رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
منذ عهد آدم عليه السلام، والبشر في حركة دائمة. فعندما كانوا يعيشون كقبائل صيادين وجامعي ثمار، كانوا في تنقل مستمر. ومع الانتقال إلى الزراعة، بدأت بعض المجتمعات مثل مصر القديمة والصين بالاستقرار، ورغم أن الحركة قلت جزئيًا، إلا أن تلك المجتمعات لم تسلم من الحروب والغزوات. وعلى مر التاريخ، استمرت حركة البشر (الهجرة) لأسباب متعددة مثل الحروب، والجفاف، والظروف الاقتصادية، والمعتقدات الدينية. وقد بدأت الهجرة الكبرى للإنسانية من إفريقيا، واستمرت على شكل موجات في فترات مختلفة. كما أن غزو القبائل القادمة من الشرق لأوروبا، ومن بعدهم المغول، أدى إلى حركات سكانية واسعة. ظهور الإسلام وامتداد الفتوحات الإسلامية أدّى إلى موجات هجرة نحو الشرق والغرب. وفي القرون الأخيرة، كان للاستعمار الأوروبي، والحروب، والاحتلالات، والأزمات العنيفة والفقر دور كبير في نشوء حركات هجرة جديدة. وفي القرن العشرين، أسهم انهيار الإمبراطوريات، واحتلال فلسطين، وانقسام ألمانيا والهند، في إجبار ملايين البشر على الهجرة القسرية. أما في الفترات الأخيرة، فإن استمرار الأزمات الاقتصادية والسياسية في إفريقيا والعالم الإسلامي ساهم في استمرار موجات الهجرة أخرى مثل الصومال، وسوريا، والسودان أدّت إلى هجرات غير شرعية بالملايين. تُصنّف الهجرة من حيث النطاق المكاني إلى داخلية وخارجية (دولية)، ومن حيث الوضع القانوني إلى شرعية وغير شرعية، كما تُقسم من حيث الدافع إلى طوعية وقسرية، ومن حيث المدة إلى مؤقتة ودائمة. وتتعدد الأسباب التي تدفع إلى الهجرة داخل الدولة الواحدة أو خارجها، وتشمل عوامل اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، وبيئية. من بين الأسباب الاقتصادية، الفقر، والبطالة، وانخفاض مستويات الأجور. كما استخدام الآلات في الزراعة ورغبة إلى الرفاهية يُعدان من العوامل الأساسية التي تدفع سكان الريف إلى الهجرة نحو المدن. تُعدّ الحروب، وانعدام الاستقرار، والقمع، والتمييز من العوامل السياسية وفي الجانب الاجتماعي، فإن ضعف خدمات التعليم والصحة، إضافة إلى التهميش والصراعات العرقية والثقافية، تُعد من الأسباب التي تدفع الأفراد إلى مغادرة أوطانهم. كما تساهم الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والفيضانات، والتصحر، ونضوب الموارد الطبيعية، في تسريع وتيرة الهجرة. على سبيل المثال، الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا في عام 2023 أثّر بشكل مباشر على حياة 14 مليون شخص، وتسبب في أزمة سكن حادة في العديد من المدن التركية. وقد دفعت هذه الأوضاع آلاف الأُسر التركية المقيمة إلى جلب أقاربهم وأطفالهم المتضررين من الزلزال إلى قطر. هناك عوامل تجذب المهاجرين إلى الجهات المعينة في الداخل أو خارج البلد، مثل توفر فرص عمل أفضل، ورواتب أعلى، وبيئة أكثر أمانًا ورفاهية، إلى جانب فرص تعليمية متميزة للأطفال، وأوضاع سياسية أكثر حرية واستقرارًا. كما تلعب عوامل مثل لمّ شمل الأسرة، والمناخ الملائم، وتوفر الموارد الطبيعية دورًا مهمًا في استقطاب الناس نحو تلك المناطق. وتُعتبر قطر من الدول التي تتميز بعوامل جذب قوية، بفضل استقرارها الاقتصادي والاجتماعي وفرصها الواعدة. أما تركيا، فقد أصبحت اليوم محطة عبور ووجهة نهائية في آن واحد. تشكل هجرة الأشخاص داخل الوطن وخارجه تأثيرات كبيرة ومتعددة. يعاني القادمون من المناطق الريفية إلى المدن من صعوبات في التكيف، بالإضافة إلى زيادة الطلب على الخدمات الاجتماعية. يؤثر المهاجرون في الأماكن التي ينتقلون إليها ويتأثرون بظروفها. أما هجرة الكفاءات أو هجرة العقول فتقلل من فرص التنمية في بلدانهم الأصلية. من جهة أخرى، تشكل الأموال التي يرسلها العمال المهاجرون إلى عائلاتهم في بلدانهم، مثل الهند ومصر، مبالغ ضخمة تصل إلى مليارات الدولارات، مما يساهم بشكل كبير في دعم اقتصاد هذه الدول. تُسبب ظاهرة الهجرة توترات بين المهاجرين والسكان المحليين، حيث استغلت بعض الأحزاب السياسية في الغرب هذه القضية لتعزيز خطاب معادٍ للمهاجرين، مما جعلها محورًا للنقاشات حول الهوية والسياسة، مؤثرا على نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة وهولندا وإيطاليا، كما حققت الأحزاب اليمينية نجاحات بارزة في انتخابات السويد وفنلندا وألمانيا. يكمن الحل في بناء نظم عادلة على المستويين العالمي والإقليمي للحد من الهجرة، إلى جانب التعامل مع قضايا اللاجئين والمهاجرين بمنهج إنساني رحيم وأسلوب إسلامي يرتكز على العدل. وفيما يتعلق بموجات الهجرة المتزايدة من أفريقيا، فلا بد من تبني رؤية واستراتيجيات جديدة وشاملة تضمن التنمية المحلية. وفي المقال القادم، سنسلط الضوء على ظاهرة الهجرة غير الشرعية، التي تمثل تحديًا أكبر وأكثر تعقيدًا
402
| 09 يوليو 2025
العمران العشوائي هو توسع المدن بطريقة غير منظمة وغير قانونية، يتم دون مراعاة احتياجات السكان أو الخطط الحضرية التي تضعها البلديات والمختصون. بسبب ازدياد استخدام الآلات في الزراعة والنمو السكاني المتواصل، بدأ كثير من الأشخاص الذين كانوا يعيشون سابقًا كفلاحين أو بدو بالانتقال إلى المدن. ففي عام 2000، كانت نسبة سكان المدن على مستوى العالم تبلغ 47 %، بينما ارتفعت اليوم إلى 56 %. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن هذه النسبة ستصل إلى 70 % بحلول عام 2050. لكن هذا التوسع الحضري لا يجري دائمًا بشكل منظم أو مخطط، خاصة في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، حيث تتسم عملية التوسع غالبًا بالعشوائية والفوضى. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، يعيش أكثر من مليار شخص حول العالم في مناطق حضرية غير منظمة. وتنبع هذه الظاهرة من أسباب متعددة، وتؤدي إلى نتائج خطيرة تؤثر على المجتمعات والبيئة. تتعدد العوامل التي تقف وراء هذا النوع من التوسع، أبرزها استخدام الآلات في الزراعة، وتقلص الأراضي الزراعية، ورغبة الناس في الوصول إلى فرص أفضل في العمل والتعليم والخدمات الصحية. كما أن العجز المالي لدى الفئات الفقيرة عن بناء أو شراء مساكن مناسبة، وضعف أداء الحكومات في التخطيط الحضري وتوفير الخدمات الأساسية مسبقًا، يسهمان في تفاقم المشكلة. وتُضاف إلى هذه الأسباب الهجرات الناتجة عن الحروب والكوارث الطبيعية، وآثار الاستعمار القديمة، إضافة إلى سياسات التهميش التي قد تُمارس ضد السكان الأصليين في بعض المدن. تختلف هذه الأسباب من بلد إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى. وفي كثير من الأحيان، يُعد الفقر في المناطق الريفية سببًا رئيسيًا للهجرة غير المنتظمة إلى المدن. وبسبب تقسيم الأراضي الزراعية بين الورثة عبر الأجيال، أو بسبب نفاد المراعي، يضطر الفلاحون والرعاة إلى الهجرة نحو المدن. وفي بعض الحالات، تؤدي حالات الجفاف أو النزاعات الداخلية إلى نزوح السكان بحثًا عن فرص جديدة في المناطق الحضرية. فعلى سبيل المثال، بعد الأزمة السورية، استقر معظم السوريين الذين هاجروا إلى تركيا في المدن، حتى