رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عندما طالب الشعب السوري بالديمقراطية والحرية والتنمية، واجه دمارًا كبيرًا. وظل المجتمع الدولي صامتًا تجاه هذا الدمار. كما أن الدول الغربية رضيت ببقاء الأسد بحجة وجود تنظيم داعش، مما سمح للنظام الظالم المدعوم من روسيا وإيران بارتكاب دمار واسع وتهجير الملايين من ديارهم. أما الإدارة الأمريكية، فقد استغلت حجة محاربة داعش لتسليم شمال وشرق سوريا إلى قوات «قسد» التابعة لحزب العمال الكردستاني، متبعة أجندة أخرى. وعلى الرغم من أن عملية جنيف التي انطلقت لحل الأزمة السورية قد حُسمت عام 2016 تحت مظلة الأمم المتحدة، إلا أنه لم يُمارَس أي ضغط على نظام الأسد أو داعميه في روسيا لتفعيل هذا المسار، مما أدى إلى وصول الأزمة إلى هذا الوضع الراهن. بعد انتظار طويل ومعاناة داخل البلاد وخارجها، تمكن السوريون من إسقاط نظام الأسد واستعادة السيطرة. ومع ذلك، وجدوا اليوم في وطنهم دمارًا هائلًا ويواجهون تحديات خطيرة للعودة إلى الحياة الطبيعية. إعادة إعمار سوريا يجب أن تشمل تحقيق وحدة أراضيها وتلبية احتياجاتها العاجلة والمتوسطة الأجل. ويُعد هذا مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق كل من الغرب، الذي كان متفرجًا على معاناة السوريين، ودول الخليج. وبعد 13 عامًا من الإهمال، يجب عليهم تقديم الاعتذار لسوريا والعمل على مساعدة الشعب السوري كواجب إنساني. كانت روسيا، التي تمتلك حق النقض في مجلس الأمن الدولي وتدعم الأسد، تشترط أن تكون المساعدات الإنسانية محصورة عبر معبر باب الهوى فقط، مما جعلها لا تصل إلى جميع المناطق. وتأتي المساعدات الإنسانية على رأس الاحتياجات العاجلة لسوريا، حيث أدى الدمار الاقتصادي الذي خلفته الحرب والعقوبات إلى انتشار الفقر بشكل كبير. كما أن هناك حاجة ماسة لتقديم المساعدة العاجلة لأكثر من 6 ملايين نازح و2 مليون مقيم في المخيمات أو العائدين من شمال سوريا إلى مناطقهم الأصلية، خاصة في مجالات المياه، والغذاء والأدوية والخيام. تشير الإحصائيات إلى أن 12 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، نصفهم من الأطفال. روسيا، بعد رحيل الأسد، لديها الآن فرصة ومسؤولية لتخفيف معاناة السوريين. ويتصدر هذه المساعدات ضرورة الاعتراف الدبلوماسي. يجب أن تكون دول الغرب والعالم العربي ممتنة لرحيل نظام الأسد، الذي تسبب في زعزعة الاستقرار والهجرة وإنتاج المخدرات. إن استقرار سوريا وتنميتها يمثلان مصلحة مشتركة للعالم العربي والإسلامي، لا سيما في ظل الفوضى العالمية الحالية. بدلاً من التنافس على النفوذ، يجب على القوى الإقليمية والدولية دعم التوافق الاجتماعي والسياسي في سوريا. كما يتطلب الأمر تعاونًا ودعمًا دبلوماسيًا لمحاكمة رموز النظام السابق المتورطين في جرائم ضد الإنسانية أمام المحاكم المحلية والدولية. تعاني البنية التحتية العامة في سوريا من تدهور كبير نتيجة الإهمال الطويل بسبب الحرب. ويُعد إصلاح البنية التحتية للكهرباء والمياه على وجه السرعة أمرًا ملحًا، بالإضافة إلى ترميم الطرق والمطارات وتوفير النفط. كما أن البنية التحتية الصحية قد تعرضت للدمار التام، وهناك حاجة ماسة لإعادة بناء المستشفيات وتوفير المعدات الطبية العاجلة. ولا يقتصر الأمر على المرضى، بل يشمل أيضًا المعاقين الذين أهملوا بسبب الحرب، والمصابين بصدمات نفسية يحتاجون إلى علاج وتأهيل. تمتلك سوريا أراضي زراعية خصبة، وتقع نسبة كبيرة منها في شرق الفرات. يمكن أن تكون جزءا من المساعدات على شكل قروض وائتمانات. ويمكن تشجيع مؤسسات المساعدات والقروض الدولية على إعطاء أولوية أكبر لسوريا، على الرغم من أن هذه المؤسسات ليست مستقلة تمامًا عن السياسة الدولية. استعادة الاستقرار الاقتصادي للبلاد ستستغرق وقتًا، فحتى بعض الدول التي تتمتع بالاستقرار السياسي لم تحقق الاستقرار الاقتصادي بعد، ما يجعل التحديات التي تواجهها سوريا واضحة. لكن بفضل أراضيها الزراعية الخصبة، وثقافة العمل النشطة، والخبرات التي اكتسبها السوريون حول العالم، وحتى رأس المال القليل الذي جمعوه، يمكن لسوريا أن تحقق نهضة اقتصادية سريعة. يعد قطاعا الزراعة والسياحة من القطاعات الرئيسية التي توفر فرص عمل واسعة. تتطلب عودة اللاجئين السوريين من تركيا ولبنان والأردن ودول أخرى إلى بلادهم بشكل آمن دعمًا وتعاونًا دوليًا. تنسيق الجهود بين الدول المتضامنة: وذلك لضمان تكامل الجهود وتجنب تكرارها، مع العمل على إيصال المساعدات بشكل منظم وفعَّال إلى الفئات الأكثر احتياجًا من خلال تعاون دولي منظم. معالجة الأضرار البيئية: تنبغي معالجة الأضرار البيئية التي تسبب فيها الصراع، مثل إعادة التشجير وإدارة الموارد المائية. إحياء التراث الثقافي السوري: تمتلك سوريا إرثًا ثقافيًا غنيًا يمتد من العهد الأموي إلى العصور المملوكية والعثمانية. لإحياء هذا التراث، هناك حاجة إلى دعم تقني ومالي كبير.
666
| 01 يناير 2025
عندما طالب الشعب السوري بالديمقراطية والحرية والتنمية، ألحق نظام الأسد والقوى الأجنبية (إيران وروسيا) بدمار كبير في البلاد. كما ظل المجتمع الدولي صامتًا بشأن هذا الدمار، وخلال السنوات الـ 13 الماضية، لم يحصل أي تقدم في عملية جنيف منذ عام 2016، ولم تؤد عملية أستانا إلا إلى تجميد الصراعات. وبعد انتظار طويل واضطرابات داخل البلاد وخارجها، أطاح السوريون بنظام الأسد واستعادوا إدارة البلد. وتواجه البلاد صعوبات اقتصادية وسياسية واجتماعية خطيرة، حيث فر الأسد من البلاد بما في خزينة البلاد من ذهب وعملة أجنبية. إن الحاجة الأساسية للإدارة السورية الجديدة هي الاعتراف الدولي والاستقرار. من الواضح أن سوريا لن تكون مثل أفغانستان، ولكن يبدو أن عملية التدخل الأجنبي ستستمر بشكل إيجابي وسلبي (لن تتركوا سوريا لوحدها). وكانت تركيا وقطر والأردن أولى الدول التي زارت الإدارة الجديدة على مستوى وزير الخارجية. كما زارت وفود من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة الإدارة السورية الجديدة. ولكن من أجل تسريع هذه العملية وبدء العمل في أسرع وقت ممكن، يجب إزالة هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب ورفع العقوبات المفروضة على النظام السابق. ومن المعروف أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية جاءت ببعض الشروط، مثل الاعتراف بكيان حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب وإسرائيل. ويبدو أن بعض الدول العربية ليست في عجلة من الاعتراف لأنها لا تحب العملية الديمقراطية. التحدي الثاني لسوريا الجديدة هو ضمان الأمن والاستقرار في البلاد. لا يزال هناك العديد من القوات المسلحة المتعددة في البلاد. وتوجد قوة معارضة في الجنوب بالقرب من الأردن والإمارات العربية المتحدة. ويتضامن الجيش السوري الحر، المقرب من تركيا في الشمال، مع الحكومة الجديدة، لكن لا يمكن إنشاء هيكل أمني موحد إلا بعد المصالحة النهائية وتوحيد الأمن. ومن ناحية أخرى، فإن طرد وحدات حماية الشعب المدعومة من الولايات المتحدة من شرق الفرات ربما سينتظر وصول ترامب. ليس لدى الإدارة الجديدة أي فرصة للنجاح دون ضمان وحدة البلاد واستخدام الموارد الطبيعية في الشرق. وعلى وجه الخصوص، يجب السيطرة على الأسلحة الموجودة في أيدي جنود النظام السابق وأفراد الشرطة المتراكمين على ساحل البحر المتوسط. وعلى الرغم من أن عملية التصالح تتقدم في هذا الاتجاه، إلا أن المخاطر لم تنته بعد. وتشكل مسألة المساعدات الإنسانية أيضا تحديا ملحا للغاية. ويتعين على الدول الغربية، وكذلك تركيا والدول العربية، تسريع وتيرة المساعدات الإنسانية (في باب الاعتذار عن إهمالها السابق). تعد المساعدات الإنسانية مهمة للغاية لأن ملايين الأشخاص لن يتمكنوا من العثور على أعمال وطعام عندما يعودون إلى ديارهم المنهارة بسبب سوء الإدارة والحرب والعقوبات. هناك حاجة إلى المساعدات الغذائية، وخاصة الخبز والزيت والأدوية والخيام. وعلى الرغم من أن تركيا وقطر أخذتا زمام المبادرة في هذه القضية، إلا أن حجم المشكلة يتطلب دعمًا دوليًا. إحدى المشاكل الأخرى هي التدخل الدولي وجهود الوصاية على سوريا. لقد كانت سوريا بالفعل ضحية للتدخل والمنافسة الدولي. وينبغي لهذه التدخلات أن تنتهي في العهد الجديد. وكما حذر وزير الدولة بالخارجية القطرية محمد الخليفي، فإن السوريين بحاجة إلى المساعدة والدعم، وليس إلى الوصاية الدولية. وسيظهر موضوع الوصاية الدولية في اختيار السوريين نوع النظام. يريدون تكرار عمليات الأمم المتحدة الفاشلة لخلق مساحة لأنفسهم من خلال دعم الهيكل المنقسم (كما هو الحال في العراق وليبيا). السوريون ناضجون بما فيه الكفاية ليأخذوا ما يحتاجون إليه من التجارب داخل البلاد وخارجها ويبنون نظامهم الخاص. إن عودة الشعب السوري الذي أصبح لاجئاً خلال الحرب (نحو 14 مليوناً في الخارج و7 ملايين نازح داخلياً) إلى بلده مرهونة بالاستقرار وانتعاش الاقتصاد. وستكون هناك حاجة إلى ما لا يقل عن 200 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة. وبما أن نظام الأسد أفرغ الخزينة واحتياطيات الذهب والعملات الأجنبية، فستكون هناك حاجة إلى دعم خارجي من الغرب والدول العربية. وعلى الرغم من أن دفع الرواتب والخدمات البلدية سيكون تحديًا آخر، إلا أنه لا شيء مستحيلا عندما تضاف المساعدات الإنسانية والدعم المادي والفني من تركيا وقطر إلى العمل الشاق الذي يقوم به السوريون ورؤوس أموالهم في الخارج. لا يوجد تحدٍ لا يستطيع رأس المال البشري للسوريين والعامل البشري العام والحرية التغلب عليه.
1182
| 25 ديسمبر 2024
بعد مرور أسبوعين على سقوط نظام الأسد، تواجه سوريا الجديدة تحديات كبيرة. وقد جاء انتصار الشعب السوري بعد سنوات من المعاناة، وفي توقيت غير متوقع. ورغم أن العملية بدأت بإرادة السوريين، إلا أن الدعم الحاسم من تركيا وقطر كان له دور بارز، حيث ظلتا إلى جانب الشعب السوري. ومن خلال منتدى الدوحة، جرى التصدي لمحاولات نظام الأسد وحلفائه لافتعال المزيد من الأزمات. وتُعد تركيا وقطر من الدول القليلة التي رفضت التطبيع مع النظام السابق. فكيف سيستمر التعاون بينهما بشأن سوريا في المرحلة المقبلة؟ على الرغم من قدرة كل من تركيا وقطر على دعم سوريا بشكل منفرد، إلا أن هناك العديد من القضايا المشتركة التي تتطلب تعاونهما، وهو ما بدأت ملامحه تتضح مؤخرًا. الدولتان، اللتان رفضتا التصالح مع نظام الأسد المستبد، تمتلكان القدرة الأكبر على التفاوض والتفاهم مع هيئة تحرير الشام، التي تحوّلت من حركة معارضة إلى سلطة ميدانية والجيش الوطني السوري. وقد عملت تركيا وقطر على تشجيع الإدارة الجديدة على الابتعاد عن التطرف والانخراط بشكل إيجابي في الساحة الدولية. ويبدو أن هذه الجهود قد أثمرت، حيث أرسل رئيس الإدارة الجديدة، أحمد الشرع المعروف بأبي محمد الجولاني، رسائل إيجابية تعكس استعداده للتحرك في هذا الاتجاه. ستلعب تركيا وقطر دورًا مهمًا في تسهيل العملية الانتقالية في سوريا، والتي تُعد مرحلة حاسمة للإدارة الجديدة وللمنطقة بأكملها، بما في ذلك تركيا. إن ضمان الأمن والاستقرار في سوريا يجب أن يكون أولوية قصوى بالنسبة لتركيا وقطر، لأن العودة إلى الفوضى والانقسامات أو اندلاع الصراعات الأهلية والانقلابات ستكون كارثية، كما شهدنا سابقًا في مصر وتونس واليمن. خلال هذه المرحلة الدقيقة، يعتمد نجاح الفترة الانتقالية على كفاءة القيادة الجديدة، ومستوى الدعم الدولي الذي ستحظى به، إضافة إلى قدرتها على تجاوز التحديات التي قد تفرضها الأطراف الخارجية. وفي هذا السياق، تواصل تركيا وقطر جهودهما لضمان الاستقرار وتعزيز الاعتراف الدولي بالإدارة الجديدة، لتجنب أزمات الشرعية التي واجهتها دول أخرى مثل أفغانستان. وفي خطوة عملية، افتتحت تركيا أول سفارة لها في دمشق، فيما تستعد قطر لاتخاذ خطوة مماثلة قريبًا. إدارة المرحلة الانتقالية في سوريا تُعد أمرًا بالغ الأهمية لمستقبل سوريا. فبعد سنوات من الدمار، تحتاج سوريا إلى مساعدات إنسانية عاجلة، خاصة وأن نظام الأسد استولى على معظم الأموال المتاحة. في ظل انقطاع الكهرباء والمياه في بعض المدن، تقوم كل من تركيا وقطر بتقديم الدعم لإعادة تشغيل هذه الخدمات بسرعة. ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجهها سوريا أكبر من أن تتحملها هاتان الدولتان بمفردهما. من الواجب على الدول الغربية، التي خذلت الشعب السوري، أن تقدم المزيد من المساعدات الإنسانية كجزء من تعويضها. كما يُتوقع من دول الخليج الأخرى أن تسهم في مساعدة سوريا، لا سيما بعد خروجها من المحور الإيراني. من المتوقع أن تقدم تركيا وقطر دعمًا دبلوماسيًا جادًا للحكومة السورية الجديدة، وأبرز ذلك هو الاعتراف بالإدارة المتمركزة في إدلب (هيئة تحرير الشام). ويُفهم من زيارات ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة إلى سوريا أنه سيتم الاعتراف بالإدارة الجديدة. من ناحية أخرى، يجب أن تُزال هيئة تحرير الشام من قائمة المنظمات الإرهابية بشكل عاجل. كما يساورنا القلق من أن القوى الغربية قد تمارس ضغوطًا على السوريين بشأن التفاهم مع إسرائيل وحزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى سعيها للحصول على تعهدات بالقضاء على النفوذ الروسي والإيراني في سوريا. علاوة على ذلك، ينبغي رفع العقوبات المالية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على نظام الأسد بشكل سريع، إذ إن هذه العقوبات قد تضر بالشعب السوري أكثر من النظام، وإذا استمرت هذه العقوبات، فإنها ستظل تواصل معاقبة الشعب السوري، مما قد يعيق عملية إعادة البناء والاستقرار في البلاد. يعد النشاط الدبلوماسي لكل من قطر وتركيا بالغ الأهمية في إقناع القوى الدولية بدعم العملية الانتقالية في سوريا، حيث تلعب قوتهما الإعلامية دورًا محوريًا في توعية المجتمع الدولي، وخاصة أن الإعلام القطري يتمتع بتأثير كبير في هذا المجال. سيظهر تعاون قطر وتركيا بشكل واضح في جهود إعادة إعمار سوريا، حيث ستتصدر المساعدات المالية والاستثمارات القطرية لدعم الاقتصاد، بينما ستسهم تركيا في جلب استثماراتها وخبرتها الاقتصادية الناجحة إلى البلاد. وقد قدمت تركيا دعمًا كبيرًا في مجال تعليم اللاجئين السوريين، ومن المتوقع أن تواصل تقديم مساهمات كبيرة لتحسين التعليم في المناطق التي لا يزال فيها التعليم معطلاً، بما في ذلك المخيمات. باختصار، بفضل الدعم المتواصل من حليفين قويين مثل قطر وتركيا، ستحقق الإدارة السورية الجديدة تقدمًا سريعًا في مختلف المجالات.
984
| 19 ديسمبر 2024
ثار الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد في عام 2011 احتجاجًا على القمع والإبادة الجماعية التي انتهجها النظام ضد المواطنين. مع تصاعد العنف ضد المظاهرات السلمية، لجأت المعارضة إلى حمل السلاح للدفاع عن مطالبها. رغم محدودية التسليح، اقتربت المعارضة من الإطاحة بالنظام، إلا أن تدخل ميليشيا حزب الله اللبناني، ومن ثم إيران وداعش وروسيا، ساعد في قمعها والحفاظ على بقاء النظام. في محاولة لحماية الشعب السوري وتقليل الخسائر، أطلقت تركيا بالتعاون مع روسيا وإيران عملية أستانا، التي هدفت إلى وقف القصف الروسي واستخدام البراميل المتفجرة، فضلاً عن منع إنشاء شريط حدودي في شمال سوريا تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره تركيا تهديدًا لأمنها القومي. ركزت تركيا جهودها في تلك الفترة على تحقيق الاستقرار في شمال سوريا، حيث دعمت إدارات محلية وتعاونت مع المعارضة في إدلب. لكن النظام وروسيا استمرا في اعتبار المعارضة المسلحة في إدلب جماعات إرهابية، مما أدى إلى قصف مستمر وحصار خانق على ملايين المدنيين، في انتهاك صارخ لاتفاق أستانا. تركيا، بدورها، عارضت هذه الانتهاكات بشدة، وواصلت تقديم الدعم المالي والدبلوماسي للمعارضة في الشمال السوري. مع تزايد الأزمات الدولية مثل وباء كوفيد-19، الحرب الروسية الأوكرانية، والصراع في غزة، تغيّر المشهد الإقليمي والدولي. دفعت الحرب الروسية الأوكرانية موسكو إلى تقليص وجودها العسكري في سوريا للتركيز على أولويات أخرى. في الوقت نفسه، انخرطت إيران في صراع متصاعد مع إسرائيل من خلال وكلائها الإقليميين، مما أدى إلى تراجع نفوذها في سوريا. في ظل هذه التحولات، أطلقت المعارضة المسلحة، بالتشاور والتعاون مع تركيا، عملية لتحرير حلب. تمكنت المعارضة من السيطرة على المدينة بسرعة، حيث أصبح النظام عاجزًا عن الدفاع دون الدعم العسكري الروسي والإيراني. بعد تحرير حلب، تقدمت المعارضة نحو مدن رئيسية مثل حماة وحمص، ثم وصلت إلى أطراف دمشق. لتجنب مزيد من القتال وإراقة الدماء، توسطت تركيا وقطر في منتدى الدوحة، حيث توصلت الأطراف إلى اتفاق استسلام سلمي للعاصمة. يُعزى هذا الانتصار إلى صمود الشعب السوري ودعم الحلفاء، وخاصة تركيا وقطر، مما مهد الطريق لتغيير شامل في المشهد السوري. بعد هذا الانتصار، أعلنت المعارضة عن تشكيل حكومة مؤقتة، بقيادة شخصيات بارزة من إدلب. ومع ذلك، انهارت عمليتا أستانا وجنيف، مما دفع السوريين إلى العمل على حل أزمتهم بأنفسهم، بعيدًا عن المنابر الدولية التي فشلت في تقديم حلول فعالة. لتعويض الشعب السوري عن الإحباطات التي واجهها، يجب على الدول الغربية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تقديم اعتذار صريح ودعم حقيقي لمساعدة البلاد على تجاوز أزمتها. تُعد أولويات المرحلة القادمة ضمان الأمن والاستقرار، إعادة الإعمار، محاكمة المسؤولين عن الجرائم، وإطلاق عملية تحول ديمقراطي تعيد الأمل للشعب السوري. لتجنب الفوضى التي شهدها العراق عام 2003، يجب الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومنع انهيارها، مع تأمين سلامة الحياة اليومية واحتواء الصراعات بين الجماعات المتنافسة. إعادة بناء القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والخدمات البلدية تُعد أساسية لإنعاش الاقتصاد واستعادة الاستقرار. تحتاج البنية التحتية، التي دمرتها الحرب والقصف، إلى استثمارات ضخمة لإصلاح المستشفيات، المدارس، والطرق. إلى جانب التكاليف المادية، تتطلب الأضرار الاجتماعية والنفسية التي خلفتها الحرب اهتمامًا خاصًا. توفير الدعم النفسي للمتضررين، بما في ذلك الأرامل، الأيتام، وذوي الإعاقة، يشكل أولوية في جهود التعافي. تحقيق وحدة سوريا يمثل تحديًا كبيرًا، خاصة مع محاولات الولايات المتحدة إنشاء كيان مستقل تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني في شرق الفرات. على الرغم من تصريحات الرئيس الأمريكي السابق ترامب حول سحب القوات الأمريكية، قاوم البنتاغون هذه الفكرة، مما يعكس تعقيد الموقف في المنطقة. على الصعيد الإقليمي، يمثل التدخل الإسرائيلي تحديًا إضافيًا، حيث تستهدف إسرائيل المنشآت العسكرية والأسلحة داخل سوريا، مما يزيد من تعقيد الأوضاع. علاوة على ذلك، يسعى حزب العمال الكردستاني إلى إثارة الأقليات داخل سوريا، مما يهدد الاستقرار طويل الأمد. إعادة إعمار سوريا تتطلب دعمًا ماليًا وتقنيًا كبيرًا. ينبغي على الدول العربية والإسلامية، خصوصًا تركيا وقطر، تقديم الدعم اللازم لتجاوز هذه المرحلة الحرجة. في المقابل، على الدول الغربية تحمل مسؤولياتها التاريخية، وتقديم مساعدات مالية تعويضًا عن فشلها في حماية الشعب السوري خلال سنوات الصراع. بدلًا من أن تكون سوريا ساحة للصراعات الدولية، يمكن تحويلها إلى نموذج للتعاون الإقليمي والدولي، يسهم في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.
1125
| 11 ديسمبر 2024
عند دراسة شبه الجزيرة العربية وشبه جزيرة الأناضول كموقعين جغرافيين مترابطين، يتبين أن تركيا وسلطنة عمان تقعان في أطراف متقابلة، تحمل كل منهما أهمية استراتيجية كبيرة. تحتل تركيا موقعًا استراتيجيًا يربط بين قارتي آسيا وأوروبا، بالإضافة إلى موقعها الحيوي بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط في شمال غرب المنطقة. أما العلاقات التاريخية بين السلاجقة والعمانيين، فقد تميزت بالتعاون الوثيق الذي يعود إلى أكثر من ألف عام. كما شهدت العصور اللاحقة تعاونًا مثمرًا بين الدولتين العثمانية والعمانية، لا سيما في التصدي للبرتغاليين وطردهم من منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي. بعد سقوط الأندلس، تصاعدت تهديدات البرتغال للبحر الأحمر والخليج العربي. وقامت الدولة العثمانية بدعم شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك عمان، لمساعدتها في التصدي للغزاة وإبعادهم عن الأراضي العربية. وعملت الدولة العثمانية على تأمين المحيط الهندي بالتنسيق مع الحكام العرب والدولة البابرية التركية في الهند. وعلى الرغم من هذا التعاون، لم تسعَ الدولة العثمانية إلى السيطرة المباشرة على عمان، ربما بسبب استقرارها النسبي وبعدها عن العاصمة إسطنبول. ومع ذلك، وبعد فترة سلام امتدت لحوالي قرنين، استغلت بريطانيا ضعف الدولة العثمانية لتغزو عمان وتحول مسقط إلى قاعدة عسكرية بهدف بسط نفوذها على الخليج العربي والتحكم في طرق التجارة. بدأت العلاقات الرسمية بين تركيا الحديثة وسلطنة عمان في عام 1973، عقب استقلال سلطنة عمان في عام 1970. وترتكز هذه العلاقات على أسس من حسن النية، والسلام الإقليمي، والمصالح المتبادلة. افتتحت تركيا سفارتها في مسقط عام 1983، بينما افتتحت سلطنة عمان سفارتها في أنقرة عام 2012. ورغم أن العلاقات كانت إيجابية دائماً، إلا أنها بقيت محدودة التأثير حتى وقت قريب. ومع ذلك، تشهد العلاقات في الفترة الحالية تطوراً ملحوظاً. ففي الأسبوع الماضي، قام السلطان العماني هيثم بن طارق بأول زيارة رسمية له إلى تركيا كرئيس للدولة منذ استقلال السلطنة. وخلال الزيارة، أشاد بمواقف تركيا الداعمة للقضايا العربية والإقليمية. تتزايد العلاقات الاقتصادية بين البلدين حيث يقترب حجم التبادل التجاري بين البلدين من ملياري دولار أمريكي، إلا أنهما وضعا هدفاً للوصول إلى خمس مليارات دولار. وتستورد عمان مواد البناء والمنسوجات والأثاث والمواد الغذائية وقطع غيار السيارات من تركيا. ومن ناحية أخرى، تستورد تركيا النفط والمواد البتروكيماوية وبعض المواد الغذائية. وتتولى شركات المقاولات التركية تنفيذ مشاريع كبرى في عُمان لبناء الطرق والمباني. ويزور السياح العمانيون تركيا بأعداد كبيرة، كما تستثمر شركاتهم في قطاعات السياحة والعقارات. وخلال الزيارة الأخيرة، اتفقا على أن تشتري تركيا الغاز الطبيعي المسال من عُمان لمدة 10 سنوات. كما تدرس عُمان أيضاً ربط خط الغاز الخاص بها مع أوروبا عبر تركيا. كما يناقش الجانبان اتفاقيات التجارة الحرة بين البلدين. ووقعا مذكرة تفاهم في مجال الزراعة وتربية الحيوانات والثروة السمكية. واتفقا على دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والتعاون بين البنوك المركزية. كما اتفقا على تحسين التعاون في مجالات التعليم والسياحة وتدريب الدبلوماسيين. وعلى غرار قطر، لا ترغب كل من تركيا وسلطنة عمان في الوقوع في الاستقطاب الطائفي في المنطقة وتفضلان التعاون الإقليمي. ويشكو كلا البلدين من الأزمات والصراعات في الشرق الأوسط. بل تحاولان التوسط بين الدول للحد من التوترات في المنطقة والعالم. فتركيا لديها سياسة خارجية نشطة للغاية وحاولت التوسط بين روسيا وأوكرانيا وقبل ذلك في فلسطين والصومال والبلقان. وبالمثل، تفضل سلطنة عمان سياسة خارجية بعيدة عن الأضواء، ولكنها فعالة وتتوسط في العديد من التوترات الاقليمية. تتمتع تركيا وسلطنة عمان بتعاون متنامٍ في مجالات الدفاع والأمن، حيث تشتري عمان المعدات العسكرية والدفاعية من تركيا. وخلال الزيارة الأخيرة للسلطان، تم التباحث حول تنظيم تدريبات عسكرية مشتركة واتفاقات لتبادل المعلومات الاستخباراتية، مما يعكس تطورًا إيجابيًا في علاقاتهما. على الصعيد الثقافي، شهد التعاون الثقافي بين البلدين زيادة كبيرة مع افتتاح المركز الثقافي التركي في عمان العام الماضي. تحظى المسلسلات التركية بشعبية واسعة بين العمانيين، مما يعزز الاهتمام بالثقافة واللغة التركية. كما أن المنح الدراسية التركية مفتوحة للطلاب العمانيين، مما يشكل جسرًا ثقافيًا وتعليميًا بين الجانبين. بشكل عام، تشير الزيارة الأخيرة على أعلى المستويات إلى اتجاه قوي نحو تعزيز العلاقات التركية-العربية.
348
| 04 ديسمبر 2024
من المتوقع أن يتسبب الرئيس المنتخب دونالد ترامب في إحداث بعض التغييرات الجيوسياسية حول العالم. وسيركز على وقف تقدم الصين اقتصاديًا وسياسيًا باعتبارها المنافس الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية حول العالم. وقد حاول الرئيس أوباما تحويل انتباه الولايات المتحدة الأمريكية إلى آسيا بفكرة محور آسيا في عام 2011 بعد أن تجاوز الاقتصاد الصيني ألمانيا في عام 2009 واليابان في عام 2010. ومنذ ذلك الحين لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية إيقاف الصين. فوفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الصيني اليوم 18.3 تريليون دولار بينما يظل الناتج المحلي الإجمالي الألماني والياباني 4.7 و4.1 تريليون دولار على التوالي، وهو ما يتجاوز نصف الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي البالغ 29.2 تريليون دولار. خلال ولايته الأولى، حاول دونالد ترامب الحد من التوسع الاقتصادي الصيني من خلال فرض رسوم جمركية إضافية وعقوبات مثل تلك المتعلقة بتكنولوجيا الجيل الخامس 5G، ومع ذلك، لم تكلل جهوده بالنجاح، خاصة مع تولي جو بايدن الرئاسة، حيث وجه اهتمامه نحو مواجهة روسيا وخفف من الضغوط المفروضة على الصين. في ولاية جديدة، يُتوقع أن يعيد ترامب تفعيل سياسته «أمريكا أولاً»، مع تركيز مكثف على مواجهة الصين على عدة أصعدة، تشمل الاقتصاد والدبلوماسية والجغرافيا السياسية. كما أن منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا قد تشهدان تنافساً أمريكياً - صينياً حاداً، نظراً لأهميتهما الاستراتيجية وثرائهما بالموارد الطبيعية والبشرية. في هذا المقال، سنركز على الصراع الأمريكي الصيني على أفريقيا في المجالات الاقتصادية، والثقافية، والسياسية، والعسكرية. فقد لاحظنا في السنوات الأخيرة تراجع نفوذ فرنسا في أفريقيا مع ارتفاع الأصوات ضد المستعمر السابق في بلدان مثل تشاد ومالي وبوركينا فاسو. وفي السياق ذاته، تحاول روسيا، التي تواجه الغرب في حربها بأوكرانيا، استغلال هذا الفراغ لتعزيز وجودها في تلك البلدان. أما الولايات المتحدة، فتتعامل مع هذا التطور بموقف مزدوج؛ فمن جهة، تشعر بالقلق من استبدال حليف في الناتو (فرنسا) بخصم استراتيجي (روسيا). ومن جهة أخرى، ترى أن ضعف النفوذ الفرنسي قد يفتح أمامها فرصاً جديدة لتحقيق مكاسب في مستعمرات فرنسا السابقة، مما يعكس تعقيد التنافس الدولي على أفريقيا. في العقود الأخيرة، كان تأثير الصين واضحاً بشكل كبير في القارة السمراء، حيث استثمرت في مشاريع البنية التحتية مثل الموانئ والسكك الحديدية والطرق كجزء من مبادرة الحزام والطريق. كما تعتمد الصين على المواد الخام الأفريقية لتغذية اقتصادها. بالإضافة إلى ذلك، تقدم الصين قروضاً منخفضة الفائدة لتحصل مقابلها على عقود مميزة في الدول الأفريقية. وعندما تعجز الحكومات عن سداد هذه القروض، تحصل الشركات الصينية على عقود إضافية، مما يؤدي إلى تراكم الديون على تلك الدول. أما استراتيجية الولايات المتحدة، فهي أقل عدوانية مقارنة بالصين، إذ تركز على تقديم المساعدات الخارجية وتشجيع الشركات الأمريكية على ممارسة الأعمال التجارية في أفريقيا. هناك جدل قديم مفاده أن الحل لفقر أفريقيا لا يكمن في المساعدات، بل في التجارة، مما يدعو الدول الغربية إلى تسهيل التجارة مع أفريقيا. وقد تعرضت سياسة المساعدات الخارجية لانتقادات بسبب تدميرها لبعض القطاعات الهشة بالفعل ودعمها للأنظمة الفاشلة في أفريقيا. كما تواجه الصين انتقادات لإغراقها الدول الأفريقية في فخ الديون. بالطبع، الصين والولايات المتحدة ليستا وحدهما في هذا التنافس، حيث تشارك قوى أخرى مثل المملكة المتحدة وألمانيا والهند وتركيا أيضاً في تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع أفريقيا. على المستوى السياسي، تحظى أصوات الدول الأفريقية الـ 54 في الأمم المتحدة بأهمية كبيرة لدى العديد من القوى العالمية. وأصبحت هذه الأصوات حاسمة في قضايا مثل التصويت بشأن الحرب في أوكرانيا، إدانة إسرائيل، أو الاعتراف بتايوان. تسعى الولايات المتحدة لتقديم نفسها كمدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، وتربط مساعداتها بشروط سياسية محددة. في المقابل، تقدم الصين مساعداتها وقروضها دون فرض شروط سياسية، مما يقلل من تأثير تلك الشروط الديمقراطية الغربية. ومع ذلك، لم تؤدِ هذه الشروط الغربية إلى تحسين أوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان في أي دولة أفريقية. أما من الناحية الأمنية، نجد أن هناك تنافسا بين الصين والولايات المتحدة على تعزيز نفوذهما في أفريقيا. إذ تمتلك الصين قاعدة عسكرية في جيبوتي، بينما تلعب القيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) دوراً بارزاً في القارة تحت مظلة مكافحة الإرهاب. في الوقت نفسه، تواصل روسيا تعزيز وجودها في أفريقيا من خلال قوات فاغنر، بالإضافة إلى تعاونها مع حلفاء جدد وقدامى يشترون الأسلحة الروسية مثل الجزائر ومصر ودول الساحل. ومن المتوقع أن تسعى إدارة ترامب الجديدة إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا على حساب فرنسا، بهدف زيادة الضغط على المصالح الصينية في أفريقيا. وكما يقول المثل الأفريقي: «عندما تتصارع الفيلة، فإن العشب هو الذي يُداس».
747
| 27 نوفمبر 2024
زار سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تركيا الأسبوع الماضي، وشارك في الاجتماع العاشر للجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين. والحقيقة أن هذه الزيارات رفيعة المستوى في كل عام هي دلالة على التعاون والتنسيق القوي بين البلدين الشقيقين. وقد جاء اجتماع هذا العام في وقت حساس نشهد فيه تطورات خطيرة في المنطقة والعالم. وقد أسفرت الزيارة والاجتماعات عن توقيع 8 اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم بين البلدين. ومنذ إنشاء اللجنة الاستراتيجية في عام 2014، بلغ عدد هذه الاتفاقيات مائة وعشر اتفاقيات. تزامنت الزيارة مع حالة من الفوضى والدمار الذي تشهده غزة ولبنان جراء اعتداءات إسرائيل، ومع حالة من عدم الاستقرار الناتجة عن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ويثير هذا الفوز بشكل خاص العديد من التساؤلات حول الحرب على غزة، والصراع بين أوكرانيا وروسيا، والعلاقات بين القوى العالمية الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، بالإضافة إلى سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط. وباعتبار أن تركيا وقطر تشكلان ركنين أساسيين في المشهد الإقليمي، فإن البلدين يعملان على مناقشة القضايا الحساسة التي تمس اهتماماتهما المشتركة. وتربط الشعبين القطري والتركي علاقات طيبة منذ العهد العثماني، وقد احتفل البلدان العام الماضي بمرور 50 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما. وخلال الخمسين عاماً الماضية، تطورت العلاقات الودية بين البلدين إلى علاقات استراتيجية في مجالات الاقتصاد والتعليم والصناعة والطاقة والدفاع والاستثمار والثقافة والشباب. وقد وقفت قطر حكومة وشعباً مع تركيا خلال المحاولة الانقلابية في عام 2016، كما أظهرت تركيا دعماً متردداً لقطر من خلال تقديم الدعم العسكري واللوجستي والدبلوماسي في عام 2017. ونشهد اليوم توسعًا مستمرًا في التعاون الدبلوماسي والعسكري بين البلدين، حيث يتبعان نهجًا مشتركًا في التعامل مع الأزمات وتلبية تطلعات الديمقراطية والتنمية في المنطقة. كما برزت قطر العام الماضي بدورها الإنساني من خلال تقديم دعم سخي لضحايا الزلزال في تركيا وشمال سوريا. وخلال زيارة سمو الأمير، أكد الجانبان على أهمية وقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، مع التشديد على احترام السيادة الوطنية والعمل على إيجاد حلول عادلة للنزاعات. وأعربت تركيا أيضًا عن دعمها لجهود قطر في الوساطة لإنهاء حرب غزة. وقد دعمت تركيا تعزيز علاقات قطر الاقليمية، في حين سهّلت قطر تطبيع تركيا مع مصر ودول أخرى في المنطقة. ويؤكد كلا البلدين على السلام والتعاون الإقليمي من خلال تجاوز التوترات الطائفية والعرقية ويرحبان بتطبيع الدول العربية مع إيران ويشجعان إيران على التصرف كجار طبيعي. وتشجع الدولتان الحلول السلمية في سوريا وليبيا واليمن والسودان حيث لا يزال بإمكانهما لعب دور أكثر فاعلية في مجال السلام والوساطة من أفريقيا إلى آسيا والعالم العربي. وخلال زيارة سمو أمير دولة قطر الأخيرة إلى تركيا، تم التوقيع على 8 اتفاقيات ومذكرات تفاهم ثنائية في مجالات المساعدات الإنسانية، والأرشيف والتوثيق، والإعلام والاتصالات، والشباب، والرياضة، والنقل، وتسهيل التجارة المتبادلة، والدفاع. تبذل تركيا وقطر جهوداً كبيرة لدعم الشعب الفلسطيني على الساحات الدولية. وتركز الاتفاقية الأولى بشكل خاص على التخفيف من حدة الوضع المتردي في غزة ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد. فالتعاون في الأعمال الأرشيفية مهم للغاية لأن الأرشيف العثماني في إسطنبول يحتوي على 85 مليون وثيقة في الوقت الذي تسعى فيه قطر بشغف لتوسيع أرشيفها الوطني ليغطي تاريخ قطر نفسها ومنطقة الخليج والعالم العربي. إن التعاون التركي-القطري في مجالات الإعلام والاتصال يعد أيضا أمرًا بالغ الأهمية وخاصة في العصر الرقمي الذي نعيشه، حيث يتم تشكيل القضايا وفقًا لأجندات القوى الكبرى. كما سيستفيد قطاعا الرياضة والشباب من هذا التعاون بطريقة اجتماعية أكثر. تمتلك تركيا مركزًا ثقافيًا في الدوحة يساهم في تعزيز العلاقات الثقافية، لكننا بحاجة إلى مركز ثقافي قطري مشابه في تركيا لتعريف الشعب التركي بالثقافة القطرية والعربية. هذا الأمر ضروري بشكل خاص لمواجهة الدعاية السلبية «الموجهة» التي تهدف إلى إضعاف الشراكة التركية-العربية. وتضمنت الاتفاقيات الجديدة تعزيز التعاون الأمني وتسهيل التجارة في مجالي الاستيراد والتصدير، بالإضافة إلى تحسين النقل بين تركيا وقطر. إن هذه الاتفاقيات والتعاون المستمر بين تركيا وقطر يعكسان التزام البلدين العميق بتعزيز الشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات، ويؤكدان على أهمية العمل المشترك من أجل تحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم.
789
| 20 نوفمبر 2024
فاجأ الأمريكيون العالم بانتخاب دونالد ترامب رئيسًا لهم للمرة الثانية بعد أربع سنوات من إدارة بايدن العجوز. واجه ترامب العديد من المحاكمات وحتى محاولات الاغتيال، لكن المؤسسة الحاكمة لم تستطع منع فوزه. وربما زادت معظم هذه التدخلات من التعاطف مع دونالد ترامب وضمنت فوز زعيم غير تقليدي. استفاد دونالد ترامب من ضعف إدارة بايدن والصعوبات الاقتصادية التي يواجهها المواطنون الأمريكيون. وقد تمكن من منافسة كامالا هاريس في سعيه الجاد للعودة إلى الساحة السياسية. إن فوز ترامب هو فوز كبير لأنه ضمن السيطرة على كل من الكونجرس ومجلس الشيوخ إلى جانب الرئاسة، مما يمنحه قوة هائلة. وهذا لا يحدث في السياسة الأمريكية كثيرًا. فالرؤساء الأمريكيون في فتراتهم الرئاسية الثانية يكونون أقل تقيدا بمخاوف إعادة انتخابهم ويريدون ترك إرث دائم من خلال اتخاذ إجراءات جريئة. ويمكن أن يظهر ترامب أكثر جرأة وتقلباً خلال هذه الولاية. ويمكننا أن نتوقع أن يغوص في المزيد من الصراعات في السياسة الداخلية ومع الاتحاد الأوروبي والصين في الخارج. وكحال جميع الدول، كانت تركيا تترقب نتائج الانتخابات الأمريكية، نظرًا لتدهور العلاقات بين البلدين خلال فترة بايدن. ورغم تعهد بايدن لأنصاره بالسعي للإطاحة بأردوغان عبر دعم معارضيه، إلا أنه خرج من الساحة السياسية قبل أردوغان. شهدت ولاية ترامب الأولى العديد من الإيجابيات والسلبيات، حيث هدد ترامب تركيا اقتصاديًا بعد العمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا، وكذلك في سياق قضية القس برونسون. وقد أثرت تغريداته المهددة سلبًا على الليرة التركية التي كانت تعاني من تراجع ملحوظ آنذاك. تمكن أردوغان خلال الفترة الأولى من حكم ترامب من بناء تفاهم مع ترامب بشأن العمليات العسكرية التركية في قرة باغ وليبيا وسوريا. وستستند العلاقات التركية-الأمريكية إلى محورين رئيسيين: حلف شمال الأطلسي والشرق الأوسط. على الرغم من أن تركيا تعتبر شريكًا مهمًا في الناتو، فإنها قد تفقد جزءًا من أهميتها إذا قام ترامب بإضعاف هذه المؤسسة. كما يضغط ترامب على الدول الأوروبية للمساهمة في تمويل حلف شمال الأطلسي. نظرًا لأن ترامب لا يحب استثمار الأموال الأمريكية في العمليات العسكرية في الخارج، فقد تتوقع تركيا انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، مما يقلل من الدعم المالي والعسكري لحزب العمال الكردستاني (PKK) ومنشقاته في سوريا. حاول ترامب بالفعل سحب القوات الأمريكية من سوريا وسحب الدعم من حزب العمال الكردستاني خلال فترته الأولى، لكنه لم يتمكن من إتمام ذلك بسبب مقاومة شديدة من البنتاغون. ومع سيطرته على مجلس الشيوخ والكونغرس حاليا، سيكون لدى ترامب فهم أكبر لعلاقاته مع تركيا فيما يخص بيع طائرات F-15 و F-35. ستؤثر سياسات ترامب تجاه الشرق الأوسط بشكل كبير على الموقف التركي من حرب غزة والصراع مع إيران. ستكون درجة دعمه لحرب الإبادة التي يقودها نتنياهو محورية بالنسبة لتركيا التي تسعى إلى إنهاء الحرب. كما أن مستوى التوتر بين الولايات المتحدة وإيران سيكون ذا أهمية كبيرة للمنطقة ككل، في حين أن العلاقات بين إيران ودول الخليج أصبحت أقل تعقيدًا اليوم مقارنة بالماضي. إضافة إلى ذلك، سيكون من المهم معرفة مدى الضغط الذي يمارسه ترامب على السعودية والدول العربية الأخرى لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، مما سيكون له تأثير كبير على المنطقة وتركيا. في السياق العالمي، قد تمنح حرب ترامب التجارية مع الصين وبدرجة أقل مع أوروبا بعض المزايا لتركيا في تجارة السلع الاستهلاكية. فمن ناحية، فإن المصالحة المحتملة لترامب مع روسيا بشأن أوكرانيا تضعف إلى حد ما موقف تركيا في البحر الأسود والقوقاز. ومن ناحية أخرى، تتمتع تركيا بعلاقات جيدة مع كل من أوكرانيا وروسيا، حيث سيوفر الاستقرار وجهود إعادة الإعمار فرصاً ذهبية للصناعة والتجارة والسياحة التركية أيضاً. على المستوى الشخصي، يمكن أن تشكل الصداقة والتفاهم المتبادل بين أردوغان وترامب الذي تطور منذ العهدة الأولى لولايته خلفية صلبة لعلاقات أفضل. وبطبيعة الحال، ستؤثر طبيعة حكومته ومستشاريه في القضايا المتعلقة بتركيا على العلاقات. وبالمثل، فإن عقيدة ترامب الأمنية ستكون حاسمة أيضًا. ومع ذلك، لا يوجد شيء مؤكد في زعيم غريب الأطوار اكتسب بعض الخبرة في الشؤون العالمية، ولكن لا يمكن التنبؤ بتصرفاته لأنه يحب المفاجآت في سياق عالمي دائم التغير.
813
| 14 نوفمبر 2024
تعد القراءة وسيلة أساسية لتعلم الأشياء الجديدة، حيث يأمر الإسلام المسلمين بطلب العلم من المهد إلى اللحد. ولا شك أن للقراءة فوائد متعددة من توسيع الخيال إلى التفكير النقدي والتعاطف مع الآخرين. كما أنها تحافظ على الشباب من العادات السيئة وتهيئهم للمستقبل وتقوي شخصيتهم. والأهم من ذلك أن القراءة تثري حياة الجميع. ومع ذلك، فإن عادة القراءة آخذة في الانخفاض في جميع أنحاء العالم، خاصة في مواجهة الاستخدام المتزايد للإنترنت. هذا التوجه يسير بالتوازي مع انخفاض معدلات قراءة الصحف والمجلات، حيث أُغلِقت العديد من الصحف أو توقفت عن إصدار النسخ المطبوعة. ويعد هذا توجهًا عالميًا، يمتد تأثيره من أمريكا إلى الهند، ومن العالم العربي إلى تركيا. كما أن المكتبات العامة، التي توفر الكتب للفئات الأقل حظاً، تتراجع يوماً بعد يوم. إن توفر الإنترنت نسبياً وتراجع عادة القراءة يقللان من الضغط على الحكومات لدعم المكتبات العامة وتوفير الكتب عبر الإنترنت. وتواجه الدول النامية صعوبات في تقديم هذا الدعم بسبب الأزمات الاقتصادية العالمية الناجمة عن جائحة كوفيد-19 والصراعات. هناك عدة أسباب لتناقص معدلات القراءة لدى الناس في السنوات الأخيرة. يتمثل السبب الأساسي في قضاء الأفراد وقتاً أطول على هواتفهم وأجهزتهم اللوحية. فلم يعد الكثيرون يميلون إلى متابعة الفيديوهات التعليمية الطويلة، بل يفضلون الفيديوهات القصيرة على منصات مثل يوتيوب وإنستغرام وتيك توك. علاوة على ذلك، فإن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة يؤثر سلباً على التركيز بسبب الإشعارات المتكررة. كما أن تعدد الالتزامات في الحياة الحديثة يقلل من الوقت المتاح للقراءة، والتي تحتاج إلى تركيز ومدة أطول لإتمامها. في السابق، كان الذهاب إلى المكتبات أو متاجر الكتب يُعتبر نشاطًا اجتماعيًا أو ترفيهيًا سواء بشكل فردي أو جماعي، ولكن انتشار متاجر الكتب الإلكترونية بأسعارها المنخفضة أدى إلى إغلاق العديد من هذه المتاجر التقليدية. كان الناس يرتادون المكتبات لقراءة الكتب والصحف، حيث كانت تُعد تجمعات ذات طابع اجتماعي. أما الجيل الحالي، فلن تتاح له فرصة خوض تجربة اكتشاف عناوين مثيرة للاهتمام على رفوف المكتبات. وكانت بطاقة المكتبة ميزة متاحة للقراء من جميع الفئات، سواء الفقراء أو الأغنياء. كما كانت المكتبات العامة تُستخدم في بدايات انتشار الإنترنت كوسيلة لتصفحه. إلا أنها أصبحت أقل جذبًا اليوم نتيجة لتراجع الإقبال عليها وقلة التمويل في جميع أنحاء العالم. أنظمة التعليم لا تبذل جهدًا كافيًا لمواجهة هذا الاتجاه المتراجع. فهي تركز بشكل أكبر على الاختبارات الموحدة، وتعطي الأولوية لبعض المواد على حساب غيرها. ونتيجة لذلك، أصبح الطلاب معتادين على حل أسئلة الخيارات المتعددة بدلاً من ممارسة القراءة النقدية والمناقشة. تركز الامتحانات على المواد الأساسية مثل الرياضيات واللغة، لكنها تهمل مجالات مهمة لتطوير شخصية الطلاب، مثل الأخلاق والفنون والمهارات اللغوية. في جميع أنحاء العالم، يواجه الشباب صعوبة متزايدة في التعامل مع لغتهم الأم، فضلاً عن اللغات الأجنبية؛ حيث يدرسون اللغة فقط بغرض اجتياز الامتحانات وليس للتحدث بها بطلاقة. نظرًا لأن القراءة يمكن أن تكون واجبًا ونشاطًا ترفيهيًا في الوقت نفسه، فمن الأفضل اعتماد نهج متوازن لتعزيزها. يمكن أن تركز امتحانات المدارس على فهم القراءة من خلال مكافأة القراء الجيدين. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نتبنى منظورًا يجعل عملية القراءة أكثر متعة دون الانتظار لتحقيق فوائدها على المدى الطويل. تظهر الدراسات أن الأشخاص الذين يركزون على العملية بدلاً من النتائج يكونون أكثر نجاحا ورضا. ستكون ساعة قراءة في الأسرة والمدرسة وسيلة فعالة لجعل القراءة أكثر شعبية. كما يمكن أن تكون جوائز القراءة مكملة لكتابة الكتب. من الواضح أننا بحاجة إلى تعويد أطفالنا على القراءة في سن مبكرة. يمكن للآباء استخدام القراءة كمكافأة للألعاب. علاوة على ذلك، يمكننا دمج عادات القراءة مع أنشطة أخرى مثل الألعاب والأفلام. يجب أن نجعل المكتبات العامة أماكن اجتماعية ومريحة. بالإضافة إلى إيجاد مزيد من التمويل للمكتبات العامة، نحتاج أيضًا إلى تشجيع تبادل الكتب بين القراء، وتوفير كتب مجانية، وبيع الكتب المستعملة على الأقل في المدن الكبرى. يمكن أن يصبح المشاهير والرياضيون والسياسيون قدوات لتشجيع القراءة بين الشباب. في النهاية، نحن جميعًا بحاجة إلى التخلص من السموم الرقمية، وتعتبر القراءة حلاً جيدًا لذلك.
723
| 06 نوفمبر 2024
كما أوضحنا في المقال السابق، توجد عدة عوامل تساهم في تشكيل الصورة السلبية عن المسلمين على مستوى العالم. ورغم أن المسلمين يتعرضون لحملات تشوه صورتهم، إلا أن هذا لا يعفي مليارا ونصف المليار مسلم من مسؤولية العمل بمواجهة هذه الحملات. فهناك الكثير مما يمكن القيام به، سواء من خلال المنظمات الإسلامية الدولية، أو على مستوى الدول، أو ضمن المجموعات، بل وحتى كأفراد. وفي العصر الرقمي لا أحد يستطيع أن يحتكر الحقيقة؛ فلكل فرد اليوم أدوات متعددة للتعبير عن قصصه وأفكاره. لتحسين صورة المسلمين، نحتاج إلى إجراءات على المستويات التعليمية والإعلامية، والقانونية، والاجتماعية، والسياسية. وبما أن العديد من الناس لم يسمعوا عن النسخة الحقيقية للإسلام كدين سلام وعدالة اجتماعية، فيجب نشر المعلومات حول الإسلام على جميع المنصات. وبما أن العديد من المسلمين يعيشون في الغرب اليوم، فيجب أن تحتوي كتبهم المدرسية على معلومات حقيقية عن الإسلام وتنوع المجتمعات الإسلامية. وذلك لأن المواد الغربية تصدر إلى جميع أنحاء العالم، بما في ذلك البلدان الإسلامية نفسها. يجب أن تغطي المواد التي تشرح المعتقدات الإسلامية وأنماط حياة المسلمين وعلاقاتهم مع الأديان والمجموعات الأخرى. ينبغي أن تركز هذه المواد على القواسم المشتركة مع المسيحية بدلاً من عرضها كخصم دائم. كما يجب أن تسلط الحملات التوعوية الضوء على القيم الإسلامية التي يفتقر إليها العالم، مثل السلم، والصدقة، والتضامن، والعدالة الاجتماعية، حيث إن هذه القيم قادرة على جذب انتباه وتعاطف غير المسلمين. ونظرًا لأن المسلمين يُصوَّرون غالبًا كمجموعة متطرفة وإرهابية من قبل خصومهم، يتعين عليهم توضيح بُعد المسلمين عن التطرف وحبهم للسلام والعدالة على الصعد الفردية والجماعية والدولية. ولهذا الغرض، نحن بحاجة إلى إنتاج أفلام وثائقية وكتب تعكس هذه الرسائل الإيجابية. تروج المصادر الغربية لفكرة أنها ابتكرت كل شيء من الصفر، متجاهلةً الأثر الكبير الذي تركته الحضارة الإسلامية في مسيرة التطور. نحتاج إلى تصميم برامج تسلط الضوء على مساهماتنا في مجالات متعددة، مثل العلوم، والفلسفة، والعمارة، والطب. مثل هذه البرامج ستعزز الحوار المفتوح وتكون أكثر إقناعًا. علاوة على ذلك، يمكن أن يساهم الحوار بين الحضارات في تجاوز التحيز وزيادة الفهم من خلال تنظيم ندوات وفعاليات مشتركة تشمل الأنشطة الرياضية والثقافية. كما سيكون لتبادل الخبرات بين الأفراد في المجالات الفنية والأكاديمية تأثير إيجابي كبير. نظرًا لأن معظم الصور السلبية تُروّج اليوم عبر وسائل الإعلام، يجب على المسلمين مواجهة هذه الدعاية السلبية، والسعي في الوقت نفسه للتعاون مع وسائل الإعلام الرئيسية والبديلة في البلدان الأخرى. من الضروري بذل جهود مكثفة لتوعية الناس بكيفية كشف التحيزات في وسائل الإعلام تجاه المسلمين وتقديم صورة إيجابية عن المسلمين. كما يمكن أن تسهم قيم المجتمع المسلم وأسلوب حياته، خاصة القيم الأسرية، في جذب تعاطف كبير في عالم يعاني من تفكك الروابط الأسرية. للأسف، توجد لوبيات تسعى لنشر الكراهية من الإسلام والمسلمين، مما يُعرف بـ»الإسلاموفوبيا». تسجيل الانتهاكات العنصرية ضد المسلمين ورفع مستوى الوعي ومتابعة سبل قانونية لمكافحة الإسلاموفوبيا يعد أمرا بالغَ الأهمية. وقد ساعدت منظمة التعاون الإسلامي الأمم المتحدة في اعتماد 15 مارس كيوم دولي لمكافحة الإسلاموفوبيا، وأنشأت مرصدًا لمتابعة هذه القضية، ولكن لا بد من وضع مزيد من التدابير القانونية لحماية المسلمين من خطابات الكراهية، والتمييز، والعنف، وضمان ممارسة الشعائر الإسلامية مثل الحجاب والطعام الحلال في المجالين التشريعي والتنفيذي. على منظمة التعاون الإسلامي أن تعزز جهودها في حماية الأقليات المسلمة بشكل أوسع، حيث يوجد مجال كبير للتعاون بين الدول الإسلامية في هذا الشأن. يمكن للمنظمة أن تتبنى ردودًا أكثر جدية تجاه الدول التي تسمح بالإسلاموفوبيا أو تنتهك الحقوق الأساسية للمجتمعات المسلمة. كما أن انخراط المسلمين في الأنشطة المدنية والمشاريع الاجتماعية يمكن أن يسهموا في بناء علاقات أقوى في الدول المضيفة. وإذا استعدنا كيف ساهمت كأس العالم في قطر في تحسين صورة الإسلام، فإننا بحاجة إلى تحقيق جهود جماعية مماثلة وتأسيس مؤسسات للتصدي للإسلاموفوبيا. لذا، يجب أن ندرك أن الشكوى ليست حلاً، بل يجب علينا جميعًا العمل من أجل تحسين صورة المسلمين حول العالم.
684
| 30 أكتوبر 2024
يشكل المسلمون جزءًا كبيرًا من سكان العالم، وقد لعبوا دورًا هامًا في التاريخ. على الرغم من أن الإسلام ينظر إلى المسيحيين واليهود بإيجابية باعتبارهم أهل الكتاب، إلا أن العلاقات بينهم شهدت تقلبات على مر التاريخ. بعد انتشار الإسلام في الأراضي المسيحية، احترم المسلمون العقائد المسيحية وتعايشوا معهم بسلام لفترة طويلة. وعلى الرغم من الحروب الصليبية، حافظت الدولة العثمانية على تقليد التعايش السلمي. ومع ذلك، تدهورت العلاقات بعد صعود الغرب على حساب العالم الإسلامي، مما أثر سلبًا على صورة المسلمين. كما أوضح ماكسيم رودنسون في كتابه «أوروبا وسر الإسلام»، لم تكن صورة الإسلام دائمًا سيئة في الغرب، بل كانت إيجابية في فترات مختلفة. أما اليوم، فإن صورة المسلمين تبدو سلبية بشكل عام في الغرب، وهذا الأمر ينعكس على بقية أنحاء العالم. والحقيقة أن معظم هذه السلبيات مبالغ فيها ولا أساس لها، لكن ذلك لا يغير من واقع الصورة السلبية. في هذا المقال، سنستعرض أسباب هذه المشكلة بالتفصيل. بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، كتب المنتصرون الغربيون تاريخًا سلبيًا للأتراك والعرب وأجزاء أخرى من العالم. وعلى الرغم من أن هذه الرواية تعرضت للطعن والتحدي من الداخل والخارج، إلا أنها لا تزال قائمة حتى اليوم. ترتبط الصورة السلبية للمسلمين بعوامل تاريخية متعددة. بعد الفتوحات الإسلامية في آسيا وشمال إفريقيا والأندلس، شن الصليبيون حملات على المسلمين في بلاد الشام خلال القرون الأولى. كما أن توسع الأتراك في شرق أوروبا أثار حالة من الخوف، وتجسد ذلك في الشعار المعروف «الأتراك قادمون». إلى جانب ذلك، حدث التوسع الغربي والاستعمار في معظم الأحيان على حساب المسلمين، حيث استعمرت القوى الغربية العديد من الأراضي الإسلامية في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. أدى هذا الاستعمار إلى استغلال الموارد وقمع الشعوب، مما دمر الاقتصاد المحلي وأثار استياءً عميقًا ومقاومة قوية ضد القوى الغربية. واليوم، لا يزال الصراع على النفوذ العالمي مستمرًا في الشرق الأوسط على حساب شعوبه، مع دعم أعمى من الغرب للدولة الصهيونية، بينما هناك جماعات ضغط قوية تسعى لتشويه سمعة العرب والمسلمين في هذا الصراع. لطالما حاولت إسرائيل تشويه صورة العرب والمسلمين على الصعيد الدولي. وقد برر الغرب تدخلاته في أفغانستان والعراق ودول إسلامية أخرى من خلال تشويه سمعة شعوبها. أصبح هذا الجهد جليًا بشكل خاص بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، التي نُسبت إلى أسامة بن لادن وبعض الشباب العرب. ومع ذلك، لم يتم البت في هذا الحدث حتى في المحاكم الأمريكية. ورغم ذلك، فقد أدى إلى تصاعد المشاعر المعادية للمسلمين في الغرب وحول العالم، حيث بدأت تُربط صورة المسلمين بالإرهاب. كما ساهم التطرف والجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة في تعزيز الصورة السلبية للمسلمين. وعلى الرغم من أن المسلمين هم أيضًا ضحايا لهذه الجماعات، إلا أن حقيقة أن الإرهابيين يشوهون صورة المسلمين على مستوى العالم تبقى قائمة. بالإضافة إلى ذلك، تلعب وسائل الإعلام الغربية دورًا في تعزيز هذه الصورة السلبية من خلال المبالغة في بعض الأحيان وتشويه الحقائق المتعلقة بالمسلمين. يمكن ملاحظة ذلك في التغطيات الإخبارية وكذلك في أفلام هوليوود. كما يساهم الجهل بالإسلام على نطاق واسع في تعزيز الصورة السلبية عنه. وقد أدت الصراعات الكبرى في المنطقة إلى خلق ملايين اللاجئين، مما أسهم في تفاقم الكراهية ضد المسلمين، والتي تُعرف أيضًا باسم الإسلاموفوبيا. أدى تدفق اللاجئين المسلمين من السوريين والأفغان والأفارقة إلى زيادة وضوح الرموز الإسلامية في الغرب، مما تسبب في مخاوف من عدم الاستقرار الاجتماعي والثقافي في الغرب. ولا تُعتبر العنصرية والتعصب العرقي أمورًا جديدة في الغرب؛ فالفاشية والنازية تمثلان أبرز أمثلة على هذه الآراء المتطرفة. سابقًا، كانت تلك الأحزاب اليمينية المتطرفة تستهدف دولًا أوروبية أخرى، لكنها بدأت مؤخرًا تستهدف اللاجئين أو المقيمين المسلمين كتهديد لأمنها وثقافتها. حتى إن بعض الدول تستثمر في تعزيز الصورة السلبية عن المسلمين، الذين يُلامون ظلمًا على الجرائم والبطالة والفقر. للأسف، يفتقر العالم الإسلامي إلى مؤسسة دولية قادرة على مواجهة هذا الاتجاه، حيث إن منظمة التعاون الإسلامي ليست فعالة جدًا في هذا الصدد، مما يعكس الوضع العام للمسلمين. سأقترح بعض الحلول لتحسين صورة المسلمين في المقال القادم.
729
| 23 أكتوبر 2024
التغيرات الاجتماعية تنشأ من تفاعل عدة عوامل مثل التطور التكنولوجي، التحولات في الاقتصاد، القيم الثقافية، السياسة، الحروب، والتعليم. في عصرنا الحالي، نشهد تأثير هذه العوامل على مجتمعاتنا. ومن المنظور القرآني، يبدأ التغيير الاجتماعي من داخل المجتمع نفسه. بعض الفئات الاجتماعية تسعى جاهدة لإحداث تحولات اجتماعية وثقافية، بينما تعمل فئات أخرى على مقاومة هذه التغيرات. تلعب الحركات الاجتماعية دورًا رئيسيًا في تجاوز القيود التي تفرضها وسائل الإعلام التقليدية، ومع تزايد التقدم التكنولوجي، تتشكل ديناميات جديدة تسهم في تسريع التغيير الاجتماعي وتعميقه. في ظل التغيرات الكبرى التي تشهدها المجتمعات، تحاول الحركات الاجتماعية هذه المجموعات إقناع الآخرين بتبني وجهة نظرها للعالم والتصرف وفقًا لمعتقداتها من خلال الدعاية. يُسهم الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية في تسهيل هذه العملية، لكنه في الوقت ذاته يزيدها تعقيدًا. نظرًا لأن الإنترنت يتجاوز الحدود الوطنية والتقاليد الثقافية، فإن تأثير رياح التغيير يمتد إلى كل المجتمعات حول العالم، لكن درجة التأثير تختلف من مجتمع لآخر. وتتمتع المجتمعات أو المجموعات التي تمتلك وصولاً إلى التقنيات الرقمية بمزايا أكبر في مواجهة التحديات الناشئة مقارنةً بتلك التي تفتقر إلى هذه الأدوات. * من طبيعة البشر أن تسعى كل مجموعة إلى نشر رؤيتها للعالم، سواء كانت دينية أو أيديولوجية أو ثقافية. تستخدم هذه المجموعات الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية إما بشكل إيجابي أو سلبي، اعتمادًا على موقعها ومصالحها. تمتلك النخب موارد كبيرة للترويج لأجنداتها، بينما تعاني الحركات الشعبية من محدودية الموارد لدعم سياسات أو أجندات ثقافية معينة. في الماضي، كانت الفئات الغنية وذات النفوذ تسيطر على وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والإذاعة والتلفزيون. أما اليوم، فقد أصبح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أدوات متاحة لكل من النخب والحركات الشعبية، مما يتيح للجميع فرصة أكبر لنشر أفكارهم والتأثير على الجمهور. * تستخدم الحركات الشعبية الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية بطرق متعددة وفعّالة. تُعتبر الشبكات الاجتماعية مثل تويتر، وفيسبوك، وإنستغرام، وتيليجرام، وحتى مجموعات واتساب، أدوات قوية لنشر المعلومات والدعاية. على سبيل المثال، تمثل حركة دعم غزة تجسيدًا لهذا الانتشار العالمي، حيث تمكنت من إيصال رسالتها إلى مختلف أنحاء العالم مما يسهل تداول المعلومات والصور ومقاطع الفيديو لأغراض الترفيه والدعاية على حد سواء. يستخدم المحتجون هذه الوسائل لجذب الانتباه وإقناع الجمهور والحكومات، مما يعكس تأثير الإنترنت العميق في تعزيز الحركات الشعبية وتوسيع نطاقها. تعتبر هذه المنصات غير مكلفة، مما يمكّن أي مجموعة من استخدامها للعثور على المؤيدين والمتعاطفين وحتى الرعاة. في الماضي، كانت الحركات الاجتماعية بحاجة إلى منظمة مركزية وقيادة قوية لتحقيق أهدافها المرجوة، لكن اليوم يمكن للمجموعات المجزأة واللامركزية أن تعمل على إحداث التغيير الاجتماعي. من خلال الإنترنت، تستطيع هذه المجموعات تنظيم علامات التصنيف (الهشتاج) والعرائض الإلكترونية واستطلاعات الرأي وجمع التبرعات. تعتبر علامات التصنيف (الهشتاج) والمواضيع الشائعة على وسائل التواصل الاجتماعي أدوات هامة جدًا للدعاية وزيادة الوعي بشكل غير مسبوق. كما أن العديد من الأشخاص يولون اهتمامًا كبيرًا لهذه المواضيع الشائعة، سواء في المجال السياسي أو الترفيهي. أنتجت منصات وسائل التواصل الاجتماعي فئات جديدة من الفاعلين الاجتماعيين، مثل المؤثرين والمدونين واليوتيوبر ومنشئي المحتوى، الذين يتمكنون من خلق مواضيع رائجة (أجندات) أو تعزيز المواضيع الحالية التي تقترحها الحركات الاجتماعية. تتيح التقنيات الرقمية الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، لهذه المجموعات الناشئة استخدام الإحصائيات والبيانات بشكل فعال، مما يساعدها على تحقيق أهدافها من خلال أساليب علمية. في بعض الأحيان، تكشف هذه المجموعات عن بيانات حساسة لإحراج الحكومات، كما فعلت ويكيليكس، مما يساهم في تقديم سرد بديل للأحداث بعيدًا عن الروايات الرسمية. * بالطبع، لا تقتصر الأنشطة الرقمية على الجوانب الإيجابية، إذ تسعى بعض المجموعات لتحقيق أهداف سلبية. حيث تلجأ بعض الحركات إلى اختراق المؤسسات الحكومية أو سرقة المعلومات الشخصية من أجل نشر دعايتها. كما تستخدم جماعات الضغط الكبيرة حسابات مزيفة لدعم أجندتها، مثل حركة المثليين على المستوى العالمي. إضافة إلى ذلك، تحاول بعض الدول التأثير على الأجندات الرائجة إما من خلال التعاون مع شركات التواصل الاجتماعي أو بتوظيف عدد كبير من الحسابات المزيفة والمؤثرين والمدونين. من جهة أخرى، تظهر شركات التواصل الاجتماعي انتقائية في دعم أو منع مواضيع معينة، وغالبًا ما تتجاهل خطاب الكراهية في بعض اللغات المحلية، مما يؤدي إلى تصاعد التوترات العرقية والدينية، كما شهدنا في صراع تيغراي. يظهر النضال من أجل التغيير الاجتماعي في جهود السكان المحليين عند تقاطع الفاعلين المحليين والدوليين باستخدام أدوات عالمية.
1230
| 16 أكتوبر 2024
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست...
2238
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
1770
| 25 سبتمبر 2025
في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...
837
| 23 سبتمبر 2025
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى،...
738
| 22 سبتمبر 2025
يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...
723
| 24 سبتمبر 2025
يُعدّ وعي المُستثمر بالقواعد والأحكام المنصوص عليها في...
648
| 21 سبتمبر 2025
صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....
585
| 24 سبتمبر 2025
• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...
576
| 25 سبتمبر 2025
يؤكد اهتمام جيل الشباب القطري بالخط العربي؛ تزايد...
501
| 21 سبتمبر 2025
يتداول في هذه الأيام في أغلب دول الخليج...
489
| 21 سبتمبر 2025
ليستْ مجرد صورةٍ عابرةٍ تلك التي يُنتجها الذكاء...
477
| 22 سبتمبر 2025
لم يَـبْـقَ موضعٌ في القلب العرباوي لم تنل...
474
| 22 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية