقد باتت إدلب اليوم عاصمة للثورة السورية، بحيث انضوى تحت لوائها كل المهجرين من أبناء المحافظات السورية، فاختصرت سوريا الثورة، بحيث تضاعف عدد سكانها أضعافاً مضاعفة نتيجة التهجير الذي حصل للسوريين، خلال السنوات الماضية، إذ تقدر منظمات دولية عدد سكان المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، وذراعها الحُكمي حكومة الإنقاذ بحوالي خمسة ملايين نسمة. وعلى الرغم من قلة الإمكانيات، بل وعدمها أحياناً، إلاّ أن الكيان في إدلب ربما يعد الآن بحسب زائرها أفضل بكثير من الكيانات الثلاثة التي تعيشها الحالة السورية اليوم، إن كان كيان الأسد أو كيان قسد التي تديره المليشيات الكردية، وكذلك الكيان الخاضع للسيطرة التركية، ولكن في المجمل تظهر الحالة الأمنية في كيان إدلب وما حولها أفضل بكثير مما هي عليه في المناطق الأخرى، بالإضافة إلى مركزية القرار والمؤسسات ممثلة بالمؤسسة القضائية والداخلية والعسكرية والأمنية، وكلها عززت من كيان إدلب، بخلاف الفوضى الأمنية التي تعيشها الكيانات الأخرى، ولعب توفير الخدمات من كهرباء وشبكات أمان عدة أخرى على المستوى القضائي والاقتصادي والخدماتي ذلك كله، بحيث يلجأ المشتري لشراء عقار ربما ثمنه مئات الآلاف من الدولارات، وهو واثق من امتلاكه هذا العقار بورقة استملاك خضراء تُعرف بالطابو، وهو ما عزز ثقة المواطن ورجل الأعمال بما وصلت إليه هذه المنطقة. طبعاً سيسأل البعض عن الحراك الذي هدف إلى إسقاط حكومة أحمد حسين الشرع والمعروف بالجولاني، لكن مع مضي نصف عام على الحراك إلاّ أنه فشل في طرح قيادة جماعية متفق عليها، في ظل شركاء متشاكسين، عزز ذلك الاتفاقيات المحلية المناطقية بين قادة الحراك المحليين وإدارات المناطق في إدلب، الأمر الذي أفقده زخمه، بالإضافة إلى أن الحراك لم يستطع أن يكسب واحداً بالمائة من المواطنين الموجودين في المحرر على الرغم من الفترة الزمنية الطويلة التي حازها، على الرغم من الحرية التي تمتع بها دون أن يطوله أحد، إلاّ في حالات خاصة، وفوق هذا كله عجزه عن تقديم قيادة واحدة بمشروع واحد يثق به الجمهور، ويجعله يندفع صوب الحراك بعيداً عن سلطة الأمر الواقع. إدلب اليوم تستعد لاستقبال معرض كتابها الثالث، ولكن هذه المرة في المركز الثقافي العربي في إدلب والذي تم تأهيله على الطريقة المعمارية الدمشقية وسط النوافير والجلسات التي تعكس الطابع الأموي الدمشقي، ومن المفترض أن تشارك فيه حوالي 40 دار نشر، وسط فعاليات ثقافية وشعرية وسياسية وأدبية، وتوقيع كتب، وحضور مميز لشخصيات عربية وإسلامية، ومنوعات أخرى، مما يعكس الوجه الحضاري والمدني الذي تعيشه هذه البلدة، وتعكس معه النمط الذي تريده حكومة الإنقاذ نقله وتعميمه على المناطق الخاضعة للنظام السوري. الحالة التعليمية والصحية والخدماتية التي تعيشها البلدة اليوم لا تُقارن بمثيلاتها في المناطق الأخرى، البعيدة عن حكمها، على الرغم من وجود أكثر من 1100 مخيم حيث المشردون ينتشرون فيها، ولكن من ناحية الخدمات المتوافرة في المدينة وفي البلدات والأرياف المحيطة بها، فإن الخدمات تعد مميزة في منطقة تشهد حروبا وأزمات، حيث الكهرباء أربعة وعشرين ساعة، مع توفر المياه والخبز ومختلف المواد، ورواتب معقولة قياساً بالموارد التي يملكها المحرر، وقياساً كذلك على الكيانات الأخرى الخاضعة لأسد وقسد والمناطق الخاضعة للسيطرة التركية، فراتب الشرطي لوحده قد يصل إلى 150 دولارا وهو ما لا يحلم به أكبر موظف في النظام السوري. إدلب اليوم تؤسس لحالة شبيهة بحالة أناضول العثمانيين التي انطلقت منها الدولة العثمانية، والتي لا تزال مساجدها تدعو لها في صلوات الجمعة حتى اليوم، ولذا فإن عبقرية مكان الثورة في إدلب ستظل ملهمة في حال انتصرت الثورة السورية لتتحول واقعاً وحقيقة إلى أناضول الثورة، مركزاً للانطلاق، ومقراً وظئراً للتراجع إن وقع.

2847

| 03 سبتمبر 2024

أفغانستان.. الوجه الجديد 12 | حكمتيار.. وجه قديم جديد

لا بد من حكمتيار وإن طالت الزيارة، حرصت خلال مكوثي في كابول أن ألتقي زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني قلب الدين حكمتيار، وهو الناجي الوحيد من القيادات السبع الأفغانية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس في عصر الغزو السوفياتي لأفغانستان، ومقاومته على أيدي المجاهدين الأفغان، بعد أن رحل الجميع باستثناء زعيم الاتحاد الإسلامي بزعامة عبد رب الرسول سياف الذي يقضي أيامه اليوم في تركيا بعد أن كان جزءاً من الحكومة الأفغانية التي أتت بعد غزو التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لافغاستان. كنت حريصاً خلال الزيارة أن أسأله عن رأيه بشخصيات إسلامية وسياسية عربية وأجنبية تعامل معها، فاتفقنا على تسجيل حلقة تلفزيونية، أسأله فيها عن رأيه بشخصية ويلخص لي رأيه بتلك الشخصية في دقائق معدودة، وقد فعل كعادته في حسن تعامله مع الإعلام منذ عرفته في الثمانينيات. ابتدأت السؤال عن نفسه، وقلت له هل يمكن أن تقدم نفسك بدقائق للقارئ العربي فقال:( من الصعب سرد حیاة حافلة بالأحداث في دقائق، لکن ما یمکنني أن أقول في هذه المناسبة هو أنني قررت ودخلت میدان هذا الکفاح وأنا طالب في الثانویة العامة ولم ألتحق بعدُ بالجامعة. کانت جامعة کابول قبل التحاقنا بها مرکزا للأحزاب والجماعات الیساریة الشیوعیة، وهي التي کانت تسیطر علیها، فکنا قلقین من هذه الناحیة وتشغلنا کیفیة مجابهة تلک الأوضاع السائدة علی الجامعة، لکن وبحمد الله عز وجل في الأیام الأولی من التحاقنا بالجامعة تم تأسیس الحرکة الاسلامیة (الشباب المسلم) وتمکنا خلال سنوات ثلاث من بسط نفوذ الفکر الاسلامي في الجامعة وغیرها من المؤسسات العلمیة والتعلیمیة، فأصبحت تحت سیطرتنا وحصلنا نحن الاسلامیين في انتخابات النادي الطلابي للجامعة علی ثلثي المقاعد وهذا هو ما أذعر الاتحاد السوفیتي وقرر تغییر النظام الحکومي في أفغانستان، لأنهم أیقنوا أن الأمر قد أفلت من ید الملک ظاهر وأصبح غیر قادر علی ادارة البلد بنحو ما یحقق مصالح الروس، فقرروا الانقلاب علیه؛ کنا آنذاک داخل السجن... قام الأمیر داود باشارة من الروس ومساعدة الیساریین الموالین لموسکو بانقلاب أبیض، سقطت الملکیة دون أن تراق ولا قطرة من الدماء. ومع وصول داود إلى السلطة شن حملة اعتقالات وسط الإخوة، وهو ما دفعنا إلى الهجرة، ثم إعلان الجهاد على الحكم الجديد، ثم حصل الانقلاب الشيوعي بزعامة طراقي، وتوالت انقلابات الشيوعيين على بعضهم حتى غزت موسكو أفغاستان، فتصاعدت المقاومة التي أرغمت بعد عشر سنوات السوفييت على الهزيمة. حين سألت حكمتيار عن الرئيس الراحل ضياء الحق الذي كان له علاقات مميزه فقال: ( أستطیع أن أقول إنه کان عسکريا ذا میول اسلامیة، یتعاطف مع الاسلام والمسلمین، وتقوت فیه النزعة الاسلامیة بعد لقاءاته العدیدة مع قادة المجاهدین واجتماعهم بهم. أنا واثق من أنه کان ملتزما بالصلاة والصیام وکان یأمل في قیام حکومة اسلامیة بید المجاهدین في أفغانستان، وما جمعه حوله من الضباط أيضاً کانوا مؤمنين وذوي نزعات ومیول اسلامیة مثله. وأری أنه کان مسلما عسکریا، لقد سمعت منه أنه يقرأ تفسیر تفهیم القرآن للإمام المودودي، کما کان ملتزما بصلاة التهجد في أيامه، ورأیته مرات وهو صائم وكان یفطر معنا. سألته عن صدام حسين فأجاب: لقد التقيت به ثلاث مرات ووجدته أكثر من توقعاتي، کان صاحب فکر وعزیمة قویة، سافرت ثلاث مرات الی بغداد والتقیت به فور وصولي وکانت اللقاءات طویلة ومفصلة، وجدته شهما ونبیلا بین كل قادة الدول العربیة. کان آنذاك حلیف الروس ولم یکن یؤید المجاهدین. وقد مر بتجربة حرب مع ایران، أنا زرت بعد الحرب طهران ثم بغداد شاهدت أن طهران قد دمرت أکثر بینما کانت بغداد سالمة لحد کبیر. قال لي صدام حسین إن طهران وتدخلاتها في شؤون العراق الداخلیة سبب في إشعال فتیل الحرب بین البلدین، حیث کانت تدعم الملیشیات الشیعیة بأنواع من الأسلحة وتشجعها علی الحرب ضد العراق. کان صدام یزعم أن ایران هي التي فرضت الحرب علی العراق، وأنا شخصیا شاهدت وسمعت خلال تواجدي في طهران شعارات من أمثال: طريق مكة يمر عبر كربلاء، کان الشباب یرددون مثل هذه الشعارات وینشرها الاعلام الایراني. علی کل حال کانت الحرب کارثة للبلدین تسببت في انهیارهما وتدمیر البنية التحتیة فيهما.

1179

| 27 أغسطس 2024

أفغانستان.. ندوب في الوجه الجديد

منذ وصولي إلى العاصمة الأفغانية كابول وحتى مغادرتي لها، والسؤال الكبير المطروح في كل جلسة واجتماع، لاسيما وسط المعارضين والمنتقدين لحكم طالبان لأفغانستان، منعهم لتعليم النساء في أفغانستان، حتى جعل ذلك مسؤولا أفغانيا رفيعا يقول نستطيع أن ندافع عن كل سياسة من سياسات الحكومة الأفغانية إلا هذا القرار الذي نراه غير معقول، وحين تتعمق في مسألة تعليم النساء في أفغانستان، تجد أن القضية تعود إلى قرن أو قرنين حين كان علماء تلك المنطقة يمنعون التعليم عن النساء بحجج واهية وهي أن التعليم يُفسد المرأة، ويدللون ربما بما جرى للمرأة الأفغانية وتحللها في جامعة كابول أواخر العهد الملكي ثم تعاظمه خلال الحكم الشيوعي. سعى علماء كثر ومن العالم العربي تحديداً خلال العقود الماضية، وخلال حكم طالبان إلى إقناع الحركة بتعديل موقفها، ولكن الواضح أن مسألة المنع غير مقتنع بها غالبية قيادات الحركة، باستثناء بعض المولوية ممن لهم نفوذ اجتماعي كبير، وبالتالي يصعب تجاوزهم، تماماً كما كان الأمر في المرة الأولى التي حكمت في الفترة الواقعة بين 1996- 2001، وهو الأمر الذي دفع اليوم كثيراً من الشعب الأفغاني وحتى من قيادات ومسؤولي طالبان أنفسهم إلى إرسال عائلاتهم بما فيها الزوجة والأولاد إلى باكستان وتركيا من أجل مواصلة التعليم، الأمر الذي أضاع أموالاً وجهوداً على الدولة الأفغانية، إذ عوضاً أن تنفق هذه الأموال في أفغانستان تذهب إلى الدول الأخرى، وهي التي بحاجة إلى كل روبية أفغانية نتيجة الفقر والبطالة والحصار الدولي المفروض عليها. تحدثت كثيراً مع المسؤولين الأفغان الذين التقيتهم ومع الشباب تحديداً التابعين للحركة والمنافحين عنها، فلا تجد منها إلاّ النظر إلى بعضهم والابتسامات ذات المغزى الكبير، وهم يحوقلون ويسترجعون، وبالتأكيد يرفضون مثل هذا القرار، وكنت أركز في أحاديثي معهم على أنني لن أتحدث عن الجانب الفقهي في ذلك، وإن كانت المسألة بينة واضحة بالنسبة لي، ولكن سأتحدث عن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية لمنع التعليم عن المرأة الأفغانية، على المجتمع الأفغاني بشكل عام. كما هو معروف للجميع أن الرجل اليوم في الغالب يقضي غالبية وقته خارج البيت مشغولاً بتوفير لقمة العيش الكريم لعائلته، أو هو مشغول بالعمل السياسي والحكومي كما هو الحال مع الحكومة، وبالتالي فإن الأولاد الذكور المسموح لهم بالدراسة سيواجهون مشكلة حقيقية فيمن سيتابع دروسهم إن كانت أمهم أمية لا تقرأ ولا تكتب، والأب مشغول حتى آخر الليل، وإن عاد مبكراً سيكون تعباً لا يقوى على تعليمهم فضلاً عن الصبر عليهم، وإلاّ فسيُحمل الأب مسؤوليات وانشغالات كثيرة ومضاعفة على المترتبة عليه. نصف المجتمع إن لم يكن أكثر في بلد يخوض حروبا منذ نصف قرن، أكلت شبابه وشيبه، وضاعفت بالتالي من أعداد النساء فيه، ولذلك فإن نصف المجتمع أو أكثر حكمت عليه بالشلل وبعدم الفاعلية وعدم الإنتاجية إن أنت منعت المرأة من التعليم في أفغانستان، فضلاً عن مشاكل على مستوى الصحة والطب، حيث إن المرأة هي الوحيدة القادرة على تطبيب ومعالجة نظيرتها، وهو الأمر الذي سيخلق مجدداً مشاكل اجتماعية واقتصادية ونحو ذلك من مشاكل. ليس من العدل والإنصاف لا للإسلام العظيم أن يُرمى بمنع تعليم النساء، وليس من العدل والإنصاف أن يُحرم نصف المجتمع الأفغاني من التعليم، وهو الأمر الذي سيلقي بظلاله على النصف الآخر، كون المرأة هي المدرسة الأولى، وهي الوحيدة القادرة والصبورة على متابعة دروس الأطفال، وبدون تعليمهن سيتحول المجتمع إلى مجتمع أمي جاهل، في عصر ندلف فيه إلى الرقمية والعصرنة والذكاء الاصطناعي، بحيث كل لحظة وكل دقيقة تقفز فيه الإنسانية ربما سنوات وقرون عما كانت عليه في الماضي.

1044

| 20 أغسطس 2024

alsharq
العدالة التحفيزية لقانون الموارد البشرية

حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم...

8715

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
TOT... السلعة الرائجة

كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...

6912

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

4848

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
الذاكرة الرقمية القطرية.. بين الأرشفة والذكاء الاصطناعي

في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها...

2280

| 07 أكتوبر 2025

alsharq
بكم نكون.. ولا نكون إلا بكم

لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة...

1671

| 08 أكتوبر 2025

1632

| 08 أكتوبر 2025

alsharq
دور قطر التاريخى فى إنهاء حرب غزة

مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،...

1530

| 10 أكتوبر 2025

alsharq
العدالة المناخية بين الثورة الصناعية والثورة الرقمية

في السنوات الأخيرة، تصاعدت التحذيرات الدولية بشأن المخاطر...

1086

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

1068

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
هل قوانين العمل الخاصة بالقطريين في القطاعين العام والخاص متوافقة؟

التوطين بحاجة لمراجعة القوانين في القطــــاع الخـــــاص.. هل...

954

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
هل تعرف حقاً من يصنع سمعة شركتك؟ الجواب قد يفاجئك

حين نسمع كلمة «سمعة الشركة»، يتبادر إلى الأذهان...

939

| 10 أكتوبر 2025

alsharq
فلنكافئ طلاب الشهادة الثانوية

سنغافورة بلد آسيوي وضع له تعليماً خاصاً يليق...

915

| 09 أكتوبر 2025

أخبار محلية