رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد موفق زيدان

@ahmadmuaffaq

مساحة إعلانية

مقالات

2859

د. أحمد موفق زيدان

إدلب بين معرض الكتاب ومعارض أخرى

03 سبتمبر 2024 , 02:00ص

لم تعد إدلب كما كانت عليه أيام النظام السوري محافظة مهمشة ومهملة، حيث الكثير يعتقد أن هذه المدينة الواقعة إلى شمال غرب سوريا على الحدود السورية ـ التركية دفعت ثمن وقوفها ضد النظام السوري منذ بداية وصوله إلى السلطة، إن كان من خلال ضربه بالبندورة والحذاء يوم زارها الرئيس الراحل حافظ أسد عام 1970، وهو يسوّق لنفسه، أو بسبب نفوذ وقوة جماعة الإخوان المسلمين في المحافظة خلال فترة الثمانينيات. لقد باتت إدلب اليوم عاصمة للثورة السورية، بحيث انضوى تحت لوائها كل المهجرين من أبناء المحافظات السورية، فاختصرت سوريا الثورة، بحيث تضاعف عدد سكانها أضعافاً مضاعفة نتيجة التهجير الذي حصل للسوريين، خلال السنوات الماضية، إذ تقدر منظمات دولية عدد سكان المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، وذراعها الحُكمي حكومة الإنقاذ بحوالي خمسة ملايين نسمة.

وعلى الرغم من قلة الإمكانيات، بل وعدمها أحياناً، إلاّ أن الكيان في إدلب ربما يعد الآن بحسب زائرها أفضل بكثير من الكيانات الثلاثة التي تعيشها الحالة السورية اليوم، إن كان كيان الأسد أو كيان قسد التي تديره المليشيات الكردية، وكذلك الكيان الخاضع للسيطرة التركية، ولكن في المجمل تظهر الحالة الأمنية في كيان إدلب وما حولها أفضل بكثير مما هي عليه في المناطق الأخرى، بالإضافة إلى مركزية القرار والمؤسسات ممثلة بالمؤسسة القضائية والداخلية والعسكرية والأمنية، وكلها عززت من كيان إدلب، بخلاف الفوضى الأمنية التي تعيشها الكيانات الأخرى، ولعب توفير الخدمات من كهرباء وشبكات أمان عدة أخرى على المستوى القضائي والاقتصادي والخدماتي ذلك كله، بحيث يلجأ المشتري لشراء عقار ربما ثمنه مئات الآلاف من الدولارات، وهو واثق من امتلاكه هذا العقار بورقة استملاك خضراء تُعرف بالطابو، وهو ما عزز ثقة المواطن ورجل الأعمال بما وصلت إليه هذه المنطقة.

طبعاً سيسأل البعض عن الحراك الذي هدف إلى إسقاط حكومة أحمد حسين الشرع والمعروف بالجولاني، لكن مع مضي نصف عام على الحراك إلاّ أنه فشل في طرح قيادة جماعية متفق عليها، في ظل شركاء متشاكسين، عزز ذلك الاتفاقيات المحلية المناطقية بين قادة الحراك المحليين وإدارات المناطق في إدلب، الأمر الذي أفقده زخمه، بالإضافة إلى أن الحراك لم يستطع أن يكسب واحداً بالمائة من المواطنين الموجودين في المحرر على الرغم من الفترة الزمنية الطويلة التي حازها، على الرغم من الحرية التي تمتع بها دون أن يطوله أحد، إلاّ في حالات خاصة، وفوق هذا كله عجزه عن تقديم قيادة واحدة بمشروع واحد يثق به الجمهور، ويجعله يندفع صوب الحراك بعيداً عن سلطة الأمر الواقع.

إدلب اليوم تستعد لاستقبال معرض كتابها الثالث، ولكن هذه المرة في المركز الثقافي العربي في إدلب والذي تم تأهيله على الطريقة المعمارية الدمشقية وسط النوافير والجلسات التي تعكس الطابع الأموي الدمشقي، ومن المفترض أن تشارك فيه حوالي 40 دار نشر، وسط فعاليات ثقافية وشعرية وسياسية وأدبية، وتوقيع كتب، وحضور مميز لشخصيات عربية وإسلامية، ومنوعات أخرى، مما يعكس الوجه الحضاري والمدني الذي تعيشه هذه البلدة، وتعكس معه النمط الذي تريده حكومة الإنقاذ نقله وتعميمه على المناطق الخاضعة للنظام السوري.

الحالة التعليمية والصحية والخدماتية التي تعيشها البلدة اليوم لا تُقارن بمثيلاتها في المناطق الأخرى، البعيدة عن حكمها، على الرغم من وجود أكثر من 1100 مخيم حيث المشردون ينتشرون فيها، ولكن من ناحية الخدمات المتوافرة في المدينة وفي البلدات والأرياف المحيطة بها، فإن الخدمات تعد مميزة في منطقة تشهد حروبا وأزمات، حيث الكهرباء أربعة وعشرين ساعة، مع توفر المياه والخبز ومختلف المواد، ورواتب معقولة قياساً بالموارد التي يملكها المحرر، وقياساً كذلك على الكيانات الأخرى الخاضعة لأسد وقسد والمناطق الخاضعة للسيطرة التركية، فراتب الشرطي لوحده قد يصل إلى 150 دولارا وهو ما لا يحلم به أكبر موظف في النظام السوري.

إدلب اليوم تؤسس لحالة شبيهة بحالة أناضول العثمانيين التي انطلقت منها الدولة العثمانية، والتي لا تزال مساجدها تدعو لها في صلوات الجمعة حتى اليوم، ولذا فإن عبقرية مكان الثورة في إدلب ستظل ملهمة في حال انتصرت الثورة السورية لتتحول واقعاً وحقيقة إلى أناضول الثورة، مركزاً للانطلاق، ومقراً وظئراً للتراجع إن وقع.

مساحة إعلانية