رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في بداية العام، بدا أنه رغم كون الأصول الاستثمارية الأمريكية، وخاصةً الأسهم، مُبالغًا في قيمتها وفقًا للمقاييس التقليدية، إلا أنه لم تكن هناك بدائل واضحة أو مُقنعة لهذه الأصول. وكان لابد من وجود مُحفز، أو مُحفزات، لتحفيز عملية التحويل الكبير للاستثمارات نحو أسواق أخرى. والآن، برزت هذه المُحفزات وهي: سياسة التعريفات الجمركية والمخاوف المُرتبطة بها فيما يتعلق بالحوكمة المالية الأمريكية. وقد تفجرت هذه المخاوف منذ «يوم التحرير» الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتاريخ 2 أبريل، والذي تعهد فيه بفرض تعريفات جمركية مرتفعة للغاية على العديد من الدول. وقد تم تعليق العمل ببعض هذه التعريفات، ولكن بشكل عام، لا تزال هذه السياسة حمائية - وغير قابلة للتنبؤ. وفي الأسبوع الثاني من شهر أبريل، دخلت عبارة «التحول إلى الأسواق الناشئة» (EM-ification) قاموس المتداولين الماليين لوصف الاقتصاد الأمريكي، وفقًا لصحيفة الفاينانشال تايمز. وقد بدأت الولايات المتحدة، بسياساتها المتقلبة، وديونها المرتفعة، والتمجيد الشخصي لزعيمها السياسي، تُظهر سمات ارتبطت تقليديًا باقتصاد نامٍ ذي مؤسسات ضعيفة، ويمكن السيطرة عليه من قِبل زعيم يتمتع بشخصية كاريزمية. ولم يعد الاستثمار في السندات أو الأسهم الأمريكية خيارًا محايدًا وآمنًا. ولذلك، رغم أنه من غير المألوف أن يُظهر الدولار الأمريكي ضعفًا، إلا أن الجديد هو انخفاضه بالتزامن مع الانخفاض الأكثر خطورة في أسعار الأصول الاستثمارية، وبالتالي بدأ الدولار في فقد مكانته باعتباره ملاذًا آمنًا للاستثمار. وهذا وضع لم يكن يتوقعه أحد تقريبًا في الأسواق المالية قبل شهرين فقط. ولا يزال الدولار الأمريكي أهم عملة تداول واحتياطي عالمي، لكن بعض السمات التي دعمت هذا الوضع بدأت في التراجع. ولدى أوروبا فرصة تاريخية، بسبب الحاجة إلى تمويل برامج إعادة التسلح، بالنظر إلى ابتعاد إدارة ترامب عن الأمن الأوروبي، والصراع المستمر في أوكرانيا والتهديد الروسي. حيث يستعد أكبر اقتصاد في أوروبا للتوسع المالي والاقتصادي على نطاق أوسع. وقد تحسنت آفاق النمو الاقتصادي في أوروبا بشكل ملحوظ. وردًا على الحرب التجارية، توقفت الصين عن شراء طائرات بوينج، وهو ما يمثل فرصة لصناعة الطيران الخاصة بها ولشركة إيرباص الأوروبية. وقبل أكثر من عقد بقليل، تعرض اليورو لأزمة كبرى، عندما سمحت منطقة اليورو لبعض الاقتصادات، ولا سيما لليونان، بالانضمام إلى نظام العملة الموحدة رغم ضعف التقارب الاقتصادي وضعف الضوابط على الاقتراض. وكانت برامج التقشف التي أعقبت الأزمة قاسية، ولكن تم التغلب على المشاكل إلى حدٍ كبير. ويُضاهي الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي نظيره في الصين. وبالإضافة إلى عملته الفعالة، يتمتع الاتحاد بمؤسسات ديمقراطية وشركات عالمية، لا سيما في قطاعات الأدوية والخدمات المصرفية والفضاء وصناعة السيارات. وقد كان النمو في منطقة اليورو بطيئًا، ولكن من المرجح أن يكون للتحفيز المالي الألماني تأثيره. وقد تخسر الولايات المتحدة الأمريكية رأسمال بشريا ثمينا، بالإضافة إلى إمكانياتها المالية. فقد كان لهجمات الرئيس الجديد على استقلال الجامعات الأمريكية، والتخفيضات الفيدرالية في مخصصات تمويل البحث العلمي، تأثيرٌ بالغ. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد تبوأت موقع الصدارة في مجال التميز البحثي، وفي استقطاب ألمع العقول من جميع أنحاء العالم، الذين أصبح بعضهم قادة أعمال في مجال التكنولوجيا المتقدمة لسنوات طويلة، ولكن هذا الوضع قد يتجه نحو التراجع. فقد أفاد استطلاع للرأي نُشر في مجلة «نيتشر» العلمية خلال شهر مارس الماضي أن 75% من الباحثين في الجامعات الأمريكية كانوا يفكرون في الانتقال إلى دول أخرى. وكانت الرغبة في المغادرة قوية بشكل خاص بين الباحثين المبتدئين، حيث بلغت النسبة قرابة 80%. وشمل الاستطلاع حوالي 1600 باحث. بالإضافة إلى ذلك، يُثير عداء نظام ترامب تجاه المهاجرين غير الشرعيين شعورًا بالخوف. في هذا السياق العالمي المتغير، تبرز أهمية أن تُعيد الاقتصادات النامية، مثل قطر، تقييم استراتيجياتها الاستثمارية والتجارية. ومع تراجع جاذبية السوق الأمريكية كمركز للاستقرار المالي والبحثي، تفتح هذه التحولات فرصًا لقطر لتعزيز شراكاتها مع أوروبا وآسيا، والاستفادة من التحول الاستثماري العالمي نحو أسواق أكثر تنوعًا وموثوقية. كما أن مكانة قطر المستقرة اقتصاديًا، وسياساتها الداعمة للتعليم والبحث والابتكار، قد تجعلها بيئة جاذبة للمواهب ورؤوس الأموال الباحثة عن البدائل الآمنة في عالم بات أقل يقينًا.
834
| 28 أبريل 2025
تتمتع قطر بوضع مالي وتجاري جيد، حيث تُصدّر الغاز الطبيعي المسال، في الغالب إلى الدول الآسيوية والأوروبية. ولذلك، فهي لا تتأثر بشكل مباشر وكبير بزيادة الرسوم الجمركية التي فرضها نظام الرئيس دونالد ترامب، خاصةً بالمقارنة مع اقتصاد قائم على التصنيع مثل الصين وفيتنام. وتواجه دول الخليج رسومًا جمركية نسبتها 10%، وتتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة، وهي ليست من كبار مستوردي المنتجات الأمريكية. ومع ذلك، نظرًا لحجم الاقتصاد الأمريكي والزيادة النسبية في الرسوم الجمركية، ستشعر جميع الاقتصادات ببعض الآثار الناجمة عن هذا القرار، حتى بعد الإعلان عن تعليق العمل بهذه الرسوم والإعفاءات الأخيرة، يتجاوز متوسط معدل الرسوم الجمركية 20%. ويُعد النفط والغاز الطبيعي المسال المصدرين الرئيسيين للصادرات في المنطقة، وهما معفيان حاليًا من الرسوم الجمركية الأمريكية، إلا أن الصدمة السلبية الناجمة عن تطبيق نظام الرسوم الجمركية الأمريكي قد أضرت بالتجارة العالمية وآفاقها، وهو ما أدى إلى انخفاض أسعار النفط. وبحلول منتصف أبريل، بلغ سعر برميل خام برنت حوالي 65 دولارًا، بانخفاض من حوالي 80 دولارًا في بداية العام. ويظل هذا أعلى من سعر التعادل لميزانية لدولة قطر، وهو 60 دولارًا للبرميل. ومع ذلك، ووفقًا لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني، فإن قطر، التي حصلت على تصنيف استثماري AA، تتمتع باحتياطيات جيدة، ونسبة دين منخفضة قياسًا بالناتج المحلي الإجمالي، حيث تقل هذه النسبة عن 50% مقارنةً بأعلى مستوى لها عند 85% في عام 2020، بالإضافة إلى أصول كافية لتحمل جميع آثار انخفاض أسعار النفط، إلا إذا حدث انخفاض في الأسعار لفترة طويلة. وأشارت وكالة فيتش إلى ارتفاع صافي الأصول الأجنبية السيادية القطرية، والنسبة المرتفعة بشكل استثنائي لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ومرونة هيكل المالية العامة. وتتوقع الوكالة أن يبلغ فائض الموازنة العامة للحكومة القطرية حوالي 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، بما في ذلك دخل الاستثمار المقدر من الأصول الخارجية لجهاز قطر للاستثمار، وحوالي 0.9% بدونه. ومن بين دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، تبدو البحرين وحدها في وضع هش، بسعر تعادل يتجاوز 100 دولار للبرميل وديون أعلى. بينما يتجاوز سعر التعادل للسعودية 90 دولارًا، لكنها دولة غنية ولديها مجال لخفض الإنفاق الرأسمالي. وقد أحرزت المنطقة بعض التقدم في التنمية الاقتصادية غير النفطية، على سبيل المثال في قطاعيّ الطاقة المتجددة والسياحة. وكانت أسواق الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي قد سجلت انخفاضًا حادًا في أوائل شهر أبريل الجاري ثم تعافت، بما يتماشى مع ما حدث في أسواق الأسهم الأخرى. وترتبط عملات دول الخليج بالدولار، ويرغب نظام ترامب في خفض قيمة الدولار لدعم الصادرات، وهو ما سيدعم أيضًا صادرات دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن إذا أدت الرسوم الجمركية إلى ارتفاع التضخم، فقد يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار. ويرتكز معظم القطاع الخاص في قطر على أنشطة خدمية داخلية مثل التجارة، الضيافة، البناء، والسياحة، وهي قطاعات لا تعتمد على التصدير. لذلك، يبقى تأثير الرسوم الجمركية محدودًا على هذا القطاع، خاصة في ظل استقرار الطلب المحلي واستمرار الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية وتنمية السياحة الخليجية والإقليمية. أما القطاع العام، فيقود الصادرات القطرية من خلال الغاز الطبيعي، والبتروكيماويات، والأسمدة، وغيرها من المنتجات الصناعية. ومع أن بعض هذه الصادرات غير خاضعة حاليًا للرسوم الأمريكية، إلا أن أي ركود اقتصادي عالمي — خاصة في دول مستوردة رئيسية مثل بنغلاديش والهند وكوريا — قد يؤدي إلى تراجع في الطلب. ومع ذلك، فإن انخفاض مستويات المديونية في القطاع العام يمنحها مرونة عالية وقدرة كبيرة على امتصاص الصدمات الخارجية. وكان رد فعل الصين على النظام المتقلب للتعريفات الجمركية في الولايات المتحدة، ترسيخ مكانتها باعتبارها شريكًا تجاريًا أكثر استقرارًا وموثوقية من الولايات المتحدة. وقد يُسهم تعزيز التجارة بين الصين والاقتصادات غير الأمريكية في منع حدوث ركود عالمي، ومنع انخفاض أسعار النفط إلى مستويات منخفضة مستدامة، إلا أن مستوى عدم اليقين الحالي في عملية صنع السياسات يبدو مرتفعًا. ومن المقرر أن يزور الرئيس ترامب دول الخليج في منتصف مايو. وسيكون من المثير للاهتمام متابعة نتائج هذه الزيارة وأثرها على التجارة بين دول الخليج والولايات المتحدة.
498
| 21 أبريل 2025
مع الانخفاض الحاد في أسواق الأسهم عقب إعلان الرئيس دونالد ترامب في 2 أبريل عن فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات الأمريكية من 185 دولة، وصلت مؤشرات عدم اليقين في السوق إلى مستويات مماثلة لتلك التي أعقبت انتشار جائحة كوفيد-19 وعمليات الإغلاق في أعقاب اندلاع هذه الجائحة. وبعد أسبوع، دخل قرار فرض الرسوم الجمركية حيز التنفيذ، بما في ذلك فرض رسوم إضافية بنسبة 50% على الصين، ليصل معدل الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات القادمة منها إلى 104%. ومع ذلك، بعد ساعات فقط من إصدار إعلانه، أعلن الرئيس ترامب مجددًا عن تعليق معظم الرسوم الجمركية المرتفعة المفروضة على كافة الدول لمدة 90 يومًا، باستثناء الصين، التي فُرضت عليها رسوم جمركية أعلى بنسبة 125%. وأعلنت الصين عن فرض رسوم جمركية انتقامية مماثلة على الواردات الأمريكية واتباع نهج جريء، مؤكدةً أنها «ستقاتل حتى النهاية». وارتفعت أسواق الأسهم مع الإعلان عن تعليق فرض الرسوم الجمركية، مع أن مستوى الرسوم الجمركية الأمريكية، حتى بعد انتهاء فترة التعليق، لا يزال عند أعلى مستوى له منذ ما يقرب من 100 عام، بمعدل فعلي متوسط يبلغ حوالي 20%. وبدأ انتعاش سوق الأسهم قبل الإعلان الرسمي، وهو ما يشير إلى وجود مستوى من التداول الداخليInsider trading. ثم انخفضت الأسهم في اليوم التالي. ويمثل هذا تحوّلاً جذريًا في الاقتصاد العالمي. فقد دعا الرئيس دونالد ترامب إلى وضع حدٍّ لسياسات التجارة العالمية الحرة نسبيًا التي سادت خلال العقود القليلة الماضية. وقبل انتقاد هذه السياسة وآثارها المحتملة، من الضروري الاعتراف بأن هناك مشاكل حقيقية تتعلق بعدم المساواة والتوازن الاقتصادي، والتي تسعى سياسة التعريفات الجمركية إلى معالجتها. وقد تراكمت اختلالات تجارية ومالية هائلة على مر السنين، حيث ارتفع معدل الاقتراض والاستهلاك في الولايات المتحدة، بينما تتبنى الدول المُقرضة، ولا سيَّما الصين، نموذجًا اقتصاديًا قائمًا على التصدير. وقد ازداد ثراء العديد من الأفراد والشركات، لكن الاختلالات وأوجه عدم المساواة ازدادا أيضًا. ورغم أنه من المهم فهم هذه القضايا، فمن غير الواضح ما إذا كانت التعريفات الجمركية الشاملة المرتفعة، وطريقة الإعلان عنها والاستمرار في تغييرها أو تعليقها، ستكون فعالة. ويتضح جليًا عدم فهم آلية عمل التجارة العالمية. ويرى الرئيس ترامب وفريقه أن تحقيق إحدى الدول لفائض تجاري مع الولايات المتحدة يُعدّ غشًا، وأن هذا التوازن أشبه بخسارة مالية في حساب الربح والخسارة، وهذا غير صحيح؛ فلن تكون الولايات المتحدة بالضرورة أكثر ثراءً لو كان لديها فائض تجاري مع جميع الدول. ومن المنطقي أن تتخصص كل دولة فيما تستطيع إنتاجه بكفاءة وفعالية، بناءً على مواردها الطبيعية ومهاراتها وبنيتها التحتية وقدراتها التجارية، وما إلى ذلك، ثم تتبادل التجارة فيما بينها. ويمكن استخدام التعريفات الجمركية الانتقائية والدعم الحكومي للتخفيف من الأثر الاجتماعي عندما يكون للميزة التنافسية لدولة ما تأثير بالغ على التوظيف في دولة أخرى. وهذا نهج مختلف تمامًا عن سياسة الرئيس ترامب. وسيقول البيت الأبيض إن اضطرابات السوق قصيرة الأجل ثمنٌ يجب دفعه مقابل تحقيق مكاسب طويلة الأجل، وأنه نتيجةً لذلك، سيتم استثمار الإنتاج الأمريكي ونقله إلى الداخل. وبالمعنى الضيق، قد يحدث هذا في بعض القطاعات فقط، ولكن السياسة تتجاهل سوق التصنيع والعمالة. وقد انهارت أسواق الأسهم لأن نموذج أعمال العديد من الشركات العالمية متعددة الجنسيات، بما فيها الشركات الأمريكية العملاقة، قد تزعزع بسبب الإعلان عن رسوم جمركية مرتفعة وواسعة النطاق. وهذا ليس رد فعل غير منطقي. وتزدهر الشركات بفعل معرفتها للقواعد ومعدلات الضرائب، وهو ما يُمكّنها من اتخاذ قرارات استثمارية ووضع خطط ميزانيات سنوية. ويُعدّ عدم اليقين في حد ذاته عاملاً من عوامل الركود. كما أن اللجوء إلى التهديدات والإغراءات يُقوّض الثقة. وقد رضخ الرئيس ترامب للضغوط الناجمة عن انخفاض أسواق الأسهم، والتحذيرات بشأن الركود، التي جاء بعضها من قادة الأعمال ومن داخل حزبه الجمهوري. ولعل العامل الأكبر وراء تغيير سياسته هو بيع سندات الخزانة الأمريكية، وما تبعه من ارتفاع في العائدات، مما زاد من تكلفة تمويل عجز الموازنة. ومن غير المألوف انخفاض قيمة الأسهم والسندات الأمريكية في آن واحد، وهو أمر قد يشير إلى تراجع الثقة في الولايات المتحدة. النظام العالمي الجديد الذي فرضه نظام ترامب، الذي يتميز بالارتفاع الواضح في التعريفات الجمركية، والانخفاض في التدفقات التجارية، والتوتر بين القوى العالمية، وسياسة حافة الهاوية، يُنبئ بأن يكون أقل استدامةً وأكثر ضررًا.
951
| 15 أبريل 2025
أصيب المراقبون الذين اعتقدوا أن دونالد ترامب سيكون مقيدًا خلال ولايته الثانية في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية كما كان الحال في فترة ولايته الأولى بصدمة قاسية. حيث يؤمن جميع أعضاء حكومته إيمانًا راسخًا بأيديولوجية «لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا»، وقد تضمنت أيامه الخمسون الأولى سلسلة من التصريحات تندرج جميعها ضمن النهج المتمثل في التوجه نحو الأيديولوجية الانعزالية والحمائية. ويرى ترامب أن السياسة في المقام الأول عبارة عن مسألة عقد صفقات، باستخدام التهديدات والإغراءات، لا الدبلوماسية أو بناء التحالفات. وينظر إلى التجارة العالمية من منظور الرابحين والخاسرين، لا من منظور الترابط. ولم يتسبب مدى عدائه لحلفاء الولايات المتحدة السابقين، بما في ذلك كندا والمكسيك وأوكرانيا والدول الأوروبية، في حدوث صدمة لقادة تلك الدول والعديد من المراقبين فحسب، بل تسبب في قلب حالة الوحدة النسبية في الدول الغربية التي استمرت لعقود طويلة رأسًا على عقب. وقد أشار بعض المراقبين إلى أن الرئيس ترامب يُعيد عظمة أوروبا بدلاً من جعل أمريكا عظيمةً مجددًا. وقد دفعت سياسته، التي تمثلت في إنهاء التحالف الغربي تقريبًا، إلى اتخاذ خطوات نحو تعزيز التعاون في التمويل، والإنفاق الدفاعي، والسياسات الأمنية المشتركة في جميع أنحاء أوروبا. ويمتد هذا التعاون الوثيق إلى تركيا والمملكة المتحدة، وهما دولتان غير عضوتين في الاتحاد الأوروبي. وقد حدث التغيير الأبرز في سياسة ألمانيا؛ فقد تغيّر نهجها تجاه الاقتراض والإنفاق العام والإنفاق الدفاعي والأمني خلال الشهر الماضي أكثر مما كان عليه خلال الثمانين عامًا الماضية (مع اعتبار ألمانيا الغربية قبل عام ١٩٩٠ وألمانيا ما بعد التوحيد وحدة واحدة، من حيث استمرارية السياسات). وفي بداية شهر مارس، اتفق المستشار الجديد فريدريش ميرتس والحزب الديمقراطي الاجتماعي على إنهاء سياسة كبح الدين التي تُقيّد الاقتراض العام، بهدف تعزيز الإنفاق على البنية التحتية والدفاع. وتتمتع الدول الأوروبية بخبرة واسعة في التصنيع والتكنولوجيا الدفاعية، وإذا تعاونت بفعالية، ستتمكن من بناء قدرات عسكرية ضخمة. لكنها تعتمد حاليًا بشكل كبير على الولايات المتحدة، ليس فقط في المعدات والأفراد المسلحين، بل أيضًا في الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. ووفقًا لخبراء الدفاع، سيستغرق استقلال أوروبا التام عن الولايات المتحدة في القدرات الدفاعية سنوات، وليس أشهرا معدودة. وفيما يتعلق بالاقتصاد، ليس من المؤكد ما إذا كانت سياسة الرسوم الجمركية تُسهم في إعادة بناء قطاع التصنيع الأمريكي، وبالتالي الاقتصاد الأمريكي. فعلى سبيل المثال، سيُخفف بعض العبء عن منتجي الصلب الأمريكيين، وتبدو الولايات المتحدة مستعدة بشكل أفضل من الدول الصغيرة لمواجهة الحروب التجارية؛ حيث إنها تضم أراضي شاسعة ذات موارد طبيعية هائلة. ومن المفاهيم الخاطئة الشائعة افتراض أن أمريكا كانت دائمًا دولة تعتمد على نظام السوق الحرة. فعلى سبيل المثال، فرضت واشنطن رسومًا جمركية مرتفعة على الواردات في أواخر القرن التاسع عشر وفي ثلاثينيات القرن العشرين. ومن الأمور المُعقّدة في هذه الحالة استخدام الرئيس ترامب للرسوم الجمركية، أو التهديد بفرضها، باعتباره نهجًا في المفاوضات بشأن القضايا غير الاقتصادية. وعلاوة على ذلك، فقد تراجع ترامب عن مواقفه مرارًا، وهو ما يُصعّب من مسألة التخطيط للأعمال. ومن المستحيل التنبؤ بالتأثير طويل المدى لتراجع القوة الناعمة للولايات المتحدة، حيث لا يستطيع الرئيس ترامب تحقيق أهدافه في كل شيء، ودائمًا ما تكون هناك عواقب غير متوقعة للتحولات السياسية الكبرى، وضعف الثقة الناجم عن أساليب الترهيب والرشوة في العلاقات الدولية. ومن المرجح أن تُطوّر الدول المتأثرة بالرسوم الجمركية الأمريكية حلولاً بديلة. ويرغب ترامب في العودة إلى إنتاج الوقود الأحفوري، لكن بقية العالم قد يشتري ببساطة السيارات الكهربائية الصينية التي تعمل بالكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة، وهو ما يحدث بالفعل، إلى حد ما، في دول الشرق الأوسط وبعض الدول الأوروبية. فهل سيبقى نهج ترامب؟ في الخفاء، لا تزال هناك علاقات وثيقة بين العديد من السياسيين الأمريكيين، بمن فيهم الجمهوريون، ونظراؤهم الأوروبيون، وتلوح بعض المؤشرات على كبح توجهات ترامب من حين لآخر. لذا، قد يتبين أن سياسات «لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا» مؤقتة. وحتى لو كانت كذلك، فإن بقية العالم يمضي قدمًا، وقد يجد الرئيس الأمريكي القادم أن بناء التحالفات بات أصعب من تفكيكها.
708
| 24 مارس 2025
تصدرت إدارة ترامب الجديدة عناوين الأخبار، وخاصة بعد تعيين الملياردير إيلون ماسك لشغل منصب رئيس إدارة كفاءة الحكومة، ويبدو عازمًا على تقليص عدد الموظفين والبيروقراطية. وقد حازت هذه الخطوة بالفعل على ردود فعل سلبية، ليس فقط من قبل المعارضين السياسيين والموظفين المدنيين، ولكن أيضًا من رؤساء الإدارات الفيدرالية التي عينها ترامب نفسه. ولكن هل هناك ما يبرر تقليص أعداد الموظفين الحكوميين، وأعداد اللوائح التنظيمية، في الولايات المتحدة وفي أغلب بلدان العالم؟ ففي العديد من مؤسسات القطاع العام قد يكون هناك ميل إلى زيادة اللوائح التنظيمية، والمتطلبات غير المعقولة بسبب الالتزام النظري بالقوانين، وأحيانًا يدعم هذا التوجه الشركات الاستشارية التي تضم مستشارين يكسبون عيشهم من المساعدة في الامتثال لتلك اللوائح. وقد يؤيد قِلة من الناس عدم فرض أي قيود تنظيمية، نظرًا لأن ذلك قد يؤدي إلى كوارث بيئية مثل تسميم الشواطئ بالنفايات السامة أو ارتفاع معدلات الحوادث على الطرق. ولكن حتى الأشخاص الذين يؤيدون بشدة فرض القيود التنظيمية يدركون أن كثرة القوانين، وخاصة إذا كانت تتضمن تعبئة استمارات غير ضرورية، لا تضر بالإنتاجية فحسب، بل إنها قد تتسبب كذلك في حدوث نتائج عكسية. فقد تعني زيادة الوقت الذي يقضيه الناس في تعبئة الاستمارات تقليص الوقت الذي يخصصونه للأمور التشغيلية، بما في ذلك السلامة وغيرها من جوانب العمل المسؤول. كما تتضرر مصداقية القيود التنظيمية مع كل قاعدة غير ضرورية، أو عندما لا يكون الأساس المنطقي لتطبيقها واضحًا، أو لا يغطي جميع الحالات. ولكن من ناحية أخرى، قد تتسبب الجهود الرامية إلى الحد من البيروقراطية وتحسين الكفاءة في حدوث نتائج عكسية أيضًا. وتنبع الكفاءة الحقيقية من الاحتفاظ بالأشخاص والتدابير الضرورية فقط. وهنا يكون قرب المسؤولين مما يحدث في الواقع مهم، وعدم الاعتماد على التقارير أو المستشارين فقط. وبالنسبة للقوانين، يتعين أن يكون هناك مستوى مثالي، وأساس واضح ومفهوم جيدًا لكل قانون يجب على الشركات والمواطنين الالتزام به. وفي الغالب، يحقق المسؤولون في قطر ذلك، حيث تبدو ردود فعل العملاء على الخدمات الحكومية في قطر إيجابية بشكل عام، ولكن هناك بعض الشكاوى حول الوقت الذي تستغرقه بسبب البيروقراطية، وتأثيرها على سير الأعمال، وعدم وجود تواصل حقيقي سريع بين بعض الجهات الحكومية. وقد يتطلب التقدم بطلبات الحصول على تراخيص البناء في قطر، ومتطلبات الدفاع المدني، وتأسيس شركة، قضاء وقت طويل في تعبئة الاستمارات ونماذج الطلبات، ولا يكون الأساس المنطقي لكل عملية واضحًا دائمًا، وبعض الموافقات الحكومية تأخذ وقتاً طويلاً دون أي سبب مقنع، مما يضر الأعمال ونمو الاقتصاد. ويشترط على العديد من الشركات أن يكون لديها معدات نقاط البيع حتى وإن لم تكن لديها معاملات للبيع بالتجزئة. وقد يؤدي إلغاء بعض هذه القواعد إلى مساعدة قادة الأعمال في التركيز على الامتثال للقواعد التي تعتبر أساسية بوضوح. وأيضاً تحرير القطاع المصرفي في قطر من القوانين والتنظيمات الصارمة ضروري لتعزيز المنافسة، والابتكار، وجذب الاستثمارات، وتحفيز الاقتصاد المحلي. وهناك طريقتان يمكن أن تساهما في الحد من البيروقراطية المفرطة وهما بنود انقضاء الصلاحية، ومبدأ «الامتثال أو التفسير». ويتمثل بند الانقضاء في تاريخ انتهاء صلاحية القاعدة التنظيمية: فبعد خمس سنوات على سبيل المثال، تصبح القاعدة غير سارية ويجب تقديم الحجة لإعادة تطبيقها. ويمكن أن يساعد هذا الأمر في منع تراكم القواعد التنظيمية التي تصبح عتيقة وغير ذات صلة. فعلى سبيل المثال، تم إقرار بعض القوانين في قطر في تسعينيات القرن العشرين ولا تزال مطبقة إلى الآن. ويُستخدم نهج «الامتثال أو التفسير» في بعض قواعد حوكمة الشركات: فقد تنحرف الشركة عن اتباع ممارسة موصى بها بشكل قانوني، ولكن من المتوقع منها أن توضح السبب وراء ذلك. ويجسد هذا مفهوم فهم وتفسير الأساس المنطقي لممارسة معينة، ويتجنب الإجراءات العقابية في حالة حدوث الانتهاكات البسيطة. وقد لا تكون مثل هذه الأساليب مناسبة لتدابير السلامة الأساسية، ولكنها قد تكون فعالة في سياقات أخرى. استجابةً للتحديات الاقتصادية الحالية، يمكن أن يسهم تعيين ‹قيصر الكفاءة›، تحت إشراف رئيس مجلس الوزراء، في تسريع الإصلاحات الحكومية، والحد من البيروقراطية، وتحسين كفاءة الأداء الإداري، مما يسهم في تحسين بيئة الأعمال وتحفيز التنمية الاقتصادية لتعزيز الاستثمار المحلي والأجنبي ودعم نمو القطاع الخاص.
483
| 18 مارس 2025
تشكل المياه أهمية بالغة بدرجة لا يمكن التسامح مع الفشل في إدارتها، ولكنها تنتشر في كل مكان في بعض أجزاء العالم إلى الحد الذي يجعلنا نعتبر توافرها أمرًا مسلمًا به. وربما يتغير هذا الوضع، حيث بات عدد متزايد من الحكومات والشركات والمستثمرين والوكالات الدولية يدركون الأهمية الأمنية للمياه. وفي العام الماضي، استضافت قمة دولية كبرى حلقة نقاش إستراتيجية بشأن المياه، في سياق النتائج التي تشير إلى أن الطلب على المياه من المتوقع أن يتجاوز العرض بنسبة 40 % بحلول نهاية العقد. وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة إلى أن حوالي 30 % من سكان العالم ما زالوا يفتقرون إلى القدرة على الوصول إلى مياه الشرب النظيفة. ويعيش ربع سكان العالم في دول تعاني من ضغوط مائية شديدة، والتي تُعرَّف بأنها تستخدم 80 % من العرض سنويًا أو أكثر. وهناك حتى حالات سرقة المياه، على سبيل المثال في شمال شيلي، حيث تقوم العصابات بسحب المياه المخصصة للري، وهو ما يلحق الضرر بالإنتاج الزراعي. وتبلغ نسبة المياه العذبة في العالم 3 % فقط، ومعظم هذه المياه تكون على شكل أنهار جليدية آخذة في الذوبان الآن، وهناك ندرة في هطول الأمطار في العديد من المناطق المكتظة بالسكان. وفي المناطق الأكثر رطوبة من العالم، يشكل تلوث الإمدادات، مثل النترات الناتجة عن الزراعة التي ينتهي بها المطاف في الأنهار والمياه الجوفية، مشكلة كبيرة. وتواجه دول الشرق الأوسط بعض التحديات الأكثر أهمية فيما يتعلق بإمدادات المياه، ولكنها أحرزت بعض التقدم أيضًا. ومن بين العوامل المساهمة في ذلك ندرة المياه في الصحراء وارتفاع درجات الحرارة بسبب الاحتباس الحراري العالمي. وعلى مدى عقود من الزمان، ومع الارتفاع السريع في أعداد السكان والتحضر، أصبح من الواضح أن مصادر المياه الجوفية غير كافية، وبالتالي فإن محطات تحلية المياه باتت تشكل ضرورة أساسية. وفي قطر، تضاعف معدل استهلاك المياه المنزلية بين عامي 2010 و2020. وارتفع الاستخدام السنوي للمياه في الزراعة من 140 مليون متر مكعب في عام 1990 إلى 296 مليون متر مكعب في عام 2016. وفي عام 2010، لم تكن هناك احتياطيات من المياه تكفي سوى لمدة 48 ساعة فقط. ويشتمل مشروع الخزانات المائية الضخمة، الذي بدأ في عام 2015، على بناء 24 خزانًا خرسانيًا كبيرًا. وقد انخفض مستوى هدر المياه من خلال التسربات في النظام بشكل حاد. وأصبحت قطر الآن واحدة من أكثر الدول قدرة على التكيف مع المياه. وقد اتبعت مناطق أخرى سياسات مماثلة. ويهدد ارتفاع درجات الحرارة في منطقة البحر الأبيض المتوسط بحدوث ظاهرة التصحر. وفي وقت سابق من العام الحالي، انخفضت إمدادات المياه في برشلونة إلى أقل من 16 % من السعة الطبيعية، مما أدى إلى ترشيد توزيع المياه. وفي شهر يونيو الماضي، أعلنت 14 بلدية في اليونان حالة الطوارئ بسبب ندرة المياه. وهناك مشاكل مرتبطة بتحلية المياه؛ حيث إنها عملية كثيفة الاستهلاك للطاقة. وفي هذه الطريقة، تكون عملية إنتاج المياه مكلفة، وغالبًا ما تكون الإمدادات مدعومة، وهو ما يتسبب في ضغوط اقتصادية للدولة المنتجة. وتؤدي هذه العملية إلى تركيز المحلول الملحي كمنتج ثانوي يلحق الضرر بالنظم البيئية البحرية إذا تم تصريفه ببساطة مرة أخرى في البحر. ويمكن لنهج الاقتصاد الدائري تعويض هذا التأثير أو تخفيفه. وقد استثمرت شركة قطر للطاقة وشركاؤها مليار ريال قطري في عملية إعادة تدوير مياه الصرف الناتجة عن تحلية المياه، واستخراج الأملاح القيِّمة. وبالإضافة إلى استخلاص الأملاح، يشمل التقدم التكنولوجي في صناعة تحلية المياه أنظمة التحكم الرقمية لتعزيز كفاءة الطاقة والأغشية ذاتية التنظيف التي تمنع الترسبات. وقد تحول اهتمام المستثمرين إلى تكنولوجيا المياه في وقت متأخر. فقد برزت قضية الابتكار والتكنولوجيا في التعامل مع المياه وإعادة تدويرها وإدارتها بشكل عام باعتبارها قضية لا تقل أهمية عن قضية الطاقة النظيفة أو حتى تفوقها أهمية. ولا يوجد سوى شركة واحدة عملاقة في هذا المجال، وهي شركة جراديانت التي تتخذ من بوسطن مقرًا لها وتعمل على تطوير تكنولوجيا لتعزيز سلسلة التوريد الفعالة لصناعة المياه والحد من التلوث. وهناك تكنولوجيا ناشئة لاستخراج الرطوبة من الضباب والندى الليلي، مع توافر إمكانات كبيرة لاستخدامها في المناطق ذات معدلات الأمطار المنخفضة.
495
| 10 مارس 2025
في خطوة بالغة الأهمية، قام بنك جي بي مورجان تشيس بترقية الاقتصاد القطري من فئة الأسواق الناشئة إلى فئة السوق المتقدم، إلى جانب الكويت. وأعلن البنك عن اعتزامه رفع تصنيف قطر والكويت في مؤشر سندات الأسواق الناشئة على مراحل، على مدى ستة أشهر تبدأ في نهاية شهر مارس. وسيدرس البنك إعادة تصنيف سوق دولة الإمارات العربية المتحدة بالمثل خلال العام المقبل. ومن المحتمل أن تتبع مؤشرات السندات الأخرى التصنيف الأعلى لقطر والكويت. وفي نفس الوقت تقريبًا، في منتصف شهر فبراير، انتهت قطر من إصدار سندات على شريحتين شهدت زيادة كبيرة في الاكتتاب عليها. وتحمل شريحة بقيمة مليار دولار تستحق بعد ثلاث سنوات معدل فائدة بلغت 4.5 %، في حين تحمل شريحة بقيمة 2 مليار دولار تستحق بعد 10 سنوات معدل فائدة بلغت 4.875 %. وتمثل هذه المعدلات على التوالي 30 نقطة أساس و45 نقطة أساس فوق سعر سندات الخزانة الأمريكية لعشر سنوات. ويُشكِّل هذا انخفاضاً بنحو 30 و35 نقطة أساس على التوالي مقارنة بالسعر المستهدف الأولي. وقد تجاوز الاكتتاب في السندات الحجم المستهدف بمعدل 5.8 ضعف؛ حيث تجاوزت قيمة الطلبات 17 مليار دولار. والقدرة على استقطاب مثل هذا الطلب المرتفع حتى بعد تخفيض السعر، إلى جانب الترقية إلى وضع السوق المتقدمة، تعكس بشكلٍ عادل التقدم الاقتصادي الذي حققته الدولة في مجموعة من المسائل التي لا تقتصر على المسؤولية المالية، ولكن تتعداها إلى تحسينات البنية التحتية، وتطوير قاعدة ضريبية سليمة، وتعزيز الايرادات عبر توسع التصدير من احتياطيات الغاز في حقل الشمال. وقد أصبحت قطر حالة فريدة من حيث موقفها المالي القوي ليس فقط داخل الأسواق الناشئة، بل وعلى نطاق أوسع، حيث يقل دينها العام عن نسبة 50 % من الناتج المحلي الإجمالي، وقد انخفض هذا الدين تدريجيا منذ انتهاء جائحة كوفيد - 19 واكتمال الاستثمارات التي كانت مخصصة لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022. وقد خفضت البنوك المركزية أسعار الفائدة، وهو ما قد يؤدي عادةً إلى انخفاض العائدات على السندات الحكومية، ولكن هذا لم يكن الحال باستمرار. ولم تنخفض أسعار الرهن العقاري أيضًا. ويتوقع المستثمرون ارتفاع معدل التضخم، مع ثبات مستويات أسعار الفائدة أو ارتفاعها. وقد وصل متوسط العجز المالي في دول مجموعة السبع بحلول عام 2025 إلى نسبة 6 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي؛ ومن المتوقع أن تصدر الولايات المتحدة سندات تبلغ قيمتها الإجمالية 7 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعادل 2 تريليون دولار. وهذه مبالغ هائلة. فهل ستصمد الثقة في الاقتصاد الأمريكي؟ ربما: فقد كانت مستويات الديون مرتفعة بنفس القدر أو أعلى خلال الحرب العالمية الثانية، في حين كانت معدلات التضخم وأسعار الفائدة أعلى كثيرًا في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، الأمر الذي دفع المستثمرين إلى تجنب السندات الحكومية. وقد عملت الصين واليابان على تقليص تعرضهما لسندات الخزانة الأمريكية، كما قامت العديد من البنوك المركزية، وخاصة في الصين، بشراء الذهب. ولكن في المستقبل المنظور، لن تكون هذه التحولات كافية من حيث الحجم للتسبب في حدوث ارتفاع كبير في العائدات أو انهيار الثقة، نظرا لعمق وسيولة أسواق رأس المال، وآفاق النمو للولايات المتحدة ومكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية. ومع ذلك، هناك مخاوف بشأن التأثير المحتمل للرسوم الجمركية وتخفيضات الضرائب المتوقع أن تفرضها إدارة ترامب، ولا توجد سوى إشارات ضئيلة إلى أن العجز المالي سينخفض. وهناك ضغوط تُمارس على جميع الحكومات الغربية لزيادة الإنفاق الدفاعي بسبب التوترات الجيوسياسية.
489
| 03 مارس 2025
قبل ربع قرن، ومع بداية الألفية الجديدة، كانت العولمة تقترب من ذروتها مع انتهاء فصول الحرب الباردة، وقبول الصين في منظمة التجارة العالمية، وتشجيع التجارة الحرة وحرية تنقل الأشخاص إلى حدٍ ما. وقتها، بدت العملة القديمة المتمثلة في الذهب عتيقة الطراز، فقد تخلى الدولار الأمريكي عن معيار ربط العملة بالذهب في عام 1971، وانخفضت نسبة احتياطيات البنوك المركزية التي تحتفظ بها في هيئة سبائك ذهبية من 40 % في عام 1970 إلى 6 % بحلول عام 2008. وقد بدأت العديد من البنوك المركزية، لا سيَّما في المملكة المتحدة، في بيع احتياطياتها من الذهب بهدف تنويع الأصول والسعي إلى تحقيق عوائد أفضل. وأدى هذا التوجه إلى إبرام اتفاق دولي عُرِف باتفاقية واشنطن بشأن الذهب، حيث وافقت البنوك المركزية الرائدة على وضع حد أقصى سنوي لمبيعات الذهب. ومنذ ذلك الحين، بات المعدن النفيس يُنظر إليه باعتباره الملاذ الآمن النهائي، حيث يرتفع سعره مع زيادة التضخم وتفاقم المخاطر الجيوسياسية. وبدأ الاتجاه نحو التخلص من الذهب في التراجع مع اندلاع الأزمة المالية في عام 2008. ومنذ عام 2022، ارتفعت أسعار الذهب، عندما بلغ التضخم ذروته في معظم أنحاء العالم مع تصاعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وإن لم يحدث ذلك على الفور. فقد حافظت أسعار الذهب على استقرارها لمدة عام تقريبًا. وحدث ارتفاع في الأسعار بين بداية عام 2021 ومنتصف عام 2023 من أقل من 1,900 دولار للأوقية إلى 1,960 دولارًا، بزيادة قدرها 3 ٪ فقط. ولكن منذ عام 2024، ارتفع سعر الذهب إلى نحو 2,900 دولار للأوقية (45 %)، وهو ما يشير إلى أن هناك ما هو أكثر من التحوط التقليدي الذي يتبعه المستثمرون عبر التحول إلى أصول آمنة. وعادةً ما تتحرك أسعار الذهب في ارتباط عكسي مع العائدات على السندات الحكومية، ولكن في عام 2021 انهارت هذه العلاقة؛ حيث واصلت أسعار الذهب ارتفاعها مع ارتفاع العائدات على السندات الحكومية. وتتجاوز الأسباب الأساسية وراء حدوث ذلك حدود المخاطر الاقتصادية الدورية، وتتعلق بتراجع الثقة في الولايات المتحدة باعتبارها شريكًا تجاريًا، بالإضافة إلى تراجع الثقة في الدولار، والتفتت الجزئي للنظام التجاري العالمي، الذي قد يكون مؤقتا أو ربما يُعد بدايةً لاتجاه طويل الأجل أكثر جوهرية. وتسير التحركات العالمية نحو تعزيز حرية حركة التجارة والأشخاص التي سادت في وقت مبكر من القرن الحالي في الاتجاه المعاكس، حيث يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى فرض الرسوم الجمركية على الواردات وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، بالإضافة إلى تهديده للاقتصادات الناشئة في حال إذا ما ابتعدت عن التجارة بالدولار الأمريكي. ومن المرجح أن تؤدي سياساته إلى زيادة نسبة التضخم في الولايات المتحدة، واستمرار ارتفاع مستويات الدين والعجز في القطاع العام. وقد تسبب ترامب في إضعاف الثقة في الاتفاقيات الدولية بتراجعه عن اتفاقيات التجارة الحرة، أو تهديده بالتراجع عنها، مثل تلك الاتفاقيات التي أبرمها مع جارتيه المكسيك وكندا. وقد دأبت البنوك المركزية، ولا سيما في الصين والهند وتركيا ودول مجلس التعاون، على شراء الذهب، حيث تجاوز صافي مشتريات البنوك المركزية حاجز الألف طن في عامي 2022 و2023. وبلغت نسبة احتياطيات البنوك المركزية المحتفظ بها على هيئة سبائك ذهبية 11 %، واستثمرت حوالي ثلثي المكاتب العائلية في الذهب. ويرغب العديد من المشترين في الاحتفاظ بالسبائك الذهبية في خزائنهم، بدلاً من الاعتماد على الالتزامات التعاقدية، التي قد تخضع لقيود مستقبلية مثل العقوبات. وتوجد نسبة كبيرة من الذهب العالمي في لندن، وهناك فترة انتظار تتراوح بين أربعة وثمانية أسابيع لسحب الذهب. وقد جاء ذلك في أعقاب حدوث زيادة في شحنات الذهب الواردة إلى نيويورك، حيث جمع التجار مخزونًا تجاوزت قيمته 80 مليار دولار. وهناك عامل آخر يتمثل في سهولة نقل الذهب، وإمكانية إذابته وإعادة تشكيله دون أن يترك ذلك أي أثر يذكر. ومنذ تخلي العملات الرئيسية عن معيار الذهب في سبعينيات القرن العشرين، تحولت إلى عملات نقدية إلزامية. وأصبحت تعتمد على الثقة. وتبدأ هذه الثقة في التآكل عندما ترتفع معدلات التضخم والديون، والحروب التجارية، وانتهاكات المعاهدات، وهي العناصر التي باتت تميز الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي. ومن الطبيعي أن يلجأ البشر في مثل هذه الظروف إلى التجارة أو الاستثمار في الأصول الملموسة.
627
| 24 فبراير 2025
من السهل على صناع السياسات الإدلاء بتصريحات جريئة حول الاستراتيجية الاقتصادية، ولكن ضمان تحقيق التقدم يبدو أكثر صعوبةً، نظرًا لأن السياسات الأكثر فعالية تحتاج إلى سنوات من العمل لإرساء البنية الأساسية وتنمية المهارات ووضع الإطار القانوني والإداري اللازم للقيام بذلك. ومن السهل نسبيًا وضع أهداف طويلة المدى، نظرًا لأنه من المرجح أن يكون هناك كادر قيادي مختلف مسؤول بحلول الموعد النهائي لتنفيذ الاستراتيجية الاقتصادية. ولهذا السبب، تستحق الاستراتيجية الأخيرة التي أعدتها وزارة التجارة والصناعة كل الثناء، سواء من حيث محتواها المترابط والشامل، أو من حيث احتوائها على أهداف ملموسة يمكن قياس التقدم المحرز على أساسها. وهناك فهم سليم لكيفية تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في الممارسة العملية. وتحدد هذه الوثيقة المهمة أربع ركائز أولها التميز المؤسسي، الذي يتناول قضايا مثل الكفاءة التنظيمية، واستخدام التكنولوجيا الرقمية داخل القطاع العام. والركيزة الثانية هي تحسين بيئة الأعمال والاستثمار، وهو بعد حيوي من السهل التغاضي عنه. ويجب أن تكون هناك بيئة تشريعية مواتية لأداء الأعمال، بما في ذلك حماية الملكية الفكرية، وتشجيع الابتكار وتنمية الأعمال التجارية. وثالث الركائز هي تنمية الصناعة المحلية والتبادل التجاري، وهو بعد ينطوي على دعم الأعمال الوطنية ومساعدتها على الوصول إلى الأسواق الدولية. والركيزة الرابعة هي حماية المستهلك وتشجيع المنافسة، حيث يساعد منع الاحتكارات الفعلية أو الواقعية على ضمان تحقيق العدالة للمستهلكين وتشجيع الشركات والجهات الداخلة حديثًا إلى الأسواق. ولدعم هذه الأهداف الاستراتيجية، هناك العديد من المشاريع والمبادرات، بينما سيتم رصد التقدم المحرز من خلال نتائج محددة وأهداف سياسية. فعلى سبيل المثال، في فئة «التميز المؤسسي»، هناك هدف يتمثل في الوصول بمستوى رضا العملاء إلى أكثر من 85%، والتحول بنسبة 100٪ إلى القنوات الرقمية بحلول عام 2030. وفيما يتعلق بتحسين بيئة الأعمال، تهدف السياسة إلى الحصول على تصنيف عالمي ضمن أفضل 10 دول في «مؤشر جاهزية الأعمال»، وتقليص الوقت اللازم لإنشاء شركة إلى يوم واحد. كما تُعد سهولة التوظيف من المؤشرات المهمة، في حين يُعد الاستثمار الأجنبي المباشر والشراكات بين القطاعين العام والخاص من الأولويات، إلى جانب الاستدامة البيئية. وهناك هدف طموح وقابل للتحقيق يتمثل في تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4% سنويًا بحلول نهاية العقد، بما في ذلك القطاعات غير الهيدروكربونية. وتتناول الاستراتيجية قضية تنمية المواهب والمهارات والموارد البشرية والاحتفاظ بها، وهو أمر تجدر الإشادة به. فمن المهم أن توظيف الفرق المناسبة في المكان المناسب إذا أردنا تحقيق النتائج المرجوة. وبشكل عام، تحدد الاستراتيجية أهدافًا جديرة بالثناء، وتغطي العناصر الأساسية للتنمية الاقتصادية. وتبدو مقاييس تحقيق النتائج المرجوة ملموسة ويصعب التلاعب بها. وهذا يطمئننا إلى أن هذه العملية تدور حول تحقيق تقدم حقيقي وليس حول مجرد عرض الاستراتيجية والترويج لها. وهناك بعض القضايا القابلة للنقاش. ويمكن القول إن بعض الطموحات قد تكون أعلى، أو قصيرة المدى. والموعد المستهدف لتحقيق هذه النتائج هو عام 2030. وإذا نظرنا إلى هدف تعزيز الرضا عن الخدمات الحكومية بنسبة 85% على الأقل بعين الاعتبار، فقد يكون هذا الهدف أكثر طموحًا، مع تحقيق إنجازات في هذا الإطار تصل إلى 85% بحلول عام 2026، و88% بحلول عام 2027 على سبيل المثال. وأيضًا، إذا كانت تجربة الأشخاص غير الراضين عن الخدمات سلبية للغاية، ولم يتم تسجيلها، فقد يشير هذا الأمر إلى وجود عوائق أمام إمكانية تحسين هذه الخدمات بشكلٍ أكبر. ويمكن استكمال هدف تحقيق التحول الرقمي بنسبة 100% عبر تدابير تتعلق بخدمة العملاء، نظرًا لأن القناة الرقمية ليست أفضل تلقائيًا أو أكثر ملاءمة للعميل. وهناك أيضاً مسألة تتعلق بتوسيع نطاق المشاريع ومراقبتها. ويشكل عمق أهداف هذه السياسة ونطاقها، والعدد الكبير من المشاريع، ومهمة مراقبة نتائجها، أجندة طموحة. ولكل نتيجة محددة في إطار الخيارات الاستراتيجية الأربعة العديد من المشاريع المصممة للمساعدة في تحقيقها. وفي المجموع، يتناول حوالي نصف التقرير المشاريع المختلفة المصممة لتلبية الأهداف الموضوعة. وتتمحور التحديات الرئيسية حول كيفية إدارة البرنامج، وكيفية قياس تأثيره. والأثر المهم هنا هو مدى استفادة القطاع الخاص وأفراد المجتمع بما يتجاوز مجرد التحسينات التشغيلية للقطاع الحكومي. لذا فمن المبشر أن تكون هناك نتائج تغطي هذه الأجندة الأوسع نطاقًا. وقد تناولت الوزارة القضايا الرئيسية بشكل صحيح، وأظهرت مستوى جيدًا من الشفافية، وأبدت التزامًا بالاجتماع مع قادة الأعمال، ونتمنى لهم التوفيق والنجاح.
894
| 17 فبراير 2025
في ضوء الأجندة الراديكالية للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، كانت السمة البارزة في أحدث تقرير ربع سنوي حول توقعات صندوق النقد الدولي للاقتصاد العالمي هي مدى الاستمرارية في الاتجاهات الاقتصادية العالمية، الممتدة من اتجاهات عامي 2023 و2024. ويبدأ التقرير بالقول إن «الاقتصاد العالمي يحافظ على استقراره». ومن بين الأسباب التي أدت إلى حدوث ذلك توقع العديد من المستثمرين والاقتصاديين بشكل صحيح لفوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي جرت في شهر نوفمبر الماضي، وبالتالي تم احتساب نتائج بعض التغييرات التي حدثت بالفعل. وهناك إجماع على أن نمو الاقتصاد الأمريكي سيواصل تفوقه على معدل نمو الاقتصادات الغربية الأخرى، وأن الهيمنة الاقتصادية أو الجيوسياسية للولايات المتحدة الأمريكية لن تتعرض لتهديد كبير. ويشير صندوق النقد الدولي إلى تباطؤ النمو العالمي وإن كان بمعدل طفيف، حيث انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأخير من عام 2024 بنسبة 0.1% فقط عن التوقعات. ويتوقع الصندوق تحقيق معدل نمو عالمي بنسبة 3.3% في عام 2025، مقارنة بمتوسط معدل النمو الذي بلغت نسبته 3.7% خلال الفترة من عام 2000 إلى 2019. ويعوض التعديل بالزيادة في الولايات المتحدة التعديلات المنخفضة في الاقتصادات الكبرى الأخرى. ومن المتوقع انخفاض معدل التضخم العالمي إلى 4.2% هذا العام، وإلى 3.5% في عام 2026، لكن التقرير يشير إلى إمكانية ظهور مخاطر تضخمية غير قابلة للقياس. وهناك بعض التباين في الأداء الاقتصادي بمختلف أنحاء العالم، وخاصة فيما يتعلق بالتضخم والسياسة النقدية، حيث توجد ضغوط تضخمية في الولايات المتحدة وبعض الاقتصادات الغربية الأخرى، بينما من المتوقع أن يستمر انخفاض معدلات التضخم في الصين وبعض الاقتصادات الأخرى. ومن المتوقع استمرار معدل الدين العام والعجز المرتفع للغاية في الولايات المتحدة، ومن الوارد ارتفاعه كذلك. والدولار هو العملة الاحتياطية العالمية، وهو ما يمنح الولايات المتحدة الأمريكية قدرةً أكبر على الاقتراض مقارنةً بالاقتصادات الأخرى، ولكن ارتفاع العجز على مدى فترة طويلة قد يؤدي إلى حدوث مخاطر ملموسة. ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن ارتفاع معدل الاقتراض الأميركي قد يؤدي إلى زيادة الطلب على رأس المال على مستوى العالم، وهو ما قد يترتب عليه ارتفاع أسعار الفائدة وربما تثبيط النشاط الاقتصادي في أماكن أخرى. وربما يكون هناك تحيز غربي معين لدى بعض خبراء الاقتصاد في وصف النمو في الولايات المتحدة الذي يقل قليلاً عن 3% بأنه قوي، والنمو في الصين الذي يبلغ 4.7% بأنه ضعيف. ولكن الحقيقة هي أن الصين تحتاج إلى مستوى أعلى من نمو الناتج المحلي الإجمالي لتحقيق تحسينات مماثلة في مستويات المعيشة لأن الاقتصاد الصيني يركز على التصدير، وهناك سوق داخلية أصغر مقارنة بالوضع في الولايات المتحدة الأمريكية. وتبدو التوقعات لمعدل النمو في الولايات المتحدة البالغ 2.7% في عام 2025 أعلى بنسبة 0.5% عن التوقعات الصادرة في شهر أكتوبر، ولكن صندوق النقد الدولي أشار إلى أن آفاق النمو القوية للاقتصاد الأميركي تبدو قصيرة الأمد، حيث أن السياسة المالية المتساهلة، وإلغاء القيود التنظيمية المفروضة على الأعمال والأسواق المالية، وعدم القدرة على التنبؤ بالرسوم الجمركية، كلها عوامل تفرض مخاطر متوسطة وطويلة الأجل. ومن الصعب التنبؤ بتأثير الرسوم الجمركية على التضخم. ولا نعرف حتى الآن ردود الفعل السياسية من جانب البلدان المتضررة على ذلك، وقد تكون الديناميكيات الناتجة معقدة. ولا تزال الولايات المتحدة تهيمن على الاقتصاد العالمي جزئيًا بسبب التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصادات الكبرى الأخرى. ومن الناحية الجيوسياسية، تُعد الصين القوة الوحيدة التي لديها القدرة على منافسة الولايات المتحدة. ولا يزال معدل النمو في أوروبا بطيئًا، وتحتاج البلدان الأوروبية إلى إعادة هيكلة اقتصاداتها إذا أرادت تحقيق تغيير ملموس. وشهدت روسيا ضرراً شديداً من جراء التكلفة البشرية والاقتصادية لغزوها لأوكرانيا. وقد اتخذت الصين قرارات استراتيجية خلال فترة الكوفيد لأسباب سياسية، وهو ما أعاق نموها الاقتصادي. والآن هناك إدارة أمريكية جديدة عازمة على الحد من الواردات القادمة من الصين. وتحتاج بكين إلى اتباع سياسات بارعة في التعامل مع الرئيس الأمريكي الجديد الذي يتبنى مواقف صدامية ومعادية لها. وبشكل عام، بينما يبدو الاقتصاد العالمي «مستقرًا» مع بداية عام 2025، فإن هذا الوضع قد لا يستمر لفترة طويلة.
903
| 10 فبراير 2025
تشتكي العديد من شركات الأعمال من افتقارها إلى الموارد الضرورية، ولكن المبتكرين الأكثر ذكاءً يميلون للنظر إلى الندرة باعتبارها فرصةً ذهبيةً، ويتساءلون: كيف يمكننا أن نستغل ما لدينا من موارد بكفاءة أكبر؟ هل نشهد تطورًا مماثلاً في مجال الذكاء الاصطناعي؟ عندما تم الإعلان عن المكاسب الناجمة عن الكفاءة الفائقة لنموذجين لغويين كبيرين طورتهما شركة ناشئة صينية تدعى ديب سيك (DeepSeek)، وهما نموذج R1-zero، ونموذج R1، بعد تحقيقهما لأداء يفوق أداء برنامج ChatGPT الذي طورته شركة OpenAI، أدى هذا الإعلان إلى حدوث خسارة هائلة في قيمة أسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية بلغت تريليون دولار أمريكي في يوم الإثنين 27 يناير. وانخفضت قيمة أسهم شركة إنفيديا وحدها بنحو 600 مليار دولار في ذلك اليوم. وكان من العواقب المترتبة على ذلك انخفاض الطلب على نماذج اللغات الأمريكية الكبرى، وبعض مورديها، فضلاً عن شركات الطاقة، بشكلٍ كبير. وكان المهندسون في شركة ديب سيك قد واجهوا ندرةً نسبيةً في العرض بعد حظر الولايات المتحدة لتصدير الرقائق الفائقة التي تصنعها شركة إنفيديا. لذا فقد سعوا إلى إيجاد طرق لتطوير التفكير الذكي داخل نماذجهم باستخدام قوة حوسبة أقل. وتُعد شركة ديب سيك من الشركات حديثة العهد نسبيًا، حيث أسسها ليانج وينفينج، وتحظى بتمويل من صندوق التحوط هاي فلاير لإدارة الأصول. وكان وينفينج قد عيَّن بعضًا من أذكى مهندسي تكنولوجيا المعلومات من أفضل الجامعات الصينية في الشركة، ومنحهم رواتب جيدة. وأشارت التقارير إلى أن الشركة أنفقت 5.6 مليون دولار فقط على تدريب النماذج اللغوية الكبرى باستخدام وحدة معالجة الرسوميات Nvidia H800. ويقارن المراقبون هذه التكلفة بالوقت الذي أمضته شركة ميتا (Meta) في تدريب نموذج Llama 3 405B والذي استمر لنحو 31 مليون ساعة باستخدام وحدة معالجة الرسوميات Nvidia H100. وفي عام 2023، عدَّلت شركة إنفيديا أكثر شرائحها تقدمًا، وهي شريحة H100، لكي تتمكن من تصديرها بشكل قانوني إلى الصين تحت اسم H800. وقد تم التشكيك في بعض مزاعم شركة ديب سيك، حيث يُشتبه في أنها جمعت مخزونًا من شرائح إنفيديا عالية الجودة قبل فرض قيود التصدير. ويشكك الخبراء الغربيون في أن تكاليف التدريب كانت منخفضة حقًا كما ورد في التقارير. وبشكل منفصل، تزعم شركة OpenAI، التي طورت برنامج ChatGPT المنافس، أن شركة ديب سيك ربما قامت بسرقة ملكيتها الفكرية. وما يقر به الخبراء الغربيون هو التصميم المبتكر لشركة ديب سيك. فقد طور مخترعو الشركة إعدادات تضم "مزيجًا من الخبرات"، حيث يتم نشر الشبكة الفرعية المتخصصة ذات الصلة فقط عند الحاجة. ويفسر ذلك قوة الحوسبة المنخفضة بشكل كبير التي يحتاج إليها النموذج. وقد استخدمت شركة ديب سيك الحوسبة مفتوحة المصدر، لذا يمكن التحقق من بعض ادعاءاتها. وبناءً على ذلك، ورغم أن البعض في الولايات المتحدة يشككون في حجم مكاسب الكفاءة، إلا أن هذا النموذج قد يظل من الابتكارات الثورية. ففي إفادته حول هذا الموضوع، قال الخبير الاقتصادي نورييل روبيني إن مكاسب الكفاءة كانت نحو ضعفين إلى ثلاثة أمثال، وليس عشرين ضعفًا كما ورد في التقارير الأولية. ومع ذلك، لا يزال هذا التطور كافيًا لإحداث ثورة في اقتصاديات نشر الذكاء الاصطناعي وزيادة الطلب عليه. ويتحدى دخول نماذج R1 وR1-zero التي طورتها شركة ديب سيك إلى السوق الافتراضات التي كانت راسخة حتى قبل أسبوع أو نحو ذلك، والتي ترى أن التقدم في قدرات الذكاء الاصطناعي يعتمد على التوسع الهائل في قوة الحوسبة، وأن الولايات المتحدة تتمتع بريادة لا تقبل الجدل في هذه التكنولوجيا. ويشكل هذا الأمر تحديًا لصناع السياسات في الولايات المتحدة؛ حيث كانت تهدف من وراء حظر صادرات الرقائق الفائقة إلى الصين إلى الحد من تطوير الصين لنماذج الذكاء الاصطناعي، ولكن النتيجة التي حدثت كانت معاكسة تمامًا. ولن تضيع شركات التكنولوجيا العملاقة في الولايات المتحدة أي وقت في الرد. ولن تقتصر مكاسب الكفاءة على مقدمي ومستخدمي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الصينيين. وعليه، فمن المؤكد أن بيع أسهم التكنولوجيا الأمريكية كان مبالغًا فيه، وخاصة في حالة أسهم إنفيديا. ويبدو أن توافر نماذج الذكاء الاصطناعي الأرخص والأكثر كفاءة من شأنه أن يزيد الطلب الكلي على النماذج اللغوية الكبرى بشكل عام.
1437
| 02 فبراير 2025
في ديسمبر 2024، بلغ عدد زوار قطر ما يقرب من 600 ألف زائر، بزيادة قدرها 14.6% عن العدد المسجل خلال العام السابق، حيث ارتفعت المساهمة الاقتصادية للسياحة إلى أكثر من 11% من الناتج المحلي الإجمالي. وبلغ إجمالي عدد الزوار لعام 2024 أكثر من 5 ملايين زائر، أي ما يقرب من عدد سكان البلاد مرة ونصف، وأعلى بنسبة 25% عن الرقم المسجل في عام 2023. وبعد عامين من استضافة البلاد لبطولة كأس العالم لكرة القدم، تُعدُ هذه الأرقام مثيرة للإعجاب، وتُظهر أن البلاد حافظت على جاذبيتها. وتبرر هذه الأرقام أهمية قرار اعتبار السياحة قطاعًا يحظى بأهمية استراتيجية لتنويع الاقتصاد الذي تهيمن عليه عائدات النفط والغاز. وبالإضافة إلى المعالم السياحية التقليدية مثل الفنادق والشواطئ والطقس الدافئ، تقدم قطر فعاليات رياضية وثقافية، حيث تستضيف بطولات وحفلات موسيقية ومعارض، باعتبارها عوامل مهمة للجذب السياحي. وتتمتع «Visit Qatar» ببرنامج إعلاني وتسويقي ممول تمويلاً جيدًا ومتطور، يتضمن إعلانات تلفزيونية شيقة تبرز جاذبية البلاد. ويشكل الزوار من منطقة الخليج نحو 41% من إجمالي الزوار، في حين أن الدول الخمس الأولى التي يأتي منها السياح هي المملكة العربية السعودية والهند والمملكة المتحدة وألمانيا والولايات المتحدة. وهناك نمط مماثل في مختلف أنحاء منطقة الخليج؛ إذ تشير تقديرات مجلس السفر والسياحة العالمي إلى أن المساهمة الاقتصادية للسياحة في دول مجلس التعاون الخليجي ستبلغ 247.1 مليار دولار أميركي في عام 2024، أو 11.4% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة. وبالنسبة لقطر، يتوقع المجلس أن يوظف القطاع نحو 458 ألف شخص، أو واحد من كل خمسة مقيمين، بحلول عام 2034. وفي قطر، قام فريق من صندوق النقد الدولي بزيارة إلى البلاد خلال شهر نوفمبر الماضي. وأشار الفريق إلى انتعاش الاقتصاد بشكل عام، والسياحة، منذ انخفاض النشاط في عام 2023 بعد انتهاء منافسات بطولة كأس العالم في العام السابق. وذكرت السيدة ران بي، رئيسة فريق صندوق النقد الدولي، أن: «نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي انخفض من 4.2% في عام 2022 إلى 1.2% في عام 2023، ويرجع ذلك أساسًا إلى انكماش أنشطة البناء وتباطؤ نمو الخدمات بعد انتهاء بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022. من ناحية أخرى، تعززت الأنشطة السياحية بشكل كبير منذ انتهاء البطولة». وكان التقرير إيجابيًا للغاية. ومن المتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 2% لعامي 2024 و2025. كما أشاد فريق صندوق النقد الدولي بالمسؤولية المالية لمصرف قطر المركزي وبالاستقرار الاقتصادي الكلي العام. ووصف القطاع المصرفي بأنه مزدهر، بفضل الاحتياطيات القوية والإشراف الدؤوب من قبل المصرف المركزي. وتتطلب الالتزامات الأجنبية الصافية يقظة مستمرة، لكن موظفي صندوق النقد الدولي لاحظوا أن متوسط استحقاقها قد طال وأن مصادر التمويل الخارجية أصبحت أكثر تنوعًا وهذا مؤشر ايجابي. ويضيف التقرير: «توفر التوقعات الاقتصادية الإيجابية فرصة لتسريع تنويع الإيرادات لا سيَّما عبر فرض ضريبة القيمة المضافة، وتعزيز كفاءة الإنفاق ومواءمة أسعار الطاقة المحلية تدريجيًا، وإعادة توجيه الإنفاق العام لتسهيل نمو القطاع الخاص». وبالإضافة إلى السياحة، يتميز قطاع التعليم العالي باستقطابه لاستثمارات كبيرة وتحقيقه لتطورات هائلة في قطر وغيرها من دول الخليج. فعلى مدى عدة سنوات، كانت المنطقة تستضيف فروعًا لجامعات غربية، وتعمل بشكل متزايد على رعاية المؤسسات المحلية. وللشرق الأوسط تاريخ طويل في التعليم. وفي العام الماضي، افتتحت دولة الإمارات العربية المتحدة جامعة دبي الوطنية، التي من المقرر أن تركز على البحوث. وهناك مبادرة مماثلة في المملكة العربية السعودية تتلخص في طرح إستراتيجية جديدة لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، التي صُممت على غرار الجامعات الغربية التي تركز على التكنولوجيا. وتخطط قطر لمضاعفة استثماراتها في قطاع البحوث والتطوير والابتكار بحلول نهاية عشرينيات القرن الحالي. وبالنسبة للاقتصاد القطري، بينما ستواصل صناعة النفط والغاز، وخاصة الغاز الطبيعي المسال من حقل الشمال، الهيمنة على الناتج الاقتصادي وأرباح التصدير بشكل متناسب، من المهم أن ننظر إلى تركيبة بقية القطاعات لاقتصادية. وتبدو المؤشرات إيجابية؛ حيث إن مستويات التحصيل العلمي المرتفعة، وتوافر الجامعات التي تركز على الأبحاث، وتطور القطاع المصرفي، وازدهار قطاع الفعاليات والسياحة المزدهرة، كلها عوامل تجتمع لتوفر منصة سليمة للآفاق الاقتصادية.
477
| 26 يناير 2025
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
3885
| 05 ديسمبر 2025
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...
2664
| 30 نوفمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1710
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
1563
| 02 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1401
| 06 ديسمبر 2025
ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...
1185
| 01 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1155
| 04 ديسمبر 2025
مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...
1146
| 03 ديسمبر 2025
لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...
870
| 03 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
855
| 07 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
648
| 05 ديسمبر 2025
يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...
630
| 30 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية