رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عام 2024، شهد قطاع الطيران الدولي نقطة تحول مهمة حيث تجاوزت معدلات السفر الجوي المستويات المسجلة قبل تفشي جائحة كوفيد-19، مع زيادة حركة النقل الجوي على مدار العام بنسبة 3.8% مقارنة بالمستويات المسجلة في عام 2019، وفقًا للبيانات الصادرة عن الاتحاد الدولي للنقل الجوي. ومع تعافي قطاع الطيران، تستحوذ شركات الطيران والمطارات في الشرق الأوسط على حصة متزايدة من الأعمال الدولية. وتُعد ثروة المنطقة، وموقعها الاستراتيجي القريب من ثلاث قارات، وطموحات شركات الطيران فيها، من العوامل المؤثرة في حدوث ذلك. ويواجه قطاع الطيران الأوروبي ضرائب بيئية أعلى، ولا تستطيع شركات الطيران في القارة التحليق فوق المجال الجوي الروسي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. كما أن أوروبا الغربية مكتظة بالسكان، وهو ما يُصعّب من عملية توسيع المطارات. وقد شهدت شركة الخطوط الجوية القطرية نموًا ملحوظًا في حجمها وسمعتها خلال السنوات الأخيرة. وفي مقابلة أُجريت معه خلال شهر مارس الماضي، صرح المهندس بدر محمد المير، الرئيس التنفيذي، بأن الشركة أجرت محادثات مع كبرى شركات صناعة الطائرات بهدف زيادة الطاقة الاستيعابية للشركة من 50 مليون مسافر سنويًا إلى 80 مليون مسافر بنهاية العقد. وسيتبع ذلك توقف متعمد في أي توسعات مستقبلية. وبحلول ذلك الوقت، ستبلغ الطاقة الاستيعابية لمطار حمد الدولي في الدوحة الحد الأقصى. وفي منتصف شهر مايو، أكدت الخطوط الجوية القطرية طلبية كبرى مع شركة بوينج لشراء ما يصل إلى 210 طائرات بوينج من طراز 777X و787 دريملاينر في صفقة بقيمة 96 مليار دولار، جرى الإعلان عنها خلال زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى الخليج. كما أعلنت مجموعة الخطوط الجوية القطرية خلال شهر مايو الجاري عن أقوى نتائجها المالية على الإطلاق، بتحقيقها لأرباح سنوية بلغت 7.85 مليار ريال قطري (2.15 مليار دولار أمريكي) للسنة المالية 2024-2025. ويمثل ذلك زيادة بأكثر من 1.7 مليار ريال قطري (500 مليون دولار أمريكي) مقارنة بالسنة المالية 2023-2024. وسجلت الشركة القطرية للشحن الجوي، إحدى وحدات المجموعة، زيادة في الإيرادات بنسبة 17%. وقال المهندس بدر محمد المير خلال المقابلة التي أجراها مع جريدة الفاينانشال تايمز في شهر مارس الماضي إن جودة الخدمة لدى بعض شركات الطيران الأخرى قد تدهورت مع توسعها السريع، مشددًا على أهمية خدمة العملاء في هذا القطاع. وتسعى العديد من شركات الطيران إلى زيادة قوة وموثوقية اتصالات شبكة الواي فاي للركاب، على سبيل المثال باستخدام شبكة ستارلينك الفضائية. ويعني هذا الالتزام بالخدمة وأحدث تكنولوجيا الاتصالات أن شركة الخطوط الجوية القطرية ستحتاج إلى تشغيل أحدث الطائرات على خطوطها. ونظرًا لحجم أسطولها الضخم، وخضوع طائراتها لصيانة جيدة تتيح لها إمكانية البقاء في الخدمة لمدة 20 عامًا، يتيح هذا الأمر المجال أمام افتتاح ذراع لتأجير الطائرات، حيث يمكن تأجير الطائرات الأقدم لشركات الطيران منخفضة التكلفة. وتُعد الدوحة مركزًا مناسبًا لشركات تأجير الطائرات، حيث تتمتع بأعلى معايير صيانة الطائرات. وفي مجال الطيران، من المتوقع تحسن خدمة العملاء بفضل التكنولوجيا عبر استخدام الروبوتات والذكاء الاصطناعي لتسهيل إجراءات التخليص الأمني في المطارات. ويُعد تفتيش حقائب السفر والجيوب أمرًا مزعجًا للمسافرين، لكن التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي تُتيح إمكانية تحديد المواد المحظورة عبر صور الأشعة السينية، بينما يُمكن لتقنية التعرف على الوجه تحديد الأشخاص المُدرجين على قوائم المراقبة. ولعدة عقود، كانت بوينج وإيرباص الموردَين الرئيسيين للقطاع، ولا تزالان تُهيمنان عليه. فهل سيتغير هذا النمط في المستقبل؟ وقد برزت شركات السيارات الصينية بصفتها أطرافًا مؤثرةً عالميًا، لا سيَّما في سوق السيارات الكهربائية، وقد يطرأ تطور مماثل في قطاع الطيران. وتمتلك شركة كوماك الصينية الحكومية لتصنيع الطائرات طائرات مدنية قيد الاستخدام التجاري. وتُسيّر شركات الطيران الصينية طائرة الركاب النفاثة ضيقة البدن C919 على الرحلات الداخلية، وهي قيد الاعتماد للرحلات الدولية. أما طائرة C929 عريضة البدن، فهي قيد التطوير. وسيكون من المنطقي أن نتوقع نمو الحصة السوقية لشركة كوماك خلال السنوات القادمة. ويشهد مركز الثقل في صناعة الطيران تحولاً من أوروبا وأميركا نحو آسيا، ومن المرجح أن يستمر النمو العالمي، ولكن كما هو الحال مع أي صناعة، من الصعب التنبؤ بالاضطرابات المستقبلية والتطورات الأخرى.
360
| 26 مايو 2025
يتوافق الأسلوب الشخصي للرئيس دونالد ترامب مع أسلوب دول الخليج؛ فهو يفضّل إبرام الصفقات بشكل مباشر مع القادة الأقوياء، ويشعر بالارتياح تجاه الاستثمارات الضخمة. ومن الواضح أنه يشعر بالراحة في هذه المنطقة، التي اختارها لتكون وجهة أول جولة رسمية له إلى الخارج منذ تنصيبه في شهر يناير الماضي. ومع ذلك، سيكون من الخطأ افتراض أن جولة ترامب إلى منطقة الخليج في منتصف شهر مايو الجاري، التي شملت القيام بزيارة إلى قطر، كانت تدور في معظمها حول المظاهر والبروتوكولات أو المجاملات، أو حتى أنها كانت مجرد زيارة لإبرام الصفقات التجارية. فقد ناقش الرئيس الأمريكي قضايا دبلوماسية واستراتيجية حيوية، في الوقت الذي حظيت فيه الصفقات الاقتصادية التي أبرمها مع دول المنطقة بأهمية كبيرة. وكان من بين الأهداف الاستراتيجية للرئيس ترامب تقليص الالتزام الأمني للولايات المتحدة ونفقاتها الخارجية. ولكي يكون هذا الأمر فعالاً، من الضروري وجود شركاء موثوقين للولايات المتحدة. وتُقدّر إدارة ترامب دور القادة السعوديين والقطريين في الوساطة بين الأطراف المتنازعة في إسرائيل وغزة، وبين أوكرانيا وروسيا. وكان من أبرز العناوين الدبلوماسية لهذه الزيارة إعلان الرئيس ترامب عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا بعد 45 عامًا، وهو ما أثار أجواء من الاحتفالات داخل سوريا . وقد جاء هذا القرار بعد أن بادرت دول الخليج بالاعتراف بنظام الرئيس أحمد الشرع. وصدر هذا الإعلان بعد محادثات أجراها الرئيس ترامب مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وكذلك، فإن الصفقات التجارية التي جرى الإعلان عنها خلال جولة الرئيس ترامب في الشرق الأوسط كانت ضخمة. فقد أعلنت الخطوط الجوية القطرية عن طلبية طائرات هائلة مع شركتي بوينغ وGE، تتضمن اتفاقية بقيمة 96 مليار دولار لشراء ما يصل إلى 210 طائرات بوينغ 787 دريملاينر و777X، تعمل بمحركات من إنتاج شركة GE، حسبما أعلن البيت الأبيض. وتُعد هذه أكبر طلبية طائرات عريضة البدن في تاريخ شركة بوينغ، وأكبر طلبية لطائرات 787 على الإطلاق. وكان من الأمور المهمة أيضًا تعزيز الروابط بين الولايات المتحدة ودول الخليج في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا وثيقة الصلة، فقد رافق الرئيس ترامب خلال زيارته أهم قادة الأعمال في الولايات المتحدة، بما في ذلك قادة قطاعي الاستثمار والتكنولوجيا. وقد وقّعت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اتفاقيات تتيح لهما إمكانية الوصول إلى الرقاقات المتطورة التي تُنتجها شركتا إنفيديا وAMD، واللازمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدمة. وأكد جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، خلال الزيارة أن الشركة ستبيع أكثر من 18,000 من أحدث رقاقات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها لشركة هيوماين السعودية. وتدخل هذه الاتفاقية في إطار الشراكة الاستراتيجية بين الشركتين، حيث تستثمر شركة هيوماين السعودية فيما تصفه الشركتان بمراكز بيانات "فائقة الحجم" تهدف إلى توفير بنية تحتية أساسية لتدريب ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي السيادية على نطاق واسع بغرض تمكين الشركات في المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول من "تسريع وتيرة الابتكار والتحول الرقمي". وألغت إدارة ترامب قانون التوزيع الذي فرضته إدارة بايدن، والذي كان يقيد تصدير الرقائق المتطورة إلى دول الشرق الأوسط، بهدف الحد من الانتشار المحتمل للتكنولوجيا الأمريكية بين أعداء الولايات المتحدة. وقد تراجع هذا الخطر مع تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والرقائق الصينية بشكل مماثل، واحتمال مساهمة قيود التصدير في حصول دول المنطقة على هذه التكنولوجيا من الصين بدلاً من الولايات المتحدة. وستوفر شركة AMD رقاقات وبرامج لمراكز البيانات في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في مشروع بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي، وفقًا لإعلان مشترك صادر عن شركتي هيوماين وAMD. وتم الكشف عن المرحلة الأولى من مشروع بناء مجمع للذكاء الاصطناعي بسعة 5 جيجاوات في أبوظبي، وهو المجمع الأكبر خارج الولايات المتحدة. ومن المهم أن الرئيس ترامب جعل دول الخليج وجهته الأولى في زيارته الرسمية، بدلاً من الدول الغربية مثل كندا والمكسيك أو الدول الأوروبية التي كانت من أولويات الرؤساء السابقين للولايات المتحدة. ولم يزر ترامب إسرائيل خلال هذه الجولة، وهو ما يدل على أنه يعتبر دول الخليج ذات أهمية جوهرية، سواء من حيث التحالف الاستراتيجي أو الفرص الاقتصادية.
