رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تُمثِّل التغطية الصحية الشاملة لجميع المواطنين تحديًا لجميع الحكومات، فكلما تحسّن العلاج وتوفّرت إمكانية الحصول عليه، طال أمد قوائم الانتظار. وقد تجاوز معدل تضخم تكاليف الرعاية الصحية ما بين 10-12 % في العديد من الدول، في حين تتزايد توقعات الناس بشأن توافر الخدمات الصحية وجودة مستوى الرعاية الصحية. كما أن ارتفاع متوسط عمر الفرد قد يعني عيش الناس لفترة حياة أطول، مع معاناتهم من أمراض مزمنة في بعض الأحيان. لذلك، فإن النهج الذي تتبعه دولة قطر جدير بالاهتمام. وتُعدّ الصحة من أهم الأولويات في إطار رؤية قطر الوطنية. وتُقدّم الدولة خدمات صحية فائقة المستوى من خلال مؤسسة حمد الطبية. وتُدير المؤسسة مستشفى حمد العام، وهو المستشفى غير الربحي الرئيسي في البلاد، والذي سيخضع لبرنامج تجديد شامل يمتد لثلاث سنوات. وبينما ستظل الخدمات متاحة خلال أعمال التجديد، سيتم نقل بعض خدمات العيادات الخارجية والمرضى المقيمين مؤقتًا. وسيشمل التجديد تحديث المباني المخصصة للمرضى، ومرافق ذات مستوى أعلى، والاستثمار في التكنولوجيا الحديثة. وخلال عملية التجديد، بدا أن هناك فرصة سانحة للحفاظ على مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين والمقيمين أو تحسينها، مع تعزيز القطاع الخاص وتطوير السياحة العلاجية. وفي شهر مايو الماضي، التقى سعادة السيد منصور بن إبراهيم آل محمود، وزير الصحة العامة، بممثلي قطاع التأمين، في إطار سياسة لتشجيع تطوير التأمين الصحي. وفي الفترة بين عامي 2013 و2015، طرحت الحكومة نظام التأمين الصحي الإلزامي «صحة»، إلا أنها واجهت مشاكل تتعلق بالتكاليف ومطالبات التأمين الزائدة المبالغ فيها، ما دفعها إلى اعتبار الشراكة مع شركات التأمين الخاصة نهجًا أفضل. وفي الوقت نفسه، وقّعت الحكومة عقودًا مع أربعة مستشفيات من القطاع الخاص لتقديم العلاج للمرضى غير المؤمّن عليهم صحيًا والمسجلين على قوائم الانتظار في المستشفيات الحكومية. وستتحمل الدولة تكلفة العلاج بالكامل، وهو ما سيُقلّل من قوائم الانتظار، ويُساعد في تطوير خدمات القطاع الخاص من حيث الجودة والنطاق. ومن المزايا الإضافية لتطوير قطاع طبي خاص قوي جعل قطر وجهةً مفضلةً للسياحة العلاجية. وقد تأكّد ذلك في منتدى قطر الاقتصادي 2025، الذي عُقد خلال شهر مايو الماضي، حيث صرّح سعادة السيد سعد بن علي الخرجي، رئيس قطر للسياحة، بأنّ ترسيخ مكانة قطر باعتبارها وجهةً للسياحة العلاجية يُعدّ من الأهداف الاستراتيجية للدولة. وبفضل الاستثمارات الضخمة في الفنادق ومرافق النقل وغيرها من الجوانب الرئيسية الأخرى للبنية التحتية إبان فترة الاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، أصبحت المرافق المتاحة في البلاد عالمية المستوى. وتتمتع مستشفيات القطاع الخاص بمرافق عالية الجودة وأطباء ذوي مهارات فائقة. وقد بلغ حجم الإنفاق الصحي 12% من مخصصات الميزانية، وهي نسبة مرتفعة مقارنةً بالمعايير الدولية. كما يتم الاستثمار في التكنولوجيا، بما في ذلك تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتخصصة التي يمكن أن تُساعد في خدمات التشخيص والعلاج. وتستعد قطر لإطلاق برنامج للتأشيرات الطبية لتسهيل الإجراءات البيروقراطية على زوار السياحة العلاجية. وقد صرح السيد عمر الجابر، رئيس قطاع تنمية السياحة في قطر للسياحة، بأن هذه المبادرة ستشجع الزوار على الاستفادة من خدمات العلاج الوقائي والبرامج الصحية في المنتجعات، بالإضافة إلى الإجراءات الطبية المتقدمة مثل العمليات الجراحية. وتتوفر جميع العناصر اللازمة لتمكين دولة قطر من المنافسة بشكل مباشر مع الدول الأخرى الجاذبة للسياحة العلاجية، مثل سنغافورة ودبي وتايلاند. ومن المهم عند وضع السياسات الصحية المستقبلية ألّا يقتصر التركيز على استقطاب السياحة العلاجية بشكل عام، بل أن يتم توجيه الجهود نحو بناء ميزات تنافسية واضحة في تخصصات طبية محددة. فالمجالات التي تمتلك فيها قطر عناصر قوة بارزة، مثل أمراض القلب، وأمراض الكلى، وطب النساء والولادة، ينبغي أن تكون في صدارة الأولويات. إن اعتماد هذا النهج التخصصي سيمنح الدولة قدرة أكبر على التميز عالميًا، ويجعلها وجهة علاجية ذات سمعة راسخة، بدلًا من أن تكون منافسًا عامًا في سوق مزدحم. وتسعى دولة قطر إلى استقطاب ما بين 6 و7 ملايين زائر بحلول عام 2030، مع وصول مساهمة قطاع السياحة إلى 15 % من الناتج المحلي الإجمالي. وبفضل الاستثمار في الرعاية الصحية والبنية التحتية السياحية، يبدو أن هذا الهدف قابل للتحقيق.
309
| 07 سبتمبر 2025
خلال عام حافل بالأحداث المضطربة في السياسات الاقتصادية، حافظت قطاعاتٌ كبيرة من الاقتصاد العالمي، بما في ذلك أسعار الأسهم، على انتعاشها. وقد لا يمثل هذا الأمر تناقضًا كما يبدو. فرغم ما يبدو من احتمالاتٍ كبيرة لحدوث اضطرابات اقتصادية، تبنى بعض المستثمرين موقفا مفاده أن «لا شيء يحدث فعليًا»، في محاولة لمواجهة الميل إلى المبالغة في ردّ الفعل تجاه الأحداث التي تتصدر عناوين الصحف، والتي كان – أو قد يكون – لها تأثير اقتصادي ضئيلٌ على المدى البعيد. ولا يعني شعار «لا شيء يحدث فعليًا» تجاهل الأحداث العالمية، بل يتمثل في تقييم الأثر الاقتصادي الفعلي لتك الأحداث ببرود وموضوعية. وبطبيعة الحال، تبرز أهمية بعض الأحداث المضطربة في الجغرافيا السياسية من حيث إمكاناتها بشكل أكبر من واقعها قصير المدى. ومن غير المرجح أن تؤدي التهديدات أو التلميحات باستخدام الأسلحة النووية إلى اندلاع حرب نووية فعلية، لكن خطر إطلاق الأسلحة النووية بدافع الغضب ليس معدومًا، مما يجعله أمرًا يستحق المراقبة. وفي الأسواق المالية، يمكن رصد مؤشرات قد تنذر بحدوث صدمة مماثلة لأزمة عام 2008 – مثل الارتفاع الكبير في تقييمات سوق الأسهم والعملات المشفّرة، إلا أنه من المستحيل تحديد ما إذا كانت هذه المؤشرات تمثل نذير انهيار مؤثر، أم أنها ستبقى مجرد إشارات. وحتى في حال حدوث صدمة، فهل يمكن أن تحدث هذا العام، أم بعد خمس سنوات؟ ومن الثابت في علم النفس السلوكي أننا، كبشر، ننجذب إلى التطورات الدرامية والسلبية أكثر من التطورات الإيجابية؛ حيث تتفوق النجاة من الخسارة في تأثيرها على جاذبية المكاسب المحتملة، وتُعد الأخبار السيئة أو الصادمة أكثر فعالية وإثارة للتصفح. ويعني ذلك أنّ الانضباط في متابعة المستجدات عبر وسائل الإعلام قد يقود، بشكل متناقض، إلى فهم مشوّه للتطورات العالمية. وما يزيد الأمر تعقيدًا هو أن الكثير من الأخبار تُجمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون التحقق من صحتها. وفي تقريره عن المخاطر العالمية لعام 2024، أشار المنتدى الاقتصادي العالمي إلى المعلومات المضللة باعتبارها العامل الأكثر زعزعةً للاستقرار على المدى القصير. وهناك عامل آخر هو أنه، وبعيدًا عن مقولة «لا شيء يحدث فعليًا»، فإن ما يحدث في الواقع هو الكثير. فقد جاءت توقعات العديد من الاقتصاديين في مطلع عام 2025 بشأن أثر سياسة الرسوم الجمركية التي ينتهجها الرئيس ترامب بعيدة عن الدقة، إذ تبيّن أن التقديرات التي أشارت إلى إمكانية انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1 % مقابل كل زيادة بمقدار 1 % في الرسوم لم تكن صحيحة. وربما يكون من المستحيل تحديد هذه النسبة بدقة، لكن أحد المؤشرات البديلة هو أن حوالي 17 % فقط من أرباح مؤشر ستاندرد آند بورز 500 تتأثر مباشرةً بالرسوم الجمركية، وذلك وفقًا لتحليل أجراه مصرف دويتشه بنك. وعلاوة على ذلك، رغم أن الولايات المتحدة تمثل أكبر سوق تجاري، فإنها تشكل حوالي 24% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقارنةً بأكثر من 40% في ستينيات القرن الماضي. وهناك خطر يتمثل في أن حركة «لا شيء يحدث فعليًا» قد تقلل من تأثير سلسلة من التطورات التي قد لا تُحدث فارقًا كبيرًا، كلٌّ على حدة، لكنها قد تحدث أثرًا ملموسًا بشكل تراكمي. وتشمل هذه التطورات التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب، وإقالته لرئيس مكتب إحصاءات العمل، وارتفاع الدين العام في الولايات المتحدة والاقتصادات الغربية الأخرى، وتركيز مكاسب سوق الأسهم في عدد قليل من شركات التكنولوجيا، وتهديدات ترامب لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وتخفيفه للقيود المفروضة على العملات المشفرة. وقد يُنظر إلى بعض هذه التطورات على أنها ذات أهمية طفيفة عند تقييمها منفردة، لكن تراكمها قد بدأ يظهر أثره. ومن بين هذه التطورات، يُعدّ ارتفاع الدين على الأرجح الأكثر أهمية على المدى الطويل، إذ يعني تخصيص نسبة متزايدة من الإنفاق الحكومي لسداد الفوائد، وهو ما يُشكل ضغطًا على الخدمات العامة، بالإضافة إلى التآكل التدريجي لقيمة العملات الورقية. وقد شهدت أسعار الأصول الملموسة، مثل الذهب والعقارات والأراضي، ارتفاعًا مستمرًا. ومن شبه المؤكد أن هذا التطور البطيء وطويل الأمد سيحظى بأهمية اقتصادية أكبر مقارنة بالعديد من التطورات الأكثر دراماتيكية التي تتصدر عناوين الصحف.
237
| 31 أغسطس 2025
في شهر يوليو الماضي، شاركتُ في تحدٍّ رياضيٍّ يُعرف باسم هيروكس، وهو سباق للياقة البدنية يجمع بين الجري والتمارين الوظيفية. ويتميز هذا السباق بالشدة والمتطلبات العالية، حيث يتضمن ثماني جولات للجري بطول كيلومتر واحد، تتخللها تحديات شاقة مثل أداء تمارين البيربيز المتتالية أو رفع الأوزان الثقيلة. كما يتميز السباق بأنه مسافته وفعالياته موحدة، وهو ما يتيح إمكانية التنافس المباشر في كل فعالية. وتكون المشاركة في السباق مفتوحة لجميع القدرات، حيث يحصل الفائز في فئة المحترفين على جائزةٍ تصل قيمتها إلى 7,500 دولار أمريكي. وفي هذا العام، أُضيفت للمرة الأولى فئة جديدة للرياضيين الذين يعانون من تحديات جسدية. وقد كنت أرغب بالمشاركة في هذا السباق خلال العام الماضي، لكن لم يكن بمقدوري أداء بعض التمارين، نظرًا لبتر بعض أصابعي بعد تعرضي لحادث في جبال الهيمالايا عام 2021. وقد سُمح لي بالمشاركة. وكان هناك مساعدون مُدرَّبون ومنتبهون للفئة التكيفية، وكانت إدارة السباق وتنظيمه والخدمات اللوجستية ممتازة بشكل عام. ويتميز سباق هيروكس بأنه فعالية حديثة العهد، انطلقت في عام 2017، لكنها تشهد نموًا سريعًا، حيث بلغت عائداتها 140 مليون دولار أمريكي، ولها حضورٌ في 11 دولة. وقد شارك حوالي 650 ألف شخص في هذا السباق خلال عام 2024، مقارنةً بعدد المتسابقين الذين شاركوا في النسخة الأولى من السباق التي أقيمت في ألمانيا قبل سبع سنوات وبلغوا حينئذٍ 650 شخصًا فقط. وتشهد فعاليات السباق إقبالًا كبيرًا، حتى أن الحصول على مكانٍ فيها وُصف بأنه أشبه بمحاولة الحصول على تذكرةٍ لحضور حفل لتايلور سويفت. وتتوافق شعبية السباق مع التوجهات الاجتماعية القوية بين الشباب. ففي استطلاع للرأي أجرته شركة ماكينزي للاستشارات خلال عام 2024، أفاد 56٪ من أفراد جيل الألفية إلى أن اللياقة البدنية تمثل أولوية قصوى لهم، مقارنةً بنحو 40 ٪ من المشاركين عمومًا. ويسعى الكثير من الأفراد إلى خوض تجارب شيِّقة تجمع بين اللياقة البدنية والتفاعل الاجتماعي وعيش لحظات لا تُنسى. كما يتوافق سباق هيروكس تمامًا مع الإدراك المتزايد بأن التدريب المختلط، الذي يجمع بين تمارين القوة وتمارين القلب والأوعية الدموية، هو الأفضل للياقة البدنية الشاملة. ويواجه لاعبو كمال الأجسام الذين يمارسون رفع الأثقال دون أداء تمارين القلب خطر التعرض لضعف الحركة وسعة الرئة، بينما قد يعاني من يمارسون رياضة الجري فقط من ضعف في عضلات الجذع ويكونون عرضة للإصابات مثل إجهاد أوتار الركبة. وقد أدى انتشار جائحة كوفيد- 19 كذلك إلى زيادة النشاط الرياضي. ففي فترة الإغلاق، لجأ الكثيرون إلى الجري في الهواء الطلق خلال الساعات المخصصة لهم، بينما ارتفعت مبيعات أجهزة الدراجات والمشايات الكهربائية بشكل كبير. وعلى الصعيد العالمي، يشهد سوق الفعاليات الرياضية نموًا بمعدل سنوي مركب يصل إلى 10 % تقريبًا. وقد بلغ حجم المبيعات 185 مليار دولار أمريكي في عام 2021، ومن المتوقع أن يصل إلى 609 مليارات دولار بحلول عام 2031، وفقًا لأبحاث أجرتها شركة Allied Market Research. ويتميز نموذج عمل هيروكس بأنه ذكي للغاية، حيث يعتمد على رسوم الاشتراك، ورعاية الفعاليات، وبيع منتجات تحمل العلامة التجارية مثل الملابس، وجل الطاقة، والمشروبات، وغيرها من المنتجات. ويبحث المشاركون في هذا السباق عن تجربة اجتماعية شيِّقة، ويمكنهم شراء باقة من الصور الشخصية التي توثق مشاركتهم فيه تمهيدًا لنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يمنح علامة هيروكس التجارية فرصة ترويجية مجانية. ويحتل سباق هيروكس مكانةً بارزةً ضمن مجموعة متنوعة ومتنامية من الأنشطة الرياضية الجماعية ذات العلامات التجارية. فعلى سبيل المثال، يتضمن سباق «Tough Mudder» اجتياز مسارات خارجية مليئة بالمياه وتجاوز عقبات مثل تسلق المنحدرات الشديدة وتجاوز الجدران. وقد استحوذت عليه شركة سبارتان ريس بعد مواجهة منظمي السباق لصعوباتٍ مالية. وتتراوح فعاليات سباق سبارتان ريس ما بين سباق سبارتان سبرينت الذي يمتد لمسافة 3 أميال وسباق سبارتان ألترا. أما أصعبها فهو سباق الرجل الحديدي الثلاثي، الذي يتكون من السباحة في المياه المفتوحة لمسافة تقل قليلاً عن 4 كيلومترات، وركوب دراجات هوائية لمسافة 180 كيلومترًا، يليه خوض ماراثون كامل (يمتد لمسافة 40 كيلومترًا)، وكل ذلك في يوم واحد. ويبدو أن هذا القطاع مهيأ للنمو المستمر في المستقبل.
207
| 24 أغسطس 2025
يوجد ما يقدر بنحو 1.5 مليار وحدة تكييف هواء في العالم اليوم، ويتوقع معهد روكي ماونتن، وهو مركز أبحاث مقره الولايات المتحدة متخصص في كفاءة الطاقة، أن يصل هذا العدد إلى حوالي 4.5 مليار وحدة بحلول عام 2050. ومن المقرر أن يبلغ معدل النمو السنوي للسوق العالمية أكثر من 5٪ في المتوسط خلال العقد الحالي، مع وصول قيمة وحدات التكييف إلى حوالي 260 مليار دولار بحلول عام 2029. ويشهد قطاع التدفئة والتهوية وتكييف الهواء على نطاق أوسع نموًا بنفس المعدل. ويُعدُ ارتفاع مستويات المعيشة في الاقتصادات الناشئة، ونمو السكان، وزيادة التحضر من العوامل التي تساهم في تعزيز هذا الاتجاه. كما يعمل ارتفاع درجات الحرارة في العديد من المناطق، والذي يُعزى إلى الاحتباس الحراري العالمي، على زيادة الطلب على وحدات التكييف بشكل أكبر. فهل يمكن لإمدادات الطاقة العالمية أن تلبي الطلب المتزايد على الطاقة؟ وفقًا للبيانات الواردة عن وكالة الطاقة الدولية، يشكل تكييف الهواء نحو 10% من استهلاك الكهرباء على مستوى العالم. وإذا كانت الكهرباء المولدة لتلبية هذا الطلب الإضافي تأتي من حرق الوقود الأحفوري، الأمر الذي يؤدي إلى إطلاق الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، وبالتالي مفاقمة هذه الظاهرة. وتتفاقم هذه المشكلة في الهند، التي شهدت درجات حرارة صيفية قياسية مرتفعة وصلت إلى نحو 50 درجة في دلهي خلال شهر مايو من العام الحالي. وتتسبب درجات الحرارة التي تزيد على 40 درجة في حدوث مخاطر كبيرة للبشر، وخاصة لدى الأطفال الصغار وكبار السن والنساء الحوامل والأشخاص الذين يعانون من حالات طبية، وتُعدُ درجات الحرارة التي تزيد عن 45 درجة مئوية غير مواتية للبشر. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن درجة الحرارة المثلى لجسم الإنسان تقع ضمن نطاق ضيق للغاية يتراوح بين 18 إلى 24 درجة. وبالنسبة للعديد من الأشخاص، يمثل تكييف الهواء ضرورة وليس رفاهية. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى أنظمة تبريد الهواء لتشغيل أنظمة التخزين الحاسوبية وتلبية غيرها من الاستخدامات الصناعية. وفي الشرق الأوسط، ترتفع درجات الحرارة للغاية في فصل الصيف. وتُستخدم بعض مكيفات الهواء حتى في المناطق الخارجية، مثل الأفنية المغطاة بستائر، حيث يرتفع الهواء البارد عبر فتحات التهوية في المنطقة المرصوفة. وفي بلد مثل قطر، يُعدُ هذا الأمر ممكنًا في ظل رخص تكلفة الطاقة. ويمكن للمدن أن تستفيد من التصميم الأفضل لأنظمة التكييف وتبريد الهواء. ويتمثل نظام تكييف الهواء الطبيعي الفعّال في وجود الكثير من الحدائق المليئة بالأشجار، وزراعة المزيد من الأشجار على جانبي الشوارع لتوفير ظل طبيعي. ويكون لهذه الحدائق والأشجار تأثير تبريد طبيعي بينما يساهم الأسفلت والطوب والخرسانة في تخزين الحرارة وعكسها وتكثيفها. وفي الشرق الأوسط، يمكن أن تكون الصحراء أكثر برودة بالفعل من المدينة في يوم حار. وقد توصلت دراسة نُشرت في مجلة نيو ساينتست في عام 2021 إلى أن الأشجار في المدن يمكن أن تقلل من درجة حرارة الأرض بما يصل إلى 12 درجة؛ ومن المثير للاهتمام أن هذه الدراسة خلصت أيضًا إلى أن المساحات الخضراء الخالية من الأشجار لها تأثير ضئيل على درجة الحرارة. ويمكن أن يساهم الظل الطبيعي وتخضير المدن في تخفيض الطلب على الطاقة. وبالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى المزيد من الآلات الموفرة للطاقة. وفي عام 2019، انضمت حكومة الهند إلى معهد روكي ماونتن في الولايات المتحدة لطرح جائزة التبريد العالمية، حيث قدمت مليون دولار لفريق المهندسين القادرين على تحقيق تحسينات سريعة في كفاءة استخدام الطاقة في وحدات التبريد. وأشار المنظمون إلى أن الهندسة الأساسية لوحدة تكييف الهواء التقليدية لم تتغير تقريبًا في المائة عام التي تلت تطوير المخترع الأمريكي ويليس كارير لأول وحدة تكييف في عشرينيات القرن العشرين. وهناك أيضًا إمكانات كبيرة لمساهمة أنظمة الذكاء الاصطناعي في تحسين استخدام الطاقة داخل المباني، حيث يمكن استخدام أجهزة الاستشعار وتحليلات البيانات في تشغيل أنظمة التحكم. وتساعد الصيانة التنبؤية، التي تكتشف أجهزة الاستشعار فيها جزءًا يحتاج إلى الاستبدال قبل أن يتعطل. ويتطلب النمو المستمر تخطيطًا حضريًا أفضل وتكنولوجيا أكثر ذكاءً لمنع الحلقة المفرغة التي تؤدي فيها الآلات التي تبرد مبانينا من زيادة درجة الحرارة المحيطة بنا.
588
| 16 يوليو 2025
في يوم الثلاثاء الموافق 24 يونيو، علقتُ في مطار مسقط بسلطنة عُمان لمدة سبع ساعات في انتظار رحلة العودة إلى الدوحة. وكان المجال الجوي القطري قد أُغلق منذ عصر يوم الإثنين الماضي وحتى ما بعد منتصف ليل الثلاثاء بقليل. وجاء ذلك عقب تحذير من ضربة صاروخية وشيكة من القوات الإيرانية على قاعدة العديد الجوية التابعة للقوات الأمريكية، وقد نُفذت الضربة بالفعل مساء الاثنين دون وقوع خسائر في الأرواح. وكانت الصواريخ قد أُطلقت ردًا على ضربات سابقة شنتها القوات الأمريكية على مواقع يُشتبه بأنها تضم أسلحة نووية إيرانية. وتبعتها دول خليجية أخرى بإغلاق مجالها الجوي، حيث أغلقت البحرين والإمارات والكويت مجالاتها الجوية أيضًا. وكان من المقرر هبوط ما يقارب 100 طائرة تابعة للخطوط الجوية القطرية عند لحظة إغلاق المجال الجوي. وقد تم تحويل مسار نحو 25 طائرة منها إلى السعودية، و18 إلى تركيا، و15 إلى الهند، و13 إلى سلطنة عُمان، و5 طائرات إلى الإمارات، وحُوِّلت رحلة من نيجيريا إلى مصر. أما بقية الرحلات، فقد حُوِّلت مساراتها إلى مطارات مختلفة في الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا، بما في ذلك وجهات بعيدة مثل لندن وبرشلونة. ويبدو التعامل مع مثل هذه الاضطرابات في مجال الطيران أمرا معقدا. فعلى سبيل المثال، هناك قواعد صارمة تُحدد الحد الأقصى لساعات الطيران المسموح بها للطيار خلال فترة زمنية معينة. وبالإضافة إلى ذلك، قد يحتاج الطيار إلى التأقلم مع التوقيت المحلي للوجهة. لذا، حتى في حال توافر طائرات جاهزة للإقلاع وطيارين مؤهلين يعملون لدى نفس شركة الطيران وفي نفس المطار وفي نفس الفترة الزمنية، قد تظل هناك حاجة إلى تأخير إضافي. وعلى الرغم من الاضطراب الهائل الذي أحدثه إغلاق المجال الجوي، فقد فعّلت الخطوط الجوية القطرية إجراءاتٍ مُحكمة للاستجابة للأزمات. وكان موظفو الخطوط الجوية القطرية على دراية تامة بالإجراءات الواجب اتباعها، حيث تم تنفيذ خطط مدروسة بعناية ومجربة مسبقًا. وفي غضون ساعات من إعادة فتح المجال الجوي في الساعات الأولى من صباح 24 يونيو، استؤنفت الرحلات الجوية، حيث تم تشغيل ما مجموعه 390 رحلة في ذلك اليوم، تقل أكثر من 11,000 مسافر في صباح ذلك اليوم وحده. وخلال 24 