رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
التغيرات الاجتماعية تنشأ من تفاعل عدة عوامل مثل التطور التكنولوجي، التحولات في الاقتصاد، القيم الثقافية، السياسة، الحروب، والتعليم. في عصرنا الحالي، نشهد تأثير هذه العوامل على مجتمعاتنا. ومن المنظور القرآني، يبدأ التغيير الاجتماعي من داخل المجتمع نفسه. بعض الفئات الاجتماعية تسعى جاهدة لإحداث تحولات اجتماعية وثقافية، بينما تعمل فئات أخرى على مقاومة هذه التغيرات. تلعب الحركات الاجتماعية دورًا رئيسيًا في تجاوز القيود التي تفرضها وسائل الإعلام التقليدية، ومع تزايد التقدم التكنولوجي، تتشكل ديناميات جديدة تسهم في تسريع التغيير الاجتماعي وتعميقه. في ظل التغيرات الكبرى التي تشهدها المجتمعات، تحاول الحركات الاجتماعية هذه المجموعات إقناع الآخرين بتبني وجهة نظرها للعالم والتصرف وفقًا لمعتقداتها من خلال الدعاية. يُسهم الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية في تسهيل هذه العملية، لكنه في الوقت ذاته يزيدها تعقيدًا. نظرًا لأن الإنترنت يتجاوز الحدود الوطنية والتقاليد الثقافية، فإن تأثير رياح التغيير يمتد إلى كل المجتمعات حول العالم، لكن درجة التأثير تختلف من مجتمع لآخر. وتتمتع المجتمعات أو المجموعات التي تمتلك وصولاً إلى التقنيات الرقمية بمزايا أكبر في مواجهة التحديات الناشئة مقارنةً بتلك التي تفتقر إلى هذه الأدوات. * من طبيعة البشر أن تسعى كل مجموعة إلى نشر رؤيتها للعالم، سواء كانت دينية أو أيديولوجية أو ثقافية. تستخدم هذه المجموعات الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية إما بشكل إيجابي أو سلبي، اعتمادًا على موقعها ومصالحها. تمتلك النخب موارد كبيرة للترويج لأجنداتها، بينما تعاني الحركات الشعبية من محدودية الموارد لدعم سياسات أو أجندات ثقافية معينة. في الماضي، كانت الفئات الغنية وذات النفوذ تسيطر على وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والإذاعة والتلفزيون. أما اليوم، فقد أصبح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أدوات متاحة لكل من النخب والحركات الشعبية، مما يتيح للجميع فرصة أكبر لنشر أفكارهم والتأثير على الجمهور. * تستخدم الحركات الشعبية الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية بطرق متعددة وفعّالة. تُعتبر الشبكات الاجتماعية مثل تويتر، وفيسبوك، وإنستغرام، وتيليجرام، وحتى مجموعات واتساب، أدوات قوية لنشر المعلومات والدعاية. على سبيل المثال، تمثل حركة دعم غزة تجسيدًا لهذا الانتشار العالمي، حيث تمكنت من إيصال رسالتها إلى مختلف أنحاء العالم مما يسهل تداول المعلومات والصور ومقاطع الفيديو لأغراض الترفيه والدعاية على حد سواء. يستخدم المحتجون هذه الوسائل لجذب الانتباه وإقناع الجمهور والحكومات، مما يعكس تأثير الإنترنت العميق في تعزيز الحركات الشعبية وتوسيع نطاقها. تعتبر هذه المنصات غير مكلفة، مما يمكّن أي مجموعة من استخدامها للعثور على المؤيدين والمتعاطفين وحتى الرعاة. في الماضي، كانت الحركات الاجتماعية بحاجة إلى منظمة مركزية وقيادة قوية لتحقيق أهدافها المرجوة، لكن اليوم يمكن للمجموعات المجزأة واللامركزية أن تعمل على إحداث التغيير الاجتماعي. من خلال الإنترنت، تستطيع هذه المجموعات تنظيم علامات التصنيف (الهشتاج) والعرائض الإلكترونية واستطلاعات الرأي وجمع التبرعات. تعتبر علامات التصنيف (الهشتاج) والمواضيع الشائعة على وسائل التواصل الاجتماعي أدوات هامة جدًا للدعاية وزيادة الوعي بشكل غير مسبوق. كما أن العديد من الأشخاص يولون اهتمامًا كبيرًا لهذه المواضيع الشائعة، سواء في المجال السياسي أو الترفيهي. أنتجت منصات وسائل التواصل الاجتماعي فئات جديدة من الفاعلين الاجتماعيين، مثل المؤثرين والمدونين واليوتيوبر ومنشئي المحتوى، الذين يتمكنون من خلق مواضيع رائجة (أجندات) أو تعزيز المواضيع الحالية التي تقترحها الحركات الاجتماعية. تتيح التقنيات الرقمية الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، لهذه المجموعات الناشئة استخدام الإحصائيات والبيانات بشكل فعال، مما يساعدها على تحقيق أهدافها من خلال أساليب علمية. في بعض الأحيان، تكشف هذه المجموعات عن بيانات حساسة لإحراج الحكومات، كما فعلت ويكيليكس، مما يساهم في تقديم سرد بديل للأحداث بعيدًا عن الروايات الرسمية. * بالطبع، لا تقتصر الأنشطة الرقمية على الجوانب الإيجابية، إذ تسعى بعض المجموعات لتحقيق أهداف سلبية. حيث تلجأ بعض الحركات إلى اختراق المؤسسات الحكومية أو سرقة المعلومات الشخصية من أجل نشر دعايتها. كما تستخدم جماعات الضغط الكبيرة حسابات مزيفة لدعم أجندتها، مثل حركة المثليين على المستوى العالمي. إضافة إلى ذلك، تحاول بعض الدول التأثير على الأجندات الرائجة إما من خلال التعاون مع شركات التواصل الاجتماعي أو بتوظيف عدد كبير من الحسابات المزيفة والمؤثرين والمدونين. من جهة أخرى، تظهر شركات التواصل الاجتماعي انتقائية في دعم أو منع مواضيع معينة، وغالبًا ما تتجاهل خطاب الكراهية في بعض اللغات المحلية، مما يؤدي إلى تصاعد التوترات العرقية والدينية، كما شهدنا في صراع تيغراي. يظهر النضال من أجل التغيير الاجتماعي في جهود السكان المحليين عند تقاطع الفاعلين المحليين والدوليين باستخدام أدوات عالمية.
1236
| 16 أكتوبر 2024
تعود الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط إلى الإرث الاستعماري الغربي الذي أعاد تشكيل المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، ثم جرى إعادة تشكيلها مرة أخرى في أعقاب الحرب العالمية الثانية ضمن سياق الحرب الباردة وحركات الاستقلال. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، أصبحت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم. سعت واشنطن إلى إعلان بداية عهد جديد عقب حرب الخليج الأولى، لكنها لم تكن متأكدة من كيفية التعامل مع الشرق الأوسط، فانتظرت حوالي عقد من الزمن قبل أن تشرع في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير. ظهرت مبادرة أو مشروع الشرق الأوسط الكبير خلال فترة رئاسة جورج دبليو بوش في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. سعت إدارة بوش إلى استغلال هجمات 11 سبتمبر لتنفيذ مشروع تغيير الأنظمة في منطقة شاسعة تمتد من آسيا الوسطى إلى شمال أفريقيا. خلال قمة مجموعة الثماني عام 2004، أكد الرئيس بوش على ضرورة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية في الشرق الأوسط لمواجهة الإرهاب العالمي. واعتبر أن المنطقة تحتاج إلى عملية ديمقراطية وتحرير اقتصادي، وذلك لتبرير غزو أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003. خططت إدارة بوش لتوسيع المشروع ليشمل إيران وسوريا وربما دول عربية أخرى في وقت لاحق. قيل إن غزو أفغانستان كان الهدف منه القضاء على تنظيم القاعدة وطالبان والإرهاب. من الناحية الجيوسياسية، كانت الولايات المتحدة تعيد تكرار محاولة الاتحاد السوفيتي غزو أفغانستان لكن بأعذار مختلفة. ومع ذلك، فشلت الولايات المتحدة في تحقيق الديمقراطية أو التنمية أو الاستقرار، واضطرت إلى مغادرة أفغانستان دون أي إنذار مسبق في عام 2021. في عام 2003، غزت إدارة بوش العراق وأسقطت نظام صدام حسين تحت ذريعة وجود أسلحة دمار شامل وتنظيم القاعدة في العراق. ثبت أن مزاعم بوش كانت غير صحيحة بعد الغزو، لكن تنظيم القاعدة ظهر لاحقًا في العراق. ولم ينجح التحالف الغربي في تأسيس ديمقراطية حقيقية في العراق، بل أدى ذلك إلى ظهور توترات ما زالت تؤرق البلاد حتى اليوم. وعند النظر إلى الأمثلة اللاحقة في سوريا (عملية جنيف) أو ليبيا، يتضح أن الهدف كان إنشاء نظام غير فعال، كما أنشأت الولايات المتحدة ديمقراطيات فعالة في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. غادرت إدارة أوباما العراق في عام 2011، مما أدى إلى ملء إيران للفراغ في البلاد حتى الآن، حيث يعتقد الكثيرون أن هذه الخطوة كانت مدروسة ومتعمّدة. كان الربيع العربي يسعى إلى إحداث تغيير في شكل الشرق الأوسط، لكن الوضع الإقليمي والدولي الراهن قاوم هذا التغيير، مما أدى إلى عودة المنطقة إلى هيكلها السابق. وقد تعرقلت هذه العملية بسبب الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية والإرهاب والتدخلات الأجنبية. من الواضح أن القوى العظمى لم ترق لها مطالب العرب بالديمقراطية والتنمية والوحدة، حيث ساهمت إيران أيضًا في قمع بعض جوانب هذه العملية من خلال تدخلها في سوريا واليمن والعراق ولبنان. وكانت تكلفة الثورات العربية باهظة من حيث الأموال والأرواح والطاقات. سعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تنفيذ مشروع الشرق الأوسط من خلال «صفقة القرن» و»اتفاقات إبراهيم»، حيث كان هو وصهره كوشنر يهدفان إلى إعادة تصميم الشرق الأوسط حول إسرائيل بعد الدمار الذي تعرضت له المنطقة خلال العقد الماضي. تمكن ترامب من إقناع بعض الدول العربية، بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. ومع ذلك، واجه هذا المشروع مقاومة من الجماهير العربية والحكومات، مثل الأردن والسلطة الفلسطينية، لأن إسرائيل كانت تحصل على كافة المزايا. لم يمنع وصول بايدن هذا المشروع، بل أعاد تشكيله إلى نسخة أكثر عنفًا بعد هجمات حماس في 7 أكتوبر. أرادت إسرائيل ورعاتها في الغرب استغلال هذه الفرصة لتدمير أي نوع من المقاومة في فلسطين والمنطقة. تسعى إسرائيل بقيادة نتنياهو إلى سحق المقاومة الفلسطينية، حتى لو تطلب الأمر ارتكاب إبادة جماعية أو الدخول في حرب إقليمية. في المقابل، لا ترغب إيران في الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل، حيث أثبتت الهجمات الأخيرة أنها قادرة على توجيه ضربات رمزية لإسرائيل دون خوض حرب شاملة. أما الولايات المتحدة، فلا ترغب في حرب إقليمية في هذه المرحلة من التاريخ، لكن من الواضح أن كلاً من كامالا هاريس وترامب سيعملان على تشكيل الشرق الأوسط وفقًا لرؤيتهما الخاصة دون استشارة شعوب المنطقة حول ما يريدونه.
1794
| 09 أكتوبر 2024
أسس المنتصرون في الحرب العالمية الأولى عصبة الأمم عام 1920 كأول منظمة دولية تهدف إلى تحقيق الأمن الجماعي. سعت العصبة إلى دعم السلام وتعزيز التعاون بين الدول من خلال تحسين الدبلوماسية المتعددة الأطراف وتطوير القانون الدولي. كما حاولت التصدي لقضايا الصحة والعمل واللاجئين ونزع السلاح. ومع ذلك، فشلت في منع اندلاع الحرب العالمية الثانية، وأصبحت وسيلة لتبرير الاستعمار الغربي تحت غطاء نظام الانتداب. بعد الخراب الواسع وسفك الدماء الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، سعى المنتصرون إلى استمرارية تجربة التعاون الدولي من خلال تأسيس منظمة الأمم المتحدة بشكلها الحديث، بهدف تعزيز السلام والأمن العالميين، ودعم التعاون بين الدول، بالإضافة إلى تعزيز حقوق الإنسان والتنمية وتقديم المساعدات الإنسانية. تُعتبر الأمم المتحدة اليوم أكبر منظمة دولية، حيث تضم في عضويتها 193 دولة. تعمل المنظمة على تشجيع التعاون الدولي في قضايا مثل تغير المناخ، مكافحة الفقر والجوع، تحسين الصحة والتعليم، وحماية حقوق الإنسان. كما تضم الأمم المتحدة فروعاً متعددة، مثل محكمة العدل الدولية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب وكالات متخصصة، مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) لرعاية الصحة، واليونيسف (UNICEF) لرعاية الأطفال، ووكالات تُعنى بالغذاء واللاجئين. تقوم الأمم المتحدة بالعديد من الأنشطة، بما في ذلك حفظ السلام، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتعزيز حقوق الإنسان، ودعم جهود التنمية، وحل النزاعات. وعلى الرغم من نجاحها في منع نشوب الحروب العالمية، إلا أنها فشلت في منع الحروب الثنائية والغزوات، مثل الحرب الكورية، والغزو السوفيتي لأفغانستان، والحرب الإيرانية العراقية، بالإضافة إلى الأزمات المستمرة في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا. واجهت المنظمة انتقادات متعددة تتعلق بضعف فعاليتها نتيجة البيروقراطية المفرطة. وقد انعقدت الجمعية العامة الثامنة والسبعون الأسبوع الماضي بمشاركة دولية واسعة، إلا أن نتائجها كانت محدودة. دعا كل من أمير قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أهمية تحقيق الأهداف الأصلية للأمم المتحدة وإرساء السلام العادل في الشرق الأوسط، وخاصة في غزة. وأكد الزعيمان على ضرورة وجود نظام دولي شرعي يسوده حكم القانون، وطالبا بإصلاح مؤسسات الأمم المتحدة لكي تتمكن من أداء مسؤولياتها في تحقيق السلام والعدالة المستدامة. كما انتقد أردوغان الهيمنة غير العادلة لخمس دول (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، والمملكة المتحدة) التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لفترة طويلة، تجاهلت إسرائيل قرارات الأمم المتحدة (مثل القرار 1322 و1435 و2334) التي تدعو إلى احترام القانون الدولي في حماية المدنيين ووقف بناء المستوطنات. وقد استخدمت حكومة الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد العديد من مشاريع القرارات في مجلس الأمن مسبقًا. وحتى في حال تم تمرير هذه القرارات من قبل الجمعية العامة، فإن إسرائيل لا تلتزم بتنفيذها. ومن المثير للجدل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قد أُعطي الفرصة للحديث أمام الجمعية العامة لتبرير مجازره في غزة، متحديًا بذلك الأمم المتحدة نفسها. بطريقة ما، تعلن إسرائيل أنها لا تعترف بالأمم المتحدة، لكن هذه الأخيرة لا تتبنى نفس الموقف. بل، سمحت الأمم المتحدة لإسرائيل بتحديها وانتقاد المجتمع الدولي. يا لها من مؤسسة ديمقراطية أصبحت عليها الأمم المتحدة! الأمم المتحدة، التي يُفترض بها أن تقدم حلولًا للأزمات في الشرق الأوسط مثل سوريا واليمن، لم تتمكن من تحقيق ذلك. هذه المرة، استخدمت روسيا والصين حق النقض ضد القرارات المتعلقة بالصراع السوري والأوضاع الإنسانية هناك. ورغم أن الأمم المتحدة وافقت أخيرًا على عملية جنيف كحل سياسي للصراع في سوريا، إلا أن التقدم كان بطيئًا، والتنفيذ ضعيف. كما لعبت الأمم المتحدة دورًا بنّاءً إلى حد ما في ليبيا من خلال تجميد الصراع، إلا أن تحقيق السلام الدائم والاستقرار السياسي لا يزال بعيدًا. اليوم، تقترب أزمة غزة من عامها، والأمم المتحدة تفشل في وقف العدوان الإسرائيلي قانونيًا، بالإضافة إلى عجزها عن تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين. إن الداعمين لإسرائيل هم في الواقع مشرفون عليها أيضًا. وعلى عكس أزمة سوريا، فإن القوى العظمى لا تتعارض في مواقفها بشأن غزة، مما أدى إلى نتائج قريبة من الصفر. إن الحل لا يكمن في حل الأمم المتحدة، بل في إصلاحها بشكل عادل، ودمقرطتها لتشمل مزيدًا من الدول من أفريقيا وآسيا والدول الإسلامية، وإلغاء نظام الفيتو الذي يخدم عدداً قليلاً من الدول القوية بشكل غير عادل.
651
| 02 أكتوبر 2024
هناك العديد من الأمثلة البارزة للحركات الاجتماعية التي شهدها العالم، بدءًا من الثورات العربية وحركة احتلال وول ستريت في الولايات المتحدة، وصولاً إلى احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا والمظاهرات المؤيدة لفلسطين وحملات مقاطعة إسرائيل. وبينما تحظى الحركات الثورية بالكثير من الاهتمام، فإن الحركات الإصلاحية تبرز أيضًا في مناطق مختلفة من العالم. باعتبارها محاولات لإحداث تغيير اجتماعي من الداخل، فقد شكلت هذه الحركات محورًا للعديد من الأبحاث والدراسات. يتم تعريف الحركات الاجتماعية على أنها تجمعات فضفاضة التنظيم من الأفراد والمجموعات التي تسعى إلى التغيير الاجتماعي وتعمل لفترة معينة خارج المؤسسات القائمة. يمكن أن تظهر هذه الحركات أيضًا لمنع تغيير معين، وهي تختلف عن الأحزاب السياسية وجماعات الضغط التي تعمل داخل النظام. تتناول الحركات الاجتماعية قضايا أوسع نطاقًا وتركز على مصلحة المجتمع بشكل عام. يمكن تصنيف الحركات الاجتماعية على أنها ثورية أو إصلاحية وفقًا لنوع التغيير الذي تسعى لتحقيقه. تُعتبر الحركات التي تهدف إلى تغيير النظام بأكمله أو الإطاحة به حركات ثورية أو راديكالية. من ناحية أخرى، تُعرف الحركات التي تسعى لإجراء تغييرات جزئية داخل النظام بحركات إصلاحية أو معتدلة. رغم وجود الكثير من النقاش حول الثورات، إلا أنها ليست شائعة، ونادرًا ما تتمكن الثورات، مثل الثورة البلشفية عام 1917، من تحقيق أهدافها المعلنة. بالمقابل، تتمتع الحركات الإصلاحية بانتشار أكبر ولها تأثير اجتماعي أوسع. تستخدم الفئات التي تلجأ إلى الاحتجاجات أساليب غير تقليدية عندما تفشل في تحقيق نتائج من خلال أساليبها المعتادة. على الرغم من أن هذه الحركات غالبًا ما تنشأ نتيجة لشكاوى عامة، إلا أن هذه الشكاوى لا تتحول دائمًا إلى حركات اجتماعية، حيث استطاعت بعض المجموعات الصغيرة تحقيق نتائج ملموسة. في هذا السياق، تصبح بنية النظام السياسي والموارد واستراتيجيات الخطاب ذات أهمية كبيرة. تعتبر هيكلية النظام السياسي مهمة من حيث الفرص السياسية، حيث تحدد نوع الحركة أو توقيتها. كما أن وحدة أو انقسام النخبة الحاكمة يمكن أن تخلق فرصًا لهذه الحركات. يمكن تفسير سقوط مبارك في مصر بعدم وجود وحدة بين النخبة، بينما يمكن تفسير بقاء الأسد في سوريا بوجود وحدة بين النخبة. يرتبط الأمر أيضًا برغبة النظام في قمع حركة معينة. نظرًا لأن التغيير الاجتماعي المنشود لا يحدث على الفور، فإن الحركات الاجتماعية تحتاج إلى نشاط طويل الأمد للحفاظ على هذا النشاط والتأثير على الرأي العام، من الضروري إنشاء موارد واستخدام الموارد المتاحة بشكل فعال. يتطلب الأمر أيضًا تشجيع الأفراد على تقديم تضحيات مادية ومعنوية. تشمل هذه الموارد المال، والوقت، والخبرة، والشبكات الاجتماعية، ووسائل الإعلام، بالإضافة إلى القيم المعنوية التي يمكن أن تثير ردود فعل في المجتمع. يؤكد أولئك الذين يسلطون الضوء على أهمية الموارد على أن الغضب موجود في كل مكان، لكنه ليس العامل الحاسم بمفرده، بل إن المجموعات التي تعرف كيف تستغل الموارد بشكل جيد هي التي تحقق النجاح في النهاية. تؤثر خصائص الأعضاء أيضًا على استراتيجيات جمع الموارد. في الولايات المتحدة، تقوم الحركة النسوية بجمع الأموال من أعضائها وتعمل كوكالة ضغط، بينما تعتمد حركة الأسرة المحافظة على الشبكات الاجتماعية التي تتكون حول الكنيسة. كما أن تكتيكات الحركات الاجتماعية متنوعة للغاية، حيث تسعى للتأثير على ثلاثة مجالات رئيسية: (أ) السياسة، (ب) القضاء، و(ج) الإعلام أو الرأي العام. وبالطبع، يطورون تكتيكاتهم بناءً على الأهداف التي يرغبون في التأثير عليها، مثل الاعتصامات، العصيان المدني، المقاطعة، حملات التوقيع، والاحتجاجات. إن أحد أهم قضايا الحركات الاجتماعية هي تطوير الخطاب. فالخطاب هو الأداة التي من خلالها تقوم الحركات بتعريف المشكلات واقتراح الحلول، مما يجعله محوريًا في تأثيرها. استراتيجيات الخطاب مهمة للغاية، فمن خلال تحديد المشكلة وتقديم الحل، يمكن للحركات أن توسع نطاق التأييد الشعبي. لكن ليس كل القضايا الشائعة تتحول إلى مشكلات عامة، ففي بعض الأحيان، قضايا ضيقة النطاق قد تثير اهتمامًا واسعًا. هنا تأتي أهمية قوة المجموعات في تطوير خطاب مؤثر داخل النظام. ومع ذلك، يجب على هذه المجموعات أن تتوافق مع قيم المجتمع وثقافته لضمان أن تصل رسالتها بفعالية. في العصر الرقمي، نشهد تحولات في جميع المجالات، وستظل الحركات الاجتماعية من عوامل التغيير من الداخل، مسهمة بذلك في تشكيل المستقبل وتحقيق التقدم المنشود.
918
| 25 سبتمبر 2024
يُعَدّ التعليم من أهم العوامل التي تؤثر في الحراك الاجتماعي داخل المجتمعات الحديثة. ورغم الاهتمام الكبير الذي توليه هذه المجتمعات للتعليم، إلا أن طول فترة التعليم وارتفاع تكاليفها يحد من قدرة الجميع على الوصول إلى المستوى التعليمي المطلوب. إذا لم تعمل الدولة على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص للأطفال الفقراء، فإنهم سيظلون عالقين في دائرة الفقر، بينما يواصل الأطفال الأغنياء الاحتفاظ بمكانتهم المادية. وينطبق الأمر ذاته على مستوى الدول؛ إذ تستثمر الدول الغنية بشكل أكبر في التعليم، مما يسمح لها بالانتقال إلى اقتصادات ذات قيمة مضافة عالية، في حين تبقى الدول الفقيرة محصورة في الأعمال التي تعتمد على العمالة الرخيصة.عند ظهور الإنترنت لأول مرة، ساد تفاؤل واسع بأنه سيساهم في إزالة الفجوة التعليمية بين الأغنياء والفقراء، سواء على مستوى الأفراد أو الدول. حيث كان الاعتقاد السائد أن الإنترنت سيكون متاحًا للجميع بسهولة، مما سيحقق فرصًا متكافئة في التعليم. ومع ذلك، سرعان ما اتضح أن انتشار الإنترنت لم يكن متساويًا بين الجميع، بل أدى إلى تعميق الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة. وبنفس الطريقة، تزايدت الفوارق بين الطبقات الغنية والفقيرة داخل نفس الدولة.أطلق علماء الاجتماع على هذه الظاهرة مفهوم «الفجوة الرقمية»، وهي تعبر عن التفاوت بين الأفراد الذين لديهم إمكانية الوصول إلى أجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة والإنترنت، وبين من يفتقرون إلى هذه الإمكانية. ومع الانتشار الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي وظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبحت هذه الفجوة أعمق. في مجالات التعليم والعمل وحتى السياسة، بات الأفراد الذين يستطيعون الوصول إلى الإنترنت والمعلومات يتمتعون بمزايا تفوق بكثير أولئك الذين لا يملكون نفس الفرصة. تتأثر الفجوة الرقمية بعوامل مثل مستوى التعليم، مستوى الدخل، والفروقات الإقليمية، مما تؤدي إلى تأثيرات متفاوتة على فئات المجتمع المختلفة، بما في ذلك الجنس، العمر، والعرق. فلدى الرجال فرص أكبر للوصول إلى الإنترنت مقارنةً بالنساء، بينما تكون مهارات كبار السن في استخدام الإنترنت أقل من الشباب، وتعاني المجموعات السوداء من فرص أقل للوصول إلى الإنترنت بسبب الفقر والتمييز العنصري. هذه التباينات تؤثر بشكل مباشر على نجاحهم في مجالات التعليم وسوق العمل. أثناء جائحة كوفيد- 19، برزت أهمية الوصول إلى الإنترنت مجددًا عندما أصبح التعليم عن بعد ضروريًا. وبينما تلقى الشباب تعليمهم في المنازل لمدة تقارب السنة والنصف، كان الذين يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الإنترنت في وضع أفضل بكثير من غيرهم. فقد تمكن الطلاب الذين لديهم إنترنت من متابعة دروسهم عبر الإنترنت بسهولة، وأداء واجباتهم باستخدام المصادر المتاحة. ومع ذلك، فإن الطلاب الذين لم يكن لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت بسبب الفقر أو أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية، كانوا بعيدين ليس فقط عن معلميهم، بل أيضًا عن مصادر المعلومات.خلال فترة كورونا، كانت معرفة الوالدين بأساسيات الإنترنت مهمة جدًا في تكيُّف الأطفال وتطورهم التعليمي. إذ شكل استخدام تطبيقات مثل «زووم» وغيرها من المصادر الرقمية تحديًا كبيرًا، خاصة للأطفال الصغار ووالديهم. من جهة أخرى، يعاني بعض الشباب الذين يقضون أوقاتًا طويلة على الإنترنت من مشكلات مثل إدمان الإنترنت والألعاب، وهي مشكلات تظهر بشكل أكبر لدى الأطفال الأثرياء. هناك جهود تُبذل لتحسين الوصول الرقمي في المدارس. وعلى الرغم من أن الحكومات تسعى لضمان وصول الجميع إلى الإنترنت، فإن ذلك ليس سهلاً. فالقدرة على شراء أجهزة الكمبيوتر أو الهواتف المحمولة ليست متاحة للجميع بنفس السهولة. وللتغلب على هذا العائق في تركيا، قامت الحكومة بتوزيع أجهزة لوحية على طلاب التعليم الثانوي، وقدمت وزارة التعليم والمؤسسات الحكومية الأخرى مصادر تعليمية مجانية. على الصعيد العالمي، بدأ مشروع توزيع الأجهزة اللوحية على الدول الفقيرة تحت رعاية الأمم المتحدة لمحاولة سد الفجوة الرقمية، ولكن تأثيره كان محدودًا للغاية. قطر تساعد أيضًا الدول الفقيرة في التعليم الرقمي لكن توفير أجهزة الكمبيوتر لجميع الطلاب الفقراء في العالم هو أمر مستحيل. علاوة على ذلك، لا تزال هناك مناطق في إفريقيا تفتقر إلى الكهرباء، ناهيك عن الوصول إلى الإنترنت. نفس المشكلة تواجهها المناطق المتضررة من النزاعات مثل غزة والسودان بعد تدمير البنية التحتية التعليمية، مما يعيق حتى التعليم التقليدي، فضلاً عن التعليم الرقمي. باختصار، تجاوز سد الفجوة الرقمية لن يكون مهمة سهلة بالنسبة للجميع.
918
| 18 سبتمبر 2024
في الوقت الذي لا تزال فيه بعض المناطق في الدول الأفريقية تعاني من نقص في الكهرباء، تسعى القوى الكبرى ودول أخرى إلى تحقيق ميزة إستراتيجية من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي. هذه التقنية التي تعتمد على الآلات وأجهزة الكمبيوتر للتفكير والبحث والتحليل أصبحت تعرف باسم الذكاء الاصطناعي، وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي هو نتاج لعلم الحاسوب، إلا أنه يؤثر في العديد من العلوم الأخرى مثل البيولوجيا، علم النفس، والفيزياء. كما بدأ يلعب دورًا حاسمًا في العلاقات الدولية. ففي هذا المجال، يمكن للذكاء الاصطناعي مراقبة التطورات في الدول المنافسة، وتحليلها في الوقت الفعلي، مما يساعد على اتخاذ قرارات إستراتيجية فعالة تؤثر بشكل كبير على العمليات الدبلوماسية والسياسات الأمنية، هذا التأثير يمكن أن يعيد تشكيل أهم عوامل المنافسة في النظام الدولي بشكل جذري. يبدو أن الذكاء الاصطناعي سيصبح عاملاً حاسماً في إعادة تشكيل المنافسة والمزايا الاستراتيجية بين الدول، وتشمل العناصر الأساسية للمنافسة هياكل الأنظمة السياسية، وتوجهات القادة وقراراتهم، وبناء قوات عسكرية ذات كفاءة عالية، وتعزيز الأمن القومي، والحد من الإرهاب، وملاحقة المجرمين، والتفوق في تكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى تحسين كفاءة وفعالية المشتريات، وزيادة مستويات التعاون الدولي، وتعزيز المزايا التجارية. يمكن لكل من هذه العوامل أن يتأثر بشكل كبير باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يتيح فرصاً أكبر لتحسين الأداء وتحقيق التفوق الاستراتيجي. في المنافسة التجارية، يُمكّن الذكاء الاصطناعي الدول والشركات من تحسين عملياتها التشغيلية من خلال تحليل أسرع لتوازن العرض والطلب في الأسواق العالمية. وبهذه الطريقة، يمكنها اكتساب ميزة تنافسية اقتصادية وتعزيز مرونتها وكفاءتها في السوق العالمية، مما يتيح لها اتخاذ موقف أقوى. كما يسهم الذكاء الاصطناعي في تعميق المنافسة بين الدول والشركات من خلال خفض التكاليف وزيادة الربحية في مجالات التجارة والتعاون وبالتالي تعميق المنافسة بين الدول والشركات. في التجارة العالمية، تلعب تقنيات الذكاء الاصطناعي دورًا حيويًا في تحسين طرق التجارة وجعل العمليات اللوجستية أكثر كفاءة، كما تسهم بشكل كبير في إدارة سلاسل الإمداد. وهذا يمكّن الدول والشركات متعددة الجنسيات من تحقيق مزايا استراتيجية في التجارة الدولية. علاوة على ذلك، يساعد الذكاء الاصطناعي في إجراء تحليلات تنبؤية للمعاملات التجارية الدولية، مما يسهم في التكيف بشكل أسرع مع التغيرات في السوق. يمكن لهذه التقنيات أن تخفف من آثار الأزمات الاقتصادية وتقلل من مخاطر الاستثمار. من المنظور الأمني، أصبح الذكاء الاصطناعي ذا أهمية متزايدة. في عملية بناء قوة عسكرية فعالة، يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز المزايا الاستراتيجية للدول من خلال تحليل البيانات الضخمة والتنبؤ بالتهديدات المستقبلية المحتملة. كما تلعب الذخائر والأسلحة الذكية دورًا حيويًا في تحسين أنظمة المراقبة، وتحليل التهديدات المحتملة، وتعزيز الأمن السيبراني.تمتاز تقنيات الذكاء الاصطناعي بقدرتها على توقع الأزمات ومنع الصراعات، وهي قدرة ذات قيمة كبيرة. ومع ذلك، يمكن استخدامها أيضًا لإثارة الأزمات بين الدول، من خلال نماذج التنبؤ بالتوترات والصراعات، يتيح الذكاء الاصطناعي التنبؤ بالأزمات مسبقًا واتخاذ خطوات وقائية أو محفزة. على سبيل المثال، يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز الأنشطة التي تزيد من العنصرية والكراهية بين المجتمعات، وقد يتم استخدامه في سياقات مثل المجتمعات في الشرق الأوسط. يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل التهديدات الأمنية الوطنية والدولية لتطوير أنظمة إنذار مبكر. في مكافحة الإرهاب واعتقال المجرمين، تتيح التحليلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لقوات الأمن التصرف بشكل أكثر فاعلية وسرعة. تعزز قدرات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات والتنبؤ في اتخاذ القرارات من قبل الدول بشكل أسرع، وأكثر، وعيًا واستراتيجية. يمكن لهذه التقنيات تحسين تصرفات القادة، مما يساهم في تقليل عدم اليقين على الساحة الدولية ويؤدي إلى نظام عالمي أكثر قابلية للتنبؤ. وبالمثل، يمكن للمنظمات غير الحكومية والجماعات المعارضة استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير استراتيجياتها. كما يقدم الذكاء الاصطناعي حلولاً فعّالة في مجال الدبلوماسية. في عمليات المفاوضات الدبلوماسية، يمكنه تطوير اقتراحات توازن مصالح الأطراف، مما يساعد على تسريع وتيرة العملية الدبلوماسية. من خلال المحاكاة السلوكية المستقبلية للأطراف المعنية، يمكن لمفاوضات الذكاء الاصطناعي تقديم نتائج مثلى، مما يعزز إمكانية التوصل إلى توافق في العلاقات الدولية. ومع ذلك، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي أيضًا من قبل القوى التي تسعى إلى تعزيز الصراعات بدلاً من التفاهم. سيكون الذكاء الاصطناعي عاملاً مهمًا في تشكيل العلاقات الدولية في المستقبل.
2382
| 11 سبتمبر 2024
تعود العلاقات بين تركيا ومصر إلى العصور القديمة، حيث استقر الأتراك في مناطق مثل الأناضول وسوريا قبل وصولهم إلى مصر. بعد سقوط العباسيين، تعززت الروابط بشكل كبير خلال العصور المملوكية والعثمانية. تبقى الروابط الاجتماعية والثقافية بين البلدين قوية، مثل وجود أصول تركية في مصر واستخدام كلمات تركية باللهجة المصرية. رغم أن الحرب العالمية الأولى فرقت بين الشعبين، إلا أن كلا البلدين دعما بعضهما في معركة الاستقلال بين عامي 1919 و1922. فصلت معاهدة لوزان بين شعوب المنطقة، لكن التأثير العثماني في مصر استمر حتى عام 1952. بعد ذلك، وُضعت خطط حالت دون تعزيز العلاقات بين البلدين، خصوصًا خلال فترة حكم أنور السادات، رغم تحول السياسة الخارجية لكلا البلدين نحو الولايات المتحدة. في الثمانينيات، عارضت تركيا ومصر الغزو الروسي لأفغانستان، بينما دعمت مصر صدام حسين في الحرب العراقية الإيرانية، والتزمت تركيا بالحياد. خلال أزمة الكويت في التسعينيات، لعبت مصر وتركيا دورًا في إخراج العراق من الكويت. في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، رفضت الدولتان الغزو الأمريكي للعراق، ومع صعود حزب العدالة والتنمية في تركيا، تحسنت العلاقات مع مصر بشكل ملحوظ. بعد الربيع العربي وعودة مصر إلى النظام القديم تحت قيادة عبد الفتاح السيسي، تصاعدت التوترات بين تركيا ومصر، مما أدى إلى قطيعة طويلة بين الجانبين. خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية، تغيرت التوازنات العالمية والإقليمية بشكل ملحوظ. من بين هذه التغيرات، نذكر انتهاء الحصار على قطر، وفشل انقلاب خليفة حفتر في ليبيا، وظهور تعقيدات جديدة في اليمن، بالإضافة إلى جائحة كوفيد-19، وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، والحرب في أوكرانيا، والحرب الأهلية في السودان، وأخيرًا الهجوم الإسرائيلي على غزة. كل هذه الأحداث أثرت بشكل كبير على العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا. ومع استمرار القضايا المعقدة مثل التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط والأزمة في ليبيا، أصبح الحوار بين البلدين أكثر إلحاحًا من الصراع. من أبرز القضايا التي تعزز التعاون بين تركيا ومصر هي مسألة تقسيم المناطق الاقتصادية الخالصة في شرق البحر الأبيض المتوسط. تتوافق رؤية تركيا بشأن تقسيم هذه المناطق مع مصالح مصر وليبيا، رغم أن الاتفاق بين تركيا والحكومة الليبية الشرعية كان خطوة غير مرغوب فيها بالنسبة لمصر، التي دعمت سياسيًا قائد الانقلاب خليفة حفتر. ومع ذلك، لم تشهد العلاقات بين البلدين توترًا شديدًا. في الواقع، يعد استقرار وتنمية ليبيا مهمًا لكلا البلدين. بالرغم من محاولات بعض الدول لتشجيع مصر على دعم حفتر، إلا أن إدارة السيسي اختارت عدم الانخراط في هذا الصراع. في السنوات الأخيرة، ظهرت ثلاثة تطورات رئيسية تثير قلق مصر. أولاً، سد النهضة الذي بنته إثيوبيا على نهر النيل وبدأت في ملئه، مما يشكل تهديدًا لمصادر المياه الحيوية لمصر. ثانيًا، الحرب الأهلية السودانية تسببت في نزوح ملايين السودانيين إلى داخل البلاد، مما أثر أيضًا على مصر التي استقبلت عددًا كبيرًا من هؤلاء اللاجئين. ثالثًا، حرب غزة التي زادت من التوترات في المنطقة، بما أن غزة جارة لمصر وتأثرت بشكل كبير بالأزمة هناك. في ظل هذه التطورات، تعرضت مصر لضغوط متزايدة للتدخل بشكل أكبر في الساحة الدولية والمحلية. من بين القضايا التي تساهم في تعميق الشقاق بين تركيا ومصر هي مسألة لجوء ممثلي جماعة الإخوان المسلمين إلى تركيا. على الرغم من أن تركيا توفر لهم اللجوء بشكل مشابه للدول الغربية، فإنها تتجنب استفزازهم سياسيًا. في هذا السياق، قد يسهم تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر في تخفيف حدة المعارضة، كما حدث خلال فترة أنور السادات، أو قد تقوم تركيا بدور الوسيط في حل هذه القضية. على الرغم من تضييق العلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر في الفترة الأخيرة، فإن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لم تتأثر. تواصل تركيا استيراد مجموعة متنوعة من المنتجات من مصر، بما في ذلك السلع الصناعية والاستهلاكية، فضلاً عن الغاز الطبيعي والمنتجات الغذائية. من ناحية أخرى، تواجه مصر تحديات اقتصادية كبيرة وتسعى للاستفادة من الإنتاج التركي والإمكانات الاستثمارية لتعزيز اقتصادها. في الوقت نفسه، ترى تركيا في مصر بوابة استراتيجية إلى أفريقيا والعالم العربي، حيث يقترب إجمالي عدد السكان من 200 مليون نسمة، مما يعزز الإمكانيات التجارية بين البلدين.
1668
| 05 سبتمبر 2024
المعرفة هي أساس كل شيء والإنسان عدو ما يجهله، إن العديد من المشكلات التي نواجهها اليوم تنبع من نقص المعرفة أو المعرفة المشوهة، في عصر المعلومات والعولمة، يبدو أن لدينا الكثير من المعلومات ولكن لا يتم استخدامها بشكل بناء، ولا تتحول إلى معرفة مفيدة، بالطبع، تزعم منصات التواصل الاجتماعي أنها ضد خطاب الكراهية وتحظرها قدر الإمكان، لكن المنشورات المعادية للمسلمين أو العرب أو الأتراك يتم منحها لمسة إضافية عمدًا بواسطة خوارزميات هذه المنصات، على العكس من ذلك، يتم حذف المنشورات ضد إسرائيل والصهيونية تلقائيًا أو تقليل عرضها وتفاعلها، النتيجة الطبيعية لهذا التطور هي صورة مشوهة للعالم الإسلامي والقضايا الإسلامية. في نفس الوقت، لدينا فرص مجانية وغير مكلفة نسبيًا لنشر المعلومات والمعرفة عبر الإنترنت لرواة الحقيقة ولنشر المعلومات أو المعرفة الحقيقية، نحتاج إلى إنتاج معلوماتنا وتحليلاتنا ومعارفنا العلمية في العالمين العربي والتركي، على سبيل المثال، نحتاج إلى دراسة تاريخنا من مصادرنا الخاصة مثل الأرشيف العثماني أو المصري أو التونسي. وبالمثل، تغطي وسائل الإعلام الغربية الأحداث الجارية في العالم الإسلامي بشكل متحيز وتضخم التطورات السلبية وتقلل من شأن التطورات الإيجابية، ويهدف البعض إلى تشويه الواقع عمدًا بينما يحدث بعض التحيز عن غير قصد. ولهذا الغرض، فإن الإنتاج المشترك للمعلومات والمعرفة الصحيحة في الدوائر الأكاديمية التركية والعربية أمر بالغ الأهمية، والخطوة الثانية هي مشاركة هذه المعلومات بين بعضنا البعض ومع العالم أوسع، ولكن هناك حاجزا لغويا بين الجانبين، وبسبب التوجه الغربي للكمالية، لا يتحدث الأكاديميون الأتراك اللغة العربية عمومًا، وينطبق وضع مماثل إلى حد ما على العلماء العرب الذين لا يتحدثون التركية، في الواقع، اعتاد العلماء العرب والأتراك على التفاهم بشكل جيد جدًا قبل حوالي 120 عامًا، حيث تم تدريس اللغة العربية على نطاق واسع في المدارس والجامعات العثمانية، وبالمثل، اعتاد العلماء العرب دراسة اللغة التركية العثمانية التي كانت قريبة جدًا من العربية أيضًا. في عصر العولمة والذكاء الاصطناعي، لا يمكن لحاجز اللغة أن يعيق التواصل والتعاون بين العلماء العرب والأتراك لأنهم يستطيعون قراءة كتابات ومنشورات الآخرين بسهولة من خلال الترجمة الآلية، علاوة على ذلك، يتحدث الجانبان اللغة الإنجليزية بشكل عام ويقرؤون المنشورات الأكاديمية لبعضهما البعض، يلتقي العديد من هؤلاء العلماء في مؤتمرات دولية في الغرب، ولكن العادة القديمة المتمثلة في إعطاء الأولوية للغرب لا تزال تعرقل التفاعل النشط، نشهد تنظيم العديد من المؤتمرات الثنائية التي تسمى بعربية أمريكية، أو تركية أمريكية، أو ألمانية عربية، أو ألمانية تركية حول مواضيع مختلفة، ومع ذلك، نادرًا ما نجد مؤتمرًا يحمل اسم «عربي تركي أو تركي سعودي، الخ» في العديد من المجالات الممكنة. إدراكًا للحاجة إلى المزيد من التعاون الأكاديمي بين الجانبين، بدأت شخصيًا في تنسيق العديد من المؤتمرات العربية التركية للعلوم الاجتماعية (ATCOSS) التي عقدتها جامعة القاهرة وجامعة عثمان غازي ومركز أبحاث تركي منذ عام 2010، بدأت في أنقرة وتكررت كل عام في مدن مختلفة، وهي القاهرة وإسطنبول وعمان ومراكش، لكنها توقفت بعد ذلك، لقد عُقدت مؤتمرات مشتركة أخرى ولكن لا يزال أمامنا طريق طويل لنصل إلى المستوى الكافي، وأنا شخصيا أشجع هذا التعاون الأكاديمي في كل المجالات وأسعد عندما أرى بعض المنتديات أو اللقاءات الأخيرة بين الدول العربية والتركية في آسيا الوسطى مثل أذربيجان وأوزبكستان وتركمانستان. هناك العديد من الجامعات الغربية الناجحة في الدول العربية وتركيا، ونحن بحاجة أيضا إلى جامعات تركية في الدول العربية وجامعات عربية في تركيا، أو على الأقل جامعات مشتركة مثل الجامعات والمؤسسات التركية العربية أو القطرية التركية أو الجزائرية التركية. ويمكن للجامعات أن تقدم شهادات مشتركة بينما يمكن للأقسام والمعاهد ومراكز البحوث أن تنظم معاً ندوات وتنشر الكتب والمجلات، ومن الطرق السهلة الإشراف المشترك على الأطروحات (الماجستير أو الدكتوراه) من قبل علماء أتراك وعرب. على سبيل المثال، يمكن للطالب التركي الذي يدرس الجانب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للمجتمع العربي أن يكون لديه مشرف من الجانبين، وبالمثل، يمكن لبرامج الدرجات المشتركة في التاريخ والعلاقات الدولية والإدارة والاقتصاد واللغات العربية والتركية أن تسمح لطلابها بالدراسة لمدة عامين في تركيا وسنتين في دولة عربية. ما زال الطريق طويلا، ويلزم أن نبدأ من خلال مذكرات التفاهم وتنسيق فعاليات صغيرة بخطوات صغيرة، حيث «إنما الأعمال بالنيات».
1359
| 28 أغسطس 2024
مع انتشار الإسلام في بلاد الشام وشمال أفريقيا والأندلس بعد ظهوره حاول العالم الكاثوليكي بقيادة البابا طرد المسلمين من أراضيهم عبر الحروب الصليبية. هاجم الصليبيون منطقة الشام بحجة حماية الأراضي المقدسة، لكن جيش صلاح الدين الأيوبي طردهم عام 1187، إلا أنهم واصلوا هجماتهم على المنطقة برا وبحرا خلال القرون التالية. كانت هناك 6 حملات صليبية كبرى بعد صلاح الدين والعديد من الحملات الصليبية الصغرى الأخرى. وكانت الحملة الصليبية السابعة ذات أهمية خاصة حيث جاء الملك الفرنسي إلى دمياط وتم صده عام 1250 لكنه عاد مرة أخرى إلى تونس بعد 20 عامًا وقُتل في تلك المرة (الحملة الصليبية الثامنة). أوقفت الدولة العثمانية معظم الحروب الصليبية التالية في أوروبا الشرقية، وكان انتصار فارنا حاسماً بشكل خاص في عام 1444. وبعد سقوط الأندلس، استهدفت عدة حملات صليبية الأراضي العربية والإسلامية في الغرب. أول استعمار بحري جاء على يد البرتغال وإسبانيا حيث قسم البابا ليو العاشر العالم من أجل استعمارهما. أطلق الصليبيون الجدد على أنفسهم اسم الفاتحين وحملتهم كانت مبنية على الدين والمجد والذهب. على سبيل المثال، هاجم الإمبراطور شارل الخامس تونس عام 1535 والجزائر عام 1541 والإسبانيون هاجموا على المهدية في تونس عام 1390. وعلى الرغم من أنه كان علمانيًا، إلا أن هجوم نابليون على مصر عام 1798 يمكن اعتباره حملة صليبية أخرى. من المحتمل أن الحملة الصليبية الأكثر أهمية والتي مرت دون اهتمام كبير جاءت في حرب وادي المخازن في المغرب عام 1578، والتي دفنت الإمبراطورية البرتغالية في التاريخ. وبدعم روحي من البابا، سيطرت البرتغال على مناطق مهمة في الهند، وإفريقيا، والخليج العربي، وأمريكا. وقد صد الجيش العثماني جهودهم للسيطرة على المحيط الهندي بما في ذلك الخليج العربي والبحر الأحمر خلال معظم القرن السادس عشر. كان هناك صراع طويل بين الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية البرتغالية من أجل السيطرة على المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط. وآخر هذه الصراعات كانت حرب وادي المخازن أو حرب ثلاثة ملوك. وتمشيا مع المنطق الصليبي، حرصت البرتغال على غزو المغرب منذ قرن من الزمان، لكن وحدة البلاد والتضامن مع الدولة العثمانية التي وحدت شبه الجزيرة العربية مع المغرب العربي تحت الخلافة العثمانية، حال دون ذلك. عند وفاة السلطان السعدي عبد الله الغالب عام 1574، ورث ابنه محمد الثاني المتوكل العرش لكن عمه عبد الملك أسقطه من العرش بدعم روحي وعسكري من الدولة العثمانية عام 1574. طلب المتوكل المساعدة من الملك البرتغالي سيباستيان الذي أراد أن يحقق حلمه السيطرة على المغرب. وقاد سيباستيان، الذي كرّس كل موارده تقريبًا لهذه الحرب، جيشًا قوامه حوالي 20 ألف جندي ونبلاء إلى جانب جيش المتوكل المخلوع. وكان جيشه يشبهه الحملات الصليبية بدوافعها الدينية، وكان قوامه 2000 متطوع من إسبانيا، و3000 مرتزق من الفلمنكيين وألمانيا إلى جانب 600 إيطالي، بإجمالي حوالي 30 ألف جندي. من ناحية أخرى، وصل عدد الجيش المغربي إلى 40 ألفًا بدعم عثماني من ولاية الجزائر. يقول المؤرخون البعض إن القادة العثمانيين قادوا إدارة الحرب. وكانت النتيجة انتصار الجيش المغربي بمساندة الجيش العثماني الجزائري بعد نصف يوم من المعارك العنيفة التي قتل فيها ثلاثة ملوك. غيّر الانتصار مجرى التاريخ حيث اختفت البرتغال كقوة عظمى من الساحة العالمية وأجل الاستعمار الغربي للأراضي العربية نحو 3 قرون. إلا أن هذه الحرب الكبرى تم تجاهلها لعدة أسباب. الأول: أن المؤرخين الغربيين لا يهتمون بالموضوع لأنه يدل على قوة المسلمين، على عكس اليوم. ثانياً، حدث النصر في عهد السلالة السعدية، ثالثًا، أهمل المؤرخون الأتراك أيضًا هذا الحدث من بين أحداث أخرى، إن لم يتم التعتيم عليه عمدًا. رابعاً، الدراسة الشاملة للحدث مهمة صعبة لأنها تتضمن الأدبيات والوثائق باللغات العربية، والتركية العثمانية والإسبانية والبرتغالية. السؤال يطرح نفسه لماذا سيطرت البرتغال على العديد من الأماكن حول العالم ولم تستطع أن تسيطر على المغرب والجواب يكمن في قوة الوحدة. في النهاية، فإن هذا الانتصار العظيم المنسي في التاريخ له دلالات كثيرة للشراكة العربية التركية اليوم.
1023
| 21 أغسطس 2024
بعد انهيار الخلافة العثمانية، تأسست تركيا كدولة حديثة على النمط الغربي تقوم على القومية العلمانية. حاول المؤسسون الحد من دور الإسلام بقطع كل الروابط تقريبًا مع الماضي. بسبب استبدال الأبجدية العربية بالأبجدية لزم إعادة كتابة كل النصوص الدينية لتعليم الجمهور التركي بالدين. تم تقليص دور الإسلام بشكل كبير بالتحول من الخلافة إلى مديرية الشؤون الدينية (Diyanet İşleri) ولكن العلماء والشعب بذلوا جهوداً كبيرة للحفاظ على دينهم. على الرغم من دورها التابع للسلطة، لم تخدم مؤسسة الديانة في إضفاء الشرعية على السياسات العلمانية للنظام الجديد ولكنها حاولت تعليم الإسلام قدر الإمكان. ظهر العديد من المديرين البارزين لمؤسسات الديانة ذوي المعرفة والكاريزما في 100 عام. كان طيار ألتيقولاتش أحد أولئك الذين تركوا إرثًا كبيرًا أثناء خدمتهم في فترة صعبة بعد الانقلاب العسكري عام 1980. بالتعاون مع حكومة تورغوت أوزال المدنية، استفاد من تراخي الدولة فيما يتعلق بالإسلام في مواجهة التهديد المتزايد للشيوعية ومطالب الجمهور القادمين من المناطق الريفية. كان مشروعه الرئيسي هو إنشاء مركز إسام للدراسات الإسلامية (ISAM) بتمويل من مؤسسة الديانة في عام 1983. أصبح مركز إسام مركزًا للدراسات والبحوث الإسلامية جنبًا إلى جنب مع مشاريعه الرئيسية الأخرى: (أ) موسوعة الإسلام، (ب) مكتبة كبيرة ومركز توثيق، (ج) إرسال طلاب الدراسات العليا إلى الخارج، (د) تقديم المؤسسة لخدمات دينية للمسلمين في أوروبا و(هـ) جامعة 29 مايو. حقق كل من هذه المشاريع نجاحًا كبيرًا ومن المحتمل أن يكون لها تأثيرات دائمة في الحياة الفكرية والدينية في تركيا. كان أهم مشروع للمركز هو إنتاج موسوعة الإسلام التي نشرت أول مجلد لها عام 1988 واكتملت بـ 46 مجلدًا في عام 2016. ساهم أكثر من ألفين باحث في كتابة المقالات من جميع أنحاء العالم. تضمنت الموسوعة حوالي عشرين ألف موضوع متعلق بالإسلام والتاريخ والحضارة الإسلامية وكذلك المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم وهي مفتوحة للجميع مجانا عبر الإنترنت منذ عام 2014. يحتوي موقعها الإلكتروني الجديد على واجهة بسيطة مع إمكانيات بحث متقدمة. وكذلك نُشرت الموسوعة المختصرة للإسلام باللغة الإنجليزية في ثمانية مجلدات (2019). تُرجمت إلى اللغة الروسية وستتبعها لغات أخرى. كما أنتج المركز موسوعة إسطنبول في 10 مجلدات تحتوي على 363 مقالاً و4000 مادة بصرية عالية الجودة، مثل الخرائط والمنمنمات والنقوش واللوحات والوثائق الأرشيفية. بالإضافة إلى ذلك، أنتج مركز إسام ما يقرب من 260 كتابًا مرجعيًا. ويعمل المركز حالياً على مشروع الموسوعات الموضوعية بمشاركة 18 لجنة أكاديمية تضم 130 خبيراً. وستغطي الموسوعات الموضوعية مثل الاقتصاد والتمويل الإسلامي، والموسيقى الدينية في العالم الإسلامي، والحج، والأديان العالمية، والفقه، والتاريخ الإسلامي الكلاسيكي للعلوم، وأفريقيا، والحديث، والفكر السياسي الإسلامي، والدول والمجتمعات الإسلامية المعاصرة، والأخلاقيات الحيوية الإسلامية وأدب العالم الإسلامي، والمذاهب الإسلامية، والتصوف. وقد أطلق المركز مؤخراً قاعدة بيانات عن العلماء المسلمين. تأسس مركز أبحاث إسام بالتزامن مع مشروع الموسوعة، ولكنه لا يزال يخدم النشاط العلمي حتى بعد اكتمال الموسوعة. وقد أُنشئت مكتبته الضخمة في عام 1984 لجمع المنشورات اللازمة لإعداد موسوعة ديانت للإسلام. وتستضيف المكتبة 347.000 كتاب، و237.000 إصدار من 4.253 مجلة، و23.670 سجلاً للمحكمة العثمانية، كما تم التبرع بالعديد من المكتبات الخاصة. وتجذب صالات الدراسة المريحة الباحثين وخاصة طلاب الدراسات العليا حيث يفضل بعض الأساتذة البحث في المركز عن مكاتبهم في الجامعة. ويسمح فقط لطلاب الدراسات العليا والأكاديميين والباحثين المستقلين باستخدام المكتبة التي تفتح أبوابها من الساعة 9.00 صباحًا حتى 11.00 مساءً كل يوم. قدم المركز الدعم الأكاديمي والمالي لطلاب الدراسات العليا والبحوث في الخارج. واستفاد من المنح الدراسية 149 طالبًا حيث أكمل 62 درجة دكتوراه حتى الآن. ويدعم المركز بعض برامج التدريب الجامعي والصيفي في الداخل. ينتشر معظم الأكاديميين والباحثين في جامعات البلاد بينما يعمل آخرون في المركز كباحثين. وباعتباره مشروعًا فريدًا من نوعه للنشر الإسلامي ومرافق البحث، فإن مركز إسام هو مشروع حضاري وفكري ضخم يخدم الحفاظ على التراث الإسلامي في تركيا والخارج. أخيراً أود أن أقول إن كل المدن الإسلامية تحتاج إلى مكتبات وإمكانيات بحثية مثل إسام.
1470
| 14 أغسطس 2024
بات من الواضح أنّ العالم يمرّ باضطرابات جدّية، لكن العالم الإسلامي أكثر من يعاني. من المجازر الإسرائيلية في غزة وحتى الهجمات على المسلمين في الغرب، والانهيار المفاجئ للأسواق العالمية واحتمالية الحرب الإقليمية، سمع العالم إعلان إنهاء بنغلادش لحكم حسينة الذي دام ١٥ عاما بعد انتفاضة شعبية كبيرة انتهت بانقلاب يشبه الثورة. سيكون لهذه الحادثة تداعيات للجيوسياسيا الآسيوية والعالمية كذلك. كون بنغلاديش بوابة تصل بين شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا، فهي مهمة للتجارة العالمية واستراتيجية الولايات المتحدة والهند والصين واليابان وأستراليا وروسيا لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وهي رابع أكبر دولة مسلمة مع ما يقارب ١٦٠ مليون نسمة، وبما أنّهم دخلوا الإسلام تحت الحكم التركي البابري، فقد كانت لهم علاقات قوية مع الخلافة العثمانية كسائر المسلمين الهنود. وتستضيف الدولة أكثر من مليون مسلم من الروهينغيا الذين فرّوا من الإبادة العرقية والدينية في ميانمار. في العام الماضي مرت باكستان باضطراب سياسي عندما أقصى الجيش وحلفاؤه السياسيون رئيس الوزراء عمران خان، ما أدى لاحتجاجات جادة من مؤيدي عمران خان، إلا أنّ ذلك لم يحل بينه وبين الاعتقال والسجن. وفي بنغلادش، حوّلت شيخة حسينة الدولة إلى حليف للهند وإلى دولة فقيرة مع ٢٥٠٠ دولار في إجمالي الناتج المحلي للفرد الواحد بحسب البنك الدولي . هناك صراع أيديولوجي في بنغلادش يعود لفصل الدولة عن باكستان عام ١٩٧١. شكّلت الخيانة أساس هذا الاضطهاد حيث عارضت الأحزاب الإسلامية كالجماعة الإسلامية الانفصال عن باكستان. قضت حكومة حسينة على غالبية المعارضين وخاصة المعارضة الإسلامية من خلال شنق قادتها. وأرادت الحكومة مكافأة داعميها من خلال تشريع ذلك التمييز بحجة دعم حركات الاستقلال بتخصيص نصف الوظائف الحكومية لمجموعات معينة. وقالت المعارضة إنّ الهندوس وجماعات إثنية ودينية وأيديولوجية مقربة من النظام ستستفيد من تلك السياسة. خلق ذلك ضجة واسعة في دولة فقيرة ذات ١٨ مليون من الشباب العاطلين عن العمل بحسب الأرقام الرسمية. بدأت الاحتجاجات سلمية ضد نظام الحصص التمييزي في الشهر الماضي، لكن حكومة حسينة اختارت قمعها من خلال السماح للشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين، وقتل ٣٣٠ مواطناً بحسب الأرقام الرسمية، إلا أنّ الاحتجاجات ازدادت قوة. وبعد هذه الأحداث المأساوية، حاولت الحكومة إلقاء اللوم كله على خصمها، الجماعة الإسلامية، وقامت بحظرها. رفض الطلاب المحتجون وعامة الناس هذه الاتهامات واستمرت بمطالبتها استقالة حسينة حتى بعد سحب القانون التمييزي من قبل المحكمة العليا. إلى جانب الاحتجاجات، بدأ ملايين من المواطنين حركة عصيان مدني ضخمة حيث رفضوا دفع الضرائب وامتنعوا عن الذهاب إلى العمل لشلّ الحياة الاجتماعية والاقتصادية على نطاق غير مسبوق. ازداد الضغط الشعبي المنظم على حكومة حسينة بدعم من المحتجين من مختلف الأعمار، وبعد رؤية حجم الاضطراب الشعبي وتصاعد إراقة الدماء، أعلن جيش بنغلادش أنه سيمتنع عن إطلاق النار على المواطنين، وشكّل ذلك أملاً مضافاً للمحتجين لإطاحة الحكومة. إلا أنّ الشرطة استمرت بقمع الطلاب والمحتجين، وتوالت أخبار مقتل المحتجين من مناطق مختلفة وارتفع عدد الوفيات لأكثر من ٤٥٠ بحسب معلومات رسمية، وتقول مصادر غير رسمية إنّ الرقم يساوي ١٢٠٠. بعد هذا الوضع المتوتر، أعلنت حكومة حسينة رغبتها التفاوض مع الطلاب والجماعة الإسلامية، ورفض الطلاب التفاوض مع الحكومة التي ردت بقطع الانترنت وإعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجول، إلا أنّ المحتجين تجاهلوا ذلك. وفي السابع من أغسطس، أقال الجيش حكومة حسينة وشكل حكومة مؤقتة معبراً عن التزامه بمطالب الشعب، كما وعد بمحاكمة قتلة المتظاهرين. يريد الشعب الديمقراطية إلا أنّ التحول للديمقراطية ليس واضحاً لأنّ بنغلادش، مثل باكستان وغيرها من الدول المسلمة، تميل للوصاية العسكرية، كما تشكل هدفاً للتنافس العالمي. ستتجلى علامات الاتجاه المستقبلي قريباً ونتمنى الأفضل لشعب بنغلادش.
1044
| 07 أغسطس 2024
كان حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في باريس الأسبوع الماضي استعراضًا للقوة لفئة LGBT على نطاق عالمي. من رجل عارٍ يمثل العشاء الأخير ليسوع المسيح إلى أزياء المثليين والمتحولين جنسياً التي انتشرت في أروقة الحفل. لقد شهدنا ترويجاً رسمياً لأسلوب حياة الفوضى الجنسية من قبل الغرب. في افتتاح الألعاب الأولمبية، أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون «هذه هي فرنسا» كترويج لثقافة LGBT. ومع مرور الوقت، تزايد عدد الحروف التي تمثل هذه الجماعة، من LG (تمثل المثليات والمثليين) إلى أن وصل حالياً إلى+LGBTQIA. من الصعب تتبع معنى كل هذه الرموز ولكنك تشعر أن هنالك جماعات ضغط قوية تقف وراءهم. إن الترويج لأسلوب حياة LGBT ليس شيئًا جديدًا، إلا أنه حالياً يتم الترويج له ونشره في العالم من خلال الأفكار الليبرالية العالمية خاصة تحت إدارة بايدن الأمريكي. إنها مدعومة رسميًا من الدول الغربية ومعتمدة من قبل وسائل التواصل الاجتماعي والأفلام الأمريكية ومنصات الترفيه مثل نت-فليكس. ومثلما انتقاد إسرائيل يُصنف على أنه معاداة للسامية، فإنهم يصنفون انتقاد نمط حياة المثليين على أنه «رهاب المثلية» أو «التمييز» ضد فئة من البشر. على سبيل المثال، عندما تنشئ حسابًا جديدًا على أي من منصات التواصل الاجتماعي، بدأوا في تقديم خيارات إضافية في خانة الجنس. كما يتم الترويج للمثليين أو غيرها من ظواهر الإباحية الأخلاقية والدفاع عنها من قبل الليبراليين وأنصار العولمة. لدى الدول الغربية مجتمعات محافظة لكنها خسرت بالفعل المعركة ضد هذه الليبرالية الثقافية الجديدة، حيث أصبح خطاب المثليين مهيمنًا جدًا في الفضاء العام الآن. على سبيل المثال؛ الجيش الأمريكي يقبل تطوع الذين يعلنون عن أنفسهم بأنهم مثليين في صفوفه منذ عام 2011، بعد مشوار طويل من السياسة السابقة «لا تسأل.. لا تخبر» التي تم اعتمادها في عام 1993. ومع ذلك، تقاوم بعض الجماعات والأحزاب المحافظة هذا الاتجاه في الغرب لكنها في موقف دفاعي. لقد لعب هذا الموقف دورًا واضحًا في الفوز السابق لدونالد ترامب في الولايات المتحدة، وميلوني في إيطاليا، وأوربان في المجر. يختلف ليبراليو اليوم عن الليبرالية الكلاسيكية التي تتصور الحرية والتحرر في الاقتصاد والسياسة بدلاً من الأخلاق. كذلك يمكننا ادراج الليبرالية العربية والتركية ضمن الفئة الكلاسيكية بدرجة أقل قليلاً. وذلك لأن القيم الأخلاقية الإسلامية لا تزال مهيمنة في مجتمعاتنا في مجال الزواج والأسرة والجنس والانجاب. ومن المثير للاهتمام أن الليبراليين الأتراك أكثر انفتاحًا في تبنيهم للقيم الغربية وأن الليبراليين العرب يدعمون الحرية في الشؤون الاجتماعية والثقافية ولكنهم يقلون في دعمهم في المجالات السياسية والاقتصادية. وذلك لأن تركيا كانت معرضة لسياسات التغريب لفترة طويلة، لكن القيم الأسرية لا تزال قوية في المجتمع التركي. إن جماعة المثليين ليست قوية في تركيا لكنهم يستمتعون بأجواء الحرية العامة ويتحدثون بصوت عال بدعم من رعاتهم الغربيين. في السياق الإسلامي، لا تزال القيم الإسلامية والأسرية قوية ولكننا لسنا معفيين من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت والعولمة. في مقال سابق ناقشت «فقدان الأسرة والمؤسسات التعليمية السيطرة على تعليم أولادنا». بالإضافة إلى الدعم المفتوح لهذه الثقافة، تخصص جماعات الضغط الليبرالية والعالمية أموالاً ضخمة للدعاية للمثليين من خلال الأفلام ومؤثري اليوتيوب وشخصيات وسائل التواصل الاجتماعي. وبالطبع، تؤثر هذه الدعاية على عقول شبابنا نسبيا حول موضوع الزواج والأسرة والجنس. من ناحية أخرى، يستمر الغرب في دعم الحركة النسوية وكأن النساء والرجال يجب أن يكونوا أعداء بدلا من أن يكونوا شركاء. ومع ذلك، فإن حركة المثليين أكثر خطورة من النسوية. نحتاج إلى ملاحظة أن بعض المحاكم الأوروبية تأخذ أطفال المهاجرين المسلمين بالقوة وتعطيهم للأزواج المثليين. ونتوقع أن يؤدي التقدم الجريء لثقافة المثليين إلى المزيد من المقاومة من الثقافات المسيحية والإسلامية وغيرها من الجماعات الدينية التي تدافع عن اتحاد الأسرة المكونة من الرجل والمرأة. إن التعاون المسلم المسيحي معرقل في سياق الدعم الأعمى في العالم المسيحي لإسرائيل والاستقطاب العالمي القائم على الدين بدلاً من الاستقطاب بين قيم الأسرة وقيم المثليين. في العالم المتحول وعهد الصراعات، يتوقع البعض حرباً علمية بين أمريكا والصين أو بين الشرق والغرب، فإن الحرب العالمية القادمة ستكون على القيم المعنوية إلى جانب القيم المادية.
663
| 31 يوليو 2024
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
4326
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
4059
| 25 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
3885
| 29 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
1521
| 26 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
1248
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1242
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1170
| 28 سبتمبر 2025
يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...
1047
| 24 سبتمبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1038
| 29 سبتمبر 2025
في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...
939
| 23 سبتمبر 2025
صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....
906
| 24 سبتمبر 2025
تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...
828
| 25 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية