رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تلوح في الأفق بقوة إشارات انتفاضة فلسطينية ثالثة. رغم حرص كل من السلطة الوطنية. بقيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن وسلطة الاحتلال الصهيوني على تجنبها. بيد أن عدوانية السلطة الأخيرة واستمرائها القتل الممنهج. ضد الفلسطينيين على نحو ينطوي على كافة ألوان الاستهانة بهم كبشر وكمواطنين. فضلا عن استمرارها في تدنيس مقدساتهم وفي مقدمتها قدس الأقداس - المسجد الأقصى -الذي لم تفتر همة قطعان المستوطنين مدعومين بقوات الأمن والجيش. عن اقتحامه بصورة يومية في تحد سافر للمشاعر الدينية تدفع الأمور دفعا. إلى تبني خيار الانتفاضة والتي ستكون هذه المرة أكثر اندفاعا. وربما تتجه إلى تعميق فعل العسكرة. بحسبان أن منهجية الخيارات السلمية التي اتبعت على مدى العقد والنصف الفائتين. لم تفض إلا إلى المزيد من عدوانية الكيان وقطعان مستوطنيه. والتهام المزيد من الأراضي ضمن مشروعه الاستيطاني الاستعماري الذي تطبقه حكوماته المتعاقبة. والذي اتسع نطاقه في زمن بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الأشد تطرفا من فرط تشكلها من عتاة المستوطنين. الذين باتوا يفرضون معادلتهم التلمودية على المشهد الصهيوني الداخلي برمته. خشية انفراط عقد التحالف الذي يربطهم بالإرهابي الأكبر نتنياهو.
واللافت أن موجات الغضب الفلسطيني باتت تنطلق من كل أنحاء فلسطين. سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو داخل الأراضي التي احتلت في العام 1948. فتوحد الفلسطينيون ربما للمرة الأولى منذ عقود في مواجهة النزوع العدواني الصهيوني. الذي لا يترك المقدس أو البشر أو الحجر. دون أن يطاله بشراسته التي تؤكد أنه ما زال سادرا في غيه وماضيا في مشروعه. لإنهاء كل ما هو فلسطيني وتكريس وجوده الغاصب. بصرف النظر عن كل ما يتردد عبثا من حلول ومبادرات وخيارات سلام. لأنها لم تعد قادرة على ردع المعتدي. وإنما تكتفي فقط بتوجيه فوهاتها إلى الطرف المعتدى الضحية المحتل. والذي قدم على مدى ثلاثة عقود كل ما يمكن اعتباره محفزا للطرف الآخر. لكي يقبل بمعادلة سلام تقوم على انسحابه من الأراضي المحتلة في يونيو من العام 1967. مقابل القبول بإقامة علاقات طبيعية معه. بل إن ثمة دولتين عربيتين هما مصر والأردن وقعتا معه بالفعل على اتفاقيتي سلام معه ورغم ذلك لم يتخل مطلقا عن منظوره العدواني للدولتين وشعبهما.
ووفق قناعتي أنه لم يعد خيار أمام الفلسطينيين سوى الانخراط في انتفاضة ثالثة. على الرغم مما يبدو من كلفة عالية قد تصل إلى حد قيام جيش الاحتلال الصهيوني. بعملية اجتياح واسعة لمدن الضفة الغربية وربما قطاع غزة. بعد مشاركة شبابه بقوة في موجة الغضب الراهنة. والأثمان الباهظة التي تدفعها الشعوب من أجل نيل حريتها واستقلالها هي واحدة من حقائق التاريخ والذي حفل بتضحيات الشعوب خلال مقاومتها للمحتل والغاصب وبعضها تجاوز مداه الزمني أكثر من 130 عاما مثل الشعب الجزائري الذي قدم مليون شهيد من شعبه لكنه في الأخير استعادة هويته التي كادت فرنسا الاستعمارية أن تمحوها من الحضور، ورفل في أثواب استقلاله. ومن ثم فإنه ينبغي أن يتوقف المرجفون والرافضون للانخراط في المقاومة بكل أشكالها ضد العدو الصهيوني الشديد الشعور بغطرسة القوة التي يمتلك بالفعل مقوماتها من جراء الإسناد الأمريكي والذي بلغ منذ سنوات مستوى التحالف الإستراتيجي معه وتبنى عقيدة تقوم على ضمان أمنه وضمان تفوقه العسكري على كافة جيرانه من العرب وغير العرب.
إن عبارة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر التي قالها في أعقاب هزيمة يونيو 1967 والتي أكد فيها أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بالقوة ما زالت صالحة وقابلة للتطبيق في فلسطين على الرغم مما يبدو من ميل ميزان القوة لصالح العدو الصهيوني على نحو يتجاوز بكثير إمكانات الشعب الفلسطيني. غير أن الروح القتالية والنضالية لهذا الشعب بمقدورها أن تتغلب على هذا العامل. وقد تحقق ذلك في أمثلة تفوق الكيان المدعوم بالأساس من قوى خارجية فالشعب الفيتنامي أنجز انتصاراته على الولايات المتحدة الأمريكية - القوة العالمية الأولى - في سبعينيات القرن الفائت والشعب الأفغاني أجبر الاتحاد السوفييتي – القوة العالمية الثانية- على الانسحاب من أراضيه ثمانينات القرن نفسه.
ولكن تجسيد هذه الحقيقة على الأرض. ولضمان انتفاضة قوية على الأرض يمكنها أن تسفر عن تغيير المعادلة السائدة في الأراضي المحتلة. لصالح حقوق الشعب الفلسطيني يتعين تحقيق جملة من المطالب:
أولا: الإسراع بتوحيد جهود كل الفصائل الفلسطينية والسعي إلى تجاوز كل خلافاتها لاسيَّما فتح وحماس. واللتان تمتلكان المساحة الشعبية الأوسع والقدرات التنظيمية الأكثر رسوخا. فمعادلة الخلاف التي ظلت سائدة منذ يونيو 2007 يجب أن تنتهي فورا وأن تتم إزالة كل مخلفاتها التي أضرمت نيران الكراهية والتناقض بين مشروعين. هما في الأساس موجهان للتحرير وليس لإشعال فتيل الحرب بينهما. إن القدس والأقصى والشهداء الذين رحلوا خلال الأيام القليلة الماضية ومن قبل ومن بعد. وكل الحقوق المغتصبة والأسرى الذين ما زالوا قابعين في سجون الاحتلال. والأطفال والأسر الذين قتلوا حرقا وبالرصاص الحي والمطاطي. يستحقون أن تتوحد من أجلهم كل الإمكانات النضالية للقوى الحية الفلسطينية.
ففي ظل استمرار الخلافات والتناقضات والانتهاكات المتبادلة فرض العدو معادلاته الاستيطانية والاستعمارية. وتمدد إلى القدس لتهويدها وأقصاها لتقسيمه زمانيا ومكانيا. تكفي كل هذه السنوات من غياب المصالحة.
ثانيا: إن النظام الإقليمي العربي مطالب بالتخلي عن دبلوماسيته الهادئة والناعمة. في التعاطي مع الكيان المحتل والعدو الذي ما زال يحتل الأرض.
إن لغة خطاب جديدة مطلوبة في المرحلة الراهنة. فلم تعد عبارة "السلام خيارنا الإستراتيجي" ملائمة للتعامل مع عدوانية قطعان بني صهيون. بالطبع لا أدعو إلى إعلان حالة الحرب من قبل الدول العربية. فذلك أدرك مدى صعوبته إلى حد الاستحالة في المرحلة الراهنة على الأقل. بفعل سيطرة حالة اضطراب غير مسبوقة على الأمة ودولها. والتي دفعتها دفعا إلى إزاحة القضية الفلسطينية من مرتبة القضية المركزية الأولى. إلى خانة القضية العادية النمطية اليومية التي لم تعد تلهم حماسا أو تحظى بتأييد مثلما كان الحال عليه قبل ثورات الربيع العربي. وفي الوقت نفسه فإن انتفاضة الشعب الفلسطيني المرتقبة. في حاجة إلى شبكة أمان مالية عربية وثمة قرارات صدرت في هذا الاتجاه منذ قمة بغداد في 2012. قضت بتوفير مائة مليون دولار للسلطة الوطنية شهريا مازالت بمنأى عن التزام أغلبية الدول العربية - ما عدا قلة قليلة - وبالتالي فإن تفعيل هذا الالتزام. فضلا عن دفع الدول العربية لمستحقاتها في صندوقي الأقصى والانتفاضة. والمقررة منذ قمة سرت في العام 2010 ضروري في هذه المرحلة بإلحاح. حتى يكون ذلك رافدا للمرحلة الجديدة لنضال الشعب الفسطيني. الذي يتساءل رجاله وشبابه ونساؤه دوما عن العرب.
ثالثا: إن تحركا فلسطينيا وعربيا على المستويين الإقليمي والدولي. متزامنا مع انطلاق الانتفاضة الجديدة أو حتى موجات الغضب الراهنة. من شأنه أن يشكل عنصر إسناد فاعلا لاسيَّما لدى النخب الثقافية بالذات داخل الجامعات والنخب السياسية والقوى الحزبية والبرلمانية. وذلك حتى يمكن تغيير توجهاتها لصالح نضال الشعب الفلسطيني. والذي تحركت قوى عديدة في أوروبا وأمريكا اللاتينية وحتى داخل الولايات المتحدة باتجاه تأييد حقوقه. بعد ما ترسخت لديها عدوانية الكيان وشراسة حكامه. المهم الاستمرار في هذا المنحى. ما يتطلب بالتأكيد تمويلا يمكن لبعض المؤسسات ورجال المال العرب أن يلعبوا دورا إيجابيا في توفيره.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8568
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5463
| 06 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
4764
| 05 أكتوبر 2025