رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فهد عبدالرحمن بادار

تويتر @Fahadbadar

مساحة إعلانية

مقالات

183

فهد عبدالرحمن بادار

«لا شيء يحدث فعلياً»: قراءة في اقتصاد 2025

31 أغسطس 2025 , 12:00ص

خلال عام حافل بالأحداث المضطربة في السياسات الاقتصادية، حافظت قطاعاتٌ كبيرة من الاقتصاد العالمي، بما في ذلك أسعار الأسهم، على انتعاشها. وقد لا يمثل هذا الأمر تناقضًا كما يبدو. فرغم ما يبدو من احتمالاتٍ كبيرة لحدوث اضطرابات اقتصادية، تبنى بعض المستثمرين موقفا مفاده أن «لا شيء يحدث فعليًا»، في محاولة لمواجهة الميل إلى المبالغة في ردّ الفعل تجاه الأحداث التي تتصدر عناوين الصحف، والتي كان – أو قد يكون – لها تأثير اقتصادي ضئيلٌ على المدى البعيد. 

ولا يعني شعار «لا شيء يحدث فعليًا» تجاهل الأحداث العالمية، بل يتمثل في تقييم الأثر الاقتصادي الفعلي لتك الأحداث ببرود وموضوعية. وبطبيعة الحال، تبرز أهمية بعض الأحداث المضطربة في الجغرافيا السياسية من حيث إمكاناتها بشكل أكبر من واقعها قصير المدى. ومن غير المرجح أن تؤدي التهديدات أو التلميحات باستخدام الأسلحة النووية إلى اندلاع حرب نووية فعلية، لكن خطر إطلاق الأسلحة النووية بدافع الغضب ليس معدومًا، مما يجعله أمرًا يستحق المراقبة.

وفي الأسواق المالية، يمكن رصد مؤشرات قد تنذر بحدوث صدمة مماثلة لأزمة عام 2008 – مثل الارتفاع الكبير في تقييمات سوق الأسهم والعملات المشفّرة، إلا أنه من المستحيل تحديد ما إذا كانت هذه المؤشرات تمثل نذير انهيار مؤثر، أم أنها ستبقى مجرد إشارات. وحتى في حال حدوث صدمة، فهل يمكن أن تحدث هذا العام، أم بعد خمس سنوات؟

ومن الثابت في علم النفس السلوكي أننا، كبشر، ننجذب إلى التطورات الدرامية والسلبية أكثر من التطورات الإيجابية؛ حيث تتفوق النجاة من الخسارة في تأثيرها على جاذبية المكاسب المحتملة، وتُعد الأخبار السيئة أو الصادمة أكثر فعالية وإثارة للتصفح. ويعني ذلك أنّ الانضباط في متابعة المستجدات عبر وسائل الإعلام قد يقود، بشكل متناقض، إلى فهم مشوّه للتطورات العالمية. وما يزيد الأمر تعقيدًا هو أن الكثير من الأخبار تُجمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون التحقق من صحتها. وفي تقريره عن المخاطر العالمية لعام 2024، أشار المنتدى الاقتصادي العالمي إلى المعلومات المضللة باعتبارها العامل الأكثر زعزعةً للاستقرار على المدى القصير. وهناك عامل آخر هو أنه، وبعيدًا عن مقولة «لا شيء يحدث فعليًا»، فإن ما يحدث في الواقع هو الكثير. فقد جاءت توقعات العديد من الاقتصاديين في مطلع عام 2025 بشأن أثر سياسة الرسوم الجمركية التي ينتهجها الرئيس ترامب بعيدة عن الدقة، إذ تبيّن أن التقديرات التي أشارت إلى إمكانية انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1 % مقابل كل زيادة بمقدار 1 % في الرسوم لم تكن صحيحة. وربما يكون من المستحيل تحديد هذه النسبة بدقة، لكن أحد المؤشرات البديلة هو أن حوالي 17 % فقط من أرباح مؤشر ستاندرد آند بورز 500 تتأثر مباشرةً بالرسوم الجمركية، وذلك وفقًا لتحليل أجراه مصرف دويتشه بنك. وعلاوة على ذلك، رغم أن الولايات المتحدة تمثل أكبر سوق تجاري، فإنها تشكل حوالي 24% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقارنةً بأكثر من 40% في ستينيات القرن الماضي.

وهناك خطر يتمثل في أن حركة «لا شيء يحدث فعليًا» قد تقلل من تأثير سلسلة من التطورات التي قد لا تُحدث فارقًا كبيرًا، كلٌّ على حدة، لكنها قد تحدث أثرًا ملموسًا بشكل تراكمي. وتشمل هذه التطورات التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب، وإقالته لرئيس مكتب إحصاءات العمل، وارتفاع الدين العام في الولايات المتحدة والاقتصادات الغربية الأخرى، وتركيز مكاسب سوق الأسهم في عدد قليل من شركات التكنولوجيا، وتهديدات ترامب لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وتخفيفه للقيود المفروضة على العملات المشفرة. وقد يُنظر إلى بعض هذه التطورات على أنها ذات أهمية طفيفة عند تقييمها منفردة، لكن تراكمها قد بدأ يظهر أثره. 

ومن بين هذه التطورات، يُعدّ ارتفاع الدين على الأرجح الأكثر أهمية على المدى الطويل، إذ يعني تخصيص نسبة متزايدة من الإنفاق الحكومي لسداد الفوائد، وهو ما يُشكل ضغطًا على الخدمات العامة، بالإضافة إلى التآكل التدريجي لقيمة العملات الورقية. وقد شهدت أسعار الأصول الملموسة، مثل الذهب والعقارات والأراضي، ارتفاعًا مستمرًا. ومن شبه المؤكد أن هذا التطور البطيء وطويل الأمد سيحظى بأهمية اقتصادية أكبر مقارنة بالعديد من التطورات الأكثر دراماتيكية التي تتصدر عناوين الصحف.

مساحة إعلانية