لو كانوا من سكان القرى في سوريا. كما أن الفساد وسوء الإدارة في بعض الدول يؤديان إلى تفاقم المشكلة، بسبب عدم استعداد المدن لاستيعاب هذا التوسع السكاني. يسبب العمران العشوائي مشكلات عديدة تؤثر على مختلف جوانب الحياة. فمن الناحية الصحية، يعاني سكان هذه المناطق من نقص كبير في الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة وجمع النفايات، مما ينعكس سلبًا على الصحة العامة. وغالبًا ما تُبنى هذه الأحياء في مناطق خطرة مثل مجاري السيول، المنحدرات، أو قرب مكبّات القمامة، مما يجعلها أكثر عرضة للكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات. ويواجه سكان هذه المناطق صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية، ويعيشون في عزلة عن الحياة السياسية والمجتمعية. كما ترتفع فيها معدلات البطالة والجريمة، في ظل غياب أو ضعف الإجراءات الأمنية الفاعلة. حل مشكلة السكن العشوائي والتوسع العمراني غير المنظم ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب تكاليف مالية كبيرة وإرادة سياسية قوية. توفير خدمات البنية التحتية مثل المياه والصرف الصحي في هذه الأحياء غير المخططة يكلف أكثر مقارنة بالمناطق المخططة. كما أن تدني جودة التعليم في تلك المناطق يؤدي إلى ضعف التحصيل الدراسي، وإذا لم تولِ الحكومات اهتماماً كافياً، فقد تنشأ بين الفقر والجهل حلقة مفرغة يصعب كسرها. لذا، من الضروري اعتماد سياسات دعم وتمكين ذوي الدخل المحدود من الحصول على مساكن في مناطق منظمة، سواء عبر الدعم المالي المباشر أو من خلال إنشاء تعاونيات سكنية. في تركيا، أدت موجات الهجرة في الثمانينيات والتسعينيات إلى ظهور أحياء سكنية عشوائية، لكن منذ عام 2000، تمكنت مؤسسة الإسكان الجماعي الحكومية (TOKİ) من حل هذه المشكلة من خلال بناء عدد كبير من المساكن ذات الجودة العالية والتكلفة المنخفضة، ومن خلال إصلاح الأحياء غير المنظمة وعدم السماح بالبناء غير القانوني الجديد. وبعد الزلزال الذي ضرب خمس محافظات قبل عامين، يُعاد بناء المنازل المدمرة بنفس الطريقة. فيما يتعلق بالتوسع العمراني غير المنظم، فإن دول الخليج في وضع أفضل بكثير مقارنة ببقية الدول العربية. وقطر، ضمن رؤيتها الوطنية لعام 2030، حققت تقدماً كبيراً في تحقيق النمو الحضري المستدام، وحماية البيئة، وتوفير السكن للجميع. ولكن من المتوقع أن تستمر هذه المشكلة في شغل العالم الذي يعاني من الصراعات والاحتباس الحراري وسوء الإدارة.
468
| 02 يوليو 2025
يُشير عنوان المقال بوضوح إلى أن الصراع بين إسرائيل وإيران لم يعد شأنًا إقليميًا فحسب، بل بات قضية ذات أبعاد دولية. فقد تحولت الحرب، التي بدأت في غزة، إلى مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران نتيجة لخطوات أحادية اتخذها نتنياهو بمهاجمته إيران دون تنسيق. وجاء رد إيران العسكري ليزيد من حدة التصعيد، لا سيما بعدما شرعت إسرائيل في استهداف المدنيين إلى جانب الأهداف العسكرية. ومع تصاعد التوترات وصدور تهديدات من ترامب، ازداد خطر توسع رقعة الحرب. كما أن احتمال دخول حلفاء إسرائيل من الدول الغربية والولايات المتحدة، ووكلاء إيران في المنطقة، يجعل من هذا الصراع تهديدًا شاملاً قد يطال أمن المنطقة والعالم بأسره. انتقدت دول المنطقة الهجوم الإسرائيلي ووصفته بأنه غير قانوني وغير عادل. وأدانت الدول، بشكل فردي، إضافة إلى موقف موحد من جامعة الدول العربية، التي تُعد أبرز منبر رسمي للدول العربية. وفيما يتعدى حدود الإدانة، تبذل كل من تركيا والدول العربية جهودًا دبلوماسية مكثفة لوقف الحرب واحتواء التوتر. وتشهد المرحلة الحالية اتصالات هاتفية ومشاورات غير مسبوقة بين الأطراف المعنية. وعلى الرغم من عدم انعقاد قمة رسمية مشتركة بين جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي حتى الآن، فإن وتيرة التحركات الدبلوماسية تؤكد إمكانية عقد مثل هذه الاجتماعات في حال استمرار الأزمة. في هذا السياق، أجرى سمو أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، عدة محادثات هاتفية مع عدد من رؤساء الدول، من بينهم رئيس إيران بيزشكيان، وأمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني،. وقد أكّد سمو الأمير خلال هذه المحادثات على أهمية خفض التوتر في المنطقة، وضرورة حلّ النزاعات عبر الوسائل الدبلوماسية. كما أجرى رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، سلسلة من اللقاءات والمشاورات في الإطار نفسه. بذلت تركيا أيضًا جهودًا دبلوماسية جادة لتخفيف حدة التوترات وإيجاد حل دبلوماسي. أجرى الرئيس أردوغان محادثات هاتفية مع عدة قادة من بينهم قادة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وباكستان وإيران ومصر والأردن وسوريا والعراق والكويت وسلطنة عمان. وخلال هذه المحادثات، تم التأكيد على استعداد تركيا لتولي دور ميسّر من أجل إنهاء النزاعات في أقرب وقت ممكن والعودة إلى المفاوضات النووية. وفي نفس السياق، أجرى وزير الخارجية هاكان فيدان عدة مباحثات. كما أجرى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان محادثات مع أردوغان، بالإضافة إلى اتصالات مع قادة آخرين مثل ترامب، ماكرون، ستارمر، وميلوني. وفي محادثاته مع الرئيس الإيراني بيزيشكيان، أدان الهجمات الإسرائيلية وقدم التعازي للضحايا. تُعتبر هذه الجهود الدبلوماسية المكثفة في فترة قصيرة أمرًا بالغ الأهمية، حيث يسود شبه إجماع على أن إسرائيل هي الطرف المعتدي وأنه يجب وقف الحرب فورًا. ويعود ذلك في المقام الأول إلى قلق جميع الدول من استمرار حالة عدم الاستقرار والاضطرابات في المنطقة، وخاصة خشيتها من تأثر مصالحها الخاصة. ومن اللافت في المشهد الحالي وجود أجواء أكثر دفئًا وتفاهمًا بين الدول الإسلامية مقارنة بالمراحل السابقة، إذ تقلصت التوترات بين الدول العربية نفسها بشكل ملحوظ، كما خفتت الخلافات بين الدول العربية من جهة وتركيا وإيران من جهة أخرى. وقد شكل التوافق بين دول المنطقة حول خطورة ما يفعله نتنياهو من تدمير غزة وإشعال المنطقة برمتها، نتيجة غير متوقعة لهذه الحرب. تركيا، التي تسعى إلى تعزيز السلام في المنطقة، تعرب عن قلقها من تداعيات اتساع رقعة الحرب، لما قد يترتب عليه من فوضى، وانعدام للاستقرار، وتزايد موجات الهجرة، وتصاعد الإرهاب، وتحديات اقتصادية كبيرة. وتشاطرها الدول العربية هذا القلق، خاصة بسبب ما قد ينجم عن ذلك من تعطيل في إمدادات الطاقة، وتأجيج للتوترات الطائفية داخل بلدانها. وفي هذا السياق، تبذل كل من قطر وعُمان جهودًا كبيرة لتفعيل المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، في حين تحاول تركيا، بشكل غير معلن، لعب دور الوسيط بين الطرفين. ومع ذلك، تواجه إسرائيل، التي لا ترغب في تحقيق السلام، خطر الهزيمة في صراعها مع إيران بعد حرب غزة، وهو ما سيترك آثارًا كبيرة على المنطقة. ومن هنا، هناك خشية من أن يقود نتنياهو وترامب المنطقة إلى مغامرات أكبر، ليس فقط بسبب مصالحهما الشخصية، بل أيضًا بسبب الأضرار التي قد تلحق بالمصالح الإقليمية لبلديهما.
1530
| 18 يونيو 2025
في عام 2006، عندما فازت حماس في الانتخابات، فرضت إسرائيل حصاراً لا يطاق على غزة. وحظرت إسرائيل دخول المواد الغذائية والبضائع والأشخاص إلى غزة التي يقطنها أكثر من مليوني شخص، وأغلقت جميع المنافذ الجوية والبحرية والبرية. وقد انتقدت الأمم المتحدة والصليب الأحمر و المنظمة الحقوقية الدولية مرارًا وتكرارًا الحصار باعتباره غير قانوني. في عام 2010، أبحرت سفينة مافي مرمرة لكسر الحصار المفروض على غزة وأوقفتها إسرائيل بعنف. وفي هذا الأسبوع، أوقفت إسرائيل أيضاً سفينة ”مادلين“ التي أبحرت لكسر الحصار على غزة ومنع الإبادة الجماعية. هناك أوجه تشابه مهمة بين الحدثين والفترتين. كانت سفينة «مافي مرمرة» التي انطلقت في عام 2010 مملوكة لمواطن تركي، وكان على متنها أكثر من 600 ناشط من دول مختلفة. كان هدفها كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، وتقديم المساعدات الإنسانية، وجذب اهتمام المجتمع الدولي إلى ما يعانيه السكان هناك من جوع وبؤس. انطلقت السفينة من إسطنبول، لكن أوقفتها القوات الإسرائيلية في المياه الدولية من قبل قوات الدفاع الإسرائيلية، وقتلوا عشرة من المنظمين الأتراك الذين لم يكونوا يحملون أي سلاح. لقد تجاوزت إسرائيل بوحشيتها وعدم احترامها للقانون حدود غزة، لتصل إلى الأجانب الذين يتضامنون مع غزة. لكن بعد الحادثة، واجهت إسرائيل موجة غضب عارمة في الرأي العام الدولي، وتعرض نتنياهو لضغوط كبيرة ووُضع في موقف حرج. لقد شكّل الحادث تعثرًا كبيرًا في تاريخ إسرائيل على الصعيدين الدبلوماسي والإعلامي. فقد وُضعت إسرائيل في موقف صعب على الساحة الدولية، وتم تسليط الضوء على ممارساتها الجائرة في غزة ضمن الأجندة العالمية. حتى أقرب حلفائها لم يترددوا في توجيه الانتقادات لرئيس الوزراء نتنياهو. كما أدى الحادث إلى تحرك العديد من الناشطين ومجموعات الدعم في أنحاء مختلفة من العالم. وخرج المتظاهرون إلى الشوارع في مدن منتشرة عبر القارات، مطالبين بالعدالة للضحايا ورفع الحصار عن غزة. من جانبهم، شرع الضحايا في متابعة قضاياهم في المحاكم المحلية والدولية بحثًا عن العدالة ضد إسرائيل. واضطرت الحكومة الإسرائيلية لاحقًا إلى الاعتراف بأن بعض تصرفاتها كانت خاطئة، كما اضطرت إلى تخفيف الحصار المفروض على غزة. بعد حادثة مافي مرمرة، تدهورت العلاقات بين إسرائيل وتركيا، وتم طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة. كما تم تعليق العلاقات العسكرية والاقتصادية بين البلدين. واضطرت إسرائيل – وربما لأول مرة في تاريخها – إلى الاعتذار رسميًا من تركيا، ودفع تعويضات لعائلات الضحايا. ومن المعروف أن إسرائيل لا تعتذر عادة عن أخطائها في فلسطين، مثل الهجمات العشوائية على غزة، والمجازر ضد المدنيين، والاستيطان غير القانوني، وسياسات التمييز ضد الفلسطينيين. لقد مهد النجاح الذي حققته سفينة مافي مرمرة الطريق لتشكيل «تحالف أسطول الحرية الدولي»، والذي يضم منظمات من عدة دول، من بينها الولايات المتحدة، وكندا، وفرنسا، وأستراليا. وكان هذا التحالف يناضل ضد الحصار حتى قبل اندلاع الحرب الأخير على غزة. وقد نظّم « تحالف أسطول الحرية» عدة رحلات إنسانية سابقة، لكنها كانت تُمنع من الوصول ويتم اعتراضها. أما آخر هذه الحملات، فقد تمثلت في رحلة سفينة «مادلين». ورغم أن عدد النشطاء على متن السفينة كان قليلاً، إلا أنها نجحت في جذب انتباه الرأي العام العالمي، لأنها استندت إلى إرث مافي مرمرة. كما أن وجود شخصيات بارزة على متن السفينة، مثل الناشطة البيئية السويدية الشهيرة غريتا ثونبرغ وعضو البرلمان الأوروبي ريما حسن، بالإضافة إلى صحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، ساهم في إبراز القضية عالميًا. وقد جاءت هذه الحملة في وقت بلغ فيه القتل والمجاعة في غزة مراحل متقدمة، وأصدرت فيه المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق بعض القادة الإسرائيليين. أسهمت الانتقادات اللاذعة التي وجهها الإعلام الأمريكي والإسرائيلي للسفينة في زيادة اهتمام الرأي العام العالمي بالقضية. ورغم طبيعة السفينة الإنسانية، أقدمت إسرائيل مجددًا على اعتراضها في المياه الدولية، في انتهاك واضح وغير قانوني، واعتقلت 12 راكبًا كانوا على متنها. وقد قوبل هذا التصرف بإدانة واسعة من قبل العديد من المسؤولين، وعلى رأسهم مسؤولون في فرنسا وإسبانيا، إلى جانب منظمات دولية وشخصيات سياسية بارزة، ولا تزال موجة الاستنكار مستمرة. ويُرجى أن تسفر هذه الواقعة، على غرار ما حدث بعد حادثة مافي مرمرة، عن تشكيل ضغط دولي متزايد على إسرائيل، وردع الدول الداعمة لها، والمساهمة في التخفيف من آلام ومعاناة غزة.
555
| 11 يونيو 2025
تُعد قطر وتركيا دولتين مهمتين تبذلان جهودًا من أجل السلام الإقليمي والعالمي، وتدعمان بعضهما البعض في هذا الصدد. فقد قامت قطر بالوساطة في العديد من الأزمات، بما في ذلك أزمة غزة، بينما تبذل تركيا جهودًا للتخفيف من حدة العديد من الأزمات، وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية. في هذه المقالة، سيتم تحليل المرحلة التي وصل إليها الصراع الروسي الأوكراني، الذي أثّر على الأمن الغذائي والطاقة في العالم ووجّه الدول نحو زيادة الإنفاق الأمني، بالإضافة إلى دور تركيا في الوساطة. تتمتع تركيا بعلاقات ثنائية عميقة ومتعددة الأبعاد مع كل من أوكرانيا وروسيا. تُعد تركيا من الدول المؤهلة للقيام بدور الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، وذلك بفضل ثقة الطرفين بها ومعرفتها العميقة بحساسية القضايا المطروحة بينهما. فقد تمكنت أنقرة في عام 2022، عقب اندلاع الحرب، من استضافت وزيري خارجية البلدين، في خطوة مثّلت تطورًا مهمًا في المساعي الدبلوماسية. كما لعبت تركيا دورًا بارزًا في معالجة أزمة تصدير الحبوب، حيث أسهمت في التوصل إلى اتفاق بين الطرفين. وخلال الحرب التي دخلت عامها الثالث، حافظت تركيا على موقفها كوسيط نزيه ومحايد، مما أتاح استمرار قنوات التواصل – وإن كانت غير مباشرة – بين الجانبين. وقد انضمت إلى جهود الوساطة دول أخرى، مثل المملكة العربية السعودية، لتقديم الدعم في هذا المسار. إلا أن تباعد المطالب بين روسيا وأوكرانيا حال دون التوصل إلى اتفاق حتى الآن. شهدت الفترة الأخيرة تسارعًا في الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب، حيث استضافت تركيا اجتماعين بين روسيا وأوكرانيا خلال شهر واحد. وقد أُثيرت احتمالية مشاركة كلٍّ من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في اللقاء الأول. وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد زار تركيا، غير أن غياب بوتين حال دون حضور ترامب كذلك. طالبت أوكرانيا بالحصول على ضمانات من الغرب ضد روسيا، كما أصرت على انسحاب روسيا من جميع الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. من جانبها، اعتبرت روسيا أن الدعم الغربي لأوكرانيا في تراجع، وبفضل النجاحات التي حققتها في ساحة المعركة، لم تُبدِ استعدادًا لتقديم تنازلات. وعلى الرغم من أن القمة عُقدت على المستوى المتوسط، فقد تمخضت عنها بعض النتائج الإيجابية، أبرزها الاتفاق على تبادل ألف أسير بين الطرفين، والاستمرار في عقد جولات تفاوضية مقبلة. أفادت المصادر الروسية بأن موسكو عرضت على كييف مسارًا تفاوضيًّا يتضمن خيارين رئيسيين لتسوية الصراع. الخيار الأول يشترط على أوكرانيا القبول بضمّ شبه جزيرة القرم كأمر واقع غير قابل للنقاش. أما الخيار الثاني، فيقضي بنزع سلاح أوكرانيا بالكامل، ووقف كل أشكال الدعم العسكري الغربي لها، إلى جانب تقديم ضمانات بعدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو». وفي سياق الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تهيئة الأرضية لجولة تفاوضية جديدة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات متتالية إلى كل من روسيا وأوكرانيا، في محاولة لتقريب وجهات النظر وتشجيع الطرفين على قبول وقف إطلاق النار. في الوقت نفسه، شنت أوكرانيا هجومًا غير متوقع على قواعد عسكرية تقع على بعد أربعة آلاف كيلومتر داخل الأراضي الروسية، مما تسبب في أضرار جسيمة للقوة الجوية الروسية. هذا الحدث الخطير وغير المسبوق رفع معنويات أوكرانيا بشكل واضح وأثر سلبًا على معنويات روسيا على طاولة المفاوضات. في ظل هذه التطورات الجدية، اجتمعت الأطراف مرة أخرى هذا الأسبوع في إسطنبول. وخلال المباحثات، تم تحقيق تقدم ملموس في القضايا الإنسانية، لا سيما في زيادة عدد تبادل الأسرى وتبادل جثث الجنود القتلى. وقد اقترحت روسيا وقف إطلاق نار لمدة يومين إلى ثلاثة أيام، بينما تطالب أوكرانيا بوقف إطلاق نار لفترة أطول. إن انتهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا، التي تشغل الساحة العالمية، يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز السلام العالمي. وتؤمن تركيا، بصفتها وسيطًا موثوقًا يمتلك دراية تامة بحساسية الطرفين وبالملفات المطروحة على الطاولة، بأنها ستكون من أبرز المستفيدين من هذا السلام، وتسعى جاهدة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتحاربة من أجل تعزيز الأمن الإقليمي وتحقيق السلام الدولي. ويتوقف تحقيق نتائج ملموسة على مدى التفاهمات التي ستتم بين روسيا والدول الغربية، وبالأخص بين ترامب وبوتين، إلى جانب التطورات على ساحة المعركة.
543
| 04 يونيو 2025
شهد العراق، مهد الحضارة، صعود العديد من الحضارات والإمبراطوريات بين نهري دجلة والفرات. ومنذ العصور القديمة، كان يربط بين طريق الحرير من آسيا والطريق البحري من الخليج العربي إلى الأناضول والغرب. وخلال العهد العثماني، كانت منطقة صراع مع إيران، كما كانت جسراً تجارياً بين شبه الجزيرة الهندية والإمبراطورية العثمانية. وبعد أن هيمنت بريطانيا على التجارة العالمية من خلال قناة السويس، حاولت الدولة العثمانية وألمانيا بناء خط سكة حديد برلين-بغداد الذي يربط بين المحيطين شرقًا وغربًا. أدى اكتشاف احتياطيات النفط الكبيرة في عشرينيات القرن الماضي إلى بروز العراق كلاعب رئيسي في سوق الطاقة العالمية، غير أن اعتماده المفرط على قطاع الطاقة حال دون استثمار كامل إمكاناته كممر تجاري حي. وقد عرقلت الحروب الداخلية والخارجية، إلى جانب العقوبات الاقتصادية ومشكلات الحكم المركزي، تطور النشاط التجاري في البلاد. وبعد الإطاحة بصدام حسين عام 2003، دخل العراق مرحلة جديدة من عدم الاستقرار، واجه خلالها تحديات جسيمة تمثلت في الإرهاب، والصراعات الطائفية، والانقسامات العرقية. ولم يتراجع النشاط التجاري فحسب، بل شهد قطاع النفط والغاز نفسه انحداراً ملحوظاً، حتى أصبح العراق مضطراً لاستيراد الوقود المكرر والكهرباء. دخل العراق في السنوات الخمس الأخيرة مرحلة من الاستقرار الجزئي، ويسعى اليوم، كغيره من دول النفط والغاز، إلى تنويع اقتصاده والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط. وتعمل الحكومة العراقية على تنويع مصادر الدخل من خلال تشجيع قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة. وقد برز تطوير الإمكانات التجارية كخيار مهم في هذا السياق. وفي عام 2023، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن مشروع «طريق التنمية»، الذي يُعد من أكبر مشاريع البنية التحتية في تاريخ البلاد. ويهدف المشروع إلى توسيع قنوات التجارة بين العراق وتركيا من جهة، ودول الخليج من جهة أخرى، وربط الشرق بالغرب على نطاق أوسع. ويعد هذا المشروع مبادرة اقتصادية وإستراتيجية ضخمة تهدف إلى تحويل العراق إلى مركز تجاري ولوجستي دولي، المرحلة الأولى من هذا المشروع ستربط البصرة ببغداد، والمرحلة الثانية ستربط بغداد بالحدود التركية، ومن المتوقع أن يستغرق إنجازها حوالي 20 عاما. سيتم توسيع ميناء الفاو الكبير في البصرة لجعله أحد أكبر الموانئ في الشرق الأوسط. وستنقل سكة حديدية مزدوجة الطريق (1,200 كيلومتر) البضائع والركاب على حد سواء. بالإضافة إلى ذلك، سيتم إنشاء مناطق حرة ومناطق تخزين ومراكز إنتاج في المدن العراقية على طول الطريق، حيث سيتم استخدام طرق سريعة كبيرة للنقل بالشاحنات والنقل البري. ستكون لمشروع طريق التنمية آثار استراتيجية كما يمكن أن يعزز موقف العراق الجيوسياسي. لأن الأنشطة الاقتصادية التي ستحدث يمكن أن توفر للعراق دخلاً مالياً كبيراً. كما أنه مهم لأنه يأتي في وقت تتزايد فيه الحروب التجارية والبحث عن بديل لمشروع الحزام والطريق الصيني. وتهتم جهات فاعلة مثل تركيا ودول الخليج والصين والاتحاد الأوروبي بهذا المشروع. سيكون مهمًا من حيث الشركاء الذين سيختارهم العراق وكذلك الخطوط التي سيتنافس معها. وعلى الرغم من أنه ليس بديلاً لقناة السويس، التي تحتل مكانة مهمة في التجارة العالمية، إلا أنه سيأخذ جزءًا من عبء حركة البضائع. ومع ذلك، يواجه هذا المشروع صعوبات مختلفة. كما أن التكلفة العالية للمشروع، والعقبات البيروقراطية ستؤدي إلى إبطاء العملية. من ناحية أخرى، أعطى سقوط نظام الأسد في سوريا فرصة للعراق للتعاون الإقليمي. وتدعم تركيا هذا المشروع، لأنه يعزز علاقاتها مع الخليج والشرق. كما أن البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية في تركيا، المرتبطة بأوروبا، جاهزة بالفعل. وعند ربط المشروع بالخطوط التركية، سيتعزز الاتصال البري بين الخليج وأوروبا بشكل كبير. تدعم قطر والإمارات العربية المتحدة هذا المشروع أيضا. وقد حضر وزراء هذه الدول الأربع القمة في بغداد في أكتوبر 2024. وقد أعرب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن دعمه لمشروع طريق التنمية خلال زيارته إلى العراق. كما أكد المسؤولون الأتراك والعراقيون على التعاون على أعلى مستوى خلال زياراتهم المتبادلة. سيؤدي هذا المشروع إلى تنويع الاقتصاد العراقي وخلق فرص عمل لمئات الآلاف من الأشخاص ودعم الزراعة والصناعة المحلية. ويوفر التراث الثقافي الغني للبلاد وموقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية أساساً قوياً للنمو. وإذا ما تم إنجاز المشروع، فإن العراق سيحقق الاستقرار وسيعزز التعاون الإقليمي وسيصبح العراق لاعباً مهماً في التجارة العالمية.
792
| 28 مايو 2025
اعتبرت الجمهورية التركية أن اليمين والشيوعية، والانقسام الداخلي تمثل تهديدات أساسية لبنيتها السياسية. الخوف من الانقسام، فقد تجلّى بشكل خاص في القلق من احتمال انفصال الأكراد، الذين يشكلون شريحة سكانية كبيرة داخل البلاد. وقد كان لهذه المخاوف التقليدية أثر عميق على الأكراد، سواء المتدينون منهم أو ذوو التوجهات اليسارية. وتعرض معظم الأكراد المتدينين لضغوط وقمع على المستويين الديني والثقافي، ما أدى إلى جانب الظروف الاقتصادية الصعبة، إلى خلق بيئة ملائمة لنشأة حزب العمال الكردستاني (PKK) وتوسّع أنشطته. رغم أن الانتقال إلى الديمقراطية ساهم في التخفيف من هذه الضغوطات، إلا أن الوصاية التي فرضتها الانقلابات العسكرية حالت دون الوصول إلى حل جذري. وقد حققت حكومة حزب العدالة والتنمية تقدماً ملحوظاً ضمن إطار عملية التحول الديمقراطي، من خلال توسيع الحقوق الديمقراطية للأكراد وتخفيف الضغوط المفروضة على المتدينين. وفي عام 2013، حاولت حكومة أردوغان معالجة القضية الكردية، إلا أنها واجهت معارضة شديدة من الداخل والخارج. وكان من أبرز العوامل التي أعاقت هذه الجهود، الكانتونات التي تأسست بدعم من إدارة أوباما في شمال سوريا (عين العرب)، إضافة إلى الدعم الشعبي الجزئي والقوة المسلحة التي امتلكها حزب العمال الكردستاني، مما شجعه على التمسك بمواقفه. بعد اثني عشر عاماً، تمكنت حكومة أردوغان من تقليص نفوذ حزب العمال الكردستاني بشكل كبير، وذلك من خلال اتباع سياسة مزدوجة جمعت بين منح الأكراد المزيد من الحقوق ومواصلة مكافحة الإرهاب بحزم. وفي هذا السياق، أثار المقترح الذي قدمه حزب الحركة القومية، حليف الحكومة، في 22 أكتوبر 2024 بشأن حل القضية الكردية، صدىً سياسياً واسعاً. وفي تطور لافت، وجّه عبد الله أوجلان نداءً إلى حزب العمال الكردستاني يدعوه فيه إلى التخلي عن السلاح، وبعد خمسة أشهر من المحادثات والتطورات، أعلن الحزب رسميًا هذا الأسبوع قراره بوقف العمل المسلح. وقد لقيت هذه الخطوة دعماً من حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، مما جعل الاعتراض محصوراً في بعض المجموعات القومية والعلمانية المتشددة. ومع تلاشي معظم العوائق، يبدو أن فرص نجاح هذه العملية باتت شبه مضمونة. في المرحلة الجديدة، سيقوم حزب العمال الكردستاني (PKK) بتسليم سلاحه والتخلي عنه بشكل كامل. وفيما بعد، سيتم العمل على تحسين ظروف اعتقال زعيم الحزب عبد الله أوجلان، والعفو عن عناصر الحزب الذين لم يتورطوا في جرائم قتل، بينما سيتم تأمين خروج المتورطين والقياديين إلى دول أخرى. ويُلاحظ في هذا السياق وجود تنسيق كامل مع كل من العراق وسوريا وإقليم كردستان العراق. ومن المتوقع أن تؤدي هذه العملية إلى تعزيز مكانة حزب العدالة والتنمية داخل القاعدة الكردية، كما يُرجَّح أن يسحب الحزب، من خلال هذه الخطوات، حزب «ديم» المرتبط بحزب العمال الكردستاني من صفوف المعارضة وينقله إلى معسكر الحكومة. إن النتيجة الأهم لهذه العملية ستكون في تعزيز مسار التحول الديمقراطي في تركيا، مما سيسهم في تلبية المزيد من المطالب الثقافية للشعب الكردي. كما أن نفوذ الأوساط العسكرية المرتبطة بالوصاية، التي طالما استغلت وجود الإرهاب، سيتراجع بشكل كامل. وستشهد مناطق الشرق والجنوب الشرقي، في ظل غياب خطر الإرهاب، ازدهارًا في مجالات الاستثمار، والسياحة، والتجارة، والصناعة. ومن المتوقع أن تؤدي هذه المرحلة الجديدة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع سوريا في إطار التعاون الوثيق، وكذلك مع إقليم كردستان العراق والحكومة المركزية في بغداد. لقد أثّر وجود حزب العمال الكردستاني (PKK) وأنشطته سلباً على العلاقات بين تركيا وكلٍّ من العراق وسوريا. فعلى سبيل المثال، تمركز الحزب في جبال قنديل والعمليات العسكرية التي تنفذها تركيا هناك كانت دائماً موضع جدل وتوتر. وقد تسببت هذه المسألة في حدوث خلافات مع حكومة إقليم كردستان العراق، وأحياناً مع الحكومة المركزية في بغداد. غير أن زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الأخيرة أظهرت وجود تفاهم قوي وإرادة مشتركة للتعاون بين الجانبين. ومن المتوقع أن تشهد العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية تطوراً ملحوظاً، خاصة من خلال مشروع «طريق التنمية»، الذي سيُحدث انتعاشاً اقتصادياً كبيراً في المنطقة. إن تخلي حزب العمال الكردستاني (PKK) عن السلاح ستكون له انعكاسات إيجابية على الوضع في سوريا أيضاً. فمن شأن انتهاء مطالب القوات السورية الديمقراطية (قسد) بالانفصال أو الحكم الذاتي أن يُسرّع من اندماج الأكراد في سوريا الجديدة. ورغم استمرار الدعم الغربي لبعض الحركات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني لأسباب أيديولوجية، إلا أن فكرة الانفصال ستتراجع لصالح فكرة البناء المشترك لسوريا موحدة. والأهم من ذلك، أن الأكراد لن يكونوا بعد الآن حاجزاً بين تركيا والعالم العربي، بل سيتقدمون في طريق الوحدة وتقاسم الثروات مع الجانبين. لا شك أن هذه التطورات لن تُرضي إسرائيل وإيران، لكنهما لن تكونا قادرتين على الوقوف في وجه مسار التاريخ وروح الأخوّة التركية–الكردية–العربية التي تمتد لألف عام. ومن المؤكد أن لهذه التحولات انعكاسات إيجابية على السلم والاستقرار في المنطقة والعالم.
840
| 14 مايو 2025
تقع بلاد الشام، أو ما يُعرف بالـ «ليفانت» في الغرب، عند نقطة التقاء ثلاث قارات، وقد شكّلت عبر التاريخ وحدة جغرافية وإدارية ضمن ولاية واحدة، حتى جاء المشروع الاستعماري عقب الحرب العالمية الأولى فمزّق هذه الوحدة. فُرض الانتداب الفرنسي على كل من دمشق، حلب، لبنان، جبل الدروز، واللاذقية، بينما خضعت فلسطين والأردن للانتداب البريطاني. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، توحدت سوريا من معظم الولايات التي كانت خاضعة لفرنسا، في حين نال الأردن استقلاله، وأُقيم الكيان الصهيوني على أرض فلسطين كمشروع استيطاني غربي. ومنذ تأسيسه، بدأ صراع عميق بين إسرائيل وسوريا، تغذّيه خلفيات تاريخية وسياسية وعقائدية متشابكة. على مدار نحو ثمانية عقود، ظل العداء بين سوريا وإسرائيل قائمًا ومتصاعدًا، وشكّلت الحروب بين الطرفين محطات رئيسية في الصراع العربي الإسرائيلي. شاركت سوريا في حروب 1948، و1967، و1973، ودعمت المقاومة في لبنان خلال اجتياح 1982. ومن أبرز الأحداث المفصلية خسارة هضبة الجولان لصالح إسرائيل في حرب 1967، وهي خسارة ما زالت تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين. إن الهجمات الإسرائيلية على سوريا لها تاريخ طويل. في عام 2003، نفذت إسرائيل غارة جوية استهدفت معسكرًا للمقاتلين الفلسطينيين قرب دمشق، وذلك ردًا على عملية انتحارية. كما شنت في عام 2007 هجومًا جويًا دمّر منشأة يُعتقد أنها كانت مفاعلًا نوويًا سريًا في دير الزور. وخلال تسعينيات القرن العشرين وبدايات الألفية الثالثة، كثّفت إسرائيل هجماتها على مواقع رادار ومواقع عسكرية سورية قرب هضبة الجولان. وفي سياق حرب لبنان عام 2006، تعرضت سوريا لضغوط وتهديدات لمنعها من تقديم الدعم لحزب الله. ورغم تمسك النظام السوري بموقفه من السيادة على الجولان، فقد حرص على تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل. بعد اندلاع موجة الربيع العربي، أعربت إسرائيل عن قلقها العميق تجاه الأوضاع في سوريا، وسعت إلى عدم تكرار التجربة الديمقراطية كما في مصر. وفي هذا الإطار، عارضت تدخل إدارة أوباما لإسقاط نظام بشار الأسد، دعماً لاستمراره في قمع المطالب الشعبية بالديمقراطية. وبحجة محاربة تنظيم داعش، لم تُبدِ إسرائيل اعتراضاً يُذكر على التدخل الإيراني والروسي في سوريا، رغم ما نجم عنه من دمار شامل ونزوح ملايين المدنيين. غير أن الموقف الإسرائيلي تغيّر لاحقاً عندما بدأت إيران بترسيخ وجودها الإقليمي عبر ممر يمتد من العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان، الأمر الذي أثار مخاوف إسرائيل من تحول إيران إلى جار مباشر. خلال العقد الأخير، وضمن تفاهم ضمني مع روسيا، عمدت إسرائيل إلى تنفيذ ضربات جوية وقصف صاروخي منتظم داخل الأراضي السورية، في محاولة للحد من التمدد الإيراني ونفوذ وكلائه في البلاد. وقد سوّغت إسرائيل تلك الهجمات باعتبارها وسيلة لتقويض الحضور الإيراني في سوريا. إلا أن اللافت أنه بعد سقوط نظام الأسد كحليف إيران، لم تنته الهجمات الإسرائيلية بل تصاعدت بشكل أكبر. ويعود ذلك إلى تصوّر إسرائيل بأن قيام دولة سورية مستقلة وموحّدة وذات بنية عسكرية قوية يُشكّل تهديدًا مباشرًا لها، مما دفعها إلى استهداف البنية العسكرية السورية بشكل غير مسبوق بهدف إضعافها بالكامل. يبدو أن الهدف الأساسي لإسرائيل في سوريا هو تدمير الأسلحة الإستراتيجية والصواريخ التي بحوزة نظام الأسد. كما يتضح أنها تسعى إلى تقسيم البلاد، وتسعى بشكل خاص إلى إنشاء منطقة آمنة في جنوب سوريا من خلال نزع السلاح من هذه المنطقة. إسرائيل تريد إقامة منطقة آمنة تمتد لمسافة 15 كم داخل الأراضي السورية، ومن ثم منطقة نفوذ تمتد حتى 65 كم. وإلى جانب الدوافع الأمنية، تسعى إسرائيل إلى السيطرة على الموارد الطبيعية مثل المياه، غير أنها لا تعترف بهذا المشروع الاحتلالي وتقدّم أعذارًا أخرى بديلة. وبعد زوال الوجود أو التهديد الإيراني في سوريا، أصبح من أبرز الأعذار التي تقدمها إسرائيل هو النفوذ التركي. إن معارضة تركيا لتقسيم سوريا وإضعافها تثير قلق إسرائيل. حتى أن نتنياهو اشتكى لترامب من عدم ارتياحه، لكنه لم يتمكن من الحصول على الدعم الذي يريده. وبعد أن نجح ترامب في تهدئة الطرفين، واصلت إسرائيل مهاجمة سوريا، لكنها اضطرت إلى إيجاد أعذار أخرى مثل حماية الدروز والعلويين والأكراد رغم أنه رفضت هذه الطوائف التعاون مع إسرائيل. باختصار، إسرائيل تدعم الصراعات العرقية والطائفية لأنها تخشى من سوريا قوية وموحدة، وستستخدم ذرائع مختلفة لمواصلة قصفها. ولكن ما دام السوريون يظهرون الرغبة في العيش معاً وتعزيز قوتهم، فإن هجمات إسرائيل لن تحقق هدفها.
1053
| 07 مايو 2025
يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العبث بقواعد النظام العالمي الذي أنشأته الولايات المتحدة نفسها. فقد دخل في صراع اقتصادي حاد مع الصين دون أن يتراجع خطوة إلى الوراء. وبالمثل، فإن الولايات المتحدة التي كانت قد شجعت على تأسيس الاتحاد الأوروبي لمواجهة الاتحاد السوفيتي، باتت اليوم تعتبره منافسًا لها. فمن ناحية، يُظهر ترامب وجهة نظر انعزالية تقول بأنه لا ينبغي لنا أن نتدخل في العالم، ومن ناحية أخرى، يُظهر وجهة النظر القائلة بأنه” إذا كنا نحمي بعض البلدان، فيجب أن نمتلكها“. وهذا يذكرنا بسياسات القوة الاستعمارية القديمة التي شهدناها في القرن العشرين. كما أن عدد القضايا التي يدّعي ترامب حمايتها وامتلاكها مرتفع أيضًا: كندا وغرينلاند وقناة بنما، وقناة السويس وغزة وأوكرانيا. في أوائل عام 2025، أدلى دونالد ترامب بتصريحات استفزازية ألمح فيها إلى ضم كندا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. وادعى ترامب، مازحًا، أن الحدود بين البلدين مصطنعة، وأن كندا ستكون «في وضع أفضل» اقتصاديًا وعسكريًا إذا أصبحت الولاية الأمريكية الحادية والخمسين. وقال: «كندا عمليًا هي بالفعل جزء منا. فلماذا لا نجعل ذلك رسميًا؟» وقد أثارت هذه التصريحات ردود فعل شديدة من الأحزاب السياسية الكندية، التي رفضتها بشدة. واتهمت هذه الأحزاب ترامب بأنه يعيش حنينًا استعماريًا ويتجاهل آراء الشعب الكندي. وساهمت تصريحات ترامب في تصاعد الخطاب القومي خلال الانتخابات الكندية، مما ساعد الحزب الليبرالي على الفوز مرة أخرى. بعد أن حاول ترامب إجبار كندا على الاتحاد مع الولايات المتحدة، يسعى الآن لشراء جزيرة غرينلاند، التابعة للأراضي الدنماركية، وضمها إلى الأراضي الأمريكية. ورغم أن هذا العرض يبدو مفاجئًا، فإن الولايات المتحدة سبق أن اشترت أراضي من دول أخرى، مثل لويزيانا من فرنسا، وفلوريدا من إسبانيا، وألاسكا من روسيا. للولايات المتحدة مصالح استراتيجية في غرينلاند، خصوصًا لموقعها في منطقة القطب الشمالي، الذي يكتسب أهمية في مجالي التجارة والدفاع (إذ يقع فيها قاعدة «ثول» الجوية الأمريكية). وتزخر الجزيرة باليورانيوم، والنفط، والغاز، والذهب، والعناصر الأرضية النادرة. وقد وصفت الدنمارك هذا الاقتراح بأنه «سخيف» ورفضته، بل وتم إلغاء الزيارة الرسمية التي كان من المقرر أن يقوم بها ترامب إلى الدنمارك. ومع ذلك، تظل غرينلاند تحافظ على أهميتها في سياق المنافسة العالمية، ولا تزال على طاولة ترامب. بينما يسعى ترامب إلى تعزيز نفوذ بلاده في التجارة العالمية ووقف صعود الصين، بدأ يطالب بحقوق في قناتي بنما والسويس. فقد ادعى أن قناة بنما قد بُنيت في الأصل من قبل الولايات المتحدة، وأن تسليمها إلى بنما عام 1999 كان خطأً يجب تصحيحه عبر «استعادتها». كما انتقد الرسوم الحالية التي تُفرض على السفن الأمريكية، واعتبر أنها تمنح الصين ميزة غير عادلة. وقد رفضت حكومة بنما هذه الادعاءات، مشددة على سيادتها الكاملة على القناة، ومؤكدة أن القناة تُدار بشكل مستقل وعادل. وأضافت: «نحن من نحمي كلتا القناتين، وبالتالي فإن فكرة الاستخدام المجاني غير صحيحة .“ رغم أن الولايات المتحدة لم تساهم في بناء أو حماية قناة السويس، صرّح ترامب بضرورة عبور السفن العسكرية والتجارية الأمريكية من قناة السويس، الممر المائي العالمي المهم، بشكل مجاني. وطلب من وزير الخارجية، ماركو روبيو، إجراء تحرّكات دبلوماسية بهذا الشأن. وقد رفضت الحكومة المصرية هذا الطلب، مؤكدة أن جميع السفن تُفرض عليها رسوم عبور بالتساوي، ضمن إطار الاتفاقيات الدولية. وقد أعادت تصريحات ترامب هذه إلى الأذهان فترة الاستعمار التي ساهمت في احتلال مصر وانهيار الدولة العثمانية. فبعد احتلال بريطانيا لمصر، تقرر تفكيك الوحدة العثمانية، وظلت بريطانيا تسيطر على قناة السويس حتى عام 1956. أما في غزة، فرغم عدم امتلاك ترامب لأي حق قانوني أو تاريخي، فقد صرّح بنيّته «تمليك» غزة بعد إفراغ سكانها. وعلى عكس مزاعمه الأخرى، فإنه في هذه الحالة لا يريد حماية غزة، بل يدعم إبادة إسرائيل لسكانها ليستولي عليها دون مقاومة. وفي أوكرانيا، تبنّى ترامب منطقًا مشابهًا، مدّعيًا أن الولايات المتحدة أنفقت أموالًا كثيرة لحماية أوكرانيا، لذا يجب أن تؤول نصف ثرواتها لأمريكا. ومع ذلك، لم يقدّم أي ضمانات أمنية لأوكرانيا، بل ضغط لتسليم شبه جزيرة القرم، وهي أرض أوكرانية، لروسيا وكأنها ملكه، ولا تزال المفاوضات حولها مستمرة. وهكذا، يكشف ترامب عن عقلية استعمارية مغلّفة بثوب المصالح، يتعامل مع الدول والشعوب كسلع في مزاد نفوذه، غير عابئ بالسيادة، ولا بالتاريخ، ولا بحق الشعوب في تقرير مصيرها، فهو يسعى للتحكم مع المواقع الاستراتيجية حول العالم وكأنها ممتلكات شخصية، يسعى لامتلاكها أو فرض وصايته عليها، سواء كانت حقًا له أم لا.
654
| 30 أبريل 2025
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يشهد الشرق الأوسط استقرارًا حقيقيًّا. فقد واجهت الدول العربية تحديات كبرى، أبرزها قيام إسرائيل في قلب المنطقة، بينما كانت دول عديدة حديثة الاستقلال تسعى لترسيخ الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي. وبين عامي 1978 و1982، شهدت المنطقة تحولات جذرية غيّرت مسار تاريخها وأثّرت بعمق في توازن القوى: اتفاقيات كامب ديفيد، الثورة الإسلامية في إيران، الغزو السوفيتي لأفغانستان، الانقلاب العسكري في تركيا، الحرب العراقية الإيرانية، اغتيال السادات، واجتياح إسرائيل للبنان وصعود حزب الله. أعادت هذه الأحداث رسم ملامح التوازنات الإقليمية وتركَت أثرًا واضحًا على النظام العالمي القائم اليوم. لقد لعبت اتفاقيات كامب ديفيد (1978) دورًا مهمًا في إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط. فمصر التي خاضت عدة حروب ضد إسرائيل ورفضت الاعتراف بها، أصبحت أول دولة عربية تعترف رسميًا بإسرائيل، مما أدى إلى كسر الإجماع العربي بشأن القضية الفلسطينية. علاوة على ذلك، تزعزع موقع مصر كقائدة للعالم العربي، بل وتعرضت للعزلة من قِبل العديد من الدول العربية. إن توقيع مصر على اتفاقية سلام مع إسرائيل وانضمامها إلى المعسكر الغربي لم يُقوِّ من موقف إسرائيل فحسب، بل أضعف أيضًا القضية الفلسطينية. وبعد أن ضمنت إسرائيل أمن حدودها الغربية، توجهت نحو الشمال فاجتاحت لبنان عام 1982. وقد ساهم هذا الغزو في تقويض استقرار لبنان، الذي كان يُعرف بلقب "لؤلؤة الشرق الأوسط" في الستينيات والسبعينيات، ومهّد الطريق أمام صعود حزب الله، الذي تحوّل لاحقًا إلى كيان فعلي داخل الدولة. وفي خضم هذه التحولات، شكّل انتقال مصر من دائرة النفوذ السوفييتي إلى الاصطفاف مع الولايات المتحدة تطورًا استراتيجيًا محوريًا، ساهم بشكل كبير في توسيع نفوذ واشنطن وتعزيز حضورها في الشرق الأوسط. شكّلت الثورة الإيرانية عام 1979 نقطة تحول جوهرية في طبيعة النظام الإيراني وموقعه الإقليمي، حيث أطاحت بالحكم العلماني الموالي للغرب بقيادة الشاه محمد رضا بهلوي، وأقامت نظامًا دينيًا تهيمن عليه طبقة رجال الدين. وقد تجاوز أثر هذه الثورة حدود إيران ليصل إلى العالم العربي وجنوب ووسط آسيا. في بداياته، عارض النظام الجديد الرأسمالية والشيوعية على السواء، إلا أن تصاعد التوتر مع الغرب، خصوصًا مع الولايات المتحدة والدول العربية، دفعه تدريجيًا نحو التقارب مع الاتحاد السوفييتي. اقتصاديًا، وبوصفها من أبرز منتجي النفط، تسببت الثورة في اضطرابات كبيرة في الأسواق العالمية، ولا سيما في سوق النفط، مما أدّى إلى أزمات طاقة وصدمات اقتصادية ذات آثار بعيدة المدى على السياسات الجيوسياسية والاستثمارية. أما عربيًا، فقد تدهورت العلاقات الإيرانية-العربية بعد الثورة، يمكن تفسير صعود صدام حسين إلى السلطة داخل حزب البعث في العراق عام 1980 في هذا السياق. لم يكن غزو العراق لإيران مباشرة بعد الثورة الإيرانية أمرًا عرضيًا. فقد أسفرت الحرب الإيرانية-العراقية، التي استمرت ثمانية أعوام وأسفرت عن مقتل حوالي نصف مليون شخص من الجانبين وتسببت في خسائر مادية كبيرة للعراق ودول الخليج، عن تعزيز الانقسامات الإقليمية بشكل أكبر. كما أن التكلفة الباهظة لحرب الخليج أدت إلى تدهور العلاقات بين العراق ودول الخليج، مما ساهم في غزو العراق للكويت لاحقًا، وبالتالي فرضت حرب الخليج الأولى أعباء اقتصادية وسياسية كبيرة على العراق. في نفس العام، ألهمت مقاومة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان في عام 1980، بالتزامن مع الثورة الإيرانية، العديد من الحركات الإسلامية الراديكالية. بعد انتهاء الاحتلال، عاد العديد من المجاهدين إلى بلدانهم، حيث ساهموا في انتشار الفكر المتطرف وزيادة عدم الاستقرار في منطقتهم. وفي السياق ذاته، يمكن اعتبار الانقلاب العسكري في تركيا ضد تهديد الشيوعية عام 1980 تطورًا ذا صلة بهذا السياق الإقليمي. ومع اقتراب نهاية الحرب الباردة، بدأت الولايات المتحدة في فرض سيطرتها الواضحة على منطقة الشرق الأوسط. بإجمال، تُعد فترة 1978-1982 مرحلة مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر، إذ تركت تأثيرات مستمرة على التطورات الحالية في المنطقة، وأثرت بشكل عميق في التحولات السياسية والجيوسياسية التي ما زالت تتكشفحتىاليوم.
1023
| 23 أبريل 2025
أُقيم هذا الأسبوع في تركيا منتدى أنطاليا الدبلوماسي في نسخته الرابعة، وهو منتدى يهدف إلى تعزيز دور الدبلوماسية كبديل للحروب، على غرار منتدى الدوحة ومنتدى الجزيرة. المنتدى يسعى إلى ترسيخ ثقافة الحوار والسلام في مواجهة النزاعات والصراعات، وقد أصبح منصة دولية هامة بمشاركة ما يقرب من 5000 شخصية من مختلف أنحاء العالم، بينهم قادة دول، ودبلوماسيون وخبراء وصحفيون. في دوراته السابقة، لعب منتدى أنطاليا دورًا محوريًا في جمع الأطراف الروسية والأوكرانية إلى طاولة الحوار، ما يعكس أهميته المتزايدة على الساحة الدولية. هذا العام، شهد المنتدى مشاركة رؤساء دول من تركيا، أذربيجان، بلغاريا، إندونيسيا، جورجيا، المجر، الصومال، سوريا وليبيا، إلى جانب عدد من الوزراء وممثلي المنظمات الدولية. المنتدى لم يكن مجرد منصة لطرح القضايا الدولية، بل كان ساحة فعالة للقاءات دبلوماسية متعددة الأطراف، مما جعله مركزًا مهمًا للحوار بين مختلف الأطراف. في ظل التطورات السياسية والإنسانية في العالم والمنطقة، ركز المنتدى على القضايا العالمية في العلاقات الدولية والدبلوماسية، مع السعي إلى تقديم حلول عبر مسارات السلام. وشارك المشاركون من مختلف أنحاء العالم لتبادل وجهات النظر وتقديم مقترحات لمعالجة التحديات العالمية. كما تم التأكيد على أهمية التعاون بين الدول، خصوصًا في تعزيز الحوار الإقليمي. في عالم اليوم، الذي تتعدد فيه التحديات والتهديدات، أصبح التعاون والتواصل على المستويين الإقليمي والدولي أكثر ضرورة من السعي الفردي لدول لحل الأزمات. منتدى أنطاليا في دورته الحالية بدأ بمناقشة الأوضاع الإنسانية والسياسية في غزة وفلسطين، حيث تم التأكيد على الحاجة الملحة لتدخل دولي عاجل لتقديم المساعدات الإنسانية. كما دعا المشاركون إلى زيادة الضغط الدولي على إسرائيل والدول الداعمة لها، مطالبين المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته الإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني. وقد حظي الملف السوري باهتمام خاص في المنتدى، حيث تم التأكيد على ضرورة دعم عملية إعادة الإعمار وتعزيز التعاون الإقليمي لاستعادة سوريا دورها كركيزة للاستقرار في المنطقة. الحكومة السورية كانت حاضرة بقوة في المنتدى، حيث أجرى وفدها سلسلة من اللقاءات مع ممثلي الدول المختلفة، في خطوة اعتُبرت مؤشراً على انفتاح دبلوماسي يعكس تحوّلات في المشهد الإقليمي والدولي. كما تم مناقشة قضايا تغيّر المناخ والتنمية المستدامة في المنتدى، حيث تم التأكيد على أهمية التعاون الدولي لمواجهة تأثيرات تغيّر المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. تناولت الجلسات ضرورة تعزيز استخدام الطاقة المتجددة والحد من انبعاثات الكربون. كما ناقش المشاركون سبل تعزيز التجارة العالمية والتنمية الاقتصادية الإقليمية في ظل تأثيرات الحروب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. منتدى أنطاليا كان أيضًا فرصة لمناقشة دور الاقتصاد الرقمي والابتكار وتأثير الذكاء الاصطناعي، حيث تم التركيز على التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي أتاحها العصر الرقمي، وما يطرحه من تحديات وفرص. وقد أثيرت قضايا مثل الأمن السيبراني وأدوات الدبلوماسية الرقمية وتأثير الرقمنة على التعاون الدولي. من بين المواضيع المهمة التي تم مناقشتها أيضًا كانت ظاهرة الهجرة وأزمة اللاجئين الناجمة عن الأزمات السياسية والاقتصادية. تبادل المشاركون وجهات النظر حول أسباب وآثار أزمة اللاجئين وسبل معالجتها، مع التركيز على قضايا دمج اللاجئين وحماية حقوق الإنسان. وقد تم التأكيد على ضرورة التعاون الدولي لمواجهة هذه التحديات، بما في ذلك الاستعداد لمواجهة الأوبئة التي قد تنشأ نتيجة الانتشار السريع للحركة البشرية على مستوى العالم. في كلمته الختامية، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن «العالم أكبر من 5»، في إشارة إلى ضرورة إصلاح النظام العالمي الذي يقتصر فيه النفوذ على خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. وشدد على ضرورة إنهاء الهجمات الإسرائيلية على غزة وسوريا التي وصفها بـ»إرهاب الدولة». أردوغان أشار أيضًا إلى أهمية الموقع الجيوسياسي لتركيا الذي يفرض عليها إقامة علاقات متوازنة بين الشرق والغرب، مؤكدًا على دور تركيا المحوري في الدبلوماسية والوساطة لحل الأزمات الإقليمية. كما أشار إلى أهمية دور النساء والشباب في إضفاء طاقة إيجابية جديدة على الدبلوماسية والقضايا العالمية. وفي ختام كلمته، ذكر أن تركيا شهدت خلال فترة حكمه تعزيزًا ملحوظًا في تأثيرها الدبلوماسي على الساحة الدولية. منتدى أنطاليا الدبلوماسي أثبت مرة أخرى أنه ليس مجرد لقاء دبلوماسي، بل منصة مهمة لتعزيز السلام والحوار على المستوى الدولي، ومواصلة البحث عن حلول مبتكرة للتحديات العالمية.
852
| 16 أبريل 2025
لا يزال العالم العربي يعاني من أزمات متلاحقة ودمار مستمر منذ سنوات طويلة. وفي مقال نُشر العام الماضي، أشرنا إلى أن السودان سيكون الضحية الثانية في عام 2024 بعد غزة. وبالفعل، شهد هذا العام مآسي إنسانية كبيرة في كل من غزة والسودان، غير أن الأزمة السودانية لم تحظَ باهتمام كافٍ على الساحة الدولية. ومع دخول العام الجديد واستمرار الدمار في غزة، بدأت تظهر بوادر انفراج في السودان، حيث تبدو الأزمة الدامية التي استمرت لعامين، وشهدت جرائم قتل ونهب واغتصاب وتهجير، في طريقها إلى الانتهاء، مما يمنح الشعب السوداني فرصة لالتقاط الأنفاس. ولم تقتصر تداعيات هذه الأزمة على الداخل السوداني فحسب، بل أثّرت بشكل مباشر على استقرار المنطقة بأكملها. فقد سعت قوات الدعم السريع، التي تلقت دعماً واضحاً من دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب عسكري في عام 2023، مما فاقم حالة الفوضى وأدى إلى تصعيد خطير في الصراع الداخلي. خلال العامين الماضيين شهد السودان دماراً واسعاً. فإلى جانب الاشتباكات المتبادلة، ارتكبت قوات الدعم السريع، التي جنّدت مرتزقة من عدة دول إفريقية، انتهاكات جسيمة في المناطق التي تسيطر عليها. وقد انعكست هذه الانتهاكات على تقارير لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. وقد تم تهجير ما لا يقل عن 14 مليون سوداني من مناطقهم ويعانون حالياً من أزمات اقتصادية حادة. كما تتكرر الانتقادات بشأن نهب المساعدات الإنسانية أو منع إيصالها في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع. ويُذكر أن السودان، الذي يُعد «سلة غذاء إفريقيا»، يعاني اليوم من أزمة غذائية خطيرة، حيث تشير التقارير إلى أن نحو 25 مليون شخص داخل البلاد يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء. بعد اشتباكات عنيفة، تمكنت القوات المسلحة السودانية (SAF) خلال الأشهر الأخيرة من السيطرة الكاملة على العاصمة الخرطوم، مما منحها أفضلية كبيرة وغير من توازن الحرب ونفسيتها. أما قوات الدعم السريع التي انسحبت من الخرطوم، فعودتها التكتيكية باتت شبه مستحيلة. وتحمل هذه التطورات أيضاً أهمية على صعيد الشرعية الدولية، إذ كانت بعض الدول تروج لفكرة أن ما يجري في السودان هو حرب أهلية وأن الطرفين متساويان في القوة والشرعية. بل إن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو ويُلقب بـ»حميدتي»، استُقبل العام الماضي في بعض العواصم الإفريقية وكأنه رئيس دولة. * مع اقتراب نهاية الأزمة، ستخرج الدول التي لم تدعم الانقلاب في السودان - وعلى رأسها مصر والسعودية وقطر وتركيا - مستفيدة من الوضع الجديد. فقد أبدت الحكومة المصرية انزعاجاً شديداً من الأزمة في السودان، وكانت تخشى من تكرار فوضى مماثلة داخل أراضيها. ويُعد استقرار السودان، الذي يشكل ممراً حيوياً لمياه النيل، أمراً بالغ الأهمية لمصر، كما أن الضغط الناتج عن اللاجئين السودانيين على الأراضي المصرية قد يتراجع. ومن الطبيعي أن تُعتبر تركيا وقطر أيضاً من الرابحين في هذه التطورات، إذ إن كلا البلدين ينظران إلى الاستقرار الإقليمي كميزة استراتيجية، ويعارضان الانقلابات العسكرية والتدخلات الخارجية، ويعتبران السودان القوي حليفاً طبيعياً في المنطقة. إن حل الأزمة في السودان من شأنه أن يُعزز الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، ومنطقة الساحل، وحوض البحر الأحمر، وهي مناطق عانت من تداعيات النزاعات المسلحة وحركات النزوح الواسعة. وقد تضررت الزراعة والتجارة داخل السودان وعلى مستوى الإقليم بشكل كبير بسبب الحرب، إلا أن الأمل معقود اليوم على تحسن هذه الأوضاع في ظل التهدئة الجارية. انتهاء حالة الفوضى في السودان يُعد أيضًا مكسبًا للدول التي استقبلت أعدادًا كبيرة من اللاجئين السودانيين، كمصر وتشاد وجنوب السودان وحتى إثيوبيا، وهي دول تواجه أصلاً تحديات اقتصادية صعبة، ما يجعل من عودة الاستقرار في السودان أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لها. * لن تكون التطورات الأخيرة في السودان محل ترحيب لدى الدول الغربية التي تسعى لإبقاء حالة الفوضى في الشرق الأوسط، وعلى رأسها إسرائيل. فعلى الرغم من أن الغرب دعم الجناح الليبرالي الذي أسقط نظام البشير عبر الاحتجاجات، إلا أنه لم يكن يرغب فعليًا في انتقال حقيقي للديمقراطية في البلاد. أما اليوم، فقد أعلن الجنرال عبد الفتاح البرهان، الذي يقود البلاد حاليًا، أن الجيش سيسلم السلطة للمدنيين بعد انتهاء الحرب. وعلى الرغم من الأزمات المتعددة التي يواجهها السودان، فإن توقف العقوبات الغربية والتدخلات الخارجية، وترك القرار للسودانيين أنفسهم، قد يفتح الباب أمام نهضة حقيقية. فالسودان بلد غني بالموارد الطبيعية كالبترول والذهب، إضافة إلى الأراضي الخصبة والطاقات البشرية، ما يؤهله لتحقيق تقدم سريع إذا توفرت له الظروف الملائمة.
1173
| 09 أبريل 2025
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
4593
| 26 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
4356
| 29 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
4185
| 25 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
1569
| 26 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
1296
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1293
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1185
| 28 سبتمبر 2025
يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...
1050
| 24 سبتمبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1050
| 29 سبتمبر 2025
صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....
933
| 24 سبتمبر 2025
تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...
831
| 25 سبتمبر 2025
• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر...
822
| 25 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية