رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تُعد قطر وتركيا دولتين مهمتين تبذلان جهودًا من أجل السلام الإقليمي والعالمي، وتدعمان بعضهما البعض في هذا الصدد. فقد قامت قطر بالوساطة في العديد من الأزمات، بما في ذلك أزمة غزة، بينما تبذل تركيا جهودًا للتخفيف من حدة العديد من الأزمات، وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية. في هذه المقالة، سيتم تحليل المرحلة التي وصل إليها الصراع الروسي الأوكراني، الذي أثّر على الأمن الغذائي والطاقة في العالم ووجّه الدول نحو زيادة الإنفاق الأمني، بالإضافة إلى دور تركيا في الوساطة. تتمتع تركيا بعلاقات ثنائية عميقة ومتعددة الأبعاد مع كل من أوكرانيا وروسيا. تُعد تركيا من الدول المؤهلة للقيام بدور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، وذلك بفضل ثقة الطرفين بها ومعرفتها العميقة بحساسية القضايا المطروحة بينهما. فقد تمكنت أنقرة في عام 2022، عقب اندلاع الحرب، من استضافت وزيري خارجية البلدين، في خطوة مثّلت تطورًا مهمًا في المساعي الدبلوماسية. كما لعبت تركيا دورًا بارزًا في معالجة أزمة تصدير الحبوب، حيث أسهمت في التوصل إلى اتفاق بين الطرفين. وخلال الحرب التي دخلت عامها الثالث، حافظت تركيا على موقفها كوسيط نزيه ومحايد، مما أتاح استمرار قنوات التواصل – وإن كانت غير مباشرة – بين الجانبين. وقد انضمت إلى جهود الوساطة دول أخرى، مثل المملكة العربية السعودية، لتقديم الدعم في هذا المسار. إلا أن تباعد المطالب بين روسيا وأوكرانيا حال دون التوصل إلى اتفاق حتى الآن. شهدت الفترة الأخيرة تسارعًا في الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب، حيث استضافت تركيا اجتماعين بين روسيا وأوكرانيا خلال شهر واحد. وقد أُثيرت احتمالية مشاركة كلٍّ من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في اللقاء الأول. وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد زار تركيا، غير أن غياب بوتين حال دون حضور ترامب كذلك. طالبت أوكرانيا بالحصول على ضمانات من الغرب ضد روسيا، كما أصرت على انسحاب روسيا من جميع الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. من جانبها، اعتبرت روسيا أن الدعم الغربي لأوكرانيا في تراجع، وبفضل النجاحات التي حققتها في ساحة المعركة، لم تُبدِ استعدادًا لتقديم تنازلات. وعلى الرغم من أن القمة عُقدت على المستوى المتوسط، فقد تمخضت عنها بعض النتائج الإيجابية، أبرزها الاتفاق على تبادل ألف أسير بين الطرفين، والاستمرار في عقد جولات تفاوضية مقبلة. أفادت المصادر الروسية بأن موسكو عرضت على كييف مسارًا تفاوضيًّا يتضمن خيارين رئيسيين لتسوية الصراع. الخيار الأول يشترط على أوكرانيا القبول بضمّ شبه جزيرة القرم كأمر واقع غير قابل للنقاش. أما الخيار الثاني، فيقضي بنزع سلاح أوكرانيا بالكامل، ووقف كل أشكال الدعم العسكري الغربي لها، إلى جانب تقديم ضمانات بعدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو». وفي سياق الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تهيئة الأرضية لجولة تفاوضية جديدة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات متتالية إلى كل من روسيا وأوكرانيا، في محاولة لتقريب وجهات النظر وتشجيع الطرفين على قبول وقف إطلاق النار. في الوقت نفسه، شنت أوكرانيا هجومًا غير متوقع على قواعد عسكرية تقع على بعد أربعة آلاف كيلومتر داخل الأراضي الروسية، مما تسبب في أضرار جسيمة للقوة الجوية الروسية. هذا الحدث الخطير وغير المسبوق رفع معنويات أوكرانيا بشكل واضح وأثر سلبًا على معنويات روسيا على طاولة المفاوضات. في ظل هذه التطورات الجدية، اجتمعت الأطراف مرة أخرى هذا الأسبوع في إسطنبول. وخلال المباحثات، تم تحقيق تقدم ملموس في القضايا الإنسانية، لا سيما في زيادة عدد تبادل الأسرى وتبادل جثث الجنود القتلى. وقد اقترحت روسيا وقف إطلاق نار لمدة يومين إلى ثلاثة أيام، بينما تطالب أوكرانيا بوقف إطلاق نار لفترة أطول. إن انتهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا، التي تشغل الساحة العالمية، يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز السلام العالمي. وتؤمن تركيا، بصفتها وسيطًا موثوقًا يمتلك دراية تامة بحساسية الطرفين وبالملفات المطروحة على الطاولة، بأنها ستكون من أبرز المستفيدين من هذا السلام، وتسعى جاهدة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتحاربة من أجل تعزيز الأمن الإقليمي وتحقيق السلام الدولي. ويتوقف تحقيق نتائج ملموسة على مدى التفاهمات التي ستتم بين روسيا والدول الغربية، وبالأخص بين ترامب وبوتين، إلى جانب التطورات على ساحة المعركة.
615
| 04 يونيو 2025
شهد العراق، مهد الحضارة، صعود العديد من الحضارات والإمبراطوريات بين نهري دجلة والفرات. ومنذ العصور القديمة، كان يربط بين طريق الحرير من آسيا والطريق البحري من الخليج العربي إلى الأناضول والغرب. وخلال العهد العثماني، كانت منطقة صراع مع إيران، كما كانت جسراً تجارياً بين شبه الجزيرة الهندية والإمبراطورية العثمانية. وبعد أن هيمنت بريطانيا على التجارة العالمية من خلال قناة السويس، حاولت الدولة العثمانية وألمانيا بناء خط سكة حديد برلين-بغداد الذي يربط بين المحيطين شرقًا وغربًا. أدى اكتشاف احتياطيات النفط الكبيرة في عشرينيات القرن الماضي إلى بروز العراق كلاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمية، غير أن اعتماده المفرط على قطاع الطاقة حال دون استثمار كامل إمكاناته كممر تجاري حي. وقد عرقلت الحروب الداخلية والخارجية، إلى جانب العقوبات الاقتصادية ومشكلات الحكم المركزي، تطور النشاط التجاري في البلاد. وبعد الإطاحة بصدام حسين عام 2003، دخل العراق مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، واجه خلالها تحديات جسيمة تمثلت في الإرهاب، والصراعات الطائفية، والانقسامات العرقية. ولم يتراجع النشاط التجاري فحسب، بل شهد قطاع النفط والغاز نفسه انحداراً ملحوظاً، حتى أصبح العراق مضطراً لاستيراد الوقود المكرر والكهرباء. دخل العراق في السنوات الخمس الأخيرة مرحلة من الاستقرار الجزئي، ويسعى اليوم، كغيره من دول النفط والغاز، إلى تنويع اقتصاده والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط. وتعمل الحكومة العراقية على تنويع مصادر الدخل من خلال تشجيع قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة. وقد برز تطوير الإمكانات التجارية كخيار مهم في هذا السياق. وفي عام 2023، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن مشروع «طريق التنمية»، الذي يُعد من أكبر مشاريع البنية التحتية في تاريخ البلاد. ويهدف المشروع إلى توسيع قنوات التجارة بين العراق وتركيا من جهة، ودول الخليج من جهة أخرى، وربط الشرق بالغرب على نطاق أوسع. ويعد هذا المشروع مبادرة اقتصادية وإستراتيجية ضخمة تهدف إلى تحويل العراق إلى مركز تجاري ولوجستي دولي، المرحلة الأولى من هذا المشروع ستربط البصرة ببغداد، والمرحلة الثانية ستربط بغداد بالحدود التركية، ومن المتوقع أن يستغرق إنجازها حوالي 20 عاما. سيتم توسيع ميناء الفاو الكبير في البصرة لجعله أحد أكبر الموانئ في الشرق الأوسط. وستنقل سكة حديدية مزدوجة الطريق (1,200 كيلومتر) البضائع والركاب على حد سواء. بالإضافة إلى ذلك، سيتم إنشاء مناطق حرة ومناطق تخزين ومراكز إنتاج في المدن العراقية على طول الطريق، حيث سيتم استخدام طرق سريعة كبيرة للنقل بالشاحنات والنقل البري. ستكون لمشروع طريق التنمية آثار استراتيجية كما يمكن أن يعزز موقف العراق الجيوسياسي. لأن الأنشطة الاقتصادية التي ستحدث يمكن أن توفر للعراق دخلاً مالياً كبيراً. كما أنه مهم لأنه يأتي في وقت تتزايد فيه الحروب التجارية والبحث عن بديل لمشروع الحزام والطريق الصيني. وتهتم جهات فاعلة مثل تركيا ودول الخليج والصين والاتحاد الأوروبي بهذا المشروع. سيكون مهمًا من حيث الشركاء الذين سيختارهم العراق وكذلك الخطوط التي سيتنافس معها. وعلى الرغم من أنه ليس بديلاً لقناة السويس، التي تحتل مكانة مهمة في التجارة العالمية، إلا أنه سيأخذ جزءًا من عبء حركة البضائع. ومع ذلك، يواجه هذا المشروع صعوبات مختلفة. كما أن التكلفة العالية للمشروع، والعقبات البيروقراطية ستؤدي إلى إبطاء العملية. من ناحية أخرى، أعطى سقوط نظام الأسد في سوريا فرصة للعراق للتعاون الإقليمي. وتدعم تركيا هذا المشروع، لأنه يعزز علاقاتها مع الخليج والشرق. كما أن البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية في تركيا، المرتبطة بأوروبا، جاهزة بالفعل. وعند ربط المشروع بالخطوط التركية، سيتعزز الاتصال البري بين الخليج وأوروبا بشكل كبير. تدعم قطر والإمارات العربية المتحدة هذا المشروع أيضا. وقد حضر وزراء هذه الدول الأربع القمة في بغداد في أكتوبر 2024. وقد أعرب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن دعمه لمشروع طريق التنمية خلال زيارته إلى العراق. كما أكد المسؤولون الأتراك والعراقيون على التعاون على أعلى مستوى خلال زياراتهم المتبادلة. سيؤدي هذا المشروع إلى تنويع الاقتصاد العراقي وخلق فرص عمل لمئات الآلاف من الأشخاص ودعم الزراعة والصناعة المحلية. ويوفر التراث الثقافي الغني للبلاد وموقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية أساساً قوياً للنمو. وإذا ما تم إنجاز المشروع، فإن العراق سيحقق الاستقرار وسيعزز التعاون الإقليمي وسيصبح العراق لاعباً مهماً في التجارة العالمية.
843
| 28 مايو 2025
اعتبرت الجمهورية التركية أن اليمين والشيوعية، والانقسام الداخلي تمثل تهديدات أساسية لبنيتها السياسية. الخوف من الانقسام، فقد تجلّى بشكل خاص في القلق من احتمال انفصال الأكراد، الذين يشكلون شريحة سكانية كبيرة داخل البلاد. وقد كان لهذه المخاوف التقليدية أثر عميق على الأكراد، سواء المتدينون منهم أو ذوو التوجهات اليسارية. وتعرض معظم الأكراد المتدينين لضغوط وقمع على المستويين الديني والثقافي، ما أدى إلى جانب الظروف الاقتصادية الصعبة، إلى خلق بيئة ملائمة لنشأة حزب العمال الكردستاني (PKK) وتوسّع أنشطته. رغم أن الانتقال إلى الديمقراطية ساهم في التخفيف من هذه الضغوطات، إلا أن الوصاية التي فرضتها الانقلابات العسكرية حالت دون الوصول إلى حل جذري. وقد حققت حكومة حزب العدالة والتنمية تقدماً ملحوظاً ضمن إطار عملية التحول الديمقراطي، من خلال توسيع الحقوق الديمقراطية للأكراد وتخفيف الضغوط المفروضة على المتدينين. وفي عام 2013، حاولت حكومة أردوغان معالجة القضية الكردية، إلا أنها واجهت معارضة شديدة من الداخل والخارج. وكان من أبرز العوامل التي أعاقت هذه الجهود، الكانتونات التي تأسست بدعم من إدارة أوباما في شمال سوريا (عين العرب)، إضافة إلى الدعم الشعبي الجزئي والقوة المسلحة التي امتلكها حزب العمال الكردستاني، مما شجعه على التمسك بمواقفه. بعد اثني عشر عاماً، تمكنت حكومة أردوغان من تقليص نفوذ حزب العمال الكردستاني بشكل كبير، وذلك من خلال اتباع سياسة مزدوجة جمعت بين منح الأكراد المزيد من الحقوق ومواصلة مكافحة الإرهاب بحزم. وفي هذا السياق، أثار المقترح الذي قدمه حزب الحركة القومية، حليف الحكومة، في 22 أكتوبر 2024 بشأن حل القضية الكردية، صدىً سياسياً واسعاً. وفي تطور لافت، وجّه عبد الله أوجلان نداءً إلى حزب العمال الكردستاني يدعوه فيه إلى التخلي عن السلاح، وبعد خمسة أشهر من المحادثات والتطورات، أعلن الحزب رسميًا هذا الأسبوع قراره بوقف العمل المسلح. وقد لقيت هذه الخطوة دعماً من حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، مما جعل الاعتراض محصوراً في بعض المجموعات القومية والعلمانية المتشددة. ومع تلاشي معظم العوائق، يبدو أن فرص نجاح هذه العملية باتت شبه مضمونة. في المرحلة الجديدة، سيقوم حزب العمال الكردستاني (PKK) بتسليم سلاحه والتخلي عنه بشكل كامل. وفيما بعد، سيتم العمل على تحسين ظروف اعتقال زعيم الحزب عبد الله أوجلان، والعفو عن عناصر الحزب الذين لم يتورطوا في جرائم قتل، بينما سيتم تأمين خروج المتورطين والقياديين إلى دول أخرى. ويُلاحظ في هذا السياق وجود تنسيق كامل مع كل من العراق وسوريا وإقليم كردستان العراق. ومن المتوقع أن تؤدي هذه العملية إلى تعزيز مكانة حزب العدالة والتنمية داخل القاعدة الكردية، كما يُرجَّح أن يسحب الحزب، من خلال هذه الخطوات، حزب «ديم» المرتبط بحزب العمال الكردستاني من صفوف المعارضة وينقله إلى معسكر الحكومة. إن النتيجة الأهم لهذه العملية ستكون في تعزيز مسار التحول الديمقراطي في تركيا، مما سيسهم في تلبية المزيد من المطالب الثقافية للشعب الكردي. كما أن نفوذ الأوساط العسكرية المرتبطة بالوصاية، التي طالما استغلت وجود الإرهاب، سيتراجع بشكل كامل. وستشهد مناطق الشرق والجنوب الشرقي، في ظل غياب خطر الإرهاب، ازدهارًا في مجالات الاستثمار، والسياحة، والتجارة، والصناعة. ومن المتوقع أن تؤدي هذه المرحلة الجديدة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع سوريا في إطار التعاون الوثيق، وكذلك مع إقليم كردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد. لقد أثّر وجود حزب العمال الكردستاني (PKK) وأنشطته سلباً على العلاقات بين تركيا وكلٍّ من العراق وسوريا. فعلى سبيل المثال، تمركز الحزب في جبال قنديل والعمليات العسكرية التي تنفذها تركيا هناك كانت دائماً موضع جدل وتوتر. وقد تسببت هذه المسألة في حدوث خلافات مع حكومة إقليم كردستان العراق، وأحياناً مع الحكومة المركزية في بغداد. غير أن زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الأخيرة أظهرت وجود تفاهم قوي وإرادة مشتركة للتعاون بين الجانبين. ومن المتوقع أن تشهد العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية تطوراً ملحوظاً، خاصة من خلال مشروع «طريق التنمية»، الذي سيُحدث انتعاشاً اقتصادياً كبيراً في المنطقة. إن تخلي حزب العمال الكردستاني (PKK) عن السلاح ستكون له انعكاسات إيجابية على الوضع في سوريا أيضاً. فمن شأن انتهاء مطالب القوات السورية الديمقراطية (قسد) بالانفصال أو الحكم الذاتي أن يُسرّع من اندماج الأكراد في سوريا الجديدة. ورغم استمرار الدعم الغربي لبعض الحركات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني لأسباب أيديولوجية، إلا أن فكرة الانفصال ستتراجع لصالح فكرة البناء المشترك لسوريا موحدة. والأهم من ذلك، أن الأكراد لن يكونوا بعد الآن حاجزاً بين تركيا والعالم العربي، بل سيتقدمون في طريق الوحدة وتقاسم الثروات مع الجانبين. لا شك أن هذه التطورات لن تُرضي إسرائيل وإيران، لكنهما لن تكونا قادرتين على الوقوف في وجه مسار التاريخ وروح الأخوّة التركية–الكردية–العربية التي تمتد لألف عام. ومن المؤكد أن لهذه التحولات انعكاسات إيجابية على السلم والاستقرار في المنطقة والعالم.
885
| 14 مايو 2025
تقع بلاد الشام، أو ما يُعرف بالـ «ليفانت» في الغرب، عند نقطة التقاء ثلاث قارات، وقد شكّلت عبر التاريخ وحدة جغرافية وإدارية ضمن ولاية واحدة، حتى جاء المشروع الاستعماري عقب الحرب العالمية الأولى فمزّق هذه الوحدة. فُرض الانتداب الفرنسي على كل من دمشق، حلب، لبنان، جبل الدروز، واللاذقية، بينما خضعت فلسطين والأردن للانتداب البريطاني. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، توحدت سوريا من معظم الولايات التي كانت خاضعة لفرنسا، في حين نال الأردن استقلاله، وأُقيم الكيان الصهيوني على أرض فلسطين كمشروع استيطاني غربي. ومنذ تأسيسه، بدأ صراع عميق بين إسرائيل وسوريا، تغذّيه خلفيات تاريخية وسياسية وعقائدية متشابكة. على مدار نحو ثمانية عقود، ظل العداء بين سوريا وإسرائيل قائمًا ومتصاعدًا، وشكّلت الحروب بين الطرفين محطات رئيسية في الصراع العربي الإسرائيلي. شاركت سوريا في حروب 1948، و1967، و1973، ودعمت المقاومة في لبنان خلال اجتياح 1982. ومن أبرز الأحداث المفصلية خسارة هضبة الجولان لصالح إسرائيل في حرب 1967، وهي خسارة ما زالت تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين. إن الهجمات الإسرائيلية على سوريا لها تاريخ طويل. في عام 2003، نفذت إسرائيل غارة جوية استهدفت معسكرًا للمقاتلين الفلسطينيين قرب دمشق، وذلك ردًا على عملية انتحارية. كما شنت في عام 2007 هجومًا جويًا دمّر منشأة يُعتقد أنها كانت مفاعلًا نوويًا سريًا في دير الزور. وخلال تسعينيات القرن العشرين وبدايات الألفية الثالثة، كثّفت إسرائيل هجماتها على مواقع رادار ومواقع عسكرية سورية قرب هضبة الجولان. وفي سياق حرب لبنان عام 2006، تعرضت سوريا لضغوط وتهديدات لمنعها من تقديم الدعم لحزب الله. ورغم تمسك النظام السوري بموقفه من السيادة على الجولان، فقد حرص على تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل. بعد اندلاع موجة الربيع العربي، أعربت إسرائيل عن قلقها العميق تجاه الأوضاع في سوريا، وسعت إلى عدم تكرار التجربة الديمقراطية كما في مصر. وفي هذا الإطار، عارضت تدخل إدارة أوباما لإسقاط نظام بشار الأسد، دعماً لاستمراره في قمع المطالب الشعبية بالديمقراطية. وبحجة محاربة تنظيم داعش، لم تُبدِ إسرائيل اعتراضاً يُذكر على التدخل الإيراني والروسي في سوريا، رغم ما نجم عنه من دمار شامل ونزوح ملايين المدنيين. غير أن الموقف الإسرائيلي تغيّر لاحقاً عندما بدأت إيران بترسيخ وجودها الإقليمي عبر ممر يمتد من العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان، الأمر الذي أثار مخاوف إسرائيل من تحول إيران إلى جار مباشر. خلال العقد الأخير، وضمن تفاهم ضمني مع روسيا، عمدت إسرائيل إلى تنفيذ ضربات جوية وقصف صاروخي منتظم داخل الأراضي السورية، في محاولة للحد من التمدد الإيراني ونفوذ وكلائه في البلاد. وقد سوّغت إسرائيل تلك الهجمات باعتبارها وسيلة لتقويض الحضور الإيراني في سوريا. إلا أن اللافت أنه بعد سقوط نظام الأسد كحليف إيران، لم تنته الهجمات الإسرائيلية بل تصاعدت بشكل أكبر. ويعود ذلك إلى تصوّر إسرائيل بأن قيام دولة سورية مستقلة وموحّدة وذات بنية عسكرية قوية يُشكّل تهديدًا مباشرًا لها، مما دفعها إلى استهداف البنية العسكرية السورية بشكل غير مسبوق بهدف إضعافها بالكامل. يبدو أن الهدف الأساسي لإسرائيل في سوريا هو تدمير الأسلحة الإستراتيجية والصواريخ التي بحوزة نظام الأسد. كما يتضح أنها تسعى إلى تقسيم البلاد، وتسعى بشكل خاص إلى إنشاء منطقة آمنة في جنوب سوريا من خلال نزع السلاح من هذه المنطقة. إسرائيل تريد إقامة منطقة آمنة تمتد لمسافة 15 كم داخل الأراضي السورية، ومن ثم منطقة نفوذ تمتد حتى 65 كم. وإلى جانب الدوافع الأمنية، تسعى إسرائيل إلى السيطرة على الموارد الطبيعية مثل المياه، غير أنها لا تعترف بهذا المشروع الاحتلالي وتقدّم أعذارًا أخرى بديلة. وبعد زوال الوجود أو التهديد الإيراني في سوريا، أصبح من أبرز الأعذار التي تقدمها إسرائيل هو النفوذ التركي. إن معارضة تركيا لتقسيم سوريا وإضعافها تثير قلق إسرائيل. حتى أن نتنياهو اشتكى لترامب من عدم ارتياحه، لكنه لم يتمكن من الحصول على الدعم الذي يريده. وبعد أن نجح ترامب في تهدئة الطرفين، واصلت إسرائيل مهاجمة سوريا، لكنها اضطرت إلى إيجاد أعذار أخرى مثل حماية الدروز والعلويين والأكراد رغم أنه رفضت هذه الطوائف التعاون مع إسرائيل. باختصار، إسرائيل تدعم الصراعات العرقية والطائفية لأنها تخشى من سوريا قوية وموحدة، وستستخدم ذرائع مختلفة لمواصلة قصفها. ولكن ما دام السوريون يظهرون الرغبة في العيش معاً وتعزيز قوتهم، فإن هجمات إسرائيل لن تحقق هدفها.
1149
| 07 مايو 2025
يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العبث بقواعد النظام العالمي الذي أنشأته الولايات المتحدة نفسها. فقد دخل في صراع اقتصادي حاد مع الصين دون أن يتراجع خطوة إلى الوراء. وبالمثل، فإن الولايات المتحدة التي كانت قد شجعت على تأسيس الاتحاد الأوروبي لمواجهة الاتحاد السوفيتي، باتت اليوم تعتبره منافسًا لها. فمن ناحية، يُظهر ترامب وجهة نظر انعزالية تقول بأنه لا ينبغي لنا أن نتدخل في العالم، ومن ناحية أخرى، يُظهر وجهة النظر القائلة بأنه” إذا كنا نحمي بعض البلدان، فيجب أن نمتلكها“. وهذا يذكرنا بسياسات القوة الاستعمارية القديمة التي شهدناها في القرن العشرين. كما أن عدد القضايا التي يدّعي ترامب حمايتها وامتلاكها مرتفع أيضًا: كندا وغرينلاند وقناة بنما، وقناة السويس وغزة وأوكرانيا. في أوائل عام 2025، أدلى دونالد ترامب بتصريحات استفزازية ألمح فيها إلى ضم كندا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. وادعى ترامب، مازحًا، أن الحدود بين البلدين مصطنعة، وأن كندا ستكون «في وضع أفضل» اقتصاديًا وعسكريًا إذا أصبحت الولاية الأمريكية الحادية والخمسين. وقال: «كندا عمليًا هي بالفعل جزء منا. فلماذا لا نجعل ذلك رسميًا؟» وقد أثارت هذه التصريحات ردود فعل شديدة من الأحزاب السياسية الكندية، التي رفضتها بشدة. واتهمت هذه الأحزاب ترامب بأنه يعيش حنينًا استعماريًا ويتجاهل آراء الشعب الكندي. وساهمت تصريحات ترامب في تصاعد الخطاب القومي خلال الانتخابات الكندية، مما ساعد الحزب الليبرالي على الفوز مرة أخرى. بعد أن حاول ترامب إجبار كندا على الاتحاد مع الولايات المتحدة، يسعى الآن لشراء جزيرة غرينلاند، التابعة للأراضي الدنماركية، وضمها إلى الأراضي الأمريكية. ورغم أن هذا العرض يبدو مفاجئًا، فإن الولايات المتحدة سبق أن اشترت أراضي من دول أخرى، مثل لويزيانا من فرنسا، وفلوريدا من إسبانيا، وألاسكا من روسيا. للولايات المتحدة مصالح استراتيجية في غرينلاند، خصوصًا لموقعها في منطقة القطب الشمالي، الذي يكتسب أهمية في مجالي التجارة والدفاع (إذ يقع فيها قاعدة «ثول» الجوية الأمريكية). وتزخر الجزيرة باليورانيوم، والنفط، والغاز، والذهب، والعناصر الأرضية النادرة. وقد وصفت الدنمارك هذا الاقتراح بأنه «سخيف» ورفضته، بل وتم إلغاء الزيارة الرسمية التي كان من المقرر أن يقوم بها ترامب إلى الدنمارك. ومع ذلك، تظل غرينلاند تحافظ على أهميتها في سياق المنافسة العالمية، ولا تزال على طاولة ترامب. بينما يسعى ترامب إلى تعزيز نفوذ بلاده في التجارة العالمية ووقف صعود الصين، بدأ يطالب بحقوق في قناتي بنما والسويس. فقد ادعى أن قناة بنما قد بُنيت في الأصل من قبل الولايات المتحدة، وأن تسليمها إلى بنما عام 1999 كان خطأً يجب تصحيحه عبر «استعادتها». كما انتقد الرسوم الحالية التي تُفرض على السفن الأمريكية، واعتبر أنها تمنح الصين ميزة غير عادلة. وقد رفضت حكومة بنما هذه الادعاءات، مشددة على سيادتها الكاملة على القناة، ومؤكدة أن القناة تُدار بشكل مستقل وعادل. وأضافت: «نحن من نحمي كلتا القناتين، وبالتالي فإن فكرة الاستخدام المجاني غير صحيحة .“ رغم أن الولايات المتحدة لم تساهم في بناء أو حماية قناة السويس، صرّح ترامب بضرورة عبور السفن العسكرية والتجارية الأمريكية من قناة السويس، الممر المائي العالمي المهم، بشكل مجاني. وطلب من وزير الخارجية، ماركو روبيو، إجراء تحرّكات دبلوماسية بهذا الشأن. وقد رفضت الحكومة المصرية هذا الطلب، مؤكدة أن جميع السفن تُفرض عليها رسوم عبور بالتساوي، ضمن إطار الاتفاقيات الدولية. وقد أعادت تصريحات ترامب هذه إلى الأذهان فترة الاستعمار التي ساهمت في احتلال مصر وانهيار الدولة العثمانية. فبعد احتلال بريطانيا لمصر، تقرر تفكيك الوحدة العثمانية، وظلت بريطانيا تسيطر على قناة السويس حتى عام 1956. أما في غزة، فرغم عدم امتلاك ترامب لأي حق قانوني أو تاريخي، فقد صرّح بنيّته «تمليك» غزة بعد إفراغ سكانها. وعلى عكس مزاعمه الأخرى، فإنه في هذه الحالة لا يريد حماية غزة، بل يدعم إبادة إسرائيل لسكانها ليستولي عليها دون مقاومة. وفي أوكرانيا، تبنّى ترامب منطقًا مشابهًا، مدّعيًا أن الولايات المتحدة أنفقت أموالًا كثيرة لحماية أوكرانيا، لذا يجب أن تؤول نصف ثرواتها لأمريكا. ومع ذلك، لم يقدّم أي ضمانات أمنية لأوكرانيا، بل ضغط لتسليم شبه جزيرة القرم، وهي أرض أوكرانية، لروسيا وكأنها ملكه، ولا تزال المفاوضات حولها مستمرة. وهكذا، يكشف ترامب عن عقلية استعمارية مغلّفة بثوب المصالح، يتعامل مع الدول والشعوب كسلع في مزاد نفوذه، غير عابئ بالسيادة، ولا بالتاريخ، ولا بحق الشعوب في تقرير مصيرها، فهو يسعى للتحكم مع المواقع الاستراتيجية حول العالم وكأنها ممتلكات شخصية، يسعى لامتلاكها أو فرض وصايته عليها، سواء كانت حقًا له أم لا.
729
| 30 أبريل 2025
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يشهد الشرق الأوسط استقرارًا حقيقيًّا. فقد واجهت الدول العربية تحديات كبرى، أبرزها قيام إسرائيل في قلب المنطقة، بينما كانت دول عديدة حديثة الاستقلال تسعى لترسيخ الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي. وبين عامي 1978 و1982، شهدت المنطقة تحولات جذرية غيّرت مسار تاريخها وأثّرت بعمق في توازن القوى: اتفاقيات كامب ديفيد، الثورة الإسلامية في إيران، الغزو السوفيتي لأفغانستان، الانقلاب العسكري في تركيا، الحرب العراقية الإيرانية، اغتيال السادات، واجتياح إسرائيل للبنان وصعود حزب الله. أعادت هذه الأحداث رسم ملامح التوازنات الإقليمية وتركَت أثرًا واضحًا على النظام العالمي القائم اليوم. لقد لعبت اتفاقيات كامب ديفيد (1978) دورًا مهمًا في إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط. فمصر التي خاضت عدة حروب ضد إسرائيل ورفضت الاعتراف بها، أصبحت أول دولة عربية تعترف رسميًا بإسرائيل، مما أدى إلى كسر الإجماع العربي بشأن القضية الفلسطينية. علاوة على ذلك، تزعزع موقع مصر كقائدة للعالم العربي، بل وتعرضت للعزلة من قِبل العديد من الدول العربية. إن توقيع مصر على اتفاقية سلام مع إسرائيل وانضمامها إلى المعسكر الغربي لم يُقوِّ من موقف إسرائيل فحسب، بل أضعف أيضًا القضية الفلسطينية. وبعد أن ضمنت إسرائيل أمن حدودها الغربية، توجهت نحو الشمال فاجتاحت لبنان عام 1982. وقد ساهم هذا الغزو في تقويض استقرار لبنان، الذي كان يُعرف بلقب "لؤلؤة الشرق الأوسط" في الستينيات والسبعينيات، ومهّد الطريق أمام صعود حزب الله، الذي تحوّل لاحقًا إلى كيان فعلي داخل الدولة. وفي خضم هذه التحولات، شكّل انتقال مصر من دائرة النفوذ السوفييتي إلى الاصطفاف مع الولايات المتحدة تطورًا استراتيجيًا محوريًا، ساهم بشكل كبير في توسيع نفوذ واشنطن وتعزيز حضورها في الشرق الأوسط. شكّلت الثورة الإيرانية عام 1979 نقطة تحول جوهرية في طبيعة النظام الإيراني وموقعه الإقليمي، حيث أطاحت بالحكم العلماني الموالي للغرب بقيادة الشاه محمد رضا بهلوي، وأقامت نظامًا دينيًا تهيمن عليه طبقة رجال الدين. وقد تجاوز أثر هذه الثورة حدود إيران ليصل إلى العالم العربي وجنوب ووسط آسيا. في بداياته، عارض النظام الجديد الرأسمالية والشيوعية على السواء، إلا أن تصاعد التوتر مع الغرب، خصوصًا مع الولايات المتحدة والدول العربية، دفعه تدريجيًا نحو التقارب مع الاتحاد السوفييتي. اقتصاديًا، وبوصفها من أبرز منتجي النفط، تسببت الثورة في اضطرابات كبيرة في الأسواق العالمية، ولا سيما في سوق النفط، مما أدّى إلى أزمات طاقة وصدمات اقتصادية ذات آثار بعيدة المدى على السياسات الجيوسياسية والاستثمارية. أما عربيًا، فقد تدهورت العلاقات الإيرانية-العربية بعد الثورة، يمكن تفسير صعود صدام حسين إلى السلطة داخل حزب البعث في العراق عام 1980 في هذا السياق. لم يكن غزو العراق لإيران مباشرة بعد الثورة الإيرانية أمرًا عرضيًا. فقد أسفرت الحرب الإيرانية-العراقية، التي استمرت ثمانية أعوام وأسفرت عن مقتل حوالي نصف مليون شخص من الجانبين وتسببت في خسائر مادية كبيرة للعراق ودول الخليج، عن تعزيز الانقسامات الإقليمية بشكل أكبر. كما أن التكلفة الباهظة لحرب الخليج أدت إلى تدهور العلاقات بين العراق ودول الخليج، مما ساهم في غزو العراق للكويت لاحقًا، وبالتالي فرضت حرب الخليج الأولى أعباء اقتصادية وسياسية كبيرة على العراق. في نفس العام، ألهمت مقاومة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان في عام 1980، بالتزامن مع الثورة الإيرانية، العديد من الحركات الإسلامية الراديكالية. بعد انتهاء الاحتلال، عاد العديد من المجاهدين إلى بلدانهم، حيث ساهموا في انتشار الفكر المتطرف وزيادة عدم الاستقرار في منطقتهم. وفي السياق ذاته، يمكن اعتبار الانقلاب العسكري في تركيا ضد تهديد الشيوعية عام 1980 تطورًا ذا صلة بهذا السياق الإقليمي. ومع اقتراب نهاية الحرب الباردة، بدأت الولايات المتحدة في فرض سيطرتها الواضحة على منطقة الشرق الأوسط. بإجمال، تُعد فترة 1978-1982 مرحلة مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر، إذ تركت تأثيرات مستمرة على التطورات الحالية في المنطقة، وأثرت بشكل عميق في التحولات السياسية والجيوسياسية التي ما زالت تتكشفحتىاليوم.
1095
| 23 أبريل 2025
أُقيم هذا الأسبوع في تركيا منتدى أنطاليا الدبلوماسي في نسخته الرابعة، وهو منتدى يهدف إلى تعزيز دور الدبلوماسية كبديل للحروب، على غرار منتدى الدوحة ومنتدى الجزيرة. المنتدى يسعى إلى ترسيخ ثقافة الحوار والسلام في مواجهة النزاعات والصراعات، وقد أصبح منصة دولية هامة بمشاركة ما يقرب من 5000 شخصية من مختلف أنحاء العالم، بينهم قادة دول، ودبلوماسيون وخبراء وصحفيون. في دوراته السابقة، لعب منتدى أنطاليا دورًا محوريًا في جمع الأطراف الروسية والأوكرانية إلى طاولة الحوار، ما يعكس أهميته المتزايدة على الساحة الدولية. هذا العام، شهد المنتدى مشاركة رؤساء دول من تركيا، أذربيجان، بلغاريا، إندونيسيا، جورجيا، المجر، الصومال، سوريا وليبيا، إلى جانب عدد من الوزراء وممثلي المنظمات الدولية. المنتدى لم يكن مجرد منصة لطرح القضايا الدولية، بل كان ساحة فعالة للقاءات دبلوماسية متعددة الأطراف، مما جعله مركزًا مهمًا للحوار بين مختلف الأطراف. في ظل التطورات السياسية والإنسانية في العالم والمنطقة، ركز المنتدى على القضايا العالمية في العلاقات الدولية والدبلوماسية، مع السعي إلى تقديم حلول عبر مسارات السلام. وشارك المشاركون من مختلف أنحاء العالم لتبادل وجهات النظر وتقديم مقترحات لمعالجة التحديات العالمية. كما تم التأكيد على أهمية التعاون بين الدول، خصوصًا في تعزيز الحوار الإقليمي. في عالم اليوم، الذي تتعدد فيه التحديات والتهديدات، أصبح التعاون والتواصل على المستويين الإقليمي والدولي أكثر ضرورة من السعي الفردي لدول لحل الأزمات. منتدى أنطاليا في دورته الحالية بدأ بمناقشة الأوضاع الإنسانية والسياسية في غزة وفلسطين، حيث تم التأكيد على الحاجة الملحة لتدخل دولي عاجل لتقديم المساعدات الإنسانية. كما دعا المشاركون إلى زيادة الضغط الدولي على إسرائيل والدول الداعمة لها، مطالبين المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته الإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني. وقد حظي الملف السوري باهتمام خاص في المنتدى، حيث تم التأكيد على ضرورة دعم عملية إعادة الإعمار وتعزيز التعاون الإقليمي لاستعادة سوريا دورها كركيزة للاستقرار في المنطقة. الحكومة السورية كانت حاضرة بقوة في المنتدى، حيث أجرى وفدها سلسلة من اللقاءات مع ممثلي الدول المختلفة، في خطوة اعتُبرت مؤشراً على انفتاح دبلوماسي يعكس تحوّلات في المشهد الإقليمي والدولي. كما تم مناقشة قضايا تغيّر المناخ والتنمية المستدامة في المنتدى، حيث تم التأكيد على أهمية التعاون الدولي لمواجهة تأثيرات تغيّر المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. تناولت الجلسات ضرورة تعزيز استخدام الطاقة المتجددة والحد من انبعاثات الكربون. كما ناقش المشاركون سبل تعزيز التجارة العالمية والتنمية الاقتصادية الإقليمية في ظل تأثيرات الحروب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. منتدى أنطاليا كان أيضًا فرصة لمناقشة دور الاقتصاد الرقمي والابتكار وتأثير الذكاء الاصطناعي، حيث تم التركيز على التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي أتاحها العصر الرقمي، وما يطرحه من تحديات وفرص. وقد أثيرت قضايا مثل الأمن السيبراني وأدوات الدبلوماسية الرقمية وتأثير الرقمنة على التعاون الدولي. من بين المواضيع المهمة التي تم مناقشتها أيضًا كانت ظاهرة الهجرة وأزمة اللاجئين الناجمة عن الأزمات السياسية والاقتصادية. تبادل المشاركون وجهات النظر حول أسباب وآثار أزمة اللاجئين وسبل معالجتها، مع التركيز على قضايا دمج اللاجئين وحماية حقوق الإنسان. وقد تم التأكيد على ضرورة التعاون الدولي لمواجهة هذه التحديات، بما في ذلك الاستعداد لمواجهة الأوبئة التي قد تنشأ نتيجة الانتشار السريع للحركة البشرية على مستوى العالم. في كلمته الختامية، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن «العالم أكبر من 5»، في إشارة إلى ضرورة إصلاح النظام العالمي الذي يقتصر فيه النفوذ على خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. وشدد على ضرورة إنهاء الهجمات الإسرائيلية على غزة وسوريا التي وصفها بـ»إرهاب الدولة». أردوغان أشار أيضًا إلى أهمية الموقع الجيوسياسي لتركيا الذي يفرض عليها إقامة علاقات متوازنة بين الشرق والغرب، مؤكدًا على دور تركيا المحوري في الدبلوماسية والوساطة لحل الأزمات الإقليمية. كما أشار إلى أهمية دور النساء والشباب في إضفاء طاقة إيجابية جديدة على الدبلوماسية والقضايا العالمية. وفي ختام كلمته، ذكر أن تركيا شهدت خلال فترة حكمه تعزيزًا ملحوظًا في تأثيرها الدبلوماسي على الساحة الدولية. منتدى أنطاليا الدبلوماسي أثبت مرة أخرى أنه ليس مجرد لقاء دبلوماسي، بل منصة مهمة لتعزيز السلام والحوار على المستوى الدولي، ومواصلة البحث عن حلول مبتكرة للتحديات العالمية.
942
| 16 أبريل 2025
لا يزال العالم العربي يعاني من أزمات متلاحقة ودمار مستمر منذ سنوات طويلة. وفي مقال نُشر العام الماضي، أشرنا إلى أن السودان سيكون الضحية الثانية في عام 2024 بعد غزة. وبالفعل، شهد هذا العام مآسي إنسانية كبيرة في كل من غزة والسودان، غير أن الأزمة السودانية لم تحظَ باهتمام كافٍ على الساحة الدولية. ومع دخول العام الجديد واستمرار الدمار في غزة، بدأت تظهر بوادر انفراج في السودان، حيث تبدو الأزمة الدامية التي استمرت لعامين، وشهدت جرائم قتل ونهب واغتصاب وتهجير، في طريقها إلى الانتهاء، مما يمنح الشعب السوداني فرصة لالتقاط الأنفاس. ولم تقتصر تداعيات هذه الأزمة على الداخل السوداني فحسب، بل أثّرت بشكل مباشر على استقرار المنطقة بأكملها. فقد سعت قوات الدعم السريع، التي تلقت دعماً واضحاً من دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب عسكري في عام 2023، مما فاقم حالة الفوضى وأدى إلى تصعيد خطير في الصراع الداخلي. خلال العامين الماضيين شهد السودان دماراً واسعاً. فإلى جانب الاشتباكات المتبادلة، ارتكبت قوات الدعم السريع، التي جنّدت مرتزقة من عدة دول إفريقية، انتهاكات جسيمة في المناطق التي تسيطر عليها. وقد انعكست هذه الانتهاكات على تقارير لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. وقد تم تهجير ما لا يقل عن 14 مليون سوداني من مناطقهم ويعانون حالياً من أزمات اقتصادية حادة. كما تتكرر الانتقادات بشأن نهب المساعدات الإنسانية أو منع إيصالها في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع. ويُذكر أن السودان، الذي يُعد «سلة غذاء إفريقيا»، يعاني اليوم من أزمة غذائية خطيرة، حيث تشير التقارير إلى أن نحو 25 مليون شخص داخل البلاد يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء. بعد اشتباكات عنيفة، تمكنت القوات المسلحة السودانية (SAF) خلال الأشهر الأخيرة من السيطرة الكاملة على العاصمة الخرطوم، مما منحها أفضلية كبيرة وغير من توازن الحرب ونفسيتها. أما قوات الدعم السريع التي انسحبت من الخرطوم، فعودتها التكتيكية باتت شبه مستحيلة. وتحمل هذه التطورات أيضاً أهمية على صعيد الشرعية الدولية، إذ كانت بعض الدول تروج لفكرة أن ما يجري في السودان هو حرب أهلية وأن الطرفين متساويان في القوة والشرعية. بل إن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو ويُلقب بـ»حميدتي»، استُقبل العام الماضي في بعض العواصم الإفريقية وكأنه رئيس دولة. * مع اقتراب نهاية الأزمة، ستخرج الدول التي لم تدعم الانقلاب في السودان - وعلى رأسها مصر والسعودية وقطر وتركيا - مستفيدة من الوضع الجديد. فقد أبدت الحكومة المصرية انزعاجاً شديداً من الأزمة في السودان، وكانت تخشى من تكرار فوضى مماثلة داخل أراضيها. ويُعد استقرار السودان، الذي يشكل ممراً حيوياً لمياه النيل، أمراً بالغ الأهمية لمصر، كما أن الضغط الناتج عن اللاجئين السودانيين على الأراضي المصرية قد يتراجع. ومن الطبيعي أن تُعتبر تركيا وقطر أيضاً من الرابحين في هذه التطورات، إذ إن كلا البلدين ينظران إلى الاستقرار الإقليمي كميزة استراتيجية، ويعارضان الانقلابات العسكرية والتدخلات الخارجية، ويعتبران السودان القوي حليفاً طبيعياً في المنطقة. إن حل الأزمة في السودان من شأنه أن يُعزز الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، ومنطقة الساحل، وحوض البحر الأحمر، وهي مناطق عانت من تداعيات النزاعات المسلحة وحركات النزوح الواسعة. وقد تضررت الزراعة والتجارة داخل السودان وعلى مستوى الإقليم بشكل كبير بسبب الحرب، إلا أن الأمل معقود اليوم على تحسن هذه الأوضاع في ظل التهدئة الجارية. انتهاء حالة الفوضى في السودان يُعد أيضًا مكسبًا للدول التي استقبلت أعدادًا كبيرة من اللاجئين السودانيين، كمصر وتشاد وجنوب السودان وحتى إثيوبيا، وهي دول تواجه أصلاً تحديات اقتصادية صعبة، ما يجعل من عودة الاستقرار في السودان أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لها. * لن تكون التطورات الأخيرة في السودان محل ترحيب لدى الدول الغربية التي تسعى لإبقاء حالة الفوضى في الشرق الأوسط، وعلى رأسها إسرائيل. فعلى الرغم من أن الغرب دعم الجناح الليبرالي الذي أسقط نظام البشير عبر الاحتجاجات، إلا أنه لم يكن يرغب فعليًا في انتقال حقيقي للديمقراطية في البلاد. أما اليوم، فقد أعلن الجنرال عبد الفتاح البرهان، الذي يقود البلاد حاليًا، أن الجيش سيسلم السلطة للمدنيين بعد انتهاء الحرب. وعلى الرغم من الأزمات المتعددة التي يواجهها السودان، فإن توقف العقوبات الغربية والتدخلات الخارجية، وترك القرار للسودانيين أنفسهم، قد يفتح الباب أمام نهضة حقيقية. فالسودان بلد غني بالموارد الطبيعية كالبترول والذهب، إضافة إلى الأراضي الخصبة والطاقات البشرية، ما يؤهله لتحقيق تقدم سريع إذا توفرت له الظروف الملائمة.
1230
| 09 أبريل 2025
الهدم أسهل من البناء، وبما أن القوى الهدّامة لم تتخلَّ عن أنشطتها، فإن سوريا الجديدة بحاجة إلى دعم أكبر من الخارج والداخل. تلقت هذه الحكومة بالترحيب الدولي والإقليمي وهي الأولى في تطبيق النموذج الجديد للنظام الرئاسي. مع دخول الإدارة السورية الجديدة شهرها الرابع، وبعد إعلان الحكومة المؤقتة، ظهرت الرؤية لمستقبل سوريا من خلال الإعلان الدستوري. بعد فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، تبين أنه سيكون هناك نظام رئاسي، وسيتم إجراء انتخابات ديمقراطية وسيكون شاملاً وتشاركياً. وخلال عيد الفطر، ظهر الرئيس أحمد الشرع أمام السوريين والرأي العام العالمي بفريق سيتحمل المسؤولية من خلال تشكيل كادر حكومي جديد، الحكومة الجديدة تمزج بين الأوجه الجديدة والقديمة من العهد السابق ذوي الخبرة وحتى لأسباب مالية، بقي عدد الوزراء محدودا. *ستكون الحكومة قوية وناجحة لأنها شكلت على أساس الكفاءات، بعيداً عن المحاصصة، والمناطقية والدين والمذهب، ويبدو أن السوريين الذين احتفلوا بأول عيد فطر بحرية قد استقبلوا الحكومة الجديدة بتفاؤل، من الضروري منح كل فريق جديد فرصة للعمل وإثبات جدارته، ولكن تكثر التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة مثل ضمان الأمن والاستقرار وتحسين الوضع الإنساني وإعادة إعمار البلاد وإعادة النازحين السوريين إلى وطنهم والتنمية الاقتصادية. ونظرًا لأن التنمية والاستقرار لا يمكن تحقيقهما دون أمن، فإن من الضروري بشكل عاجل تسليم جميع الأسلحة التي بحوزة أنصار الأسد وقوات سوريا الديمقراطية إلى الدولة. * خلال الأشهر الأربعة الأولى، أدركنا أن تحقيق الأمن في سوريا ليس بالأمر السهل، إذ إن الغارات الجوية الإسرائيلية لا تزال مستمرة من جهة، ومن جهة أخرى يسعى أنصار النظام السابق إلى العودة وإشعال الفتنة الطائفية، ورغم أن الطائفة العلوية، التي كان النظام السابق يستند إليها، قد ترغب في العيش والتعايش بسلام، فإن إيران وروسيا (بل وحتى إسرائيل) تسعى لاستخدامها كورقة ضغط. وفي المقابل، تحاول إسرائيل الظهور كحامية للدروز بهدف فصلهم عن سوريا. ومن ناحية أخرى، لا تزال قوات سوريا الديمقراطية الموالية لحزب العمال الكردستاني تسيطر على ثلث البلاد وأهم موارده، لكنها تبدو مترددة في إلقاء السلاح والاندماج في النظام الجديد. وبينما تقدم تركيا وقطر دعمًا في هذا الصدد، ليس من المستغرب أن تعمل بعض الدول الأخرى في الاتجاه المعاكس. * إن عدم تحقيق الأمن بشكل كامل أو حتى انتشار شعور بعدم الاستقرار سيؤدي إلى عرقلة عودة السوريين إلى وطنهم، كما سيحدّ من تدفق الاستثمارات ورؤوس الأموال إلى البلاد. وقد تمكنت الحكومة الجديدة من إحكام السيطرة على التمرد في غرب سوريا، فيما يتمتع وزير الداخلية الجديد، أنس خطاب، ووزير الدفاع، مرهف أحمد أبو قصرة، بخبرة ميدانية تمتد لأكثر من 12 عامًا، مع تركيزهما على ترسيخ العمل المؤسسي، ويبقى التحدي الأبرز هو مدى قدرة الإدارة الأمنية السورية على التصدي للهجمات الإسرائيلية، وإقناع قوات سوريا الديمقراطية بالتخلي عن مشروع الانفصال أو إنشاء كيان موازٍ للدولة. * نظرًا لوجود اهتمام وتدخل العديد من الفاعلين الخارجيين في قضايا مثل اللاجئين، المساعدات الخارجية، العقوبات، ومساعدة الدول المجاورة، فإن وزير الخارجية في سوريا يعد شخصًا ذا أهمية كبيرة، هناك العديد من المواضيع المتعلقة بالتفاوض، والإقناع، والتعاون. شخصيًا، أعتقد أن أداء وزير الخارجية، أسعد حسن الشيباني، كان جيدًا وأراه مناسبًا للاستمرار في منصبه. من مهامه أيضًا متابعة أوضاع اللاجئين السوريين في جميع أنحاء العالم، ستظل قضية اللاجئين السوريين على أجندة العديد من الدول المجاورة، ويمكن أن تؤثر أيضًا على العلاقات الخارجية لسوريا. * تزداد فرص نجاح الحكومة باختيار الوزراء في المجالات الاقتصادية (المالية، الاقتصاد والصناعة، التنمية، الزراعة، السياحة، والطاقة) من بين الخبراء والكفاءات المتخصصة، وذلك ضمن إطار حكومة تكنوقراطية تهدف إلى انتشال البلاد من الانهيار الاقتصادي وإعادة بنائها. من الضروري معالجة مشكلات نقص الغذاء والبنزين وتقليل انقطاع الكهرباء. كما أن تعيين امرأة في منصب وزيرة يعد أمرًا إيجابيا ويحظى باهتمام المجتمع الدولي. وكان من المهم ولا يزال أن تُعامل وزارتا الإعلام والثقافة بشكل منفصل عن الوزارات الأخرى مثل الشؤون الدينية، الصحة، التعليم، الشباب والثقافة، لضمان تقديم صورة دقيقة ومتكاملة وواعدة عن سوريا على الصعيدين الداخلي والخارجي. ورغم أن سوريا لا تزال أمامها تحديات كبيرة، فإن إرادة الشعب السوري وجهوده قادرة على تحقيق ما يبدو مستحيلًا.
1311
| 02 أبريل 2025
تعد إسطنبول التي يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة، أكبر مدن تركيا. ورغم أن أنقرة هي العاصمة السياسية، إلا أن إسطنبول تمتلك ثقلًا اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا بارزًا. أكرم إمام أوغلو، الذي خاض الانتخابات البلدية عامي 2019 و2024 كمرشح للمعارضة، نجح في الفوز بالمنصب في كلتا المناسبتين. في صيف 2023، رغب في الترشح للانتخابات الرئاسية، لكن رئيس حزب الشعب الجمهوري آنذاك، كمال كليتشدار أوغلو، قرر الترشح بنفسه. بعد هزيمة كليتشدار أوغلو في الانتخابات، لعب إمام أوغلو دورًا محوريًا في الإطاحة به داخل الحزب، حيث دعم انتخاب أوزغور أوزل رئيسًا جديدًا لحزب الشعب الجمهوري في نوفمبر 2023، ما جعله الشخصية الأكثر نفوذًا داخل الحزب. استمرت الشائعات والتحقيقات حول قضايا الفساد المتعلقة بأكرم إمام أوغلو، الذي يسعى للوصول إلى الرئاسة في عام 2028. كما وردت مزاعم عن استغلاله أموال بلدية إسطنبول لتمويل شبكة إعلامية واسعة تضم وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي. تمكن إمام أوغلو من إعادة تشكيل نهج حزب الشعب الجمهوري، حيث خفف من طابعه العلماني المتشدد واعتمد أسلوبًا أكثر براغماتية وشعبوية. نجح في استمالة أصوات من الأوساط المحافظة والكردية، إلى جانب دعم القواعد التقليدية للحزب من العلمانيين والعلويين. وعلى الرغم من انتمائه لعائلة بارزة في قطاع المقاولات وامتلاكه ثروة عقارية كبيرة، استطاع كسب تأييد الطبقات الوسطى والفقيرة. يبلغ حجم ميزانية بلدية إسطنبول 213 مليار ليرة تركية، متجاوزًا ميزانيات وزارات الخارجية والداخلية والعدل والتجارة والسياحة. وبفضل حصتها من الميزانية العامة للدولة، إلى جانب إيراداتها الذاتية، تتمتع البلدية ببنية قوية ومستقلة نسبيًا. في تسعينيات القرن الماضي، نجح رجب طيب أردوغان في تحويل نجاحه في رئاسة بلدية إسطنبول إلى انطلاقة نحو السياسة الوطنية. أما أكرم إمام أوغلو، فقد اختار التركيز على بناء شبكة من الدعاية والعلاقات العامة بتمويل من موارد البلدية، بدلًا من إعطاء الأولوية للخدمات البلدية، بهدف التمهيد لدوره في السياسة العامة. في نفس الوقت، رئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش، حقق نجاحًا أكبر بفوزه بنسبة 60% من الأصوات، مقارنة بـ 51% التي حصل عليها إمام أوغلو، وكان هو الآخر يسعى للترشح لرئاسة الجمهورية. أدى التحقيق في قضايا الفساد الذي أطلقته وزارة العدل هذا العام إلى رفع دعوى قضائية ضد إمام أوغلو بتهم الفساد وتحويل أموال إلى منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية. سعى إمام أوغلو وحليفه أوزغور أوزل، اللذان أرادا تحويل هذه القضية القضائية إلى معركة سياسية واستعجال ترشيح إمام أوغلو للرئاسة في الانتخابات المقبلة بعد ثلاث سنوات. أما منصور يافاش، الذي كان يرغب أيضًا في الترشح، فقد أبدى ترددًا ولكن لم يعارض ذلك بشكل علني. وأوضح يافاش أنه رغم قوة إمام أوغلو داخل حزب الشعب الجمهوري، إلا أنه كان أكثر شعبية بين الجمهور العام، مشددًا على أنه لا داعي للعجلة فيما يتعلق بالانتخابات القادمة. تم إصدار قرار اعتقال بحق أكرم إمام أوغلو وعدد من الأشخاص المقربين منه بتهمة تشكيل منظمة غير قانونية والإضرار بالممتلكات العامة. نتيجة لذلك، تم إلغاء منصبه كرئيس لبلدية إسطنبول، مما وجه ضربة قوية لمسيرته السياسية. يعد هذا تطورًا بالغ الأهمية ذا تأثيرات حادة. حبسه وقطع التمويل الذي كان يوزعه من ميزانية البلدية سيؤدي إلى تقليص تأثيره السياسي بشكل كبير. من ناحية أخرى، حاولت قيادة حزب الشعب الجمهوري تصوير هذه القضية كعملية سياسية، ودعت إلى الاحتجاجات الشعبية، وهو ما حقق بعض النجاح. الحزب يواصل تصعيد الأزمة السياسية من خلال استغلال ورقة المظلومية وزيادة الفاتورة الاقتصادية والسياسية. الاحتجاجات ظلت مقتصرة على الحزب الجمهوري ولم تمتد إلى الجماهير الأوسع. في هذه المرحلة، سيكون من الضروري أن تكشف المحاكمة عن الأدلة المتعلقة بالفساد ومدى تأثيرها على الرأي العام التركي. في تركيا القضاء مستقل، ولكن إذا لم تسفر المحاكمات عن نتائج مقنعة، فإن الانطباع بأن أردوغان يشن حملات ضد خصومه السياسيين سيزداد قوة مما سيتسبب في ضرر كبير. ومع ذلك، تبقى هذه الفرضية ضعيفة لأن مثل هذه العمليات الجادة لا تقوم على أدلة زائفة. في هذه الأثناء، فقد إمام أوغلو منصبه كرئيس لبلدية إسطنبول، وشهادته، وأموال البلدية، مما يجعل عودته صعبة على الصعيد الشخصي، ولكنها ليست مستحيلة. في المستقبل، سيستمر حزب الشعب الجمهوري في استخدام ورقة المظلومية، وسيزيد نفوذ أوزغور أوزل، منصور يافاش، وكمال كيليتشدار أوغلو داخل الحزب. في السنوات الثلاث المقبلة حتى الانتخابات، سيعتمد المشهد السياسي الجديد على المعركة الداخلية في حزب الشعب الجمهوري، وأحداث المحاكمة، بالإضافة إلى التوازنات في السياسة الداخلية والدولية.
939
| 26 مارس 2025
عند الحديث عن الوجود التركي في الشرق الأوسط، غالبًا ما تُذكر الدولة العثمانية، غير أن تأثير الأتراك في المنطقة يعود إلى فترات أسبق، لا سيما في عهد السلاجقة والمماليك. فقد لعبت الإمبراطورية السلجوقية الكبرى، التي تأسست في القرن الحادي عشر، دورًا محوريًا في تاريخ الشرق الأوسط. وينحدر السلاجقة من القبائل التركية في آسيا الوسطى. بدأ صعود السلاجقة، الذين جاءوا من الأتراك الأوغوز الذين اعتنقوا الإسلام حديثًا في العصر العباسي، بزعامة طغرل بك. الذي نجح مع شقيقه جغري بك في توحيد القبائل التركية تحت قيادتهما وتمكنا من تأسيس إمبراطورية واسعة امتدت من الخليج العربي إلى سوريا والأناضول. كان للسلاجقة تأثير سياسي واقتصادي وديني واسع في المنطقة العربية حيث سيطروا على طرق التجارة البرية والبحرية، وحاربوا النفوذ الفاطمي، وعملوا على تعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة. *كان الإرث الأبرز للسلاجقة يتمثل في حماية الخلافة العباسية وتعزيز الإسلام السني. ففي عام 1055، دخل طغرل بك بغداد بدعوة من الخليفة العباسي وأنهى حكم البويهيين الشيعة. وبذلك اكتسب السلاجقة مكانة عظيمة باعتبارهم المدافعين عن الإسلام السني. وقد منحهم هذا التحالف مع الخلافة الشرعية الدينية، وساعدهم أيضًا على توسيع الإمبراطورية. كما شكل هذا الحدث بداية الهيمنة الإسلامية التركية في الشرق الأوسط والتي استمرت لمدة تسعة قرون. وصلت الإمبراطورية السلجوقية إلى ذروتها في عهد ألب أرسلان وملك شاه. شهد عهد ألب أرسلان فتوحات عظيمة، حيث تمكن عام 1065 من توحيد ضفتي الخليج العربي بعد سيطرته على عُمان، ثم عزز قوته بالاستيلاء على سوريا عام 1070. وجاء انتصاره في معركة ملاذكرد عام 1071 ليُمهد الطريق أمام الاستيطان التركي الإسلامي في الأناضول. ومع تزايد ضعف بيزنطة أمام المسلمين، لجأت إلى طلب الدعم من المسيحيين في الغرب، مما أدى إلى اندلاع الحروب الصليبية. وقد تصدى السلاجقة، ومن بعدهم الزنكيون والمماليك والعثمانيون، للهجمات الصليبية بكل حزم وقوة. * أنشأ السلاجقة بنية دولة قوية من خلال الجمع بين التقاليد البيروقراطية التي ورثوها من الساسانيين والعباسيين والأنظمة العسكرية التركية. وقد أنشأوا نظامًا مرنًا يسمح بالحكم المحلي من خلال حكام المقاطعات الذين أطلق عليهم اسم «الأتابكة» والذين كانوا مسؤولين عن الشؤون الإقليمية. كان أحد أهم الابتكارات الإدارية للسلاجقة هو نظام الإقطاع (التيمار). وفي هذا النظام، تم تخصيص عائدات الأراضي لموظفي الخدمة المدنية والجنود مقابل خدماتهم. وبهذه الطريقة ضمن ولاء أفراد الجيش للدولة وأصبحت إيرادات الدولة منتظمة. وقد وضع هذا النظام الناجح فيما بعد الأساس لنظام «تيمار» في الدولة العثمانية. *أنشأ الوزير السلجوقي الشهير نظام الملك المدارس النظامية التي كانت تهدف إلى تدريب المسؤولين والعلماء الذين سيخدمون الإمبراطورية وما بعدها. وقد أسسوا وموّلوا العديد من المدارس التي لعبت دورًا مهمًا في نشر المعرفة. ومن خلال هذا النظام، تم إنشاء رابط قوي بين التعليم والإدارة. كما قام السلاجقة بحماية الفنون والعلوم وخلق بيئة تشجع على التعلم والابتكار. كما عملوا على تعزيز التقاليد الإسلامية السنية باعتبارهم حماة للخلافة العباسية. وفي تطور الإسلام الصوفي، كان لشخصيات مهمة مثل الغزالي وجلال الدين الرومي تأثير على الفكر والممارسة الإسلامية حتى يومنا هذا. *وعلى الصعيد الفني فقد ساهموا بأعمال عظيمة في الأدب الفارسي خلال العصر السني، كما قدموا مساهمات جدية في مجال العمارة. قاموا ببناء هياكل ضخمة مزينة بأنماط هندسية معقدة وخطوط تجمع بين التأثيرات الفارسية والتركية والإسلامية. ومن أبرز إنجازاتها المعمارية المسجد الكبير في أصفهان، وهو مثال ممتاز للفن السلجوقي. كما قام السلاجقة ببناء العديد من القوافل، مما سهل التجارة والاتصالات عبر أراضي الإمبراطورية الشاسعة، مما ساهم في الازدهار الاقتصادي للمنطقة. * سهل التفاعل السلجوقي مع أوروبا خلال الحروب الصليبية التبادل الثقافي والنمو الفكري، مما ساعد في ظهور عصر النهضة وأثر بشكل كبير على مسار الحضارة الغربية. باختصار، يعد إرث الإمبراطورية السلجوقية في الشرق الأوسط، التي نشأت في آسيا الوسطى، إرثًا متعدد الجوانب ودائم التأثير. فقد ترك السلاجقة بصماتهم في مجالات العمارة، الاستراتيجية العسكرية، الإدارة، الثقافة والدين، مما أثر بشكل عميق في تاريخ المنطقة ومستقبلها. كما كان لإرثهم تأثير بالغ على الدول الإسلامية التي تلتهم، وخاصة الدولة العثمانية.
588
| 19 مارس 2025
يشهد العالم، وخاصة الشرق الأوسط، تسارعًا غير مسبوق في وتيرة الأحداث. قبل ستة أشهر، كانت الولايات المتحدة تدعم أوكرانيا بشكل كامل ضد روسيا، أما اليوم، فيبدو أن ترامب يتبنى موقفًا يميل لصالح موسكو ويلقي باللوم على كييف. وبالمثل، كان يُعتقد أن الثورة السورية قد انتهت وأن بشار الأسد باقٍ في السلطة، إلا أن ديسمبر الأخير حمل معه مفاجأة كبرى، حيث انهار نظام الأسد، وظهرت ملامح مرحلة جديدة في سوريا. هذا التغيير المفاجئ أدى إلى تبديد الاستثمارات الروسية والإيرانية في سوريا، كما انعكس سلبًا على نفوذ طهران في لبنان والعراق. في الوقت نفسه، اقتربت تركيا خلال الشهر الأخير من إنهاء مشكلة الإرهاب التي استمرت لأربعة عقود مع حزب العمال الكردستاني. هذه التحولات السريعة والمتلاحقة تعيد رسم المشهد السياسي في المنطقة والعالم، ما ينذر بمرحلة جديدة مليئة بالتحديات والفرص. * خلال الأسبوع الماضي (6-8 مارس)، شهدت المناطق الساحلية الغربية لسوريا تمردًا مفاجئًا قادته ميليشيات مسلحة تابعة لنظام الأسد، حيث أعلنت عن تشكيل "المجلس العسكري لتحرير سوريا". وهاجمت هذه الجماعات قوات الأمن المركزية في محاولة لإنشاء كيان مستقل في مدن مثل اللاذقية وطرطوس. وأسفرت المواجهات العنيفة مع القوات الحكومية عن سقوط أكثر من 500 قتيل من الجانبين، وفقًا للتقارير الواردة. أثارت هذه التطورات مخاوف بشأن مستقبل البلاد، حيث تصاعدت التساؤلات حول إمكانية عودة النظام القديم أو انزلاق سوريا نحو التقسيم. وردًا على ذلك، شهدت مدن كبرى مثل دمشق وحلب وحمص وإدلب مظاهرات واسعة، عبّر خلالها المواطنون عن دعمهم للحكومة المركزية ورفضهم لمحاولات إحياء النظام السابق. * وفي الأيام التالية، تمكن الجنود الحكومية من السيطرة على الوضع، لكن البلاد والمنطقة شهدتا صدمة وقلقاً كبيرين. واتُّهم كلا الجانبين في الصراع بقتل المدنيين، وأصبح الصراع قضية دولية نوعا ما. ومن المهم بشكل خاص أن هذا التمرد جاء عقب بعض التطورات المهمة. في البداية جاءت التصريحات الاستفزازية من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول الدروز في جنوب سوريا ومطالبته للحكومة المركزية بالابتعاد عن جنوب دمشق. وبعدها جاء الإعلان من المسؤولين الكبار أن إيران أنشأت جبهة مقاومة في سوريا. وفي أعقاب الانتقادات التركية لجهود إيران في زعزعة الاستقرار في سوريا، نشأت مشادة كلامية وتهديدات متبادلة بين البلدين. * أصدرت العديد من المنظمات الدولية الغربية بيانات تدعو إلى وقف المجزرة العلوية في سوريا. ولكن، هذه الحكومات والمنظمات الغربية نفسها كانت قد صمتت سابقاً تجاه المجازر التي تعرض لها السوريون. استجابةً لهذه الانتقادات، أعلنت الحكومة السورية عن تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت ضد المدنيين. كما أصدرت تركيا وقطر والسعودية ومصر وبعض الدول العربية تصريحات دعم للحكومة السورية. لو استمرت الاشتباكات لفترة طويلة، لكان من المحتمل أن تزداد الضغوط على الحكومة السورية وتُسمع دعوات للتدخل الدولي. ولحسن الحظ، لم يحدث ذلك، وتم قمع التمرد، مما قلل من خطر تقسيم البلاد وفتنة الصراع الطائفي وتهديد التدخل الدولي. من أبرز التطورات التي شهدها هذا الأسبوع، التوصل إلى اتفاق بين الحكومة المركزية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) على تسوية شاملة واندماج بين الجانبين. وقد عبّرت الجماهير العربية والكردية عن ترحيبها بالاتفاق من خلال احتفالات في شوارع مدن شمال سوريا. يعزز هذا الاتفاق الآمال في توحيد سوريا وتقويتها، ويحد من مخاطر الانقسام. بالنسبة للحكومة المركزية، أصبح هذا الاتفاق أكثر إلحاحًا بعد الفتنة التي اندلعت في منطقة الساحل. ينص الاتفاق على التأكيد على أن الأكراد هم جزء أصيل من الشعب السوري وأنهم لن يُستبعَدوا من العملية السياسية، مع إعلان وقف إطلاق النار في جميع المناطق لضمان وحدة البلاد. كما يتضمن الاتفاق توحيد القوات المسلحة، والمعابر الجمركية والمطارات، والمنشآت النفطية، إلى جانب التأكيد على التعاون لمكافحة فلول نظام الأسد. في مقالنا السابق، أشرنا إلى أن حل القضية الكردية في تركيا سينعكس إيجابا على سوريا. إن الاتفاق في سوريا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتصالح في تركيا (خاصة بعد تسليم حزب العمال الكردستاني أسلحته). لولا الضغط التركي، لما كانت قسد لتوافق على الاتفاق، لأنهم لا يزالون يسيطرون على قوة تفوق ما يستحقونه بدعم من الغرب وإسرائيل. ومع الاتفاق الأخير، فإن موارد النفط والأراضي والمياه التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية ستكون ملكًا لجميع السوريين. وسيزداد التعاون والاستقرار التركي الكردي العربي في منطقتنا وكذلك في سوريا. في ضوء هذه التطورات المتسارعة، نأمل في أن نشهد منطقة أكثر سلمًا وأقل نزاعًا.
1026
| 12 مارس 2025
مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور...
13740
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به...
1815
| 21 نوفمبر 2025
عندما أقدم المشرع القطري على خطوة مفصلية بشأن...
1275
| 25 نوفمبر 2025
شهدت الجولات العشر الأولى من الدوري أداءً تحكيميًا...
1263
| 25 نوفمبر 2025
أصبحت قطر اليوم واحدة من أفضل الوجهات الخليجية...
1203
| 25 نوفمبر 2025
في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17...
1176
| 20 نوفمبر 2025
في مدينة نوتنغهام الإنجليزية، يقبع نصب تذكاري لرجل...
1083
| 23 نوفمبر 2025
كنت في زيارة لإحدى المدارس الثانوية للبنين في...
1023
| 20 نوفمبر 2025
في عالم يتسارع كل يوم، يصبح الوقوف للحظة...
921
| 20 نوفمبر 2025
في زمن تتسارع فيه المفاهيم وتتباين فيه مصادر...
831
| 25 نوفمبر 2025
حينما تنطلق من هذا الجسد لتحلّق في عالم...
750
| 21 نوفمبر 2025
الصداقة من خلال الرياضة.. الشعار العالمي للمجلس الدولي...
708
| 24 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية