رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الحماية الدولية للفلسطينيين وعدوانية الكيان

تصاعدت في الآونة الأخيرة الجهود الإقليمية والدولية، لاحتواء التوتر الناجم عن العدوان الصهيوني على القدس، وبالذات قدس أقداسها – المسجد الأقصى، فالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون زار المنطقة، تحديدا رام الله وعمان وعاصمة الكيان، وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي، التقى القيادة الفلسطينية في العاصمة الأردنية، كما التقى قادة قطعان بني صهيون، ومساء الخميس الفائت عقد مجلس الأمن جلسة عامة لمناقشة تطورات هذا العدوان، واللجنة الرباعية المعنية بما يسمى بالسلام في الشرق الأوسط اجتمعت نهاية الأسبوع الماضي.واللافت أن الدعوة إلى وقف ما يطلق عليه العنف في الأدبيات السياسية الدولية، هي السائدة في عناوين هذه اللقاءات والزيارات، وثمة مفارقة ما زالت تهيمن على الفكر السياسي الغربي، تتمثل في المساواة بين الضحية والجلاد، والقاتل والمقتول، القوة القائمة بالاحتلال والشعب الذي يكابد عذاباتها وقهرها وقتلها، بل وصل الأمر بمسؤول أمريكي كبير إلى اعتبار ما تقوم به سلطات الاحتلال، تجاه شباب وأطفال ونساء فلسطين عندما يتصدون لعدوانية قطعان بني صهيون، سواء من الجيش أو الشرطة أو المستوطنين، دفاعا مشروعا عن الذات، وإن كان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية في سياق ذر الرماد في العيون، وصف على استحياء هذه الممارسات بأنها من قبيل الاستخدام المفرط للقوة ، الأمر الذي أغضب حكومة اليمين المتطرف التي تضم عتاة قادة المستوطنين برئاسة الإرهابي الأكبر بنيامين نتنياهو، وجعلها تحتج على هذه السقطة للمتحدث، الذي قد يدفع ثمنها قريبا عندما يتم استبعاده من منصبه، بعد أن يمارس اللوبي الصهيوني نفوذه غير المسبوق في واشنطن وقد يتهم بمعاداة السامية. وبالطبع، لم تتجاوب الحكومة اليمينية لقطعان بني صهيون مع أي من هذه الدعوات لوقف العنف، وهي تسمية تنطوي على مغالطة، بينما الصحيح هو وقف العدوان الصهيوني، ولم تتجاوب أيضا مع اقتراح قدمه الفرنسيون بإرسال مراقبين دوليين إلى باحات المسجد الأقصى، ووجدت دعما من قبل الولايات المتحدة في هذا الرفض، حيث أصر وزير خارجيتها على عدم تدخل أطراف خارجية في الأمر، وترك الأمور على ما هي عليه في المسجد المبارك، في حين أن الكيان يسعى بقوة إلى تنفيذ مخططه الرامي إلى تقسيمه زمانيا ومكانيا، مثلما فعل قبل سنوات مع الحرم الإبراهيمي والذي بات مقسما بشكل تعسفي بين المسلمين واليهود. ومن الواضح، أن الكيان يقف بقوة ضد الفكرة التي تطالب بها السلطة الوطنية والعرب، والمتمثلة في توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وهو ما شدد عليه الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية في مداخلته القيِّمة، أمام الجلسة العامة لمجلس الأمن مساء الخميس الماضي، معربا عن قناعته بأنها باتت الأكثر إلحاحا باعتبارها تمثل استحقاقا قانونيا تمليه مقتضيات الحالة الراهنة، وإطارا ضروريا لضمان وتوفير البيئة اللازمة لتحقيق السلام، غير أنه يضيف أن الإجراءات الرامية إلى حماية المدنيين الفلسطينيين، من انتهاكات سلطات الاحتلال الإسرائيلية والمستوطنين، إنما تمثل خطوات مطلوبة لمواجهة الوضع الحالي، ولكنها لن تعالج جوهر المشكلة، المتمثل في الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وما دام هذا الاحتلال مستمرا فإن الانتهاكات الإسرائيلية ستستمر، سواء في القدس أو بالعدوان المتكرر على قطاع غزة.ولا يتوقف الدكتور العربي عند حد طرح الفكرة، وإنما يحدد سياقاتها التي تجعلها قابلة للتنفيذ، لاسيَّما أنه هو واحد من أصحاب العقول العربية القليلة المتخصصة في القانون الدولي. وفي هذا السياق يؤكد أن مبدأ توفير الحماية الدولية للمدنيين الفلسطينيين، تضمنته نصوص الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة بالشأن الفلسطيني منذ نشوء قضية فلسطين إبان عهد عصبة الأمم، مذكرا بأن فلسطين كانت خاضعة لنظام الانتداب الدولي بما يرتب قيام مسؤولية خاصة للمجتمع الدولي تجاه الشعب الفلسطيني منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا، منوها في هذا الصدد بما أكدت عليه محكمة العدل الدولية منذ عام 1950 حول مسؤولية المنظمة الدولية تجاه الأقاليم الني كانت تحت نظام الانتداب وتركيزها على مبادئ محددة. ويقول: إنه من الناحية التطبيقية، فإن توفير هذه الحماية من خلال التواجد الدولي المباشر لأجهزة الأمم المتحدة من السهولة بمكان، مذكرا في هذا الشأن بهيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة المنشأة بناء على قرار مجلس الأمن رقم 73 لعام 1949 الذي طالب بموجبه السكرتير العام للأمم المتحدة أن يتخذ التدابير اللازمة، للاستمرار في استخدام أي عدد من موظفي هيئة رقابة الهدنة الحالية، كما تقتضيه الضرورة للمراقبة والمحافظة على وقف إطلاق النار، وكلما يكون ضرورياً لمساعدة أطراف اتفاقيات الهدنة على الإشراف على تطبيق ومراعاة نصوص تلك الاتفاقيات مع العناية بصورة خاصة برغبات الأطراف المعبر عنها في مواد الاتفاقيات ذات العلاقة، وهذه الهيئة ما زالت حتى الآن موجودة في القدس وبوسعها ممارسة الدور المطلوب منها وتوسيع مهمتها لتشمل الأماكن المقدسة والحرم القدسي حين يطلب منها ذلك. وفي هذا السياق، فإن مجلس الأمن وبموجب قراره رقم 904 لعام 1994 الصادر إثر مذبحة الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل قد طالب بـ"اتخاذ تدابير لضمان سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين في جميع أنحاء الأرض المحتلة، تشمل، في جملة أمور، توفير وجود دولي أو أجنبي مؤقت"، وهو ما جرت الإشارة إليه أيضاً في الملحق الثاني من اتفاق أوسلو الخاص ببروتوكول انسحاب القوات الإسرائيلية الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وذلك في سياق عملية السلام الجارية، وأشير كذلك إلى القرار 605 الصادر عام (1987) والذي طالب بضرورة الحماية للفلسطينيين، وأيضاً الفقرة 50 من تقرير السكرتير العام السابق كوفي عنان حول الحالة في الشرق الأوسط، الموجه إلى أعضاء مجلس الأمن في ديسمبر 2006 التي أكدت على الحاجة الملحة لاستكشاف وتفعيل وسائل جديدة لحماية المدنيين الفلسطينيين وفقاً لما ورد في خطة خارطة الطريق بالنسبة للمراقبين بدعم من اللجنة الرباعية ومجلس الأمن. في ضوء كل هذه المعطيات، تتبدى الحاجة ماسة إلى تغيير منهجية التعاطي الدولي مع القضية الفلسطينية، وفق ما يؤكده الدكتور العربي، على نحو يتوقف معه مجلس الأمن، عن أسلوب "إدارة النزاع" المتبع منذ عدة سنوات، ويبدأ في العمل الفوري على "إنهاء النزاع"، من خلال ممارسة دوره وفعاليته وفق البند السابع، إن كان هناك جديد حقيقي، باتجاه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

288

| 26 أكتوبر 2015

المطلوب فلسطينيا وعربيا

ثمة مفترق طرق تواجهه القضية الفلسطينية في المرحلة الراهنة يدفع بها، إما إلى إحداث اختراق في جدار الجمود المهيمن على مساراتها التفاوضية منذ أكثر من عامين، أو يدخلها في دائرة التوتر الذي قد يفجر انتفاضة فلسطينية ثالثة تكون أكثر حدة من انتفاضتي 1988 و2000 بدت نذرها تلوح في الأفق، ربما تنتهي باجتياح إسرائيلي لمدن الضفة وفقا لتهديدات حكومة بنيامين نتنياهو، مما يعيد الأوضاع في فلسطين إلى مربع شديد الخطورة، الأمر الذي يحاول الجانبان: السلطة الوطنية وسلطات الاحتلال تجنبه بشكل أو بآخر لفرط كلفته وعبئه السياسي والاقتصادي والأمني عليهما، بيد أن الممارسات العدوانية لهذه السلطات التي تقدم الإسناد اللوجيستي بكل أنماطه، لقطعان المستوطنين في اقتحاماتهم اليومية للمسجد الأقصى - قدس أقداس فلسطين – والاستمرار في المشروع التهويدي للقدس المصحوب بالاعتداءات على سكانها العرب، وطردهم من منازلهم وإحلال المستوطنين اليهود محلهم فيها، وتبنى منهجية الاستخدام المفرط للقوة - وفق تعبير المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية يوم الأربعاء الماضي - ضد مختلف فئات الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الأطفال وفرض كافة أنواع الحصار عليه من خلال تكثيف الحواجز الأمنية التي تطبق أسوأ الإجراءات المشددة وأشدها بشاعة في العالم، دفعت الرئيس الفلسطيني محمود عباس – أبو مازن- إلى محاولة وضع حد للالتزام الفلسطيني بالاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، وهو ما تجلى في خطابه أمام الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في الثلاثين من سبتمبر الماضي، الذي أكد فيه أن الفلسطينيين لا يمكنهم الاستمرار بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل ما دامت مصرة على عدم الالتزام بها وترفض وقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى وطالبها – أي إسرائيل - بأن تتحمل مسؤولياتها كافة كسلطة احتلال لأنّ الوضع القائم لا يمكن استمراره، ولاشك أن هذا الموقف يعكس اتساع نطاق اليأس لدى أبو مازن بالذات، الذي ظل على مدى سنوات توليه رئاسة السلطة الوطنية، مدافعا عن خيار التفاوض مع إسرائيل، ورافضا بشدة لعسكرة الأعمال الاحتجاجية ضد ممارساتها وانتهاكاتها، وكثيرا ما ندد علنا بعمليات مقاومة ضد جنودها ومستوطنيها ومؤسساتها، ومازال على الرغم مما تقوم به سلطات الاحتلال من أعمال قتل واعتقال عشوائي للشباب الفلسطيني، يدعو إلى ضبط النفس، وقد عقد اجتماعا مع المجلس العسكري والقيادات الأمنية بالسلطة - مؤخرا – شدد خلاله على "اليقظة والحذر وتفويت الفرصة على المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى التصعيد وإعادة الوضع في الأراضي المحتلة إلى مربع العنف".وبغض النظر عن كل تلك العوامل والأسباب التي دفعت الرئيس عباس لتبني هذا التوجه، فإنه يعتبر من الناحية السياسية نهاية فعلية لمرحلة أوسلو، وبداية لمرحلة جديدة من عمر النضال الوطني الفلسطيني، الأمر الذي سوف يترك تداعيات وانعكاسات على النظام السياسي الفلسطيني بشكل عام، وعلى مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل خاص، إن تحول إلى خطوات فعلية على الأرض، مما يفتح الباب أمام مجموعة من البدائل أمام القيادة الفلسطينية، أولها: قيام منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة في شخص أبو مازن، باتخاذ إجراءات أكثر تصعيداً في العلاقة مع إسرائيل، خصوصاً في ظل تصاعد الإجراءات الإسرائيلية في القدس ومحاولتها فرض تقسيم زماني ومكاني للمسجد الأقصى المبارك والتي تساهم في توتير الأجواء الدينية والسياسية، وذلك من خلال إعلانه حل السلطة الوطنية الفلسطينية، ودمج مؤسساتها الإدارية والأمنية في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وإلغاء مجلس الوزراء وتحويل كافة صلاحياتها للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. ثانيا: العودة السريعة لمظاهر الانتفاضة الشعبية وبروز لدور الأجنحة المسلحة في الفصائل الفلسطينية، مما يعني عودة المواجهة مع الجيش الإسرائيلي في كل من قطاع غزة والضفة الغربية. ثالثا: انتظار القيادة الفلسطينية لبعض الوقت قبل اتخاذ أي إجراء جديد، بهدف إعطاء الجهود الدولية والعربية فرصة أخيرة للتحرك والخروج من أزمة تجميد عملية السلام وانسداد الأفق السياسي، خصوصاً في ظل التحرك الأمريكي والفرنسي الأخير في الأمم المتحدة، والحديث عن طرح فرنسا مبادرة سياسية ترتكز على إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يحدد سقفا زمنيا لإنهاء المفاوضات وقيام دولة فلسطينية بحلول عام 2017.وفي هذا السياق تأتي تصريحات وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي "موجيريني" التي تحدثت عقب اجتماع اللجنة الرباعية الدولية المعنية بالسلام في الشرق الأوسط الذي عقد على هامش الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، موضحة أن "الرباعية" قررت إعادة إحياء أنشطتها، مشددة في الوقت ذاته على الضرورة الملحة لضبط النفس عقب التوترات الأخيرة في القدس الشرقية المحتلة ومحيط المسجد الأقصى، محذرة من إمكانية تصعيد واسع في القدس المحتلة، مطالبة إسرائيل إلى تنفيذ الاتفاقيات مع الفلسطينيين، والذين دعتهم بدورهم العودة إلى خيار المفاوضات المباشرة، وذلك قد يعني أن تهديدات أبو مازن في الأمم المتحدة قد حققت المطلوب منها، من خلال إعادة الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، وأن إصراره على عدم استمرار الأوضاع على ما هو عليه قد حقق إنجازا سياسيا بعودة القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام الدولي، ما قد يدفع القيادة الفلسطينية إلى إعطاء الجهود الدولية بشكل عام والفرنسية بشكل خاص فرصة أخيرة قبل كتابة شهادة وفاة لاتفاق أوسلو.لقد أعطى الاجتماع الطارئ الأخير لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين، أملا بإمكانية تغيير الخطاب الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، ويأتي في هذا الإطار التوجه الفلسطيني للتقدم بمشروع قرار لإرسال قوات دولية للقدس وللأراضي المحتلة، للمساعدة في وقف الاعتداءات الإسرائيلية - وفق ما كشف عنه مؤخرا السفير رياض منصور المندوب الفلسطيني الدائم لدى الأمم المتحدة - ولو نجح هذا التحرك دون أن يتم استخدام الفيتو الأمريكي، فإنه يمكن أن يمثل تطورا نوعيا قد يدفع الأمور باتجاه التهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، تمهيدا لبلورة ملامح تحرك جاد نحو استئناف مفاوضات السلام - حسب ما يسعى إليه جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الذي يستعد للقيام بجولة مكوكية إلى المنطقة قريبا، وإن كانت هناك دوائر فلسطينية ترى ضرورة الاستغناء عن آلية التفاوض المباشر واللجوء إلى صيغة المؤتمر الدولي للسلام بمشاركة الدول الخمس الكبرى الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن أو تبني صيغة قريبة من صيغة 5+1 التي نجحت في إنهاء أزمة الملف النووي الإيراني من خلال اتفاق فيينا في يوليو الماضي.

261

| 19 أكتوبر 2015

إشارات الانتفاضة الثالثة

تلوح في الأفق بقوة إشارات انتفاضة فلسطينية ثالثة. رغم حرص كل من السلطة الوطنية. بقيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن وسلطة الاحتلال الصهيوني على تجنبها. بيد أن عدوانية السلطة الأخيرة واستمرائها القتل الممنهج. ضد الفلسطينيين على نحو ينطوي على كافة ألوان الاستهانة بهم كبشر وكمواطنين. فضلا عن استمرارها في تدنيس مقدساتهم وفي مقدمتها قدس الأقداس - المسجد الأقصى -الذي لم تفتر همة قطعان المستوطنين مدعومين بقوات الأمن والجيش. عن اقتحامه بصورة يومية في تحد سافر للمشاعر الدينية تدفع الأمور دفعا. إلى تبني خيار الانتفاضة والتي ستكون هذه المرة أكثر اندفاعا. وربما تتجه إلى تعميق فعل العسكرة. بحسبان أن منهجية الخيارات السلمية التي اتبعت على مدى العقد والنصف الفائتين. لم تفض إلا إلى المزيد من عدوانية الكيان وقطعان مستوطنيه. والتهام المزيد من الأراضي ضمن مشروعه الاستيطاني الاستعماري الذي تطبقه حكوماته المتعاقبة. والذي اتسع نطاقه في زمن بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الأشد تطرفا من فرط تشكلها من عتاة المستوطنين. الذين باتوا يفرضون معادلتهم التلمودية على المشهد الصهيوني الداخلي برمته. خشية انفراط عقد التحالف الذي يربطهم بالإرهابي الأكبر نتنياهو.واللافت أن موجات الغضب الفلسطيني باتت تنطلق من كل أنحاء فلسطين. سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو داخل الأراضي التي احتلت في العام 1948. فتوحد الفلسطينيون ربما للمرة الأولى منذ عقود في مواجهة النزوع العدواني الصهيوني. الذي لا يترك المقدس أو البشر أو الحجر. دون أن يطاله بشراسته التي تؤكد أنه ما زال سادرا في غيه وماضيا في مشروعه. لإنهاء كل ما هو فلسطيني وتكريس وجوده الغاصب. بصرف النظر عن كل ما يتردد عبثا من حلول ومبادرات وخيارات سلام. لأنها لم تعد قادرة على ردع المعتدي. وإنما تكتفي فقط بتوجيه فوهاتها إلى الطرف المعتدى الضحية المحتل. والذي قدم على مدى ثلاثة عقود كل ما يمكن اعتباره محفزا للطرف الآخر. لكي يقبل بمعادلة سلام تقوم على انسحابه من الأراضي المحتلة في يونيو من العام 1967. مقابل القبول بإقامة علاقات طبيعية معه. بل إن ثمة دولتين عربيتين هما مصر والأردن وقعتا معه بالفعل على اتفاقيتي سلام معه ورغم ذلك لم يتخل مطلقا عن منظوره العدواني للدولتين وشعبهما. ووفق قناعتي أنه لم يعد خيار أمام الفلسطينيين سوى الانخراط في انتفاضة ثالثة. على الرغم مما يبدو من كلفة عالية قد تصل إلى حد قيام جيش الاحتلال الصهيوني. بعملية اجتياح واسعة لمدن الضفة الغربية وربما قطاع غزة. بعد مشاركة شبابه بقوة في موجة الغضب الراهنة. والأثمان الباهظة التي تدفعها الشعوب من أجل نيل حريتها واستقلالها هي واحدة من حقائق التاريخ والذي حفل بتضحيات الشعوب خلال مقاومتها للمحتل والغاصب وبعضها تجاوز مداه الزمني أكثر من 130 عاما مثل الشعب الجزائري الذي قدم مليون شهيد من شعبه لكنه في الأخير استعادة هويته التي كادت فرنسا الاستعمارية أن تمحوها من الحضور، ورفل في أثواب استقلاله. ومن ثم فإنه ينبغي أن يتوقف المرجفون والرافضون للانخراط في المقاومة بكل أشكالها ضد العدو الصهيوني الشديد الشعور بغطرسة القوة التي يمتلك بالفعل مقوماتها من جراء الإسناد الأمريكي والذي بلغ منذ سنوات مستوى التحالف الإستراتيجي معه وتبنى عقيدة تقوم على ضمان أمنه وضمان تفوقه العسكري على كافة جيرانه من العرب وغير العرب.إن عبارة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر التي قالها في أعقاب هزيمة يونيو 1967 والتي أكد فيها أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بالقوة ما زالت صالحة وقابلة للتطبيق في فلسطين على الرغم مما يبدو من ميل ميزان القوة لصالح العدو الصهيوني على نحو يتجاوز بكثير إمكانات الشعب الفلسطيني. غير أن الروح القتالية والنضالية لهذا الشعب بمقدورها أن تتغلب على هذا العامل. وقد تحقق ذلك في أمثلة تفوق الكيان المدعوم بالأساس من قوى خارجية فالشعب الفيتنامي أنجز انتصاراته على الولايات المتحدة الأمريكية - القوة العالمية الأولى - في سبعينيات القرن الفائت والشعب الأفغاني أجبر الاتحاد السوفييتي – القوة العالمية الثانية- على الانسحاب من أراضيه ثمانينات القرن نفسه.ولكن تجسيد هذه الحقيقة على الأرض. ولضمان انتفاضة قوية على الأرض يمكنها أن تسفر عن تغيير المعادلة السائدة في الأراضي المحتلة. لصالح حقوق الشعب الفلسطيني يتعين تحقيق جملة من المطالب: أولا: الإسراع بتوحيد جهود كل الفصائل الفلسطينية والسعي إلى تجاوز كل خلافاتها لاسيَّما فتح وحماس. واللتان تمتلكان المساحة الشعبية الأوسع والقدرات التنظيمية الأكثر رسوخا. فمعادلة الخلاف التي ظلت سائدة منذ يونيو 2007 يجب أن تنتهي فورا وأن تتم إزالة كل مخلفاتها التي أضرمت نيران الكراهية والتناقض بين مشروعين. هما في الأساس موجهان للتحرير وليس لإشعال فتيل الحرب بينهما. إن القدس والأقصى والشهداء الذين رحلوا خلال الأيام القليلة الماضية ومن قبل ومن بعد. وكل الحقوق المغتصبة والأسرى الذين ما زالوا قابعين في سجون الاحتلال. والأطفال والأسر الذين قتلوا حرقا وبالرصاص الحي والمطاطي. يستحقون أن تتوحد من أجلهم كل الإمكانات النضالية للقوى الحية الفلسطينية. ففي ظل استمرار الخلافات والتناقضات والانتهاكات المتبادلة فرض العدو معادلاته الاستيطانية والاستعمارية. وتمدد إلى القدس لتهويدها وأقصاها لتقسيمه زمانيا ومكانيا. تكفي كل هذه السنوات من غياب المصالحة.ثانيا: إن النظام الإقليمي العربي مطالب بالتخلي عن دبلوماسيته الهادئة والناعمة. في التعاطي مع الكيان المحتل والعدو الذي ما زال يحتل الأرض. إن لغة خطاب جديدة مطلوبة في المرحلة الراهنة. فلم تعد عبارة "السلام خيارنا الإستراتيجي" ملائمة للتعامل مع عدوانية قطعان بني صهيون. بالطبع لا أدعو إلى إعلان حالة الحرب من قبل الدول العربية. فذلك أدرك مدى صعوبته إلى حد الاستحالة في المرحلة الراهنة على الأقل. بفعل سيطرة حالة اضطراب غير مسبوقة على الأمة ودولها. والتي دفعتها دفعا إلى إزاحة القضية الفلسطينية من مرتبة القضية المركزية الأولى. إلى خانة القضية العادية النمطية اليومية التي لم تعد تلهم حماسا أو تحظى بتأييد مثلما كان الحال عليه قبل ثورات الربيع العربي. وفي الوقت نفسه فإن انتفاضة الشعب الفلسطيني المرتقبة. في حاجة إلى شبكة أمان مالية عربية وثمة قرارات صدرت في هذا الاتجاه منذ قمة بغداد في 2012. قضت بتوفير مائة مليون دولار للسلطة الوطنية شهريا مازالت بمنأى عن التزام أغلبية الدول العربية - ما عدا قلة قليلة - وبالتالي فإن تفعيل هذا الالتزام. فضلا عن دفع الدول العربية لمستحقاتها في صندوقي الأقصى والانتفاضة. والمقررة منذ قمة سرت في العام 2010 ضروري في هذه المرحلة بإلحاح. حتى يكون ذلك رافدا للمرحلة الجديدة لنضال الشعب الفسطيني. الذي يتساءل رجاله وشبابه ونساؤه دوما عن العرب.ثالثا: إن تحركا فلسطينيا وعربيا على المستويين الإقليمي والدولي. متزامنا مع انطلاق الانتفاضة الجديدة أو حتى موجات الغضب الراهنة. من شأنه أن يشكل عنصر إسناد فاعلا لاسيَّما لدى النخب الثقافية بالذات داخل الجامعات والنخب السياسية والقوى الحزبية والبرلمانية. وذلك حتى يمكن تغيير توجهاتها لصالح نضال الشعب الفلسطيني. والذي تحركت قوى عديدة في أوروبا وأمريكا اللاتينية وحتى داخل الولايات المتحدة باتجاه تأييد حقوقه. بعد ما ترسخت لديها عدوانية الكيان وشراسة حكامه. المهم الاستمرار في هذا المنحى. ما يتطلب بالتأكيد تمويلا يمكن لبعض المؤسسات ورجال المال العرب أن يلعبوا دورا إيجابيا في توفيره.

331

| 12 أكتوبر 2015

الرقم الروسي في المعادلة السورية

فجأة تحولت روسيا إلى رقم شديد الأهمية، في المعادلة السورية، لاسيَّما على الصعيد العسكري، بعد أن قام سلاحها الجوي بشن سلسلة من الغارات العنيفة على مواقع للمعارضة السورية وليس تنظيم داعش فحسب، وفق ما أعلن من قِبَل موسكو، الأمر الذي وضع الأزمة السورية على سكة مغايرة تماما، لما كان سائدا خلال السنوات الأربع المنصرمة منذ اندلاعها في مارس 2011، على نحو سيقود إلى إعادة بناء مفردات المشهد السوري، وتفاعلاته الداخلية وتحالفاته الإقليمية والدولية، فضلا عن دفعها إلى المزيد من التعقيد وربما خلط الأوراق، وإن كان الهدف الرئيسي منها هو حسم الصراع لصالح الإبقاء على نظام بشار الأسد.ولا ريب أن الحضور الروسي، عسكريا وسياسيا، في سوريا، أسهم – ضمن عوامل أخرى داخلية وإقليمية - في تعميق التناقضات القائمة بين موسكو من ناحية وواشنطن من ناحية أخرى، والتي تسببت خلال السنوات الخمس الماضية في ديمومة النزاع في سوريا بصورته الدموية، مما أسفر عن مقتل أكثر 300 ألف مواطن سوري، فضلا عن جرح وإصابة، وفقدان مئات الألوف ولجوء ونزوح أكثر من 13 مليون سوري، تفاقمت معضلة هجرتهم إلى الخارج في ظل حالة التسول بالمنافي البعيدة في الآونة الأخيرة، على نحو خلق معضلة على المستوى الدولي.وتمكن في هذا السياق الإشارة إلى عدد من الملاحظات: أولا: ليست هذه المرة الأولى التي تقدم فيها موسكو دعماً عسكرياً لدمشق، ولكنها المرة الأولى التي يحمل فيها هذا الدعم سمة "التدخل العسكري" المباشر. ثانيا: إن ما جرى مؤخرا من إرسال قوات جوية، فضلا عن إرسال وحدات عسكرية برية - وفقا لتقارير استخباراتية أمريكية- يشير إلى أن الموقف الروسي تجاه التطورات في سوريا بات أكثر قوة ووضوحاً، من خلال الاعتماد على منهجية التدخل العسكري المباشر، كخيار أخير، دفاعاً عن الحليف الإستراتيجي، وهذا يتفق مع التحليلات القائلة إن الدفاع عن دمشق هو دفاع عن موسكو، فدمشق هي آخر منطقة نفوذ روسي في الشرق الأوسط، وحصارها أو إسقاط نظامها يعني حصار أو إضعاف الحليف الآخر الإيراني، وبالتالي فحصار طهران يعني تهديداً لموسكو. ثالثا: يعكس التشبث الروسي بسوريا ومن خلالها بالبحر الأبيض المتوسط، حقيقة يتعين وضعها في الحسبان، تكمن في ألا شيء في هذه اللحظة يفوق أهمية المتوسط في حسابات روسيا الجيوسياسة، فهذا البحر هو بوابة أوروبا والبحر الأسود، واستتباعا روسيا ذاتها، إنه الخاصرة الرخوة للأمنين الأوروبي والروسي على حد سواء، وهنا يلفت الخبراء إلى أن الصراع الدولي على البحر الأبيض المتوسط يُمثل أحد عوامل التمسك الروسي بسوريا منذ العهد السوفيتي وحتى يومنا هذا، لأهميته الإستراتيجية للقوى العظمى، وكانت مجموعة من القطع البحرية الروسية موجودة بصفة مستمرة في البحر المتوسط إبان الحقبة السوفيتية، وتحديدا منذ عام 1967، وفي حسابات التاريخ والحاضر معا، لا يُمكن فصل حالة الأمن في البحر الأسود عن الوضع السائد في البحر المتوسط، وبمنظور القوى الكبرى، فإن من يخسر في أي من البحرين يكون قد خسر بالضرورة في البحر الآخر، ومن يتقدم في أحدهما يتقدم في الآخر، بالضرورة أيضا، وهذه معادلة تدركها روسيا والقوى الغربية على حد سواء. وهنا، يبدو من المفيد التذكير بأن البيئة الجيوسياسية للبحر الأسود قد تغيّرت على نحو جوهري، قياسا بما كانت عليه حتى الأمس القريب، ذلك أن بلغاريا ورومانيا أصبحتا عضوين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما أصبحت أوكرانيا وجورجيا دولتين مستقلتين، ومن ثم فقد بات البحر الأسود منطقة نفوذ أطلسية، تضررت فيها مكانة روسيا ودورها التاريخي، وكان هذا أحد العوامل الدافعة باتجاه تعزيز موقع البحر المتوسط واستتباعا موقع سوريا في السياسة الروسية الراهنة.رابعا: ثمة من يلفت الانتباه إلى أن هذا الانخراط الروسي المباشر في ملفات الأزمة السورية قد يكون ينطوي على هدف مستتر يتجسد في توفير معادلة جديدة على الأرض لصالح النظام القائم في دمشق على نحو يدفعه بعد شعوره بالاطمئنان إلى الدخول في عملية المفاوضات حسب الخطة التي اقترحها مؤخرا ستيفان دي ميستورا المبعوث الأممي الخاص لسوريا للتوصل إلى حل سياسي وهو مدعوم إقليميا ودوليا، وتجلى ذلك في اتساع نطاق الاتصالات والمباحثات واللقاءات التي جرت مؤخرا بشأن الأزمة السورية، التي هيمنت على الأجندة الدولية مع افتتاح الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وإن بدا بوضوح وجود انقسام حاد حول كيفية معالجة هذه الأزمة، ورغم ظهور ما يشبه الإجماع العالمي على تبني الحل السياسي، إلا أن الخلافات تعمقت بشكل واضح حول مصير رأس النظام بشار الأسد وبقائه في السلطة، والأهم من ذلك أنها أظهرت غياب الدور والفعل والتأثير العربي وتركت القضية مفتوحة للتفاوض بين الغرب والشرق، ولاشك أن مقدمات هذا الانقسام كانت موجودة وقائمة بالفعل على مدار السنوات الماضية، ولكنها لم تصبح مقلقة، إلا بعد الدخول الروسي بقوة على خط الصراع، واللافت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توجه إلى الأمم المتحدة، - وهو أمر نادر بالنسبة إلى القادة الروس وقبلهم السوفييت - متسلحاً بإجراءات على الأرض من بينها إرسال طائرات حديثة وأسلحة نوعية ومتطورة إلى سوريا، ومبدياً استعداده لمحاربة الإرهاب، وإصراره على التمسك ببقاء بشار الأسد في السلطة، وعلى أن محاربة الإرهاب لا تتم دون إشراك الجيش السوري النظامي، وهي كلها رسائل تؤكد عزم الكرملين على كسر أحادية القيادة الأمريكية للعالم، وتمهد لإدخال الأزمة السورية إلى مسار الحل السياسي، ولو كان ذلك بالنار.خامسا: في الوقت نفسه ثمة من يرى أن هذا التدخل الروسي العسكري المباشر، قد يفضي إلى إطالة أمد الصراع في سوريا، في ضوء ما هو متوقع من قيام الولايات المتحدة ودول الغرب بتزويد حلفائهم من المعارضة السورية، بأسلحة هجومية فتاكة كانت ممنوعة عليهم في السنوات الماضية، مما يمنحها القدرة على الاستمرار في المواجهة مع قوات الجيش الحكومي، وفي الوقت نفسه قد توسع من دائرة التطرف والأصولية في سوريا ردا عليها من قبل التنظيمات المتطرفة والإرهابية العاملة على أراضيها، خاصة أن الخطوة الروسية قوبلت بمعارضة شديدة من قبل أطراف إقليمية ودولية، لها ارتباطاتها مع قوى المعارضة، هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وتركيا والسعودية وقطر، والتي أصدرت بيانا مشتركا الأسبوع الماضي في نيويورك عبر عن قلقها الشديد من الغارات الروسية، التي أوقعت ضحايا مدنيين ولم تستهدف تنظيم داعش.

352

| 05 أكتوبر 2015

الرصاص الحي مقابل الرشق بالحجارة

فرضت حكومة بنيامين نتنياهو التي تتكون أغلب حقائبها الوزارية من عتاة قطعان المستوطنين معادلة صراع جديدة، أو ما تطلق عليه قواعد اشتباك في القدس المحتلة، تقوم على السماح لقوات الاحتلال، سواء من الجيش أو الأمن، بإطلاق الرصاص الحي على راشقي الحجارة والزجاجات الحارقة، من قبل الشباب الذي يقاوم الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى، والعبث بباحاته وأبوابه التاريخية ووقف الصلاة فيه، وهم نفر من أبناء فلسطين نذروا أنفسهم للدفاع عن أولى القبلتين وقدس أقداس فلسطين، والذي تسعى هذه الحكومة الموغلة في تطرفها واستهجانها بأرواح الشعب الفلسطيني، واختراقاتها لمحددات القانون والشرعية الدولية وكل ما عرفته الإنسانية من قواعد تنظم حالات الاحتلال. وعلى الرغم مما يبدو من تداعيات هذه الخطورة، خطورة تداعيات العدوان الصهيوني على القدس والأقصى، فإن ردود الفعل العربية والإسلامية تجاهها، توقفت عند حد البيانات المنددة والمستنكرة، والتي تناشد المجتمع الدولي بممارسة ضغوط على الكيان الصهيوني لوقفها وهو أمر لا يعيره - أي الكيان – اهتماما يذكر.وثمة ملاحظة جديرة بالإشارة إليها في هذا السياق، تتمثل في أن الرأي العام العربي والإسلامي يبدو غارقا في سباته، فلم تتحرك جموع غفيرة إلى الشارع للتنديد بعدوانية قطعان المستوطنين وجيش الاحتلال، وهو ما ينطوي على رسالة شديدة السلبية لحكام تل أبيب، قد تعطيهم مبررا للاستمرار في أعمال الاقتحام والحفر والانتهاك للأقصى.وخطورة ما يجري في القدس، لا تقف عند حد الاقتحامات التي باتت تتكرر بشكل يومي للأقصى ولكنه يمتد إلى كافة المقدسات الإسلامية والمسيحية، ومصادرة أراضي الأوقاف الإسلامية والكنائس المسيحية، ويتم تمزيق القرآن وإحراق الإنجيل من قبل قطعان المستوطنين، بالإضافة إلى تدفق أموال طائلة تقدر بمليارات الدولارات من قبل حكومات وأفراد وجمعيات، سواء في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى لدعم مشروع حكومة نتنياهو لتهويد القدس، الأمر الذي يؤشر إلى أن هذه المشروع يحظى بإسناد مالي خارجي كبير ومستمر، بينما في الجهة الأخرى، أي الجهة العربية والإسلامية - والكلام للسفير محمد صبيح في لقاء خاص مع كاتب هذه السطور– فإن هناك قرارات كثيرة متخذة، سواء على مستوى القمة أو على مستوى وزراء الخارجية، لتوفير دعم مالي، سواء للقدس أو للأقصى وهناك صناديق مالية خصصتها قمم عربية لذلك، ولكن كثيرا من الدول لم تقم بدفع مستحقاتها في هذه الصناديق وفي غيرها، ما دعا الاجتماع الأخير لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في دورتهم الـ144 إلى التشديد على المطالبة بالوفاء بهذه الالتزامات، فضلا عن أهمية القيام بأكثر من ذلك من خلال التصدي لهذه الهجمة الشرسة من قبل حكومة نتنياهو والمستوطنين والمدعومة عسكريا وسياسيا وماليا وإعلاميا من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.وحتى نكون صادقين – يضيف صبيح - فلنضع كل الأمور بوضوح على المائدة وفي الضوء، فإذا كانت هناك مؤسسات داعمة لإسرائيل في تهويد القدس على المستوى غير الرسمي، فثمة علامة استفهام على ما تقدمه شعوب أمتنا العربية والإسلامية للقدس وسكانها ولمساجدها وأطفالها ونسائها الذين يقفون في وجه الآلة العسكرية الصهيونية.

212

| 28 سبتمبر 2015

منعطف خطير في سوريا

تواجه الأزمة السورية في المرحلة الراهنة منعطفا خطيرا, على نحو يدفع بها إما إلى مرافئ التوصل إلى تسوية سياسية, أو يدخلها نحو المزيد من سفك الدماء حتى يتمكن, أحد أطرافها من حسم الموقف لصالحه, وهو ما لا تبدو له ثمة إشارات في الأفق, ولعل أبرز تجليات هذه المرحلة يتمثل فيما يلي:أولا: التقاطع بين التحركين الروسي من ناحية, والأمريكي من ناحية أخرى, ووصول الأمر إلى حد التلويح بالقوة العسكرية, وهو ما أخذ منحى عمليا في قيام موسكو بإرسال أفراد من جيشها إلى اللاذقية معقل الرئيس بشار الأسد, وإنشاء قاعدة عسكرية, فضلا عن عتاد عسكري ضخم من أسلحة ثقيلة بل وتمدد هذه المساعدات إلى تخوم العاصمة دمشق, للحيلولة دون سقوطها لاسيما مع تقدم من قبل بعض تنظيمات المعارضة المسلحة باتجاهها, والهدف المعلن من قبل روسيا هو منع التنظيمات الإرهابية من الاستيلاء على سوريا, بوضوح منع سقوط نظام بشار الأسد, التي تتحمل روسيا إلى جانب إيران عبء وكلفة حمايته, والمحافظة عليه سواء من الناحية اللوجيستية أو العسكرية أو الاقتصادية.. وفي المقابل فإن الولايات المتحدة ترفض هذا التدخل العسكري المباشر من قبل روسيا, وتراه تجاوزا للخطوط الحمراء المتفق عليها بين الدولتين اللتين تتصدران المشهد العالمي الراهن, وترى واشنطن أن موسكو عبر هذا التدخل تسهم في استمرار الصراع الدموي في سوريا, وتغلق أمامه أبواب الحل السياسي على أساس أنه يوفر لحكم الرئيس بشار الأسد أرضية الشعور بالقوة والرغبة الشديدة في الاستمرار في الحكم, وهو ما بدا واضحا في تصريحاته الأخيرة التي تحدث فيها, بشكل قاطع أنه لا يقبل أي تدخل خارجي لدفعه إلى التخلي عن السلطة, فذلك مرهون بإرادة الشعب السوري فحسب, على حد تعبيره..وفي منظور واشنطن فإن هذا النظام فقد أي صدقية أو شرعية له, وهو ما يحظى بتأييد من دول أوربية كبرى مثل بريطانيا وفرنسا.ثانيا: ثمة تناقض واضح بين مواقف الأطراف الإقليمية المؤثرة في مسار الأزمة السورية, فبينما ترفض أغلب دول مجلس التعاون الخليجي, وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية مسألة بقاء الأسد في معادلة المستقبل بالنسبة لسوريا, فإن إيران والعراق يرفضان تماما إزاحة بشار, بينما يتسم الموقف المصري برؤية تتجاوز الأشخاص أو الانحياز لطرف دون آخر, بقدر انحيازها إلى حل سياسي من شأنه أن يحافظ على الدولة السورية بمؤسساتها وهياكلها, وبمشاركة كافة الأطراف وهو ما عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا, حتى لا يتم إعادة إنتاج تجارب مريرة ما زالت ملامحها مستمرة في كل من العراق وليبيا وربما اليمن إلى حد ما.ثالثا:على الرغم من كل التناقضات في المواقف الإقليمية والدولية حيال منهجية التعامل مع الأزمة السورية, فإن ثمة توافقا على أهمية أخذ زمام المبادرة في القضاء على التنظيمات الإرهابية, التي باتت فاعلا رئيسيا في الأزمة, لاسيما بعد سيطرة تنظيم "داعش" على أكثر من مساحة البلاد, والواضح أن التدخل الروسي العسكري الأخير اتكأ على هذا العامل, بينما الولايات المتحدة شكلت قبل أكثر من عام تحالفا دوليا لمحاربة التنظيم, عن طريق الضربات الجوية ثم تحركت باتجاه حشد الجماعات المسلحة التي توصف بالمعتدلة لمحاربة "داعش", وإن ثبت مؤخرا أن واشنطن لم تكن جادة فيما يتعلق بتدريب عناصر منها, وفق اعترافات رئيس الأركان الأمريكي الذي أقر بأن من تم تدريبهم أعداد محدودة, فضلا عن رفض بعض الجماعات الانخراط في أعمال عسكرية تخصص لمحاربة داعش فحسب, وهو ما ينبئ عن أن جهود محاربة هذا التنظيم لم تـأخذ منحى حاسما باتحاه القضاء عليه والحد من انتشاره, ولم تفض حتى الآن إلا إلى المزيد من تمدد هذا التنظيم عسكريا وجغرافيا, وبالتالي فإن المرحلة المقبلة تتطلب تكثيفا لجهود الإقليم والعالم لمحاربة الإرهاب, وهو ما دفع دولة كبرى كفرنسا إلى الانخراط في معادلة شن الضربات الجوية ضد داعش في سوريا بالذات. رابعا: هناك قناعة عربية قوية بضرورة الحل السياسي للأزمة السورية, وهو ما تجسد في اجتماعات الدورة الــ144 لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية يوم الأحد قبل الماضي, إلا أن الطرف العربي لا يمتلك الآليات التي من شأنها أن تدفع إلى بلورته -أي الحل السياسي - على أرض الواقع السوري..وفي هذا السياق فإن الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية ودي ميستورا (والذي تحدث لوزراء الخارجية العرب في جلسة خاصة), توافقا خلال المباحثات التي عقدت بينهما في اليوم التالي للاجتماع الوزاري العربي على أن الفرصة الوحيدة المتاحة حاليا للتوصل لحل سياسي في سوريا تتمثل في تنفيذ بيان جنيف 1 الصادر في 2012, وتقوم خطة منظور المبعوث الأممي في هذا الشأن, على تشكيل مجموعة اتصال تهدف إلى إيجاد مستقبل للشعب السوري، تهدف بشكل أساسي إلى مكافحة الإرهاب, وهي عملية لا يمكن أن تتم بكفاءة من دون التوصل إلى حل سياسي وتشكيل مجموعة اتصال ثانية تركز على وضع الأسس التي من شأنها, الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية, لتجنب ما حدث من انهيار لها في ليبيا والعراق والصومال، بالإضافة إلى مناقشة المسائل الأمنية والعسكرية من قبل السوريين أنفسهم, باعتبار أن ذلك شأن يخصهم وحدهم فحسب, ولا تختلف رؤية الأمين العام للجامعة العريبة كثيرا عن هذا الطرح, فهو يشدد على أهمية بلورة خطة تحرك مشتركة مع الأمم المتحدة لمعالجة الأزمة السورية، خاصة أن المعالجات المطروحة للأزمة السورية لا تزال عاجزة عن وقف نزيف الدماء والدمار في سوريا, فالشعب السوري تتواصل معاناته ومآسيه, نتيجة استمرار هذه الأزمة, ما يستوجب صياغة رؤية عربية فعالة قادرة على التعامل مع مختلف أبعاد وتعقيدات الأزمة السورية, بالتشاور والتنسيق مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بمجرياتها, حتى يتمكن مجلس الأمن الدولي من الاضطلاع بمسؤولياته السياسية والأخلاقية تجاه هذه الأزمة، وحتى يتمكن "دي ميستورا" من إحراز التقدم المنشود في الخطة التي طرحها لتنفيذ مقررات مؤتمر جنيف ١.رابعا: تفاقم أزمة اللاجئين السوريين, بفعل عدم توافق المجتمع الدولي على آليات محددة للتعامل معها بصورة إنسانية كريمة إلى حد قيام دولة مثل هنجاريا أو المجر سابقا, باتخاذ إجراءات تتعارض مع قواعد حقوق الإنسان ضد مجموعات اللاجئين الذين جاءوا إلى أراضيها للمرور وليس للإقامة, فضلا عن التصريحات, التي اتسمت بعنصرية مقيتة أدلى بها رئيس وزرائها اليميني, وفي مواجهة ذلك أبدى الجانب العربي التزاما ثابتا, تجلى بوضوح في قرار جماعي من وزراء خارجيتها في الاجتماع الأخير بالترحيب باستقبال الأشقاء العرب من الدول التي تعاني من مآسي النزاعات المسلحة وتقديم كل أشكال الدعم لهم وفقا لأسس الأخوة وبما تمليه واجباتها ومسؤولياتها السياسية والأخلاقية تجاه أزمة اللاجئين والنازحين, وذلك يفتح طاقة أمل لاستيعاب المزيد من أعداد اللاجئين السوريين الأكثر معاناة من بين فئات اللاجئين العرب في المرحلة الراهنة بدلا من المراهنة على الدول الأوربية وغيرها من دول العالم لتفتح لهم أبوابها.

352

| 21 سبتمبر 2015

تسول المنافي البعيد..الحل عربي بالضرورة

مع التصاعد الخطير في إشكاليات اللاجئين السوريين, حيث بدا الأمر وكأن أشقاءنا يتسولون المنافي البعيدة، وحيث يرحب بعضها بهم, بينما بعضهم الآخر يتقاعس عن استقبالهم, إلى حد اللجوء إلى القوة لمنعهم من ولوج حدودها, وإبعادهم إلى حدود الدول المجاورة, غير ما دفعني للشعور بالغيرة بالأساس, قرار الاتحاد الأوربي باستقبال 160ألف لاجئ سوري وإعداده خريطة جغرافية للدول التي يتوزعون بمنافيها, ومبعث هذه الغيرة يكمن في أن الأشقاء السوريين ينتمون إلى الأمة العربية, حتى لو كان بعضهم ينتمي إلى أعراق أخرى, لكنها تعيش منذ آلاف السنوات بين ظهراني المحيط العربي, وبالتالي فإن الأمة هي الأولى بأبنائها وليس الآخرون, مما يستوجب أن تتدافع الدول العربية إلى استقبال هؤلاء اللاجئين واحتوائهم بين أهلهم ومعاملتهم معاملة مواطنيها من حيث توفير المأكل والمسكن والعلاج والتعليم وغير ذلك من المتطلبات الضرورية للحياة كل على قدر طاقته خاصة أن ثمة تجربة ثرية حققت نسبيا متمثلة فى استقبال كل من لبنان والأردن ومصر والجزائر ودول الخليج أعدادا لا بأس من هؤلاء اللاجئين، على الرغم من محدودية قدرات بعض هذه الدول مثل لبنان والأردن وكلاهما يواجه معضلات جمة في تلبية الحد الأدنى من احتياجات الأعداد المتزايدة من هؤلاء اللاجئين.وحتى لا يترك لاجئو الشعب السوري عرضة للابتزاز بكل أنواعه في أوربا, فإن النظام الإقليمي العربي بكل مكوناته بات مطالبا بالبحث جديا في تشكيل هيئة أو مفوضية تتولى معالجة ملفات ومعضلات اللاجئين العرب, وفي مقدمتهم في المرحلة الراهنة اللاجئين السوريين, الذين لم تعد المنافي سواء القريبة أو البعيدة قادرة على احتوائهم ولملمة جراحاتهم, وتوفير لقمة الخبز وحليب الأطفال وحبة علاج ضد الأمراض البسيطة, وإن لم يكن مثل هذا الاقتراح قد طرح على وزراء الخارجية العرب اجتماعاتهم التي عقدت بالقاهرة أمس ضمن الدورة الـ 144 لمجلس الجامعة العربية في سياق مناقشتهم لأزمة اللاجئين السوريين التي تصدرت جدول أعمالهم, فإن تسارع الأحداث المتعلقة بهذه الأزمة والتي باتت رقما مهما في أجندات الاجتماعات الإقليمية والدولية لغير الغرب يستدعي الإسراع بعقد اجتماع لوزراء الخارجية والداخلية والمسؤولين عن شئون الهجرة لوضع أسس معالجة شاملة لهذه الأزمة من خلال بلورة إلى أي عملية لنقل هذا المقترح للوجود حتى يتسنى لهذه الأمة أن تكون مبادرة بالفعل لاحتواء المعضلات والتداعيات السلبية التي تقع داخلها ولمواطنيها بمنأى عن التدخلات الأجنبية وإن كان لا يمكن استبعاد المساعدات الخارجية ضمن البعد الإنساني للعلاقات الدولية بشرط ألا يشكل ذلك ضغوطا على السياسات والقرارات الوطنية.ذلك لا يعني, أنني من مؤيدي موجة الانتقاد التي تعرض لها العرب في الآونة الأخيرة من بعض الدوائر العالمية, بسبب ما وصف أنه تقصير عربي في معالجة معضلة اللاجئين السوريين, ولكن الحقيقة تقتضي القول: إنه ليس هناك تقصير عربي, بقدر ما إن هناك ضيقا في أفق الرعاية العربية لهؤلاء اللاجئين, لأسباب يتعلق بعضها بمحدودية الإمكانات المالية والاقتصادية والخدمية أيضا, وبعضها يتصل بمخاوف وهواجس أمنية, على نحو يخشى معه, من تسلل عناصر متطرفة من بين هؤلاء اللاجئين, عند السماح بدخولهم أراضي هذه الدولة العربية أو تلك, ولعل أنموذج لبنان هو الأكثر وضوحا في هذا الصدد, حيث تسللت أعداد من المنتمين لتنظيمي داعش والنصرة إلى أراضيه, أسهموا بشكل أو بآخر في اشتعال معارك, أدى دخول ميليشيا حزب الله على خط الأزمة السورية انحيازا للنظام, إلى إضفاء بعد طائفي ومذهبي على الأزمة.ومع ذلك, يمكن التأكيد أنه بمقدور الدول العربية أن تقدم الحل الناجع, والمطلوب بإلحاح لأزمة لاجئي سوريا, مثلما فعلوا مع لاجئي فلسطين, على الرغم من أنه لم تتشكل هيئة أو مفوضية عربية لمتابعة أحوالهم, ربما اكتفاء بالأونروا التي شكلتها الأمم المتحدة لرعايتهم, سواء في فلسطين المحتلة أو دول الجوار والتي تعاني من أزمات متلاحقة في ميزانيتها السنوية, إلى حد لجوئها إلى جمع التبرعات لسد بعض جوانب النقص, وإن بدا أنه من الصعوبة بمكان تشكيل مفوضية عربية لرعاية لاجئي سوريا - وهو ما يستحقونه بعد أن وصلت أعدادهم إلى حوالي 13مليون شخص سبعة في الخارج وستة ملايين نازح بالداخل, مما يعد أكبر مأساة إنسانية في التاريخ المعاصر, فإنه بوسع اجتماع وزاري عربي أن يحدد خارطة طريق لكل دولة قادرة, لاستيعاب أعداد من هؤلاء اللاجئين, وفق قدرة وطاقة كل دولة سواء الاقتصادية والمالية, وأيضا من حيث توافر الخدمات الحياتية المتعددة.بالطبع، تلك خطوات مطلوبة جنبا إلى جنب التحرك العربي لحسم الأزمة السورية على الأرض بالذات على صعيد بلورة أطر مقبولة لحل سياسي شامل مقبول من جميع أطراف الأزمة وفق لإسراع بحل سياسي شامل للأزمة, وبما يلبي تطلعات الشعب السوري بكافة فئاته وأطيافه, في ضوء محددات وثيقة "جنيف 1" الصادرة في نهاية يونيو 2012, والذي أكد البيان الأخير لمجلس الأمن خلال الشهر الماضي عليها, خاصة فيما يتعلق بتشكيل هيئة حكم انتقالية, من ممثلين للنظام السوري والمعارضة لفترة عامين, يتم خلالها الإعداد لدستور جديد يمهد لإجراء انتخابات عامة ورئاسية, مع استبعاد أي تدخل عسكري أجنبي والتركيز على جهود محاربة التنظيمات المتطرفة, التي سيطرت على أكثر من نصف مساحة سوريا في الأشهر الأخيرة, لاسيما أن المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا يسوق في المرحلة الراهنة خطة جديدة للحل مطروحة للنقاش مع مختلف الأطراف حاليا, وإن كانت في حاجة إلى إضافة حتى تلبي متطلبات قوى المعارضة التي يطلق عليها المعارضة المعتدلة التي لا تنأى بنفسها عن خندق التطرف.إن ما أشدد عليه, هو أن يكون العرب طرفا فاعلا وليس مفعولا به, طرفا قادرا على أخذ زمام المبادرة, وليس طرفا يترقب تدخل الآخرين في إنهاء وإيجاد حلول لأزماتهم الحادة, والتي للأسف ما زال العامل الخارجي هو المتحكم واللاعب الرئيسي فيها, مما يخضعها للمواءامات والتوازنات الدولية وربما الإقليمية, ومن ثم فإن لاجئي سوريا لا ينبغي أن يكونوا طرفا في لعبة, قد تدفع بهم إلى أتون المنافي ومن ثم الخضوع لمقتضيات مصالح وإستراتيجيات القوى الكبرى, التي ما زالت للأسف تراهن على نظام بشار الأسد, وبعضها مثل روسيا الاتحادية بلغ بها الأمر حد تقديم إسناد عسكري مباشر له, عبر إرسال أكثر من ألفي جندي, فضلا عن كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد العسكري, وهو ما يجعل بشار وزمرته الحاكمة متصلبين, في قبول الحلول السياسية المطروحة, إلى جانب استقوائه بالدعم الإيراني سواء المباشر من طهران أو من خلال أطرافها المذهبية في المنطقة العربية.

249

| 14 سبتمبر 2015

نزيف الدموع على شعب بأكمله

لا أود أن أكون جزءاً من البكائية السائدة حالياً، الناتجة عن غرق الطفل السوري "إيلان" مع والدته وشقيقه على أحد شواطئ تركيا, خلال رحيل عائلته هربا من قسوة الأحوال وسوء المعيشة والضنك, الذي يفرض حصاره على البلاد والعباد, ضمن آلاف رأوا أن اللجوء بعيدا عن الوطن هو الحل, بيد أن المشهد على وجه الإجمال لا يبعث على استدرار الدموع, أو بالأحرى استنزافها من المآقي فحسب, ولكنه يؤشر إلى المدى الخطير وغير المسبوق الذي بلغته الحالة السورية, في شقها الإنساني متجاوزة الحالة الفلسطينية, الناتجة عن اغتصاب الكيان الصهيوني, بكل قسوته وإفراطه في القوة لحقوق وأرض شعب,منذ أكثر من سبعة عقود, حيث لم يبلغ عدد اللاجئين سوى ست ملايين فلسطيني في الشتاب, بينما تجاوز عدد اللاجئين والنازحين السوريين في الداخل والخارح رقم الــ 13 مليون شخص, وهو ما اعتبره الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية, الكارثة الإنسانية الأشد بشاعة ومأساوية في العصر الحديث واللافت أنها – أي هذه الكارثة - نجمت عن حاكم للشعب السوري, يزعم أنه جاء عبر انتخابات نزيهة وحرة, مما يؤهله للحديث باسمه والبقاء في الحكم رغم أنفه, ومن ثم فإن البكاء ونزف الدموع ,يكون من أجل شعب بأكمله دفعه بشار الأسد وزمرته الحاكمة, إلى الهجرة قسرا وملاقاة الموت اليومى, والإذلال المشفوع بالتوسل والتوسل في الموانئ وعلى الحدود, وفي الطرقات وعلى الشواطئ والركض من العسس والبصاصين, والذين يهدونهم في بعض المناطق طعاما وزجاجات مياه, ولكن بشرط ألا يبقوا في المساحات التي تخضع لسيطرتهم. إن المسؤولية الأولى والأخيرة فيما جرى للطفل إيلان.. ولغيره من أطفال لم يحظوا بفرصة التصوير والمتابعة, تقع بالدرجة الأولى على عاتق الزمرة التي يقودها بشار, أو على وجه الدقة هي التي تقوده, فهي المتسببة في كل ما جرى لسوريا الوطن والشعب نتيجة تكريسها لمنهجية غطرسة القوة, والتمسك بالحل الأمني في مناهضة ثورة شعب, خرج في مطلعها مسالما مطالبا باستعادة حقوقه في الحرية والعدالة والديمقراطية, وبناء دولة المواطنة وليست دولة الحزب القائد, والفئة المذهبية المهيمنة على كل مفاصل الوطن, وكانت النتيجة قتل أكثر من 300 ألف مواطن سورى, وجرح مئات الألوف الآخرين, ولجوء ونزوح أكثر من 13 مليون بالداخل والخارج, والأخطر دفع مئات الألوف إلى الهجرة إلى الشواطئ الأخرى على المتوسط ودول أوربا,عبر سلوك الدروب غير المشروعة, فتكون الحصيلة الموت غرقا أو سجنا, أو على صلبا على قارب مطاطى أو خشبى متهالك بعد دفع تحويشة العمر. صحيح أنه دخل على خط الأسباب القسرية للهجرة واللجوء إلى الخارج,عامل التنظيمات الإرهابية التي سيطرت على أكثر من نصف مساحة الوطن, وفي مقدمتها تنظيم داعش وجبهة النصرة, غير أن صعودهما إلى المشهد كان نتيجة وليس سببا, نتيجة لتعنت بشار وغياب الرؤية الصحيحة عن تقديره للموقف, إثر انفجار ثورة الشعب السوري, والتي نظر إليها من منظور ضيق ومتعال في الآن ذاته, واعتبر أن الوطن مختزل في ذاته وذاته هي الوطن, فدفعته الزمرة الحاكمة خاصة في بعدها الأمني والعسكري, ومجموعات رجال الأعمال المحيطين بنظام حكمه, إلى التمسك بالبقاء في السلطة, على الرغم من أن نظامه لا يسيطر سوى على مساحة تتراواح بين 10 إلى 15 في المائة, وعلى أكثر تقدير 20 في المائة من مساحة سوريا, بل إن داعش يقترب من العاصمة دمشق, وثمة فصائل قريبة من وسط العاصمة, ولو توحدت الفصائل الثورية غير المتطرفة, والتي تنأى بنفسها عن منهجية الإرهاب الأسود, لأمكن إسقاط نظام بشار بأسرع مما يتصور, على الرغم من الإسناد الذي يحصل على من روسيا,عبر تقديم العتاد العسكري, والذي يقترب من حد المشاركة في القتال ضد الثوار بشكل مباشر وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أمس الأول, أو من إيران وميليشيات شيعية في كل من لبنان والعراق. إن جثمان الطفل الصغير إيلان - وأنا هنا أنقل عن بيان المناشدة التي وجهها إياد مدني الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي- إلى المجتمع الدولي برمته بأن يسقط كل الاعتبارات من حساباته باستثناء "الروح الإنسانية"، و"الكرامة الإنسانية" في معالجته لأزمة اللاجئين السوريين- الذي ألقت به الأمواج على الساحل جثة هامدة، قد عطل لغة الكلام وأخرس كل الألسنة، وذلك حتى يذكرنا بحجم المأساة الإنسانية الكبرى التي كابدها ولايزال يكابدها هو ومئات الآلاف من السوريين، أطفالاً ورجالاً وشباباً وشياباً. فقد أرغموا، شأنهم في ذلك شأن العديد من أبناء بلدهم الآخرين، على الانطلاق في رحلات غاية في الخطورة والصعوبة، آملين في الحصول على حياة تحفظ أمنهم وكرامتهم في كنف أسرهم وأحبابهم, إن معاملة اللاجئين بطريقة غير التي تحفظ كرامتهم والتي تعاملهم بالرحمة والشفقة، عمل يؤلم ضمير الإنسانية. وثمة مفارقة تتوقف عندها مناشدة مدني, وهي أن اللاجئين السوريين الذين قضوا نحبهم في عرض البحر المتوسط, أو قضوا اختناقا داخل شاحنة لتهريب البشر في النمسا، ليس من بينهم شخص واحد مسئول عن اندلاع الأزمة السورية,أو عن إخفاق جهود إيقافها.. لكنهم، مع ذلك، ومازالوا يعتبرون الضحايا المباشرين لهذه الأزمة ولفشل المجتمع الدولي، وخاصة أعضاء مجلس الأمن وبلدان المنطقة في إيجاد حل لها.. وبالتالي فإن هذا الوضع يجب ألا يستمر ولا ينبغي له. ويتابع قائلا: "إن إنسانيتنا هي التي تغرق في ثنايا أمواج البحر المتوسط، وقيمنا ومبادئنا وكرامتنا الإنسانية هي التي تقضي اختناقاً. ومن ثم يجب علينا أن نضع حداً لهذه المأساة على الفور. وبالطبع، أوافق مدني على مطالبته كافة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي, والمجتمع الدولي برمته,إلى وضع الخلافات جانباً وحشد جميع الجهود لمساعدة أبناء الشعب السوري ولاجئيه, بحسبان أن هذه الأزمة ليست أزمة سورية أو شرق أوسطية أو أوروبية أو إسلامية، بل هي أزمة إنسانية عالمية تروح ضحيتها أرواح بشرية غالية. لكن المعضلة – والكلام لكاتب هذه السطور- تكمن بالأساس في النظام الإقليمي العربي, والذي تجسده الجامعة العربية وعجزها عن التعامل مع هذه الإشكالية \ المأساة، وهو ما أقر به أمينها العام الدكتور نبيل العربي,عندما سأله الصحفيون عن رؤيته لتداعيات غرق الطفل إيلان, فانطلق معبرا عن هذا العجز قائلا: إنني أعرب عن أسفي الشديد لما جرى للطفعل ولكن معالجة موضوع اللاجئين أكبر من أن تقوم به الجامعة العربية, معتبرا أن المعالجة الحقيقية لتلك المأساة, تكمن في حل المشاكل السياسية في سوريا، مشيرًا إلى أنه رغم وجود مجهود دولي وعربي في هذا الصدد لكنه لم يفض إلى شيء, لافتا إلى أن استمرار الوضع المأسوي في سوريا – نتيجة استمرار الحرب - انعكست آثاره المدمرة على الشعب السوري, وما عانى منه من تهجير ولجوء ونزوح ومعاناة خارج سوريا وداخلها, يتطلب تضامنًا عربيًا وإجراءات عملية عاجلة للتخفيف من معاناة الشعب السوري, بالسعي لوقف القتال والإسهام في توفير متطلبات الإغاثة الإنسانية. إن الآلام التي فجرتها واقعة الطفل إيلان عميقة, غير أن القفز عليها لن يتحقق إلا بفعل يعيد سوريا إلى سيرتها الأولى, بلادا للبهاء والخضرة والحقول والجمال ,بمنأى عن حكم بشار الأسد الذي لا يتعين أن يكون جزءا من معادلة الحل, لأنه هو الذي صنع معادلة المشكلة, وفي الوقت ذاته المحافظة على الدولة السورية ومؤسساتها الفاعلة, وتطهيرها مما علق بها من زمن بشار وزمرته قتلة الأطفال ومستخدمي البراميل المتفجرة ضد شعبهم وحتى لو ادعوا أنهم يحاربون الإرهاب, فهم الذين فتحوا شهيته للتمدد والانتشار, مطلوب من بشار أن يتجرع سم الرحيل وربما الهجرة قسرا.

289

| 07 سبتمبر 2015

يحدث في بر القدس الآن

مذهولاً أتساءل: ما سر هذا الغياب العربي والإسلامي عن وقائع ما تتعرض له مدينة القدس بمقدساتها وهويتها الحضارية العربية الإسلامية التي تتعرض لعملية تهويد ومحو ممنهجة, لصالح تكريس المشروع الاستيطاني الاستعماري للكيان الصهيوني؟ هل غابت المشاعر الدينية التي تربطنا بقدس أقداس فلسطين, والأمة بشقيها العربي والإسلامي؟ هل نحن عاجزون إلى حد الثمالة, عن وقف كل هذه العدوانية ضد القدس التي يتعامل معها قطعان بني صهيون باعتبارها موروثاً خالصاً لهم, ويسعون بكل قوة وكفاءة واقتدار للاستحواذ عليها تمهيداً لإعادة إنتاج هيكل سليمان, الذي أكدت الكثير من الدراسات الأثرية الأجنبية الرصينة أنه لاعلاقة له بموقع المسجد الأقصى, بينما دراسات قطعان بني صهيون تحاول أن تروج لوجوده في هذا الموقع المقدس, ويتهافت علماؤهم لتأكيد هذا الوهم الراسخ في أذهانهم فحسب. أين ما تم اتخاذه من قرارات عربية بشأن تمويل صناديق للأقصى لدعم صمود شعبها منذ سنوات طويلة, ولم تدفع الدول العربية سوى مبالغ ضئيلة من الاستحقاقات التي تضمنتها هذه القرارات, وكأن الأمر لا يعني أحدا وكأن القدس ليست عربية وكأننا استسلمنا لمخططات قطعان بني صهيون. «لقد بلغ السيل الذبى», والعرب ساكنون والمسلمون مستغرقون في نوم عميق, بينما قطعان بني صهيون يواصلون العمل بدأب للانقضاض على القدس بأقصاها وتاريخها وشعبها, ووفقاً لتقرير قطاع فلسطين والأراضي العربية المحتلة بالجامعة العربية, والذي يشرف عليه السفير محمد صبيح فإن أحدث إجراءاتهم وخطواتهم تتمثل في: أولاً: تصاعد وتيرة هدم المنازل في مدينة القدس المحتلة بشكل غير مسبوق وخاصة في الأحياء الفلسطينية المجاورة للمسجد الأقصى المبارك وطمس آثار المعالم المقدسية التاريخية، وعدوانها على مقبرتي مأمن الله وباب الرحمة المقدسيتين التاريخيتين اللتين تضمان رفاة كبار العلماء والصحابة الأجلاء وشهداء الفتح الإسلامي في عهد القائد صلاح الدين الأيوبي والقيام بتجريفهما إلى جانب سحب بطاقات هويات المقدسيين وهو ما يعني إلغاء وجودهم بمدينتهم المحتلة بهدف تغيير تركيبتها الديموغرافية لتحقيق أغلبية إسرائيلية على حساب الوجود العربي في القدس المحتلة. ثانياً: إصدار حزمة قوانين عنصرية (ترقى إلى الإرهاب) لا علاقة لها بالقانون الدولي أو القانون الدولي الإنساني وتنتهك قرارات الشرعية الدولية ذات العلاقة بمدينة القدس المحتلة محذرا من تعالي الدعوات الإسرائيلية لإخراج مدينة القدس المحتلة من الولاية الهاشمية لها برغم أن مدينة القدس مدينة محتلة ينطبق عليها ما ينطبق على باقي الأراضي المحتلة الأخرى، وأن ولاية المملكة الأردنية الهاشمية للمدينة المقدسة هي ولاية أقرها القانون والمجتمع الدولي. ثالثاً: الاستمرار في محاولات تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً كمرحلة أولى تمهيداً لفرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليه ومن ثم تنفيذ دعوات الحاخامات المتطرفين بهدمه وإحلال (الهيكل المزعوم) محله وفي إجراء يكشف ازدواجية معايير وعنصرية ممارسات سلطات الاحتلال. رابعاً: منع المصلين وطلاب حلقات العلم الفلسطينيين من دخول المسجد الأقصى المبارك واستبعاد فئات عمرية معينة مقابل السماح لجموع المستوطنين المتطرفين والسياح الأجانب بدخوله على شكل أفواج كبيرة. خامساً: قيام المتطرف جلعاد آردان وزير الأمن الداخلي في إسرائيل (السلطة القائمة بالاحتلال) بمطالبة موشيه يعلون وزير جيش الاحتلال إدراج تنظيمي (المرابطون والمرابطات) في الحرم القدسي الشريف كتنظيمين غير ذي شرعية واعتبارهما خارجين عن القانون، وذلك في أعقاب تحرك مكثف قامت به منظمات إسرائيلية متطرفة تدعو لتشجيع زيارة اليهود للحرم المقدسي وإقامة الشعائر التلمودية بداخله، وهو ما حظي بموافقة جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) والادعاء العام في إسرائيل (السلطة القائمة بالاحتلال). وفي هذا السياق، يؤكد التقرير أن (المرابطين والمرابطات) هما تنظيمان يدافعان عن المسجد الأقصى المبارك، وأن فتوى وزير أمن الاحتلال في إدراجهم ضمن التنظيمات المحظورة هو نوع من (إرهاب الدولة) الذي تمارسه سلطات الاحتلال ضد المدافعين عن المقدسات، إذ أن حماية هذه المقدسات هي حق مكفول في القانون الدولي، حيث إن من حق الفلسطينيين أن يضطلعوا بالدفاع بوسائل سلمية عن مقدساتهم، وكل أساليب الفلسطينيين السلمية التي يتبعونها في التصدي للمشاريع التهويدية، هي أساليب مشروعة في القانون الدولي لصون مقدساتهم. سادسا: تصريحات كبار مسئولي الكيان الصهيوني وفي مقدمتهم رئيس حكومة سلطات الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي أعلن مراراً أن مدينة القدس (عاصمة أبدية وموحدة لليهود فقط) بالتزامن مع تصاعد الإجراءات التهويدية لفرض أمر واقع على الأرض في مدينة القدس المحتلة بشكل عام وفي المسجد الأقصى المبارك على وجه الخصوص، لتصب في خدمة المشروع التهويدي المسمى بـ(القدس 2020) الذي تعتزم سلطات الاحتلال المضي قدماً فيه دون اكتراث بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالمدينة المقدسة. وعلى الرغم من أن هذا الأسلوب الذي يتبعه قطعان بني صهيون – حسبما يؤكد التقرير- لن يعود بأي فائدة على مشروعهم الاستيطاني الاستعماري حيث إن هذه الممارسات والإجراءات والتصريحات تشكل عنصراً هاماً في استفزاز العالمين العربي والإسلامي والتي تمثل مدينة القدس لهما خطا أحمر، لن يسمحا بتجاوزه، لاسيما المسجد الأقصى المبارك (أقدس المقدسات الإسلامية)، غير أنه لا يتعين الوقوف عند هذا الحد وممارسة البكاء, والاكتفاء بمطالبة المجتمع الدولي ممثلاً بهيئاته ومنظماته ومنها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني في العالم، وكافة المؤسسات الدولية ذات العلاقة، بالاضطلاع بدورها في التصدي لمثل هذه الإجراءات العنصرية التي ستقود فيها إسرائيل المنطقة, إلى تداعيات خطيرة تشعل من خلالها فتيل حرب دينية جديدة في هذه البقعة الحساسة من العالم, وإنما من الضرورة بمكان القيام بتحرك بخطوات جادة وحقيقية لوقف كل هذه الانتهاكات للقدس تاريخا وحضارة وهوية. غير أن الخطوة الأهم في تقديري, تكمن في مسارعة الفلسطينيين بكل فصائلهم وقواهم لإعلان انتفاضة جديدة للدفاع عن القدس والأقصى, تعيد إنتاج انتفاضيتين سابقتين في ثمانينات وتسعينيات القرن الفائت ومطلع القرن الواحد والعشرين, على أن تنتهج من السلمية سبيلا حتى تحظى بالإسناد العالمي, ولا يوظفها الإعلام الصهيوني ضمن ما يطلق عليه بالأعمال الإرهابية, مما يجعله يلجأ إلى الاستخدام المفرط للقوة ضد شباب ورجال ونساء القدس وفلسطين, صحيح أن ثمة معلومات تشير إلى أن الجانبين الفلسطيني والصهيوني, يسعيان إلى تجنب مثل هذه الانتفاضة بحسبان كلفتها العالية عليهما, لكن مصائر الأوطان -وهو كلام موجه للفلسطينيين – لا يجب أن تخضع للحسابات الآنية أو المصالح الضيقة, غير أن ذلك يستوجب بداية استعادة المصالحة الوطنية المفقودة والغائبة أو بالأحرى المغيبة, بفعل فاعل منذ 2007, ما فتح ثغرة عميقة في جدار الصمود الفلسطيني والوحدة الوطنية, الأمر الذي وفر إمكانية هائلة أمام سلطات الاحتلال لتمارس التنكيل بالجميع: اعتداءات مستمرة على قطاع غزة وانتهاكات متواصلة للضفة بما في ذلك القدس والأقصى, بينما كل فصيل مشغول بتحقيق ذاته ومحاولة فرض معادلته على الأرض, وما أخشاه أن يواصل قطعان بني صهيون مشروعهم الاستعماري الاستيطاني ليس في القدس والأقصى, ولكن في كل أراضي فلسطين, على اعتبار أنها لا تجد من يدافع عنها أو ينتفض لوقف العدوان عليها, وفي الوقت نفسه فإن العرب مشغولون بالوحش الجديد الذي بات سيفاً مُسلّطاً عليهم والمتمثل في "داعش" وأخواته, والعالم لم يعد يعر القضية الفلسطينية أي اهتمام, سقطت من دائرة الحسابات الإقليمية والدولية فهل ثمة يقظة عربية وإسلامية خاصة أن اللجان والمنظمات التي أنشئت خصيصا من أجل القدس والأقصى, متعددة ومتنوعة لكنها هواء.. هواء.. هواء.

247

| 31 أغسطس 2015

بشار الأسد خارج معادلة المستقبل

لا يتعين أن يكون بشار الأسد ضمن معادلة الحل السياسي في سوريا، والتي تتصاعد الاتصالات والتحركات الإقليمية والدولية بشأنها في الآونة الأخيرة، فمن الصعوبة بمكان بعد كل ما جرى من نظامه وقواته وحرسه الجمهوري والميليشيات التي شكلها أو التي استعان بها من الخارج، تحديدا من لبنان أو العراق أو إيران، أن يظل رقما في معادلة الحل أو المستقبل السوري، لأنه بوضوح وبشكل مباشر فقد مشروعيته كرئيس، يزعم أنه انتخب من قبل شعبه وثمة مبررات مشروعة ومنطقية وراء هذه القناعة، أولا: إنه خان الأمانة التي حمله إياها شعبه عندما وثق فيه، عندما تم فرضه فرضا على الرئاسة خلفا لوالده في عملية توريث مفضوحة بعد أن أعده وهيأ له كل سبل الوصول إلى الموقع الأول في البلاد، بما في ذلك تعديل الدستور ليتواءم مع سنه الصغيرة آنذاك – 1999 – والتي لا تتيح له الترشح لهذا المنصب الخطير، وكذلك الأمر في الانتخابات التي جرت قبل عامين في ظروف تتناقض تماما مع كل محددات الشفافية والنزاهة، ومؤدى هذه الأمانة أن يحمي هذا الشعب ويحافظ على سلامة الوطن، غير أن ما فعله كان عكس ذلك تماما، فقد قتل من هذا الشعب أكثر من 300 ألف مواطن غير مئات الألوف من الجرحى والمصابين والمعوقين، فضلا عن ملايين من اللاجئين وفي الخارج والنازحين في الداخل، كل ذلك من أجل أن يبقى قابضا على مفاصل سلطة وهمية في حقيقتها، بعد أن نزعت منه ميليشيات "داعش" نصف مساحة البلاد، بينما تسيطر الفصائل الأخرى على أجزاء كبرى من هذه المساحة، ولم يتبق له سوى مساحات في دمشق وريفها وبعض المحافظات الأخرى، ووفق تقديرات قيادات معارضة، فإن نظام بشار لا يسيطر إلا على ما يعادل 20 أو 25 في المائة من مساحة سوريا، ورغم ذلك فإن وزير خارجيته وليد المعلم يتحدث في تصريحات لوفد إعلامي مصري نشرت بالقاهرة يوم الخميس الماضي، عن صمود الجيش والنظام طوال السنوات الأربع المنصرمة، متجاهلا حقيقة أن من أبقى بشار وأركان نظامه حتى الآن الإسناد القوي الذي تقدمه إيران وروسيا وميليشيا حزب الله وميليشيات شيعية من العراق وباكستان وأفغانستان، وكان بوسعه أن يبقى بكرامة وشرف، لو أنه تجاوب من بداية الأحداث في مارس 2011 مع أشواق شعبه في ديمقراطية وتعددية وحرية حقيقية، ضمن دولة وطنية، السيادة فيها للشعب وليس للحزب أو القائد، والمواطنة هي العنوان وليس الانتماء الحزبي أو المذهبي. ثانيا: إن تمسك بشار الأسد بالسلطة على جماجم شعبه، أمر لا يعكس على الإطلاق حالة سوية لسياسي منحاز لوطنه وشعبه، بل إن وقائع الخراب الذي تسبب فيه نظامه والتدمير المنهجي الذي طال كل مقدرات الدولة السورية وبنيتها التحتية، تشكل في حد ذاته ذريعة قوية للخلاص منه، فالسياسي - خاصة إذا كان على رأس السلطة - يتعين أن يكون حريصا على حماية أمن واستقرار بلاده، لا أن يدخلها أتون حرب أهلية ومذهبية وطائفية تأكل الأخضر واليابس، من خلال استخدام كل ترسانته العسكرية التي كانت موجهة لعدو حقيقي ما زال يحتل جزءا من الوطن، بما في ذلك الطائرات والصواريخ والأسلحة الكيماوية ضد هذا الوطن، بل واخترع قادته العسكريون المبدعون في محاربة الشعب، وليس العدو، ما يسمى بالبراميل المتفجرة، فباتت عنوانا للموت اليومي بلا تمييز بين مقاتل مسلح وبين مدني، فعلى سبيل المثال فإنه جيش بشار - وليس الجيش العربي السوري، فذلك مسمى أضحى من مخلفات الماضي - قتل بمدينة دوما أكثر من 120 مدنيا بهذه البراميل التي تطلقها طائرات مقاتلة أو طائرات هليكوبتر، في شكل متوالية دموية لا تتوقف حتى تفضي إلى هلاك المئات في لحظات. إنه الجحيم الذي يفرضه على وطنه رئيس قادم من رحم مهنة الطب وهي مهنة إنسانية بطبيعتها، لكنها السلطة تفرض على من يرتدون ثيابها اللجوء إلى أسوأ ما في المرء للبقاء في دائرتها، والارتواء من متعها ولذائذها الحرام، ما دام الحاكم في حالة حرب مع الوطن والشعب. ثالثا: إن بشار الأسد هو العائق الوحيد أمام استعادة الدولة السورية وحدتها التي غدت مفقودة أو مغيبة بفعل فاعل هو بالأساس، فهو لم يتجاوب مع الطروحات السياسية التي قدمتها الجامعة العربية، ثم الأمم المتحدة عبر مبعوثيها الخاصين الذين فشل اثنان منهم بعد يأسهما من بشار وزمرته الحاكمة، وهما كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، وأخيرا دي ميستورا الذي ما زال يحلم بالحل السياسي ومع ذلك هو متهم من قبل وليد المعلم بأنه غير محايد ومنحاز والأهم من ذلك رفض بشكل واضح بنود جنيف 1 والتي حظيت برضا إقليمي ودولي، بما في ذلك قوى المعارضة رغم غموضها في التعامل مع إشكالية بشار، وتنص على تشكيل هيئة حكم انتقالية من النظام وقوى المعارضة تكون لها كامل الصلاحيات السياسية والأمنية، وتهيئ البلاد بعد عامين يتم بعدها إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، فسارع بشار في إجراء انتخاباته الخاصة التي أتت به متفردا في موقع الرئاسة بعد أن نافسه شخصان مجهولان، وكان بمقدوره لو تجاوب مع جنيف 1 والتي أقرها تجمع دولي من أصدقاء الشعب السوري في يونيو من العام 2012، لكان بالإمكان أن تترتب على ذلك نتائج مهمة على صعيد المحافظة على مؤسسات الدولة السورية وشعبها في إطار عملية ديمقراطية شفافة ونزيهة، ولو كان بشار وزمرته الحاكمة جادين في قبول حل سياسي يوقف المزيد من إراقة الدماء ويوفر إمكانية بقاء الوطن موحدا شعبا وأرضا، فإن عليه المسارعة بقبول بنود البيان الذي أصدره مجلس الأمن قبل أيام، ولا يخرج كثيرا عن بنود جنيف 1، لاسيَّما فيما يتعلق بتشكيل هيئة الحكم الانتقالية، ولكن للأسف نظر إليه وليد المعلم باعتباره جزءا من عملية إضاعة الوقت، لأنه يدرك هو ورئيسه، أن الدخول في عملية سياسية جادة وشفافة وفق الأسس التي يتضمنها هذا البيان التي تقوم بالأساس على بنود جنيف 1 من شأنه أن يزيح بشار وزمرته عن السلطة، عندما يحين الوقت لإجراء الانتخابات، سواء الرئاسية أو التشريعية في غضون عامين. رابعا: إن المراهنة على العوامل الخارجية في بقاء أي نظام سياسي ثبت أنها عديمة القيمة على المدى الطويل، ويبدو أن بشار وأركان حكمه ما زالوا يراهنون على الدور الروسي والإيراني، فضلا عن ميليشيات إقليمية تابعة في مجملها لتوجهات طهران، وذلك يمكن أن يتغير إذا ما تقاطعت مصالح هذه الأطراف، وثمة حديث بشأن أن قدرا من التغيير في موقف موسكو - وإن لم يتضح مداه- لكنها ترهنه بضرورة الإبقاء على مصالحها في سوريا وفي المنطقة، وهو ما لا يسعى أحد إلى التأثير عليه وأنا هنا أعول على الاتصالات الخليجية والسعودية الأخيرة التي ما زالت تتفاعل في دوائر موسكو السياسية، فضلا عن ذلك، فإن إيران لن تبقى إلى الأبد مؤيدة لبقاء بشار، إذا ما تعارض ذلك مع المكاسب التي ستجنيها من تطبيق اتفاقها الأخير مع مجموعة 5+ 1 بشأن برنامجها النووي، والذي يوفر لها استعادة لأموالها المجمدة والتي تقدر بمئات المليارات ورفع العقوبات الاقتصادية.

258

| 24 أغسطس 2015

عصا من جمر أو الهلاك

أتوكأ على عصا من جمر, لا, لأهش بها غنمي, فليس لدي غنم أو أنعام, ولكن لدي أمة تحتاج إلى من يدفع عنها مكامن الوجع المحدقة بها, وتنخر فيها أشبه بالسوس القديم الذي اتخذ- رغم غيابه- أشكالا مغايرة أكثر قدرة على النفاذ إلى الأجساد والأرواح, فباتت الأمة منخرطة في ثباتها الغميق, سادرة في غيها وتهافتها على الذوبان والاستغراق في معضلاتها التي لاتنتهي, في حاجة إذن -هي وأنا- إلى عصا من جمر مشتعلة متوهجة متقدة لتمتلك القدرة على الإيقاظ, على بث العزيمة التي تهاوت, على كتابة مسار جديد, تمضي باتجاهه لتغير واقعا,بلغنا فيه مرحلة انسداد الأفق وإن لم نصل إلى مرحلة القنوط. عصا من جمر, تعني ضمن ما تعني أن تحرق مدارات دخلتها الأمة في العقود الأخيرة, فأدخلتها حالة من الركود وسفك الدماء, وإباحة ما كان محظورا بين المنتمين إليها, من تخريب الديار وتدمير الأوطان وإهلاك الأنفس, وفي قول آخر ممارسة الذبح بأسوأ الأساليب وأردأها وأبشعها, على مدى التاريخ الإنساني فتشوهت ملامحنا وساءت صورتنا الحضارية, فنحن قتلة ودمويون ونتهالك في قتل بعضبنا البعض, بينما عدونا الحقيقي رابض على الحدود متمدد في الأراضي منتهك للحقوق, واللافت أن من بيينا من يتعاون ويتشارك معه, ويحيطه علما بما يجري فيما بيننا, وهو واقف يتأمل ويشاهد ويمارس السخرية من أعداء توحدوا على أن السلام معه خيارهم الإستراتيجي الوحيد, في حين أقسموا على أن يمارسوا فيما بينهم فعل الإبادة بكفاءة عالية. عصا من جمر, تبدو عصية على الخضوع لنا, لأننا نفتقد الإرادة والرغبة على تطويعها, بينما هي بين أيدينا, يسيرة سهلة ومهيأة, وتشبه قبضة الماء سرعان ما تغادر أكفنا عند الإمساك بها غير أنه لو قبضنا عليها بقوة وفعالية لظلت بها حتي نقذف بها, عصا الجمر نائية عنا بعيدة, توقفت حركتنا عن السفر إليها للإمساك بها, ولو نجحنا لوهلة, ترحل عنا في سرعة الضوء, فنظل نبحث عنها نلاحقها, فتنأى أكثر تتباعد نبصرها بأعيننا نكاد نقترب منها, غير أنه سرعان ما ندرك أن الأمر محض سراب بقيعة. أمتنا في زماننا, قبض ريح, كف ماء غير قابلة للإمساك بها, مهد مصنوع من خيوط عنكبوت, خيمة دونما وتد, منزل بلاقواعد, أحاطت بنا صنوف العذابات والمكابدات والكوارث والمآسي والجراحات, تصيبني الحيرة, وأتساءل بمرارة هل من يمسكون بمفاصل أوطانها وشعوبها لايقرأون دفتر أحوالها؟ وإن قرأوا – لو أتيح لهم ذلك – لايستوعبون ما بين السطور أو من السطوار ذاتها, وهو في يقيني واضح وسافر للعيان, وليس في حاجة إلى استفاضة في الشرح والتفاصيل, وحتى هذه اللحظة - رغم أني دخلت رحم الستين قبل شهر ونصف تقريبا- لم أعثر على إجابة عن سؤال ما الذي جرى ويجري للأمة؟ عدت إلى التاريخ, أذهلتني حقائقه التي يحاول البعض تبييضها لصالح مواقفه وأفكاره, فوجئت بأن الصراع على السلطة كان المعادلة السائدة في معظم فتراته, وللأسف باسم المقدس الديني ارتكبت الكثير من الحماقات والممارسات التي تتنافي معه في التعامل مع الآخر, المختلف معه سياسيا والذي يدور معه الصراع على السلطة, وللأسف بلغ الأمر ذروته بالولوج في موجات التكفير وهي موجات بدأت مبكرة في عصور الخلفاء الراشدين, ولاأكاد أصدق أن نفرا ممن ينتمون إلى الإسلام ويؤمنون بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا, يكفرون سيدنا علي الخليفة الرابع رضي الله عنه وكرم وجهه, فلقد أخرجوه, وهم الخوارج من الدين والملة والحكم بما أنزل الله, وأظن أن هذه الجماعة بالذات هي التي وضعت, بما أسسته من تطرف في النظرة إلى أحكام الشريعة وتضييق مفرط في تفسير آيات القرآن الكريم وتأويلها يما يلبي رؤاهم الضيقة, البداية الخاطئة لكل جماعات التشدد في الإسلام والتي تبرز حاليا في آخر تجلياتها فيما يسمى بــ "داعش", وقد لفت انتباهي حديث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم قاله مبكرا في صيغة تحذرية لصحابته وتابعيهم ولأمته فيما بعد يحدد فيه ملامح سلوكهم الخارج عن جوهر الإسلام يقول فيه:"يأتي في آخر الزمان قوم, حدثاء الأسنان, سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية, يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأثان, غزيرو اللحية, مقصرو الثياب ومحلقوالرؤوس, يحسنون القيل, ويسيئون الفعل, يدعون إلى كتاب الله, وليسوا منه في شيء, يقرأون القرآن لا يتجاوز حناجرهم, يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية, فأينما لقيتموهم فاقتلوهم, فإن قتلهم أجر لم قتلهم يوم القيامة". إن ما يصنعه داعش بالأمة تجاوز كل حد, وبات من الضرورة بمكان التصدي له, بعد أن خرب عقول الشباب وسفه أحلام العباد وأهلك البلاد تحت زعم أنه قادم لإقامة دولة الخلافة, فأي خلافة يمكن بناؤها واستمرارها على جماجم البشر باستخدام السكاكين والسيوف, فضلا عن أحدث الأسلحة التي يصنعها من يعتبرونهم أعداء وخصما, وعلى الرغم من أنني لا أميل إلى اعتبار داعش وأخواته من تنظيمات الإرهاب المنتشرة في الأرض, صناعة غربية صرفة, بمعنى أن الغرب قام بتشكيلها وتصعيدها وتقويتها ودفعها للسيطرة واحتلال المدن والأراضى, ولكني أكاد أصدق أنها ضالعة بشكل أو بآخر في منظومة, وفر لها الغرب وبالذات أجهزة الاستخبارات الأمريكية, كل البيئات الحاضنة لانطلاقها حتي تدخل المنطقة في أتون الحروب الأهلية والتمزيق الطائفي والمذهبي وهو ما تعيشه الأمة التي استجابت في سذاجة مفرطة للسقوط في فخ أهداف داعش ومن وفر القدرة له على الانتشار والتمدد, ولاحظ معي أن ما يسمى بالتحالف الدولي لمحاربة داعش والذي يضم أكثر من أربعين دولة بقيادة الولايات المتحدة, لم يتمكن بعد مضي ما يزيد عن العام من تشكله من الحسم المعركة مع داعش, بل إنه في ظل هذا التحالف سيطر على أكثر من نصف من مساحة سوريا وأكثر من ثلث مساحة العراق وكلما يتم طرد وإبعاد عناصره من مدينة أو أخرى يسارع بالعودة إليها أو الاستحواذ على مدن ومناطق أخرى. عصا من جمر هي خيارنا الإستراتيجى, لإعادة العافية للأمة ولإجبارها على إجهاض أهداف داعش وغيره من تنظيمات الإرهاب, ومن يقف خلفها سواء في الغرب أو في الشرق أي في أي مكان, والأمة على الرغم من كل ما اعتراها من عوامل تفكك وضعف وهشاشة, فإنها قادرة على النهوض واليقظة والعودة إلى الصواب وثمة خطوات مطلوبة لتحقيق ذلك على المدى المنظور, وهي تتعلق فقط بتوافر الإرادة على قلب المعادلة السائدة في المرحلة الراهنة, ودخلت معها الأمة النفق المعتم غير أن الأهم ما هو مطلوب على المدى البعيد, والذي يتطلب تغييرا شاملا في كل ما هو قائم حاليا سواء على صعيد البناء السياسي أو العسكري أو الدفاعي أو الأمني أو التعليمي أو الاقتصادي أو الفكري, وكل ذلك متاح عبر متوالية من الدراسات أعدتها مراكز البحوث سواء التابعة للحكومات, أو التابعة للمؤسسات العلمية والأكاديمية في مختلف أقطار الأمة, المهم السعي الجاد والحقيقي والحثيث, إلى وضعها على سكة التطبيق والتفعيل والتنفيذ وهو ما ينقصنا.

338

| 17 أغسطس 2015

خطوات العرب وخطوات الكيان

هل بوسع الخطوات التي تبناها الاجتماع الطارئ للجنة مبادرة السلام العربية الذي عقد بالقاهرة يوم الأربعاء الفائت, بمشاركة وزراء خارجية وممثلي 15 دولة عربية أن تدفع الكيان الصهيوني إلى وقف ارتداداته القمعية والعدوانية ضد الشعب الفلسطيني والتي تتصاعد يوما بعد يوم ؟ لقد جاء عقد هذا الاجتماع في سياق رد الفعل العربي المباشر على الأعمال الإرهابية الأخيرة لقطعان المستوطنين وتلبية لطلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس, وتمخض - بعد تقرير قدمه أبو مازن ومداخلات من بعض وزوراء الخارجية العرب -عن جملة من الخطوات الرامية لوقف إرهاب وجرائم المستوطنيين في مقدمتها : أولا: القيام بسلسة من المشاورات العربية والدولية لطرح مشروع قرار أمام مجلس الأمن الدولي حول الجرائم الإرهابية للمجموعات الاستيطانية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني على نحو يدفع المجلس, لتحمل مسؤولياته لوقف الاستيطان في أراضي دولة فلسطين المحتلة وعلى رأسها القدس الشرقية. ثانيا: دعم الإجراءات التي تقوم بها دولة فلسطين بعد أن رفعت ملف جريمة حرق عائلة الدوابشة, إلى المحكمة الجنائية الدولية ودعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون, إلى تفعيل طلب الرئيس أبو مازن بإنشاء نظام خاص للحماية الدولية للشعب الفلسطيني في أراضي دولة فلسطين المحتلة. ثالثا: المطالبة بوضع المجموعات الاستيطانية الإسرائيلية على قوائم المنظمات الإرهابية, وملاحقة أعضائها أمام المحاكم الدولية وذلك بعد تكرارهم لعمليات حرق حرق المواطنين الفلسطينيين, من قبل المستوطنين الإسرائيليين الذين تأتي بهم وتحميهم الحكومة الإسرائيلية, ضمن سياسات ومحاولات سن قوانين عنصرية تذكي الكراهية والتطرف والإرهاب .. رابعا: تحميل الحكومة الإسرائيلية المسؤولة الكاملة عن كل هذه الجرائم والأعمال الإرهابية التي يقوم بها قطعان الصهاينة وهو أمر شدد عليه أيضا الرئيس أبومازن في كلمته أمام الاجتماع ما جعله يطالبها بالقيام في التحقيق فيها، باعتبارها شريكا مع هؤلاء القطعان, وبالتالي هي شريك في هذه الجرائم الإرهابية"، وهنا يلفت أبو مازن إلى أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ارتكبت 11 ألف جريمة منذ عام 2004 ضد الشعب الفلسطيني ودون أن تعترف حتى الآن، داعيا الحكومة الإسرائيلية إلى أن تعترف بجرائمها، خاصة أنها ترفض الآن وقف الاستيطان أو الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، دون أن ينسى أبو مازن تحميل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري جانبا من المسؤولية لأن إدارته "لم تتمكن من تنفيذ ما وعدت به وتساهلت مع الحكومة الإسرائيلية", وهي في تقدير كاتب هذه السطور شريك كامل لحكومة بنيامين نتنياهو ولقطعان المستوطنيين فهي التي تعلن التزامها دوما – كما جاء على لسان الرئيس باراك أوباما- بأمن وببقاء إسرائيل, في إطار التحالف الإستراتيجي الذي يربطهما منذ عقود, ويحتم على واشنطن أن تجعلها أكثر تفوقا على كل جيرانها العرب وغير العرب من الناحية العسكرية والإستراتيجية . هذا جوهر ما اتفق عليه العرب, وهو لايخرج كثيرا عن النصوص السابقة وإن اشتدت اللهجة هذه المرة, بعد ما جرى لعائلة دوابشة على نحو يعكس بشاعة الفعل والقائمين عليه والمساندين له, غير أن هذه الخطوات والمطالبات ستظل ترواح مكانها ولن يمكن تطبيقها على الأرض, لأن العرب يبدون الآن من السذاجة بمكان في ظل تمحور خطابهم على التحرك السياسي والدبلوماسي, والذي اعتبروه كما أسلفت خيارهم الإستراتيجي الوحيد منذ العام 2002, بينما الكيان الصهيوني وقطعان مستوطنيه لايؤمن إلا بخيار القوة, وفرض الحقائق على الأرض من خلال اللجوء إلى القوة المفرطة, ومن يعترض من الفلسطينيين يعاقب فورا إما بالقتل أو الإصابة المعوقة, أو بالاعتقال والزج به في سجون لاتعرف معنى الرحمة أو القواعد الإنسانية في التعامل مع السجين الأسير والطالع من رحم الاحتلال, وهو ما دأبت عليه سلطات الاحتلال منذ إعلانها كيانها غير الشرعي على أرض فلسطين وتصاعدت حدته ووتيرته بعد اتفاق أوسلو الذي ظن صانعوه, بالذات من قبل الفلسطينيين, أنه سيشكل الخطوة الأولي باتجاه الاستقلال وإعلان الدولة الفلسطينية, لاسيما بعد اعترافهم الرسمي بدولة الكيان ومنذ هذه اللحظة, بات منحى التنازلات والترقب والانتظار يشهد المزيد من الهبوط, لم يصعد أبدا منذ العام 1993, بل اتسعت عدوانية الكيان, وأخذت أشكالا وأنماطا شديدة الإفراط عنوانها إنهاء هوية الشعب الفلسطيني, من خلال متابعة المشروع الاستيطاني الاستعماري, دون أن يتعرض لردع من قانون أو شرعية دولية, ناهيك عن إدراكه الحقيقي لمكامن الضعف في النظام الإقليمي العربي برمته, وحتى إن تمحك البعض بما اعترى هذا النظام من اتساع منظومة الضعف في أعقاب ثورات الربيع الربيع العربي, وما نجم عنها من دخول أقطار عربية دائرة التفكيك والحرب الأهلية والانقسام الطائفي والمذهبي, وهي عوامل تبعث على هشاشة هذا النظام مثلما نتابعه في المرحلة الراهنة, فإن الكيان حتى قبل هذه الثورات كان يمارس عدوانيته بأريحية تامة دون أن يتحرك لهذا النظام طرف لحماية الفلسطينيين, سوى المطالبة بتحمل مجلس الأمن والشرعية الدولية لمسؤولياتها وهو أمر بات بعيد المنال فكلاهما – أي المجلس والشرعية – خاضعان لهيمنة القوة الدولية الوحيدة في العالم, والتي ما تفتأ عن استخدام سلاح النقض – حق الفيتو- ضد أي قرار يشعر الكيان أنه ينطوي على عقاب أو تأثيرات سلبية, ومن ثم عجزت الشرعية الدولية عن القيام بأي خطوة يمكن اعتبارها إيجابية تجاه الفلسطينيين, بما في ذلك حل الدولتين الذي تبنته الإدارة الأمريكية منذ زمن غير المأسوف عليه جورج بوش الابن . هل يعني ذلك أنني أدفع النظام العربي إلى الانخراط في عتمة اليأس؟ لابالطبع؟ فما زالت هناك أوراق قوة بمقدوره أن يوظفها على النحو الأمثل, أولها السعي بقوة للخروج من حالة الاضطراب غير المسبوقة التي دخلها إما بإرادة وحداته, أو فرضت عليه فرضا من خلال تبني الحلول السياسية للأزمات الراهنة, وإعادة بناء الدولة الوطنية على أسس مغايرة تقوم في المقام الأول على مبدأ المواطنة, بعيدا عن منهجية المحاصصة المذهبية والطائفية والعرقية التي تكاد تمزق أقطار العرب, خاصة في الدول المؤثرة على مسار الصراع العربي الصهيوني, والتي تآكلت قدرات جيوشها القتالية بعد إنهاكها في معارك جانبية ضد شعوبها وليس ضد العدو الحقيقي (سوريا نموذجا), بالطبع إلى جانب تنبي الديمقراطية والتعددية السياسية باعتبارها خيارات أساسية للنظام الحاكم مهما كانت طبيعة توجهاته, ورهن ذلك بتطبيق منظومة شاملة للعدالة الاجتماعية, بما يفك الارتباط بين أحوال المواطنيين والفقر وهي العلاقة التي تبدو أزلية في المنطقة العربية . هذا أولا, أما ثانيا, فإن النظام الإقليمي العربي بات مطالبا بالتخلي عن فكرة كون السلام خيارا إستراتيجيا وحيدا, وعليه أن يبدأ في بناء معادلة قوة شاملة بما في ذلك القوة العسكرية, من خلال الاعتماد على القدرات الذاتية, أو بالاستعانة بحلفاء في العالم ليس لديهم ارتباطات والتزامات تجاه الكيان الصهيوني, على نحو ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية. أما ثالثا, فإنه بات من الضرورة بمكان – وهو أمر تحدث فيه كاتب هذه السطور وغيره من الكتاب والمتابعين للشأن العربي العام – وقف الحوافر المقدمة طوعا للكيان, وفي مقدمتها التطبيع العلني والأخطر منه المستور مع حكومته وشركاته ورجال أعماله ومستشفياته, والقيام بما يمكن وصفه بحالة تعبية قومية, من خلال سحب كافة الدبلوماسيين العرب من تل أبيب, وفي الوقت نفسه تطهير العواصم العربية من كافة دبلوماسييه وأغلبهم هم عناصر من الموساد . إن المطلوب هو إشعار الكيان بأنه عدو وليس صديقا, تلك خطوة يمكن أن تؤتي أكلها وتقض مضاجعه وقد تدفعه إلى تغيير سلوكه العدواني أو التقليص منه, لأنه كان يهدف, منذ أن تأسس على يد الإرهابي بن جوريون وغيره من رموز عصابات الكيان, إلى اختراق الجوار وتطبيع العلاقات مع شعوب المنطقة .

341

| 10 أغسطس 2015

alsharq
غياب المعرفة المالية عن الطلاب جريمة اقتصادية بحق الأجيال

في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...

2259

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
كبار في قفص الاتهام.. كلمة قطر أربكت المعادلات

في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...

2001

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
بائع متجول

يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...

1512

| 26 سبتمبر 2025

alsharq
غزة.. حين ينهض العلم من بين الأنقاض

في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...

852

| 23 سبتمبر 2025

alsharq
قطر في الأمم المتحدة.. السيادة والإنسانية

يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...

783

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
1960.. أمّ الانقلابات في تركيا وإرث الوصاية العسكرية

بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...

741

| 22 سبتمبر 2025

alsharq
أهمية وعي المُستثمر بالتشريعات الناظمة للتداول

يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...

654

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
الأمير يكشف للعالم حقيقة الكيان الإسرائيلي

صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....

624

| 24 سبتمبر 2025

alsharq
خطاب صريح أقوى من السلاح

• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...

603

| 25 سبتمبر 2025

alsharq
عيسى الفخرو.. خطاط الإجازة

يؤكد اهتمام جيل الشباب القطري بالخط العربي؛ تزايد...

501

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
رواتب العاملات

يتداول في هذه الأيام في أغلب دول الخليج...

489

| 21 سبتمبر 2025

alsharq
حين يحتضن المرء طفولته!

ليستْ مجرد صورةٍ عابرةٍ تلك التي يُنتجها الذكاء...

483

| 22 سبتمبر 2025

أخبار محلية