رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

القوى الكبرى والأزمة الفلسطينية

ما هو النهج الذي ستتبعه القوى الكبرى في التعامل مع الصراع الأخير في غزة والهجمات الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني؟ فمن المفهوم أن الغرب لم يكن راغباً في تغيير الوضع الراهن الذي صممه في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن القوى الكبرى الأخرى لا ترى تغييرا كبيرا. على سبيل المثال، قال الرئيس الروسي بوتين إن إسرائيل كانت ضحية لهجوم مروع وإن لها الحق في الدفاع عن النفس ضد «الوحشية» غير المسبوقة لهجوم حماس وشدد على الحاجة إلى وقف إطلاق النار وحل الدولتين. وضمن تفاهم مبطن مع الولايات المتحدة، فإن لروسيا مصالح في سوريا وليبيا والعراق، لذا ستحاول الحفاظ على مصالحها هناك. وحتى حرب أوكرانيا لم تغير فهمهم المتوافق لمستقبل الأسد وحفتر. وتحاول روسيا الموازنة بين حماس وإسرائيل، وبين إسرائيل وإيران.. الموّردة الرئيسة للطائرات الانتحارية بدون طيار، في حرب روسيا على أوكرانيا. ومن المثير للاهتمام أن روسيا تتمتع بعلاقات جيدة مع اليمين المتطرف الإسرائيلي (نتنياهو وليبرمان) بينما تدعم حليفتها إيران حماس. ومن ناحية أخرى، نلاحظ أن المؤسسات الروسية مثل المخابرات ووزارة الخارجية تميل نحو العرب، وتربطهم علاقات وثيقة منذ العهد السوفييتي. وباعتبارها قوة عظمى كبرى، فإن الصين، التي تحاول موازنة علاقاتها مع الأطراف المتحاربة، انتقدت بشكل غير مباشر هجمات حماس دون تسميتها. ومع تفاقم الوضع في غزة، أصبحت الصين تنتقد الإجراءات الإسرائيلية، حيث قال وزير الخارجية وانغ يي إن «تصرفات إسرائيل تجاوزت الدفاع عن النفس ويجب على إسرائيل ألا تنفذ عقابًا جماعيًا لسكان غزة». ومع اتباع نهج غير بارز في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، فإن الاهتمام الرئيس للصين هو تأمين طرق التجارة في الشرق الأوسط، وهو ما ينعكس في قاعدتها العسكرية في جيبوتي لمنع القرصنة ضد السفن الصينية. ومنطقة الشرق الأوسط مهمة بالنسبة للصين، فهي تشتري منها نصف احتياجاتها من النفط و 15 في المائة من وارداتها من الغاز الطبيعي. ومن المتوقع أن ترتفع هذه المعدلات في المستقبل أيضًا. ومن دون الانحياز إلى أي طرف في الصراع، تدعم الصين حل الدولتين في فلسطين. وقد تفكر الصين في التوسط بين إسرائيل وفلسطين كما فعلت بين إيران والمملكة العربية السعودية. علاوة على ذلك، هناك اختلافان بين سياسات الصين والولايات المتحدة فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. أولاً، لا تشعر الصين بضغوط داخلية تدفعها للتدخل في الصراع. ثانياً، ليس لدى الصين حلفاء للدفاع عنهم في الشرق الأوسط. ومع تقاليدها في العالم الثالث، انحازت الهند تاريخياً إلى جانب العرب لأنها كانت أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية. ومع ذلك، قام مودي القومي الهندي بتغيير هذا النهج في السنوات الأخيرة. وبعد هجمات حماس، خرج مودي لدعم إسرائيل وقال إن حماس منظمة إرهابية. وحاولت وزارة الخارجية الهندية أن تبدو أكثر توازنا بعد تصريحات مودي. ومن ناحية أخرى، فإن 200 مليون مسلم هندي وغيرهم من غير المسلمين يتعاطفون تاريخياً مع فلسطين. إن ماضي الهند الاستعماري جعل الرأي العام هناك أكثر تعاطفاً مع فلسطين المحتلة. وفي عام الانتخابات، فإن نهج مودي المعادي للمسلمين يجعله أقرب إلى إسرائيل ونتنياهو. واليوم، تتمتع الهند وإسرائيل أيضًا بعلاقات عسكرية قوية جدًا. ومثلها كمثل الصين، تشتري الهند أيضاً نفطها من الشرق الأوسط وتريد إنشاء ممر اقتصادي عالمي عبر الخليج وإسرائيل إلى أوروبا كما أُعلن مؤخراً. وربما تعوق الأزمة الفلسطينية وعدم الاستقرار في إسرائيل هذا المشروع الصعب. وتواجه الهند أزمة دبلوماسية مع كندا (جارة الولايات المتحدة) التي اتهمتها بقتل زعماء السيخ في أراضيها. لم تدعم الهند الغرب في حرب أوكرانيا، لذا قد تحاول الآن بذل المزيد من الجهد لإرضاء الولايات المتحدة من خلال دعم إسرائيل.

1506

| 18 أكتوبر 2023

المقاومة الفلسطينية والتحولات الجيوسياسية

ما يسمى بالشرق الأوسط هو قلب العالم لأنه يربط بين 3 قارات و7 بحار. الطموحات الغربية في الشرق الأوسط تعود إلى العصر الروماني، ثم عاودت الظهور خلال الحروب الصليبية، وتضخمت مع غزو نابليون لمصر والحرب العالمية الأولى. وعندما غادر الغرب الشرق الأوسط، زرعوا إسرائيل كوكيل لهم هناك للحفاظ على الانقسام في هذه المنطقة. ولذلك فإن قضية فلسطين (أو القضية الفلسطينية) لا تزال هي المشكلة الرئيسية للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط. وبينما نشهد تغييرات جذرية في جميع أنحاء العالم، فمن الطبيعي أن نرى انعكاسات لهذه التغييرات في الشرق الأوسط. إن القضية الفلسطينية تتعلق بالعدالة والسلام والاستقرار والديمقراطية والتنمية في المنطقة. منذ نشأة إسرائيل، حرص الغرب على ضمان حمايتها من المساءلة عن كافة أنواع الأعمال الوحشية التي ترتكبها ضد الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن الفلسطينيين لم يستسلموا وحافظوا على ديمومة إرادتهم من أجل الاستقلال والكرامة. وتحولت المقاومة الفلسطينية من الدفاع إلى الهجوم على مر السنين. ببساطة، تحولت من المقذوفات البدائية في التسعينيات إلى الطائرات بدون طيار والصواريخ في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وعلى الرغم من الحصار الشديد والمضايقات والهجمات المستمرة التي يتعرض لها الفلسطينيون، لم تتمكن إسرائيل من كسر روح إرادة المقاومة لديهم وإضعاف قوتها، وخاصة في غزة. لقد دفع حكم نتنياهو الذي دام 30 عامًا الجمهور الإسرائيلي نحو سياسات أكثر تطرفًا، وأعطت إدارة ترامب كل ما أراده نتنياهو، بما في ذلك نقل العاصمة الإسرائيلية إلى القدس، والتراجع عن حل الدولتين، وتوسيع المستوطنات. وهناك عدة أسباب أخرى للاحتقان على الجانب الفلسطيني: استمرار حصار غزة، والاعتقالات والقتل العشوائي، وتوسيع الاستيطان، وانتهاكات المساجد، واستمرار مضايقة الفلسطينيين من المستوطنين ورجال الأمن. وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فانه خلال عام 2023 بلغ عدد الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل 200 شهيد، قبل اندلاع هذه الأزمة. الهجمات الأخيرة التي شنتها كتائب القسام من غزة على إسرائيل فاجأت الجميع في الداخل والخارج. لقد حطمت العملية الشاملة صورة الجيش الإسرائيلي القوي واستخباراته، وقيادة نتنياهو المتطرفة. بالطبع ستكون هنالك تداعيات إقليمية لهذه العملية. ستتوقف عملية التطبيع العربي مع إسرائيل لأن صورة إسرائيل القوية قد دمرت بعد هذه العملية، كما أن تعاطف العرب والمسلمين مع فلسطين سيزيد من الضغط على الحكومات العربية للابتعاد عن إسرائيل. كما ستكون هنالك ضربة أخرى على الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وكما ذكرت في مقالتي السابقة في هذه المساحة والمعنونة بـ «حروب الممرات»، فإن تشغيل هذا الممر لا يمكن تأمينه دون السلام في فلسطين. ومن ناحية أخرى، في ظل العلاقات القوية مع اليهود الروس في إسرائيل واليمين المتطرف مثل نتنياهو وترامب، ستكون روسيا سعيدة برؤية صرف انتباه الغرب عن الحرب الأوكرانية. ويبدو حتى الآن أن إسرائيل سترد بقصف غزة وتسويتها بالأرض إذا ظل الرأي العام الدولي صامتاً إزاء الفظائع الإسرائيلية. ومن غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل ستنفذ أو تستطيع القيام بعملية برية في غزة أو ما إذا كان حزب الله سيدخل الصراع من الشمال. أعتقد أن إسرائيل ستتعامل بحذر على الجبهتين لتجنب مفاجأة أخرى وهزيمة قد تعني نهاية إسرائيل. ومن المحتمل أن تعتمد بشكل كبير على القصف الجوي. ومن المؤكد أن هذه الأزمة ستساعد في تحسين صورة إيران في الشرق الأوسط باعتبارها الراعي الرئيسي لحماس حالياً. ولكن القضية الفلسطينية ليست مشكلة إيران وحدها، بل هي مشكلة المنطقة والعالم الإسلامي برمته. وتتيح الأزمة الأخيرة فرصة لدول إقليمية مثل قطر وتركيا لأخذ زمام المبادرة لقيادة الدول الإسلامية لاتخاذ موقف موحد ضد المجازر الإسرائيلية والضغط على أمريكا والغرب، لإجبار إسرائيل على الجلوس في مفاوضات سلام دائم واستقرار في المنطقة. إن الإبادة الجماعية للفلسطينيين ستؤدي إلى تعبئة شعبية كبيرة في الدول العربية، مما يؤدي إلى جولة جديدة من الربيع العربي لا يريدها الغرب.

2580

| 11 أكتوبر 2023

طوفان درنة.. المأساة التي كشفت حجم الفوضى في ليبيا

ليبيا.. تلك الدولة الرئيسة والحساسة في المغرب العربي، تعاني من سوء الإدارة المزمن، والخلافات الداخلية، والتدخلات الأجنبية. تعتبر هذه البلاد مهمة للسلام والاستقرار والرفاهية في منطقة البحر الأبيض المتوسط والعالم العربي وأفريقيا. عاشت البلاد في ظل نظام « الحاكم الأوحد» لمعمر القذافي لمدة 40 عامًا تقريبًا، ولم يكن أداؤها جيدًا خلال العقد الماضي بعد سقوط ديكتاتوريته في عام 2011. وبينما لا تزال الاقتتالات الداخلية المستمرة، ومحاولات الانقلاب، وضعف القيادة، تهدد استقرار البلاد اليوم، حدثت الفيضانات العارمة الأخيرة التي أودت بحياة أكثر من 10 آلاف شخص في مدينة درنة على الشاطئ الليبي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط في 12 سبتمبر/أيلول الماضي. كارثة درنة مأساوية جداً وتبعث على الحزن، ولكنها أيضًا تحكي الكثير عن الوضع المروع في هذا البلد الكبير، الذي يمتلك النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى. مدينة درنة تعرضت لكارثة طبيعية، لكن معظم الدمار الذي حصل خلال تلك الكارثة كان من صنع الإنسان، بسبب سلسلة من الأخطاء التي ارتكبتها حكومة حفتر التي تحكم شرق ليبيا. كما ان حكومة الوفاق الوطني في طرابلس لا تبدو بحال أفضل أو أكثر قدرة على إصلاح أضرار تلك الكارثة. وكان أحد الأخطاء هو أن المسؤولين الليبيين لم يتابعوا توقعات الطقس ويتخذوا التدابير اللازمة. وحتى لو فشلت إدارة حفتر، كان بإمكان الحكومة المركزية في طرابلس على الأقل تحذير الناس. اللجنة البلدية في درنة اجتمعت قبل يوم من هطول الأمطار وحدوث الاعصار، وقررت إخلاء المدينة من خلال تفويض مدير أمن درنة بتنفيذ القرار. إلا أن رئيس الأمن لم ينفذ القرار وأمر من جانبه بفرض حظر التجوال «المميت» على المواطنين بدلاً من ذلك. من المحتمل أن حكومة حفتر أعطت الأمر بإبقاء الناس في منازلهم خلال الفيضانات عن قصد، أو بطريقة عفوية، وفي كلتا الحالتين، التسبب في وفاة هذا العدد الكبير من الأشخاص (عمداً أو إهمالاً) يعتبر جريمة. وانهار السدان اللذان كان من المفترض أن يحميا المدينة من الفيضانات، بسبب عدم وجود صيانة مناسبة منذ التسعينيات، مما تسبب في أضرار جسيمة. وفي اليوم التالي للكارثة، احتج أهالي درنة ضد إدارة حفتر، لكن المدينة المصابة أُغلقت أمام العالم الخارجي. وعزز رجال حفتر القبضة الأمنية في مواجهة المظالم الشعبية، ولم يسمحوا إلا لوسائل إعلام مختارة بالوصول إلى منطقة الكارثة. لذا فإن ما يحدث حقاً في درنة اليوم ليس واضحاً تماماً للعالم الخارجي. هنالك أنباء عن قدوم الجيش المصري للمساعدة في السيطرة على الوضع الأمني، وتوجه حفتر إلى روسيا للقاء بوتين، على الأرجح للحصول على مساعدة عسكرية أو أمنية. إن إضعاف حفتر سيجعله أكثر يأسًا من دعوة التدخل الأجنبي ويجعله أكثر استبدادًا، مما يزيد من مستوى المعارضة والكراهية بين الليبيين. أرسلت العديد من الدول مثل قطر وتركيا والكويت مساعدات إلى درنة، لكن الدمار أكبر من أن يتم إصلاحه على المدى القصير. ولسوء الحظ، نحن (الجمهور العالمي) لا نعرف حجم الأضرار في المدينة والعدد الدقيق للوفيات والمفقودين. إدارة حفتر أوقفت منظمات المجتمع المدني عن الإبلاغ المبكر عن عدد القتلى والمفقودين. إن غياب الشفافية يحجب الصورة الحقيقية للدمار ويعوق ملاحقة المسؤولين عن ارتفاع عدد القتلى. وبدون إجراء تحقيق دولي، فإن مقتل الآلاف سوف يمر دون عقاب ودون حتى الاعتراف بحدوثه. ما يهتم به الغرب بشأن ليبيا هو الطاقة والمهاجرين القادمين من هناك. لقد أثبت الزمن أنهم ليس لديهم مصلحة في تحسن الأوضاع في هذا البلد واستقراره، حيث أبناؤه الليبيون منقسمون بسبب المخاوف الإقليمية والقبلية والأيديولوجية. وبقية القوى العالمية الكبرى مشغولة أيضًا بالحرب في أوكرانيا ولا تهتم كثيرًا اليوم باستقرار ليبيا. لقد فشلت «الحكومات» الليبية الحالية في الشرق والغرب. وكان رئيس الوزراء الدبيبة قد اهتز بالفعل من تبعات انكشاف لقاء وزيرة خارجيته المنقوش مع وزير الخارجية الإسرائيلي، فضلاً عن الاقتتال بين ميليشيات قوات الردع ولواء 444. اجراء الانتخابات كذلك يبدو مستبعداً جداً، بسبب الخلافات حول طبيعة الترشيح وآليات تنفيذ الانتخابات. ولذلك فإن تجديد الشرعية بحكومة وفاق وطني جديدة، بوجوه جديدة، بتفويض أممي، لتحضير البلاد لانتخابات حقيقية، هو الحل الأفضل المطروح في الأفق. وسيكون التعاون الأوسع بين دول المنطقة مثل تركيا ومصر ودول مجلس التعاون الخليجي بشأن ليبيا أمرًا بالغ الأهمية أيضًا.

2076

| 04 أكتوبر 2023

القوقاز وآسيا الوسطى.. ماذا تعنيان للعالم العربي؟

من الواضح أننا نعيش فترة التحولات على المستوى العالمي والإقليمي. مثلما رأينا التحولات في المنطقة العربية في العقد الأخير، نراها حالياً في منطقة القوقاز المعروفة بأهميتها الجيوإستراتيجية، بالنسبة للشرق والغرب، وللجنوب والشمال، هذه المنطقة كانت حاسمة في الحربين العالميتين، الأولى والثانية. العالم التركي المعروفة باسم تركستان القديم في آسيا الوسطى منطقة مهمة أيضا بإرثها التاريخي. هذه المنطقة كانت لؤلؤة العالم الإسلامي بمراكزها العلمية والتجارية، التي كانت توازي الأندلس. بعدما دمر المغول آسيا الوسطى في القرون الوسطى، عاشت هذه المنطقة ذروة قوتها العسكرية في عهد الدولة التيمورية التي وصلت إلى الأناضول وإلى بلاد الشام في القرن الخامس عشر. احتضنت آسيا الوسطى العديد من الدول والحضارات المتعاقبة في التاريخ، وأبرزها دولة المغول والدولة التيمورية. آسيا الوسطى ضعفت بعد انهيار الدولة التيمورية وبرزت دول متعددة في مكانها. هذه المنطقة التركية سقطت في يد الحكم الروسي القيصري في القرنين الثامن والتاسع عشر. بعد الثورة البلشفية حاولت الشعوب التركية في آسيا الوسطى أن تنال استقلالها بعد الحرب العالمية الأولى لكنهم قُمعوا بقسوة. ثم تمكنوا من تحقيق استقلالهم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وبرزت دول أذربيجان وأوزبكستان وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان. معظم دول آسيا الوسطى هي غنية بالنفط والغاز، لكن بدرجة أقل من الدول العربية النفطية. على سبيل المثال، كازاخستان معروفة بالأراضي الشاسعة الخصبة إضافة إلى النفط والغاز، والدول الأخرى في هذه المنطقة لها خصوصيات مختلفة، أهمها موقعهم الجغرافي بين قوتين عالميتين، الصين وروسيا، فضلاً عن وقوع دول آسيا الوسطى على الممرين الشمالي والأوسط لطريق الحرير الصيني (مبادرة الطريق والحزام). هذه المنطقة أصبحت مهمة أكثر بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وبعد تصاعد هواجس الصراع المرتقب بين الصين والولايات المتحدة، لذلك زاد اهتمام هذين الطرفين بآسيا الوسطى. تركيا من جهتها لها علاقات متميزة وروابط قوية مع دول آسيا الوسطى التركية، خاصة الثقافية والسياسية والاجتماعية، فشعوبهم تتحدث باللهجات التركية. هنالك أربعة عوامل متداخلة، عززت من مكانة دول آسيا الوسطى في السنوات الأخيرة. الأول، الضغط الأمريكي على الصين أدى إلى ازدياد الاهتمام الأمريكي بهذه المنطقة. شهدنا ذلك أثناء جائحة كورونا وفي عهد دونالد ترامب. العامل الثاني، حدث في نفس وقت العامل الأول تقريباً، وهو انتصار أذربيجان وتمكنها بدعم من تركيا من استعادة أراضيها في إقليم قرة باغ من سيطرة الأرمن، مما رفع معنويات شعوب آسيا الوسطى وزاد من ثقتها بنفسها، وخلخلت النفوذ الروسي التقليدي في هذه المنطقة، ولو جزئيا. العامل الثالث هي الحرب في أوكرانيا، فهي أيضا تؤدي إلى تآكل نفوذ روسيا في المنطقة، وإشغال الروس عن التطورات في آسيا الوسطى. آخر مثال على ذلك، عندما أكملت أذربيجان إستعادة أراضيها في قرة باغ إبان حرب العام 2020، سارعت روسيا إلى ترسيخ موطأ قدمها في القوقاز، بذريعة التوسط بين طرفي الصراع أذربيجان وأرمينيا ونشر قوات سلام روسية في منطقة الصراع، لكن مسارات الحرب في أوكرانيا والانتصار الأذربيجاني الأخير باستعادة ما تبقى من إقليم قرة باغ الأذربيجاني من سيطرة الأرمن ألغت ذلك المخطط الروسي. العامل الرابع، سعي الغرب لتأمين مصادر لموارد الطاقة بديلة عن موارد الطاقة الروسية، عزز كذلك من مكانة الدول التركية النفطية في آسيا الوسطى، مثل الدول العربية النفطية. في ظل هذه التطورات، أصبح التعاون بين الدول العربية ودول آسيا الوسطى التركية مهما جداً، في المجالات الأمنية والطاقوية والسياسية. من جانب آخر، يمكن للدول الدول العربية، خاصة الخليجية، أن توازن الضغوطات الإيرانية من الشرق والشمال، من خلال علاقاتها بدول آسيا الوسطى. الدول العربية بدأت تهتم بجدية أكبر بآسيا الوسطى، قمة جامعة الدول العربية في عام 2022 في الجزائر استضافت الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، وعقدت القمة الخليجية مع دول آسيا الوسطى في مدینة جدة بالمملكة العربية السعودیة في تموز الماضي من العام الحالي. البیان الختامي لقمة جدة أكد على «أهمیة تعزیز العلاقات السیاسیة والإستراتیجیة بين الدول الخليجية ودول آسيا الوسطى، إضافة الى التعاون التجاري والاقتصادي وتشجيع الاستثمار المشترك»، وأشار البيان إلى ضرورة تطوير طرق النقل بين المنطقتين وبناء الشبكات التجارية واللوجستية. حروب الممرات التجارية واللوجستية تحظى بأهمية كبيرة في الآونة الأخيرة، ومن المتوقع أن الروابط التاريخية والمعنوية بين الشعوب ستسهم بشكل كبير في تشكيل العالم الجديد. إذن، العلاقات بين الدول العربية والدول التركية في آسيا الوسطى تكتسب أهمية إستراتيجية في العالم المتغير.

2118

| 27 سبتمبر 2023

حروب ممرات التجارة العالمية: بين الأمس واليوم

عندما خسرت الإمبراطورية العثمانية مصر وقناة السويس لصالح بريطانيا العظمى، أرادت بناء طريق تجاري بديل يربط بين الشرق والغرب، فتم التخطيط لإنشاء خط سكة حديد برلين - بغداد لربط الخليج العربي (والمحيط الهندي) ببحر الشمال، وأن يكون خط سكة حديد الحجاز بمثابة خط سكة حديد موازٍ لقناة السويس ولطرق المواصلات البحرية المؤدية إلى اليمن، لكن مسارات الحرب العالمية الأولى ونتائجها أوقفت هذه المشاريع، وأصبح اليوم لدينا شرق أوسط مختلف صممه الغرب. وبينما بدأت الجغرافيا السياسية العالمية تتغير مع صعود الصين مؤخراً، فإننا نشهد مؤخراً تجدد الحروب التجارية وحروب الممرات التجارية، وتركز هذه المنافسة العالمية على مشروع الصين العالمي المسمى مبادرة الطريق والحزام، الذي يهدف إلى نشر المنتجات الصينية في جميع أنحاء العالم بسرعة وأمان. أثبتت جائحة كورونا أهمية سلاسل التوريد، كما أثبتت حرب أوكرانيا أهمية طرق المواصلات البحرية، مثال على ذلك أزمة نقل الحبوب في حوض البحر الأسود، وأعلنت البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي عن مشاريع مماثلة للتجارة العالمية، وأطلقت الولايات المتحدة بالاشتراك مع اليابان وأستراليا مشروع شبكة النقطة الزرقاء الذي يدعم الاستثمار في مشاريع البنية التحتية عالية الجودة حول العالم، واقترحت روسيا إنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومؤخراً تم الإعلان عن أحدث هذه المشاريع على هامش قمة G20 في الهند، وهو ممر الهند-الشرق الأوسط - أوروبا، برعاية ومشاركة أمريكية. تريد إدارة بايدن تحقيق انتصار على الصين الصاعدة قبيل عام الانتخابات القادمة، وشدد مستشاره الأمني جيك سوليفان على إمكانات النمو الاقتصادي والتواصل في الشرق الأوسط. شكك المسؤولون الأتراك في منطق استخدام هذا الممر الجديد إذا تجاوز تركيا التي أكملت بالفعل البنية التحتية لطرق المواصلات والسكك الحديدية الحديثة، تركيا تريد اتصالاً أسرع بآسيا الوسطى عبر ممر زنغزور في القوقاز الجنوبي، وبالخليج العربي عبر العراق، لقد قطعت الحرب الأوكرانية الممر الشمالي لمبادرة الطريق والحزام الصينية، فأصبح ممرها الأوسط الذي يمر عبر أذربيجان أكثر أهمية، ولأن تركيا حالياً مرتبطة بأذربيجان فقط عبر جورجيا أو إيران، فإن تركيا وأذربيجان يضغطان بشدة على أرمينيا لفتح ممر زنغزور لجعل الطريق بينهما أقصر وأسرع. وعلى عكس إيران، تدعم تركيا تفعيل مشروع «قناة التنمية» الذي يخطط العراق لإنجازه بالتعاون مع تركيا، ومع دول المنطقة الأخرى الراغبة في الاستفادة من هذا المشروع، فمثلاً يمكن لدولة قطر أن تستفيد من هذا المشروع بتصدير غازها إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا باستخدام ممر قناة التنمية الذي سينطلق من الأراضي العراقية، ممر قناة التنمية قد يؤدي إلى تعزيز اقتصاد العراق واستقلاله السياسي في مواجهة النفوذ الإيراني. ومن الممكن أن يؤدي الممر الجديد بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا إلى تعقيد الجغرافيا السياسية الإقليمية إذا كان يشمل إسرائيل. وقد يجمع الدول المستبعدة من المشروع مثل عُمان والعراق وتركيا ومصر. بطبيعة الحال، الصين التي تمتلك الكثير من الموارد والمتقدمة في سباق الاقتصاد العالمي لن تظل مكتوفة الأيدي أما هذا الممر الجديد، فيحتوي الممر التجاري الجديد أيضًا على العديد من الثغرات، أولاها أن القوة التنافسية للهند لا تضاهي الصين التي لديها ناتج محلي إجمالي في عام 2022 يعادل خمسة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للهند في ذات العام. وثانية الثغرات هي من سيمول هذا المشروع الكبير، لأن الهند ليست لديها موارد كافية لتمويل هذا المشروع مثل الصين. حاليًا، خصصت الولايات المتحدة والأوروبيون معظم مواردهم لحرب أوكرانيا. ولذلك، فإنهم لن يكونوا متحمسين للغاية لتمويله كمستفيدين غير مباشرين للمشروع. وسيكون المصدر البديل للتمويل هو دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ثالثًا، يؤدي إدراج إسرائيل في هذا المشروع أيضًا إلى تعقيد الأمور، لأن مناقشات التطبيع ستستغرق وقتًا طويلاً مع الدول العربية، وسيكون استقرار إسرائيل أيضًا علامة استفهام للمستثمرين. رابعاً، النسخة الحالية من الممر الجديد ستتخللها عمليات نقل متعددة للبضائع براً وبحراً حيث سيكون مسارها: بر – بحر – بر – بحر – بر. مما سيضيف وقتاً وتكلفة كبيرة للمنتجات الهندية مقارنة بمسار المنتجات الصينية وغيرها في الممرات الأخرى المطروحة للتجارة العالمية. وإذا اختار الخط البديل العراقي- التركي (ممر مشروع قناة التنمية) فسيكون مسار البضائع المشحونة: بر – بحر – بر فقط، مما يقلل زمن وتكلفة المنتجات المنقولة، ناهيك عن تكلفة البنيات التحتية والخدمات اللوجستية. وسوف يمثل هذا المشروع بمثابة إحياء لخط سكة حديد برلين- بغداد، ولذلك فإن الخيار بين الانخراط بمشروع ممر قناة التنمية «الواعد» أو مشروع ممر الهند - الشرق الأوسط - أوروبا «المبهم» سيكون مطروحاً أمام ممولي هذا المشروع، وخاصة المملكة العربية السعودية.

2370

| 20 سبتمبر 2023

هل سيؤدي فتح ممر زنغزور إلى حرب إقليمية في القوقاز؟

تم تشكيل أرمينيا الحالية في منطقة القوقاز الجنوبي-ترانسقفقاسيا- بمساعدة روسيا السوفييتية في نهاية الحرب العالمية الأولى. وأعطت روسيا في تلك الحقبة ممر زنغزور التاريخي لأرمينيا من أجل إضعاف المزايا الجغرافية لأذربيجان، ودعم بقاء الدولة الأرمينية مع إمكانية الوصول إلى إيران من خلالها. إلا أن أرمينيا لم تكتف بهذا المكسب، بل كانت تطمح حتى إلى السيطرة على شرق الأناضول كما ثبت آنذاك في دستورها. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، غزت أرمينيا منطقة كاراباخ عام 1993 وتسببت في نزوح وقتل العديد من الأذربيجانيين. وفي عام 2020، تمكنت أذربيجان من استعادة أراضيها في كاراباخ، وبعدها توصل البلدان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، والبدء بتطبيع العلاقات بينهما. أحد البنود الأساسية في اتفاق وقف إطلاق النار (المادة 9) يتطلب من أرمينيا فتح ممر زنغزور، من أجل ربط جمهورية ناختشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي بوطنها الأم أذربيجان، وناختشيفان هي منطقة أذربيجانية حبيسة بين أرمينيا وإيران وتركيا، منفذها الوحيد نحو أذربيجان هو ممر زنغزور. تركيا أيضاً وعدت بتطبيع علاقاتها مع أرمينيا، بعد التوقيع المزمع على معاهدة السلام الشاملة بين البلدين. الحدود التركية الأرمينية مغلقة بسبب غزوها للأراضي الأذربيجانية ومطالباتها بمنطقة شرق الأناضول. لكن الديناميات الداخلية والخارجية على السواء أخرت إقرار هذه المادة وتوقيع معاهدة السلام الشاملة بين البلدين. نظرًا للطبيعة الحرجة للقوقاز، ترغب كل من روسيا والولايات المتحدة في الحفاظ على أرمينيا كحليف لهما وتزويدها بالدعم الدبلوماسي والمالي. ولم تمارسا أي ضغط عليها للتنازل عن الأراضي التي تغزوها وتضمها لها خلال القرون الثلاثة الماضية. بعد انتصار أذربيجان عام 2020، استمرتا في دعم أرمينيا دبلوماسيًا، حيث أرادت إدارة بايدن معاقبة تركيا أكثر من أذربيجان، من خلال الاعتراف بمزاعم الإبادة الجماعية للأرمن في الحرب العالمية الأولى التي ترفضها تركيا. ولأنهم لا يستطيعون إنكار الحقوق القانونية لأذربيجان في كاراباخ، لم يتمكنوا من الضغط على أذربيجان كثيرًا حتى لا ينفروها من الغرب وإسرائيل. لقد نفد صبر تركيا وأذربيجان بسبب المماطلة في التوصل إلى معاهدة سلام، والتقاعس عن مشروع ممر زنغزور الذي سيسهم أيضاً في تعزيز علاقات تركيا الاقتصادية مع أذربيجان وكذلك مع آسيا الوسطى، والبلدان يريدان أن يمضيان قدماً بذلك. من ناحية أخرى، تريد إيران أن تمنع بشكل فعال فتح ممر زنغزور ومنع التطبيع بين أرمينيا وأذربيجان وتركيا. بعد وقف إطلاق النار في عام 2020، اقترحت تركيا أن يكون ممر زنغزور ليس فقط باتجاه الشرق والغرب ولكن أيضًا باتجاه الشمال والجنوب ليشمل إيران، لكن هذا لم يقنع إيران. العلاقات المتزايدة بين الدول ذات القومية التركية تقلق إيران التي لديها عدد كبير من السكان الناطقين باللغة التركية (مثل الأذريين والتركمان والكاشكاي والأتراك الخراسانيين). كما ان إيران ترى في الجمهوريات التركية الإسلامية بمثابة فناء خلفي لها في آسيا الوسطى. والتعاون المتزايد بين الدول التركية يعني زيادة نفوذ تركيا الذي تتعامل معه إيران بطريقة «المعادلة الصفرية». الدعم العسكري المحتمل الذي تقدمه إيران لأرمينيا يمكن أن يتسبب في رد فعل عنيف وخطير في شمال إيران حيث يعيش عدد كبير من الأتراك الأذربيجانيين. كما أكدت تركيا أن أي هجوم على أذربيجان يعني هجومًا على تركيا نفسها. يرتبط تأخير أرمينيا لمعاهدة السلام مع أذربيجان بالحركة القومية داخل أرمينيا، التي تلوم باشينيان لأنه متساهل وضعيف في الحفاظ على المصالح الوطنية. وبطبيعة الحال، فإن الشتات الأرمني الأكثر قومية وتعصبا في الغرب يتدخل أيضا بشكل سلبي في هذه المسألة. وفي نفس هذه المنطقة الحرجة.. القوقاز، يمكننا القول إن الحكومة الجورجية تميل نحو روسيا في حرب أوكرانيا، بينما تقف أذربيجان على الحياد. ولذلك، يتعين على روسيا / أو الغرب أن يكسبوا أرمينيا إلى جانبهم. الغرب يبدو حريصاً على رؤية مصالحة بين أرمينيا وأذربيجان، في حين تفضل روسيا «بهدوء» أن يستمر الصراع بين البلدين في تشتيت انتباه العالم، إلى الوقت الذي تفرض فيه روسيا نفسها كوسيط أو قوة استقرار في القوقاز. تحشد كل من أذربيجان وأرمينيا حالياً قواتهما حول الحدود بينهما، فيما تتواصل بينهما مناوشات متفرقة أو اشتباكات عسكرية محدودة في المناطق الحدودية، وفي مدينة هانكندي التي من المفترض أن تترك لأذربيجان تدريجيا بحسب اتفاق وقف إطلاق النار السابق. على الرغم من مستوى الضغط الخطير باتجاه التصعيد، إلا انه من المرجح أن تظل الاشتباكات بين الطرفين مقتصرة على منطقة كاراباخ. هناك أخبار عن قيام إيران بإعطاء طائرات بدون طيار انتحارية لأرمينيا ومساعدتها في الحصول على بعض الأسلحة والذخائر من الهند. وفي حين تشعر إيران بالقلق الشديد بشأن احتمال خسارتها الاستراتيجية لممر زنغزور، إلا إنها لن تقامر بالدخول في معركة خاسرة ضد أذربيجان وتركيا، لأن كلا الجانبين يعرفان الخطر المدمر للصراع الإقليمي.

2589

| 13 سبتمبر 2023

انتفاضة العشائر العربية السورية ضد قسد: التوقيت والمدلولات

تبنت إدارة أوباما حزب العمال الكردستاني PKK كشريك في عام 2016 لمحاربة داعش، وتجاهل الأمريكان اعتراضات تركيا ومطالبها بأن تقوم هي بهذا الدور بالتعاون مع الولايات المتحدة. بعد تنديد تركيا المستمر ضد PKK، أطلقوا على PKK في سوريا اسم حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، وزعموا أنهم مختلفون عن PKK، ثم أضافوا لهم لاحقًا نسبة ضئيلة من المقاتلين العرب وأسموهم جميعاً قوات سوريا الديمقراطية - قسد - SDG، لإظهار اختلافها عن PYD. وكان مع هؤلاء أيضاً الميليشيا غير الكردية، مجلس دير الزور العسكري. وبعد سنوات طويلة معًا، توترت العلاقات بين ميليشيات PKK وما يسمى بالإدارات. فبعدما تم طرد PKK وأفرعها من معظم مناطق شمال غرب سوريا، وإضعافها في شمال العراق، بفعل العمليات العسكرية التركية، اشتد حكم PKK وتزايد تعامله القمعي مع السكان المحليين، مما أزعج المجتمعات العربية وفاقم من تذمرها، بما في ذلك في دير الزور. في أواخر آب الماضي قامت قوات قسد الكردية في الحسكة باعتقال أحمد الخبيل قائد مجلس دير الزور العسكري، الملقب بأبو خولة، بعد أن استدعته للتشاور. وأثار ذلك صدامات كبيرة بين قوات قسد والعشائر العربية في دير الزور، وامتدت إلى مناطق عربية أخرى خاضعة لحكم PKK بإشراف أمريكي. وهذا يدل على أن احتقان العرب في تلك المناطق من سطوة PKK أكبر من قضية اعتقال أبو خولة، وأوسع من منطقة دير الزور. أسباب الاحتقان في المناطق التي تحكمها قسد هي: القمع الذي يمارس على المجتمعات العربية، واستمرار الفساد، ونقص الخدمات الصحية والبلدية، وفرض الفكر الشيوعي في التعليم، والتجنيد العسكري الإلزامي للشباب العربي. ولا يريد الشباب العربي أن يكونوا جزءاً من ميليشيات قسد ضد أي عمليات تركية. تحاول ميليشيات قسد ممارسة المزيد من السيطرة على القبائل العربية والميليشيات العربية، بما في ذلك لواء ثوار الرقة، ومجلس دير الزور العسكري. وكان مجلس دير الزور العسكري يحاول إقامة علاقات مباشرة مع الولايات المتحدة والغرب، مما أزعج PKK. وهنالك أسباب أخرى سنناقشها تباعاً. تمثل الاشتباكات الأخيرة نقطة تحول مهمة بالنسبة للمناطق الخاضعة لسيطرة PYD في شمال سوريا. وتراقب تركيا التطورات هناك عن كثب، وهي ما زالت مصرة على إبعاد الجماعات المرتبطة بـ PKK من حدودها وتخطط لعمليات عسكرية مقبلة. الولايات المتحدة وروسيا يواصلان دعم PYD في سوريا، في حين تعهدتا بإنهاء وجود PKK من هناك، لكن ذلك لم يحدث، خاصة في منبج. وتدعم هذه التطورات الادعاءات التركية بأن ميليشيات قسد هو امتداد لـ PKK الذي يريد الهيمنة على المناطق العربية بكوادره وأيديولوجيته. وبطبيعة الحال، لن تهدأ تركيا إلا بعد انتهاء وجود PKK وأنشطته في سوريا والعراق. لكن التوتر الجديد بين PKK والعرب في شمال سوريا جاء في وقت مثير للاهتمام، ترافق مع تغيرات إقليمية ودولية. وآخرها هو تزايد النشاط العسكري الأمريكي في منطقة الحدود العراقية السورية. لا يوجد بيان أمريكي رسمي حول ذلك، لكن الكثيرين يتوقعون (بما في ذلك رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي) بأن تلك النشاطات العسكرية الأمريكية تهدف إلى إغلاق الحدود أمام إيران ووكلائها للسيطرة على نظام الأسد. كما كانت هناك شائعات بأن قوات قسد رفضت أن تكون جزءًا من العملية العسكرية التي قد تتطلب القتال ضد الميليشيات التابعة لإيران. لذلك، من المتوقع أن تكون الولايات المتحدة الآن أكثر استعدادًا لإنشاء قوة قتالية يهيمن عليها العرب، مما يزعج قيادات قسد في المنطقة. ومن ناحية أخرى، فإن إيران سعيدة برؤية المناوشات بين معارضي نظام الأسد، أي بين قسد والعرب السنة. وتعرف إيران أيضًا أن الصراعات ستضر بالخطط الأمريكية الرامية للحد من النفوذ الإيراني، خاصة بعد وقوفها إلى جانب روسيا في حرب أوكرانيا. فائدة أخرى لإيران من هذه التطورات هي استعادة تعاطف وثقة العرب السنة بعد أن ألحقت الضرر بهم في سوريا والعراق. ومثل روسيا، فإن إيران سعيدة برؤية إضعاف أي مجموعات سورية تعارض نظام الأسد. حتى أن روسيا هاجمت القبائل العربية الأخرى التي كانت في طريقها للقتال ضد قسد في دير الزور. ولا تريد كل من روسيا وإيران تغييراً في الوضع الراهن السوري، وهو ما يتعارض مع خططهما. ولذلك، فإن نتيجة الاشتباكات بين قسد والعشائر العربية تحمل انعكاسات خطيرة على مستقبل PKK وإيران في سوريا.

3750

| 06 سبتمبر 2023

تركيا والعراق.. لا يمكن الفراق

رغم أن العراق تأسس كدولة حديثة في 1921، إلا أن أرضه تعد مهداً لأقدم وأهم الحضارات، التي تعايش فيها العرب والأكراد والأتراك لقرون طويلة. وصول الأتراك إلى العراق يمتد إلى أكثر من 1000 عام، منذ بدايات العصر العباسي. ثم تقلد الأتراك أعلى مناصب الحكم في هذه البلاد مع صعود السلاجقة حتى دمرتهم غزوات المغول. لاحقًا خلال الفترة العثمانية، ازدهر العراق بالزراعة والتجارة لدرجة أن العثمانيين كان لديهم قول مأثور: "لا محبوب مثل الأم ولا بلد مثل بغداد"، دليلاً على إعجاب الأتراك بالعراق. ومن خلال شراكة العثمانيين مع الألمان، كان مشروع السكك الحديدية بين برلين وبغداد يشبه مشروع الصين الأخير "الطريق والحزام". ولو كان مكتوبا لهذا المشروع الكبير الاكتمال، لكان غير ميزان التجارة والقوة لصالح الدولة العثمانية، ولأفاد الشعب العراقي كثيرًا. ولكن أعاقت الحرب العالمية الأولى انجاز هذا المشروع، حيث غزت بريطانيا العظمى المنطقة وسيطرت على العراق وموارده النفطية المكتشفة حديثًا. جميع مكونات الشعب العراقي آنذاك دعمت الدولة العثمانية ضد الغزو البريطاني، الشيعة والسنة والأكراد والعرب والتركمان وغيرهم. بعد تلك الحرب، سياسة "فرق تسد" التي تبنتها بريطانيا في عموم منطقتنا، وما تلاها من عدم استقرار سياسي في العراق، لم تسمح لهذا البلد أن يحقق التقدم والازدهار الذي يتناسب مع إمكاناته الحقيقية. تم رسم الحدود بين العراق الجديد وتركيا وفقا لمعاهدة أنقرة لعام 1926، التي تحظر على الطرفين أيضا إيواء أي مجموعات معادية ضد بعضهما البعض. وبعد استقلال العراق عن بريطانيا، تحسنت العلاقات الثنائية بين تركيا والعراق. وفي عام 1932، زار الملك فيصل الأول تركيا ثم عين أخاه الأمير زيد سفيراً في تركيا. وفي عام 1937، وقعت تركيا والعراق على معاهدة عدم الاعتداء "ميثاق سعد آباد" التي شملت إيران وأفغانستان أيضًا. واستمر نهج مماثل في العلاقات بين البلدين بعد الحرب العالمية الثانية مع إنشاء حلف بغداد، الذي ضم فيما بعد إيران وباكستان والمملكة المتحدة، لكن العراق انسحب منه بعد الانقلاب العسكري الذي قام به عبد الكريم قاسم في عام 1958. واستمرت العلاقات التركية العراقية خلال حكم صدام على الرغم من أن سياسات صدام في "التعريب القسري" كانت تقمع التركمان وغيرهم من الأقليات غير العربية. وسمحت حكومة صدام بالعمليات التركية داخل العراق. في الواقع، تلزم معاهدة أنقرة الطرفين بمنع الجماعات الإرهابية من مهاجمة أي من البلدين. وتدهورت الصادرات التركية إلى العراق خلال الحظر الأمريكي على العراق خلال التسعينيات. وتزامن سقوط صدام حسين مع وصول حزب العدالة والتنمية حديثا إلى السلطة حيث لم يسمح البرلمان التركي وقتها للقوات الأمريكية باستخدام أراضيه لغزو العراق. لم يجلب الغزو الأمريكي للعراق أي استقرار أو ديمقراطية حقيقية أو ازدهار. ثم غادر الرئيس أوباما العراق ليفسح المجال لزيادة النفوذ الإيراني في هذا البلد، مما أضر بالمصالح التركية. لقد استهدف ظهور داعش كلاً من تركيا والعراق. وبالمثل، فإن وجود حزب العمال الكردستاني الإرهابي PKK يضر أيضًا باستقرار وأمن البلدين والعلاقات بينهما. واليوم، تظل قضية الـ PKK هي القضية الشائكة بين العراق وتركيا، لأن الولايات المتحدة وإيران وبعض الأطراف الكردية تدعم الـ PKKأو تتعاطف معه. وعلى عكس فصيل البارزاني، فإن فصيل الطالباني في السليمانية يتسامح مع أنشطة الـ PKK في مناطقهم. بعض الفصائل الشيعية الموالية لإيران والمنتمية للحشد الشعبي تتعاون أيضًا مع جماعات الـPKK. ولكن مؤخراً نشهد تحسناً في الادراك العراقي لخطورة الـPKK، في أربيل وبغداد. أما القضية الإشكالية الأخرى بين البلدين فهي قضية المياه. وكدولة مصدر، قامت تركيا ببناء السدود حول نهري دجلة والفرات لإنتاج الكهرباء والزراعة، ولا تقوم بتحويل الأنهار مثل إيران. نحن نسمع باستمرار أن العراقيين يطالبون تركيا بإطلاق المزيد من المياه، لكن المشكلة في العراق هي سوء إدارة الموارد المائية، وزيادة نسبة التلوث والتبخر. ويعاني العراق أيضاً من مشاكل أخرى في البنية التحتية فيما يتعلق بالكهرباء والنقل. على الجانب الإيجابي، ترغب تركيا والعراق في تحسين العلاقات بينهما، حيث إن كلا منهما بمثابة بوابة للآخر، على الشرق والغرب. وتستمر العلاقات الاقتصادية والسياسية في التحسن بشكل ملحوظ، بخاصة بعد فترة المالكي التي شهدت أسوأ مراحلها. وبعد وصول حكومة السوداني تسارع هذا الاتجاه، في ظل محاولة هذه الحكومة تحقيق التوازن وتنويع العلاقات مع الجيران. وقد لاقت الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى العراق ترحيباً من جميع الجهات الفاعلة في العراق تقريباً. وشهدنا محادثات واعدة حول التعاون الأمني ودعم تركيا لمشروع قناة التنمية. في ظل التحولات الدولية والإقليمية الرهينة، سنرى مزيدا من التقارب بين العراق وتركيا.

4548

| 30 أغسطس 2023

هل نحن نصلح بين أخوينا في الشرق الأوسط؟

الإسلام دين سلام، لكن المسلمين اليوم لا يعيشون بسلام، بخاصةٍ في الشرق الأوسط، حيث الصراعات التي لا تنتهي أبدًا، من سوريا إلى السودان. أغلب صراعات الشرق الأوسط تدور رحاها بين طرفين، كلاهما ينتمي للدين الإسلامي، بدوافع مختلفة، طائفية وقبلية وعرقية. ترتبط الأسباب الرئيسة للصراعات في منطقتنا بالتدخلات الخارجية، وبالتنافس بين القوى العظمى، ولكن لا يمكننا أن نلوم الآخرين فقط على ظهور هذه الصراعات. وماذا عن المبدأ القرآني في الإصلاح بين الإخوة؟ بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، فُرض نظام سايكس- بيكو على سكان ما يسمى بالشرق الأوسط، الذي يضم العالم العربي وتركيا وإيران وإسرائيل. هذه المنطقة عبارة عن تقاطع بين ثلاث قارات وسبعة بحار ومحيطين، تعد المنطقة أيضًا مصدرًا رئيسًا لصادرات النفط والغاز الطبيعي، فضلاً عن إمكاناتها الكبيرة في حركة التجارة العالمية. لذلك، دائماً هنالك اهتمام خارجي بهذه المنطقة، منذ عهد الإسكندر المقدوني إلى الإمبراطوريتين الرومانية والعثمانية، وإلى يومنا الحاضر. التأثيرات الخارجية لا تلغي مسؤوليتنا في البحث عن حلول لمشاكلنا وصراعاتنا المنتشرة في منطقتنا. لدينا مؤسسات مثل منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، تفشل دائمًا في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، مثلها مثل الأمم المتحدة فشلت في تحقيق السلام في العالم. الصراعات المسلحة مستمرة في سوريا واليمن والسودان والعراق، إلى جانب صراعات عديدة يشارك فيها مسلمون في إفريقيا وآسيا. بالإضافة إلى ذلك، تحاول كل القوى العالمية والقوى الإقليمية استخدام الجماعات الإرهابية أو الوكلاء لإضعاف دول أخرى في المنطقة. هل تم تقييد أيدينا لمنعها من التدخل لحل هذه الصراعات الداخلية، أو الإسلامية – الإسلامية، أو بالأحرى ماذا يمكننا أن نفعل تجاه هذه الصراعات؟ يأمرنا الإسلام بالتوسط بين الزوجين (النساء: 35) وبين الجماعات المتصارعة (الحجرات: 9). لذا فإن الوساطة ضرورية بين الناس أو الجماعات المتنازعة. إذا طبقنا هذه المبادئ على صراعاتنا فإننا سننعم بالسلام والازدهار. يمكن تنشيط المؤسسات الحالية مثل منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية، ولكن، لا يوجد أمل كبير في هذا الاتجاه، لأن هذه المنظمات فشلت بشكل مستمر حتى اليوم، بسبب الحسابات الضيقة، ونقص الإرادة الحقيقية في هذا المسعى. نحن نعيش اليوم في عصر العولمة والتغيرات السريعة في المشهد الدولي، ومن الضروري اتباع نهج جديد للتعامل مع الصراعات المندلعة، والتي ستندلع بين المسلمين. سيكون هذا النهج الجديد بحاجة لإشراك النخب الفكرية والثقافية والمجتمع المدني في جهود البحث عن حلول للصراعات. يمكن لنخب الدول الإسلامية ومنظمات المجتمع المدني التغلب على الانقسامات القبلية والإقليمية والعرقية والطائفية. من أفغانستان إلى السودان، كما تعمل طريقة الوساطة القبلية القديمة أحيانًا على حل النزاعات التي تفشل الحكومات في حلها. يمكننا البناء على هذا التقليد للتعامل بشكل أكثر فاعلية مع متطلبات الشعوب والصراعات الحديثة. تتطلب الوساطة الفعالة أن تكون الأطراف المتصارعة قد وصلت لحالة من الاعياء من القتال وبدأت بالبحث عن حل. في بعض الأحيان، يمكن أن تؤدي الرغبة في الانتقام إلى استمرار النزاعات لسنوات. بعد ذلك، يمكن للوسيط أن يعمل على جمعهم معًا لوقف هذا الدوران في الحلقة المفرغة. بالطبع، يجب احترام الوسيط من كلا الجانبين. ويجب أن يسود الإنصاف ومبدأ رابح-رابح في عملية الوساطة. كانت الوساطة الصينية بين السعوديين والإيرانيين مفيدة للمنطقة، لكننا كنا بحاجة إلى ذلك قبل فترة طويلة، لتقليل الأضرار التي لحقت بالمنطقة. لا ندري مدى التزام الصين بمثل أدوار الوساطة هذه في صراعات أخرى في الشرق الأوسط. ومع ذلك، يمكننا استغلال ذلك كفرصة لبناء رؤية أقوى، وحتى لتأسيس منظمة إقليمية أقوى، من أجل جهود السلام وحل النزاعات في منطقتنا المشتعلة دوماً. إن المفهوم الإسلامي للإصلاح بين أخوين هو أكثر من مجرد وساطة، لأنه ينطوي على اخضاع الطرف المعتدي بعد فشل جهود الوساطة، ويبرر استخدام القوة لوقف المعتدي بين مجموعتين مسلمتين، إذا أصر أحدهما على استمرار الصراع. ربما لا يمكننا تنفيذ الإجراءات القسرية على المعتدين اليوم، لكن يمكننا بالتأكيد الضغط على أولئك الذين يفضلون القتال على الجلوس إلى طاولة السلام. يجب أن نضع في اعتبارنا أيضًا أن أولئك الذين يقاتلون مع الآخرين اليوم يمكن أن يصبحوا أصدقاء جيدين غدًا.

2064

| 23 أغسطس 2023

هل يريد نظام الأسد عودة اللاجئين السوريين؟

بعد تطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع نظام الأسد واستئناف مشاركة سوريا في اجتماعات جامعة الدول العربية، ارتفعت آمال حل الأزمة السورية. لكن المقابلة التلفزيونية الأخيرة التي أجراها بشار الأسد على قناة «سكاي نيوز عربية» أثارت التساؤل عما إذا كان نظام الأسد جاهزًا للحل الشامل، وخاصة ما يرتبط بمسألة عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا. هذه المسألة هي السبب الرئيس الذي يقف وراء تخفيف دول مثل الأردن وتركيا لموقفها من نظام الأسد. ولكن هل يريد الأسد وحلفاؤه حقاً عودة السوريين إلى ديارهم؟ بادئ ذي بدء، المشرفون على النظام السوري، بالتحديد إيران وروسيا، لا يسعون إلى إنهاء الأزمة السورية، لأن روسيا منشغلة بالحرب الأوكرانية، وتحاول إيران ترسيخ وجودها في المجتمع والاقتصاد والسياسة السورية. لا يملك أي منهما القدرة على تمويل إعادة إعمار سوريا حتى لو تم حل المأزق السوري. ولأن إيران تستخدم الوضع الحالي أيضًا لزيادة زخم مشروعها في المنطقة، إما عن طريق دفع بعض سُنّة سوريا لاعتناق التشيع بالصبغة الإيرانية، أو جلب الشيعة من أفغانستان أو باكستان وتوطينهم في سوريا، وبالتالي إيران ليس لديها مصلحة في عودة اللاجئين السوريين السُنّة حول العالم إلى بلدهم. لا يشعر نظام الأسد بضغط حقيقي من الخارج، ولا يُظهر أي نية جادة لإعادة اللاجئين السوريين. ستكون تركيا والأردن ولبنان، حيث يتركز اللاجئون السوريون، سعداء للغاية برؤية عودة السوريين إلى سوريا. كما أن دول الخليج العربي قلقة من إنتاج وتصدير المخدرات التي تسبب الإدمان من سوريا. ولأن النظام لم يغير الكثير من أفعاله بعد التطبيع، نلاحظ تراجع الحماس لعودة نظام الأسد إلى الحضن العربي. إن سوء سلوك نظام الأسد مثل الاعتقالات غير القانونية والتعذيب والاغتصاب والحبس والإعدام لا يزال يخلق عقبات أمام عودة مواطنيه. عاد بعض اللاجئين السوريين إلى سوريا من الأردن في عام 2021، لكنهم أخطأوا وتعرضوا لنفس الانتهاكات القديمة التي ذكرها التقرير ذائع الصيت لمنظمة»هيومن رايتس ووتش». وصادر النظام في الماضي أملاك العديد من الهاربين والمعتقلين والمحكومين، بما في ذلك منازلهم وأراضيهم وسياراتهم في سوريا. يمكن للمرء أن يتساءل لماذا إذن تعلن الحكومة السورية بشكل دوري العفو العام ودعوة السوريين للعودة إلى الوطن؟ تُستخدم حالات العفو هذه كوسيلة دعائية للإيحاء بأن الأوضاع في البلاد طبيعية وان النظام يمكن الوثوق به، لكن تلك الدعوات لم تقنع السوريين بالخارج. كشف تقرير لمنظمة العفو الدولية بعنوان «أن تذهب إلى حتفك» نُشر عام 2021 أن 66 سوريًا، من بينهم 13 طفلاً، عادوا إلى سوريا من بلدان المهجر، بعد دعوات مختلفة للعفو صدرت من نظام الأسد، جميعهم تعرضوا للاعتقال والتعذيب والاغتصاب والإعدام. تحاول تركيا إعادة توطين مليون لاجئ سوري في شمال سوريا بالتعاون مع قطر، من خلال بناء المنازل ودعم البنية التحتية الاقتصادية. لكن نظام الأسد رفض مشروع تركيا بإعادة اللاجئين السوريين إلى «المناطق الآمنة» على الحدود السورية، حيث زعم بيان وزير خارجيته أنه سيؤدي إلى تطهير عرقي. لكنه لم يفسر كيف سيكون ذلك تطهيرًا عرقيًا. من ناحية أخرى، فإن الميليشيات المدعومة من الخارج ومن المجتمعات الشيعية الأجنبية التي استقرت في المناطق السنية في سوريا ترهب أيضًا أي شخص يحاول العودة إلى مسقط رأسه. إن مثل هذه الأعمال ترهب اللاجئين السوريين وتثنيهم عن العودة إلى سوريا. من جهة أخرى، لا يملك نظام الأسد القدرة على استقبال اللاجئين السوريين بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة في سوريا. في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، اعترف بشار الأسد نفسه بفشله في رعاية السوريين وتوفير الخدمات لهم بقوله «خلال السنوات الماضية، عاد أقل من نصف مليون سوري بسبب الظروف الاقتصادية. كيف يمكن للاجئين العودة بدون ماء وكهرباء ومدارس ورعاية صحية؟ « في الختام، فإن نظام الأسد لا يريد عودة اللاجئين السوريين وليس لديه القدرة على استقبالهم واستيعابهم ليعيشوا حياة كريمة في بلدهم.

3612

| 16 أغسطس 2023

هل الحرب الروسية الأوكرانية هي الحرب العالمية الثالثة؟

تم تقسيم الإمبراطورية الرومانية العظمى إلى شرق وغرب في عام 395م. تبنت الإمبراطورية الشرقية التي سميت بالدولة البيزنطية المسيحية الأرثوذكسية بينما التزم الغرب بالكاثوليكية الرومانية. نمت خلافاتهم وتراكمت مع مرور الوقت، انهارت روما الغربية عام 476م، لكن الدولة البيزنطية استمرت حتى عام 1453م لتنتهي بالفتح العثماني لإسطنبول. كان التاريخ الروماني مستوحى من الجانبين، حيث تبنى القيصر الروسي هذا اللقب (القيصر) في إشارة إلى القيصر الروماني. في غضون ذلك، شهد العالم الغربي ظهور البروتستانتية وصراعًا شرسًا بين الكاثوليكية والبروتستانتية، ولاحقًا بمستوى مماثل بين الكنيسة الكاثوليكية والحركات العلمانية. مثل القيصر الروسي، أشار الملوك الاسبان والفرنسيون والبريطانيون إلى عظمة الإمبراطورية الرومانية، وتعاملوا مع روسيا القيصرية على أنها منافس رئيس لهم. لهذا السبب حاول نابليون الفرنسي وأدولف هتلر غزو روسيا لكنهم فشلوا فشلا ذريعا. وفي السياق نفسه، تنافست الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية القيصرية على الانتشار في آسيا، في بحر البلطيق، وفي الشرق الأوسط، حتى الحرب العالمية الأولى. استمرت هذه المنافسة في جميع القارات تقريبًا حتى بعد تأسيس الاتحاد السوفييتي، وبعد استبدال بريطانيا العظمى بالولايات المتحدة كقوة عظمى، بعد الحرب العالمية الثانية. عندما بدأ الاتحاد السوفييتي بالانهيار، عقدت النخب الروسية صفقة مع الغرب للحفاظ على هيبتها وأسلحتها النووية والصواريخ الباليستية. بعد أن أدركت روسيا أنه لن يتم قبولها في النادي الغربي، بدأت تصبح أكثر جرأة ضد الغرب. في غضون ذلك، كان الغرب يوسع مناطق نفوذه إلى مناطق النفوذ السوفييتية / الروسية تحت مظلة الناتو. عندما بدأت روسيا بوتين في التشكيك في وضعها كدولة غير ساحلية، بدأت في توسيع حدود الصفقة الأولية مع الغرب وبدأت في ضم أراض من جورجيا وأوكرانيا (أي أبخازيا في عام 2008 وشبه جزيرة القرم في عام 2014). ثم تدخلت روسيا في سوريا لكنها لم تتلق إدانة جدية من الغرب. حتى إنهم أغفلوا استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية. أثار التوسع التدريجي لحلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية قلق روسيا وبدأت تهديداتها لكل من أوكرانيا والغرب، التي قادت إلى الغزو الروسي المباشر لأوكرانيا في فبراير 2022، التي وصفتها روسيا بأنها عملية خاصة بدلاً من حرب شاملة. ولكن هذا الغزو الروسي تطور إلى ما يشبه الحرب العالمية، كون أن ثلاثًا من أربع قوى عظمى في العالم انخرطت في هذه الحرب (روسيا، الولايات المتحدة، أوروبا). وبالطبع استخدم طرفا هذا الصراع أسلحة عالية التقنية وأسلحة ذكية لإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية وخسائر بشرية بلغت حوالي 15 ألف قتيل و62 ألف جريح من الجانبين. جاءت حرب أوكرانيا مع العديد من المفاجآت. أولاً، فوجئ العالم بعدم استعداد روسيا لما بعد التوغل الأول لغزو العاصمة كييف. ثانيًا، فوجئت روسيا بصمود أوكرانيا ومقاومتها. كان ذلك لأن الغرب أعد الجيش والشعب الأوكراني لها، وقدم أيضًا دعمًا عسكريًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا غير محدود لأوكرانيا. ثالثًا، فوجئ الغرب بالمرونة الاقتصادية لروسيا حيث لم يتمكنوا من منع روسيا من بيع نفطها وغازها. ذلك لأن أوروبا كانت بحاجة إلى الغاز الروسي والبدائل ليست متاحة بسهولة. العديد من حلفاء الغرب مثل العرب وتركيا والهند لم يدعموا الجانب الغربي في هذه الحرب. الدول العربية، وخاصة السعودية، دعمت روسيا بشكل غير مباشر من خلال رفع أسعار النفط. وصلت حرب أوكرانيا اليوم إلى طريق مسدود بين الغرب وروسيا. فشل الهجوم المضاد الأوكراني، الذي كان متوقعا له إخراج روسيا من الأراضي التي تم غزوها في شرق أوكرانيا. انسحبت روسيا من صفقة الحبوب للضغط على الاقتصاد العالمي، ولتصدير حبوبها في موسم الحصاد الجديد وفقاً لسياساتها. لا أحد يعرف ما إذا كانت الحرب ستشمل استخدام الأسلحة النووية، أو إلى متى ستستمر. كما نعلم أن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين تتسارع. يُظهر الانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان وعدم قدرتها على وقف هجمات الحوثيين على أرامكو السعودية أن القوى العظمى لها أولوياتها الخاصة على مخاوفنا الأمنية. لذلك، فإن اشتباك القوى العظمى مع بعضها البعض، يعطي فرصة للدول الإسلامية للتعاون بشكل أوثق، وخاصة لمعالجة مخاوفنا الأمنية والاقتصادية المشتركة.

2511

| 09 أغسطس 2023

العلاقات التركية العربية في ضوء التغيرات العالمية

يمر العالم كله في الوقت الحاضر بتحولات كبيرة وحاسمة، بسبب تراجع الغرب وصعود الشرق (مثل الصين وروسيا والهند)، فضلاً عن تداعيات جائحة كوفيد- 19، والحرب بين أوكرانيا وروسيا التي لا يستطيع أحد أن يتنبأ ما إذا كانت ستؤدي إلى حرب نووية أو حرب عالمية ثالثة. بالطبع، تؤثر صراعات القوى العظمى على اقتصاديات وسياسات البلدان الأخرى في عصر العولمة هذا، كما أن منطقة الشرق الأوسط تتأثر أيضًا بهذه التغييرات ولكنها تؤثر فيها أيضًا، فهذه المنطقة من أهم مصادر الطاقة العالمية. تعد المنطقة العربية وتركيا (الشرق الأوسط) من أكثر المواقع أهمية على وجه الأرض، بوصفهما يربطان بين ثلاث قارات (أفريقيا وآسيا وأوروبا) وثلاثة بحار (البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر). شهدنا في السنوات الأخيرة عدة تغيرات جدية في منطقتنا، مثل الصراع من أجل اللا تغيير في الشرق الأوسط بعد ما يسمى بـ»الربيع العربي»، وإفشال حصار قطر، وإنهاء داعش، والمصالحة السعودية الإيرانية، وإحياء العلاقات التركية الخليجية، ومن ثم تراجع الولايات المتحدة في المنطقة. وعززت حرب روسيا وأوكرانيا موقف الدول العربية المنتجة للغاز والنفط، بينما تسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية في مخاوف خطيرة بين بعض الدول العربية الأخرى. خرجت تركيا أيضًا من انتخابات حرجة للغاية ومصيرية، تمت مراقبتها بعناية فائقة في جميع أنحاء العالم. ووصفتها صحف واشنطن بوست والإيكونوميست وفورين بوليسي بأنها «أهم انتخابات في العالم». بعد حكم دام عقدين من الزمن، فاز أردوغان في هذه الانتخابات التي قاتل فيها بشق الأنفس، ومن المتوقع أنه سيواصل سياسته الخارجية متعددة الأبعاد. على عكس الحكومات التركية السابقة التي كانت تتجه نحو الغرب فقط، انفتح أردوغان على العالمين العربي والإسلامي وعلى أفريقيا وآسيا، ووازن علاقاته مع الغرب وروسيا حتى في حرب أوكرانيا. في الأشهر الأولى لهذه الحرب، تمكنت تركيا من جلب وزيري الخارجية الروسي والأوكراني للاجتماع، وتمكنت من التوسط في صفقة الحبوب التي أنقذت العالم من الجوع. يوفر هذا الوضع الجديد فرصة أفضل لتحسين التعاون بين تركيا والعالم العربي. إن الزيارات عالية المستوى من العالم العربي والتركي والإسلامي وأفريقيا إلى تركيا تثبت أهمية علاقات تركيا مع هذه المناطق. وبعد الانتخابات، أنهى أردوغان زيارة شاملة لمنطقة الخليج تبشر بمرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي والعسكري والسياسي. وفي الحقيقة، أن التقارب التركي العربي من شأنه أن يجلب الاستقرار والازدهار لعموم الشرق الأوسط الذي مزقته الصراعات. كما شجعت العلاقات التركية العربية على التقارب بين دول الخليج وآسيا الوسطى التركية، بدليل انعقاد القمة الأخيرة بين الجانبين. على الصعيد الاقتصادي، يكمل الاقتصاد التركي والعربي بعضهما البعض. كدولة صناعية وتجارية وسياحية، تستورد تركيا النفط والغاز من الدول العربية وتجذب السياح والاستثمارات منها. وفي تركيا يجد العالم العربي سلعًا استهلاكية ميسورة التكلفة ولكن عالية الجودة وفرصًا لاستثمارات عالية المردود. الاقتصاد التركي تضرر من ارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية بعد حرب أوكرانيا وزلزالين كبيرين، فضلاً عن حالة عدم اليقين التي سبقت الانتخابات الحاسمة. تتزايد العلاقات الاقتصادية التركية العربية حاليا مع تشجيع زيادة التعاون السياسي والأمني. التعاون الأمني بين تركيا والدول العربية هو نتيجة طبيعية للصراعات المستمرة في المنطقة (مثل اليمن، سوريا، ليبيا، السودان، إلخ). لأن القوى العالمية ليس لديها مصلحة في حل أزمات منطقتنا، على الرغم من خطاباتها العاطفية حول تلك الأزمات، لذلك هناك حاجة إلى منظور إقليمي لمعالجة القضايا الأمنية في منطقتنا. أثار الانسحاب الأمريكي المفاجئ من العراق وأفغانستان قلق الدول العربية على أمنها المستقبلي. وخفت حدة التوتر العربي الإيراني الطويل الآن بعد الوساطة الصينية هذا العام. ويتوسع التعاون العسكري التركي مع قطر والكويت اللتين اشترتا طائرات تركية بدون طيار، إلى جانب المملكة العربية السعودية التي قررت ذلك أيضاً، بعد زيارة أردوغان الأخيرة إلى منطقة الخليج، تلك الزيارة التي أدت إلى تزايد الثقة بين الجانبين، وفتح آفاق واسعة للتعاون بين تركيا والسعودية، ومن المرجح أن يتطور مجال التعاون الأمني التركي- السعودي على المدى الطويل.

3819

| 03 أغسطس 2023

alsharq
وزارة التربية.. خارج السرب

هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور...

13749

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
صبر المؤمن على أذى الخلق

في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به...

1815

| 21 نوفمبر 2025

alsharq
العائلة الخليجية تختار قطر

أصبحت قطر اليوم واحدة من أفضل الوجهات الخليجية...

1293

| 25 نوفمبر 2025

alsharq
محكمة الاستثمار والتجارة

عندما أقدم المشرع القطري على خطوة مفصلية بشأن...

1290

| 25 نوفمبر 2025

alsharq
ثقة في القرار وعدالة في الميدان

شهدت الجولات العشر الأولى من الدوري أداءً تحكيميًا...

1266

| 25 نوفمبر 2025

alsharq
المغرب يحطم الصعاب

في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17...

1176

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
عندما تتحكم العاطفة في الميزان

في مدينة نوتنغهام الإنجليزية، يقبع نصب تذكاري لرجل...

1083

| 23 نوفمبر 2025

alsharq
حديث مع طالب

كنت في زيارة لإحدى المدارس الثانوية للبنين في...

1023

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
العزلة ترميم للروح

في عالم يتسارع كل يوم، يصبح الوقوف للحظة...

921

| 20 نوفمبر 2025

alsharq
حوكمة القيم المجتمعية

في زمن تتسارع فيه المفاهيم وتتباين فيه مصادر...

831

| 25 نوفمبر 2025

alsharq
الخيال هدية الصّحراء للعربيّ

حينما تنطلق من هذا الجسد لتحلّق في عالم...

750

| 21 نوفمبر 2025

alsharq
الصداقة العالمية.. في سماء قطر

الصداقة من خلال الرياضة.. الشعار العالمي للمجلس الدولي...

708

| 24 نوفمبر 2025

أخبار محلية