رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يشكل المسلمون جزءًا كبيرًا من سكان العالم، وقد لعبوا دورًا هامًا في التاريخ. على الرغم من أن الإسلام ينظر إلى المسيحيين واليهود بإيجابية باعتبارهم أهل الكتاب، إلا أن العلاقات بينهم شهدت تقلبات على مر التاريخ. بعد انتشار الإسلام في الأراضي المسيحية، احترم المسلمون العقائد المسيحية وتعايشوا معهم بسلام لفترة طويلة. وعلى الرغم من الحروب الصليبية، حافظت الدولة العثمانية على تقليد التعايش السلمي. ومع ذلك، تدهورت العلاقات بعد صعود الغرب على حساب العالم الإسلامي، مما أثر سلبًا على صورة المسلمين.
كما أوضح ماكسيم رودنسون في كتابه «أوروبا وسر الإسلام»، لم تكن صورة الإسلام دائمًا سيئة في الغرب، بل كانت إيجابية في فترات مختلفة. أما اليوم، فإن صورة المسلمين تبدو سلبية بشكل عام في الغرب، وهذا الأمر ينعكس على بقية أنحاء العالم. والحقيقة أن معظم هذه السلبيات مبالغ فيها ولا أساس لها، لكن ذلك لا يغير من واقع الصورة السلبية. في هذا المقال، سنستعرض أسباب هذه المشكلة بالتفصيل. بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، كتب المنتصرون الغربيون تاريخًا سلبيًا للأتراك والعرب وأجزاء أخرى من العالم. وعلى الرغم من أن هذه الرواية تعرضت للطعن والتحدي من الداخل والخارج، إلا أنها لا تزال قائمة حتى اليوم.
ترتبط الصورة السلبية للمسلمين بعوامل تاريخية متعددة. بعد الفتوحات الإسلامية في آسيا وشمال إفريقيا والأندلس، شن الصليبيون حملات على المسلمين في بلاد الشام خلال القرون الأولى. كما أن توسع الأتراك في شرق أوروبا أثار حالة من الخوف، وتجسد ذلك في الشعار المعروف «الأتراك قادمون». إلى جانب ذلك، حدث التوسع الغربي والاستعمار في معظم الأحيان على حساب المسلمين، حيث استعمرت القوى الغربية العديد من الأراضي الإسلامية في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. أدى هذا الاستعمار إلى استغلال الموارد وقمع الشعوب، مما دمر الاقتصاد المحلي وأثار استياءً عميقًا ومقاومة قوية ضد القوى الغربية.
واليوم، لا يزال الصراع على النفوذ العالمي مستمرًا في الشرق الأوسط على حساب شعوبه، مع دعم أعمى من الغرب للدولة الصهيونية، بينما هناك جماعات ضغط قوية تسعى لتشويه سمعة العرب والمسلمين في هذا الصراع. لطالما حاولت إسرائيل تشويه صورة العرب والمسلمين على الصعيد الدولي. وقد برر الغرب تدخلاته في أفغانستان والعراق ودول إسلامية أخرى من خلال تشويه سمعة شعوبها. أصبح هذا الجهد جليًا بشكل خاص بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، التي نُسبت إلى أسامة بن لادن وبعض الشباب العرب. ومع ذلك، لم يتم البت في هذا الحدث حتى في المحاكم الأمريكية. ورغم ذلك، فقد أدى إلى تصاعد المشاعر المعادية للمسلمين في الغرب وحول العالم، حيث بدأت تُربط صورة المسلمين بالإرهاب.
كما ساهم التطرف والجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة في تعزيز الصورة السلبية للمسلمين. وعلى الرغم من أن المسلمين هم أيضًا ضحايا لهذه الجماعات، إلا أن حقيقة أن الإرهابيين يشوهون صورة المسلمين على مستوى العالم تبقى قائمة. بالإضافة إلى ذلك، تلعب وسائل الإعلام الغربية دورًا في تعزيز هذه الصورة السلبية من خلال المبالغة في بعض الأحيان وتشويه الحقائق المتعلقة بالمسلمين. يمكن ملاحظة ذلك في التغطيات الإخبارية وكذلك في أفلام هوليوود. كما يساهم الجهل بالإسلام على نطاق واسع في تعزيز الصورة السلبية عنه. وقد أدت الصراعات الكبرى في المنطقة إلى خلق ملايين اللاجئين، مما أسهم في تفاقم الكراهية ضد المسلمين، والتي تُعرف أيضًا باسم الإسلاموفوبيا.
أدى تدفق اللاجئين المسلمين من السوريين والأفغان والأفارقة إلى زيادة وضوح الرموز الإسلامية في الغرب، مما تسبب في مخاوف من عدم الاستقرار الاجتماعي والثقافي في الغرب. ولا تُعتبر العنصرية والتعصب العرقي أمورًا جديدة في الغرب؛ فالفاشية والنازية تمثلان أبرز أمثلة على هذه الآراء المتطرفة. سابقًا، كانت تلك الأحزاب اليمينية المتطرفة تستهدف دولًا أوروبية أخرى، لكنها بدأت مؤخرًا تستهدف اللاجئين أو المقيمين المسلمين كتهديد لأمنها وثقافتها. حتى إن بعض الدول تستثمر في تعزيز الصورة السلبية عن المسلمين، الذين يُلامون ظلمًا على الجرائم والبطالة والفقر. للأسف، يفتقر العالم الإسلامي إلى مؤسسة دولية قادرة على مواجهة هذا الاتجاه، حيث إن منظمة التعاون الإسلامي ليست فعالة جدًا في هذا الصدد، مما يعكس الوضع العام للمسلمين. سأقترح بعض الحلول لتحسين صورة المسلمين في المقال القادم.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
4038
| 25 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
3672
| 29 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
3522
| 26 سبتمبر 2025