رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.

4167

| 05 أكتوبر 2025

فقاعات الاستثمار والانهيارات المالية

حدثت أكبر الانهيارات في أسواق الأسهم خلال شهري سبتمبر أو أكتوبر. فقد بدأت أزمة الذعر في منتصف شهر أكتوبر عام ١٩٠٧، وشهد انهيار وول ستريت عام ١٩٢٩ أكبر تراجعاته يومي ٢٤ و٢٩ أكتوبر، وحدث انهيار «الإثنين الأسود» عام ١٩٨٧ بتاريخ ١٩ أكتوبر، بينما وقع انهيار ليمان براذرز، الذي أثار الأزمة المصرفية، في سبتمبر ٢٠٠٨. فهل نحن مقبلون على انهيار مشابه؟ وفقًا للمؤشرات التقليدية، تبدو تقييمات أسواق الأسهم مبالغًا فيها. لكن المشكلة هي أن هذا الوضع قائم منذ عدة أشهر، ومن تجاهلوا إشارات التحذير حققوا أرباحًا. ويعتقد الكثيرون أن طفرة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى تحقيق دفعة هائلة في إنتاجية الأعمال، لدرجة أن المؤشرات التقليدية لتقييم الشركات لم تعد صالحة. ولكن بالطبع، فإن عبارة «هذه المرة مختلفة» تنذر في حد ذاتها بوجود خطر قائم. وهناك مؤشّران قويّان يدلان على أن الوضع الحالي لا يختلف كثيرًا عن الفقاعات السابقة. والمؤشر الأول هو أن بعض الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي قد تكون في غير محلها على أقل تقدير. ولا شك في أن التطور السريع لأدوات الذكاء الاصطناعي فائقة القوة يحمل في طياته إمكانية كبيرة لتحقيق مكاسب ملحوظة في الإنتاجية. ومع ذلك، يظل من غير المؤكد ما إذا كان الرهان الكبير على التوسع الهائل في قدرات مراكز البيانات في سبيل الوصول إلى مستوى فائق من الذكاء الاصطناعي سيؤتي ثماره بشكل مباشر. وفي منتصف سبتمبر، حذّرت شركة جي بي مورجان لإدارة الأصول من أن تقييمات الذكاء الاصطناعي «مبالغ فيها»، بحيث إن أي خيبة أمل طفيفة في الأرباح قد تُؤدي إلى حدوث عمليات بيع مكثفة. ويبلغ حجم الاستثمار في مراكز البيانات لدعم الذكاء الاصطناعي حوالي 3 تريليونات دولار، يأتي نصفها تقريبًا من رؤوس أموال شركات التكنولوجيا الكبرى، في حين يُموَّل جزء كبير منها عبر الائتمان الخاصPrivate Credit، الذي يتميّز بقدر من الغموض مقارنة بالتمويل التقليدي، ويرتبط بالنظام المصرفي. وعامل الخطر الرئيسي الثاني هو السلوك المؤيد للدورات الاقتصادية من جانب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، والمتمثل في خفض أسعار الفائدة وتشجيع المضاربة. وقبيل اندلاع الأزمة المالية في عامي ٢٠٠٧ و٢٠٠٨، قال تشاك برينس، الذي كان يشغل آنذاك منصب الرئيس التنفيذي لمصرف سيتي بنك، مقولته الشهيرة: «ما دامت الموسيقى تُعزف، فلا بد من الرقص». واليوم، يسعى الرئيس دونالد ترامب إلى الحفاظ على الاستمرار في عزف الموسيقى. ويشجع الرئيس ترامب الاستثمار في سوق الأوراق المالية، وقد سمح للحكومة الأمريكية بشراء حصة تبلغ 10% في شركة تصنيع الرقائق «إنتل»، وهو قرار استثنائي بكل المقاييس. كما مارس ضغوطًا على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، معربًا عن رغبته في الوصول إلى معدلات فائدة شديدة الانخفاض ودولار أضعف. وبالفعل، انخفض سعر الفائدة الرسمي في الولايات المتحدة في منتصف سبتمبر بمقدار 25 نقطة أساس، ليتراوح ما بين 4% و4.25%. ومن غير المعتاد أن تُخفَّض أسعار الفائدة إلى مستويات منخفضة للغاية في ظل ظروف غير ركودية. وهناك مؤشرات على وجود تعثر في سداد القروض إلى جانب علامات أخرى على وجود ضائقة مالية لدى بعض المستهلكين. وتُظهر الولايات المتحدة بعض السمات التي عادةً ما ترتبط بالاقتصادات الناشئة ومن بينها تجاوز الرئيس لصلاحياته، وضعف استقلاليةٌ المؤسسات الرئيسية، والمخاوف بشأن دقة البيانات الاقتصادية. ولا يعني هذا أننا على وشك أن نشهد انهيارًا اقتصاديًا وتضخمًا مفرطًا في الولايات المتحدة، نظرًا لعمق اقتصادها الداخلي وقوته، ولكن هناك مؤشرات على تراجع الاستقرار على المدى الطويل. ومن شبه المؤكّد استمرار ارتفاع ديون القطاع العام في الولايات المتحدة، وتآكل قيمة النقود الورقية. فقد ارتفع سعر الذهب من 2,600 دولار للأونصة قبل أقل من عام إلى حوالي 3,800 دولار للأونصة بحلول نهاية سبتمبر. ولأول مرة منذ عام 1996، أصبح الذهب يشكّل نسبة أكبر من احتياطيات البنوك المركزية مقارنةً بسندات الخزانة الأمريكية. وقد ذكر رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول مؤخرًا إن أسعار الأسهم «مرتفعة نسبيًا» لكنه لا يرى أنها تشكل خطرًا كبيرًا على الاستقرار المالي حاليًا. وفيما يتعلق بفقاعة الاستثمار، هل يبدو الوضع مختلفًا هذه المرة؟ في جوانب كثيرة، تبدو الإجابة لا. ولكن، هل سيحدث انهيار للسوق في أكتوبر؟ لا يمكن الجزم بذلك أبدًا، لكن هناك العديد من الإشارات الحمراء المقلقة.

513

| 28 سبتمبر 2025

المعادن تكتب مصير التكنولوجيا

أثار الارتفاع المتواصل لسعر الذهب في السنوات الأخيرة، الكثير من التعليقات. فقد ارتفع سعر المعدن النفيس بأكثر من 40% خلال العام الماضي، من حوالي 2,300 دولار للأونصة في بداية يوليو 2024 إلى 3,700 دولار للأونصة هذا العام. ويُنظر إلى الذهب، الذي استُخدم تاريخيًا كعملة نقدية، ولا يملك سوى استخدامات صناعية محدودة، باعتباره مصدرًا آمنًا للقيمة في ظل ارتفاع ديون الحكومات وتراجع الثقة في العملات الورقية. ومع ذلك، لا يُعَد الذهب المعدن الخام أو النفيس الوحيد الذي شهد ارتفاعًا كبيرًا في قيمته. وبحسب البيانات الصادرة عن إدارة التجارة والتنمية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، ارتفعت أسعار المعادن والخامات والمعادن الأخرى بنسبة 23.6% بين مارس 2024 ومارس 2025. كما قفزت أسعار المعادن النفيسة بنسبة 37.4%. ويعود جزء كبير من الزيادة في الطلب إلى أسباب صناعية، وليس لأغراض المضاربة أو التحوط ضد التقلبات في أسعار العملات. ويشهد معدل الطلب على النيكل والليثيوم والكوبالت ارتفاعًا ملحوظًا. وقد أشار التقرير إلى أنه من المتوقع أن يرتفع استخدام النحاس بأكثر من 40% بحلول عام 2040. وقد برزت المعادن الأرضية النادرة باعتبارها سلعًا ذات أهمية استراتيجية عالمية. وتضم هذه الفئة 17 معدنًا متشابهًا كيميائيًا تُصنف على أنها معادن أرضية نادرة، وهي ضرورية لتصنيع العديد من المنتجات التقنية المتطورة، بما في ذلك الهواتف الذكية وأجهزة التلفاز والسيارات ومحركات توربينات الرياح والمعدات العسكرية. كما تُستخدم في صناعة المعدات الطبية، مثل أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي ومعدات الجراحة بالليزر. وبحسب البيانات الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة، تسيطر الصين على 61% من عمليات استخراج المعادن الأرضية النادرة، و92% من تكريرها. وكان من اللافت للنظر أن هذا النفوذ شكَّل ورقة تفاوضية مهمة في مفاوضات التجارة التي جرت بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في جنيف خلال شهر مايو الماضي. وكانت الصين قد فرضت قيودًا على تصدير سبعة معادن أرضية نادرة، ولم ترق هذه القيود إلى مستوى الحظر الكامل، ولكنها ألزمت المصدرين بالتقدم بطلب للحصول على تراخيص للتصدير. وكان إنهاء هذه القيود لأغراض غير عسكرية من أبرز نتائج تلك المفاوضات، التي أسفرت أيضًا عن خفض كبير في الرسوم الجمركية. وكانت هذه المعادن السبعة هي: السماريوم، والجادولينيوم، والإيتريوم، والتيربيوم، واللوتيتيوم، والديسبروسيوم، والإسكنديوم. وتتطلب صناعة المغناطيسات المتخصصة توافر معادن أرضية نادرة تُستخدم في صناعة العديد من المنتجات، وتُصنّع الصين العديد من هذه المغناطيسات. ومن المتوقع ارتفاع الطلب على المعادن الأرضية النادرة بنسبة تتراوح بين 50-60% بحلول عام 2040. وقد حددت الولايات المتحدة مصادر خاصة بها لهذه المعادن النادرة، وبدأت تستثمر في مناجم داخل أراضيها، وكذلك في كلٍ من البرازيل وجنوب أفريقيا. ومع ذلك، سيستغرق تطوير هذه المصادر وتوسيع نطاق العرض وقتًا طويلاً. وأيضاً، يعتمد الذكاء الاصطناعي والسحابة Cloud على الهندسة التقنية في شكل مراكز بيانات ضخمة تستهلك كميات هائلة من الطاقة وتحتاج إلى أنظمة تبريد متطورة. وتتطلب مراكز البيانات معادن أرضية نادرة من بينها الجاليوم، والنحاس، والسيليكون. وقد أدى تصاعد التوترات والصراعات العالمية إلى زيادة الإنفاق العسكري. وبات الدفاع يعتمد الآن بشكل كبير على التكنولوجيا المتقدمة، حتى أنه يمكن تصنيفه تقريبًا باعتباره فرعًا من فروع صناعة الحوسبة والذكاء الاصطناعي، وذلك في أعقاب التطورات السريعة في حرب الطائرات المسيرة خلال الصراع بين روسيا وأوكرانيا. وتستخدم العديد من الأسلحة المتطورة مجموعة متنوعة من المواد، بما في ذلك المعادن الأرضية النادرة. ولا يزال الطلب على السلع عالية الاستهلاك، ولا سيما النفط والغاز الطبيعي المسال، مرتفعًا. ويتضمن التحول في مجال الطاقة تحولًا استراتيجيًا من استخدام الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، إلا أن إتمام هذا التحول سيستغرق عقودًا. وعلاوة على ذلك، فإن للنفط والغاز استخدامات متعددة تتجاوز استخدامهما المباشر في توليد الكهرباء ومحركات الاحتراق الداخلي، ويُعد النفط المادة الخام الأساسية لتصنيع البلاستيك، بما في ذلك المكونات المستخدمة في إنتاج السيارات الكهربائية. ويتزايد الاهتمام بالاستثمار في السلع الأساسية والشركات التي تُكرّرها وتُورّدها، حيث تجمع بين القيمة الملموسة، والتطبيقات العملية، وندرة التوافر، مما يجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين في فترات الاضطراب الاقتصادي. وإذا كان الذهب معدنًا نفيسًا، فالمعادن الأرضية النادرة قد تصبح أثمن وأهم في المستقبل.

111

| 22 سبتمبر 2025

قطر تترقب خفض أسعار الفائدة

تجلّى النهج شديد الصرامة الذي يتبعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه السياسة الاقتصادية في محاولاته المباشرة لتقويض استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي. فقد وجّه انتقادات شخصية وعلنية لرئيس المجلس، جيروم باول، وقام بمحاولات واضحة لعزل ليزا كوك، عضوة مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي. إن لتحركاته وتوجهاته السياسية انعكاسات عالمية، مع تأثير خاص على دول الخليج. ويتمثل الهدف الإستراتيجي للرئيس ترامب في مجال السياسة الاقتصادية في الإشراف على خفض قيمة الدولار، وتقليص العجز التجاري، وإعادة توطين الإنتاج في داخل الولايات المتحدة الأمريكية. ويشكل خفض سعر الفائدة، على المدى القصير والمتوسط على الأقل، جزءًا أساسيًا من هذه السياسة، بالإضافة إلى رفع الرسوم الجمركية، ولذلك يشعر ترامب بالإحباط لعدم خفض أسعار الفائدة. وقد اعتبر مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن الضغوط التضخمية كبيرة جدًا بحيث لا تبرر خفض أسعار الفائدة، إلا أن هذه الضغوط آخذة في التزايد. وعلاوة على ذلك، تنتهي ولاية جيروم باول خلال العام المقبل، ومن المرجح أن يتبنى النظام الذي سيخلفه نهجًا أكثر ميلاً للاعتدال والتيسير النقدي. ومن المتوقع أن يشهد هذا العام إجراء تخفيضين أو ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة. ويشكل ذلك، إلى جانب الارتفاع المستمر في الدين العام، سياسة مالية متساهلة بشكل استثنائي. وستكون هناك آثار كبيرة ومباشرة على دول الخليج، حيث أن معظم دول المنطقة، بما فيها قطر، لديها عملات مرتبطة بالدولار الأمريكي. وبذلك، سيتعين على المصارف المركزية اتباع تخفيضات أسعار الفائدة التي يجريها الاحتياطي الفيدرالي. ويبلغ سعر الفائدة الحالي في قطر 5.1%، وهو أعلى من سعر الفائدة الأمريكي الذي يتراوح بين 4.25 إلى 4.5 %، خلال السنتين الماضيتين قام مصرف قطر المركزي بتقليص هذه الفجوة. وإذا خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 0.50 % هذا العام، أتوقع أن ينخفض سعر الفائدة في قطر بمقدار 0.60%. وسيكون لذلك تأثير تحفيزي، حيث سيؤدي انخفاض العوائد على السيولة النقدية إلى تشجيع الاستثمارات التجارية، ومن المتوقع أن يكون للأمر تأثير إيجابي لا سيَّما على قطاع العقارات. وأن تكون هناك آفاق إيجابية للأسهم القطرية كذلك، حيث تبشر الحوافز الاقتصادية بتعزيز النمو القوي، ومع انخفاض قيمة الريال بشكل طفيف، قد تبدو الأسهم منخفضة السعر نسبيًا. وعلى الجانب السلبي، هناك مخاطر تتعلق التضخم، حيث تستورد قطر حوالي 90 % من السلع التي تحتاج إليها من دول تتعامل بعملات مختلفة، لذا مع ارتفاع التكلفة الفعلية نتيجة لانخفاض قيمة الريال لارتباطه بالدولار، من المرجح ارتفاع معدل التضخم نتيجة لزيادة الاستيراد. فإذا ارتفعت قيمة اليورو أو اليوان الصيني مقابل الدولار، سترتفع التكاليف المرتبطة بالتداول التجاري بهذه العملات، ومن المرجح أن تنتقل هذه الزيادة في التكلفة إلى الأسعار المحلية. ويعني ذلك أن صانعي السياسات في قطر سيضطرون إلى اعتماد تدابير أخرى غير سعر الفائدة للحد من معدل التضخم. ومن المتوقع أن يكون تطبيق هذه السياسة أسهل مما كان عليه قبل عقد من الزمن، عندما كانت الضغوط التضخمية أكبر بسبب مشاريع تحديث البنية التحتية استعدادًا لاستضافة منافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، لذا من المتوقع أن يكون الاقتصاد قادرًا على استيعاب المزيد من الحوافز دون حدوث ارتفاع كبير في التضخم. ومن الآثار الجانبية الأخرى لسياسات الرئيس ترامب ارتفاع قيمة الأصول الملموسة، مع انخفاض قيمة العملات الورقية. فقد ارتفعت قيمة الذهب بشكل كبير، وأقدمت البنوك المركزية على تخزينه بكميات كبيرة، بما في ذلك البنك المركزي الصيني. وتمثل حيازات البنوك المركزية من الذهب الآن حصة أكبر من سندات الخزانة الأمريكية، وذلك لأول مرة منذ عام 1996. وقد قفز سعر الذهب من حوالي 2500 دولار للأونصة في أواخر عام 2024 إلى ما يتجاوز 3600 دولار بحلول شهر سبتمبر 2025. وإلى حد ما، يُحقق الرئيس ترامب أهدافه السياسية؛ فقد انخفضت قيمة الدولار بنحو 11 % خلال النصف الأول من عام 2025. كما ارتفعت إيرادات الرسوم الجمركية، ومن المرجح أن تُجبر هذه الإجراءات أسعار الفائدة على الانخفاض. ومع ذلك، فإن المخاطر المترتبة على الولايات المتحدة كبيرة، إذ إن الانخفاض طويل الأمد في قيمة الدولار، إلى جانب عجز وديون القطاع العام المرتفعة والمتزايدة، قد يسببان حالة من عدم الاستقرار والقلق في الأسواق والاقتصاد العالمي.

234

| 14 سبتمبر 2025

هل تتحول الصحة إلى نفط المستقبل؟

تُمثِّل التغطية الصحية الشاملة لجميع المواطنين تحديًا لجميع الحكومات، فكلما تحسّن العلاج وتوفّرت إمكانية الحصول عليه، طال أمد قوائم الانتظار. وقد تجاوز معدل تضخم تكاليف الرعاية الصحية ما بين 10-12 % في العديد من الدول، في حين تتزايد توقعات الناس بشأن توافر الخدمات الصحية وجودة مستوى الرعاية الصحية. كما أن ارتفاع متوسط عمر الفرد قد يعني عيش الناس لفترة حياة أطول، مع معاناتهم من أمراض مزمنة في بعض الأحيان. لذلك، فإن النهج الذي تتبعه دولة قطر جدير بالاهتمام. وتُعدّ الصحة من أهم الأولويات في إطار رؤية قطر الوطنية. وتُقدّم الدولة خدمات صحية فائقة المستوى من خلال مؤسسة حمد الطبية. وتُدير المؤسسة مستشفى حمد العام، وهو المستشفى غير الربحي الرئيسي في البلاد، والذي سيخضع لبرنامج تجديد شامل يمتد لثلاث سنوات. وبينما ستظل الخدمات متاحة خلال أعمال التجديد، سيتم نقل بعض خدمات العيادات الخارجية والمرضى المقيمين مؤقتًا. وسيشمل التجديد تحديث المباني المخصصة للمرضى، ومرافق ذات مستوى أعلى، والاستثمار في التكنولوجيا الحديثة. وخلال عملية التجديد، بدا أن هناك فرصة سانحة للحفاظ على مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين والمقيمين أو تحسينها، مع تعزيز القطاع الخاص وتطوير السياحة العلاجية. وفي شهر مايو الماضي، التقى سعادة السيد منصور بن إبراهيم آل محمود، وزير الصحة العامة، بممثلي قطاع التأمين، في إطار سياسة لتشجيع تطوير التأمين الصحي. وفي الفترة بين عامي 2013 و2015، طرحت الحكومة نظام التأمين الصحي الإلزامي «صحة»، إلا أنها واجهت مشاكل تتعلق بالتكاليف ومطالبات التأمين الزائدة المبالغ فيها، ما دفعها إلى اعتبار الشراكة مع شركات التأمين الخاصة نهجًا أفضل. وفي الوقت نفسه، وقّعت الحكومة عقودًا مع أربعة مستشفيات من القطاع الخاص لتقديم العلاج للمرضى غير المؤمّن عليهم صحيًا والمسجلين على قوائم الانتظار في المستشفيات الحكومية. وستتحمل الدولة تكلفة العلاج بالكامل، وهو ما سيُقلّل من قوائم الانتظار، ويُساعد في تطوير خدمات القطاع الخاص من حيث الجودة والنطاق. ومن المزايا الإضافية لتطوير قطاع طبي خاص قوي جعل قطر وجهةً مفضلةً للسياحة العلاجية. وقد تأكّد ذلك في منتدى قطر الاقتصادي 2025، الذي عُقد خلال شهر مايو الماضي، حيث صرّح سعادة السيد سعد بن علي الخرجي، رئيس قطر للسياحة، بأنّ ترسيخ مكانة قطر باعتبارها وجهةً للسياحة العلاجية يُعدّ من الأهداف الاستراتيجية للدولة. وبفضل الاستثمارات الضخمة في الفنادق ومرافق النقل وغيرها من الجوانب الرئيسية الأخرى للبنية التحتية إبان فترة الاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، أصبحت المرافق المتاحة في البلاد عالمية المستوى. وتتمتع مستشفيات القطاع الخاص بمرافق عالية الجودة وأطباء ذوي مهارات فائقة. وقد بلغ حجم الإنفاق الصحي 12% من مخصصات الميزانية، وهي نسبة مرتفعة مقارنةً بالمعايير الدولية. كما يتم الاستثمار في التكنولوجيا، بما في ذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتخصصة التي يمكن أن تُساعد في خدمات التشخيص والعلاج. وتستعد قطر لإطلاق برنامج للتأشيرات الطبية لتسهيل الإجراءات البيروقراطية على زوار السياحة العلاجية. وقد صرح السيد عمر الجابر، رئيس قطاع تنمية السياحة في قطر للسياحة، بأن هذه المبادرة ستشجع الزوار على الاستفادة من خدمات العلاج الوقائي والبرامج الصحية في المنتجعات، بالإضافة إلى الإجراءات الطبية المتقدمة مثل العمليات الجراحية. وتتوفر جميع العناصر اللازمة لتمكين دولة قطر من المنافسة بشكل مباشر مع الدول الأخرى الجاذبة للسياحة العلاجية، مثل سنغافورة ودبي وتايلاند. ومن المهم عند وضع السياسات الصحية المستقبلية ألّا يقتصر التركيز على استقطاب السياحة العلاجية بشكل عام، بل أن يتم توجيه الجهود نحو بناء ميزات تنافسية واضحة في تخصصات طبية محددة. فالمجالات التي تمتلك فيها قطر عناصر قوة بارزة، مثل أمراض القلب، وأمراض الكلى، وطب النساء والولادة، ينبغي أن تكون في صدارة الأولويات. إن اعتماد هذا النهج التخصصي سيمنح الدولة قدرة أكبر على التميز عالميًا، ويجعلها وجهة علاجية ذات سمعة راسخة، بدلًا من أن تكون منافسًا عامًا في سوق مزدحم. وتسعى دولة قطر إلى استقطاب ما بين 6 و7 ملايين زائر بحلول عام 2030، مع وصول مساهمة قطاع السياحة إلى 15 % من الناتج المحلي الإجمالي. وبفضل الاستثمار في الرعاية الصحية والبنية التحتية السياحية، يبدو أن هذا الهدف قابل للتحقيق.

243

| 07 سبتمبر 2025

«لا شيء يحدث فعلياً»: قراءة في اقتصاد 2025

خلال عام حافل بالأحداث المضطربة في السياسات الاقتصادية، حافظت قطاعاتٌ كبيرة من الاقتصاد العالمي، بما في ذلك أسعار الأسهم، على انتعاشها. وقد لا يمثل هذا الأمر تناقضًا كما يبدو. فرغم ما يبدو من احتمالاتٍ كبيرة لحدوث اضطرابات اقتصادية، تبنى بعض المستثمرين موقفا مفاده أن «لا شيء يحدث فعليًا»، في محاولة لمواجهة الميل إلى المبالغة في ردّ الفعل تجاه الأحداث التي تتصدر عناوين الصحف، والتي كان – أو قد يكون – لها تأثير اقتصادي ضئيلٌ على المدى البعيد. ولا يعني شعار «لا شيء يحدث فعليًا» تجاهل الأحداث العالمية، بل يتمثل في تقييم الأثر الاقتصادي الفعلي لتك الأحداث ببرود وموضوعية. وبطبيعة الحال، تبرز أهمية بعض الأحداث المضطربة في الجغرافيا السياسية من حيث إمكاناتها بشكل أكبر من واقعها قصير المدى. ومن غير المرجح أن تؤدي التهديدات أو التلميحات باستخدام الأسلحة النووية إلى اندلاع حرب نووية فعلية، لكن خطر إطلاق الأسلحة النووية بدافع الغضب ليس معدومًا، مما يجعله أمرًا يستحق المراقبة. وفي الأسواق المالية، يمكن رصد مؤشرات قد تنذر بحدوث صدمة مماثلة لأزمة عام 2008 – مثل الارتفاع الكبير في تقييمات سوق الأسهم والعملات المشفّرة، إلا أنه من المستحيل تحديد ما إذا كانت هذه المؤشرات تمثل نذير انهيار مؤثر، أم أنها ستبقى مجرد إشارات. وحتى في حال حدوث صدمة، فهل يمكن أن تحدث هذا العام، أم بعد خمس سنوات؟ ومن الثابت في علم النفس السلوكي أننا، كبشر، ننجذب إلى التطورات الدرامية والسلبية أكثر من التطورات الإيجابية؛ حيث تتفوق النجاة من الخسارة في تأثيرها على جاذبية المكاسب المحتملة، وتُعد الأخبار السيئة أو الصادمة أكثر فعالية وإثارة للتصفح. ويعني ذلك أنّ الانضباط في متابعة المستجدات عبر وسائل الإعلام قد يقود، بشكل متناقض، إلى فهم مشوّه للتطورات العالمية. وما يزيد الأمر تعقيدًا هو أن الكثير من الأخبار تُجمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون التحقق من صحتها. وفي تقريره عن المخاطر العالمية لعام 2024، أشار المنتدى الاقتصادي العالمي إلى المعلومات المضللة باعتبارها العامل الأكثر زعزعةً للاستقرار على المدى القصير. وهناك عامل آخر هو أنه، وبعيدًا عن مقولة «لا شيء يحدث فعليًا»، فإن ما يحدث في الواقع هو الكثير. فقد جاءت توقعات العديد من الاقتصاديين في مطلع عام 2025 بشأن أثر سياسة الرسوم الجمركية التي ينتهجها الرئيس ترامب بعيدة عن الدقة، إذ تبيّن أن التقديرات التي أشارت إلى إمكانية انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1 % مقابل كل زيادة بمقدار 1 % في الرسوم لم تكن صحيحة. وربما يكون من المستحيل تحديد هذه النسبة بدقة، لكن أحد المؤشرات البديلة هو أن حوالي 17 % فقط من أرباح مؤشر ستاندرد آند بورز 500 تتأثر مباشرةً بالرسوم الجمركية، وذلك وفقًا لتحليل أجراه مصرف دويتشه بنك. وعلاوة على ذلك، رغم أن الولايات المتحدة تمثل أكبر سوق تجاري، فإنها تشكل حوالي 24% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقارنةً بأكثر من 40% في ستينيات القرن الماضي. وهناك خطر يتمثل في أن حركة «لا شيء يحدث فعليًا» قد تقلل من تأثير سلسلة من التطورات التي قد لا تُحدث فارقًا كبيرًا، كلٌّ على حدة، لكنها قد تحدث أثرًا ملموسًا بشكل تراكمي. وتشمل هذه التطورات التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب، وإقالته لرئيس مكتب إحصاءات العمل، وارتفاع الدين العام في الولايات المتحدة والاقتصادات الغربية الأخرى، وتركيز مكاسب سوق الأسهم في عدد قليل من شركات التكنولوجيا، وتهديدات ترامب لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وتخفيفه للقيود المفروضة على العملات المشفرة. وقد يُنظر إلى بعض هذه التطورات على أنها ذات أهمية طفيفة عند تقييمها منفردة، لكن تراكمها قد بدأ يظهر أثره. ومن بين هذه التطورات، يُعدّ ارتفاع الدين على الأرجح الأكثر أهمية على المدى الطويل، إذ يعني تخصيص نسبة متزايدة من الإنفاق الحكومي لسداد الفوائد، وهو ما يُشكل ضغطًا على الخدمات العامة، بالإضافة إلى التآكل التدريجي لقيمة العملات الورقية. وقد شهدت أسعار الأصول الملموسة، مثل الذهب والعقارات والأراضي، ارتفاعًا مستمرًا. ومن شبه المؤكد أن هذا التطور البطيء وطويل الأمد سيحظى بأهمية اقتصادية أكبر مقارنة بالعديد من التطورات الأكثر دراماتيكية التي تتصدر عناوين الصحف.

183

| 31 أغسطس 2025

الرياضة كمنتج تجاري: هيروكس نموذجاً

في شهر يوليو الماضي، شاركتُ في تحدٍّ رياضيٍّ يُعرف باسم هيروكس، وهو سباق للياقة البدنية يجمع بين الجري والتمارين الوظيفية. ويتميز هذا السباق بالشدة والمتطلبات العالية، حيث يتضمن ثماني جولات للجري بطول كيلومتر واحد، تتخللها تحديات شاقة مثل أداء تمارين البيربيز المتتالية أو رفع الأوزان الثقيلة. كما يتميز السباق بأنه مسافته وفعالياته موحدة، وهو ما يتيح إمكانية التنافس المباشر في كل فعالية. وتكون المشاركة في السباق مفتوحة لجميع القدرات، حيث يحصل الفائز في فئة المحترفين على جائزةٍ تصل قيمتها إلى 7,500 دولار أمريكي. وفي هذا العام، أُضيفت للمرة الأولى فئة جديدة للرياضيين الذين يعانون من تحديات جسدية. وقد كنت أرغب بالمشاركة في هذا السباق خلال العام الماضي، لكن لم يكن بمقدوري أداء بعض التمارين، نظرًا لبتر بعض أصابعي بعد تعرضي لحادث في جبال الهيمالايا عام 2021. وقد سُمح لي بالمشاركة. وكان هناك مساعدون مُدرَّبون ومنتبهون للفئة التكيفية، وكانت إدارة السباق وتنظيمه والخدمات اللوجستية ممتازة بشكل عام. ويتميز سباق هيروكس بأنه فعالية حديثة العهد، انطلقت في عام 2017، لكنها تشهد نموًا سريعًا، حيث بلغت عائداتها 140 مليون دولار أمريكي، ولها حضورٌ في 11 دولة. وقد شارك حوالي 650 ألف شخص في هذا السباق خلال عام 2024، مقارنةً بعدد المتسابقين الذين شاركوا في النسخة الأولى من السباق التي أقيمت في ألمانيا قبل سبع سنوات وبلغوا حينئذٍ 650 شخصًا فقط. وتشهد فعاليات السباق إقبالًا كبيرًا، حتى أن الحصول على مكانٍ فيها وُصف بأنه أشبه بمحاولة الحصول على تذكرةٍ لحضور حفل لتايلور سويفت. وتتوافق شعبية السباق مع التوجهات الاجتماعية القوية بين الشباب. ففي استطلاع للرأي أجرته شركة ماكينزي للاستشارات خلال عام 2024، أفاد 56٪ من أفراد جيل الألفية إلى أن اللياقة البدنية تمثل أولوية قصوى لهم، مقارنةً بنحو 40 ٪ من المشاركين عمومًا. ويسعى الكثير من الأفراد إلى خوض تجارب شيِّقة تجمع بين اللياقة البدنية والتفاعل الاجتماعي وعيش لحظات لا تُنسى. كما يتوافق سباق هيروكس تمامًا مع الإدراك المتزايد بأن التدريب المختلط، الذي يجمع بين تمارين القوة وتمارين القلب والأوعية الدموية، هو الأفضل للياقة البدنية الشاملة. ويواجه لاعبو كمال الأجسام الذين يمارسون رفع الأثقال دون أداء تمارين القلب خطر التعرض لضعف الحركة وسعة الرئة، بينما قد يعاني من يمارسون رياضة الجري فقط من ضعف في عضلات الجذع ويكونون عرضة للإصابات مثل إجهاد أوتار الركبة. وقد أدى انتشار جائحة كوفيد- 19 كذلك إلى زيادة النشاط الرياضي. ففي فترة الإغلاق، لجأ الكثيرون إلى الجري في الهواء الطلق خلال الساعات المخصصة لهم، بينما ارتفعت مبيعات أجهزة الدراجات والمشايات الكهربائية بشكل كبير. وعلى الصعيد العالمي، يشهد سوق الفعاليات الرياضية نموًا بمعدل سنوي مركب يصل إلى 10 % تقريبًا. وقد بلغ حجم المبيعات 185 مليار دولار أمريكي في عام 2021، ومن المتوقع أن يصل إلى 609 مليارات دولار بحلول عام 2031، وفقًا لأبحاث أجرتها شركة Allied Market Research. ويتميز نموذج عمل هيروكس بأنه ذكي للغاية، حيث يعتمد على رسوم الاشتراك، ورعاية الفعاليات، وبيع منتجات تحمل العلامة التجارية مثل الملابس، وجل الطاقة، والمشروبات، وغيرها من المنتجات. ويبحث المشاركون في هذا السباق عن تجربة اجتماعية شيِّقة، ويمكنهم شراء باقة من الصور الشخصية التي توثق مشاركتهم فيه تمهيدًا لنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يمنح علامة هيروكس التجارية فرصة ترويجية مجانية. ويحتل سباق هيروكس مكانةً بارزةً ضمن مجموعة متنوعة ومتنامية من الأنشطة الرياضية الجماعية ذات العلامات التجارية. فعلى سبيل المثال، يتضمن سباق «Tough Mudder» اجتياز مسارات خارجية مليئة بالمياه وتجاوز عقبات مثل تسلق المنحدرات الشديدة وتجاوز الجدران. وقد استحوذت عليه شركة سبارتان ريس بعد مواجهة منظمي السباق لصعوباتٍ مالية. وتتراوح فعاليات سباق سبارتان ريس ما بين سباق سبارتان سبرينت الذي يمتد لمسافة 3 أميال وسباق سبارتان ألترا. أما أصعبها فهو سباق الرجل الحديدي الثلاثي، الذي يتكون من السباحة في المياه المفتوحة لمسافة تقل قليلاً عن 4 كيلومترات، وركوب دراجات هوائية لمسافة 180 كيلومترًا، يليه خوض ماراثون كامل (يمتد لمسافة 40 كيلومترًا)، وكل ذلك في يوم واحد. ويبدو أن هذا القطاع مهيأ للنمو المستمر في المستقبل.

159

| 24 أغسطس 2025

تكييف الهواء الذي نتنفسه

يوجد ما يقدر بنحو 1.5 مليار وحدة تكييف هواء في العالم اليوم، ويتوقع معهد روكي ماونتن، وهو مركز أبحاث مقره الولايات المتحدة متخصص في كفاءة الطاقة، أن يصل هذا العدد إلى حوالي 4.5 مليار وحدة بحلول عام 2050. ومن المقرر أن يبلغ معدل النمو السنوي للسوق العالمية أكثر من 5٪ في المتوسط ​​خلال العقد الحالي، مع وصول قيمة وحدات التكييف إلى حوالي 260 مليار دولار بحلول عام 2029. ويشهد قطاع التدفئة والتهوية وتكييف الهواء على نطاق أوسع نموًا بنفس المعدل. ويُعدُ ارتفاع مستويات المعيشة في الاقتصادات الناشئة، ونمو السكان، وزيادة التحضر من العوامل التي تساهم في تعزيز هذا الاتجاه. كما يعمل ارتفاع درجات الحرارة في العديد من المناطق، والذي يُعزى إلى الاحتباس الحراري العالمي، على زيادة الطلب على وحدات التكييف بشكل أكبر. فهل يمكن لإمدادات الطاقة العالمية أن تلبي الطلب المتزايد على الطاقة؟ وفقًا للبيانات الواردة عن وكالة الطاقة الدولية، يشكل تكييف الهواء نحو 10% من استهلاك الكهرباء على مستوى العالم. وإذا كانت الكهرباء المولدة لتلبية هذا الطلب الإضافي تأتي من حرق الوقود الأحفوري، الأمر الذي يؤدي إلى إطلاق الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، وبالتالي مفاقمة هذه الظاهرة. وتتفاقم هذه المشكلة في الهند، التي شهدت درجات حرارة صيفية قياسية مرتفعة وصلت إلى نحو 50 درجة في دلهي خلال شهر مايو من العام الحالي. وتتسبب درجات الحرارة التي تزيد على 40 درجة في حدوث مخاطر كبيرة للبشر، وخاصة لدى الأطفال الصغار وكبار السن والنساء الحوامل والأشخاص الذين يعانون من حالات طبية، وتُعدُ درجات الحرارة التي تزيد عن 45 درجة مئوية غير مواتية للبشر. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن درجة الحرارة المثلى لجسم الإنسان تقع ضمن نطاق ضيق للغاية يتراوح بين 18 إلى 24 درجة. وبالنسبة للعديد من الأشخاص، يمثل تكييف الهواء ضرورة وليس رفاهية. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى أنظمة تبريد الهواء لتشغيل أنظمة التخزين الحاسوبية وتلبية غيرها من الاستخدامات الصناعية. وفي الشرق الأوسط، ترتفع درجات الحرارة للغاية في فصل الصيف. وتُستخدم بعض مكيفات الهواء حتى في المناطق الخارجية، مثل الأفنية المغطاة بستائر، حيث يرتفع الهواء البارد عبر فتحات التهوية في المنطقة المرصوفة. وفي بلد مثل قطر، يُعدُ هذا الأمر ممكنًا في ظل رخص تكلفة الطاقة. ويمكن للمدن أن تستفيد من التصميم الأفضل لأنظمة التكييف وتبريد الهواء. ويتمثل نظام تكييف الهواء الطبيعي الفعّال في وجود الكثير من الحدائق المليئة بالأشجار، وزراعة المزيد من الأشجار على جانبي الشوارع لتوفير ظل طبيعي. ويكون لهذه الحدائق والأشجار تأثير تبريد طبيعي بينما يساهم الأسفلت والطوب والخرسانة في تخزين الحرارة وعكسها وتكثيفها. وفي الشرق الأوسط، يمكن أن تكون الصحراء أكثر برودة بالفعل من المدينة في يوم حار. وقد توصلت دراسة نُشرت في مجلة نيو ساينتست في عام 2021 إلى أن الأشجار في المدن يمكن أن تقلل من درجة حرارة الأرض بما يصل إلى 12 درجة؛ ومن المثير للاهتمام أن هذه الدراسة خلصت أيضًا إلى أن المساحات الخضراء الخالية من الأشجار لها تأثير ضئيل على درجة الحرارة. ويمكن أن يساهم الظل الطبيعي وتخضير المدن في تخفيض الطلب على الطاقة. وبالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى المزيد من الآلات الموفرة للطاقة. وفي عام 2019، انضمت حكومة الهند إلى معهد روكي ماونتن في الولايات المتحدة لطرح جائزة التبريد العالمية، حيث قدمت مليون دولار لفريق المهندسين القادرين على تحقيق تحسينات سريعة في كفاءة استخدام الطاقة في وحدات التبريد. وأشار المنظمون إلى أن الهندسة الأساسية لوحدة تكييف الهواء التقليدية لم تتغير تقريبًا في المائة عام التي تلت تطوير المخترع الأمريكي ويليس كارير لأول وحدة تكييف في عشرينيات القرن العشرين. وهناك أيضًا إمكانات كبيرة لمساهمة أنظمة الذكاء الاصطناعي في تحسين استخدام الطاقة داخل المباني، حيث يمكن استخدام أجهزة الاستشعار وتحليلات البيانات في تشغيل أنظمة التحكم. وتساعد الصيانة التنبؤية، التي تكتشف أجهزة الاستشعار فيها جزءًا يحتاج إلى الاستبدال قبل أن يتعطل. ويتطلب النمو المستمر تخطيطًا حضريًا أفضل وتكنولوجيا أكثر ذكاءً لمنع الحلقة المفرغة التي تؤدي فيها الآلات التي تبرد مبانينا من زيادة درجة الحرارة المحيطة بنا.

567

| 16 يوليو 2025

المرونة وإدارة الأزمات

في يوم الثلاثاء الموافق 24 يونيو، علقتُ في مطار مسقط بسلطنة عُمان لمدة سبع ساعات في انتظار رحلة العودة إلى الدوحة. وكان المجال الجوي القطري قد أُغلق منذ عصر يوم الإثنين الماضي وحتى ما بعد منتصف ليل الثلاثاء بقليل. وجاء ذلك عقب تحذير من ضربة صاروخية وشيكة من القوات الإيرانية على قاعدة العديد الجوية التابعة للقوات الأمريكية، وقد نُفذت الضربة بالفعل مساء الاثنين دون وقوع خسائر في الأرواح. وكانت الصواريخ قد أُطلقت ردًا على ضربات سابقة شنتها القوات الأمريكية على مواقع يُشتبه بأنها تضم أسلحة نووية إيرانية. وتبعتها دول خليجية أخرى بإغلاق مجالها الجوي، حيث أغلقت البحرين والإمارات والكويت مجالاتها الجوية أيضًا. وكان من المقرر هبوط ما يقارب 100 طائرة تابعة للخطوط الجوية القطرية عند لحظة إغلاق المجال الجوي. وقد تم تحويل مسار نحو 25 طائرة منها إلى السعودية، و18 إلى تركيا، و15 إلى الهند، و13 إلى سلطنة عُمان، و5 طائرات إلى الإمارات، وحُوِّلت رحلة من نيجيريا إلى مصر. أما بقية الرحلات، فقد حُوِّلت مساراتها إلى مطارات مختلفة في الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا، بما في ذلك وجهات بعيدة مثل لندن وبرشلونة. ويبدو التعامل مع مثل هذه الاضطرابات في مجال الطيران أمرا معقدا. فعلى سبيل المثال، هناك قواعد صارمة تُحدد الحد الأقصى لساعات الطيران المسموح بها للطيار خلال فترة زمنية معينة. وبالإضافة إلى ذلك، قد يحتاج الطيار إلى التأقلم مع التوقيت المحلي للوجهة. لذا، حتى في حال توافر طائرات جاهزة للإقلاع وطيارين مؤهلين يعملون لدى نفس شركة الطيران وفي نفس المطار وفي نفس الفترة الزمنية، قد تظل هناك حاجة إلى تأخير إضافي. وعلى الرغم من الاضطراب الهائل الذي أحدثه إغلاق المجال الجوي، فقد فعّلت الخطوط الجوية القطرية إجراءاتٍ مُحكمة للاستجابة للأزمات. وكان موظفو الخطوط الجوية القطرية على دراية تامة بالإجراءات الواجب اتباعها، حيث تم تنفيذ خطط مدروسة بعناية ومجربة مسبقًا. وفي غضون ساعات من إعادة فتح المجال الجوي في الساعات الأولى من صباح 24 يونيو، استؤنفت الرحلات الجوية، حيث تم تشغيل ما مجموعه 390 رحلة في ذلك اليوم، تقل أكثر من 11,000 مسافر في صباح ذلك اليوم وحده. وخلال 24 ساعة، كان جميع ركاب الرحلات المحوّلة قد استأنفوا رحلاتهم. وبحلول يوم الأربعاء الموافق 25 يونيو، كانت الخطوط الجوية القطرية قد شغلت 578 رحلة، ولم يتبقَّ أي مسافر عالق على متن الرحلات المحولة. وتتمتع الخطوط الجوية القطرية بخبرة تراكمية كبيرة فيما يتعلق بالتعامل مع الاضطرابات. منذ الأزمة التي أدت الى اغلاق الأجواء خلال الفترة من 2017 إلى 2021، ثم أعقبه تفشي جائحة كوفيد - 19 وما صاحبها من إغلاقات ألحقت أضرارًا بالغة بصناعة الطيران عالميًا. ورغم ذلك، كانت الخطوط الجوية القطرية من بين عدد قليل جدًا من شركات الطيران التي نجحت في مواصلة عملياتها. وهناك درسٌ مهمٌّ يتعلق بتخطيط الأعمال وأولويات الإدارة التنفيذية. ففي السنوات الأولى للعولمة، كان هناك تركيزٌ على إنشاء سلاسل توريد فائقة الكفاءة، استنادًا إلى مبدأ "التوريد في الوقت المناسب" - أي تقليل كمية المخزون المطلوب تخزينه، على سبيل المثال. وقد أدى ذلك إلى تحقيق كفاءات تشغيلية عالية جدًا - ولكن فقط في حالة عدم وجود اضطرابات كبيرة، حيث إن التشغيل التجاري شديد الكفاءة يكون هشًا وضعيف التحمل أمام الأزمات. ومنذ جائحة كوفيد-19، حدثت إعادة تقييم جوهرية في تخطيط الأعمال والنظريات المرتبطة بها، قلّلت من أهمية "الاستجابة في الوقت المناسب" وعززت من اعتماد خطط الطوارئ والبدائل. وبات من المرجح بشكل متزايد منح مفهوم المرونة أولوية مساوية للكفاءة التشغيلية. وهذا لا يعني فقط زيادة المخزون أو الاحتفاظ ببعض الطاقة الإنتاجية الاحتياطية، بل يشمل أيضًا إجراء تخطيط صارم للسيناريوهات وتوفير تدريب مكثف للموظفين لاختبار قدرة الفرق على الاستجابة لمختلف أنواع الأزمات أو غيرها من الأحداث غير المتوقعة. وربما يوجد نوعان من المديرين التنفيذيين للشركات، حيث يضم النوع الأول المديرين الذين يتوقعون تنفيذًا سلسًا لجميع الخطط الاستراتيجية التي يعرضونها في العروض التقديمية، بينما يضم النوع الثاني المديرين الذين يتوقعون حدوث اضطرابات. ودائمًا ما يكون النوع الثاني أكثر ملاءمة للعمليات الفعلية، لا سيما في ظل الفترة الحالية من الحروب التجارية، والتقلبات الجيوسياسية، والهجمات الإلكترونية المتواصلة.

198

| 06 يوليو 2025

الآفاق المختلفة لاقتصادات الحرب

كان الإنفاق العسكري الباهظ أحد عوامل انهيار الإمبراطوريتين الرومانية والإسبانية، واندلاع الثورة الفرنسية، حيث إن خوض حملات عسكرية لا نهاية لها، وغالبًا ما تكون خاسرة، قد يكلف الدولة ثمنًا باهظًا. وقبل القرن العشرين، كان الإنفاق العسكري الباهظ يتسبب عادةً في نفاد احتياطيات الذهب لدى الحكومات التي تخوض حملات عسكرية متواصلة، وهو ما كان يؤدي إلى إغراق الدولة في أزمات مستمرة. أما في عصر العملات الورقية والأسواق المالية المتطورة، باتت الاقتصادات الكبرى تتمتع بقدرة واسعة - وإن لم تكن مطلقة في نهاية المطاف - على الاقتراض لتمويل الحروب. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، واجهت ألمانيا واليابان قيودًا على قواتهما المسلحة فرضها الحلفاء، ولكن نتيجة لذلك استفاد البلدان من «عائد السلام» بعد الحرب، حيث حققت شركاتهما المصنعة التي تركز على التصدير أرباحًا هائلةً مع تحول الأسواق الاستهلاكية إلى الطابع العالمي خلال سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. ويختلف طابع اقتصاد الحرب، إلا أنه قد يكون مفيدًا للنشاط الاقتصادي، وإن كان ذلك يعتمد على نقطة البداية، وربما يحدث ذلك على المدى القصير فقط. ويمكن القول إن اندلاع الحرب العالمية الثانية ساهم بشكل كبير في إنهاء الركود الاقتصادي الحاد وارتفاع معدلات البطالة في ثلاثينيات القرن الماضي. فقد أدت الزيادات الهائلة في الإنفاق الحكومي في الاقتصادات الغربية إلى تحفيز الإنتاج الصناعي، وانخفاض معدلات البطالة، رغم أن هذه الاقتصادات كانت قد بدأت في التعافي قبل اندلاع الحرب، بينما ارتفع معدل الدين الحكومي بشكل حاد خلال فترات النزاع. وقد واجهت روسيا حملة عسكرية في أوكرانيا أطول وأكثر تكلفة بكثير مما كانت قد توقعته في عام ٢٠٢٢، وتعرضت لعقوبات صارمة من القوى الغربية. ومع ذلك، ورغم تأثر اقتصادها في بعض النواحي، فقد أثبت قدرًا ملحوظًا من الصمود. وأشار الدكتور ريتشارد كونولي، المتخصص في الاقتصاد الروسي في مقال نشره إلى وجود نقاط قوة معينة في الوضع الاقتصادي الروسي. كما أوضح أن الاقتصاد الروسي لا يتمتع بجميع سمات الاقتصاد الحربي، حيث لم تُجبر البلاد على فرض ضوابط على الأسعار أو السيطرة المركزية على الاقتصاد. وقد حافظت روسيا على إيرادات قوية من صادرات النفط، بينما لا يتجاوز الدين العام 15% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أدنى مستوى بين اقتصادات مجموعة العشرين. وعلى الرغم من ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، إلا أن العديد من الشركات والأسر يتمتعون بإمكانية الحصول على قروض مدعومة. ورغم وجود نقص في العمالة، إلا أن ارتفاع الأجور المصاحب لذلك، إلى جانب المدفوعات الكبيرة التي تُقدم لعائلات المجندين في الجيش، قد ساهما في تعزيز الطلب المحلي وتقليص التفاوتات الاقتصادية بين المناطق الروسية. كما ساهمت القيود التي فرضت على حركة رؤوس الأموال في التشجيع على زيادة الاستثمار داخل البلاد. وعلى الصعيد السياسي، دفع غزو روسيا لأوكرانيا العديد من الدول الأوروبية إلى زيادة إنفاقها العسكري. ويُعد التطور الأبرز في هذا السياق ما حدث في ألمانيا. فعلى مدى عقود، التزم القادة السياسيون في ألمانيا بسياسات مالية محافظة وبمستويات محدودة من الإنفاق العسكري. إلا أن هذا النهج قد تغير الآن مع موافقة البرلمان على تخفيف القيود الدستورية على الاقتراض. وتُحدث هذه الإجراءات تأثيرًا أشبه بالحافز الاقتصادي. فقد رفعت مؤسسة جولدمان ساكس من توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا بمقدار 0.2% هذا العام، وبنسبة تتراوح بين 0.5% إلى 1.5% لعام 2026. ومن النتائج الثانوية الأخرى لاقتصاد الحرب الحافز الناتج عن جهود إعادة الإعمار. ويمثل انتهاء الصراع في سوريا فرصة سانحة من هذا النوع. ومن المتوقع أن تحقق شركات البناء التركية، على وجه الخصوص، أرباحًا كبيرةً، بفضل قربها الجغرافي من سوريا. وقد شهدت أسعار أسهم شركات البناء والإسمنت التركية ارتفاعًا كبيرًا في شهر ديسمبر الماضي، عقب سقوط نظام الأسد. وفي عام ٢٠٢٣، أشارت تقديرات البنك الدولي إلى أن تكلفة الأضرار التي لحقت بالبيئة العمرانية في سوريا نتيجة الحرب الأهلية التي اندلعت في عام ٢٠١١ بلغت ١١.٤ مليار دولار. وقال فولكان بوزاي، الرئيس التنفيذي لجمعية صناعة الأسمنت التركية، في أعقاب تغيير النظام، إنه على الرغم من وجود تحديات سياسية ولوجستية قد تواجه عملية إعادة إعمار البنية التحتية السورية، إلا أن «الفرص كبيرة جدًا».

147

| 29 يونيو 2025

تأثيرات التعرفة الجمركية على التجارة العالمية

شهد شهر أبريل تطورات لافتة، أبرزها إعلان الرئيس الأمريكي ترامب عن فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات قبل أن يعلّقها لاحقًا، مما مهد الطريق لتحولات اقتصادية لاحقة أقل سرعة لكن ذات تأثير كبير على الاقتصادين الأمريكي والعالمي. حيث شهدت المحادثات بين الصين والولايات المتحدة في مايو اتفاقًا على خفض كبير للرسوم الجمركية المتبادلة، حيث خُفضت الرسوم الأمريكية على الصين من 145% إلى 30%، والصينية على الواردات الأمريكية من 125% إلى 10%، مع إعفاء الهواتف الذكية والتكنولوجيا المرتبطة بها من هذه الرسوم. لكن هذه التخفيضات مؤقتة وتستمر فقط لمدة 90 يومًا، ما يعني استمرار الضغط التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم. وقد تحول الكثير من الاهتمام إلى الوضع المالي عقب تخفيض وكالة موديز للتصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة الأمريكية في منتصف مايو من AAA إلى Aa1 وأشارت الوكالة إلى ارتفاع مستوى الدين العام إلى 36 تريليون دولار، مع عدم وجود مؤشرات واضحة على إمكانية كبحه، وإمكانية تعويض الحجم الهائل لهذا الدين بالكامل حتى مع القوة والعمق الكبيرين للاقتصاد الأمريكي والاستخدام العالمي للدولار. وقد وصلت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 30 عامًا إلى 5%. كما ارتفعت العوائد في العملات الرئيسية الأخرى. ويُعد ذلك مؤشرًا على انخفاض الثقة بشكل عام في الإدارة الاقتصادية والمالية. ويفاقم هذا الوضع من صعوبات الإدارة المالية في الولايات المتحدة عبر زيادة النسبة المرتفعة أصلاً من النفقات المُخصصة لخدمة الدين. وإلى جانب هذه الاتجاهات، هناك سمة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بها، وهي ارتفاع معدلات التضخم. وعلى مدار معظم العقدين الماضيين، ظل معدل التضخم في أسعار السلع منخفضًا، وذلك بفضل اندماج اقتصادات شرق آسيا، التي توفر صادرات صناعية رخيصة، في الاقتصاد العالمي. وقد توقف هذا الانخفاض بسبب اضطراب سلاسل التوريد الناجم عن اندلاع جائحة كوفيد-19 والغزو الروسي لأوكرانيا. وبدأ تضخم أسعار السلع في الانخفاض منذ عام ٢٠٢٣، ولكن باتت هناك ضغوطًا متصاعدةً الآن ناجمة عن الرسوم الجمركية والتوترات التجارية، وأصبح التضخم يتسم بنوع من «الثبات» أو «الجمود.» ولم يرتفع التضخم بشكل كبير حتى الآن، حيث سجل ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.1% ليصل إلى 2.4% في شهر مايو الماضي. ويُعدُ ارتفاع قيمة الأصول المادية مثل الذهب مؤشرًا على ضعف الثقة في العملات الورقية وهو ما يثير التوقعات بإمكانية حدوث ارتفاع في معدلات التضخم. ومن المرجح أن تبقى أسعار الفائدة عند مستوى مرتفع نسبيًا، نظرًا للضغوط الناجمة عن ارتفاع معدل التضخم، مع وجود توقعات برفع أسعار الفائدة. وقد أشار جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في خطاب ألقاه في منتصف مايو، إلى احتمال أن «يصبح التضخم أكثر تقلبًا في المستقبل». صحيح أن التضخم الثابت يساهم في تآكل المستوى الفعلي لديون القطاع العام، ويُعادل التخلف الجزئي عن السداد، إلا أنه له تبعاته وتكاليفه، حيث سيجد المسؤولون عن تحديد أسعار الفائدة صعوبة في احتواء التضخم من جهة أو تحفيز النمو الاقتصادي من جهة أخرى، وهو ما يُنذر بخطر حدوث حالة من الركود التضخمي. وفي غضون ذلك، بدأت المسائل العسكرية تطغى على قضايا التجارة والتعريفات الجمركية في المشهد الجيوسياسي. فبعد يومين فقط من محادثات لندن، تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران مع تبادل إطلاق الصواريخ، في ظل قناعة الحكومة الإسرائيلية بأن إيران تُسرّع خططها لتطوير أسلحة نووية. وفي 18 يونيو، وردت تقارير تُفيد بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان يستعد لشنّ ضربة هائلة باستخدام قنبلة «خارقة للتحصينات»، أقوى من أي قنبلة تمتلكها إسرائيل، لتدمير موقع يُشتبه بأنه مخصص لصناعة الأسلحة النووية في إيران. وقد تكون هذه التقارير مجرد ورقة ضغط تفاوضية، حيث أعلن ترامب بعد ذلك بوقت قصير عن تأجيل الضربات لمدة أسبوعين لإتاحة المجال للمحادثات. وقد ارتفع سعر النفط منذ تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران، من أقل من 65 دولارًا للبرميل في نهاية مايو إلى أكثر من 75 دولارًا بحلول منتصف يونيو، وهو ما فاقم من الضغوط التضخمية. ومن المستحيل التنبؤ بحدة هذا الصراع ومدته، ولا بآثاره السياسية والاقتصادية الأوسع نطاقًا على المنطقة والعالم، وهو ما يضيف مزيدًا من الغموض إلى حالة عدم اليقين العالمية المتفاقمة أصلاً.

687

| 24 يونيو 2025

الخطوط القطرية: بين الطموح والهدوء المدروس

في عام 2024، شهد قطاع الطيران الدولي نقطة تحول مهمة حيث تجاوزت معدلات السفر الجوي المستويات المسجلة قبل تفشي جائحة كوفيد-19، مع زيادة حركة النقل الجوي على مدار العام بنسبة 3.8% مقارنة بالمستويات المسجلة في عام 2019، وفقًا للبيانات الصادرة عن الاتحاد الدولي للنقل الجوي. ومع تعافي قطاع الطيران، تستحوذ شركات الطيران والمطارات في الشرق الأوسط على حصة متزايدة من الأعمال الدولية. وتُعد ثروة المنطقة، وموقعها الاستراتيجي القريب من ثلاث قارات، وطموحات شركات الطيران فيها، من العوامل المؤثرة في حدوث ذلك. ويواجه قطاع الطيران الأوروبي ضرائب بيئية أعلى، ولا تستطيع شركات الطيران في القارة التحليق فوق المجال الجوي الروسي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. كما أن أوروبا الغربية مكتظة بالسكان، وهو ما يُصعّب من عملية توسيع المطارات. وقد شهدت شركة الخطوط الجوية القطرية نموًا ملحوظًا في حجمها وسمعتها خلال السنوات الأخيرة. وفي مقابلة أُجريت معه خلال شهر مارس الماضي، صرح المهندس بدر محمد المير، الرئيس التنفيذي، بأن الشركة أجرت محادثات مع كبرى شركات صناعة الطائرات بهدف زيادة الطاقة الاستيعابية للشركة من 50 مليون مسافر سنويًا إلى 80 مليون مسافر بنهاية العقد. وسيتبع ذلك توقف متعمد في أي توسعات مستقبلية. وبحلول ذلك الوقت، ستبلغ الطاقة الاستيعابية لمطار حمد الدولي في الدوحة الحد الأقصى. وفي منتصف شهر مايو، أكدت الخطوط الجوية القطرية طلبية كبرى مع شركة بوينج لشراء ما يصل إلى 210 طائرات بوينج من طراز 777X و787 دريملاينر في صفقة بقيمة 96 مليار دولار، جرى الإعلان عنها خلال زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى الخليج. كما أعلنت مجموعة الخطوط الجوية القطرية خلال شهر مايو الجاري عن أقوى نتائجها المالية على الإطلاق، بتحقيقها لأرباح سنوية بلغت 7.85 مليار ريال قطري (2.15 مليار دولار أمريكي) للسنة المالية 2024-2025. ويمثل ذلك زيادة بأكثر من 1.7 مليار ريال قطري (500 مليون دولار أمريكي) مقارنة بالسنة المالية 2023-2024. وسجلت الشركة القطرية للشحن الجوي، إحدى وحدات المجموعة، زيادة في الإيرادات بنسبة 17%. وقال المهندس بدر محمد المير خلال المقابلة التي أجراها مع جريدة الفاينانشال تايمز في شهر مارس الماضي إن جودة الخدمة لدى بعض شركات الطيران الأخرى قد تدهورت مع توسعها السريع، مشددًا على أهمية خدمة العملاء في هذا القطاع. وتسعى العديد من شركات الطيران إلى زيادة قوة وموثوقية اتصالات شبكة الواي فاي للركاب، على سبيل المثال باستخدام شبكة ستارلينك الفضائية. ويعني هذا الالتزام بالخدمة وأحدث تكنولوجيا الاتصالات أن شركة الخطوط الجوية القطرية ستحتاج إلى تشغيل أحدث الطائرات على خطوطها. ونظرًا لحجم أسطولها الضخم، وخضوع طائراتها لصيانة جيدة تتيح لها إمكانية البقاء في الخدمة لمدة 20 عامًا، يتيح هذا الأمر المجال أمام افتتاح ذراع لتأجير الطائرات، حيث يمكن تأجير الطائرات الأقدم لشركات الطيران منخفضة التكلفة. وتُعد الدوحة مركزًا مناسبًا لشركات تأجير الطائرات، حيث تتمتع بأعلى معايير صيانة الطائرات. وفي مجال الطيران، من المتوقع تحسن خدمة العملاء بفضل التكنولوجيا عبر استخدام الروبوتات والذكاء الاصطناعي لتسهيل إجراءات التخليص الأمني في المطارات. ويُعد تفتيش حقائب السفر والجيوب أمرًا مزعجًا للمسافرين، لكن التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي تُتيح إمكانية تحديد المواد المحظورة عبر صور الأشعة السينية، بينما يُمكن لتقنية التعرف على الوجه تحديد الأشخاص المُدرجين على قوائم المراقبة. ولعدة عقود، كانت بوينج وإيرباص الموردَين الرئيسيين للقطاع، ولا تزالان تُهيمنان عليه. فهل سيتغير هذا النمط في المستقبل؟ وقد برزت شركات السيارات الصينية بصفتها أطرافًا مؤثرةً عالميًا، لا سيَّما في سوق السيارات الكهربائية، وقد يطرأ تطور مماثل في قطاع الطيران. وتمتلك شركة كوماك الصينية الحكومية لتصنيع الطائرات طائرات مدنية قيد الاستخدام التجاري. وتُسيّر شركات الطيران الصينية طائرة الركاب النفاثة ضيقة البدن C919 على الرحلات الداخلية، وهي قيد الاعتماد للرحلات الدولية. أما طائرة C929 عريضة البدن، فهي قيد التطوير. وسيكون من المنطقي أن نتوقع نمو الحصة السوقية لشركة كوماك خلال السنوات القادمة. ويشهد مركز الثقل في صناعة الطيران تحولاً من أوروبا وأميركا نحو آسيا، ومن المرجح أن يستمر النمو العالمي، ولكن كما هو الحال مع أي صناعة، من الصعب التنبؤ بالاضطرابات المستقبلية والتطورات الأخرى.

360

| 26 مايو 2025

alsharq
TOT... السلعة الرائجة

كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...

5349

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

4737

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

4167

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
الذاكرة الرقمية القطرية.. بين الأرشفة والذكاء الاصطناعي

في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها...

1776

| 07 أكتوبر 2025

alsharq
بكم نكون.. ولا نكون إلا بكم

لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة...

1458

| 08 أكتوبر 2025

1284

| 08 أكتوبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

1017

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

900

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
هل قوانين العمل الخاصة بالقطريين في القطاعين العام والخاص متوافقة؟

التوطين بحاجة لمراجعة القوانين في القطــــاع الخـــــاص.. هل...

780

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

777

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
لا يستحق منك دقيقة واحدة

المحاولات التي تتكرر؛ بحثا عن نتيجة مُرضية تُسعد...

729

| 07 أكتوبر 2025

alsharq
بين دفء الاجتماع ووحشة الوحدة

الإنسان لم يُخلق ليعيش وحيداً. فمنذ فجر التاريخ،...

720

| 06 أكتوبر 2025

أخبار محلية