رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مع التصاعد الخطير في إشكاليات اللاجئين السوريين, حيث بدا الأمر وكأن أشقاءنا يتسولون المنافي البعيدة، وحيث يرحب بعضها بهم, بينما بعضهم الآخر يتقاعس عن استقبالهم, إلى حد اللجوء إلى القوة لمنعهم من ولوج حدودها, وإبعادهم إلى حدود الدول المجاورة, غير ما دفعني للشعور بالغيرة بالأساس, قرار الاتحاد الأوربي باستقبال 160ألف لاجئ سوري وإعداده خريطة جغرافية للدول التي يتوزعون بمنافيها, ومبعث هذه الغيرة يكمن في أن الأشقاء السوريين ينتمون إلى الأمة العربية, حتى لو كان بعضهم ينتمي إلى أعراق أخرى, لكنها تعيش منذ آلاف السنوات بين ظهراني المحيط العربي, وبالتالي فإن الأمة هي الأولى بأبنائها وليس الآخرون, مما يستوجب أن تتدافع الدول العربية إلى استقبال هؤلاء اللاجئين واحتوائهم بين أهلهم ومعاملتهم معاملة مواطنيها من حيث توفير المأكل والمسكن والعلاج والتعليم وغير ذلك من المتطلبات الضرورية للحياة كل على قدر طاقته خاصة أن ثمة تجربة ثرية حققت نسبيا متمثلة فى استقبال كل من لبنان والأردن ومصر والجزائر ودول الخليج أعدادا لا بأس من هؤلاء اللاجئين، على الرغم من محدودية قدرات بعض هذه الدول مثل لبنان والأردن وكلاهما يواجه معضلات جمة في تلبية الحد الأدنى من احتياجات الأعداد المتزايدة من هؤلاء اللاجئين.
وحتى لا يترك لاجئو الشعب السوري عرضة للابتزاز بكل أنواعه في أوربا, فإن النظام الإقليمي العربي بكل مكوناته بات مطالبا بالبحث جديا في تشكيل هيئة أو مفوضية تتولى معالجة ملفات ومعضلات اللاجئين العرب, وفي مقدمتهم في المرحلة الراهنة اللاجئين السوريين, الذين لم تعد المنافي سواء القريبة أو البعيدة قادرة على احتوائهم ولملمة جراحاتهم, وتوفير لقمة الخبز وحليب الأطفال وحبة علاج ضد الأمراض البسيطة, وإن لم يكن مثل هذا الاقتراح قد طرح على وزراء الخارجية العرب اجتماعاتهم التي عقدت بالقاهرة أمس ضمن الدورة الـ 144 لمجلس الجامعة العربية في سياق مناقشتهم لأزمة اللاجئين السوريين التي تصدرت جدول أعمالهم, فإن تسارع الأحداث المتعلقة بهذه الأزمة والتي باتت رقما مهما في أجندات الاجتماعات الإقليمية والدولية لغير الغرب يستدعي الإسراع بعقد اجتماع لوزراء الخارجية والداخلية والمسؤولين عن شئون الهجرة لوضع أسس معالجة شاملة لهذه الأزمة من خلال بلورة إلى أي عملية لنقل هذا المقترح للوجود حتى يتسنى لهذه الأمة أن تكون مبادرة بالفعل لاحتواء المعضلات والتداعيات السلبية التي تقع داخلها ولمواطنيها بمنأى عن التدخلات الأجنبية وإن كان لا يمكن استبعاد المساعدات الخارجية ضمن البعد الإنساني للعلاقات الدولية بشرط ألا يشكل ذلك ضغوطا على السياسات والقرارات الوطنية.
ذلك لا يعني, أنني من مؤيدي موجة الانتقاد التي تعرض لها العرب في الآونة الأخيرة من بعض الدوائر العالمية, بسبب ما وصف أنه تقصير عربي في معالجة معضلة اللاجئين السوريين, ولكن الحقيقة تقتضي القول: إنه ليس هناك تقصير عربي, بقدر ما إن هناك ضيقا في أفق الرعاية العربية لهؤلاء اللاجئين, لأسباب يتعلق بعضها بمحدودية الإمكانات المالية والاقتصادية والخدمية أيضا, وبعضها يتصل بمخاوف وهواجس أمنية, على نحو يخشى معه, من تسلل عناصر متطرفة من بين هؤلاء اللاجئين, عند السماح بدخولهم أراضي هذه الدولة العربية أو تلك, ولعل أنموذج لبنان هو الأكثر وضوحا في هذا الصدد, حيث تسللت أعداد من المنتمين لتنظيمي داعش والنصرة إلى أراضيه, أسهموا بشكل أو بآخر في اشتعال معارك, أدى دخول ميليشيا حزب الله على خط الأزمة السورية انحيازا للنظام, إلى إضفاء بعد طائفي ومذهبي على الأزمة.
ومع ذلك, يمكن التأكيد أنه بمقدور الدول العربية أن تقدم الحل الناجع, والمطلوب بإلحاح لأزمة لاجئي سوريا, مثلما فعلوا مع لاجئي فلسطين, على الرغم من أنه لم تتشكل هيئة أو مفوضية عربية لمتابعة أحوالهم, ربما اكتفاء بالأونروا التي شكلتها الأمم المتحدة لرعايتهم, سواء في فلسطين المحتلة أو دول الجوار والتي تعاني من أزمات متلاحقة في ميزانيتها السنوية, إلى حد لجوئها إلى جمع التبرعات لسد بعض جوانب النقص, وإن بدا أنه من الصعوبة بمكان تشكيل مفوضية عربية لرعاية لاجئي سوريا - وهو ما يستحقونه بعد أن وصلت أعدادهم إلى حوالي 13مليون شخص سبعة في الخارج وستة ملايين نازح بالداخل, مما يعد أكبر مأساة إنسانية في التاريخ المعاصر, فإنه بوسع اجتماع وزاري عربي أن يحدد خارطة طريق لكل دولة قادرة, لاستيعاب أعداد من هؤلاء اللاجئين, وفق قدرة وطاقة كل دولة سواء الاقتصادية والمالية, وأيضا من حيث توافر الخدمات الحياتية المتعددة.
بالطبع، تلك خطوات مطلوبة جنبا إلى جنب التحرك العربي لحسم الأزمة السورية على الأرض بالذات على صعيد بلورة أطر مقبولة لحل سياسي شامل مقبول من جميع أطراف الأزمة وفق لإسراع بحل سياسي شامل للأزمة, وبما يلبي تطلعات الشعب السوري بكافة فئاته وأطيافه, في ضوء محددات وثيقة "جنيف 1" الصادرة في نهاية يونيو 2012, والذي أكد البيان الأخير لمجلس الأمن خلال الشهر الماضي عليها, خاصة فيما يتعلق بتشكيل هيئة حكم انتقالية, من ممثلين للنظام السوري والمعارضة لفترة عامين, يتم خلالها الإعداد لدستور جديد يمهد لإجراء انتخابات عامة ورئاسية, مع استبعاد أي تدخل عسكري أجنبي والتركيز على جهود محاربة التنظيمات المتطرفة, التي سيطرت على أكثر من نصف مساحة سوريا في الأشهر الأخيرة, لاسيما أن المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا يسوق في المرحلة الراهنة خطة جديدة للحل مطروحة للنقاش مع مختلف الأطراف حاليا, وإن كانت في حاجة إلى إضافة حتى تلبي متطلبات قوى المعارضة التي يطلق عليها المعارضة المعتدلة التي لا تنأى بنفسها عن خندق التطرف.
إن ما أشدد عليه, هو أن يكون العرب طرفا فاعلا وليس مفعولا به, طرفا قادرا على أخذ زمام المبادرة, وليس طرفا يترقب تدخل الآخرين في إنهاء وإيجاد حلول لأزماتهم الحادة, والتي للأسف ما زال العامل الخارجي هو المتحكم واللاعب الرئيسي فيها, مما يخضعها للمواءامات والتوازنات الدولية وربما الإقليمية, ومن ثم فإن لاجئي سوريا لا ينبغي أن يكونوا طرفا في لعبة, قد تدفع بهم إلى أتون المنافي ومن ثم الخضوع لمقتضيات مصالح وإستراتيجيات القوى الكبرى, التي ما زالت للأسف تراهن على نظام بشار الأسد, وبعضها مثل روسيا الاتحادية بلغ بها الأمر حد تقديم إسناد عسكري مباشر له, عبر إرسال أكثر من ألفي جندي, فضلا عن كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد العسكري, وهو ما يجعل بشار وزمرته الحاكمة متصلبين, في قبول الحلول السياسية المطروحة, إلى جانب استقوائه بالدعم الإيراني سواء المباشر من طهران أو من خلال أطرافها المذهبية في المنطقة العربية.
أثناء القمة العربية الإسلامية الطارئة التي أقيمت في الدوحة يوم 15 من الشهر الجاري والتي ناقشت العدوان الصهيوني... اقرأ المزيد
180
| 30 سبتمبر 2025
تعرف كلمة مارق في اللغة العربية بأنه الشخص الماكر أو المنحرف والذي لا قيمة له، وهي تعنى الشخص... اقرأ المزيد
153
| 30 سبتمبر 2025
ما السعادة إلا قرارٌ تتخذه الروح بوعيٍ كامل لتتصل بنبع حقيقتها، قرارٌ يهمس به المرء لذاته بأن يسمح... اقرأ المزيد
234
| 30 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
4575
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4152
| 29 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
4083
| 25 سبتمبر 2025