ساعة، كان جميع ركاب الرحلات المحوّلة قد استأنفوا رحلاتهم. وبحلول يوم الأربعاء الموافق 25 يونيو، كانت الخطوط الجوية القطرية قد شغلت 578 رحلة، ولم يتبقَّ أي مسافر عالق على متن الرحلات المحولة. وتتمتع الخطوط الجوية القطرية بخبرة تراكمية كبيرة فيما يتعلق بالتعامل مع الاضطرابات. منذ الأزمة التي أدت الى اغلاق الأجواء خلال الفترة من 2017 إلى 2021، ثم أعقبه تفشي جائحة كوفيد - 19 وما صاحبها من إغلاقات ألحقت أضرارًا بالغة بصناعة الطيران عالميًا. ورغم ذلك، كانت الخطوط الجوية القطرية من بين عدد قليل جدًا من شركات الطيران التي نجحت في مواصلة عملياتها. وهناك درسٌ مهمٌّ يتعلق بتخطيط الأعمال وأولويات الإدارة التنفيذية. ففي السنوات الأولى للعولمة، كان هناك تركيزٌ على إنشاء سلاسل توريد فائقة الكفاءة، استنادًا إلى مبدأ "التوريد في الوقت المناسب" - أي تقليل كمية المخزون المطلوب تخزينه، على سبيل المثال. وقد أدى ذلك إلى تحقيق كفاءات تشغيلية عالية جدًا - ولكن فقط في حالة عدم وجود اضطرابات كبيرة، حيث إن التشغيل التجاري شديد الكفاءة يكون هشًا وضعيف التحمل أمام الأزمات. ومنذ جائحة كوفيد-19، حدثت إعادة تقييم جوهرية في تخطيط الأعمال والنظريات المرتبطة بها، قلّلت من أهمية "الاستجابة في الوقت المناسب" وعززت من اعتماد خطط الطوارئ والبدائل. وبات من المرجح بشكل متزايد منح مفهوم المرونة أولوية مساوية للكفاءة التشغيلية. وهذا لا يعني فقط زيادة المخزون أو الاحتفاظ ببعض الطاقة الإنتاجية الاحتياطية، بل يشمل أيضًا إجراء تخطيط صارم للسيناريوهات وتوفير تدريب مكثف للموظفين لاختبار قدرة الفرق على الاستجابة لمختلف أنواع الأزمات أو غيرها من الأحداث غير المتوقعة. وربما يوجد نوعان من المديرين التنفيذيين للشركات، حيث يضم النوع الأول المديرين الذين يتوقعون تنفيذًا سلسًا لجميع الخطط الاستراتيجية التي يعرضونها في العروض التقديمية، بينما يضم النوع الثاني المديرين الذين يتوقعون حدوث اضطرابات. ودائمًا ما يكون النوع الثاني أكثر ملاءمة للعمليات الفعلية، لا سيما في ظل الفترة الحالية من الحروب التجارية، والتقلبات الجيوسياسية، والهجمات الإلكترونية المتواصلة.
231
| 06 يوليو 2025
كان الإنفاق العسكري الباهظ أحد عوامل انهيار الإمبراطوريتين الرومانية والإسبانية، واندلاع الثورة الفرنسية، حيث إن خوض حملات عسكرية لا نهاية لها، وغالبًا ما تكون خاسرة، قد يكلف الدولة ثمنًا باهظًا. وقبل القرن العشرين، كان الإنفاق العسكري الباهظ يتسبب عادةً في نفاد احتياطيات الذهب لدى الحكومات التي تخوض حملات عسكرية متواصلة، وهو ما كان يؤدي إلى إغراق الدولة في أزمات مستمرة. أما في عصر العملات الورقية والأسواق المالية المتطورة، باتت الاقتصادات الكبرى تتمتع بقدرة واسعة - وإن لم تكن مطلقة في نهاية المطاف - على الاقتراض لتمويل الحروب. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، واجهت ألمانيا واليابان قيودًا على قواتهما المسلحة فرضها الحلفاء، ولكن نتيجة لذلك استفاد البلدان من «عائد السلام» بعد الحرب، حيث حققت شركاتهما المصنعة التي تركز على التصدير أرباحًا هائلةً مع تحول الأسواق الاستهلاكية إلى الطابع العالمي خلال سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. ويختلف طابع اقتصاد الحرب، إلا أنه قد يكون مفيدًا للنشاط الاقتصادي، وإن كان ذلك يعتمد على نقطة البداية، وربما يحدث ذلك على المدى القصير فقط. ويمكن القول إن اندلاع الحرب العالمية الثانية ساهم بشكل كبير في إنهاء الركود الاقتصادي الحاد وارتفاع معدلات البطالة في ثلاثينيات القرن الماضي. فقد أدت الزيادات الهائلة في الإنفاق الحكومي في الاقتصادات الغربية إلى تحفيز الإنتاج الصناعي، وانخفاض معدلات البطالة، رغم أن هذه الاقتصادات كانت قد بدأت في التعافي قبل اندلاع الحرب، بينما ارتفع معدل الدين الحكومي بشكل حاد خلال فترات النزاع. وقد واجهت روسيا حملة عسكرية في أوكرانيا أطول وأكثر تكلفة بكثير مما كانت قد توقعته في عام ٢٠٢٢، وتعرضت لعقوبات صارمة من القوى الغربية. ومع ذلك، ورغم تأثر اقتصادها في بعض النواحي، فقد أثبت قدرًا ملحوظًا من الصمود. وأشار الدكتور ريتشارد كونولي، المتخصص في الاقتصاد الروسي في مقال نشره إلى وجود نقاط قوة معينة في الوضع الاقتصادي الروسي. كما أوضح أن الاقتصاد الروسي لا يتمتع بجميع سمات الاقتصاد الحربي، حيث لم تُجبر البلاد على فرض ضوابط على الأسعار أو السيطرة المركزية على الاقتصاد. وقد حافظت روسيا على إيرادات قوية من صادرات النفط، بينما لا يتجاوز الدين العام 15% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أدنى مستوى بين اقتصادات مجموعة العشرين. وعلى الرغم من ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، إلا أن العديد من الشركات والأسر يتمتعون بإمكانية الحصول على قروض مدعومة. ورغم وجود نقص في العمالة، إلا أن ارتفاع الأجور المصاحب لذلك، إلى جانب المدفوعات الكبيرة التي تُقدم لعائلات المجندين في الجيش، قد ساهما في تعزيز الطلب المحلي وتقليص التفاوتات الاقتصادية بين المناطق الروسية. كما ساهمت القيود التي فرضت على حركة رؤوس الأموال في التشجيع على زيادة الاستثمار داخل البلاد. وعلى الصعيد السياسي، دفع غزو روسيا لأوكرانيا العديد من الدول الأوروبية إلى زيادة إنفاقها العسكري. ويُعد التطور الأبرز في هذا السياق ما حدث في ألمانيا. فعلى مدى عقود، التزم القادة السياسيون في ألمانيا بسياسات مالية محافظة وبمستويات محدودة من الإنفاق العسكري. إلا أن هذا النهج قد تغير الآن مع موافقة البرلمان على تخفيف القيود الدستورية على الاقتراض. وتُحدث هذه الإجراءات تأثيرًا أشبه بالحافز الاقتصادي. فقد رفعت مؤسسة جولدمان ساكس من توقعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا بمقدار 0.2% هذا العام، وبنسبة تتراوح بين 0.5% إلى 1.5% لعام 2026. ومن النتائج الثانوية الأخرى لاقتصاد الحرب الحافز الناتج عن جهود إعادة الإعمار. ويمثل انتهاء الصراع في سوريا فرصة سانحة من هذا النوع. ومن المتوقع أن تحقق شركات البناء التركية، على وجه الخصوص، أرباحًا كبيرةً، بفضل قربها الجغرافي من سوريا. وقد شهدت أسعار أسهم شركات البناء والإسمنت التركية ارتفاعًا كبيرًا في شهر ديسمبر الماضي، عقب سقوط نظام الأسد. وفي عام ٢٠٢٣، أشارت تقديرات البنك الدولي إلى أن تكلفة الأضرار التي لحقت بالبيئة العمرانية في سوريا نتيجة الحرب الأهلية التي اندلعت في عام ٢٠١١ بلغت ١١.٤ مليار دولار. وقال فولكان بوزاي، الرئيس التنفيذي لجمعية صناعة الأسمنت التركية، في أعقاب تغيير النظام، إنه على الرغم من وجود تحديات سياسية ولوجستية قد تواجه عملية إعادة إعمار البنية التحتية السورية، إلا أن «الفرص كبيرة جدًا».
168
| 29 يونيو 2025
شهد شهر أبريل تطورات لافتة، أبرزها إعلان الرئيس الأمريكي ترامب عن فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات قبل أن يعلّقها لاحقًا، مما مهد الطريق لتحولات اقتصادية لاحقة أقل سرعة لكن ذات تأثير كبير على الاقتصادين الأمريكي والعالمي. حيث شهدت المحادثات بين الصين والولايات المتحدة في مايو اتفاقًا على خفض كبير للرسوم الجمركية المتبادلة، حيث خُفضت الرسوم الأمريكية على الصين من 145% إلى 30%، والصينية على الواردات الأمريكية من 125% إلى 10%، مع إعفاء الهواتف الذكية والتكنولوجيا المرتبطة بها من هذه الرسوم. لكن هذه التخفيضات مؤقتة وتستمر فقط لمدة 90 يومًا، ما يعني استمرار الضغط التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم. وقد تحول الكثير من الاهتمام إلى الوضع المالي عقب تخفيض وكالة موديز للتصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة الأمريكية في منتصف مايو من AAA إلى Aa1 وأشارت الوكالة إلى ارتفاع مستوى الدين العام إلى 36 تريليون دولار، مع عدم وجود مؤشرات واضحة على إمكانية كبحه، وإمكانية تعويض الحجم الهائل لهذا الدين بالكامل حتى مع القوة والعمق الكبيرين للاقتصاد الأمريكي والاستخدام العالمي للدولار. وقد وصلت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 30 عامًا إلى 5%. كما ارتفعت العوائد في العملات الرئيسية الأخرى. ويُعد ذلك مؤشرًا على انخفاض الثقة بشكل عام في الإدارة الاقتصادية والمالية. ويفاقم هذا الوضع من صعوبات الإدارة المالية في الولايات المتحدة عبر زيادة النسبة المرتفعة أصلاً من النفقات المُخصصة لخدمة الدين. وإلى جانب هذه الاتجاهات، هناك سمة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بها، وهي ارتفاع معدلات التضخم. وعلى مدار معظم العقدين الماضيين، ظل معدل التضخم في أسعار السلع منخفضًا، وذلك بفضل اندماج اقتصادات شرق آسيا، التي توفر صادرات صناعية رخيصة، في الاقتصاد العالمي. وقد توقف هذا الانخفاض بسبب اضطراب سلاسل التوريد الناجم عن اندلاع جائحة كوفيد-19 والغزو الروسي لأوكرانيا. وبدأ تضخم أسعار السلع في الانخفاض منذ عام ٢٠٢٣، ولكن باتت هناك ضغوطًا متصاعدةً الآن ناجمة عن الرسوم الجمركية والتوترات التجارية، وأصبح التضخم يتسم بنوع من «الثبات» أو «الجمود.» ولم يرتفع التضخم بشكل كبير حتى الآن، حيث سجل ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.1% ليصل إلى 2.4% في شهر مايو الماضي. ويُعدُ ارتفاع قيمة الأصول المادية مثل الذهب مؤشرًا على ضعف الثقة في العملات الورقية وهو ما يثير التوقعات بإمكانية حدوث ارتفاع في معدلات التضخم. ومن المرجح أن تبقى أسعار الفائدة عند مستوى مرتفع نسبيًا، نظرًا للضغوط الناجمة عن ارتفاع معدل التضخم، مع وجود توقعات برفع أسعار الفائدة. وقد أشار جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في خطاب ألقاه في منتصف مايو، إلى احتمال أن «يصبح التضخم أكثر تقلبًا في المستقبل». صحيح أن التضخم الثابت يساهم في تآكل المستوى الفعلي لديون القطاع العام، ويُعادل التخلف الجزئي عن السداد، إلا أنه له تبعاته وتكاليفه، حيث سيجد المسؤولون عن تحديد أسعار الفائدة صعوبة في احتواء التضخم من جهة أو تحفيز النمو الاقتصادي من جهة أخرى، وهو ما يُنذر بخطر حدوث حالة من الركود التضخمي. وفي غضون ذلك، بدأت المسائل العسكرية تطغى على قضايا التجارة والتعريفات الجمركية في المشهد الجيوسياسي. فبعد يومين فقط من محادثات لندن، تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران مع تبادل إطلاق الصواريخ، في ظل قناعة الحكومة الإسرائيلية بأن إيران تُسرّع خططها لتطوير أسلحة نووية. وفي 18 يونيو، وردت تقارير تُفيد بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان يستعد لشنّ ضربة هائلة باستخدام قنبلة «خارقة للتحصينات»، أقوى من أي قنبلة تمتلكها إسرائيل، لتدمير موقع يُشتبه بأنه مخصص لصناعة الأسلحة النووية في إيران. وقد تكون هذه التقارير مجرد ورقة ضغط تفاوضية، حيث أعلن ترامب بعد ذلك بوقت قصير عن تأجيل الضربات لمدة أسبوعين لإتاحة المجال للمحادثات. وقد ارتفع سعر النفط منذ تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران، من أقل من 65 دولارًا للبرميل في نهاية مايو إلى أكثر من 75 دولارًا بحلول منتصف يونيو، وهو ما فاقم من الضغوط التضخمية. ومن المستحيل التنبؤ بحدة هذا الصراع ومدته، ولا بآثاره السياسية والاقتصادية الأوسع نطاقًا على المنطقة والعالم، وهو ما يضيف مزيدًا من الغموض إلى حالة عدم اليقين العالمية المتفاقمة أصلاً.
708
| 24 يونيو 2025
في عام 2024، شهد قطاع الطيران الدولي نقطة تحول مهمة حيث تجاوزت معدلات السفر الجوي المستويات المسجلة قبل تفشي جائحة كوفيد-19، مع زيادة حركة النقل الجوي على مدار العام بنسبة 3.8% مقارنة بالمستويات المسجلة في عام 2019، وفقًا للبيانات الصادرة عن الاتحاد الدولي للنقل الجوي. ومع تعافي قطاع الطيران، تستحوذ شركات الطيران والمطارات في الشرق الأوسط على حصة متزايدة من الأعمال الدولية. وتُعد ثروة المنطقة، وموقعها الاستراتيجي القريب من ثلاث قارات، وطموحات شركات الطيران فيها، من العوامل المؤثرة في حدوث ذلك. ويواجه قطاع الطيران الأوروبي ضرائب بيئية أعلى، ولا تستطيع شركات الطيران في القارة التحليق فوق المجال الجوي الروسي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. كما أن أوروبا الغربية مكتظة بالسكان، وهو ما يُصعّب من عملية توسيع المطارات. وقد شهدت شركة الخطوط الجوية القطرية نموًا ملحوظًا في حجمها وسمعتها خلال السنوات الأخيرة. وفي مقابلة أُجريت معه خلال شهر مارس الماضي، صرح المهندس بدر محمد المير، الرئيس التنفيذي، بأن الشركة أجرت محادثات مع كبرى شركات صناعة الطائرات بهدف زيادة الطاقة الاستيعابية للشركة من 50 مليون مسافر سنويًا إلى 80 مليون مسافر بنهاية العقد. وسيتبع ذلك توقف متعمد في أي توسعات مستقبلية. وبحلول ذلك الوقت، ستبلغ الطاقة الاستيعابية لمطار حمد الدولي في الدوحة الحد الأقصى. وفي منتصف شهر مايو، أكدت الخطوط الجوية القطرية طلبية كبرى مع شركة بوينج لشراء ما يصل إلى 210 طائرات بوينج من طراز 777X و787 دريملاينر في صفقة بقيمة 96 مليار دولار، جرى الإعلان عنها خلال زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى الخليج. كما أعلنت مجموعة الخطوط الجوية القطرية خلال شهر مايو الجاري عن أقوى نتائجها المالية على الإطلاق، بتحقيقها لأرباح سنوية بلغت 7.85 مليار ريال قطري (2.15 مليار دولار أمريكي) للسنة المالية 2024-2025. ويمثل ذلك زيادة بأكثر من 1.7 مليار ريال قطري (500 مليون دولار أمريكي) مقارنة بالسنة المالية 2023-2024. وسجلت الشركة القطرية للشحن الجوي، إحدى وحدات المجموعة، زيادة في الإيرادات بنسبة 17%. وقال المهندس بدر محمد المير خلال المقابلة التي أجراها مع جريدة الفاينانشال تايمز في شهر مارس الماضي إن جودة الخدمة لدى بعض شركات الطيران الأخرى قد تدهورت مع توسعها السريع، مشددًا على أهمية خدمة العملاء في هذا القطاع. وتسعى العديد من شركات الطيران إلى زيادة قوة وموثوقية اتصالات شبكة الواي فاي للركاب، على سبيل المثال باستخدام شبكة ستارلينك الفضائية. ويعني هذا الالتزام بالخدمة وأحدث تكنولوجيا الاتصالات أن شركة الخطوط الجوية القطرية ستحتاج إلى تشغيل أحدث الطائرات على خطوطها. ونظرًا لحجم أسطولها الضخم، وخضوع طائراتها لصيانة جيدة تتيح لها إمكانية البقاء في الخدمة لمدة 20 عامًا، يتيح هذا الأمر المجال أمام افتتاح ذراع لتأجير الطائرات، حيث يمكن تأجير الطائرات الأقدم لشركات الطيران منخفضة التكلفة. وتُعد الدوحة مركزًا مناسبًا لشركات تأجير الطائرات، حيث تتمتع بأعلى معايير صيانة الطائرات. وفي مجال الطيران، من المتوقع تحسن خدمة العملاء بفضل التكنولوجيا عبر استخدام الروبوتات والذكاء الاصطناعي لتسهيل إجراءات التخليص الأمني في المطارات. ويُعد تفتيش حقائب السفر والجيوب أمرًا مزعجًا للمسافرين، لكن التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي تُتيح إمكانية تحديد المواد المحظورة عبر صور الأشعة السينية، بينما يُمكن لتقنية التعرف على الوجه تحديد الأشخاص المُدرجين على قوائم المراقبة. ولعدة عقود، كانت بوينج وإيرباص الموردَين الرئيسيين للقطاع، ولا تزالان تُهيمنان عليه. فهل سيتغير هذا النمط في المستقبل؟ وقد برزت شركات السيارات الصينية بصفتها أطرافًا مؤثرةً عالميًا، لا سيَّما في سوق السيارات الكهربائية، وقد يطرأ تطور مماثل في قطاع الطيران. وتمتلك شركة كوماك الصينية الحكومية لتصنيع الطائرات طائرات مدنية قيد الاستخدام التجاري. وتُسيّر شركات الطيران الصينية طائرة الركاب النفاثة ضيقة البدن C919 على الرحلات الداخلية، وهي قيد الاعتماد للرحلات الدولية. أما طائرة C929 عريضة البدن، فهي قيد التطوير. وسيكون من المنطقي أن نتوقع نمو الحصة السوقية لشركة كوماك خلال السنوات القادمة. ويشهد مركز الثقل في صناعة الطيران تحولاً من أوروبا وأميركا نحو آسيا، ومن المرجح أن يستمر النمو العالمي، ولكن كما هو الحال مع أي صناعة، من الصعب التنبؤ بالاضطرابات المستقبلية والتطورات الأخرى.
390
| 26 مايو 2025
يتوافق الأسلوب الشخصي للرئيس دونالد ترامب مع أسلوب دول الخليج؛ فهو يفضّل إبرام الصفقات بشكل مباشر مع القادة الأقوياء، ويشعر بالارتياح تجاه الاستثمارات الضخمة. ومن الواضح أنه يشعر بالراحة في هذه المنطقة، التي اختارها لتكون وجهة أول جولة رسمية له إلى الخارج منذ تنصيبه في شهر يناير الماضي. ومع ذلك، سيكون من الخطأ افتراض أن جولة ترامب إلى منطقة الخليج في منتصف شهر مايو الجاري، التي شملت القيام بزيارة إلى قطر، كانت تدور في معظمها حول المظاهر والبروتوكولات أو المجاملات، أو حتى أنها كانت مجرد زيارة لإبرام الصفقات التجارية. فقد ناقش الرئيس الأمريكي قضايا دبلوماسية واستراتيجية حيوية، في الوقت الذي حظيت فيه الصفقات الاقتصادية التي أبرمها مع دول المنطقة بأهمية كبيرة. وكان من بين الأهداف الاستراتيجية للرئيس ترامب تقليص الالتزام الأمني للولايات المتحدة ونفقاتها الخارجية. ولكي يكون هذا الأمر فعالاً، من الضروري وجود شركاء موثوقين للولايات المتحدة. وتُقدّر إدارة ترامب دور القادة السعوديين والقطريين في الوساطة بين الأطراف المتنازعة في إسرائيل وغزة، وبين أوكرانيا وروسيا. وكان من أبرز العناوين الدبلوماسية لهذه الزيارة إعلان الرئيس ترامب عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا بعد 45 عامًا، وهو ما أثار أجواء من الاحتفالات داخل سوريا . وقد جاء هذا القرار بعد أن بادرت دول الخليج بالاعتراف بنظام الرئيس أحمد الشرع. وصدر هذا الإعلان بعد محادثات أجراها الرئيس ترامب مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وكذلك، فإن الصفقات التجارية التي جرى الإعلان عنها خلال جولة الرئيس ترامب في الشرق الأوسط كانت ضخمة. فقد أعلنت الخطوط الجوية القطرية عن طلبية طائرات هائلة مع شركتي بوينغ وGE، تتضمن اتفاقية بقيمة 96 مليار دولار لشراء ما يصل إلى 210 طائرات بوينغ 787 دريملاينر و777X، تعمل بمحركات من إنتاج شركة GE، حسبما أعلن البيت الأبيض. وتُعد هذه أكبر طلبية طائرات عريضة البدن في تاريخ شركة بوينغ، وأكبر طلبية لطائرات 787 على الإطلاق. وكان من الأمور المهمة أيضًا تعزيز الروابط بين الولايات المتحدة ودول الخليج في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا وثيقة الصلة، فقد رافق الرئيس ترامب خلال زيارته أهم قادة الأعمال في الولايات المتحدة، بما في ذلك قادة قطاعي الاستثمار والتكنولوجيا. وقد وقّعت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اتفاقيات تتيح لهما إمكانية الوصول إلى الرقاقات المتطورة التي تُنتجها شركتا إنفيديا وAMD، واللازمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. وأكد جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، خلال الزيارة أن الشركة ستبيع أكثر من 18,000 من أحدث رقاقات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها لشركة هيوماين السعودية. وتدخل هذه الاتفاقية في إطار الشراكة الاستراتيجية بين الشركتين، حيث تستثمر شركة هيوماين السعودية فيما تصفه الشركتان بمراكز بيانات "فائقة الحجم" تهدف إلى توفير بنية تحتية أساسية لتدريب ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي السيادية على نطاق واسع بغرض تمكين الشركات في المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول من "تسريع وتيرة الابتكار والتحول الرقمي". وألغت إدارة ترامب قانون التوزيع الذي فرضته إدارة بايدن، والذي كان يقيد تصدير الرقائق المتطورة إلى دول الشرق الأوسط، بهدف الحد من الانتشار المحتمل للتكنولوجيا الأمريكية بين أعداء الولايات المتحدة. وقد تراجع هذا الخطر مع تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والرقائق الصينية بشكل مماثل، واحتمال مساهمة قيود التصدير في حصول دول المنطقة على هذه التكنولوجيا من الصين بدلاً من الولايات المتحدة. وستوفر شركة AMD رقاقات وبرامج لمراكز البيانات في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في مشروع بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي، وفقًا لإعلان مشترك صادر عن شركتي هيوماين وAMD. وتم الكشف عن المرحلة الأولى من مشروع بناء مجمع للذكاء الاصطناعي بسعة 5 جيجاوات في أبوظبي، وهو المجمع الأكبر خارج الولايات المتحدة. ومن المهم أن الرئيس ترامب جعل دول الخليج وجهته الأولى في زيارته الرسمية، بدلاً من الدول الغربية مثل كندا والمكسيك أو الدول الأوروبية التي كانت من أولويات الرؤساء السابقين للولايات المتحدة. ولم يزر ترامب إسرائيل خلال هذه الجولة، وهو ما يدل على أنه يعتبر دول الخليج ذات أهمية جوهرية، سواء من حيث التحالف الاستراتيجي أو الفرص الاقتصادية.
816
| 19 مايو 2025
لا يمكن لأحد أن يشكك على الإطلاق في أن التطور السريع لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي له تأثير كبير على الاقتصادات والمجتمعات، حيث ستُحقق الدول الرائدة في توفير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وكذلك الشركات والأفراد الذين يستخدمون تطبيقاته بذكاء، مكاسب اقتصادية هائلة. وتُعدّ الصين والولايات المتحدة الأمريكية من القوى البارزة في ابتكار حلول الذكاء الاصطناعي. وفي منطقة الشرق الأوسط، يبدو أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي الرائدة في مجال استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية وتنظيم العملات المشفرة، بقيادة شركة G42. وفي قطر، لا يوجد منافس مباشر لشركة G42 الناشئة، ولا توجد مؤشرات تذكر على وجود مركز حيوي للذكاء الاصطناعي قادر على إنشاء الشركات المليارية الواعدة «unicorn». فهل هناك خطر ناجم عن تخلف قطر عن الركب؟ الإجابة هي نعم بكل تأكيد، حيث تمتلك قطر بنية تحتية تكنولوجية قوية، واستراتيجية جيدة للذكاء الاصطناعي، لكنها بطيئة في التنفيذ. وتتبنى قطر نهجًا حذرًا، وهو ما ينطوي على بعض المزايا، لكنها تسير بخطوات وئيدة، وربما بطيئة للغاية. ويقود القطاع العام مبادرات استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بشكل كبير. وعلاوة على ذلك، وُضعت الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في عام ٢٠١٩ منذ فترة طويلة جدًا في قطاع سريع التطور مثل قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. وللحكومات دورٌ محوريٌّ في رعاية المراكز التكنولوجية، إلا أن نقاط قوتها تكمن في وضع الإطار التنظيمي، وضمان أن تكون سياسات منح التأشيرات مُلائمةً لاستقطاب المواهب، وتعزيز البنية التحتية، وتوفير أو تمكين الاستثمارات. وليس من الأنسب للحكومات أن تكون من المبتكرين، بل يقع هذا الدور على عاتق المُستثمرين، مع أهمية دعم الحكومة السياسي للحصول على التكنولوجيا المتطورة مثل GPUs & IPs من الولايات المتحدة. ويجب تقبل فشل بعض هذه الشركات، وهو ما يتعارض مع قيم القطاع العام التي تركز على الموثوقية والمسؤولية. وعندما لا تحقق الشركة الواعدة ربحًا، فقد تُسهم بعض إنجازاتها في إنشاء شركة أخرى. وللقطاع العام دورٌ حيويٌّ في تطوير مراكز التكنولوجيا. ولا تتبع الولايات المتحدة الأمريكية ولا الصين نهجًا قائمًا على السوق فحسب في تطوير الذكاء الاصطناعي، بل تضع حكومتا البلدين الإطار والبنية التحتية، بالتعاون الوثيق مع الجامعات. وقد طور تقنيون ورواد أعمال حصلوا على الفرصة والدعم ابتكاراتٌ ثورية مثل نموذجيّ ChatGPT وDeepSeek. وتميل قطر للنموذج الأوروبي والسنغافوري في وضع استراتيجية الذكاء الاصطناعي بدلًا من الأمريكي القائم على القطاع الخاص، لكن التحدي في التنفيذ لا الاختيار بينهم. ومن المتوقع أن تساهم مشاركة الوزارات القطرية في ثورة الذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي في تعزيز التقدم في مجال استخدام أحدث وسائل التكنولوجيا لتقديم الخدمات العامة بطريقة أذكى. وقد تعاونت الحكومة القطرية مع شركة (Scale AI) التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا مقرًا لها في توفير أدوات وتدريب قائم على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وفي مارس من هذا العام، أنشأت الحكومة القطرية اللجنة التوجيهية للحكومة الذكية والريادة الرقمية. وتتوافق لوائح تنظيم عمل الذكاء الاصطناعي مع المعايير الأمريكية والأوروبية، لتسهيل التجارة عبر الحدود في التكنولوجيا. ولهذا يجب التركيز على تأهيل وبناء قدرات وطنية في مجال الذكاء الاصطناعي ضمن مختلف قطاعات الدولة، والاستعداد لإعادة هيكلة المؤسسات لجعلها أكثر فعالية. ومن أبرز التحديات غير المعلنة التي تواجه أي استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي في قطر هي مسألة مشاركة البيانات بين الجهات الحكومية وحوكمتها. رغم الحديث المتكرر عن التحول الرقمي، إلا أن تدفق البيانات بين الوزارات والهيئات لا يزال محدودًا، إما بسبب غياب الأنظمة المشتركة أو نتيجة الحواجز الإدارية والتقنية، وأحيانًا لأسباب تتعلق بثقافة العمل نفسها. لكن المشكلة الأكبر تكمن في غياب حوكمة موحدة للبيانات. من يملك البيانات؟ من يحدد من يمكنه الوصول إليها؟ ما المعايير الأخلاقية والقانونية التي تضمن حماية الخصوصية وضمان الاستخدام العادل؟ هذه أسئلة أساسية لم تُطرح بعد بجدية كافية، رغم أنها تشكّل حجر الأساس لنجاح أي مشروع وطني في الذكاء الاصطناعي. حل هذه المسألة لا يتطلب إطارًا قانونيًا فقط، بل يحتاج إلى إرادة سياسية وسلطة تنفيذية تفرض قواعد مشتركة، وترفع ثقافة التعاون بين الجهات والقطاعات الحكومية. وإلا، ستظل البيانات حبيسة الجزر الإدارية، وسيبقى الذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي المُوَلِّد مشروعاً طموحاً معزولاً عن الواقع.
753
| 15 مايو 2025
شهد الشهر الماضي تقلبات جيوسياسية واقتصادية غير مسبوقة. فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكلٍ مفاجئ عن فرض رسوم جمركية مرتفعة على شركائه التجاريين، ثم علَّق معظمها في استجابة للضغوط المفروضة على عوائد السندات، وفي أعقاب التحذيرات التي صدرت من تجار التجزئة الأمريكيين من إمكانية نفاد المعروضات على رفوفهم بسبب احتمال حدوث صدمة في الإمدادات. ومن المرجح أن تكون هناك عواقب لهذا الأمر على قطاعيَّ التمويل والتجارة، وستكون هناك آثار طويلة الأجل حتى لو تم إلغاء الرسوم الجمركية قريبًا أو في ظل وجود رئيس مختلف. ولعقود طويلة، ظلّ الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية المهيمنة والعملة الرئيسية للمعاملات الدولية. وقد وُصف هذا بأنه «امتياز باهظ»، إذ يسمح بالاقتراض بتكاليف منخفضة ويمكّن واشنطن من ممارسة ضغوط سياسية من خلال العقوبات المالية. لكن فريق الرئيس ترامب يرى فيه مشكلة أيضًا، إذ إنه يزيد القوة الشرائية داخل الولايات المتحدة، ولكنه يرفع تكلفة الصادرات، وهو ما يُساهم في حدوث عجز تجاري كبير مع بعض الدول، ولا سيَّما الصين. لذا، هناك مبررٌ لفرض تعريفاتٍ جمركيةٍ مُستهدفةٍ وخفض قيمة العملة. ولكن أسلوب ترامب في تغيير السياسة المُتّبعة منذ زمن، من خلال التهديد بفرض تعريفاتٍ جمركيةٍ باهظةٍ للغاية، وعواقبَ سلبيةٍ أخرى على الدول التي لا تُطيع أوامره، وشن هجمات كلامية على حلفائه السابقين، وإحداث تغييرات مُتكررة في السياسات، قوّض الثقة في المؤسسات المالية الأمريكية. فقد انخفضت قيمة الدولار، الذي يرتفع عادةً في أوقات عدم اليقين، وارتفع سعر الذهب، وهو ما جعل الناس يبحون عن بدائل آمنة. ولا يزال الدولار الأمريكي هو العملة الرئيسية، حيث يُمثل نسبة 57 % من الاحتياطيات الرسمية، وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عن صندوق النقد الدولي، و49% من مدفوعات السويفت الدولية في عام 2024. وهذا يتجاوز بكثير حصة الاقتصاد الأمريكي من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، والتي تبلغ حوالي 26%. وكانت التغييرات التي أحدثتها إدارة ترامب مُزلزلة. ولسنوات طويلة، استغلت الولايات المتحدة امتيازها الباهظ للاقتراض بتكاليف زهيدة وتحفيز النمو، بما في ذلك الارتفاعات الهائلة في قيم الأصول. وقد أدى ذلك إلى إثراء العديد من الأسر والمستثمرين والشركات، لكنه زاد من التفاوت بين من يملكون الأصول ومن لا يملكونها. وتشهد مستويات الاقتراض الحكومية والمؤسسية ارتفاعًا ملحوظًا، مما يُشكل مصدر خطر مُتأصل على الاقتصاد الأمريكي. وعلى الرغم من رغبة الرئيس ترامب في خفض قيمة الدولار، إلا أنه يسعى أيضًا إلى الحفاظ على مكانته المرموقة. وقد هدد بالرد على من لا يستمر في استخدام الدولار كعملة احتياطية. وقد يكون من الصعب تحقيق هذين الهدفين، وهما خفض قيمة الدولار واستمرار الهيمنة المالية في الوقت نفسه، وهناك دلائل على أن سياسة التهديد قد تأتي بنتائج عكسية. ولا يوجد حاليًا بديل واحد مقنع للدولار، لكن هذا لا يعني أن الوضع سيبقى على حاله إلى أجل غير مسمى. وقد يكون هناك إعادة توازن سليمة، مع تزايد استخدام اليورو وغيره من البدائل، مع فقدان دول العالم لثقتها في صناعة السياسات والمؤسسات الأمريكية. لذا، قد يكون هناك خلل تدريجي في هيمنة الدولار، بدلاً من حدوث تحول مفاجئ. وهناك تطوران ناشئان يستحقان المتابعة يعود تاريخهما إلى ما قبل فترة الرئاسة الثانية لترامب، ولكن سياساته قد تشجع على استخدامهما على نطاق أوسع. والتطور الأول هو نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود الصيني (CIPS). ويضم هذا النظام 160 عضوًا، وقد زاد حجم المعاملات بنسبة 80% منذ عام 2022. أما التطور الثاني فهو منصة mBridge، وهي عملة رقمية تربط البنوك المركزية في الصين وهونغ كونغ والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتايلاند. إضافةً إلى ذلك، أصبح اليورو الآن منطقة عملة كبيرة ناضجة، وتُجرى حوالي 22% من المعاملات الدولية باليورو، مع أن هذا يشمل المعاملات داخل الاتحاد الأوروبي. ويُعادل حجم اقتصاد الاتحاد الأوروبي حجم اقتصاد الصين. ورغم أن التهديدات الصادرة عن البيت الأبيض تفوق التشجيع، وتقلبات صنع السياسات، إلا أن الثقة في المؤسسات الأمريكية قد تستمر في التراجع. وقد تساهم سياسات الرئيس ترامب في ابتعاد المزيد من المعاملات التجارية والاستثمارية والاحتياطيات بعيدًا عن الدولار، ليس في موجة مفاجئة، بل من خلال آلاف القرارات الاقتصادية على مدى السنوات القادمة.
693
| 06 مايو 2025
في بداية العام، بدا أنه رغم كون الأصول الاستثمارية الأمريكية، وخاصةً الأسهم، مُبالغًا في قيمتها وفقًا للمقاييس التقليدية، إلا أنه لم تكن هناك بدائل واضحة أو مُقنعة لهذه الأصول. وكان لابد من وجود مُحفز، أو مُحفزات، لتحفيز عملية التحويل الكبير للاستثمارات نحو أسواق أخرى. والآن، برزت هذه المُحفزات وهي: سياسة التعريفات الجمركية والمخاوف المُرتبطة بها فيما يتعلق بالحوكمة المالية الأمريكية. وقد تفجرت هذه المخاوف منذ «يوم التحرير» الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتاريخ 2 أبريل، والذي تعهد فيه بفرض تعريفات جمركية مرتفعة للغاية على العديد من الدول. وقد تم تعليق العمل ببعض هذه التعريفات، ولكن بشكل عام، لا تزال هذه السياسة حمائية - وغير قابلة للتنبؤ. وفي الأسبوع الثاني من شهر أبريل، دخلت عبارة «التحول إلى الأسواق الناشئة» (EM-ification) قاموس المتداولين الماليين لوصف الاقتصاد الأمريكي، وفقًا لصحيفة الفاينانشال تايمز. وقد بدأت الولايات المتحدة، بسياساتها المتقلبة، وديونها المرتفعة، والتمجيد الشخصي لزعيمها السياسي، تُظهر سمات ارتبطت تقليديًا باقتصاد نامٍ ذي مؤسسات ضعيفة، ويمكن السيطرة عليه من قِبل زعيم يتمتع بشخصية كاريزمية. ولم يعد الاستثمار في السندات أو الأسهم الأمريكية خيارًا محايدًا وآمنًا. ولذلك، رغم أنه من غير المألوف أن يُظهر الدولار الأمريكي ضعفًا، إلا أن الجديد هو انخفاضه بالتزامن مع الانخفاض الأكثر خطورة في أسعار الأصول الاستثمارية، وبالتالي بدأ الدولار في فقد مكانته باعتباره ملاذًا آمنًا للاستثمار. وهذا وضع لم يكن يتوقعه أحد تقريبًا في الأسواق المالية قبل شهرين فقط. ولا يزال الدولار الأمريكي أهم عملة تداول واحتياطي عالمي، لكن بعض السمات التي دعمت هذا الوضع بدأت في التراجع. ولدى أوروبا فرصة تاريخية، بسبب الحاجة إلى تمويل برامج إعادة التسلح، بالنظر إلى ابتعاد إدارة ترامب عن الأمن الأوروبي، والصراع المستمر في أوكرانيا والتهديد الروسي. حيث يستعد أكبر اقتصاد في أوروبا للتوسع المالي والاقتصادي على نطاق أوسع. وقد تحسنت آفاق النمو الاقتصادي في أوروبا بشكل ملحوظ. وردًا على الحرب التجارية، توقفت الصين عن شراء طائرات بوينج، وهو ما يمثل فرصة لصناعة الطيران الخاصة بها ولشركة إيرباص الأوروبية. وقبل أكثر من عقد بقليل، تعرض اليورو لأزمة كبرى، عندما سمحت منطقة اليورو لبعض الاقتصادات، ولا سيما لليونان، بالانضمام إلى نظام العملة الموحدة رغم ضعف التقارب الاقتصادي وضعف الضوابط على الاقتراض. وكانت برامج التقشف التي أعقبت الأزمة قاسية، ولكن تم التغلب على المشاكل إلى حدٍ كبير. ويُضاهي الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي نظيره في الصين. وبالإضافة إلى عملته الفعالة، يتمتع الاتحاد بمؤسسات ديمقراطية وشركات عالمية، لا سيما في قطاعات الأدوية والخدمات المصرفية والفضاء وصناعة السيارات. وقد كان النمو في منطقة اليورو بطيئًا، ولكن من المرجح أن يكون للتحفيز المالي الألماني تأثيره. وقد تخسر الولايات المتحدة الأمريكية رأسمال بشريا ثمينا، بالإضافة إلى إمكانياتها المالية. فقد كان لهجمات الرئيس الجديد على استقلال الجامعات الأمريكية، والتخفيضات الفيدرالية في مخصصات تمويل البحث العلمي، تأثيرٌ بالغ. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد تبوأت موقع الصدارة في مجال التميز البحثي، وفي استقطاب ألمع العقول من جميع أنحاء العالم، الذين أصبح بعضهم قادة أعمال في مجال التكنولوجيا المتقدمة لسنوات طويلة، ولكن هذا الوضع قد يتجه نحو التراجع. فقد أفاد استطلاع للرأي نُشر في مجلة «نيتشر» العلمية خلال شهر مارس الماضي أن 75% من الباحثين في الجامعات الأمريكية كانوا يفكرون في الانتقال إلى دول أخرى. وكانت الرغبة في المغادرة قوية بشكل خاص بين الباحثين المبتدئين، حيث بلغت النسبة قرابة 80%. وشمل الاستطلاع حوالي 1600 باحث. بالإضافة إلى ذلك، يُثير عداء نظام ترامب تجاه المهاجرين غير الشرعيين شعورًا بالخوف. في هذا السياق العالمي المتغير، تبرز أهمية أن تُعيد الاقتصادات النامية، مثل قطر، تقييم استراتيجياتها الاستثمارية والتجارية. ومع تراجع جاذبية السوق الأمريكية كمركز للاستقرار المالي والبحثي، تفتح هذه التحولات فرصًا لقطر لتعزيز شراكاتها مع أوروبا وآسيا، والاستفادة من التحول الاستثماري العالمي نحو أسواق أكثر تنوعًا وموثوقية. كما أن مكانة قطر المستقرة اقتصاديًا، وسياساتها الداعمة للتعليم والبحث والابتكار، قد تجعلها بيئة جاذبة للمواهب ورؤوس الأموال الباحثة عن البدائل الآمنة في عالم بات أقل يقينًا.
834
| 28 أبريل 2025
مساحة إعلانية
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...
2493
| 30 نوفمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
1377
| 02 ديسمبر 2025
ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...
1131
| 01 ديسمبر 2025
مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...
672
| 03 ديسمبر 2025
في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات، وتُلقى فيه الكلمات...
648
| 28 نوفمبر 2025
يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...
591
| 30 نوفمبر 2025
في مايو 2025، قام البابا ليو الرابع عشر،...
513
| 01 ديسمبر 2025
كل دولة تمتلك من العادات والقواعد الخاصة بها...
498
| 30 نوفمبر 2025
في كلمتها خلال مؤتمر WISE 2025، قدّمت سموّ...
489
| 27 نوفمبر 2025
استشعار نعمة الأمن والأمان والاستقرار، والإحساس بحرية الحركة...
462
| 27 نوفمبر 2025
ليس بكاتب، إنما مقاوم فلسطيني حر، احترف تصويب...
450
| 03 ديسمبر 2025
أكدت اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، في المادّة...
438
| 28 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية