رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

المذكرات بين المكتوب والبودكاست

كثيراً ما يواجه أحدنا بسؤال من الجيل الشبابي الصاعد، ماذا تنصحوننا أن نقرأ، ويتناسب التأكيد على السؤال طرداً مع تأكيدك على الجيل الحالي أن يقرأ الكتب، فهي التي تشكل الثقافة العميقة، أما الالتفات إلى الماجريات، والانغماس في مواقع التواصل الاجتماعي، فلا تُربي ثقافة عميقة، ولا تُنتج شخصية متوازنة، تفهم الأمور بسلبياتها وإيجابياتها، لتخلص إلى الرأي السديد.. عادة ما أردُّ على من يسألني هذا السؤال، بالقول: اقرأ ما تحب، وما ترغب بقراءته، ولا تقرأ ما أنت مُرغم على قراءته، وكثيراً ما يخبرني النشء الجديد بأن ما يستهويه هو قراءة الروايات، فأقول حسناً، هذا رائع لأن قراءة الروايات، هي من تقدم لك طبيعة كتابة المحتوى، لأن القصص الإنسانية وتركيبة القصص، هي الأقدر على الوصول إلى الإنسان، كما أنها الأسلس والأجمل في كتابة محتواك على مواقع التواصل الاجتماعي، وهنا أنفذ إلى نصيحة النشء الجديد بالحرص على قراءة المذكرات، أو مشاهدة أو الاستماع إلى البودكاستات، والتي تشكل اليوم المذكرات المصورة، خصوصاً، وأن خاصية تسريع المقابلات تختصر الكثير من الوقت والجهد، كما أنها توفر للمستمع أو المشاهد في أن يقوم بها بأوقات لا تناسب قراءة الكتب، مثل الاستماع خلال رياضة المشي، أو خلال قيادة السيارة، وغيرها من الأوقات التي يستطيع المرء أن يشاهد أو يستمع فيها للبودكاستات. من خلال المذكرات مقروءة أو مصورة نتعرف على ذواتنا، ونكتشف أنفسنا، فكثيراً ما نتشاطر كبشر نفس المشاكل، وذات الأمنيات والطموحات، وحين نرى أن هذه المشاكل أو العقبات أو الأمنيات نتشاطرها مع غيرنا، نكتشف أنفسنا أولاً، وتتعزز ثقتنا بأنفسنا، فنخلص إلى أن هذه ظاهرة وليست قصة منعزلة، ولذلك حلّها والرد عليها إنما هو تسوية لظاهرة بشرية عامة. الأجمل أن يحرص كل صاحب مهنة على مشاهدة بودكاست زميله في المهنة نفسها، فمن خلاله يتعرف على الكثير من متاعب المهنة، وكيفية مواجهتها، وقد يفوتنا الاستفادة من زملاء مهنتنا، الذين يجلسون بجانبنا، ظانين أن الحل في البعيد، وفي بطون الكتب ومراكز التفكير وصناعة الرأي، بينما الحل على مقعد قريب منا، وهو عند زميل مهنتنا، الذي ربما واجه المشكلة نفسها، فوجد حلها، أو تعرف على حل المشكلة من خلال قراءاته، أو ممارساته العملية، ولذا فعلى المرء، أن يلتفت إلى من هو بجانبه، كما يعلموننا خلال ركوب الطائرة أن نلتفت إلى ما هو حولنا لمخرج الطوارئ، فقد يكون قريباً منا، فيكون الحال كما شبهه الشاعر العربي: كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق رؤوسها محمول في قراءة المذكرات، أو الاستماع إلى البودكاستات يتقارب أمامك الزمان والمكان، فسيرة شخصية لخمسين أو ستين عاماً يتم جلبها لك في غضون ساعات، بحيث تستمع إليها أو تقرأها، كما أنه اختصار للمكان، حيث تختزل لك المذكرات كل الأمكنة والجغرافيا التي وصل إليها صاحب المذكرات، فيأتيك بها إلى ما أنت فيه، جالس على أريكتك، أو تمشي في حديقة أو تقود سيارتك، فتستمع إلى تجارب صاحب المذكرات متنقلاً في بلاد الله الواسعة. لا شك أن العكوف على المذكرات يُعمق التجربة الإنسانية ويعمق معها التجربة المهنية، فأعظم الجوامع المتفق عليها بين أصحاب المهن، وأتفادى العثرات والعقبات والمشاكل، وهو ما يقودنا إلى تهذيب الشخصية، فيتأسى بالإيجابيات، ويتحاشى السلبيات، لاسيما وأن صاحب المذكرات ينقلك إلى زمن لم تعشه، وعصر لم تعهده، وبالتالي يراكم بذلك من معرفتك وحكمتك، ويجعلك تعيش أكثر من عصر وأكثر من زمن. لم تكن المذكرات وليدة العصور الحديثة، فقد كانت وليدة العصر الروماني يوم وثق أمراء الرومان مذكراتهم، ودونوها لمن خلفهم، وبالتالي وثقوا عصرهم، مما جعل ذلك الإرث الروماني العتيد يصل إلينا، بل وحين فتح محمد الفاتح القسطنطينية حرص على الإبقاء على كل ما هو مدون رومانياً، وترجمه إلى اللغة التركية، وذلك من أجل عملية التراكم الحضاري في قيادة الدول، وعمل البيروقراطية الإدارية لدوائر الدولة. المذكرات بكل تأكيد قد تبدو في كثير من الأحيان عبارة عن مرافعة الشخص عن نفسه أمام محكمة التاريخ، وبالتالي قد يعتورها الكثير من الجوانب الشخصية، لاسيما إن كانت الشخصية جدلية، ولكن في المجمل قراءة المذكرات، خصوصاً إن تقاطعت مع مذكرات منافسيه، تساعد كثيراً على اكتمال الصورة، لاسيما وقد غدت المذكرات اليوم مصدراً مهماً للمؤرخين في قراءة وكتابة التاريخ. ما نعانيه كعرب هو ضعف الجانب المذكراتي لدى الشخصيات السياسية التي لعبت أدوارها في تاريخ الأمة، ولذا فنلجأ إلى التعويض عن ذلك بالركون إلى مذكرات الأجانب، وهي سلبية كبيرة نواجهها في فهم ما جرى ويجري، ويواجهها المؤرخون في توثيق تلك المرحلة، لغياب الرواية العربية الحقيقية، وحتى في حال كتابة هذه المذكرات نجد ضعفاً في كتابتها كمذكرات، بخلاف الأمر في العالم الغربي، لأنهم يعتمدون على محررين لمن يكتبون مذكراتهم، بالإضافة إلى الجانب الدعائي الذي يرافق نشرها. وأخيراً نذكر أن البودكاستات اليوم، ما هي إلا مذكرات مصورة، ولذا على البعض ألا يحولها إلى بودكاست تحليلي أو تقريري أو للرأي، فلكل هويته التي تعارف عليها البشر، وهوية البودكاست مذكرات مصورة، ينبغي أن يأخذ الضيف راحته في الرواية، فهي ليست استجوابًا أو مقابلة، يناقش فيها الضيف ليحاجج أو يُحرج...

990

| 22 أبريل 2025

سوريا تستعيد هويتها

كانت الطائرة الأولى التي أقلتنا من مطار اسطنبول إلى دمشق، بعد انتصار الثورة السورية، بالنسبة لي عبارة عن تجلٍ واضح من تجليات استعادة الهوية السورية، فقد حرص الركاب من أول دخول لهم صالة المغادرين على حمل الأعلام السورية الجديدة الخضراء، كإعلان واضح عن قطع العلاقة لكل ما يمتُّ بصلة إلى سوريا التي جعلها حكم الأسدين حكراً للعائلة، فرفع شعاره سوريا الأسد، رافق حمل الأعلام الهتافات الثورية، واستعادة سوريا لأهلها، وتواصلت معها الهتافات المختلطة بمشاعر الفرح والدموع على متن الطائرة، ليصل الأمر ذروته حين أعلن الطيار عن الهبوط في مطار دمشق الدولي.. سيدة بجانبي وأمثالها كثر كانت الدموع تجري جرياناً من عيونها، وهي التي حُرمت دخول البلد لفترة طويلة.. كان البعض قد حُرمه لأربعة عقود وبعضهم أقل، لكن الكل كان مجمعاً على أنه يعود إلى سوريا الحقيقية، سوريا التي أحبها من داخله، ولكن كان كل شيء فيها أيام الحكم البائد يجعله ينفر منها. استقبالات الأحبة للعائدين الجدد في المطار، كانت تحكي قصة أخرى عن ألم الفراق، وروعة العودة واللقاء، ومعه إصرار الجميع على فرض وواجب بناء سوريا الجديدة بأيدي أبنائها، أما على أرض الواقع، فثوار الشام، سبقوا الجميع يوم قطعوا الصلة بالعهد البائد، قطعوه بدمائهم التي أراقوها على ثراه، وبهجرتهم من مناطقه المحتلة، فرفعوا كل ما يمت إلى العهد السابق علناً دون وجل أو خوف، من قتال للعصابة البائدة، وتمزيق كل رموزها في المدن الرئيسة التي حرروها، ولا أنسى يوم أصرّ الثوار على غسل ساحة سعد الله الجابري وساحة العاصي بالماء، وكأنه إشارة واضحة ودلالة عظيمة على كنس وشطف وغسل كل تلك الحقبة الأسدية التي جمّدت تاريخ سوريا، بل وأعادتها للوراء. * عودة الكفاءات السورية إلى دمشق، وإصرار من وراءهم على العودة، يشير بشكل واضح وجلي على عزم الجميع بناء سوريا التي حلُم بها أول ثائر انتفض ضد الظلم الأسدي ليس في انتفاضة 2011 فقط وإنما منذ الستينيات في مسجد السلطان بحماة أو الأموي في دمشق، أو في ساحات التظاهر في حلب وإدلب والتي هتفت منذ عام 1980، لا إله إلاّ الله والأسد عدو الله. تعود سوريا اليوم إلى أهلها، ويعود أهلُها إليها بعد أن هُجروا عنها طوال عقود، فجعلهم طوال تلك الفترة حكم الأسد المؤسس أنهم محبوسون في قفص يدعى المادة الثامنة للدستور، والتي نصت على أن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع، ولكن بانتصار الثورة السورية المباركة وإعلان وقف العمل بالدستور كله، ثم بدعوة أطياف الشعب السوري على مستوى المحافظات السورية، ودعوة ممثلين عنه في مؤتمر الحوار الوطني، استعادت سوريا والسوريون دورهم من جديد في رسم خريطة طريق لهم، فكان أن خرج الإعلان الدستوري، وتم تشكيل الحكومة، واستكمل بناء المؤسسات، لتنطلق عجلة الحركة السياسية نحو الخارج والاقتصادية باتجاه الخارج والداخل، ومعها الحركة التنموية التي لن تتوقف بإذن الله بدعم الأشقاء وقبله بدعم أبناء سوريا البررة حتى نستعيد بناء سوريا التي حلمنا بها جميعاً. * حين تتجول في المحافظات السورية، تلمس البناء والعمل على مدار الساعة، وذلك من درعا ودمشق إلى حلب والجزيرة وما بينهما، فكان لانسحاب قوات قسد من سد تشرين وكذلك من حقول النفط والغاز في الشرقية، إشارة واضحة لاستعادة الدولة مؤسساتها، وكذلك مواردها، مما سيعود بالنفع والفائدة بإذن الله على السوريين، وقبله استعادة المناطق السورية الشرقية التي عانت الظلم البائد والكثير من النظام وقسد وداعش. إعلان الدولة السورية عن إزالة كل ما يرمز للعهد البائد، وإطلاق عجلة تنظيف الشوارع والبنايات في كل المدن السورية، مما يعكر الهوية البصرية ويشوشها، المتضمنة لصور العهد البائد وعلمه وما يرمز له، سيُعزز الهوية السورية الجديدة، خصوصاً بعد أن أولت الحكومة اهتمامها بالمسجد الأموي لرمزيته ليس على المستوى السوري فقط وإنما على المستوى العالمي والإسلامي تحديداً. * اليوم كل سوري تلتقيه في المدن السورية، يشعر أن الوطن قد عاد إليه، ويشعر بقيمته، بعد أن كان كل سوري يرى أنه بلا سقف وبلا جدران وبلا حائط لهذا الوطن الذي فرضت عليه هويته وشكله وقادته، فقد غدا لآخرين، أما السوري في الخارج فأصبح عارياً لا أحد يستره قانونياً، ولذا رأينا تغير النظرة الجوارية والاقليمية والعالمية، تجاه السوريين مع أول سقوط للنظام البائد، واستعادته لحريته، مع قدرته على العودة إليه. عاد الوطن لأهله، وعاد الأهل لوطنهم، عادوا ليتجولوا جميعهم من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، كل هذا بفضل من رحل وضحى لنحيا نحن، وبفضل من تمسك أيضاً بخيار الراحلين حتى تمكن من تنفيذ وصيتهم بتحرير سوريا، وإعادتها إلى أهلها، لنرسم جميعاً مستقبل سوريا، وهوية سوريا الحقيقية عائدة للسوريين، ولحضنها العربي الذي لطالما مارس النظام البائد ابتزازات عربية لمجرد البقاء في صفهم، وكأن بقاءه مع العرب له ثمن ينبغي دفعه له.

1119

| 15 أبريل 2025

تل أبيب والعبث الإقليمي والدولي في سوريا

دأب الكيان الصهيوني على تسويق سرديته خلال الأشهر الماضية من أنه يردُّ بحربه وعدوانه على غزة على هجوم السابع من أكتوبر، الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية حماس على غلاف غزة، متجاهلاً سنوات احتلاله الممتدة لقرن، وممارساته الفظيعة بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، لكن ممارساته الأخيرة التي استهدفت سوريا قصفاً بالطيران والمدفعية وتوغلاً بالدبابات والعربات العسكرية في الجنوب السوري، نسف الرواية الصهيونية هذه، وضخ دماءً جديدة في شريان رواية متخمة بالأدلة والبراهين على عدوانية الدولة العبرية، وهي الرواية والسردية التي لا تفتقر لمثل هذه الأدلة، في ظل الممارسات اليومية لها. * العهد السوري الجديد الذي أعلن منذ اليوم الأول بأنه معني بإعادة إعمار ما دمرته سلسلة الحروب على الشعب السوري لنصف قرن، وتحديداً لـ الثلاثة عشر عاماً الأخيرة، لم تشفع له، وظلت الدولة العبرية المتعطشة للدماء والسلب والنهب والعدوان والقضم، على استغلال الواقع السوري الصعب، إن كان بانشغاله بلملمة جراحاته، أو باستقواء الطرف الصهيوني بالحليف الأمريكي، وبحالة الضعف العربي حيال التعاطي مع العدوان على غزة، بالإضافة إلى استباحته للسماء السورية التي فقدت كل ما لديها من إمكانيات تصدي جوية، لاسيما بعد أن سلّمت العصابة الأسدية قبل سقوطها، كل خرائط ومعلومات الأسلحة الإستراتيجية السورية للكيان الصهيوني بحسب الصحف الإسرائيلية، وتولّت قصفها وتدميرها، وحرمان الشعب السوري من مقدراته التي دفع ثمنها من قوت يومه. * المتتبع لسنوات الثورة السورية، يرى بوضوح نأي الدولة العبرية بنفسها عن التدخل المباشر في مناطق الثورة، حتى المجاورة لها، واكتفت بقصف مواقع المليشيات الإيرانية في الفترة الأخيرة، لكنها صمتت تماماً عن تدخلها في السنوات الأولى للثورة، كما أنها رفضت التدخل مطلقاً، حين كانت قوات شهداء اليرموك المحسوبة على داعش قريبة منها، وهو ما يضع ألف إشارة استفهام اليوم على مغزى التحرك الصهيوني ضد الدولة السورية الجديدة، وبالتالي فما هي المآلات التي قد تأخذنا إليه مثل هذه التحركات، في ظل إصرار صهيوني على تقويض سيادة العهد الجديد، وهو ما تستقوي به كيانات وطوائف داخلية، أملاً في لا مركزية أو فيدرالية، وهو المطمح الصهيوني الذي لا يخفيه منذ فترة طويلة. حين حذرت بعض الدول الغربية من تقويض الاستقرار الإقليمي والدولي نتيجة هذه الغارات الصهيونية، والتي بلغت أكثر من 750 غارة صهيونية منذ انتصار الثورة السورية، مستهدفة الأسلحة الإستراتيجية السورية على امتداد الأرض السورية، فإن هذا التحذير يعني باختصار أن الفراغ الذي ستُحدثه مثل هذه الغارات، سيكون مدخلاً للقوى المعادية للاستقرار والسلام في المنطقة، وبالتالي فيمكن أن تعود القوى التي طردتها الثورة السورية من الباب، عبر الشباك، وهو الأمر الذي ينبغي أن يتحمل مسؤوليته الكيان الصهيوني وحده، خصوصاً ونحن نرى الحالة الشعبية السورية الغاضبة والمتصاعدة ضد هذه الغارات المستهدفة أولاً سوريا، وقد امتدّ هذا الغضب إلى العدوان المتواصل بشكل لحظي على غزة، مما يزيد من وقود وحطب الغضب الشعبي السوري نتيجة تعاظم المعاناة الغزية على امتداد الستة عشر شهراً الماضية، والتي لا تزال مستمرة ومتواصلة ومهددة بنتائج ربما أصعب مما عانته غزة. * المجتمع الدولي مُطالب اليوم وبقوة وبشكل عاجل بالأخذ على أيدي الكيان الصهيوني، فحتى الحكومة السورية الجديدة المشغولة على كثير من الجبهات، ستكون ربما عاجزة عن ضبط الواقع السوري في حال استمرار مثل هذه الغارات، إن كان باختراقات داخلية وخارجية للواقع الأمني السوري، أو بخروج الغضب الشعبي السوري عن مساره نتيجة الاستهدافات الداخلية، أو بسبب استمرار العدوان على غزة، ونحن نلمس اليوم تصاعداً في المظاهرات والاحتجاجات السورية على امتداد جغرافية سوريا ضد النزيف المستمر في غزة. لا شك فإن الواقع العربي كله متعاطف مع غزة، وبالتالي ما يجري فيها يمسّ كل مدينة وبلدة عربية وإسلامية، وبالتالي فإن استمرارية العدوان عليها، قد يمتد تأثيره وانعكاساته على هذه البلدات والمدن، لكن بالمقابل فإن سوريا التي خرجت من تحت الأنقاض والحروب المرهقة والمثقلة بحاجة إلى حالة من النقاهة، وهي اليوم مشغولة بمداواة نفسها، إن كان على مستوى الخدمات المدمرة، والبيوت المحطمة والدولة الفاسدة المفسدة، ولذا فإن جهاد البناء مستمر على كل الجبهات، ويستدعي جهود الجميع، وحرفها عن مسيرتها هذه إضرار بدول المنطقة قبل أن يضر بها فقط، فسوريا ليست دولة هامشية في الإقليم كما هو معروف، فهي تشكل خط الصدع، وفالق الزلزال، ولذا على الجميع أن يتنبه لخطورة ما يجري فيها، وعواقب ونتائج التحركات الصهيونية المستهدفة لوحدتها واستقرارها، لأن وقوع الزلزال هذا ستشمل قوته التدميرية الجميع، لاسيما مع هزات ارتداداته.

822

| 08 أبريل 2025

لنصف قرن.. أول عيد سوري بلا حكم الأسد

للعيد السوري هذا العام بهجة لا تُعادله بهجة، العيد الذي لطالما حُرمته عشرات الآلاف من العائلات قبل الثورة السورية، وحُرمته ملايين العائلات بعد انطلاق الثورة السورية، حتى انتصارها في الثامن من ديسمبر الماضي، يعود اليوم بألق وحلّة وبهجة جديدة لا يُعادلها شيء أمام السوري المهجر والمغيب والمعتقل، الذي لم يكن يخال ليوم واحد، أن العيد سيجمعهم في حماة وإدلب ودير الزور ودرعا والساحل والشرقية وغيرها من المدن والبلدات السورية. يعود اليوم بألقه وبهجته، وتناغم بين الحاكم والمحكوم، بعد أن ظلت الحكومة، لأكثر من نصف قرن، يراها السوري عدوه الأول، فيتعامل معها على خوف ورعب ورهبة. رحل حكم الأسدين، ورحل معهما كل أنواع القهر والاستبداد، والخوف والظلم، ورحلت معهما كل أدوات حكمهما، من مكابس، ومحارق، وحفر أسيد، وتعذيب، وتهجير، رحلت معهما جمهورية صيدنايا التي شيدوها لنصف قرن، وحلّ محلها جمهورية الفتح، وجمهورية الخلاص من الاستبداد، ولقاء الأحبة الذين انقطعوا عن بعضهم بعضاً لعقود، قضوها إما في سجون جمهورية صيدنايا، أو في فيافي التهجير والغياب عن الوطن. * هذا العيد سبقه عيد حقيقي، يوم رمت مروحيات كانت بالأمس القريب تلقي حممها وقنابلها وبراميلها المتفجرة على السوريين، فغدت ترميهم اليوم بالورود، كان ذلك في الذكرى السنوية العاشرة لفتح مدينة إدلب، والتي صادفت قبل أيام من العيد السعيد، فتحولت أيام المهجرين في المخيمات، وأيام من تجمعوا في ساحات المدينة التي انطلق منها فتح سوريا كلها، إلى عيد حقيقي، وفرحة لا تعادلها فرحة، لاسيما وأن طياري هذه الطائرات هم من كانوا معهم بالأمس في المخيمات وفي الجبهات التي قاتلت العصابة البائدة. * عاد المغتربون والمنفيون الذين ظل بعضهم لنصف قرن خارج الوطن، هرباً من حكم الأب ثم الابن، عادوا إلى مدنهم وبلداتهم، وعادت معهم الفرحة والبسمة، وعادت معهم الحياة الحقيقية للمدن التي غيبوا عنها، بعد أن عاشت هذه المدن والبلدات على خوف من أن تذكر حتى أسماؤهم، أو أن تشير إليهم، لكن اليوم عادوا، وعادت معهم تجارب سنين الهجرة والتهجير، مما سيُغني سوريا المستقبل بإذن الله بتلك الخبرات والتجارب التي تراكمت لديهم على مدى نصف قرن في الهجرة والغربة. وعلى الرغم من قلة أعداد المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم، حيث ظهر أن الحكم البائد قد لجأ إلى تصفية الغالبية منهم، ولكن مع هذا عادت الفرحة والبسمة إلى وجوه ذويهم وأقاربهم، على الرغم من حالة الحزن والأسى التي خيمت على عشرات الآلاف من العائلات التي كانت تنتظر فلذات أكبادها بعد التحرير، فوجدت أنهم قد قضوا في سجون العصابات البائدة، فظلت حسرة لدى أمثالهم. * أما المهجرون الذين لا يزالون يقضون أيامهم في خيام التشرد وهم بالملايين، إما نازحون في الشتات السوري، أو مهاجرون في الشتات العالمي، فقد عاد بعضهم وهم قلة، لتفقد بيوتهم المدمرة والمحطمة، ونقل بعضهم خيامه التي بناها في مخيمات الشتات السوري، لينصبها على أنقاض منزله وبيته، ومن لديه فضل مال عن أكله وشربه، وهم أقل القليل لجأ إلى ترميم بيته المتهالك لعله يعيش فيه، ويتكسب من أرضه القريبة من بيته. * أما الهدية الكبرى التي سبقت العيد هذه المرة، فهي تشكيلة الحكومة السورية، والتي طالت ولادتها، حيث ولدت قبل يومين فقط من العيد، فكان العيد عيدين، إذ إن التشكيلة لقيت قبولاً واستحساناً لدى كافة الشرائح السورية، كما رحبت بها الدول العربية والإسلامية والغربية، مما أشاع ذلك جواً من التفاؤل والأمل لدى السوريين، في أن العالم سيتعامل مع العهد الجديد، وهو ما يعني تخفيف العقوبات الظالمة المفروضة عليه، والتي تمنعه من تحويل أموال، وغيرها من العقوبات التي تشل حياته الاقتصادية والتعليمية والطبية والعسكرية والمدنية والخدماتية بشكل عام، وتجعل سماءه وأرضه نهباً للبلطجة الصهيونية، حيث تتكاثر الغارات التي يشنها الطيران الصهيوني على الأرض السورية، فضلاً عن التوغلات الصهيونية المستمرة والمتواصلة. * ولادة الحكومة الجديدة قطعت الطريق على كل المتربصين، وقطعت معه الطريق على كل القوى الخارجية التي راهنت على فشل تشكيل حكومة مقبولة للداخل ومدعومة من الخارج، وإن كان التعويل الحقيقي يبقى هو في تشكيل حكومة وطنية مقبولة للداخل، كما حصل بفضل الله، ثم بجهود المخلصين والصادقين، فالسلام في الداخل هو الذي يولّد السلام في الخارج، وقد كان ذلك والحمد لله، والتعويل الكبير اليوم على الدعم العربي والإسلامي في دعم الحكومة وتوجهاتها، مما سيخفف عن الشعب السوري ومعاناته التي طالت كثيراً، فصلاح دمشق صلاح للمشرق العربي بإذن الله، كما أن مرضها لا سمح الله ولا قدر مرض للمشرق العربي.

495

| 01 أبريل 2025

سوريا.. مقابر جماعية تلد أخرى

الوجه الأكثر قبحاً للنظام السوري البائد لم يأت بعد، في ظل الاكتشافات شبه اليومية لمقابره الجماعية، التي تكشف معها عن حقبة سوداء من تاريخه البائد، ولعل الفترة التي تكشفها هذه المقابر الجماعية، هي قمة رأس جبل جليدي عميق، يمتد إلى ما يزيد على النصف قرن من حكم عائلة الأسدين الأب والابن، وآخر اكتشافات هذه المقابر الجماعية، ما كشفه الدفاع المدني السوري عن مقابر جماعية تحت أقبية البيوت والمنازل في ريف دمشق، وتحديداً في منطقة سبينه والحجر الأسود، بريف دمشق، والتي تعود على ما يبدو إلى عام 2015، ولكن لضعف الإمكانيات والأدوات والخبرة السورية، لم يتم الكشف عن تفاصيل الضحايا، في ظل العثور فقط على مجرد عظام وجماجم، بعد أن تعرضت لإطلاق النار، بدت آثارها جلية حتى اليوم. * أهالي تلك المنطقة ممن بقوا في منازلهم طوال تلك الفترة الزمنية، يقولون إنهم كانوا يعلمون بوجود جثث في أقبية منازلهم، التي عادوا إليها خلال فترة حكم النظام البائد، ولكنهم لم يجرؤوا على البوح بذلك، لأن النظام البائد سيُحملهم مسؤولية قتلهم، ولذا فكانوا يؤثرون الصمت، أما في حي التضامن حيث شهدت مجزرة مروعة تم الكشف عنها، وكان بطلها المجرم الفارّ أمجد يوسف، فقد عثر الدفاع المدني على مقبرة جديدة تضم مائة جثة تم رميهم بالرصاص، وكالعادة لم يتم الكشف عن الأسماء والهويات، في الوقت الذي لا تزال عشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف تنتظر عودة فلذات أكبادها، على الرغم من قناعتها أنهم في عداد الشهداء، ولكنها غريزة البقاء، والتعلق بالآمال. * الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقدر عدد المختفين في سوريا بـ 100 ألف شخص، بينما يتوقع خبراء ومحللون أن العدد أكبر من هذا، وعلى الرغم من التحرير الذي نالته البلاد في الثامن من ديسمبر العام الماضي، وهرع السوريين إلى السجون الممتدة على امتداد الرقعة السورية، إلاّ أنه لم يعثروا سوى على بضعة آلاف ممن تم تحريرهم، بينما غابت البقية الباقية وما أكثرها في محارق ومكابس وحفر أسيد الأسد التي تم العثور عليها في سجون صيدنايا وغيرها من السجون التي بنيت خلال عهد الأسدين، والذي كان الرئيس الفار بشار الأسد يُصرّ بكل تبجح ووقاحة وجودها أصلاً، كما نفى غير مرة قصفه لمن يفترض أن يكون شعبه بالبراميل المتفجرة. * اللافت أننا نتحدث هنا فقط عن المجازر والمقابر الجماعية التي تعرض لها الشعب السوري خلال فترة الثورة السورية الثانية والممتدة من عام 2011ـ حتى اليوم، أما المقابر الجماعية التي تعرّض لها الشعب السوري خلال فترة الأب المؤسس حافظ أسد، فلم يتم البحث فيها حتى اليوم، إذ حتى الآن لم يعلم السوريون عدد ضحاياهم في مجزرة حماة يوم الثاني من فبراير/ شباط من عام 1982، كما لم يعلموا شيئاً عن مصير المختفين في تلك المجزرة المروعة، والتي يقدر عددها بأكثر من أربعين ألف شخص بين شيخ وطفل وشاب وامرأة، وحتى الآن لا يعلم أحد أماكن مقابرهم، ما دام النظام آثر على دفنهم بشكل جماعي، وحتى قيل إن الدفن كان للأحياء منهم، حين تمت تسوية البيوت والبنايات، لإخفاء جريمة المجزرة التي ارتكبتها سرايا الدفاع بقيادة شقيقه رفعت الأسد يومها والذي لا يزال طليقاً يتنقل بين أرجاء العالم. * مجزرة حماة التي نفذها المؤسس حافظ الأسد لم تكن اليتيمة في عهده، فهناك عدد من المجازر التي ارتكبها، من مجزرة حي المشارقة في يوم عيد الأضحى، بحلب الشهباء إلى مجزرة جسر الشغور، وحتى مجزرة تدمر في السابع والعشرين من حزيران من عام 1980 حيث أعدم أكثر من 1000 سجين دفعة واحدة وبيوم واحد، وبعد هذه المجزرة، كان يقوم بتصفيات نصف أسبوعية في تدمر، إذ كان يصفي عشرات المعتقلين في سجن تدمر، وهي الحفلات والوجبات التي كانت تجري كل اثنين وخميس أسبوعياً، وقدّر سجناء تدمر الذين قدر الله أن يفرج عنهم لاحقاً، عدد من أُعدم خلال تلك السنوات قبل أن يتم إغلاق السجن، وتحويل من تبقى من سجنائه إلى سجن صيدنايا، بأكثر من 30 ألف قتيل، قتلوا على مدى هذه السنوات، وكلهم من نخب سوريا كأطباء ومهندسين وشيوخ ومثقفين، وطلاب، وحتى الآن يجهل السوريون أسماء من قضى خلال تلك المجازر المتسلسلة.. * هذه المجازر هي التي ضبعت الشعب السوري، وجعلته يصمت على هذه العصابة المجرمة، خشية تعرضه لانتقامها وثأرها، لاسيما وقد حظيت بدعم إقليمي ودولي منقطع النظير، مما جعل مهمة الشعب السوري صعبة، إن لم نقل مستحيلة، يوم استباحه النظام وحلفاؤه من قوى إقليمية ودولية، بالإضافة إلى صمت وتآمر دولي، عكس ذلك كله هتاف السوريين في ساحات التحرير والتظاهر ما لنا غيرك يا الله، ومع هذا واصل السوريون طوال تلك السنوات العجاف معركة التحرير بأنفسهم، حتى جاء اليوم الذي أغاث الله السوريين فاستجاب دعاءهم وهتافهم. * اليوم وفي ظل تكشف هذه المجازر والمقابر يوماً إثر يوم، وفي ظل سعي البعض إلى تشويه العهد السوري الثوري الجديد، ومعه قيام الذباب الإلكتروني بتجميل وجه العصابة البائدة، على الإعلام العربي والعالمي الحر المساعدة في كشف تفاصيل حقائق تلك الحقبة، والمجازر التي تعرض لها السوريون، وهنا دعوة خاصة لناشطي الثورة السورية من الإعلاميين، للاستمرار بالتذكير بجرائم ومجازر الشعب السوري، ليعلم الجيل الجديد، ويعلم العالم معه لماذا انتفض السوريون، ولماذا ضحوا بهذه التضحيات الكبيرة على مذبح الحرية والعدالة الانتقالية، لكي يدرك العالم كله حجم الخذلان الذي مارسوه بحق ثورة الشام، ويدركوا معه حجم الكلفة التي دفعها السوريون نتيجة صمتهم وتواطئهم وخذلانهم لثورة السوريين، والتي كان لها أن تختصر يوم طلبوا غطاءً جوياً يحميهم من طيران العصابة الأسدية وبراميلها المتفجرة، وطيران حلفائها، ولكن لكل أجل كتاب.

612

| 25 مارس 2025

سوريا ونتنياهو وفائض القوة والغرور

حين قرر جورج بوش غزو أفغانستان عام 2001، ومن قبله حروبه مع العراق عام 1990، كان ثمة طرف آخر يرقب وهو يموت ضحكاً وفرحاً على ما يجري، قريباً أو بعيداً عن حدوده، ما دام فائدة الغزويْن، إنما تعود بالنفع والربح عليه، إنها الصين، التي غدت بعد أعوام قليلة على هذين الغزوين تعتبر العدو الأول والاستراتيجي لأمريكا والغرب، يومها كان العراق بزعامة صدام حسين قد التفت إلى الشركات الصينية، لإغرائها، ودفعها للاستثمار في بلده، أملاً في تشبيك مصالح الصين بالعراق، مما يجعلها تدافع عن نفسها ومصالحها، وليس عن العراق مباشرة، في حال قررت أمريكا مهاجمته مجدداً، حينها كان وفد صيني يلتقي المسؤولين العراقيين، ليوجهوا لهم سؤالاً بدا غريباً للمسؤولين العراقيين، وهو لو خُيرنا لنصب تمثال في الصين، لمن تعتقدون سيكون هذا الصنم؟ فكانت الإجابة الطبيعية، أن التمثال سيكون لقادة الصين التاريخيين، لكن ردّ المسؤولين الصينيين كان مفاجئاً للعراقيين، إنه تمثال لجورج بوش الذي ينشغل اليوم بعيداً عن انشغاله عن الصين وإنهاكها، وهو ما سيُوفر لنا فرصاً تاريخية.. * اليوم يحلل الخبراء العسكريون والسياسيون بأن انشغال الغرب، وعلى رأسهم أمريكا بالحدث الأفغاني والعراقي من قبله ومن بعده، كان لمصلحة الروس والصينيين بشكل مباشر، إذ على الرغم من انشغالهم عن عدويهما الروسي والصيني، فقد انخرطت الجيوش الغربية بعقيدة عسكرية تركز على مقاتلة ما وصف بالإرهاب والإرهابيين، أي حرب العصابات، مما أدى بالمطلق إلى تراجع مبدأ العقيدة العسكرية للجيوش الشاملة، مما سيشكل مأزقاً للجيوش الغربية مستقبلاً، إن واجهت العدوين الصيني والروسي. * الاندفاعة الغربية في أفغانستان والعراق، مردُّها الحقيقي والجوهري، فائض القوة والغرور اللذيْن تمكنا من الغرب، فراح يخبط خبط عشواء، مقلداً سياسة دخول فيل في غرفة خزف، يدمر كل ما تطوله أطرافه، فكانت النتيجة ما رأيناه، إن كان في أفغانستان، حيث الهزيمة الساحقة لـ 40 دولة، وللغرب في العراق، وحين سعى نتنياهو إلى استعراض غرور قوته في فلسطين وغزة تحديداً، كانت النتيجة خسارة استراتيجية صهيونية، ربما لا تقاس بحجم الدمار والخراب الذي تعرضت له غزة، أما الشعب السوري، فقد تعرض لنفس الخسائر، ولكن كان يقال له تماماً ما قيل للشعب الفلسطيني قبل السابع والعشرين من نوفمبر/ تشرين ثاني وذلك قبل اندلاع معركة ردع العدوان التي قادها الشعب السوري إلى استقلاله الثاني في الثامن من ديسمبر كانون أول من العام 2025 بأن الفوضى والخراب والدمار هي النتيجة، ولكن كان التحرير والخلاص من النظام الاستبدادي هو النتيجة وليس ما أرهبوه به. * على نتنياهو أن يدرك تماماً أن الشعب السوري لم يعد لديه ما يخسره، وأن ما يروج له ظاناً منه أن بمقدوره فرضه على الأرض، عبر ربط درعا بالسويداء، لتشكيل منطقة عازلة تهدد سوريا المستقبل، تحرك واهم، فتحريك مظاهرات بشرية اليوم في درعا سيهدد الكيان الصهيوني تماماً، ويجعله أمام استحقاقات جديدة خطيرة وجدية، فهل يقدر الأخير حينها على مقاومة المظاهرات الشعبية على منطقة سيحتلها، وهو ما باتت القوى الدولية ومنها الغربية تحديداً ترفضه، وقد تجلى ذلك بالتعاطف مع الشعب السوري، فكيف إن امتزجت هذه الانتفاضة مع امتلاك الشعب للسلاح الفردي، حينها سيدرك الصهاينة تماماً بأن فائض القوة لن يجدي، والدليل هو التجارب التاريخية التي شهدناها بأنفسنا في أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها من الأماكن والحوادث التاريخية. * الشعب السوري الذي أرهقته الحروب الأخيرة مع العصابات الأسدية، والمدعومة من احتلال أجنبي خارجي هو روسيا، واحتلال أجنبي اقليمي هو إيران، مدعوماً بعشرات المليشيات الطائفية، لم يعد لهذا الشعب ما يخسره، وبالتالي فإن تحويل بوصلته من إعادة الأمن والاستقرار للبلد، والتنمية والتطوير، وإعادة اللاجئين من تركيا وغير تركيا، الذين يبلغ عددهم 15 مليون مشرد، سيكون باتجاه الحفاظ على كرامته والدفاع عنها، وهو يرى أنه مهدد صباح مساء، دون وجه حق، بل وعلى الرغم من صمته، ورفضه المجابهة المباشرة، أما إن أصرّ نتنياهو على تجريبه اختبار صبر الشعب السوري، فحينها سيعيش تجربة الغرب في أفغانستان والعراق، ولذا فإن تكرار العمليات الهجومية الصهيونية على سوريا سيطلق مقاومة شعبية، هذه المقاومة لن تكون نزهة لنتنياهو وهو يرى منطقة جغرافية محصورة مثل غزة صمدت بوجهه حوالي 16 شهراً، فكيف بسوريا والتي لها امتدادات عربية وإقليمية.

1254

| 18 مارس 2025

كيف أحبط السوريون مؤامرة الإطاحة بثورتهم؟

لا تزال المعلومات شحيحة عن تفاصيل المؤامرة التي تم نسجها خارجياً ضد العهد الجديد في سوريا، ولا تزال تداعيات ما حدث تتدحرج، بحيث يصعب على المحلل المراقب، أن يجزم بتحليله ورأيه، ولكن لا بأس من محاولة فهم ما جرى، ويجري، وربما ما سيجري، لأن في ذلك درسا وعبرة وعظة، قد تجنبنا مطبّات ومزالق أخطر مما واجهناها، ما دمنا في مرحلة البناء، التي هي في الحقيقة والواقع، أصعب من الهدم. كانت أجواء أصحاب القرار في دمشق والساحل السوري ترصد تحركات الفلول، وترصد معها، تحركات الدول المتربصة بالعهد الجديد، فمن تجرّع السم من قبل، واستسلم له، لم يقبل هذه المرة أن يعترف بهزيمته، وبالتالي سعى إلى وضع العصي في دواليب العهد الجديد، فزرع الألغام في عجلة العهد الجديد، ولعل ما صرّح به وزير الخارجية التركي حاقان فيدان في مقابلته مع الزميل علي الظفيري على قناة الجزيرة ببرنامجه المعروف (المقابلة) قد كشف بعض هذه المؤامرات حين حذر حاقان فيدان من اللعب في الساحة السورية. * ترافق هذا مع تهديدات رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو بتحذير ما وصفه النظام الإرهابي في دمشق من التقدم جنوباً، بعد أن توغلت قوات العدو الصهيوني في الجنوب السوري، وقد أتى هذا مع كلمة للرئيس السوري أحمد الشرع في القمة العربية في القاهرة والذي تحدث فيها بنبرة لم تعهدها تل أبيب من العهد الجديد في دمشق، تبعه توترات في جرمانا أحد أحياء دمشق الذي يغلب عليه الأقلية الدرزية، وتهديدات أحد عقول الطائفة الدرزية حكمت الهجري ودعوته لحماية دولية، مع طرد مظاهر الدولة من محافظة السويداء، الأمر الذي قُوبل من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بالاستهجان، فحذّر من الاستقواء بالإسرائيلي، لأن ذلك بنظر مراقبين سيكون خطراً على الأقلية الدرزية في لبنان، كونها ستُتهم لاحقاً بالعمالة لإسرائيل، مما يهدد وجودها على المديات القريبة والمتوسطة والبعيدة في لبنان نفسه. * تصدّر المشهد العسكري العميد غياث دلّة وهو المعروف بعلاقاته القوية، منذ أن تولّى أهم كتلة عسكرية تُعرف بالغيث في الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، عكس مدى تورط الأخيرة في محاولة الانقلاب الفاشلة، وكانت قد شهدت معارك الغوطة صولات وجولات إجرامية للعميد غياث، بحيث مكنته في أن يكون ضابط الارتباط بين الفرقة الرابعة والخارج، ويساعده على الأرض كقائد ميداني المجرم المعروف مقداد فتيحة، والمعروف بمشاهده المفجعة في حرق الجثث بالغوطة، ولا تزال صورته وهو يشعل سيجارته على جثث متفحمة حوله شاهداً على إجرامه، بل وجدد مشهد إجرامه بحرق جثث مدنيين وقوات الأمن العام في عملياته التخريبية الأخيرة. كانت البداية بتعرض قوات الأمن العام إلى كمائن في قرى اللاذقية وجبلة، مما أوقع شهداء وجرحى، وترافق هذا مع حملات منسقة وممنهجة بتطويق مشافي في بانياس وطرطوس وجبلة وغيرها، ومواقع أخرى في القرداحة، مما أوقع مئات من مقاتلي قوات الأمن العام في الحصار، ولكن تحرك الشعب في بانياس وجبلة إلى جانب قوات الأمن العام ساهم في تخفيف صدمة الانقلابيين. عدد من العائلات العلوية اتهمت التمرد الخارجي الذي تعد العناصر العسكرية الداخلية مجرد أدوات، اتهمته بقتل ما لايقل عن 400 علوي مدني، وظهرت مقاطع فيديو لفتيحة يهدد فيها العلويين الرافضين الانضمام إلى حركته بالقتل والتصفية، وهو ما فضحه لاحقاً رامي مخلوف الذي ظهر في مقطع فيديو يحذر من جرّ الطائفة العلوية إلى ما لا يحمد عقباه، وندد بكل الاعمال العسكرية التي قام بها أخيراً التمرد، وحمل بشار الأسد والفرقة الرابعة مسؤولية ما جرى ويجري. * ليلة الجمعة السوداء كما يصفها السوريون، كانت بمثابة بعبع حقيقي لهم جميعاً، وذلك خشية أن تسرق منهم ثورتهم، لاسيما وأن سرقة الثورات لا تزال طرية في العالم العربي، فانتفضوا جميعاً في الساحات، وفجأة تحولت ساحات دمشق وإدلب وحلب وحمص وحماة ودرعا والدير وغيرها من المدن والبلدات إلى ساحات تغص بالناس، تطالب بالتسليح من أجل الدفاع عن الآتي الذي بدؤوا يتخيلونه بعودة القصف والتهجير والكيماوي، خصوصاً وأن مآسي السنوات الماضية لا تزال حية وحاضرة. كانت الإشارات تشير إلى تورط روسيا وقاعدة حميميم في التمرد، وقد رصت مكالمات في ذلك، وأكد ذلك تحرك بعض الفلول باتجاه القاعدة مع مئات العائلات التابعة للفلول، ورفعوا على الفور المطالبة بحماية روسية، مما عزز تشكيك الكثيرين بالدور الروسي في التمرد، ولكن على ما يبدو وبحسب صوتيات قادة التمرد، كان الوعد الروسي بالتحرك بعد صمود التمرد لـ 48 ساعة، لكن ضرب التمرد في المهد عسكرياً وأمنياً وشعبياً حال دون ما يشتهون، لاسيما وقد أتى دعم وتأييد المملكة العربية السعودية، وقطر وتركيا والأردن ومصر وجامعة الدول العربية للدولة السورية، ليشتت كل من علّق آمالاً على نجاح التمرد، وزاد من فرص يأسه بيان الدول الأوروبية المؤيدة للدولة السورية والمنددة بزعزعة الاستقرار فيها. * لا شك فإن القبض على بعض كبار الضباط المطلوبين وعلى رأسهم اللواء إبراهيم حويجة مدير إدارة المخابرات الجوية سابقاً، بالإضافة إلى أسماء لم يعلن عنها شكلت فسحة أمل للشعب السوري في أن ثورته بخير، وأن العهد الجديد لا خوف عليه، ولكن للأسف مع انتفاضة المدنيين بشكل عشوائي ووصولهم إلى الساحل السوري حصلت تجاوزات ضد بعض العلويين، ولكن ليس بالشكل الذي ضخمته جهات لها مصالحها الدنيئة، فقد سارع العهد الجديد على الفور بتشكيل لجنة للتحقيق والمحاسبة، وأتبعه الرئيس أحمد الشرع بكلمة اعترف بها بهذه التجاوزات، واعداً بالمحاسبة والتحقيق في ذلك، لكن ينسى الكثيرون أن ردة الفعل جاءت نتيجة لفعل المؤامرة الداخلية والخارجية والتي كان نتيجتها قتل ودفن 400 من عناصر الأمن. ما جرى كان متوقعاً للجميع، ولكن ربما التعجيل في الأمر هو الذي قد فاجأ البعض، وتلك ربما نقطة ضعف الطرف المعتدي، ونقطة قوة للدولة السورية، حيث عالجت الأمر بحكمة وسرعة، ونجحت في إرسال رسائل إلى كل الأطراف تعبر عن قوتها وقدرتها على الصمود، بالإضافة إلى القوة الشعبية المتنامية والتي ظهرت متلاحمة مع دولتها، إذ غدا الشعب هو الجيش والجيش هو الشعب، فالكل خائف على دولته وعهده الجديد، لا فرق بين عسكري ومدني.

792

| 11 مارس 2025

كيف غيّر فتح دمشق المشرق العربي؟

أحدث فتح دمشق، وتطهير سوريا من عصابات أسدية، حكمت سوريا لأزيد من نصف قرن، فدمرت نسيجها المجتمعي، ودمرت معه علاقاتها مع محيطها العربي، فضلاً عن دورها السلبي المشين في إلحاق الأذى بمعظم الدول العربية، وحتى الدول الأوروبية. انعكس ذلك بتعبير الدول العربية عن فرحها برحيل العهد البائد، وعودة سوريا إلى أهلها، الذين ضحوا على مدار نصف قرن بالكثير من أرواحهم وممتلكاتهم، فكان أن قدمت خلال 13 عاماً مليون شهيد و15 مليون مشرد، وتدمير أكثر من نصف مدنها وقراها، من أجل نيل حريتها واستقلالها. لقد أحدث فتح دمشق زلزالاً ليس على المستوى السوري، وإنما على المستوى العربي والتركي، وحتى الأوروبي، فبعملية حسابية بسيطة يظهر لنا أن أكثر من نصف مشاكل الأردن قد تم حله، بإسقاط حكم العصابة، فبدأت الشاحنات الأردنية على الفور والتي كانت متوقفة في العهد الأخير من الحكم البائد بالتدفق على سوريا، ويقدر أن يصل العدد خلال فترة قصيرة إلى 6 آلاف شاحنة يومياً، مما سينعكس إيجابياً على الاقتصاد الأردني، كما سيختفي انتشار اكثر من 60 ألفا من قوات الأمن الأردنية، والتي كانت مكلفة بحماية الحدود من عصابات الإرهاب وتهريب الكبتاغون عبر الحدود السورية - الأردنية، فضلاً عن العمق الأردني الذي حصل برحيل نظام كان محل توتر، وقد ترجم هذا كله بزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الأردن واستقبال الملك الأردني عبد الله شخصياً له في مطار ماركا، وسط إجراءات استقبال استثنائية مما أكد على دعم الأردن للعهد الجديد. ولعل التشابكات والتطورات المتلاحقة في المنطقة وعلى رأسها سياسات اليمين المتطرف الإسرائيلي المدمرة للمنطقة، والمستهدفة للأردن من جديد، يحتم على الأخير تزنير نفسه بقوى إقليمية وازنة مثل سوريا وتركيا لمواجهة تلك التحديات المتصاعدة، في المقابل هناك الدور الأردني الوازن الذي يحتاجه العهد السوري الجديد في التأثير على السويداء ودرعا بدعمه ومناصرته، لمنع حصول أي قلاقل قد تنال من الوحدة الوطنية السورية، وهو استراتيجية تسعى الدولة العبرية اليوم للنيل من سوريا، وظهر ذلك بوضوح من خلال تهديدات رئيس الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو في حماية دروز جرمانا، لكن العقلاء في الأخيرة وعقلاء الدولة السورية، ومعهم موقف وليد جنبلاط كانوا جميعاً بالمرصاد لكل المتربصين، فأحبطوا هذا المخطط عبر اتفاق تم من خلاله نزع فتيل الحقد الدفين المستهدف للعهد السوري الجديد. في تركيا رأينا غياب الجدل الذي احتدم في الداخل التركي فيما يتعلق بوجود اللاجئين السوريين، بعد رحيل النظام السوري البائد، وبدأت قوافل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، مما سينعكس إيجاباً على الداخل التركي، الذي ظل محتقناً خلال الفترة الماضية، وهو ما لعب دوراً في مزاج الناخب التركي، وتزامن هذا مع الخطر الذي كان يهدد تركيا عبر تهريب سموم الكبتاغون مستهدفاً الشباب التركي، فيجعل من البلاد معبر ترانزيت إلى أوروبا، فضلاً عن الضعف الذي انتاب مليشيات سوريا الديمقراطية ( قسد) والتي غدت محاصرة من قبل دول كانت بالأمس مؤيدة لها مثل أوروبا التي رأت أن من مصلحتها اليوم إجراء حسابات واصطفافات جديدة، مع التغير الكبير في السياسة الأمريكية بوصول دونالد ترمب إلى السلطة وعلاقاته مع بوتين، وتخليه التدريجي عن الحرب في أوكرانيا، مما يجعل أوروبا منكشفة تماماً أمام روسيا، مثل هذا الواقع دفع أوروبا إلى تحصين جبهتها الشرقية على المتوسط، وهي المهددة بتدفق اللاجئين والعصابات الإجرامية، فضلاً عن خطر الكبتاغون، ولذا فإن تثبيت السلم والاستقرار في المنطقة يهم أوروبا بشكل كبير، ويهمها طرد الروس من سوريا، ومثل هذا لا يتأتى إلاّ بوجود نظام طبيعي منسجم مع الهوية المجتمعية السورية، ومنسجم أيضاً مع محيطه العربي والتركي، ومثل هذا النظام بالتأكيد لن يكون نظام الأسد البائد. على صعيد الخليج العربي الذي دفع أثماناً باهظة نتيجة الوجود الإيراني في سوريا، ففرض عليه الالتفات إلى الغرب من أجل مواجهة هذا الوجود، استفاق يوم الثامن من ديسمبر على غياب هذا الخطر الذي كلّفه الكثير، وقد تزايد الخطر بعد عمْد النظام البائد إلى استهداف الخليج بتهريب الكبتاغون، والنشاطات الإرهابية، فضلاً عن الابتزازات التي برع فيها النظام السوري طوال نصف قرن من حكمه. صحيح أن الأنظمة والمتحكمين في القرار العراقي واللبناني قد خسروا من رحيل حليف لهم، ولكنه حليف أضرّ ببلدانهما استراتيجياً أكثر من أي طرف آخر، ويبقى شعبا العراق ولبنان هما المستفيدان الأول والأخير من وراء هذا التغيير، فالوضع الطبيعي أن يرحل الاستبداد والطغيان، ويرحل من دمر بلده ومعها دمر المنطقة وكبّلها، وأفقدها مواطن قوتها، والوضع الطبيعي أن يلتفت العقلاء في المنطقة إلى مصالح الشعوب على المدى البعيد، وليس لمصالح فئوية وحزبية وشخصية. المشرق العربي لم يعد هو ذاته، ونحن اليوم أمام مشرق عربي جديد وطبيعي، لا ابتزاز فيه، ولا اختراقات أجنبية عبر سوريا، ولا كبتاغون أو مليشيات إرهابية مدعومة من قبل الدولة السورية، ولذا فإن تمتين الجبهة السورية مسؤولية عربية أولاً وأخيراً وأوروبية وعالمية، بالحفاظ على الهوية السورية، لأنه بالحفاظ على هذه الهوية، حفاظ على أمن وسلامة الدول العربية والمجاورة، فقد ثبت أن مرض سوريا، مرض الجميع، وصحتها صحة للجميع.

813

| 04 مارس 2025

بين زيارة الشرع إلى اللاذقية وتهديدات نتنياهو

لا يخفى اليوم درجة مأزومية رئيس الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، إن كان على صعيد الوضع الصهيوني البيني، ومعه حجم الاعتراض والانتقاد الداخلي الصهيوني له، أو المأزق الذي وصله بعد وقف إطلاق النار في غزة، وفتحه النار حتى على من رعى الاتفاق الأخير، بالإضافة إلى تهديداته الأخيرة للعهد الجديد في دمشق، حيث هدده بعدم نشر قواته جنوب دمشق، مع إطلاق تصريحات تدعي الاستعداد لحماية من وصفها بالأقلية الدرزية، وسؤال المليون ما الذي دفع نتنياهو إلى هذا كله، ومن الذي طلب منه حماية الأقلية الدرزية الشريكة في هذه الثورة المباركة منذ سنوات. تزامنت هذه التهديدات، مع زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى عدة محافظات سورية، والاستعداد للمؤتمر الوطني السوري، والذي انطلق بالأمس في دمشق، مما سيُرسخ الإجماع الوطني على عقد اجتماعي جديد، بلا حارس لبوابة الكيان الصهيوني، وهو النظام الأسدي الذي قام بهذه المهمة على أحسن وجه من المنظور الصهيوني، لأكثر من نصف قرن، كل هذا خلط الأوراق الصهيونية في الداخل والخارج، فتجلى ذلك بعكس المخاوف الصهيونية على أن رحيل النظام السوري خسارة للمحور الصهيوني في المنطقة، تماماً كما رأى المحور الإيراني أن رحيله خسارة لهم ولساحاتهم، والظاهر لنا جميعاً أن رحيله خسارة للمحورين، لكن كل واحد منهما يرى الخسارة، بفقدان سيطرته على ساحاتنا وأهلنا وشعبنا، عبر قتلهم وتشريدهم وتفقيرهم، لكن النتيجة واحدة. * الرئيس الشرع بزيارته الأخيرة إلى الساحل السوري ومنه اللاذقية وطرطوس أرسل رسائل داخلية وخارجية قوية، فالرسائل إلى مليشيات قسد المتمردة حتى الآن على الحكومة المركزية في دمشق، كانت واضحة وهي أن معاقل النظام السوري السابق، وقد خرجت بحشود جماهيرية عفوية تؤيد وتدعم وتساند العهد الجديد، مع انشقاقها عن العهد البائد، الأمر الذي يعني بشكل مباشر أن تعويل المليشيات القسدية على حلف الأقليات لم يعد وارداً، وقد أصبح جزءاً من الماضي، لاسيما بعد قطع رؤوس الإجرام الأسدي وهروبهم إلى خارج البلد، وتخليهم عن ما يصفونه بحاضنتهم بشكل كامل، ودون أي اهتمام بها، على الرغم من حظي النظام البائد بقوى دولية واقليمية داعمة له لعقود، فضلاً عن مليشيات طائفية عابرة للحدود، ولكن كل هذا لم يُغنهم شيئاً، وهي رسالة واضحة لبعض المكونات الأخرى التي ربما يظن بعض رموزها أنها قادرة على العبث في الأمن السوري، ولكن هذا العبث لن يؤمن لها مستقبلاً آمناً إن هي ابتعدت عن ثورتها وعهدها الجديد، وظلت تعول على الاستقواء على الخارج. * رئيس الكيان الصهيوني يتوعد بحماية المكون الدرزي في السويداء، لكن لا ندري ممن سيحميه، وهو يعرف تماماً أن هذا المكون منخرط بالثورة السورية منذ وقت ليس قصيرا، فضلاً عن أن المزاج العام لهذا المكون هو مع العهد الجديد بغض النظر عن بعض الأصوات النشاز التي ردّ عليها أهلنا في جبل العرب، ولا يحتاجون إلى من يتصدى لها، فثمة أطراف شاذة جداً، لا تعكس رؤية أهلنا الكرام في السويداء وقد تضررت من الإطاحة بعصابات الكبتاغون، فبارت أسواق كبتاغونها، وهو سرطان الكبتاغوني لا يزال يهدد أهلنا في السويداء وسمعتها ومكانتها كما يهدد معه دول الجوار الأقرب والأبعد. * نخبنا الكرام في السويداء عليها أن ترفع أصواتها عالياً، وذلك على درب الأخوة الدكتور يحيى العريضي والأستاذ ماهر شرف الدين، وفيصل القاسم وغيرهم كثير بفضل الله، فالسويداء محمية كما درعا وإدلب ودمشق وحلب وغيرهم من المدن السورية، بأهلها وبعهدها الجديد، وهي ليست بحاجة إلى استقواءات خارجية معادية لجميعنا. هذه النخب، ومعها كل أهلنا الكرام في السويداء عليهم النزول إلى ساحة الكرامة لرفض كل من يتحدث باسمهم من أمثال مجرم الحرب الصهيونية نتنياهو، الذي ظن بتدميره لترسانة الحرب السورية، يوم سلّم وقدّم النظام له كل خرائط مخازن هذه الأسلحة والذخائر، سيكسر معنويات الشعب السوري الذي هزم نظاماً مجرماً ودولاً إقليمية ودولية، وصبر وصابر حتى انتزع نصره من أشداق الضباع والوحوش. * احتلال الكيان الصهيوني اليوم لأراض سورية عمل عدائي مستمر منذ وقت ليس قصيرا، وخرق واضح جديد للقانون الدولي، وتتحمل مسؤوليته الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وهو تهديد أخرق لكل دول المنطقة، والحكومة الجديدة في دمشق تقوم بجهدها اليوم في ظل ألغام سياسية مليئة بطريقها الصعب والوعر لمواجهة هذه التهديدات، عبر حشد قوى المجتمع الدولي للوقوف بوجه هذه التصريحات والتهديدات وتغيير الوقائع على الأرض، لكن التحرك الشعبي مهم جداً من أجل إرسال رسائل للعدو، ودعم العهد الجديد، التي ستقوّي أوراقه في مواجهة هذه العربدة الوقحة، والتي لن تخدم السلم المنطقوي والعالمي، والتي هي مسؤولية منطقوية وعالمية. * أخيراً لن نخرج من هذا الواقع المرير إلاّ بتكاتفنا كسوريين، فالتاريخ يسجل اليوم من ختم تاريخه بالوقوف مع الثورة السورية، ومن خانها وأصرّ على المراهنة على خيارات خارجية معادية للشعب السوري، ليخسرها ويخسر معها شعبه، تماماً كما حلّ مع النظام السوري يوم راهن على الخارج، ولم يراهن على شعبه.

984

| 25 فبراير 2025

زلزال فتح دمشق.. كتابي الجديد

وقّعت في عدد من المدن السورية التي تحررت أخيراً بعد احتلال داخلي دام نصف قرن، كتابي الجديد (زلزال فتح دمشق) والذي وثّق الرواية مبكراً التي قادت للتحرير. سهرت الساعات الطوال من أجل توثيق سريع لهذه المرحلة، والتي أعتقد أنها دين برقبتنا للشهداء والذين ضحوا من أجل هذا اليوم، يوم الثامن من ديسمبر الذي صحا فيه الشعب السوري على بلده محرراً من عصابته حكمته لعقود، نشعر فيه لأول مرة أنه بات لنا وطن، ننتمي إليه، ونضحي من أجله، ونبادله الاحترام، بعد أن تحوّل في ظلال حكم البعث وآل الأسد إلى مزارع، ومنابع قلق للسوريين والجوار والعالم كله. الكتاب الذي تحدث عن خلفيات عملية ردع العدوان، وسير العملية بدءاً من غرفة العمليات في شمال إدلب، إلى فتح دمشق وتداعيات الزلزال على المنطقة والعالم كله، نظراً لموقع سوريا الجيوسياسي المهم والحساس والحيوي والمتداخل مع العربي والإقليمي والدولي، مع عمق المشاكل التي رسخها العهد البائد بوجوده، فكان مصدر قلق واضطراب للمحيط والعالم من خلال سياساته وممارساته، ولذلك نرى هذا الإقبال العربي والإسلامي والعالمي على عاصمة الأمويين، من خلال زيارات وفود عربية وغربية، وذلك لحجز مقعد لها في سوريا المستقبل، والمنطقة بشكل عام. * كانت التساؤلات كثيرة مع نشر الكتاب، أولها التسمية والإصرار على فتح وليس تحرير، وباعتقادي أن كلمة الفتح هي أبلغ، وأدق من كلمة التحرير، ما دام الفتح قد حصل بشكل غير متوقع، وهو أقرب إلى المساعدة والمساندة والدعم الرباني المذهل والمدهش، الذي أدهش غير السوريين قبل أن يدهشهم أنفسهم، والذي فاجأ كثيراً من السياسيين العرب والغربيين، بسرعة انهيار هذه العصابة التي تحكمت في الشام والمنطقة لعقود، وفوق هذا كله فتح داخلي بحيث لم ترق فيه الدماء، كما كان يتصور ويتخيل الكثيرون، بحيث سار الشخص إلى جانب قاتل قريبه دون أن ينتقم منه، تاركاً أمر المساءلة والمحاكمة لقضاء عادل بإذن الله قريب، وفوق هذا فتحٌ، بحيث انهار كل شيء دون مقاومة، وهو ما أذهل الجميع، حيث الكل كان يتوقع شلالات دم، ومقاومات وتحصن في الجبال، وأخيراً فتح على المستوى العربي والإسلامي والعالمي من حيث التعامل مع العهد الجديد دون إصر الماضي الثقيل. كان السؤال المطروح في الندوات التي عقدناها خلال حفل توقيع الكتاب، وما أثاره البعض على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي شكلت لنا إشارات لمزاج القراء، وهو أمر مهم ليتعامل معه الكتاب والمؤلفون، وهو السؤال عن كيف تم تأليف مثل هذا الكتاب في وقت قصير، وهو وقت ليس بقصير لكل من اعتاد التأليف، لاسيما إن تحدثنا عن جلسات تمتد لست ساعات وربما ثماني ساعات متواصلة في عملية التأليف، فضلاً عن كون الصحافي هو صاحب المسوّدة الأولى للتاريخ، ولذلك فمهنته هي المتابعة والرصد المستمرين، وهو ما كنت أقوم به ليس منذ اندلاع عملية ردع العدوان، وإنما من بداية حياتي المتمردة على عصابات أسد المجرمة، مما جعل عملية التأليف سهلة في هذا الوقت القصير الذي يراه البعض، بينما لا يراه المؤلفون الذين اعتادوا على العمل الطويل والدؤوب والمستمر، فضلاً عن عمل الصحافي الذي هي مهنته، كما هي مهنة أصحاب المهن الأخرى. الكتاب هدف بشكل أساسي إلى معالجة رواية وسردية الشهداء والمقاتلين، وهي الرواية الحقيقية التي تابعتها ورصدتها وعايشتها لحظة بلحظة، بحيث تنسف رواية من نسب الفتح أو التحرير وسقوط عصابات أسد، إلى مؤامرات دولية واقليمية، وتدخل دول إقليمية ودولية ساعدت في عقد وإبرام صفقات من أجل إسقاط عائلة الأسد، بينما رأينا تماماً كيف أن هذه الدول كانت تعارض أي عمل ضد العصابة الأسدية أولاً، وثانياً كيف أن هذه الدول في غالبيتها كانت تدعو الأسد إلى التفاوض واللقاءات، والاجتماعات، وتسعى إلى تعويمه، لكن إرادة الله وفضل الله، ثم إصرار الثوار على انتزاع النصر من أشداق الضباع والوحوش العالمية، كانت لهم بالمرصاد، فنجحت في تحقيق فتح دمشق. لذلك أقول إن هذا الفتح، هو فتح، بطعم نهر الفيجة، ونهر بردى ونهر الفرات والعاصي، ولا منّة لأحد فيه، وإنما هو كفالة الله تبارك وتعالى للشام، وهي الكفالة التي لا تقبل الشريك، فكان الفتح بفضل الله سورياً بامتياز، وإن كان ذلك لم يمنع من استغلال ظروف دولية وإقليمية تحدثنا عنها في ثنايا الكتاب. أخيراً بكل تأكيد فإن هذا الكتاب ليس نهاية مطاف الحريصين على ثورة الشام وتوثيقها، فنأمل أن يكون باكورة من بواكير كتب أعتقد جازماً ستبدأ في رواية وسرد كل ما جرى على أيدي أبطال الفتح، وهي دعوة لكل من يرى في نفسه القدرة على الكتابة، من أجل توثيق الحاضر، فنحن مبتلون بتزييف وتزوير وتضليل التاريخ، فلننطلق جميعاً من أجل توثيق هذ الحاضر، حفاظاً على ذاكرة الشعوب والأمم، فهي أمانة الشهداء وأمانة المعذبين والمشردين، والمعتقلين الذين قضوا في جمهوريات صيدنايا، وقبل هذا كله هو عصمة من تكرار ومعاودة ما جرى لنا للأجيال المقبلة، أو لغيرنا من شعوب. لعل البودكاسات التي أبدع فيها أصحابها وضيوفهم خلال فترة الثورة السورية، شكلت التاريخ الصوري للثورة السورية، وللفتح، وهي محاولات وتجارب لا أعتقد أنها شهدت زخماً كما شهدته في فترة الفتح والتحرير السوريين، وهي دعوة أيضاً إلى كل صاحب بودكاست أن يضيء على جوانب معتمة من تاريخ هذه الثورة، أو من جوانب هذا الفتح، لعلها تكتمل الصورة والمشهد للأجيال من بعدنا، فالتذكر وفاء، فلنتذكر جميعاً، ولنواصل عملية التذكر من أجل مستقبل يعصمنا من تكرار ما جرى.

2379

| 18 فبراير 2025

السوريون بين متلازمتين

تخرج الشعوب من الحروب والثورات، جديدة على وطنها، وجديدة على بعضها، وربما جديدة على من حولها من شعوب ودول. لأول مرة يكتشف السوريون بلدهم، فمن هُجّر قبل عقود، لم يعد يُصدق أنه بات لديه وطن، وبات لديه حقوق المواطن، وهو الذي حُرمها لعقود، ونفس الأمر ينطبق على حاضنة النظام البائد، لكن بطريقة مختلفة، لم يعتادوها من قبل، فهي لم تستطع أن تستوعب حتى الآن ربما أن نظامها قد رحل، وبالتالي فكل امتيازاتها ومصالحها التي شبّكتها مع من رحل، قد اختفت برمشة عين يوم الثامن من ديسمبر الماضي، حين استفاق السوريون والعالم كله على أول تغيير في سوريا منذ وصول البعث إلى السلطة، وبشكل أدق منذ ما أُطلق عليه بالحركة التصحيحية في تشرين ثاني من عام 1970 التي قادها الرئيس السابق حافظ أسد. كل شيء جديد على السوريين الثائرين، وعلى المكوّعين الذين لم يستوعبوا حجم الصدمة التي أصابتهم، ولا حجم الزلزال الذي تعرضوا له، ولعل أقرب ما يختصر المشهدين في هذا كله، متلازمة البتر الطبية، والتي يمكن أن نسقطها سياسياً، والتي يتعرض لها المريض حين يبتر له الطبيب أحد أطرافه، حينها سيبقى الدماغ ولفترة ليست قصيرة، يرسل إشاراته للعضو على أنه موجود، ولا يزال فاعلاً، ولكنه في الحقيقة قد اختفى، وهو تماماً ما حصل مع حاضنة النظام البائد التي استفاقت فجأة على فقدان عضوها، وهو النظام البائد، لكن دماغها لا يزال يرسل إشاراته على أن النظام الذي تعوّدت عليه لعقود ما يزال موجوداً حاكماً، بل ويصعب عليها تقبل رحيله، ولذا فهي بحاجة إلى وقت حتى يقتنع دماغها أن نظامها رحل إلى غير رجعة، مما يعني تقبل العهد الجديد، الذي لم تألفه، بل وكانت تعاديه وتقاتله، وتسعى إلى تحطيمه وهزيمته بكل ما أوتيت من قوة، وبكل ما جلبته من قوى الاحتلال والمليشيات الطائفية، فضلاً عن استخدامات لأسلحة غير تقليدية. بالمقابل هناك صورة المؤيدين للثورة والذين ظلوا يعارضون ويناكفون النظام البائد لعقود، يعودون اليوم إلى دمشق أو المدن السورية المحررة حديثاً، ودماغهم لعقود قد توقف عن إرسال أي إشارة على أن هذه المدن من جسدهم، بعد أن ترسخ لديها وفلعقود أن هذه المدن هي من مزارع آل أسد، وبالتالي فعودة الطرف اليوم كما يُسمى طبياً، يحتاج إلى وقت ليس قليل، لإقناع الدماغ الثوري الذي هجر عن بلده لسنوات وعقود بأن دمشق وحلب والمدن الأخرى قد عادت إلى جسد العهد الجديد. الواقع في سوريا اليوم بحاجة إلى جهود جماعية ومشتركة جبارة من أجل تقديم الصورة الحقيقية لسوريا التي يحلم بها السوريون، وحلم بها من قبل الشهداء الذين رحلوا دون أن يدركوا هذه اللحظة التي كلفتنا كل ما حدث. سوريا التي تتسامى على الجراح كلها، سوريا التي تتسع لكل أبنائها الأوفياء، ولكن مع هذا لا بد من عدالة انتقالية ومصالحة وطنية، تسعى إلى معالجة كل الجروح الاجتماعية الغائرة التي حفرها النظام السابق وعلى مدى 61 عاماً. تركة ثقيلة وثقيلة جداً، إن كان على مستوى حقوق الدم والمال والأعمال والعقارات، وحقوق قد لا تخطر على قلب بشر خارج سوريا، فاليوم نحن أمام مجازر اجتماعية تتفجر بشكل يومي أمامنا جميعاً، فهنا عقار قد سطا عليه البعث لأهله قبل نصف قرن، ويأتي الأحفاد مطالبين به، وهناك عقارات بيعت لأكثر من شخص، بينما ملكيته الحقيقية لثوري غادر وطنه قبل سنوات وربما قبل عقود، وهناك من قتل على يد مجرم في الثمانينيات، وعلى يد مجرم آخر في التسعينيات وما بعدها، فأعان الله كل من يبتليه الله بالحكم اليوم. كل هذا تركة ومهمة ثقيلة للعهد الجديد، وباعتقادي أن هذه المهمة لا يمكن أن تقوم بها الدولة، فهي أكبر منها، وبالتالي لا بد من تشكيل هيئة عليا للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، هذه الهيئة يكون لها صندوق مالي للتعويض عن كل من أصابهم الظلم والحيف طوال سنوات الثورة، وقد يمتد هذا التعويض لكل من أصابهم الظلم منذ وصول آل الأسد والبعث إلى السلطة، فمعالجة الجروح الاجتماعية الغائرة في الجسد السوري، التي خلفها النظام البائد مهمة ثقيلة وعميقة وخطيرة من أجل بناء سوريا الجديدة. هذه الهيئة العليا لا بد أن تشارك فيها الدولة، والقوى المجتمعية الحية من نخب ومحامين وإعلاميين ووجهاء، بحيث تقوم كل منطقة، وربما كل حي بتشكيل لجنة فرعية من هذه النخب، ليقوموا بدورهم في المصالحة الوطنية والتعويض، إلى جانب دور الدولة والقضاء في محاكمة كبار المجرمين، وربما ما جرى في رواندا وجنوب أفريقيا استرشاداً لنا في معالجة هذه الجروح المتقيحة التي تركها النظام البائد. سوريا الجديدة بحاجة إلى جهود جبارة، وبحاجة إلى نخب تتسامى على الجراح، وتتكاتف، وتعالج الجروح الغائرة، وترضي الجميع، أما سوريا الثأر والانتقام بهدف الدم ونحوه، وسوريا المتسترة على المجرمين والقتلة والشبيحة، فلا مكان لها اليوم، كل سيأخذ حقه من الدم أو المال وربما من التعويض، وحتى من الاعتذار والندم عما ارتكب، كل بحسب جريمة ارتكبها...

801

| 11 فبراير 2025

مجزرة حماة في ذكراها الأولى للتحرير

لثلاثة وأربعين عاماً والمآقي لم تجف في حماة، الجرح الغائر العميق، كان يزداد عمقاً مع كل ذكرى سنوية للمجزرة، التي راح ضحيتها 40 ألفاً من سكان المدينة، حين استفاق أهلها في الثاني من آب 1982 على أصوات كل ما بحوزة الجيش الأسدي، من طيران ومدفعية وصواريخ، كان الانتقام من المدينة يمتد إلى تمردها على حكم البعث منذ 1964، فقائد الدولة والمجتمع الذي نصّب نفسه منذ اليوم الأولى لحكمه على سوريا، لم يكن ليسمح لأحد بأن يتمرد عليه، أو يعارضه، فضلاً أن ينتزعه ملكه الذي غدا سلالياً. أحياء بالكامل وحارات بأكملها سُوّيت بالأرض، وغاب تحتها أصحابها، بعضهم تم دفنهم أحياء، ومعهم غابت مئات المساجد والكنائس، ولكن لم يكن هناك من يسمع صيحات الثكالى والأيتام، ولم يُسمح لأحد بأن يغطي جريمة العصر التي لا تزال ذكراها خنجراً في ظهر كل سوري، حتى كان يوم السادس من ديسمبر، يوم استفاق الحمويون على معجزة لم يكونوا يتصورونها، وهي إسقاط العصابة الأسدية، التي حكمتهم بالحديد والنار لعقود، لم يكن لأحد أن يتخيل رحيلها بهذه السرعة والسهولة، ولكنها مقاومة الصبر التي أبداها الحمويون والسوريون بشكل عام، على مدى نصف قرن أثمرت، ما داموا قد استمسكوا بتعريف جديد للسياسة وهو فن الإصرار والتمسك بالحقوق، والإرادة الصلبة التي لا تلين. * اليوم نعود إلى حماة، وتعود حماة إلينا. رحل ظالم المجزرة ومظلومها. رحل الأول مذموما مدحورا مهانا ذليلا، نرى ذلّه يومياً بحرق قبره، وإهانته والدوس عليه، بينما رحل المظلوم مروان حديد وبسام أرناؤوط وعدنان سعد الدين وسعيد حوى وإخوانهم أعزاء محمودين في الأرض والحمد لله وبإذن الله محمودين ومذكورين في السموات العلى، شتان بين الرحيلين، فراحلو حماة اليوم أسماؤهم وذكرهم في كل مكان من حماة وغير حماة، لا يُذكرون إلا بالاحترام والتقدير، تلك هي الحياة الثانية التي يعيشونها اليوم في الدنيا حمداً وشكراً. الاحتفالات التي شهدتها المدينة بهذه الأيام محيية أول ذكرى سنوية للمجزرة بعد التحرير، كانت كرنفالية، بطعم الفتح الرباني لمكة المكرمة، وإن كنت أنسى فلن أنسى لحظة الجنون التي تلبّست الحمويين وزائريهم يوم الفتح، لقد كان الجميع في حالة ذهول غير متخيلة، فالنساء الحمويات المحافظات، وهن يزغردن والشباب في حالة رقص والأطفال وهم يلعبون ويلهون بتماثيل حافظ أسد قاتل آبائهم وأجدادهم. كانت أشبه بلحظة جنون مسموح للجميع أن يعبر عن كل ما فيه، وربما كل ما في ذوات من رحلوا. حماة اليوم استعادت كرامتها وعزتها، يوم أذل الله تبارك وتعالى قتلتها ومغتاليها، يوم أذل الله من أهان مدينة أبي الفداء، مدينة النواعير، حماة اليوم أعزها الله بفتحه ونصره، فقد عاد شقيق عبدالستار الزعيم نائب مروان حديد مرفوع الرأس لتستقبله والدته ذات المائة عام، ويعود معه إخوانه في الثمانينيات ممن هاجروا بعد أن سعوا لإسقاط العصابة الأسدية، ولكن قدر الله أن يُجري فتحه ونصره على أبناء وأحفاد ذلك الجيل الذي أسس ومهد الطريق. دفع جيل الثمانينيات ثمناً باهظاً، واليوم دفع الجميع أثماناً أبهظ، ولكن قدر الله تبارك وتعالى أن يتم اقتلاع العصابة من جذورها، ويقتلع معها كل من ساندها وأيدها، ولكل أجل كتاب، فكان أجل العصابة الأسدية في الزمان والمكان الذي أراده الله تبارك وتعالى. * اليوم المسؤولية جماعية، لحفظ هذه الثورة المباركة، ونتائجها، فقلب العروبة، وعاصمة الأمة، تدعو الجميع سوريين وعرباً ومسلمين إلى أن يكونوا حراساً لها، فهي لم تكن ولن تكون للسوريين فقط، هذه دمشق عز الشرق، وويل لأمة تكبو فيها دمشق، وقد لمسنا حين كبت وتراجعت ماذا حل بالمشرق العربي في عهد النظام البائد، ولذا فالمسؤولية جماعية في صيانة الثورة وحمايتها وتحصينها، منعاً لسرقتها، وحرفها عن مسارها، فاليوم لا بديل عن هذه الثورة وهذا العهد. لعل الموقف الخليجي والعربي كان لافتاً ومدركاً لهذه اللحظة الفارقة فكانت زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، حفظه الله، إلى دمشق، ثم زيارة الأخ الرئيس أحمد الشرع إلى الرياض، ومن بعدها إلى تركيا، وتهنئة قادة العرب والعالم للأخ الرئيس بتنصيبه كرئيس للجمهورية العربية السورية، وهو أمر بكل تأكيد سيعزز الشرعية داخلياً وخارجياً، لتعود دمشق كما كانت لأهلها، بعد أن رحل الأغراب عنها.

1038

| 04 فبراير 2025

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

4785

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3432

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
معرفة عرجاء

المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....

2865

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يصنع التاريخ

في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...

2670

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2592

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
ملف إنساني على مكتب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة

في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...

1407

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1386

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1032

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

954

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

828

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
دور معلم الفنون في مدارس قطر

في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...

807

| 17 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يحلّق من جديد

في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...

765

| 17 أكتوبر 2025

أخبار محلية