رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

العودة عبر مطار دمشق.. أجواء لا تُنسى

صبيحة الثالث والعشرين من الشهر الجاري، ستظل علامة فارقة في تاريخ كثير من السوريين، حيث حطت أول طائرة تركية بمطار دمشق بعد 13 عاماً، لكن بالنسبة للكثيرين كأمثالي لم يهبط في هذا المطار منذ عقود. أجواء لم أشعرها، ولم أشاهدها في حياتي، فمنذ الدخول إلى صالة الانتظار في مطار اسطنبول الدولي، وركاب الطائرة السوريون قد توشحوا بالعلم السوري، بينما محطات التلفزيون التركية تركض وراءهم لإجراء المقابلات، والحديث عن مشاعر العودة، هكذا تبدلت الأرض والوجوه أمام السوري في غضون أيام، إذ لم يعد السوري بلا وطن، فقد عاد له وطنه من جديد، وبدا حريصاً على العودة لهذا الوطن الذي هُجر منه قسرياً. ما إن أخذنا مقاعدنا في الطائرة التركية، حتى بدأ الجميع يهتفون ويغنون للوطن، ويكررون الأغاني التي اتسمت بها الثورة السورية، لتغيب لسنوات، نتيجة الخذلان واليأس أحياناً لدى البعض من غياب النصر، لتعود في يوم النصر والفتح، ارفع رأسك فوق أنت سوري حر، كانت الفرحة لا يمكن وصفها، وربما كل لغات البشر عاجزة عن وصف مشاعر السوري الذي كان على متن تلك الطائرة، فهنا سوري لم يعد منذ 45 عاماً، وهناك شاب ولد أصلاً خارج سوريا، ولم يرها في حياته، وربما ظن كما ظن والده وجده، أن الغربة مكتوبة عليه كما كتبت على من رحل، لكن الكل كان مجمعاً على أن الوطن عاد إلى أهله اليوم، وأن الغرباء قد رحلوا عنه، ومعه أجمع الجميع على أنهم سيعودون لبناء وطن مجرّف بالكامل، وليس محطماً فقط. حين بدأت عجلات الطائرة تلامس أرض الوطن، كانت الدموع قد سالت على الخدود، بجانبي سيدة، كانت دموعها كأنها صنبور ماء، لم تصدق أنها تهبط في دمشق دون خوف أو وجل، كما كان عهدها أيام الحكم البائد، تقول لي منذ 13 عاماً لا أعرف دمشق، وكنا حين تهبط الطائرة قبل هذا كنا نحرص على قراءة كل ما نحفظه من القرآن من أجل أن ينقذنا الله من بين أيديهم، وأمامنا كان رجل كبير بالسن يبكي بكاءً مراً، وعلى يمينه شاب قد أتى من أمريكا مع زوجته مفعماً بالحيوية والنشاط لخدمة وطنه الذي عاد إليه من جديد. كان الاستقبال في المطار رائعاً، فأغاني الثورة تصدح بالمطار، وقد نُزعت صور الرئيس المخلوع من كل مكان فيه، ولم يبق إلا علم الثورة الذي تكفّن فيه مليون سوري على امتداد ثورة المليون. قدمت جواز سفري الذي هربت به عام 1981 أيام الرئيس السابق حافظ الأسد، نظر إليّ، وقال لي هل تريد أن أختم عليه؟، قلت نعم، ثم ضرب اسمي على الكمبيوتر ليرى الأفرع المطلوب لديها، كانت ثواني وإذا به يختم لي على الجواز وأغادر، بينما كانت هذه العملية بحاجة لساعات في بعض الأحيان أيام النظام السابق، طبعاً إن لم يكن مطلوباً للأفرع، أما إن كان مطلوباً فجمهورية صيدنايا بانتظاره. نخرج من المطار وإذا بفتيات صغيرات، يحملن صينية مملوءة بالورود ويوزعن وردة على كل عائد للوطن، وقد كتب عليها سوريا الحرة ترحب بأبنائها الأبرار، مع علم الثورة السورية. لحظات لا تُنسى ستُحفر في جبين الدهر، هل هذه سوريا التي حكمتها عائلة الأسد؟، بالطبع لا، ففي ساعات من وصول قوات ردع العدوان تغيرت تماماً وعادت سوريا لأهلها، أما الطريق من المطار إلى دمشق المدينة، فحكاية أخرى من البؤس والشقاء والحزن والمأساة، وكأن المغول حكموا هذه البلاد، وكأن البلاد قد توقف فيها التاريخ لقرن أو قرنين ماضيين، الوجوه الشامية المعروفة على جانبي الطريق ليست بالوجوه المعروفة بنضارتها وفرحها، كان كل شيء يتكلم عن مأساة حقيقية، يعانيها البلد منذ سنوات، فلا شيء هنا يدعو للبقاء، من خدمات أساسية فضلاً عن حياة الرفاهية، كأن النظام يعرف تماماً أن أيامه قد اقتربت، وبالتالي لا داعي ليقوم بأي عمل، كل عمله قد تركز على جمع المال والذهب للهروب ساعة تحين اللحظة، لكن يحدثك كل من تراه، المهم أن الوطن عاد لأهله، وسنبنيه بأيدينا بعيداً عن القروض وبعيداً عن الهبات، لاسيما ونحن نرى يومياً رجال أعمال سوريين كبارا يتوافدون عليه من أجل المشاركة في الاحتفالات، ثم في إعادةبنائهمنجديد.

1035

| 28 يناير 2025

معركة غزة وعقيدة كلاوزفيتر

قبل قرنين ونصف تقريباً قرر الجنرال البروسي كلاوزفيتر مبدأً مهماً في العلوم العسكرية، وهي أن الحرب أداة من أدوات السياسة، وامتداد لها، وإلا فإن الحرب في هذه الحالة ستكون ضرباً من ضروب قطاع الطرق، لا تختلف عن عقلية العصابات. ومنذ اليوم الأول لحرب غزة كانت مطالبة من أطلق عملية طوفان الأقصى: الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ووقف عاصفة التطبيع الصهيوني مع بعض البلدان العربية، وفي ثنايا العملية كان الهدف الاستراتيجي إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث العالمية، بحيث أن أي تطبيع أو مصالحة دون التنازل للشعب الفلسطيني، والاعتراف بحقوقه سيكون مآله الفشل، وعلى الرغم من التوحش الصهيوني العسكري المدعوم غربياً طوال خمسة عشر شهرا من الحرب الهمجية الصهيونية المدعومة غربياً على أهلنا في غزة، إلا أن الصمود الذي أبدته المقاومة الفلسطينية أذهل الجميع، في الوقت الذي انهارت ساحات أخرى مثل ساحة حزب الله في غضون أيام. لا شك فإن التضحيات جسام، وهي قريبة من التضحيات التي قدمها الشعب السوري على مدار 13 عاماً، وكان الكثير يلومون الشعب السوري على القيام بثورة غير محسوبة حسب تعبير البعض، وكأن الثورات من صنيع جهات محددة تتحمل مسؤوليتها، وليست انتفاضة شعب بكامله، لم يعد يطيق صبراً، وما كشفته باستيلات سوريا، ومصانع كبتاغونها تحكي بعض جذور الغضب الشعبي، وإن كان الغضب أكبر من هذين السببين مرده إلى قهر عمره نصف قرن، لم تَسلم شريحة ولا بيت سوري من ظلمه وقهره. مقاومة الاحتلالات عبارة عن سلسلة فقرات من مشهد طويل يورثه الآباء للأولاد، والأجداد للأحفاد، ولذلك كان رفع المقاومة الفلسطينية مطلب تحرير السجناء قد تحقق بعد 15 شهراً يوم رضخ الاحتلال للاتفاقية الأخيرة، ونزل من شجرة غروره وكبريائه، ومعه تحقق وقف أشكال التطبيع الصهيوني مع بعض الدول العربية، إذ غدا من المستحيل على الدولة العبرية أن تعود قريباً على الاقل إلى سابق عهدها في الاتفاقيات الإبراهيمية التي روجت لها طويلاً وواسعاً، بعد هذه البحور من الدماء التي تجاوزت الخمسين ألف شهيد غزي، وبالتالي فإن الخسارة المعنوية التي لحقت الكيان الصهيوني داخلياً، بتأخره طوال هذه الفترة في عملية تبادل أسراه التي كان بإمكانه عقدها منذ أشهر، فيُنقذ بذلك عدداً من أسراه الذين قتلوا بفعل قصفه، خلال هذه الفترة، ستُلقي بظلالها الكئيبة على الشارع العبري، وتُحمل حكومة نتنياهو المسؤولية في قتلهم. على صعيد العالم الغربي ظهر بشكل واضح تحول المزاج فيه ضد الدولة العبرية، وقد تجلى ذلك في المظاهرات التي اجتاحت العواصم الغربية، ووصلت إلى مخازن الفكر والرأي، في الجامعات الغربية العريقة، الأمر الذي سيُعيد التفكير بالعقلية العبرية في طريقة التعاطي مع الجامعات الغربية، والشارع الغربي بشكل عام. وبالمناسبة الصفقة التي وافق عليها نتنياهو أخيراً، هي نفس الصفقة التي عُرضت عليه ووافقت عليها المعارضة في 24 مايو/ أيار الماضي، ومع هذا رفضها، فتأخره طوال هذا الوقت يعني باختصار أنه رضخ لشروط كان يكابر على رفضها، بعد أن رأى إصرار المقاومة وثباتها في الميدان، على الرغم من الخسائر التي مُنيت بها المقاومة على صعيد رحيل قادتها، أو جنودها، ولكنها الحرب. بلا شك فإن الدولة العبرية فشلت في تدمير قدرات حماس كاملاً، وفشلت معه في رغبتها ورغبة بعض حلفائها بترحيل قادة المقاومة إلى خارج فلسطين كما فعلت في بيروت 1982، وتمنته خلال الحرب على غزة، ومعها تمنيات كثير من خلفائها، لكن بقيت حماس في داخل غزة تتبختر بالأمس بمقاتليها وأسلحتها، لتقول للغزيين ولكل العالم أنها لا تزال في الميدان، وما فعلته إنما هو جولة من جولات المقاومة، والحرب عبارة عن سلسلة معارك وليست معركة واحدة. نعم فشلت إسرائيل في البقاء في غزة، والآن ستضطر الدولة العبرية للانسحاب من كل غزة بما فيها محور نتساريم وفيلادلفيا، بعد أن فشلت في البقاء في الشمال التي كانت تخطط للبقاء فيه، مع تهجير أهله. اللافت والمؤسف أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومحوره، يتصرف وكأن شيئاً لا يعنيه، فعوضاً عن تحرك الرئيس الفلسطيني في هذه الأوقات باتجاه عواصم العالم لحشد العالم ضد الهولوكوست الفلسطيني، كان ينتظر أن يقتسم الضحية وهو الشعب الفلسطيني.

1026

| 21 يناير 2025

ماذا يعني انتصار الثورة السورية للمشرق العربي؟

لم يعش المشرق العربي لعقود، حالة من السكون كما هو عليه اليوم. عُرفت مرحلة ما قبل سيطرة البعث عام 1963 بالصراع على سوريا، لتتميز مرحلة ما بعد سيطرته ومجيء آل الأسد عام 1970 بنشر الصراع والفوضى في العالم العربي، وهو ما فهمه فؤاد زكريا المحسوب على المحافظين الجدد الأمريكيين في كتابه (تمرد سوريا) قبل رحيله، بأن الأسد بارع في خلق الفتن داخل العالم العربي. نتذكر جميعاً حالة الفوضى التي صاحبت اغتصاب البعث للسلطة عام 1963، بخلقه منظمات فلسطينية، كالصاعقة وأبي نضال وغيرهما، لضرب الوحدة الفلسطينية، وفتح، ومنظمة التحرير، ثم دعم فصائل فلسطينية في أيلول الأسود بالأردن عام 1970، ليصل الأمر إلى التدخل في لبنان عام 1976، وخلق فتن لا يزال لبنان يدفع ثمنها حتى اليوم، فوصلت ذروتها باغتيال قيادات لبنانية سياسية وإعلامية ودينية، وثقافية وفكرية، ومعه التلاعب في المعادلة السياسية اللبنانية، حتى سقوط العصابة في الثامن من ديسمبر/ كانون ثاني 2025، كل ذلك من أجل تصدير معركته إلى خارج سوريا. ليس هناك دولة عربية ليس لديها مشكلة مع عصابات آل الأسد، فكانت الفتن سلاحه في إرهابها وابتزازها التي يتقنها وبرع بها، بدءاً من العراق والخليج، وانتهاءً بلبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية، والمغرب، وحتى باكستان بدعم منظمة ذو الفقار الإرهابية، وخلال الثورة باجتلاب مليشيات طائفية من باكستان وأفغانستان، وحتى إرهابه ورعبه الذي مارسه في بعض دول أوروبا، وسيتم الكشف ربما قريباً عن دوره في تفجير طائرة بان أمريكان، والتي أقلعت من لندن عام 1988، وتحملها القذافي ليرفع عنه المسؤولية، ولذا فليس الشعب السوري من لديه ثأر مع هذ النظام، وإنما الكل له ثأر عميق معه. لن ينسى الشعب الفلسطيني مجازره التي كان أول من دشنها بحقه مؤسس جمهورية القهر والخوف حافظ الأسد، يوم ارتكب مجزرة تل الزعتر والكرنتينا والبداوي عام 1976، ثم حصار بيروت ومن بعدها مجازر ارتكبها حلفاؤه ممثلين بإيلي حبيقة وغيره كمجزرة......، ولن ينسى الفلسطينيون كيف قضى مئات وربما آلاف الفلسطينيين في جمهوريات تدمر وصيدنايا للاعتقال، ولعل زائر مخيم اليرموك اليوم يدرك تماماً حجم الحقد الأسدي على فلسطين والفلسطينيين، بالخراب والدمار الذي ألحقه به، فأجبر عشرات الآلاف على التهجير والتشرد، وتوّج ذلك بإطلاق فرع فلسطين على أسوأ معتقلاته، ليربط اسم فلسطين بهذا الصرح الدموي.في الحرب الإيرانية ـ العراقية 1980-1988، اصطف كما هو معروف إلى جانب إيران، على الرغم من رفعه شعارات العروبة، ودعوته إلى الوحدة العربية، وظل معارضاً للعراق حتى اللحظة الأخيرة، مما كلّف العراق الكثير نتيجة توقف ضخ خطوط النفط التابلاين من أراضيه إلى البحر المتوسط، لتصديره إلى أوروبا، ليبدل موقفه في عام 1990 بالانضمام إلى محور الرجعية والإمبريالية الأمريكية والخليجية! كما كان يصفها صباح مساء، والمعادي لحكم صدام حسين، بغض النظر عن معارضتنا لاحتلاله الكويت يومها. حين نتحدث عن حجم القهر والخوف الذي زرعه خارج العالم العربي بحق مواطنيه في الثمانينيات وما بعدها يعجز المقال عن إيفائه حقه، فقد اغتال المعارض البعثي المؤسس صلاح الدين البيطار في باريس/ يوليو 1980، واغتال السيدة بنان الطنطاوي زوجة المعارض الإسلامي عصام العطار عام 1981، بعد أن فشل في اغتيال الأخير، واغتال نزار الصباغ في مدريد عام 1981، وفجر في الكويت ولبنان وعواصم كثيرة من أجل تصدير إرهابه لضمان سيطرته على سوريا والاستفراد بها، وابتزاز كل من يعارضه أو يقف بوجه مخططاته. تلك مقدمة مهمة لنشعر نحن العرب، حجم الكابوس الذي نجحت الثورة السورية المباركة في رفعه ليس عن الشعب السوري فحسب، وإنما عن المشرق العربي كله، بل وعن الجوار والعالم كله، فالكل غدا مستفيدا من إسقاط هذه العصابة، فمنهم من استفاد بتخلصه من إرهابه ودعمه للمنظمات الإرهابية، ومنهم من استفاد بتخلصه من انحيازه لمحاور معادية للمشرق العربي، فكان رأس حربة لها، ومنهم من استفاد من التخلص من قذفه للمشردين والمهجرين الذين أغرقوا دول الجوار، وما بعد الجوار في أوروبا، ومنهم من تخلص من سموم الكبتاغون التي تحولت بفضله سوريا إلى عاصمة للكبتاغون في العالم، وأخيراً تخلص العالم كله من عصابة تحكم بفضل ودعم جمهوريات صيدنايا المتنقلة، وأسلحتها المكابس والمحارق وحفر الأسيد لضحاياها على مدى عقود من الزمن، فضلاً عن تخلص العالم من عصابة حكمت بالكيماوي والبراميل المتفجرة واستقواءً باحتلالات أجنبية متعددة ومليشيات طائفية عابرة للحدود. اليوم بات المشرق العربي خاليا من هذا كله، واليوم عادت سوريا لأهلها، وعادت سوريا للمشرق العربي، وعاد الأخير لها، اليوم يتنفس المشرق العربي هواء نقياً ما قبل البعث، ويفكر بصوت مرتفع متجانس مع بعضه، لا خوف اليوم، ولا قلق ولا محاور تنفذها دمشق البعث ضده، اليوم بإذن الله نعيش إخوة، همنا واحد، وهدفنا واحد، لا تآمر ولا تهديدات ولا ابتزازات، اليوم الشام بحاجة لأهلها يضمدون جراحها وجراحهم التي ارتكبتها العصابة الأسدية، والأمل معقود على حكمة الجميع في هذا التضميد، لفتح صفحات عهد مجيد بإذن الله بتعاون الأشقاء كلهم.

996

| 14 يناير 2025

سوريا.. التوجه خليجياً

ردُّ العهد الجديد سريعاً وعملياً على الزيارة والتصريحات غير المريحة التي صاحبت زيارة وزيري خارجية فرنسا وألمانيا لدمشق، حين أعلن وزير الخارجية أسعد الشيباني عن زيارة خليجية لقطر والإمارات والأردن، في خطوة فُسرت على أنها ردٌ عملي واضح على تصريحات الوزير الفرنسي والوزيرة الألمانية إلى دمشق، والتي اعتبرها المحللون والخبراء نوع من الوصاية والإملاءات الغربية الجديدة، مدفوعة بعقلية استعمارية غربية. زيارة المسؤولين الفرنسي والألماني كانت مستفزة لكثير من السوريين بدءاً من الطائرة العسكرية التي أقلتهما، إلى اللباس غير الرسمي للوزيرة الألمانية، ومعها ارتداء كليهما للسترات المضادة للرصاص، فضلاً عن قصة عدم مصافحة المسؤولين السوريين للوزيرة الألمانية، على الرغم من أن ذلك متفق عليه بروتوكولياً ومسبقاً، ولكن اللافت سورياً أن البلد الذي خرج من ثورة شعبية استمرت لـ 13 سنة، وقدم خلالها مليون شهيد ونصف مليون معتقل، و15 مليون مشرد، ولا يزال ينبش الأرض بحثاً عن مقابر جماعية، كان آخرها ثلاث مقابر في ريف حلب أُكتشف فيها 16 ألف جثة، كل هذا يتطلب من كل زائر لسوريا احترام دماء الشهداء وتضحيات الأحياء، لكن ما حصل هو العكس، فالزائر تجاوز هذا كله وتصرف بعجرفة وعنجهية لا ترقى إلى هذه التضحيات، كما لا ترقى إلى الأخطاء التي كان يمعن فيها ضد هذا الشعب حين كان يدعو قبل أيام فقط للتطبيع مع مرتكب كل هذه المجازر. جاءت مطالبة الوزيرين بحقوق الأقليات، ليزيد من غضب الشارع السوري، فالأغلبية التي كانت تعاني على مدى 53 عاماً من التهميش، والقتل والتشريد والمجازر والسجون، لم تُحرك شعرة في جسد هذه الدول الغربية، ولم تطالب يوماً بإنصافها، لتحركهم حقوق الأقليات اليوم، في حين ترى شريحة واسعة من السوريين، أن النظام الحاكم طوال عقود كان نظاماً أقلوياً طائفياً، ومع هذا لم تلجأ الغالبية السنية بعد الثورة إلى أي أفعال انتقامية أو ثأرية، وهو الأمر الذي كان ينبغي على العالم كله الإشادة بهذه التجربة، لا العكس. الظاهر أن قادة العهد الجديد تنبهوا مبكراً للسياسة الغربية هذه، فكانت أول زيارة خارجية له إلى المملكة العربية السعودية، والانفتاح عربياً، وتحديداً خليجياً، وذلك من أجل نسج شراكات عسكرية وأمنية واقتصادية مع هذه الدول التي رأت في العهد الجديد فرصة ذهبية لتخفيف أعباء أمنية قاسية كانت تتحملها أيام حكم آل الأسد لعقود، وكان على رأس هذه العقود تجارة تهريب الكبتاغون، فضلاً عن تحالفاته مع قوى مهددة للمحيط العربي. تحصين الجبهة العربية وتمتينها وتقويتها حول العهد الجديد، وتأكيد على أن سوريا الجديدة لن تكون إلاّ امتداداً للأمن العربي، يأتي ليطمئن الدول العربية، وحتى غير العربية، لاسيما وأن الغرب بشكل عام مشغول اليوم في أحداث أوكرانيا، ولم يعد بمقدوره أن يقدم الكثير للدول، في ظل شيخوخته، وانشغاله بالحرب الأوكرانية، بينما سوريا الواعدة اليوم بخبرات شبابها، لاسيما الشباب الذين تشتتوا في الشتات والمنافي، واكتسبوا خبرات متعددة، يمكن الاستفادة منها في بناء الدولة الجديدة، لاسيما إن عزز ذلك دعم الأشقاء في الخليج والعالم العربي بشكل عام، ومعهم تركيا. العالم العربي ومعه تركيا يستطيعون أن يساعدوا بشكل كبير في إنجاح التجربة السورية، لأن فشلها لا سمح الله سيكون مدمراً على المنطقة برمتها، فالفشل سيقود إلى تفجير كل براكين الغضب المعتملة لعقود في الجسد السوري، ومعه صواعق متعددة الأبعاد والاتجاهات، مما سيدفع ثمنه ليس السوريون فقط، وإنما المحيط كله، ولعل أهم تحرك للأشقاء في هذا، وقادر أن يمنع هذا الفشل، تحرك دول الخليج وتركيا والأردن للضغط على أمريكا والغرب بشكل عام لرفع كافة العقوبات المفروضة على البلد، وعدم الاكتفاء بالرفع الجزئي، لأن هذا خيانة للشعب السوري وتضحياته، فهذه العقوبات إنما فُرضت على النظام البائد، وإلاّ فإن أي تبعيض في عملية الرفع كما يتم تسريبه اليوم، إنما يعني أن هذه العقوبات كانت مفروضة على الشعب السوري وليس على جلاديه وطغاته، وبالتالي من عوقب بالأمس ويعاقب اليوم هو الشعب. المسألة الثانية التي يستطيع العالم العربي وتركيا مساعدة العهد الجديد فيها، تتمثل بالضغط على القوى الداعمة لمليشيات قسد، والتي لا تزال تسرق النفط السوري منذ سنوات، وتمارس العنف والإرهاب ضد السوريين، مما يتوجب رفع الغطاء عن هذه المليشيات لتعود إلى رشدها، وتندمج بطريقة وطنية مع العهد الجديد، وتكفّ معه عن التعرض للمدنيين في أحياء حلب، حيث تمارس عمليات القنص لكل مدني حلبي يعبر أحياءها التي لا تزال تسيطر عليها..ندرك أن المهمة صعبة في سوريا المحطمة، ولكن بجهود السوريين وبدعم الأشقاء والأصدقاء والأحرار في العالم ستخرج سوريا قوية، مفيدة لشعبها، ومفيدة لجوارها والعالم كله.

2169

| 07 يناير 2025

سوريا.. مقبرة مفتوحة

لمئات الأمتار وسط المدن الرئيسة المؤدية من دمشق إلى حلب تجد طوابير البشر كباراً وصغاراً، نساءً ورجالاً يصطفون حتى ساعات متأخرة من الليل، وهم يسألون كل من هو قادم من دمشق، هل هناك باصات معتقلين خلفكم تم تحريرهم، تنظر في عيون القوم فتقرأ هموم الأرض كلها في خريطة وجوههم، حين تجيبهم بالنفي، تعبس الوجوه، وتنحبس الدموع في المآقي، فمع كل يوم يمر على تحرير المعتقلين من سجن صيدنايا القريب من دمشق، تضيق فسحة الأمل لدى هؤلاء، الذين عاشوا طوال سنوات ربما وبعضهم لعقود من أجل هذه اللحظة التي يأملون أن يلتقوا بأحبابهم الذين وصل عددهم إلى أكثر من مائتي ألف معتقل. في جمهورية صيدنايا التي اختزلت 53 عاماً من حكم آل الأسد، كان السوريون يتوجهون إليها، بعضهم يبحث عن قريب، وآخرون يريدون أن يشهدوا لحظة انهيار باستيلات سوريا، والكثير يعمل بجد واجتهاد على رأسهم قوى الدفاع المدني «الخوذ البيضاء» للبحث عن سجون تحت الأرض، وسجون حمراء، وتتفتق هنا أذهان البشر لتوائم إبداعات إجرامية للعصابة الأسدية، فاللامفكر فيه هو ربما الحل لإيجاد المعتقلين، لكن مع كل فسحة أمل تنهار أمام واقع يصرخ أن العصابة الأسدية قد تخلصت من فائض سكاني كانت تراه، بل وصرخ كثير من رؤوسها أنهم استلموا سورية بضعة ملايين وسيسلمونها كذلك. العثور على ثلاث أدوات مرعبة للتعذيب والتخلص من الضحايا سببت كابوساً وهاجساً للسوريين المنتظرين، هذه الأدوات تمثلت بالمحارق التي قيل في بداية الثورة بأنه تم شراؤها من الهند، وذلك للتخلص من الجثث، التي قد تشكل دليلاً على إدانة العصابة في حال العثور عليها لاحقاً، ولذلك فالحل هو حرق الجثث، وعدم ترك أي دليل لجرائم العصابة، أما الوسيلة الثانية فالمكابس والتي يتم كبس الضحية وهي حية، فتتهشم عظام ولحم الضحية، وهو ما كشفه سجين أردني تحدث للجزيرة وهو الذي قضى 26 سنة في جمهوريات الأسد الصيدناوية، أما الوسيلة الثالثة المرعبة فكانت إذابة السجين بحفر الأسيد، بهدف تذويب كل آثار الجرائم المرتبكة بحق الأبرياء. يدخل السوريون إلى سجن صيدنايا فيعثرون على كتابات وثقت نتفاً من تلك المرحلة على الجدران، بعضهم تعرف على كتاباته ورسومه، وهو الذي منّ الله عليه بالإفراج عنه من قبل، فخرج من باستيل صيدنايا، أما البعض الآخر فترك وثيقة تدون قليلاً مما كان يجري للمعتقلين في تلك السجون الرهيبة، ومع مرور الأيام يختفي الأمل لدى الأهالي الذين طالما انتظروا أحبابهم، ولكن تبقى جمهورية صيدنايا الأسدية شاهدة على إجرام آل الأسد بحق السوريين، ولعل هذا ما عرفناه وما خفي أعظم بكثير، فماذا كان يجري لسجناء تدمر في الثمانينيات، وغيرهم من عشرات السجون المخفية في سوريا؟!، والسؤال الأكبر أين كانت القوى الدولية والمنظمات الحقوقية والدول العالمية التي تريد أن تُطبع وتتعايش مع عصابة كهذه، فإن كانت تعلم فتلك مصيبة وجريمة، وإن كانت لا تعلم فالمصيبة أعظم، وكم هناك من صيدنايات في عالمنا، ما تزال دول كثيرة تصر على التعامل مع أصحابها وسدنتها.

1227

| 31 ديسمبر 2024

سوريا الجديدة تحديات الداخل والخارج

لا يشك أي متابع للشأن السوري أن النظام البائد خلّف للسوريين سوريا مدمرة محطمة، ليس على الصعيد العمراني والبنائي فقط، وإنما محطمة بشرياً، يمتد هذا التحطيم من التخريب على مستوى العلاقات البشرية، ومكوناتها، ما دامت أساس لعبة حكمه طوال 61 عاماً هو اللعب على وتر الطائفية، والتلاعب بالمكونات ضد بعضها البعض، جرياً على عهد أسلافه من المحتلين «فرّق تسد»، وبكل تأكيد فإن الإدارة الجديدة للحكم السوري ستصرف أوقاتاً هائلة من أجل ترميم تلك الصورة المحطمة، فأي ناظر إلى الخريطة السورية يرى حجم الدمار والخراب الذي بحاجة لجهود وأموال ضخمة من أجل إعادة 14 مليون مهجر، يفتقرون إلى أبسط الخدمات من ماء وكهرباء وصرف صحي، وقبله لبيوت تؤويهم. على الصعيد العربي والإسلامي والعالمي فقد أورث هذا النظام لمن خلفه صورة ذهنية في غاية السوء لسوريا، إن كان من حيث استخدامها لسلاح الإرهاب ودعم المليشيات الإرهابية والطائفية، أو سلاح الكبتاغون، حيث غدت دمشق عاصمة لامبراطورية الكبتاغون، ولا أدلّ على ذلك من مصانع الكبتاغون التي كانت تديرها الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، والتي وصلت مردودها لعشرة مليارات دولار، وهو رقم أكبر من الميزانية السورية ذاتها، فكان خطر هذا السلاح الخطير على المنطقة والعالم كله، دفعت أمريكا وغيرها من الدول أن تسن قوانين ضده وضد صانعيه، أما ثالثة الأثافي فكان سلاح التهجير والتشريد الذي كان يبتز به دول الجوار ومعه دول أوربا، بحيث يهدد بإغراق أوربا بموجات اللاجئين حتى وصل عدد اللاجئين السوريين في ألمانيا لوحدها مليون سوري. اليوم الإدارة السورية الجديدة ستتحمل كل أوزار النظام السوري شاءت أم أبت، ولذا بدون تعاون وتنسيق ودعم الأشقاء في العالم العربي ومن خلفهم الدول الحريصة على إعادة سوريا لسابق عهدها، سيظل التهديد حاصلاً، وستظل فلول العصابات الأسدية حاضرة، ولعل تحرك الأشقاء إن كان في قطر أو المملكة العربية السعودية وتركيا، السريع في دعم الإدارة الجديدة وملء الفراغ الذي أحدثه رحيل حلفاء النظام السوري، يشكل بارقة أمل كبيرة للسوريين وللعرب الذين تنفسوا الصعداء يوم سقط النظام، فهذا السقوط والرحيل، ليس سقوطاً لمصلحة السوريين فقط، وإنما لكل العرب والمسلمين والعالم، فمنهم من استراح من دعمه ومساندته للإرهاب العابر للحدود، كدعمه لمليشيات حزب العمال الكردستاني وتفرعاتها، أو دعمه للعصابات والمليشيات الطائفية، أو بتجارته للكبتاغون، وتشجيع الهجرة والتشرد التي تضر بالعالم كله. الاستقبال الذي حظي به وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، ووفد شيوخ الدروز المرافق له في قصر الشعب بدمشق، وحديث الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع عن النظام السابق البائد، أرسلت إشارات قوية من أن العهد الجديد لن يكون إلاّ عامل استقرار للبنان، وهو ما سيرسل إشارات مهمة لكل المعارضين والمخالفين للنظام السابق في لبنان، بحيث يتقدم هؤلاء، ويتأخر من دعموا النظام السابق إلى الوراء. مطالبة الأوساط الأمريكية لقوى الأمن اللبناني بالقبض على اللواء جميل الحسن مدير المخابرات الجوية السابق المعروف بجرائم تعذيبه، وهو القائل بأنه مستعد لقتل مليون سوري ثم التوجه إلى محكمة العدل الدولية، أعطت دعماً جديداً للسوريين بأن المجتمع الدولي خلفه في هذا التغيير، لاسيما بعد أن قادت باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأمريكي وفداً عالي المستوى للقاء أحمد الشرع، وهو ما أرسل رسائل إقليمية قوية بأن واشنطن تدعم التغيير في دمشق، وبالتالي لا حاجة لوضع العصي الإقليمية في عجلة التغيير السورية. التحديات السورية الداخلية والخارجية ضخمة، والكل مدعو اليوم للخلاص من تركة العقود الماضية التي خلفتها عائلة الأسد، وهذه التركة متعددة ومتشعبة الجوانب، سورياً وعربياً ودولياً، ولذا على الجميع أن يدرك أنه معني في معالجة هذه التركة، لاسيما وأن الشعب السوري عانى الكثير خلال العقود الماضية، وتحديداً خلال السنوات الأخيرة، وسيظل الشعب السوري يذكر كل من وقف معه، وصابر وصبر، ولم يتغير ولم يتبدل، وهم قلة قليلة، أما عن واجبات السوريين في هذه المرحلة فلعل لها مقالا آخر.

1812

| 24 ديسمبر 2024

التمكين السوري مسؤولية جماعية

الإشارات التي أرسلها الحكم الجديد في سوريا بعد الخلاص من استبداد البعث وآل الأسد الذي جثم على الصدر السوري والعربي وحتى العالمي لأكثر من نصف قرن تعد قوية وإيجابية، إذ إن العفو العام الذي أطلقه الحكم الجديد، بحيث لم يتم التعرض لأحد في الغالب باستثناء بعض الحوادث الفردية، والتي لا يخلو منها أي بلد، يمر بما مرّ به الحدث السوري، من قتل لحوالي مليون شخص، واعتقال لمائتي ألف، لم يتم تحرير منهم سوى بضعة آلاف فقط، مما يشير إلى أن النظام البائد قتل عشرات الآلاف منهم، وفوق هذا هناك الإشارات القوية التي أرسلها الحكم الجديد تجاه المكونات الأقلوية في سوريا، ومنها الطائفة العلوية التي كانت حاضنة النظام السوري، إذ تقاطر المئات ولا يزالون على تسوية أوضاعهم، والحصول على بطاقات رسمية تحميهم راهناً ومستقبلاً. لا شك أن الحكومة المؤقتة التي أعلنها قائد المحرر أحمد الشرع والمعروف بالجولاني، بحاجة إلى توسعة لاسيما فيما يتعلق بالحقائب الوزارية التي لا تزال شاغرة، لاسيما وأن المحرر اليوم لم يعد إدلب وريفها، وإنما كل سوريا، وهو تحد كبير أمام الحكومة المؤقتة وأمام الثورة السورية بشكل عام، في أن تفرض نفسها، بُغية لملمة الجراح، وشق طريقها نحو إعادة الإعمار، تمهيداً لعودة ملايين المهجرين والمشردين، لاسيما وأن بيوتهم غدت خراباً يباباً، فضلاً عن الافتقار إلى أبسط أنواع الخدمات العامة، وفي موازاة ذلك يتبين لكل من يقوم بزيارة المناطق التي تحررت حديثاً حجم الفارق المدني بينها وبين المناطق المحررة سابقاً من حيث توفير الخدمات، ونظام المعيشة بشكل عام، وهو الأمر الذي دفع رئيس الوزراء المؤقت محمد البشير إلى رفع رواتب الموظفين في المناطق المحررة حديثاً ثلاثة أضعاف لتغدو قريبة من المناطق المحررة قديماً. لا ريب أن تمكين الحكم في سوريا اليوم، مسؤولية سورية أولاً وأخيراً، ولكن بالمقابل المساعدة في هذا التمكين مسؤولية جوارية، ومسؤولية عربية وعالمية وذلك من أجل عودة اللاجئين والمهجرين الذين شكلوا كابوساً للدول المجاورة وحتى دول أوروبا، بعد أن نجح النظام السوري البائد في تصدير مشكلته للخارج من خلال إغراق حتى أوروبا باللاجئين السوريين، فضلاً عن إغراقها حتى بالكبتاغون مما جعل دمشق عاصمة لإمبراطورية الكبتاغون بحسب توصيفات صحف ووسائل إعلام عالمية، ولذا فالتمكين سيوقف عمليات التصنيع والتهريب، بعد أن تم الكشف عن مصانع المخدرات التي تديرها الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد وغيره من الشخصيات النافذة في النظام السوري. التمكين السوري لديه أبعاد إيجابية مهمة للجار التركي الذي سيحظى بعمق إستراتيجي صديق موالٍ له بعد أن كان معادياً، مما سيفتح له آفاقاً جديدة وواسعة باتجاه الأردن والخليج العربي، فضلاً عن كسر مشغل الجماعات الكردية الانفصالية وعلى رأسها قسد، فالكل يعلم أن مشغل العصابات الكردية الانفصالية إنما هو النظام السوري منذ عصر حافظ الأسد وحتى الآن، وبالتالي فإن انتصار هذه الثورة على الاستبداد البعثي، هو انتصار على كل منتوجات هذا النظام وعلى رأسها الأحزاب الكردية الانفصالية. استقرار الواقع السوري لمصلحة جميع الدول العربية التي تريد الاستقرار لنفسها، فالتخلي عن سوريا لصالح قوى دولية وإقليمية وعصابات طائفية عابرة للحدود، شلّ الأمن القومي العربي طوال هذه الفترة، ولذا فإن وقوف الدول العربية إلى جانب الحكم الجديد ومساعدته في تجاوز هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ سوريا، واجب قومي عربي ليس من أجل سوريا فقط وإنما من أجل الأمن القومي العربي الذي أتته فرصة ذهبية لإقرار الواقع السوري، وعودة اللاجئين وعودتها لدورها العربي المساند للقضايات العربية بشكل حقيقي وفعال ونافذ وناجز. أخيراً على العالم كله أن يدرك أن ما جرى يوم 8/12 إنما هو انتصار للإنسانية على التوحش والكيماوي والبراميل المتفجرة ومسالخ صيدنايا، وأن الحكم الجديد بكل فصائله وأحزابه وشعبه سيكون الحصن الحصين للأمن والاستقرار، وكما قال أحد المؤرخين الغربيين بعد أن غربت دولة الحشاشين في التاريخ لم يسترح العالم الإنساني فقط وإنما استراح العالم كله، وهو ما حصل اليوم برحيل نظام البعث.

1020

| 17 ديسمبر 2024

فتح دمشق ونهاية حقبة الظلام

وضعت الثورة السورية بالأمس حداً لنهاية حقبة الظلام والاستبداد التي تحكمت في سوريا لأكثر من نصف قرن، ذاقت فيها سوريا منذ وصول البعث إلى السلطة كل أنواع الظلم والاستبداد، التي توجها النظام السوري البائد باستدعاء احتلالات ومليشيات عابرة للحدود من أجل حماية حكمه في مواجهة انتفاضة شعبية استمرت لثلاثة عشر عاماً ونيف، تتحدى كل صنوف المؤامرات والتصفية الإقليمية والدولية. كان تقدم الثوار من حلب إلى دمشق بسرعة لم يتوقعها أكثر المتفائلين بانتصارات الثورة، لتكسر كل الخطوط والحواجز، إن كان في حلب وحماة وحمص وما حولهما من قرى وبلدات ومطارات، ليتقدم الثوار من كل الاتجاهات إلى دمشق، حيث كان لا يزال رأس النظام السوري بشار الأسد يجتمع حتى صباح يوم السبت مع وزرائه وكبار موظفي القصر الجمهوري، وهو يؤكد لهم أن لا شيء يدعو للقلق، وأن الأوضاع تحت السيطرة، ليفاجأ الجميع بهروبه مساء السبت، مما خلّف حالة من التخبط والفلتان وسط منظومة الحكم الأسدي، الأمر الذي استغله الثوار ودخلوا العاصمة دمشق من كل مكان. الأعجب أن الوسيط الدولي في سوريا غير بيدرسون كان هو الآخر مفصولاً عن الواقع تماماً، حيث كان لا يزال يدعو إلى إجراءات انتقالية لنقل السلطة، وهو الأمر الذي يذكرني تماماً بالوسيط الدولي في أفغانستان عام 1992 بينون سيفان يوم كان المجاهدون الأفغان يدخلون العاصمة كابول، في الوقت الذي كان سيفان يصر على نقل السلطة سلمياً.. الوسيط الدولي بيدرسون وكل جهود من سبقه من الوسطاء عجزوا عن إطلاق سراح سجين واحد، فضلاً عن تحقيق اختراق سياسي معقول منذ 12 عاماً يوم تم تعيين وسيط دولي لسوريا، حيث استقال ثلاثة وسطاء بسبب عدم تجاوب النظام السوري مع جهود الوساطات العربية والدولية، وهو يصر على موقفه بالتشبث بالسلطة، وعدم تقديم أي تنازلات لشعبه، وهو الذي قدم كل التنازلات لاحتلالات أجنبية متعددة، ومليشيات طائفية عابرة للحدود. اليوم تتمكن إدارة العمليات العسكرية بقيادة أحمد الشرع المعروف بالجولاني من تحقيق الحلم الذي داعب السوريين وثورتهم لـ 13 عاماً، ومن قبله داعب خيالات السوريين منذ نصف قرن، فما عجزت عنه كل التحركات السورية لنصف قرن في الإطاحة بنظام استبدادي شمولي ليس بحق السوريين فحسب، وإنما بحق العرب كلهم، الذي كان يعمل على ابتزازهم سياسياً وأمنياً وغيرها من الجوانب، نجح اليوم ثوار سوريا في تحقيق ذلك عبر الإطاحة بنظام الاستبداد. هذه الإطاحة ليست في صالح السوريين فقط، وإنما في صالح الدول المجاورة التي حوّلها إلى ساحات لنشر التطرف والإرهاب، كما فعل بدعم حزب العمال الكردستاني في تركيا، وفي تهريب المخدرات إلى الأردن وتركيا، لتغدو دول ترانزيت لوصول هذه المخدرات إلى العالم العربي بشكل عام وحتى أوروبا وأمريكا، فضلاً عن إغراق العالم بموجات المشردين واللاجئين، ولذا فإن هذه الإطاحة سيجني ثمارها كل سوري وعربي وإنساني. منتصف ليلة أمس وحتى شروق الشمس ومساجد الشام كلها تكبر وتهلل لهذا النصر الكبير، لاسيما وقد تُوج بكسر باستيلات سوريا المتعددة، حيث تم تحرير عشرات الآلاف من السجناء من هذه السجون التي غدت باستيلات حقيقية، فكانت فرحة السوريين بالإفراج عن فلذات أكبادهم فرحة لا تدانيها فرحة، لا سيما وقد تكشف حجم الإجرام الأسدي خلال فترة حكم العائلة، بحيث تم تحرير سجناء بينهم لبنانيون قضوا أربعين عاماً في سجون النظام، وكان قد أبلغ السلطات الرسمية وأهلهم بأنهم ماتوا في السجون، ليكتشفوا اليوم بأن المعتقلين أحياء.. اليوم تتنفس سوريا الحرية، واليوم تشرق شمس الحرية على سوريا التي انتظرتها طويلاً، وجاهد لهذا اليوم السوريون كلهم، واليوم يعتقد كثير من السوريين أنهم ولدوا من جديد، وكما أبلغني شاب في ساحة العاصي بمدينة حماة بعد تحريرها بيوم واحد اليوم عرسي، واليوم نشعر أننا ولدنا من جديد، وهو ما كرره غير واحد في ساحة العاصي التي شهدت كمناطق حماة كلها أكبر مجزرة في العصر الحديث، حيث راح ضحيتها أكثر من أربعين ألف شهيد بين رجل وامرأة وطفل.. اليوم يهنئ السوريون بعضهم بعضاً، لا خوف اليوم، ولا قصف طيران، ولا أصوات مدافع كما عهدوهم طوال السنوات الماضية، اليوم لا سجون ولا معتقلات، اليوم سوريا الجديدة ليس للسوريين وإنما للعالم كله... مبارك الفتح للجميع.

1263

| 11 ديسمبر 2024

تشاء ضيعة ويشاء الله حلب

زلزال حلب الذي بدأ يوم الأربعاء في مفاجأة لم يحسب لها أحدٌ حساباً، يواصل ارتداداته على امتداد الجغرافيا السورية. كان الهجوم من الغرب حيث بلدة الشيخ عقيل، في حين كان الجميع بما فيهم النظام، وحتى كثير من فصائل المقاتلين يتوقعون أن يكون من محاور أخرى، وزاد من عنصر المبادأة دخول الانغماسيين من نفق طويل، بحيث التفوا على قوات الجيش من الخلف، فكان أن دب الرعب والهلع والخوف في صفوف الجيش ومليشياته الطائفية، ومما زاد من حالة الانهيار، في داخل مدينة حلب، وقوع عملية أمنية في غاية السرية تحصل، حيث تمكن ثلة من العاملين خلف الخطوط من تصفية أعضاء اللجنة الأمنية بينهم كبار العسكريين والأمنيين في المدينة، الذين بقتلهم انهارت قوى الجيش، وفصل الرأس عن الجسد. كان للأوضاع الدولية والإقليمية دور فاعل، حيث إيران الداعم الأساسي للنظام، منشغلة بمواجهتها مع إسرائيل وأمريكا، ومليشياتها حزب الله اللاعب المليشياوي الأساسي في هذه الحرب يتعرض لهزائم وخسائر ضخمة، من تصفية قادته ومسؤوليه مما خلق فراغاً وفرصة ذهبية للمقاتلين في سوريا، وحين زرت الخطوط الأمامية لمقاتلي الحزب بريف إدلب الشرقي أذهلتني سرعة الانهيار المريع لمقاتلي حزب الله، حيث كانت تضم غرفة عملياته، وقد انهارت القوات بشكلٍ مفاجئ، بينما كانت التحصينات تشير إلى أن الاستعداد لحرب مدن طويلة الأمد، بل لحرب من بيت إلى بيت. أما على الصعيد الروسي فقدْ فَقد صوابه وتوازنه، حين رأى سرعة الانهيار للنظام، ومعه سقوط هذه الكمية الكبيرة من الأسلحة والذخائر الروسية، بما فيها أسلحة نوعية كمنظومة دفاع جوي إس ٣٠٠، وغيرها من الصواريخ التي قد يصل مداها لـ ٧٠ كم مما يجعل قاعدة حميميم في مرمى هذه الصواريخ، وهو الأمر الذي يفسر رده العنيف بالقصف الجوي على وسط مدينتي حلب و إدلب. لا بد من الحديث هنا عن الاستعداد والتجهيز الطويل المدى الذي قامت به فصائل الثورة على مدى سنوات، وتجلى ذلك خلال القتال الشرس والمنظم، بينما تسيّدت كتائب الشاهين، وهي المسيرات المحلية الصنع المشهد، إذ تمكنت من استهداف نقاط تجمع العدو، ومارست عمليات اغتيال شخصيات بشكل مباشر، كما حصل مع مدير الأمن السياسي في حماة الذي قتل في استهداف سيارته. لقد زرعت مسيرات الشاهين الرعب والخوف في صفوف النظام السوري والميليشيات الطائفية، وباتت حديث الجماعات الموالية له في الساحل السوري. ما قبل حلب ليس كما بعده، وبالتالي على الكل أن يعرف وزنه ويحدد اتجاهاته، دولاً وفصائل، ومن ثم لابد من استثمار اللحظة الفارقة، وتعظيم الجوامع والمشتركات من أجل تحرير كل سوريا، لتعود لأهلها وعربها بعد أن اختطف دورها لعقود… ‏الآن على النظام السوري وداعميه أن يدركوا أن اللعبة قد انتهت، وليس أمامهم إلا الاعتراف بهذه الحقيقة قبل فوات الأوان، والتكفير عما ارتكبوه بالتخلص من عصابات أسد، والنأي بالنفس، وإعلان الانشقاق. ‏دخول إدارة العمليات العسكرية إلى ⁧‫حلب⁩ ينبغي أن يُشكل رسالة واضحة للساحل، ولغير الساحل الخاضع لعصابات ⁧‫أسد⁩ بأن ⁧‫سوريا⁩ للجميع وليس لبيت ⁧‫أسد⁩.. التقارير واضحة عن حالة تخبط غير مسبوقة في الساحل، واللاذقية.. الكل يفكر بالهروب في الساحل، وليس أمامكم أبناء بلدنا إلا طرد عصابات أسد، فكل شارع وزقاق وتجمع اليوم بات تحت بصر مسيرات شاهين الثورة فتداركوا الأمر، وابتعدوا عن أي مظاهر مسلحة حرصاً على أملاككم وسوريا⁩ المستقبل.

711

| 03 ديسمبر 2024

الأسد.. ومنصبه الذي لا يتمناه أحدٌ اليوم

رئيس النظام السوري المعروف بتنظيراته في الأحداث الكبيرة والصغيرة، لاسيما فيما يتعلق بفلسطين والقضية الفلسطينية، غاب تماماً عن المشهد هذه المرة، وغابت كل تنظيراته ومواقفه التي كان يتوقعها البعض، وقد أخذ محور المقاومة والممانعة عليه التزامه صمته غير المعهود، وغير المتوقع، ففي البداية قُرئ صمته على أنه خشية التعرّض الإسرائيلي لنظامه، في ظل الهوج الصهيوني، ولكن بعد مرور وقت على استمرار الحملات الصهيونية على لبنان وتحويلها إلى سوريا، تدفق المسؤولون الإيرانيون إلى دمشق فكان علي لاريجاني مستشار المرشد علي خامنئي، ثم وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده، واللافت أن زيارة وزير الدفاع أتت بعد 24 ساعة على تسليم لاريجاني رسالة المرشد إلى الأسد، تاركاً الرد على الرسالة للأسد نفسه. الظاهر أن هذه الزيارات المتكررة ورسالة المرشد التي تلقاها، أتت رداً على مشاركة الأسد في القمة العربيةـ الإسلامية، بالإضافة إلى أنها أتت بعد زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، والذي قيل إنها تضمنت رسائل واضحة للنظام بضرورة ابتعاده عن المحور الإيراني، وعلى الرغم من إرسال الأسد لرسائل شكلية كعادته، تمثلت في إزالة صور زعيم حزب الله حسن نصر الله، ووقف تجنيد حزب الله في دمشق، إلاّ أن ذلك سرعان ما ظهر عكسه حين قام وزير خارجية النظام السوري بسام صباغ بزيارة إلى طهران وإعلانه من هناك عن إصرار سوريا على بقائها في محور المقاومة، وأنه لا يمكن لأحد أن يفصمها عن هذا المحور، وهو التصريح الذي قُرأ على أنه رد واضح، وعلني وصريح على رسالة المرشد علي خامنئي، الأمر الذي كان له ارتداداته في تل أبيب، حيث شنت الأخيرة غارات، هي الأعنف من نوعها، حتى الآن، على مواقع حزب الله في تدمر. الهجمات العنيفة على تدمر أرسلت رسائل واضحة وصريحة للنظام السوري، عنوانها العريض، أنه لم يعد بمقدوره التعويل على الداعم الإيراني في ظل إصرار صهيوني على قطع طرق الإمداد القادمة من العراق إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وهو ما فسّرته تحليلات كثيرة عن لجوء قيادات من حزب الله التي تخوض معركة النظام السوري ضد فصائل المعارضة السورية، لتتوجه إلى العراق، بعد أن باتت الأراضي السورية اليوم مسرحاً لاستهدافات الغارات الإسرائيلية التي وصلت أخيراً إلى قصف مستودعات الذخيرة للحرس الثوري الإيراني في بلدة كريتين شرقي إدلب، والتي قيل إن أكثر من 32 قيادياً وعنصراً من حزب الله قضوا في هذه الغارات، مما عنى للكثيرين عن رغبة إسرائيلية في تصفية الوجود الإيراني وفصائله التابعة له في سوريا بشكل عام. بالمقابل بدا الأسد المنهك داخلياً نتيجة صفر خدمات، وهو العاجز عن تقديمها حتى لمناطق حاضنته التي يحكمها، مقابل تحسن حالة الخدمات بشكل ملحوظ في مناطق المعارضة السورية، مما جعل حاضنة النظام تعقد المقارنات بين الخدمات المتوافرة لديها، وبين الخدمات المتوافرة في مناطق المعارضة السورية، على الرغم من دعم قوة دولية كبرى بحجم روسيا للنظام السوري، ودولة إقليمية كبرى بحجم إيران للنظام، ومع هذا فإن المناطق الخاضعة للمعارضة السورية لا يمكن أن تقارن خدمياً بالمناطق الخاضعة لسيطرة النظام. هذا الواقع الداخلي للنظام وحاضنته الميؤوس منه، له امتداداته إقليمياً ودولياً، أما إقليمياً فقد تحدثنا عنه في ظل المعركة الحاصلة في المنطقة، وإمكانية توسيع دوائرها، زمانياً ومكانياً، وأما الامتدادات الدولية، فما يجري على الساحة الأوكرانية يشي اليوم باحتمالية توسع الحرب هناك لتشمل دولا غربية، ومعهم أمريكا، وهو الأمر الذي يعني أن العالم اليوم قد يستفيق في أية لحظة على عالم مختلف عمّا عهدناه، وقد فشل ترامب في تصريحاته التي شدد فيها على أنه قادر على وقف الحرب الأوكرانية بيوم واحد، إذ بدا الطرفان الأوكراني والروسي متمسكين بموقفيهما، بالإضافة إلى قوى دولية غير راغبة بحسم المعركة على الطريقة الترامبية، والذي ينظر إلى العالم كله على أنه اقتصاد، واقتصاد أمريكي تحديداً، وليس اقتصاد عالمي متداخل ومتشابك مع بعضه بعضاً. ولعل شيئاً من هذا كشفته المستشارة الألمانية السابقة أنجلا ميركل في مذكراتها أخيراً حين سألت بابا الفاتيكان خلال زيارتها له عام 2017 عن كيفية التعامل مع شخصيات مهمة ولكن متناقضة، ويبدو أن البابا فهم على الفور المقصود فقال لها: ( انحني ثم انحني ثم انحني، ولكن إياكِ أن تنكسري.) وعلقت على النصيحة بأنها أعجبتها. أخيراً وبالعودة إلى عنوان المقال فإنه لا أحد باعتقادي اليوم يتمنى أن يكون في مكان رئيس النظام السوري بشار الأسد، وربما حتى هو نفسه، فعلى أي الجانبين يميل؟!، وهو يرى شقيقه الأقوى عسكرياً ماهر الأسد، الذي خلف في شراسته وقوته عمّه رفعت الأسد يوم كان يقوم بنفس الدور الذي يقوم به اليوم لصالح شقيقه بشار، كان يقوم رفعت بدور شرس مدافعاً عن شقيقه حافظ، عبر مجازر ارتكبها وألصق بها نفسه. لكن اليوم ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة ليس هو رفعت الأسد عام 1980، بعد أن غدا رأس مطلوباً إسرائيلياً نتيجة الانحياز لإيران بحسب التوصيف الإسرائيلي، ومثل هذا الواقع الحرج والصعب دفع البعض إلى تشبيه نهايات أسد إما بأنموذج علي عبد الله الصالح يوم قضى على يد الحوثي حين سعى إلى الابتعاد عنهم، أو أنموذج حسن نصر الله يوم قتله الإسرائيلي، فعلى أي الجانبين سيميل بشار الأسد اليوم؟.

543

| 26 نوفمبر 2024

الأوقات المهدرة

كنت أقرأ في كتاب استأثر باهتمام النخب الغربية في الفترة الأخيرة بعنوان «نادي الساعة الخامسة» لكاتبه روبين شارما، والذي ينصح فيه قراءه، باستثمار هذا الوقت المهدر والذي يبدأ من الفجر، تذكرت حينها قسم الله تبارك وتعالى من فوق سبع سموات بقوله: (والصبح إذا تنفس)، والمعلوم أن ما يقسم به الله تبارك وتعالى عظيم، ولعل قول النبي عليه الصلاة والسلام يفسر ذلك حين يقول: (بورك لأمتي في بكورها) وفي رواية أخرى: (اللهم بارك لأمتي في بكورها)، ولهذا شبّه بعض السلف اليوم بقوله: «يومك مثل جَمَلك، إن أمسكت أوله، تبعك آخره» أي إذا حفظتَ أول اليوم فإنَّ بقية اليوم يُحفظ لك، فالبركة كل البركة في أول النهار، فيه تقسم الأرزاق، وفيه يكون الإنسان في ذروة نشاطه، وقوته، وحيويته، فالنوم في هذا الوقت يحرم المرءَ من كثير من الرزق، وفي هذا يقول الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله: (نوم الصبحة يمنع الرزق، لأن ذلك وقت تطلب فيه الخليقة أرزاقها، وهو وقت قسمة الأرزاق، فنومه حرمان، إلا لعارض، أو ضرورة، وهو مُضر جداً بالبدن، لإرخائه البدن، وإفساده للعضلات، التي ينبغي تحليلها بالرياضة، فيحدث تكسراً، وعِيًّا، وضعفاً). ومن أسوأ ما يُخلّفه نوم ما بعد الفجر، حرمان المرء، من الاستفادة، من هذه الفترة الذهبية، للقراءة والاطلاع والتأليف والتأمل والمدارسة، حيث يكون الجو من حوله في غاية الهدوء، مما يساعده على التركيز، أما في وسط النهار وآخره فيكون التركيز أقل بكثير، بعد أن تزدحم الحياة، وتتعالى الأصوات، وتهدر الحافلات، والجرارات والشاحنات الضخمة، فتعج الحياة بالصخب والضجيج، بما يدفع المرء إلى التشتت في التركيز، وهو أول وأهم صفات هذا الوقت، وكما هو معلوم فإن القراءة وعبادة التأمل أولى شرائطها التركيز، وقد أبدع أحدهم حين وصف اليوم بقوله: (أول اليوم شبابه، وآخر اليوم شيخوخته، ومن شبَّ على شيءٍ شابَ عليه) وحين سئل الإمام الشعبي: من أين لك هذا العلم كله؟ قال: بنفي الاعتماد (أي الاعتماد على الغير)، والسير في البلاد، وصبر كصبر الحمار، وبكور كبكور الغراب. حين تصفحت هذا الكتاب أدركت كمْ من الكنوز الغائبة، والمغيبة عن هذه الأمة وهي في متناول يديها، بقرآن ربها وسنة نبيها عليه الصلاة والسلام، ليأتي صاحب كتاب نادي الساعة الخامسة ليشرح لنا أهمية هذا الوقت العظيم في القراءة والاستيعاب والتأمل، وهي فرصة لأهل الذكر والعلم والنخب في أن تُزيل غبار النسيان والإهمال والخجل عن تراث عظيم ينتظر من يقدمه بقوة يتناسب مع العصر ومقتضياته، شعاره: (خُذ الكتاب بقوة). لقد جرّبت شخصياً في حياتي هذا عملياً، فعلى امتداد أربعة عقود قلّما نمت بعد صلاة الفجر، كنت أسعى إلى الاستفادة من هذا الوقت العظيم، في قراءة وردي القرآني وشيئاً من التفسير حيث أتيت في عام واحد فقط على تفسير السعدي رحمه الله، وتذكرت حينها قول النبي عليه الصلاة والسلام: «أفضل الأعمال أدْوَمه وإنْ قلّ»، واليوم أعكف بفضل الله على قراءة تفسير عظيم خلّفه لنا الإمام ابن عاشور هو بعنوان (تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد) وهو التفسير الذي نصحني به شيخنا وأستاذنا الراحل رحمه الله ونوّر مرقده الأستاذ عصام العطار حين التقيته عام 2008 في آخن بألمانيا، وأسْرد للقارئ الكريم بعض الكتب التي قرأتها في هذا الوقت العظيم، وهي الكتب التي تستحق أن تقرأ في هذا الوقت تحديداً، مثل الموافقات للإمام الشاطبي، ومدارج السالكين لابن القيم الجوزية، وديوان المتنبي، بحيث أقرأ كل يوم في أحدهم بضع صفحات، نظراً للعمق، التي تتمتع به هذه الكتب. ليس هناك أمام المثقف المبدع أفضل من هذا الوقت في الاستغلال والاستثمار، لاسيما إن كان قد أوى مبكراً إلى فراشه، فليس هناك أشد عداوة على صلاة الفجر وعلى استثمار هذا الوقت العظيم من السهر الطويل، فالذي يبكر بالصحو سيجلس ينفرد بالبيت كله، ما دام أهل البيت غالباً نياماً، وبالتالي لن يجد أحداً يُزعجه، أو يناديه، أو يطلب منه شيئاً، حينها سيكون التركيز في أقصى درجاته وفي عنفوان شبابه، ومن الأفضل أن يسعى كما أسعى في كثير من الأحيان إلى إبعاد أدوات التواصل الاجتماعي عنه، وذلك من أجل الاسترسال في الأفكار دون انقطاع، ولكم جميل أن يسعى البعض إلى كتابة بضع صفحات من مذكراته، وما حصل معهم بالأمس، فهذا حتى لو لم تُنشر في حياتهم، فإنها ستكون كنزاً من كنوز المعرفة والمعلومات للأجيال القادمة، ليعرفوا من سلفهم كيف عاشوا، وما أملوه وطمحوا إليه ونحو ذلك من معلومات قد تبدو اليوم غير مهمة، ولكن لمن بعدنا ستكون في غاية الأهمية، يظهر ذلك اليوم أمام أعيننا، ونحن نروي لأبنائنا وأحفادنا ما كنا نعيشه في الوقت الغابر، فيستغربون ويندهشون، وبالتأكيد سيكون الحال ذاته مع من يأتي بعدنا، فلكل عصر دولة ورجال. وكم يحزن المرء وهو يجد حرص الأهل على إيقاظ أبنائهم وبقوة على أوقات المدارس الصباحية، وهو أمر جيد بلا شك، بينما يتهاونون في إيقاظهم لصلاة الفجر، واستثمار هذا الوقت العظيم في القراءة والكتابة والتأمل، وأكاد أجزم لو أننا استغللنا هذا الوقت العظيم المهدور لتغير وجه بلادنا، وتغير معه حاضرنا ومستقبلنا، ولعل الأجمل أن يُعلن عن بدء الدوام الرسمي بعد صلاة الفجر تماماً، فإن كانت الصلاة الساعة الخامسة، فما المانع أن يكون الدوام الساعة السادسة صباحاً؟، ليعود الجميع إلى بيوتهم الساعة الثانية عشرة ظهراً، يستغلون يومهم كله بما فيه خير دينهم ودنياهم، ربما فكرة غريبة قد تبدو للبعض، ولكن كثيراً من الأفكار الغريبة، التي أتت خارج الصندوق غيّرت وجه عالمها.

969

| 19 نوفمبر 2024

القيادة عند كيسنجر 3/3

في عام 2009 كنت في زيارة بحثية إلى سنغافورة، وبعد نهاية الزيارة كنت أجلس مع مدير مركز البحوث نتبادل أطراف الحديث، سألني هل كنت تود رؤية شيء في سنغافورة، ولم تتمكن منه، فقلت له كانت رغبتي أن ألتقي بباني نهضة سنغافورة الحديثة لي كوان يو، فحمْلق في وجهي ثم قال، لو طلبت مني ذلك قبل أيام لرتبت زيارة لك، لاسيما وهو صديقي، فزاد أسفي، وتذكرت قول الشاعر: كالعيس في الصحراء يقتلها الظمأ والماء فوق رؤوسها محمول.. ثم استدرك صديقي بعد أن رأى أسفي وندمي، فقال لي: على كل حال لعل مذكراته التي دونها تكون تعويضاً عما أردته، وأهداني المذكرات، وبالفعل كانت تجربة ثرة غنية بالقصص والتجارب التي يمكن الاستفادة منها، لاسيما في عالمنا العربي، الذي يفتقر إلى هذه النوعية من الشخصيات الرؤيوية، تذكرت هذه وأنا أقرأ تجربة لي كوان يو في كتاب كيسنجر حين نقل عنه ما قاله لأساتذته الذين التقوه في جامعة هافارد ببريطانيا، يوم ذهب للدراسة فيها، سألوه ما هي أهدافه من الدارسة في جامعة هافارد؟ فأجاب: ( أهدافي ترمي إلى البحث عن أفكار جديدة تُثري العقول، والعودة إلى موطني مسلحاً بدفعة حماسية جديدة، تُحفزني على المضي قدماً نحو ما أسعى إلى تحقيقه). وبالفعل ما كان يرمي إليه لي كوان يو، طبقه يوم عاد واستلم الحكم فحوّل تلك الجزيرة النائية إلى مفتاح مهم في المنطقة..كانت فلسفته قائمة كما يختصرها بنفسه: ( البحث عمّن واجهوا المشاكل، وطريقة تغلبهم عليها). كان يحض القيادة بشكل دائم على التحلي بـ: (القدرة على مقاومة الانجراف وراء المزاج اللحظي، مع القدرة أيضاً على تجاوز أحقاد الحاضر والماضي، والتفكير في طبيعة العالم الجديد الآتي)، للمشاركة في المستقبل القادم، ولعل هذا ما قصده الشاعر اللبناني سعيد عقل حين غنت له فيروز: أجمل التاريخ ما كان غدا... ويستذكر كيسنجر هنا رؤية لي كوان يو تجاه الصين فيقول: ( النظام الشيوعي في الصين عاجز عن التدريب والتطوير).، ولعل هذا ما كان يقصده نابليون عندما نصح بدعوة الصين إلى أن تبقى نائمة، فإن استيقظت سيهتز العالم كما نقل عنه. يُعرّج كيسنجر في كتابه الأروع على مارغريت ثاتشر وسياستها الرؤيوية فينعتها بـ: ( أنها من أبرز من مارس فن الحكم والإدارة ومهارات الإقناع، ولكن فإن أكثر ما ميّز ثاتشر ليس قدرتها على الابتكار والإبداع، وإنما القدرة على التنفيذ، والشجاعة السياسية تكمن في تهيئة الظروف للتنفيذ). هكذا يختصر كيسنجر رؤية ثاتشر في الحكم، وهنا يضيف للتدليل على استخلاصه تجربتها في الحكم فيقول إن من العادات الاستثنائية لثاتشر قراءة أوراق الإحاطة وتدوين الملاحظات حتى وقت متأخر، وعقد الندوات مع متخصصين وخبراء في الشأن الذي تبحث عنه. ويقدم وزير الخارجية الأمريكي السابق المعروف في كتابه نصائح مهمة للحكم والسياسة قبل رحيله، كون هذا الكتاب هو آخر ما دوّنه قبل موته فيقول إن أخطر ما يواجهه المرء حين يظن أن أفضل الأيام قد ولّت، وأصبحت من الماضي، حينها سيُصاب بالإحباط، وسيفتقر إلى الدافعية والحافز والحماس في عمله، فيغدو أسيراً للهزيمة والضياع والخروج من اللعبة. وحين يتحدث كيسنجر عن الأوضاع الاقتصادية المتردية وأسبابها وانعكاساتها لا ينسى أن يتحدث عمّا يتهدد المواطن العادي، وما يسببه ذلك من تداعيات وتأثيرات سياسية وهي آفة البطالة فيقول: ( التضخم أبو البطالة، إنه اللص الخفي الذي يسرق من المدخرين، ويفعل ما لم تفعله الجيوش الغازية). ويضيف على ذلك: ( عندما تصبح الحرية مهددة، لن تتحمل الديناميكية الاقتصادية طويلاً، وحين ُتفسخ الاتفاقيات تفسخ معها الثقة الاستراتيجية). يستذكر كيسنجر الحربين العالميتين الأولى والثانية وهو الذي كتب وتحدث عنهما طويلاً، ليفاجئ قراءه بنظرته العميقة إليهما، والتي اهتدى إلى ذلك قبله البعض من المسلمين، ولكن لم تؤخذ نظرتهم على محمل الجد لاتهامهم بالتحيز فيقول: ( إن الحربين العالميتين الأولى والثانية، حروب أهلية أوربية) .وهو واقع فهي حروب بين الغرب، لا مصلحة ولا علاقة للعرب والمسلمين فيها، فكيف تم إقناعنا على أنها حروب عالمية، فحروبهم هي حروب لنا وعلينا، ولكن حروبنا لا علاقة لهم بها، هكذا دُرست وما تزال تدرس في مدارسنا وجامعاتنا على هذا الأساس. وينقل كيسنجر نصيحة مهمه لنابليون بونابرت في كتابه لفهم شخصية ما، فيقول: (عليك أن تنظر إلى العالم الذي كان يعيشه حين كان في سن العشرين). ربما لأنه هو العالم الذي شكل نظرته ورؤيته لما سيؤمن به، ويتحرك من أجله. قراءة المذكرات والتجارب مهمة جداً، خصوصاً إن كان قراء التجربة صاحب تجربة كمثل الذي كتب عنهم، وبالأخص إن كان صاحب قراءة هذه التجربة قد عاصر تلك الوجوه، عايشها عملياً وخبرها في لقاءات ونشاطات ومحادثات ومفاوضات، والأجمل أن يكون أيضاً صاحب تجربة معرفية، فكاتبنا درّس في جامعات هافارد وغيرها، ومارس معها أعلى سلطات الأمن القومي والخارجية لدولة عظمى بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، مما يزيد من أهمية كلامه عن تلك التجارب، خصوصاً، وأن تلك التجارب قد أُغلق نعشها بحسب تعبير المثل الصيني القائل: ( لا يُحكم على الإنسان إلى أن يُغلق نعشه).

1197

| 12 نوفمبر 2024

alsharq
مؤتمر صحفي.. بلا صحافة ومسرح بلا جمهور!

المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...

7884

| 13 أكتوبر 2025

alsharq
من فاز؟ ومن انتصر؟

انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...

6579

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
مكافأة السنوات الزائدة.. مطلب للإنصاف

منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر...

3444

| 12 أكتوبر 2025

alsharq
تعديلات قانون الموارد البشرية.. الأسرة المحور الرئيسي

في خطوة متقدمة تعكس رؤية قطر نحو التحديث...

2796

| 12 أكتوبر 2025

alsharq
معرفة عرجاء

المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....

2472

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يصنع التاريخ

في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...

1842

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
قادة العالم يثمّنون جهود «أمير السلام»

قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....

1536

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
مواجهة العزيمة واستعادة الكبرياء

الوقت الآن ليس للكلام ولا للأعذار، بل للفعل...

1197

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
ملف إنساني على مكتب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة

في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...

1167

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
العطر الإلكتروني في المساجد.. بين حسن النية وخطر الصحة

لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها...

1062

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
قطر تودّع أبناءها الشجعان

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبمشاعر يعتصرها الحزن...

747

| 13 أكتوبر 2025

alsharq
هل نحن مستعدون للتقدّم في العمر؟

مع أننا نتقدّم في العمر كل يوم قليلاً،...

735

| 13 أكتوبر 2025

أخبار محلية