798
| 19 مايو 2025
لا يمكن لأحد أن يشكك على الإطلاق في أن التطور السريع لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي له تأثير كبير على الاقتصادات والمجتمعات، حيث ستُحقق الدول الرائدة في توفير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وكذلك الشركات والأفراد الذين يستخدمون تطبيقاته بذكاء، مكاسب اقتصادية هائلة. وتُعدّ الصين والولايات المتحدة الأمريكية من القوى البارزة في ابتكار حلول الذكاء الاصطناعي. وفي منطقة الشرق الأوسط، يبدو أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي الرائدة في مجال استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية وتنظيم العملات المشفرة، بقيادة شركة G42. وفي قطر، لا يوجد منافس مباشر لشركة G42 الناشئة، ولا توجد مؤشرات تذكر على وجود مركز حيوي للذكاء الاصطناعي قادر على إنشاء الشركات المليارية الواعدة «unicorn». فهل هناك خطر ناجم عن تخلف قطر عن الركب؟ الإجابة هي نعم بكل تأكيد، حيث تمتلك قطر بنية تحتية تكنولوجية قوية، واستراتيجية جيدة للذكاء الاصطناعي، لكنها بطيئة في التنفيذ. وتتبنى قطر نهجًا حذرًا، وهو ما ينطوي على بعض المزايا، لكنها تسير بخطوات وئيدة، وربما بطيئة للغاية. ويقود القطاع العام مبادرات استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بشكل كبير. وعلاوة على ذلك، وُضعت الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في عام ٢٠١٩ منذ فترة طويلة جدًا في قطاع سريع التطور مثل قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. وللحكومات دورٌ محوريٌّ في رعاية المراكز التكنولوجية، إلا أن نقاط قوتها تكمن في وضع الإطار التنظيمي، وضمان أن تكون سياسات منح التأشيرات مُلائمةً لاستقطاب المواهب، وتعزيز البنية التحتية، وتوفير أو تمكين الاستثمارات. وليس من الأنسب للحكومات أن تكون من المبتكرين، بل يقع هذا الدور على عاتق المُستثمرين، مع أهمية دعم الحكومة السياسي للحصول على التكنولوجيا المتطورة مثل GPUs & IPs من الولايات المتحدة. ويجب تقبل فشل بعض هذه الشركات، وهو ما يتعارض مع قيم القطاع العام التي تركز على الموثوقية والمسؤولية. وعندما لا تحقق الشركة الواعدة ربحًا، فقد تُسهم بعض إنجازاتها في إنشاء شركة أخرى. وللقطاع العام دورٌ حيويٌّ في تطوير مراكز التكنولوجيا. ولا تتبع الولايات المتحدة الأمريكية ولا الصين نهجًا قائمًا على السوق فحسب في تطوير الذكاء الاصطناعي، بل تضع حكومتا البلدين الإطار والبنية التحتية، بالتعاون الوثيق مع الجامعات. وقد طور تقنيون ورواد أعمال حصلوا على الفرصة والدعم ابتكاراتٌ ثورية مثل نموذجيّ ChatGPT وDeepSeek. وتميل قطر للنموذج الأوروبي والسنغافوري في وضع استراتيجية الذكاء الاصطناعي بدلًا من الأمريكي القائم على القطاع الخاص، لكن التحدي في التنفيذ لا الاختيار بينهم. ومن المتوقع أن تساهم مشاركة الوزارات القطرية في ثورة الذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي في تعزيز التقدم في مجال استخدام أحدث وسائل التكنولوجيا لتقديم الخدمات العامة بطريقة أذكى. وقد تعاونت الحكومة القطرية مع شركة (Scale AI) التي تتخذ من ولاية كاليفورنيا مقرًا لها في توفير أدوات وتدريب قائم على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وفي مارس من هذا العام، أنشأت الحكومة القطرية اللجنة التوجيهية للحكومة الذكية والريادة الرقمية. وتتوافق لوائح تنظيم عمل الذكاء الاصطناعي مع المعايير الأمريكية والأوروبية، لتسهيل التجارة عبر الحدود في التكنولوجيا. ولهذا يجب التركيز على تأهيل وبناء قدرات وطنية في مجال الذكاء الاصطناعي ضمن مختلف قطاعات الدولة، والاستعداد لإعادة هيكلة المؤسسات لجعلها أكثر فعالية. ومن أبرز التحديات غير المعلنة التي تواجه أي استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي في قطر هي مسألة مشاركة البيانات بين الجهات الحكومية وحوكمتها. رغم الحديث المتكرر عن التحول الرقمي، إلا أن تدفق البيانات بين الوزارات والهيئات لا يزال محدودًا، إما بسبب غياب الأنظمة المشتركة أو نتيجة الحواجز الإدارية والتقنية، وأحيانًا لأسباب تتعلق بثقافة العمل نفسها. لكن المشكلة الأكبر تكمن في غياب حوكمة موحدة للبيانات. من يملك البيانات؟ من يحدد من يمكنه الوصول إليها؟ ما المعايير الأخلاقية والقانونية التي تضمن حماية الخصوصية وضمان الاستخدام العادل؟ هذه أسئلة أساسية لم تُطرح بعد بجدية كافية، رغم أنها تشكّل حجر الأساس لنجاح أي مشروع وطني في الذكاء الاصطناعي. حل هذه المسألة لا يتطلب إطارًا قانونيًا فقط، بل يحتاج إلى إرادة سياسية وسلطة تنفيذية تفرض قواعد مشتركة، وترفع ثقافة التعاون بين الجهات والقطاعات الحكومية. وإلا، ستظل البيانات حبيسة الجزر الإدارية، وسيبقى الذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي المُوَلِّد مشروعاً طموحاً معزولاً عن الواقع.
735
| 15 مايو 2025
شهد الشهر الماضي تقلبات جيوسياسية واقتصادية غير مسبوقة. فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكلٍ مفاجئ عن فرض رسوم جمركية مرتفعة على شركائه التجاريين، ثم علَّق معظمها في استجابة للضغوط المفروضة على عوائد السندات، وفي أعقاب التحذيرات التي صدرت من تجار التجزئة الأمريكيين من إمكانية نفاد المعروضات على رفوفهم بسبب احتمال حدوث صدمة في الإمدادات. ومن المرجح أن تكون هناك عواقب لهذا الأمر على قطاعيَّ التمويل والتجارة، وستكون هناك آثار طويلة الأجل حتى لو تم إلغاء الرسوم الجمركية قريبًا أو في ظل وجود رئيس مختلف. ولعقود طويلة، ظلّ الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية المهيمنة والعملة الرئيسية للمعاملات الدولية. وقد وُصف هذا بأنه «امتياز باهظ»، إذ يسمح بالاقتراض بتكاليف منخفضة ويمكّن واشنطن من ممارسة ضغوط سياسية من خلال العقوبات المالية. لكن فريق الرئيس ترامب يرى فيه مشكلة أيضًا، إذ إنه يزيد القوة الشرائية داخل الولايات المتحدة، ولكنه يرفع تكلفة الصادرات، وهو ما يُساهم في حدوث عجز تجاري كبير مع بعض الدول، ولا سيَّما الصين. لذا، هناك مبررٌ لفرض تعريفاتٍ جمركيةٍ مُستهدفةٍ وخفض قيمة العملة. ولكن أسلوب ترامب في تغيير السياسة المُتّبعة منذ زمن، من خلال التهديد بفرض تعريفاتٍ جمركيةٍ باهظةٍ للغاية، وعواقبَ سلبيةٍ أخرى على الدول التي لا تُطيع أوامره، وشن هجمات كلامية على حلفائه السابقين، وإحداث تغييرات مُتكررة في السياسات، قوّض الثقة في المؤسسات المالية الأمريكية. فقد انخفضت قيمة الدولار، الذي يرتفع عادةً في أوقات عدم اليقين، وارتفع سعر الذهب، وهو ما جعل الناس يبحون عن بدائل آمنة. ولا يزال الدولار الأمريكي هو العملة الرئيسية، حيث يُمثل نسبة 57 % من الاحتياطيات الرسمية، وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عن صندوق النقد الدولي، و49% من مدفوعات السويفت الدولية في عام 2024. وهذا يتجاوز بكثير حصة الاقتصاد الأمريكي من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، والتي تبلغ حوالي 26%. وكانت التغييرات التي أحدثتها إدارة ترامب مُزلزلة. ولسنوات طويلة، استغلت الولايات المتحدة امتيازها الباهظ للاقتراض بتكاليف زهيدة وتحفيز النمو، بما في ذلك الارتفاعات الهائلة في قيم الأصول. وقد أدى ذلك إلى إثراء العديد من الأسر والمستثمرين والشركات، لكنه زاد من التفاوت بين من يملكون الأصول ومن لا يملكونها. وتشهد مستويات الاقتراض الحكومية والمؤسسية ارتفاعًا ملحوظًا، مما يُشكل مصدر خطر مُتأصل على الاقتصاد الأمريكي. وعلى الرغم من رغبة الرئيس ترامب في خفض قيمة الدولار، إلا أنه يسعى أيضًا إلى الحفاظ على مكانته المرموقة. وقد هدد بالرد على من لا يستمر في استخدام الدولار كعملة احتياطية. وقد يكون من الصعب تحقيق هذين الهدفين، وهما خفض قيمة الدولار واستمرار الهيمنة المالية في الوقت نفسه، وهناك دلائل على أن سياسة التهديد قد تأتي بنتائج عكسية. ولا يوجد حاليًا بديل واحد مقنع للدولار، لكن هذا لا يعني أن الوضع سيبقى على حاله إلى أجل غير مسمى. وقد يكون هناك إعادة توازن سليمة، مع تزايد استخدام اليورو وغيره من البدائل، مع فقدان دول العالم لثقتها في صناعة السياسات والمؤسسات الأمريكية. لذا، قد يكون هناك خلل تدريجي في هيمنة الدولار، بدلاً من حدوث تحول مفاجئ. وهناك تطوران ناشئان يستحقان المتابعة يعود تاريخهما إلى ما قبل فترة الرئاسة الثانية لترامب، ولكن سياساته قد تشجع على استخدامهما على نطاق أوسع. والتطور الأول هو نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود الصيني (CIPS). ويضم هذا النظام 160 عضوًا، وقد زاد حجم المعاملات بنسبة 80% منذ عام 2022. أما التطور الثاني فهو منصة mBridge، وهي عملة رقمية تربط البنوك المركزية في الصين وهونغ كونغ والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتايلاند. إضافةً إلى ذلك، أصبح اليورو الآن منطقة عملة كبيرة ناضجة، وتُجرى حوالي 22% من المعاملات الدولية باليورو، مع أن هذا يشمل المعاملات داخل الاتحاد الأوروبي. ويُعادل حجم اقتصاد الاتحاد الأوروبي حجم اقتصاد الصين. ورغم أن التهديدات الصادرة عن البيت الأبيض تفوق التشجيع، وتقلبات صنع السياسات، إلا أن الثقة في المؤسسات الأمريكية قد تستمر في التراجع. وقد تساهم سياسات الرئيس ترامب في ابتعاد المزيد من المعاملات التجارية والاستثمارية والاحتياطيات بعيدًا عن الدولار، ليس في موجة مفاجئة، بل من خلال آلاف القرارات الاقتصادية على مدى السنوات القادمة.
627
| 06 مايو 2025
في بداية العام، بدا أنه رغم كون الأصول الاستثمارية الأمريكية، وخاصةً الأسهم، مُبالغًا في قيمتها وفقًا للمقاييس التقليدية، إلا أنه لم تكن هناك بدائل واضحة أو مُقنعة لهذه الأصول. وكان لابد من وجود مُحفز، أو مُحفزات، لتحفيز عملية التحويل الكبير للاستثمارات نحو أسواق أخرى. والآن، برزت هذه المُحفزات وهي: سياسة التعريفات الجمركية والمخاوف المُرتبطة بها فيما يتعلق بالحوكمة المالية الأمريكية. وقد تفجرت هذه المخاوف منذ «يوم التحرير» الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتاريخ 2 أبريل، والذي تعهد فيه بفرض تعريفات جمركية مرتفعة للغاية على العديد من الدول. وقد تم تعليق العمل ببعض هذه التعريفات، ولكن بشكل عام، لا تزال هذه السياسة حمائية - وغير قابلة للتنبؤ. وفي الأسبوع الثاني من شهر أبريل، دخلت عبارة «التحول إلى الأسواق الناشئة» (EM-ification) قاموس المتداولين الماليين لوصف الاقتصاد الأمريكي، وفقًا لصحيفة الفاينانشال تايمز. وقد بدأت الولايات المتحدة، بسياساتها المتقلبة، وديونها المرتفعة، والتمجيد الشخصي لزعيمها السياسي، تُظهر سمات ارتبطت تقليديًا باقتصاد نامٍ ذي مؤسسات ضعيفة، ويمكن السيطرة عليه من قِبل زعيم يتمتع بشخصية كاريزمية. ولم يعد الاستثمار في السندات أو الأسهم الأمريكية خيارًا محايدًا وآمنًا. ولذلك، رغم أنه من غير المألوف أن يُظهر الدولار الأمريكي ضعفًا، إلا أن الجديد هو انخفاضه بالتزامن مع الانخفاض الأكثر خطورة في أسعار الأصول الاستثمارية، وبالتالي بدأ الدولار في فقد مكانته باعتباره ملاذًا آمنًا للاستثمار. وهذا وضع لم يكن يتوقعه أحد تقريبًا في الأسواق المالية قبل شهرين فقط. ولا يزال الدولار الأمريكي أهم عملة تداول واحتياطي عالمي، لكن بعض السمات التي دعمت هذا الوضع بدأت في التراجع. ولدى أوروبا فرصة تاريخية، بسبب الحاجة إلى تمويل برامج إعادة التسلح، بالنظر إلى ابتعاد إدارة ترامب عن الأمن الأوروبي، والصراع المستمر في أوكرانيا والتهديد الروسي. حيث يستعد أكبر اقتصاد في أوروبا للتوسع المالي والاقتصادي على نطاق أوسع. وقد تحسنت آفاق النمو الاقتصادي في أوروبا بشكل ملحوظ. وردًا على الحرب التجارية، توقفت الصين عن شراء طائرات بوينج، وهو ما يمثل فرصة لصناعة الطيران الخاصة بها ولشركة إيرباص الأوروبية. وقبل أكثر من عقد بقليل، تعرض اليورو لأزمة كبرى، عندما سمحت منطقة اليورو لبعض الاقتصادات، ولا سيما لليونان، بالانضمام إلى نظام العملة الموحدة رغم ضعف التقارب الاقتصادي وضعف الضوابط على الاقتراض. وكانت برامج التقشف التي أعقبت الأزمة قاسية، ولكن تم التغلب على المشاكل إلى حدٍ كبير. ويُضاهي الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي نظيره في الصين. وبالإضافة إلى عملته الفعالة، يتمتع الاتحاد بمؤسسات ديمقراطية وشركات عالمية، لا سيما في قطاعات الأدوية والخدمات المصرفية والفضاء وصناعة السيارات. وقد كان النمو في منطقة اليورو بطيئًا، ولكن من المرجح أن يكون للتحفيز المالي الألماني تأثيره. وقد تخسر الولايات المتحدة الأمريكية رأسمال بشريا ثمينا، بالإضافة إلى إمكانياتها المالية. فقد كان لهجمات الرئيس الجديد على استقلال الجامعات الأمريكية، والتخفيضات الفيدرالية في مخصصات تمويل البحث العلمي، تأثيرٌ بالغ. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد تبوأت موقع الصدارة في مجال التميز البحثي، وفي استقطاب ألمع العقول من جميع أنحاء العالم، الذين أصبح بعضهم قادة أعمال في مجال التكنولوجيا المتقدمة لسنوات طويلة، ولكن هذا الوضع قد يتجه نحو التراجع. فقد أفاد استطلاع للرأي نُشر في مجلة «نيتشر» العلمية خلال شهر مارس الماضي أن 75% من الباحثين في الجامعات الأمريكية كانوا يفكرون في الانتقال إلى دول أخرى. وكانت الرغبة في المغادرة قوية بشكل خاص بين الباحثين المبتدئين، حيث بلغت النسبة قرابة 80%. وشمل الاستطلاع حوالي 1600 باحث. بالإضافة إلى ذلك، يُثير عداء نظام ترامب تجاه المهاجرين غير الشرعيين شعورًا بالخوف. في هذا السياق العالمي المتغير، تبرز أهمية أن تُعيد الاقتصادات النامية، مثل قطر، تقييم استراتيجياتها الاستثمارية والتجارية. ومع تراجع جاذبية السوق الأمريكية كمركز للاستقرار المالي والبحثي، تفتح هذه التحولات فرصًا لقطر لتعزيز شراكاتها مع أوروبا وآسيا، والاستفادة من التحول الاستثماري العالمي نحو أسواق أكثر تنوعًا وموثوقية. كما أن مكانة قطر المستقرة اقتصاديًا، وسياساتها الداعمة للتعليم والبحث والابتكار، قد تجعلها بيئة جاذبة للمواهب ورؤوس الأموال الباحثة عن البدائل الآمنة في عالم بات أقل يقينًا.
756
| 28 أبريل 2025
تتمتع قطر بوضع مالي وتجاري جيد، حيث تُصدّر الغاز الطبيعي المسال، في الغالب إلى الدول الآسيوية والأوروبية. ولذلك، فهي لا تتأثر بشكل مباشر وكبير بزيادة الرسوم الجمركية التي فرضها نظام الرئيس دونالد ترامب، خاصةً بالمقارنة مع اقتصاد قائم على التصنيع مثل الصين وفيتنام. وتواجه دول الخليج رسومًا جمركية نسبتها 10%، وتتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة، وهي ليست من كبار مستوردي المنتجات الأمريكية. ومع ذلك، نظرًا لحجم الاقتصاد الأمريكي والزيادة النسبية في الرسوم الجمركية، ستشعر جميع الاقتصادات ببعض الآثار الناجمة عن هذا القرار، حتى بعد الإعلان عن تعليق العمل بهذه الرسوم والإعفاءات الأخيرة، يتجاوز متوسط معدل الرسوم الجمركية 20%. ويُعد النفط والغاز الطبيعي المسال المصدرين الرئيسيين للصادرات في المنطقة، وهما معفيان حاليًا من الرسوم الجمركية الأمريكية، إلا أن الصدمة السلبية الناجمة عن تطبيق نظام الرسوم الجمركية الأمريكي قد أضرت بالتجارة العالمية وآفاقها، وهو ما أدى إلى انخفاض أسعار النفط. وبحلول منتصف أبريل، بلغ سعر برميل خام برنت حوالي 65 دولارًا، بانخفاض من حوالي 80 دولارًا في بداية العام. ويظل هذا أعلى من سعر التعادل لميزانية لدولة قطر، وهو 60 دولارًا للبرميل. ومع ذلك، ووفقًا لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني، فإن قطر، التي حصلت على تصنيف استثماري AA، تتمتع باحتياطيات جيدة، ونسبة دين منخفضة قياسًا بالناتج المحلي الإجمالي، حيث تقل هذه النسبة عن 50% مقارنةً بأعلى مستوى لها عند 85% في عام 2020، بالإضافة إلى أصول كافية لتحمل جميع آثار انخفاض أسعار النفط، إلا إذا حدث انخفاض في الأسعار لفترة طويلة. وأشارت وكالة فيتش إلى ارتفاع صافي الأصول الأجنبية السيادية القطرية، والنسبة المرتفعة بشكل استثنائي لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ومرونة هيكل المالية العامة. وتتوقع الوكالة أن يبلغ فائض الموازنة العامة للحكومة القطرية حوالي 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، بما في ذلك دخل الاستثمار المقدر من الأصول الخارجية لجهاز قطر للاستثمار، وحوالي 0.9% بدونه. ومن بين دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، تبدو البحرين وحدها في وضع هش، بسعر تعادل يتجاوز 100 دولار للبرميل وديون أعلى. بينما يتجاوز سعر التعادل للسعودية 90 دولارًا، لكنها دولة غنية ولديها مجال لخفض الإنفاق الرأسمالي. وقد أحرزت المنطقة بعض التقدم في التنمية الاقتصادية غير النفطية، على سبيل المثال في قطاعيّ الطاقة المتجددة والسياحة. وكانت أسواق الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي قد سجلت انخفاضًا حادًا في أوائل شهر أبريل الجاري ثم تعافت، بما يتماشى مع ما حدث في أسواق الأسهم الأخرى. وترتبط عملات دول الخليج بالدولار، ويرغب نظام ترامب في خفض قيمة الدولار لدعم الصادرات، وهو ما سيدعم أيضًا صادرات دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن إذا أدت الرسوم الجمركية إلى ارتفاع التضخم، فقد يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار. ويرتكز معظم القطاع الخاص في قطر على أنشطة خدمية داخلية مثل التجارة، الضيافة، البناء، والسياحة، وهي قطاعات لا تعتمد على التصدير. لذلك، يبقى تأثير الرسوم الجمركية محدودًا على هذا القطاع، خاصة في ظل استقرار الطلب المحلي واستمرار الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية وتنمية السياحة الخليجية والإقليمية. أما القطاع العام، فيقود الصادرات القطرية من خلال الغاز الطبيعي، والبتروكيماويات، والأسمدة، وغيرها من المنتجات الصناعية. ومع أن بعض هذه الصادرات غير خاضعة حاليًا للرسوم الأمريكية، إلا أن أي ركود اقتصادي عالمي — خاصة في دول مستوردة رئيسية مثل بنغلاديش والهند وكوريا — قد يؤدي إلى تراجع في الطلب. ومع ذلك، فإن انخفاض مستويات المديونية في القطاع العام يمنحها مرونة عالية وقدرة كبيرة على امتصاص الصدمات الخارجية. وكان رد فعل الصين على النظام المتقلب للتعريفات الجمركية في الولايات المتحدة، ترسيخ مكانتها باعتبارها شريكًا تجاريًا أكثر استقرارًا وموثوقية من الولايات المتحدة. وقد يُسهم تعزيز التجارة بين الصين والاقتصادات غير الأمريكية في منع حدوث ركود عالمي، ومنع انخفاض أسعار النفط إلى مستويات منخفضة مستدامة، إلا أن مستوى عدم اليقين الحالي في عملية صنع السياسات يبدو مرتفعًا. ومن المقرر أن يزور الرئيس ترامب دول الخليج في منتصف مايو. وسيكون من المثير للاهتمام متابعة نتائج هذه الزيارة وأثرها على التجارة بين دول الخليج والولايات المتحدة.
456
| 21 أبريل 2025
مع الانخفاض الحاد في أسواق الأسهم عقب إعلان الرئيس دونالد ترامب في 2 أبريل عن فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات الأمريكية من 185 دولة، وصلت مؤشرات عدم اليقين في السوق إلى مستويات مماثلة لتلك التي أعقبت انتشار جائحة كوفيد-19 وعمليات الإغلاق في أعقاب اندلاع هذه الجائحة. وبعد أسبوع، دخل قرار فرض الرسوم الجمركية حيز التنفيذ، بما في ذلك فرض رسوم إضافية بنسبة 50% على الصين، ليصل معدل الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات القادمة منها إلى 104%. ومع ذلك، بعد ساعات فقط من إصدار إعلانه، أعلن الرئيس ترامب مجددًا عن تعليق معظم الرسوم الجمركية المرتفعة المفروضة على كافة الدول لمدة 90 يومًا، باستثناء الصين، التي فُرضت عليها رسوم جمركية أعلى بنسبة 125%. وأعلنت الصين عن فرض رسوم جمركية انتقامية مماثلة على الواردات الأمريكية واتباع نهج جريء، مؤكدةً أنها «ستقاتل حتى النهاية». وارتفعت أسواق الأسهم مع الإعلان عن تعليق فرض الرسوم الجمركية، مع أن مستوى الرسوم الجمركية الأمريكية، حتى بعد انتهاء فترة التعليق، لا يزال عند أعلى مستوى له منذ ما يقرب من 100 عام، بمعدل فعلي متوسط يبلغ حوالي 20%. وبدأ انتعاش سوق الأسهم قبل الإعلان الرسمي، وهو ما يشير إلى وجود مستوى من التداول الداخليInsider trading. ثم انخفضت الأسهم في اليوم التالي. ويمثل هذا تحوّلاً جذريًا في الاقتصاد العالمي. فقد دعا الرئيس دونالد ترامب إلى وضع حدٍّ لسياسات التجارة العالمية الحرة نسبيًا التي سادت خلال العقود القليلة الماضية. وقبل انتقاد هذه السياسة وآثارها المحتملة، من الضروري الاعتراف بأن هناك مشاكل حقيقية تتعلق بعدم المساواة والتوازن الاقتصادي، والتي تسعى سياسة التعريفات الجمركية إلى معالجتها. وقد تراكمت اختلالات تجارية ومالية هائلة على مر السنين، حيث ارتفع معدل الاقتراض والاستهلاك في الولايات المتحدة، بينما تتبنى الدول المُقرضة، ولا سيَّما الصين، نموذجًا اقتصاديًا قائمًا على التصدير. وقد ازداد ثراء العديد من الأفراد والشركات، لكن الاختلالات وأوجه عدم المساواة ازدادا أيضًا. ورغم أنه من المهم فهم هذه القضايا، فمن غير الواضح ما إذا كانت التعريفات الجمركية الشاملة المرتفعة، وطريقة الإعلان عنها والاستمرار في تغييرها أو تعليقها، ستكون فعالة. ويتضح جليًا عدم فهم آلية عمل التجارة العالمية. ويرى الرئيس ترامب وفريقه أن تحقيق إحدى الدول لفائض تجاري مع الولايات المتحدة يُعدّ غشًا، وأن هذا التوازن أشبه بخسارة مالية في حساب الربح والخسارة، وهذا غير صحيح؛ فلن تكون الولايات المتحدة بالضرورة أكثر ثراءً لو كان لديها فائض تجاري مع جميع الدول. ومن المنطقي أن تتخصص كل دولة فيما تستطيع إنتاجه بكفاءة وفعالية، بناءً على مواردها الطبيعية ومهاراتها وبنيتها التحتية وقدراتها التجارية، وما إلى ذلك، ثم تتبادل التجارة فيما بينها. ويمكن استخدام التعريفات الجمركية الانتقائية والدعم الحكومي للتخفيف من الأثر الاجتماعي عندما يكون للميزة التنافسية لدولة ما تأثير بالغ على التوظيف في دولة أخرى. وهذا نهج مختلف تمامًا عن سياسة الرئيس ترامب. وسيقول البيت الأبيض إن اضطرابات السوق قصيرة الأجل ثمنٌ يجب دفعه مقابل تحقيق مكاسب طويلة الأجل، وأنه نتيجةً لذلك، سيتم استثمار الإنتاج الأمريكي ونقله إلى الداخل. وبالمعنى الضيق، قد يحدث هذا في بعض القطاعات فقط، ولكن السياسة تتجاهل سوق التصنيع والعمالة. وقد انهارت أسواق الأسهم لأن نموذج أعمال العديد من الشركات العالمية متعددة الجنسيات، بما فيها الشركات الأمريكية العملاقة، قد تزعزع بسبب الإعلان عن رسوم جمركية مرتفعة وواسعة النطاق. وهذا ليس رد فعل غير منطقي. وتزدهر الشركات بفعل معرفتها للقواعد ومعدلات الضرائب، وهو ما يُمكّنها من اتخاذ قرارات استثمارية ووضع خطط ميزانيات سنوية. ويُعدّ عدم اليقين في حد ذاته عاملاً من عوامل الركود. كما أن اللجوء إلى التهديدات والإغراءات يُقوّض الثقة. وقد رضخ الرئيس ترامب للضغوط الناجمة عن انخفاض أسواق الأسهم، والتحذيرات بشأن الركود، التي جاء بعضها من قادة الأعمال ومن داخل حزبه الجمهوري. ولعل العامل الأكبر وراء تغيير سياسته هو بيع سندات الخزانة الأمريكية، وما تبعه من ارتفاع في العائدات، مما زاد من تكلفة تمويل عجز الموازنة. ومن غير المألوف انخفاض قيمة الأسهم والسندات الأمريكية في آن واحد، وهو أمر قد يشير إلى تراجع الثقة في الولايات المتحدة. النظام العالمي الجديد الذي فرضه نظام ترامب، الذي يتميز بالارتفاع الواضح في التعريفات الجمركية، والانخفاض في التدفقات التجارية، والتوتر بين القوى العالمية، وسياسة حافة الهاوية، يُنبئ بأن يكون أقل استدامةً وأكثر ضررًا.
906
| 15 أبريل 2025
أصيب المراقبون الذين اعتقدوا أن دونالد ترامب سيكون مقيدًا خلال ولايته الثانية في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية كما كان الحال في فترة ولايته الأولى بصدمة قاسية. حيث يؤمن جميع أعضاء حكومته إيمانًا راسخًا بأيديولوجية «لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا»، وقد تضمنت أيامه الخمسون الأولى سلسلة من التصريحات تندرج جميعها ضمن النهج المتمثل في التوجه نحو الأيديولوجية الانعزالية والحمائية. ويرى ترامب أن السياسة في المقام الأول عبارة عن مسألة عقد صفقات، باستخدام التهديدات والإغراءات، لا الدبلوماسية أو بناء التحالفات. وينظر إلى التجارة العالمية من منظور الرابحين والخاسرين، لا من منظور الترابط. ولم يتسبب مدى عدائه لحلفاء الولايات المتحدة السابقين، بما في ذلك كندا والمكسيك وأوكرانيا والدول الأوروبية، في حدوث صدمة لقادة تلك الدول والعديد من المراقبين فحسب، بل تسبب في قلب حالة الوحدة النسبية في الدول الغربية التي استمرت لعقود طويلة رأسًا على عقب. وقد أشار بعض المراقبين إلى أن الرئيس ترامب يُعيد عظمة أوروبا بدلاً من جعل أمريكا عظيمةً مجددًا. وقد دفعت سياسته، التي تمثلت في إنهاء التحالف الغربي تقريبًا، إلى اتخاذ خطوات نحو تعزيز التعاون في التمويل، والإنفاق الدفاعي، والسياسات الأمنية المشتركة في جميع أنحاء أوروبا. ويمتد هذا التعاون الوثيق إلى تركيا والمملكة المتحدة، وهما دولتان غير عضوتين في الاتحاد الأوروبي. وقد حدث التغيير الأبرز في سياسة ألمانيا؛ فقد تغيّر نهجها تجاه الاقتراض والإنفاق العام والإنفاق الدفاعي والأمني خلال الشهر الماضي أكثر مما كان عليه خلال الثمانين عامًا الماضية (مع اعتبار ألمانيا الغربية قبل عام ١٩٩٠ وألمانيا ما بعد التوحيد وحدة واحدة، من حيث استمرارية السياسات). وفي بداية شهر مارس، اتفق المستشار الجديد فريدريش ميرتس والحزب الديمقراطي الاجتماعي على إنهاء سياسة كبح الدين التي تُقيّد الاقتراض العام، بهدف تعزيز الإنفاق على البنية التحتية والدفاع. وتتمتع الدول الأوروبية بخبرة واسعة في التصنيع والتكنولوجيا الدفاعية، وإذا تعاونت بفعالية، ستتمكن من بناء قدرات عسكرية ضخمة. لكنها تعتمد حاليًا بشكل كبير على الولايات المتحدة، ليس فقط في المعدات والأفراد المسلحين، بل أيضًا في الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع. ووفقًا لخبراء الدفاع، سيستغرق استقلال أوروبا التام عن الولايات المتحدة في القدرات الدفاعية سنوات، وليس أشهرا معدودة. وفيما يتعلق بالاقتصاد، ليس من المؤكد ما إذا كانت سياسة الرسوم الجمركية تُسهم في إعادة بناء قطاع التصنيع الأمريكي، وبالتالي الاقتصاد الأمريكي. فعلى سبيل المثال، سيُخفف بعض العبء عن منتجي الصلب الأمريكيين، وتبدو الولايات المتحدة مستعدة بشكل أفضل من الدول الصغيرة لمواجهة الحروب التجارية؛ حيث إنها تضم أراضي شاسعة ذات موارد طبيعية هائلة. ومن المفاهيم الخاطئة الشائعة افتراض أن أمريكا كانت دائمًا دولة تعتمد على نظام السوق الحرة. فعلى سبيل المثال، فرضت واشنطن رسومًا جمركية مرتفعة على الواردات في أواخر القرن التاسع عشر وفي ثلاثينيات القرن العشرين. ومن الأمور المُعقّدة في هذه الحالة استخدام الرئيس ترامب للرسوم الجمركية، أو التهديد بفرضها، باعتباره نهجًا في المفاوضات بشأن القضايا غير الاقتصادية. وعلاوة على ذلك، فقد تراجع ترامب عن مواقفه مرارًا، وهو ما يُصعّب من مسألة التخطيط للأعمال. ومن المستحيل التنبؤ بالتأثير طويل المدى لتراجع القوة الناعمة للولايات المتحدة، حيث لا يستطيع الرئيس ترامب تحقيق أهدافه في كل شيء، ودائمًا ما تكون هناك عواقب غير متوقعة للتحولات السياسية الكبرى، وضعف الثقة الناجم عن أساليب الترهيب والرشوة في العلاقات الدولية. ومن المرجح أن تُطوّر الدول المتأثرة بالرسوم الجمركية الأمريكية حلولاً بديلة. ويرغب ترامب في العودة إلى إنتاج الوقود الأحفوري، لكن بقية العالم قد يشتري ببساطة السيارات الكهربائية الصينية التي تعمل بالكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة، وهو ما يحدث بالفعل، إلى حد ما، في دول الشرق الأوسط وبعض الدول الأوروبية. فهل سيبقى نهج ترامب؟ في الخفاء، لا تزال هناك علاقات وثيقة بين العديد من السياسيين الأمريكيين، بمن فيهم الجمهوريون، ونظراؤهم الأوروبيون، وتلوح بعض المؤشرات على كبح توجهات ترامب من حين لآخر. لذا، قد يتبين أن سياسات «لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا» مؤقتة. وحتى لو كانت كذلك، فإن بقية العالم يمضي قدمًا، وقد يجد الرئيس الأمريكي القادم أن بناء التحالفات بات أصعب من تفكيكها.
672
| 24 مارس 2025
تصدرت إدارة ترامب الجديدة عناوين الأخبار، وخاصة بعد تعيين الملياردير إيلون ماسك لشغل منصب رئيس إدارة كفاءة الحكومة، ويبدو عازمًا على تقليص عدد الموظفين والبيروقراطية. وقد حازت هذه الخطوة بالفعل على ردود فعل سلبية، ليس فقط من قبل المعارضين السياسيين والموظفين المدنيين، ولكن أيضًا من رؤساء الإدارات الفيدرالية التي عينها ترامب نفسه. ولكن هل هناك ما يبرر تقليص أعداد الموظفين الحكوميين، وأعداد اللوائح التنظيمية، في الولايات المتحدة وفي أغلب بلدان العالم؟ ففي العديد من مؤسسات القطاع العام قد يكون هناك ميل إلى زيادة اللوائح التنظيمية، والمتطلبات غير المعقولة بسبب الالتزام النظري بالقوانين، وأحيانًا يدعم هذا التوجه الشركات الاستشارية التي تضم مستشارين يكسبون عيشهم من المساعدة في الامتثال لتلك اللوائح. وقد يؤيد قِلة من الناس عدم فرض أي قيود تنظيمية، نظرًا لأن ذلك قد يؤدي إلى كوارث بيئية مثل تسميم الشواطئ بالنفايات السامة أو ارتفاع معدلات الحوادث على الطرق. ولكن حتى الأشخاص الذين يؤيدون بشدة فرض القيود التنظيمية يدركون أن كثرة القوانين، وخاصة إذا كانت تتضمن تعبئة استمارات غير ضرورية، لا تضر بالإنتاجية فحسب، بل إنها قد تتسبب كذلك في حدوث نتائج عكسية. فقد تعني زيادة الوقت الذي يقضيه الناس في تعبئة الاستمارات تقليص الوقت الذي يخصصونه للأمور التشغيلية، بما في ذلك السلامة وغيرها من جوانب العمل المسؤول. كما تتضرر مصداقية القيود التنظيمية مع كل قاعدة غير ضرورية، أو عندما لا يكون الأساس المنطقي لتطبيقها واضحًا، أو لا يغطي جميع الحالات. ولكن من ناحية أخرى، قد تتسبب الجهود الرامية إلى الحد من البيروقراطية وتحسين الكفاءة في حدوث نتائج عكسية أيضًا. وتنبع الكفاءة الحقيقية من الاحتفاظ بالأشخاص والتدابير الضرورية فقط. وهنا يكون قرب المسؤولين مما يحدث في الواقع مهم، وعدم الاعتماد على التقارير أو المستشارين فقط. وبالنسبة للقوانين، يتعين أن يكون هناك مستوى مثالي، وأساس واضح ومفهوم جيدًا لكل قانون يجب على الشركات والمواطنين الالتزام به. وفي الغالب، يحقق المسؤولون في قطر ذلك، حيث تبدو ردود فعل العملاء على الخدمات الحكومية في قطر إيجابية بشكل عام، ولكن هناك بعض الشكاوى حول الوقت الذي تستغرقه بسبب البيروقراطية، وتأثيرها على سير الأعمال، وعدم وجود تواصل حقيقي سريع بين بعض الجهات الحكومية. وقد يتطلب التقدم بطلبات الحصول على تراخيص البناء في قطر، ومتطلبات الدفاع المدني، وتأسيس شركة، قضاء وقت طويل في تعبئة الاستمارات ونماذج الطلبات، ولا يكون الأساس المنطقي لكل عملية واضحًا دائمًا، وبعض الموافقات الحكومية تأخذ وقتاً طويلاً دون أي سبب مقنع، مما يضر الأعمال ونمو الاقتصاد. ويشترط على العديد من الشركات أن يكون لديها معدات نقاط البيع حتى وإن لم تكن لديها معاملات للبيع بالتجزئة. وقد يؤدي إلغاء بعض هذه القواعد إلى مساعدة قادة الأعمال في التركيز على الامتثال للقواعد التي تعتبر أساسية بوضوح. وأيضاً تحرير القطاع المصرفي في قطر من القوانين والتنظيمات الصارمة ضروري لتعزيز المنافسة، والابتكار، وجذب الاستثمارات، وتحفيز الاقتصاد المحلي. وهناك طريقتان يمكن أن تساهما في الحد من البيروقراطية المفرطة وهما بنود انقضاء الصلاحية، ومبدأ «الامتثال أو التفسير». ويتمثل بند الانقضاء في تاريخ انتهاء صلاحية القاعدة التنظيمية: فبعد خمس سنوات على سبيل المثال، تصبح القاعدة غير سارية ويجب تقديم الحجة لإعادة تطبيقها. ويمكن أن يساعد هذا الأمر في منع تراكم القواعد التنظيمية التي تصبح عتيقة وغير ذات صلة. فعلى سبيل المثال، تم إقرار بعض القوانين في قطر في تسعينيات القرن العشرين ولا تزال مطبقة إلى الآن. ويُستخدم نهج «الامتثال أو التفسير» في بعض قواعد حوكمة الشركات: فقد تنحرف الشركة عن اتباع ممارسة موصى بها بشكل قانوني، ولكن من المتوقع منها أن توضح السبب وراء ذلك. ويجسد هذا مفهوم فهم وتفسير الأساس المنطقي لممارسة معينة، ويتجنب الإجراءات العقابية في حالة حدوث الانتهاكات البسيطة. وقد لا تكون مثل هذه الأساليب مناسبة لتدابير السلامة الأساسية، ولكنها قد تكون فعالة في سياقات أخرى. استجابةً للتحديات الاقتصادية الحالية، يمكن أن يسهم تعيين ‹قيصر الكفاءة›، تحت إشراف رئيس مجلس الوزراء، في تسريع الإصلاحات الحكومية، والحد من البيروقراطية، وتحسين كفاءة الأداء الإداري، مما يسهم في تحسين بيئة الأعمال وتحفيز التنمية الاقتصادية لتعزيز الاستثمار المحلي والأجنبي ودعم نمو القطاع الخاص.
435
| 18 مارس 2025
تشكل المياه أهمية بالغة بدرجة لا يمكن التسامح مع الفشل في إدارتها، ولكنها تنتشر في كل مكان في بعض أجزاء العالم إلى الحد الذي يجعلنا نعتبر توافرها أمرًا مسلمًا به. وربما يتغير هذا الوضع، حيث بات عدد متزايد من الحكومات والشركات والمستثمرين والوكالات الدولية يدركون الأهمية الأمنية للمياه. وفي العام الماضي، استضافت قمة دولية كبرى حلقة نقاش إستراتيجية بشأن المياه، في سياق النتائج التي تشير إلى أن الطلب على المياه من المتوقع أن يتجاوز العرض بنسبة 40 % بحلول نهاية العقد. وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة إلى أن حوالي 30 % من سكان العالم ما زالوا يفتقرون إلى القدرة على الوصول إلى مياه الشرب النظيفة. ويعيش ربع سكان العالم في دول تعاني من ضغوط مائية شديدة، والتي تُعرَّف بأنها تستخدم 80 % من العرض سنويًا أو أكثر. وهناك حتى حالات سرقة المياه، على سبيل المثال في شمال شيلي، حيث تقوم العصابات بسحب المياه المخصصة للري، وهو ما يلحق الضرر بالإنتاج الزراعي. وتبلغ نسبة المياه العذبة في العالم 3 % فقط، ومعظم هذه المياه تكون على شكل أنهار جليدية آخذة في الذوبان الآن، وهناك ندرة في هطول الأمطار في العديد من المناطق المكتظة بالسكان. وفي المناطق الأكثر رطوبة من العالم، يشكل تلوث الإمدادات، مثل النترات الناتجة عن الزراعة التي ينتهي بها المطاف في الأنهار والمياه الجوفية، مشكلة كبيرة. وتواجه دول الشرق الأوسط بعض التحديات الأكثر أهمية فيما يتعلق بإمدادات المياه، ولكنها أحرزت بعض التقدم أيضًا. ومن بين العوامل المساهمة في ذلك ندرة المياه في الصحراء وارتفاع درجات الحرارة بسبب الاحتباس الحراري العالمي. وعلى مدى عقود من الزمان، ومع الارتفاع السريع في أعداد السكان والتحضر، أصبح من الواضح أن مصادر المياه الجوفية غير كافية، وبالتالي فإن محطات تحلية المياه باتت تشكل ضرورة أساسية. وفي قطر، تضاعف معدل استهلاك المياه المنزلية بين عامي 2010 و2020. وارتفع الاستخدام السنوي للمياه في الزراعة من 140 مليون متر مكعب في عام 1990 إلى 296 مليون متر مكعب في عام 2016. وفي عام 2010، لم تكن هناك احتياطيات من المياه تكفي سوى لمدة 48 ساعة فقط. ويشتمل مشروع الخزانات المائية الضخمة، الذي بدأ في عام 2015، على بناء 24 خزانًا خرسانيًا كبيرًا. وقد انخفض مستوى هدر المياه من خلال التسربات في النظام بشكل حاد. وأصبحت قطر الآن واحدة من أكثر الدول قدرة على التكيف مع المياه. وقد اتبعت مناطق أخرى سياسات مماثلة. ويهدد ارتفاع درجات الحرارة في منطقة البحر الأبيض المتوسط بحدوث ظاهرة التصحر. وفي وقت سابق من العام الحالي، انخفضت إمدادات المياه في برشلونة إلى أقل من 16 % من السعة الطبيعية، مما أدى إلى ترشيد توزيع المياه. وفي شهر يونيو الماضي، أعلنت 14 بلدية في اليونان حالة الطوارئ بسبب ندرة المياه. وهناك مشاكل مرتبطة بتحلية المياه؛ حيث إنها عملية كثيفة الاستهلاك للطاقة. وفي هذه الطريقة، تكون عملية إنتاج المياه مكلفة، وغالبًا ما تكون الإمدادات مدعومة، وهو ما يتسبب في ضغوط اقتصادية للدولة المنتجة. وتؤدي هذه العملية إلى تركيز المحلول الملحي كمنتج ثانوي يلحق الضرر بالنظم البيئية البحرية إذا تم تصريفه ببساطة مرة أخرى في البحر. ويمكن لنهج الاقتصاد الدائري تعويض هذا التأثير أو تخفيفه. وقد استثمرت شركة قطر للطاقة وشركاؤها مليار ريال قطري في عملية إعادة تدوير مياه الصرف الناتجة عن تحلية المياه، واستخراج الأملاح القيِّمة. وبالإضافة إلى استخلاص الأملاح، يشمل التقدم التكنولوجي في صناعة تحلية المياه أنظمة التحكم الرقمية لتعزيز كفاءة الطاقة والأغشية ذاتية التنظيف التي تمنع الترسبات. وقد تحول اهتمام المستثمرين إلى تكنولوجيا المياه في وقت متأخر. فقد برزت قضية الابتكار والتكنولوجيا في التعامل مع المياه وإعادة تدويرها وإدارتها بشكل عام باعتبارها قضية لا تقل أهمية عن قضية الطاقة النظيفة أو حتى تفوقها أهمية. ولا يوجد سوى شركة واحدة عملاقة في هذا المجال، وهي شركة جراديانت التي تتخذ من بوسطن مقرًا لها وتعمل على تطوير تكنولوجيا لتعزيز سلسلة التوريد الفعالة لصناعة المياه والحد من التلوث. وهناك تكنولوجيا ناشئة لاستخراج الرطوبة من الضباب والندى الليلي، مع توافر إمكانات كبيرة لاستخدامها في المناطق ذات معدلات الأمطار المنخفضة.
408
| 10 مارس 2025
في خطوة بالغة الأهمية، قام بنك جي بي مورجان تشيس بترقية الاقتصاد القطري من فئة الأسواق الناشئة إلى فئة السوق المتقدم، إلى جانب الكويت. وأعلن البنك عن اعتزامه رفع تصنيف قطر والكويت في مؤشر سندات الأسواق الناشئة على مراحل، على مدى ستة أشهر تبدأ في نهاية شهر مارس. وسيدرس البنك إعادة تصنيف سوق دولة الإمارات العربية المتحدة بالمثل خلال العام المقبل. ومن المحتمل أن تتبع مؤشرات السندات الأخرى التصنيف الأعلى لقطر والكويت. وفي نفس الوقت تقريبًا، في منتصف شهر فبراير، انتهت قطر من إصدار سندات على شريحتين شهدت زيادة كبيرة في الاكتتاب عليها. وتحمل شريحة بقيمة مليار دولار تستحق بعد ثلاث سنوات معدل فائدة بلغت 4.5 %، في حين تحمل شريحة بقيمة 2 مليار دولار تستحق بعد 10 سنوات معدل فائدة بلغت 4.875 %. وتمثل هذه المعدلات على التوالي 30 نقطة أساس و45 نقطة أساس فوق سعر سندات الخزانة الأمريكية لعشر سنوات. ويُشكِّل هذا انخفاضاً بنحو 30 و35 نقطة أساس على التوالي مقارنة بالسعر المستهدف الأولي. وقد تجاوز الاكتتاب في السندات الحجم المستهدف بمعدل 5.8 ضعف؛ حيث تجاوزت قيمة الطلبات 17 مليار دولار. والقدرة على استقطاب مثل هذا الطلب المرتفع حتى بعد تخفيض السعر، إلى جانب الترقية إلى وضع السوق المتقدمة، تعكس بشكلٍ عادل التقدم الاقتصادي الذي حققته الدولة في مجموعة من المسائل التي لا تقتصر على المسؤولية المالية، ولكن تتعداها إلى تحسينات البنية التحتية، وتطوير قاعدة ضريبية سليمة، وتعزيز الايرادات عبر توسع التصدير من احتياطيات الغاز في حقل الشمال. وقد أصبحت قطر حالة فريدة من حيث موقفها المالي القوي ليس فقط داخل الأسواق الناشئة، بل وعلى نطاق أوسع، حيث يقل دينها العام عن نسبة 50 % من الناتج المحلي الإجمالي، وقد انخفض هذا الدين تدريجيا منذ انتهاء جائحة كوفيد - 19 واكتمال الاستثمارات التي كانت مخصصة لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022. وقد خفضت البنوك المركزية أسعار الفائدة، وهو ما قد يؤدي عادةً إلى انخفاض العائدات على السندات الحكومية، ولكن هذا لم يكن الحال باستمرار. ولم تنخفض أسعار الرهن العقاري أيضًا. ويتوقع المستثمرون ارتفاع معدل التضخم، مع ثبات مستويات أسعار الفائدة أو ارتفاعها. وقد وصل متوسط العجز المالي في دول مجموعة السبع بحلول عام 2025 إلى نسبة 6 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي؛ ومن المتوقع أن تصدر الولايات المتحدة سندات تبلغ قيمتها الإجمالية 7 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعادل 2 تريليون دولار. وهذه مبالغ هائلة. فهل ستصمد الثقة في الاقتصاد الأمريكي؟ ربما: فقد كانت مستويات الديون مرتفعة بنفس القدر أو أعلى خلال الحرب العالمية الثانية، في حين كانت معدلات التضخم وأسعار الفائدة أعلى كثيرًا في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، الأمر الذي دفع المستثمرين إلى تجنب السندات الحكومية. وقد عملت الصين واليابان على تقليص تعرضهما لسندات الخزانة الأمريكية، كما قامت العديد من البنوك المركزية، وخاصة في الصين، بشراء الذهب. ولكن في المستقبل المنظور، لن تكون هذه التحولات كافية من حيث الحجم للتسبب في حدوث ارتفاع كبير في العائدات أو انهيار الثقة، نظرا لعمق وسيولة أسواق رأس المال، وآفاق النمو للولايات المتحدة ومكانة الدولار كعملة احتياطية عالمية. ومع ذلك، هناك مخاوف بشأن التأثير المحتمل للرسوم الجمركية وتخفيضات الضرائب المتوقع أن تفرضها إدارة ترامب، ولا توجد سوى إشارات ضئيلة إلى أن العجز المالي سينخفض. وهناك ضغوط تُمارس على جميع الحكومات الغربية لزيادة الإنفاق الدفاعي بسبب التوترات الجيوسياسية.
435
| 03 مارس 2025
قبل ربع قرن، ومع بداية الألفية الجديدة، كانت العولمة تقترب من ذروتها مع انتهاء فصول الحرب الباردة، وقبول الصين في منظمة التجارة العالمية، وتشجيع التجارة الحرة وحرية تنقل الأشخاص إلى حدٍ ما. وقتها، بدت العملة القديمة المتمثلة في الذهب عتيقة الطراز، فقد تخلى الدولار الأمريكي عن معيار ربط العملة بالذهب في عام 1971، وانخفضت نسبة احتياطيات البنوك المركزية التي تحتفظ بها في هيئة سبائك ذهبية من 40 % في عام 1970 إلى 6 % بحلول عام 2008. وقد بدأت العديد من البنوك المركزية، لا سيَّما في المملكة المتحدة، في بيع احتياطياتها من الذهب بهدف تنويع الأصول والسعي إلى تحقيق عوائد أفضل. وأدى هذا التوجه إلى إبرام اتفاق دولي عُرِف باتفاقية واشنطن بشأن الذهب، حيث وافقت البنوك المركزية الرائدة على وضع حد أقصى سنوي لمبيعات الذهب. ومنذ ذلك الحين، بات المعدن النفيس يُنظر إليه باعتباره الملاذ الآمن النهائي، حيث يرتفع سعره مع زيادة التضخم وتفاقم المخاطر الجيوسياسية. وبدأ الاتجاه نحو التخلص من الذهب في التراجع مع اندلاع الأزمة المالية في عام 2008. ومنذ عام 2022، ارتفعت أسعار الذهب، عندما بلغ التضخم ذروته في معظم أنحاء العالم مع تصاعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وإن لم يحدث ذلك على الفور. فقد حافظت أسعار الذهب على استقرارها لمدة عام تقريبًا. وحدث ارتفاع في الأسعار بين بداية عام 2021 ومنتصف عام 2023 من أقل من 1,900 دولار للأوقية إلى 1,960 دولارًا، بزيادة قدرها 3 ٪ فقط. ولكن منذ عام 2024، ارتفع سعر الذهب إلى نحو 2,900 دولار للأوقية (45 %)، وهو ما يشير إلى أن هناك ما هو أكثر من التحوط التقليدي الذي يتبعه المستثمرون عبر التحول إلى أصول آمنة. وعادةً ما تتحرك أسعار الذهب في ارتباط عكسي مع العائدات على السندات الحكومية، ولكن في عام 2021 انهارت هذه العلاقة؛ حيث واصلت أسعار الذهب ارتفاعها مع ارتفاع العائدات على السندات الحكومية. وتتجاوز الأسباب الأساسية وراء حدوث ذلك حدود المخاطر الاقتصادية الدورية، وتتعلق بتراجع الثقة في الولايات المتحدة باعتبارها شريكًا تجاريًا، بالإضافة إلى تراجع الثقة في الدولار، والتفتت الجزئي للنظام التجاري العالمي، الذي قد يكون مؤقتا أو ربما يُعد بدايةً لاتجاه طويل الأجل أكثر جوهرية. وتسير التحركات العالمية نحو تعزيز حرية حركة التجارة والأشخاص التي سادت في وقت مبكر من القرن الحالي في الاتجاه المعاكس، حيث يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى فرض الرسوم الجمركية على الواردات وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، بالإضافة إلى تهديده للاقتصادات الناشئة في حال إذا ما ابتعدت عن التجارة بالدولار الأمريكي. ومن المرجح أن تؤدي سياساته إلى زيادة نسبة التضخم في الولايات المتحدة، واستمرار ارتفاع مستويات الدين والعجز في القطاع العام. وقد تسبب ترامب في إضعاف الثقة في الاتفاقيات الدولية بتراجعه عن اتفاقيات التجارة الحرة، أو تهديده بالتراجع عنها، مثل تلك الاتفاقيات التي أبرمها مع جارتيه المكسيك وكندا. وقد دأبت البنوك المركزية، ولا سيما في الصين والهند وتركيا ودول مجلس التعاون، على شراء الذهب، حيث تجاوز صافي مشتريات البنوك المركزية حاجز الألف طن في عامي 2022 و2023. وبلغت نسبة احتياطيات البنوك المركزية المحتفظ بها على هيئة سبائك ذهبية 11 %، واستثمرت حوالي ثلثي المكاتب العائلية في الذهب. ويرغب العديد من المشترين في الاحتفاظ بالسبائك الذهبية في خزائنهم، بدلاً من الاعتماد على الالتزامات التعاقدية، التي قد تخضع لقيود مستقبلية مثل العقوبات. وتوجد نسبة كبيرة من الذهب العالمي في لندن، وهناك فترة انتظار تتراوح بين أربعة وثمانية أسابيع لسحب الذهب. وقد جاء ذلك في أعقاب حدوث زيادة في شحنات الذهب الواردة إلى نيويورك، حيث جمع التجار مخزونًا تجاوزت قيمته 80 مليار دولار. وهناك عامل آخر يتمثل في سهولة نقل الذهب، وإمكانية إذابته وإعادة تشكيله دون أن يترك ذلك أي أثر يذكر. ومنذ تخلي العملات الرئيسية عن معيار الذهب في سبعينيات القرن العشرين، تحولت إلى عملات نقدية إلزامية. وأصبحت تعتمد على الثقة. وتبدأ هذه الثقة في التآكل عندما ترتفع معدلات التضخم والديون، والحروب التجارية، وانتهاكات المعاهدات، وهي العناصر التي باتت تميز الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي. ومن الطبيعي أن يلجأ البشر في مثل هذه الظروف إلى التجارة أو الاستثمار في الأصول الملموسة.
567
| 24 فبراير 2025
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم...
8715
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...
6912
| 06 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...
4848
| 05 أكتوبر 2025
في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها...
2280
| 07 أكتوبر 2025
لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة...
1671
| 08 أكتوبر 2025
قبل كل شيء.. شكراً سمو الأمير المفدى وإن...
1632
| 08 أكتوبر 2025
مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،...
1530
| 10 أكتوبر 2025
في السنوات الأخيرة، تصاعدت التحذيرات الدولية بشأن المخاطر...
1086
| 09 أكتوبر 2025
في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...
1068
| 05 أكتوبر 2025
التوطين بحاجة لمراجعة القوانين في القطــــاع الخـــــاص.. هل...
954
| 05 أكتوبر 2025
حين نسمع كلمة «سمعة الشركة»، يتبادر إلى الأذهان...
939
| 10 أكتوبر 2025
سنغافورة بلد آسيوي وضع له تعليماً خاصاً يليق...
915
| 09 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية