رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

البروفيسور د. أحمد أويصال

أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول
 

مساحة إعلانية

مقالات

723

البروفيسور د. أحمد أويصال

القراءة يتيمة في العصر الرقمي

06 نوفمبر 2024 , 02:00ص

تعد القراءة وسيلة أساسية لتعلم الأشياء الجديدة، حيث يأمر الإسلام المسلمين بطلب العلم من المهد إلى اللحد. ولا شك أن للقراءة فوائد متعددة من توسيع الخيال إلى التفكير النقدي والتعاطف مع الآخرين. كما أنها تحافظ على الشباب من العادات السيئة وتهيئهم للمستقبل وتقوي شخصيتهم. والأهم من ذلك أن القراءة تثري حياة الجميع. ومع ذلك، فإن عادة القراءة آخذة في الانخفاض في جميع أنحاء العالم، خاصة في مواجهة الاستخدام المتزايد للإنترنت.

هذا التوجه يسير بالتوازي مع انخفاض معدلات قراءة الصحف والمجلات، حيث أُغلِقت العديد من الصحف أو توقفت عن إصدار النسخ المطبوعة. ويعد هذا توجهًا عالميًا، يمتد تأثيره من أمريكا إلى الهند، ومن العالم العربي إلى تركيا. كما أن المكتبات العامة، التي توفر الكتب للفئات الأقل حظاً، تتراجع يوماً بعد يوم.

إن توفر الإنترنت نسبياً وتراجع عادة القراءة يقللان من الضغط على الحكومات لدعم المكتبات العامة وتوفير الكتب عبر الإنترنت. وتواجه الدول النامية صعوبات في تقديم هذا الدعم بسبب الأزمات الاقتصادية العالمية الناجمة عن جائحة كوفيد-19 والصراعات.

هناك عدة أسباب لتناقص معدلات القراءة لدى الناس في السنوات الأخيرة. يتمثل السبب الأساسي في قضاء الأفراد وقتاً أطول على هواتفهم وأجهزتهم اللوحية. فلم يعد الكثيرون يميلون إلى متابعة الفيديوهات التعليمية الطويلة، بل يفضلون الفيديوهات القصيرة على منصات مثل يوتيوب وإنستغرام وتيك توك. علاوة على ذلك، فإن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة يؤثر سلباً على التركيز بسبب الإشعارات المتكررة. كما أن تعدد الالتزامات في الحياة الحديثة يقلل من الوقت المتاح للقراءة، والتي تحتاج إلى تركيز ومدة أطول لإتمامها.

في السابق، كان الذهاب إلى المكتبات أو متاجر الكتب يُعتبر نشاطًا اجتماعيًا أو ترفيهيًا سواء بشكل فردي أو جماعي، ولكن انتشار متاجر الكتب الإلكترونية بأسعارها المنخفضة أدى إلى إغلاق العديد من هذه المتاجر التقليدية. كان الناس يرتادون المكتبات لقراءة الكتب والصحف، حيث كانت تُعد تجمعات ذات طابع اجتماعي. أما الجيل الحالي، فلن تتاح له فرصة خوض تجربة اكتشاف عناوين مثيرة للاهتمام على رفوف المكتبات. وكانت بطاقة المكتبة ميزة متاحة للقراء من جميع الفئات، سواء الفقراء أو الأغنياء. كما كانت المكتبات العامة تُستخدم في بدايات انتشار الإنترنت كوسيلة لتصفحه. إلا أنها أصبحت أقل جذبًا اليوم نتيجة لتراجع الإقبال عليها وقلة التمويل في جميع أنحاء العالم.

أنظمة التعليم لا تبذل جهدًا كافيًا لمواجهة هذا الاتجاه المتراجع. فهي تركز بشكل أكبر على الاختبارات الموحدة، وتعطي الأولوية لبعض المواد على حساب غيرها. ونتيجة لذلك، أصبح الطلاب معتادين على حل أسئلة الخيارات المتعددة بدلاً من ممارسة القراءة النقدية والمناقشة. تركز الامتحانات على المواد الأساسية مثل الرياضيات واللغة، لكنها تهمل مجالات مهمة لتطوير شخصية الطلاب، مثل الأخلاق والفنون والمهارات اللغوية. في جميع أنحاء العالم، يواجه الشباب صعوبة متزايدة في التعامل مع لغتهم الأم، فضلاً عن اللغات الأجنبية؛ حيث يدرسون اللغة فقط بغرض اجتياز الامتحانات وليس للتحدث بها بطلاقة.

نظرًا لأن القراءة يمكن أن تكون واجبًا ونشاطًا ترفيهيًا في الوقت نفسه، فمن الأفضل اعتماد نهج متوازن لتعزيزها. يمكن أن تركز امتحانات المدارس على فهم القراءة من خلال مكافأة القراء الجيدين. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نتبنى منظورًا يجعل عملية القراءة أكثر متعة دون الانتظار لتحقيق فوائدها على المدى الطويل. تظهر الدراسات أن الأشخاص الذين يركزون على العملية بدلاً من النتائج يكونون أكثر نجاحا ورضا. ستكون ساعة قراءة في الأسرة والمدرسة وسيلة فعالة لجعل القراءة أكثر شعبية. كما يمكن أن تكون جوائز القراءة مكملة لكتابة الكتب.

من الواضح أننا بحاجة إلى تعويد أطفالنا على القراءة في سن مبكرة. يمكن للآباء استخدام القراءة كمكافأة للألعاب. علاوة على ذلك، يمكننا دمج عادات القراءة مع أنشطة أخرى مثل الألعاب والأفلام. يجب أن نجعل المكتبات العامة أماكن اجتماعية ومريحة. بالإضافة إلى إيجاد مزيد من التمويل للمكتبات العامة، نحتاج أيضًا إلى تشجيع تبادل الكتب بين القراء، وتوفير كتب مجانية، وبيع الكتب المستعملة على الأقل في المدن الكبرى. يمكن أن يصبح المشاهير والرياضيون والسياسيون قدوات لتشجيع القراءة بين الشباب. في النهاية، نحن جميعًا بحاجة إلى التخلص من السموم الرقمية، وتعتبر القراءة حلاً جيدًا لذلك.

مساحة إعلانية