رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فضل الكلام والصمت (2)

الذي يعاب من الكلام هو فَضْله أيْ زيادته، والإكثار منه دونما حاجة داعية إليه، وبلا طائل منه، لجلب نفع أو دفع ضرر، وعدم الاقتصار منه على قدر الحاجة، أو إتيانه في غير موضعه بما لا يناسب الحال والمقام، وصدق الإمام مالك بن أنس ذو الأقوال الخالدة في التاريخ، الجديرة بأن تخط بأغلى من ماء الذهب، إذ قال:(كل شيء ينتفع بفضله إلا الكلام فإنّ فَضْلَه يضر)، وكان رحمه الله يكره كثرة الكلام ويعيبه ويقول:(لا يوجد إلا في النساء والضعفاء)؛ لأنه بذلك يصير ثرثرة، يكثر فيه سقط وخطأ قائله، وينزل به إلى الهذيان والهراء، فيجلب إلى نفسه آفات ومثالب تذهب بالمحاسن والمناقب، يعرفها الجميع، ولا يسلم منها إلا القليل، لعل أخفها ضرراً شُغْله فيما لا يعنيه، وأشدها ضرراً الغيبة والنميمة والكذب والرَفَث والخَنَا- هما فحش القول وهُجْره- والمراء، وغيرها من آفات اللسان التي تفسد على المرء دينه ودنياه وأخراه، إذ لا يستقيم معها القلب والإيمان، فقد قال عليه الصلاة والسلام:(لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)، فكما ترى أن اللسان سبب وشرط في استقامة القلب، الذي هو سبب في استقامة الإيمان.حينئذ يكون الصمت أولى بالفضل وشرف المنزلة، ويكون فيه الخير والنجاة والسلامة للمرء، ويصبح زينة يُتحلى بها، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ لقمانَ كان عند داود، عليه السلام، وهو يَسْرِدُ الدِّرعَ- يصنعها- فجعل يفتِلُه هكذا بيده، فجعل لقمان يتعجب ويريد أن يسأله، فتمنعُه حِكمته أن يسأل، فلمّا فرغ منها ضمّها على نفسه، وقال: نعِم درعُ الحرب هذه، فقال لقمان: إنّ الصمتَ من الحُكْمِ- أي الحكمة- وقليلٌ فاعله، كنتُ أريد أن أسألك، فسكتُّ حتى كَفَيتني. ومما قاله الشعراء في هذا المعنى، قول أبي العتاهية:عليك بما يَعنيك من كل ما ترى وبالصمت إلا عن جميلٍ تقولهُوقول أبي نواس:إنـما الـعاقل مـن أَلـجم فـاهُ بلجــامِمت بداء الصمت خيرٌ لك من داءِ الكلاموقول آخر: إذا ما لسانُ المرءِ أكثرَ هَذْرُهُ فذاك لسان بالبلاء مُوَكلُإذا شئت أن تحيا سعيداً مُسلَّماً فدبّر وميّز ما تقول وتفعل

2088

| 28 يونيو 2015

فضل الكلام والصمت (1)

من الوصايا النبوية، التي تُزكي الأخلاق الإنسانية، وترتقي بالنفس البشرية، وتجمع للمرء الخيرات والمنافع الدنيوية والأخروية، وكل ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام من سنة قولية أو فعلية هو كذلك، قوله في الصحيحين:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).عند تأملنا هذا الحديث، نجد أن النبي عليه الصلاة والسلام، قد قدم القول على الصمت، ما يُنبئ عن أن له أفضلية عليه؛ ولأن الأصل في الإنسان التكلم، ولكنْ ليس بأي كلام، وإنما بالخير ولا سيّما من كان يؤمن بالله واليوم، إيماناً كاملاً صحيحاً صادقاً، يظهر أثره في اعتقاده بأن الله جل وعلا سوف يحاسبه ويجازيه عن كلامه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، بل إن الأمر أخطر من ذلك، ففي الأثر الصحيح: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم)، كما أن الكرام الكاتبين لا يفرطون، قال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، فالكلام كالعمل تماماً من حيث كون العبد محاسباً عليه، لذلك قال عمر بن عبد العزيز:(من لم يعدّ كلامه من عمله كثرت خطاياه)، فالعبد سالم ما سكت، فإذا تكلم فله أو عليه، وفي الحديث: (رحم الله عبداَ قال خيراً فغنم، أو سكت فسلم).لذا جاء الأمر الإلهي لعباده المؤمنين بالقول السديد، عاطفاً إياه على التقوى، فقال عز مِن قائل:(يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا)، وجعل النتيجة المترتبة على ذلك في الآية التي تليها (يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم).. يتقرر إذن مما سبق، أن القول مقدم ومفضل على الصمت إذا كان خيراً وسديداً، ولا غرو في ذلك، فذكر الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإسداء النصيحة، وإصلاح ذات البين، كل أولئك لا يكون في الأساس إلا بالكلام، وهذا يسوقنا إلى ذكر طَرَفٍ مما قيل في تفضيل كل منهما على الآخر مما جاء من كلام الأدباء والشعراء، ننقله مثلما ورد.قال أبو تمام: تناقشنا في مجلس سعيد بن عبد العزيز، في فضيلة الكلام وفضيلة الصمت، وأيهما أرفع شأناً، وأعز مكاناً، فقال واحد في المجلس: إن الصمت زين الرجل، وفضيلة من الفضائل المطلوبة له، والمكملة لأدبه، وكثرة الكلام دليل الطيش وعلامة على ضعف الرأي، فأجاب سعيد بن عبد العزيز: يا هذا إنك تمدح السكوت بالكلام، ولا يُمدح الكلام بالسكوت، ومن أنبأ عن شيء فهو أكبر منه، فقام الجاحظ وقال: كيف تقولون إن الصمت أنفع من الكلام؟ ونفع الصمت لا يتجاوز صاحبه، ونفع الكلام يعمّ ويخص، والرواة لم تروِ سكوت الصامتين كما روت كلام الناظمين والناثرين، فبالكلام أرسل الله تعالى أنبياءه، وليس بالصمت أرسلهم، ومواضع الصمت المحمودة قليلةُ، ومواطن الكلام المحمودة كثيرة، وبطول الصمت يفسد البيان، ومحادثة الرجال تلقيح لألبابها.وأعرب بالشعر، أبو الفتح البستي، فأحسن الإفصاح والبيان عن المعنى، فقال:تكلّم وسدّدْ ما استطعت فإنما كلامك حيٌ والسكوتُ جمادُفإنْ لم تَجِد قولاً سديداً تقولُه فصَمتُك عن غَيرِ السدادِ سدادُ

8395

| 27 يونيو 2015

رقائق في الصدقة

من رقائق الحديث النبوي قوله عليه الصلاة والسلام:(أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل، سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً)، فكما ترى أن جميع الأمور الأربعة التي ذكرها رسول الله، وهي بلا شك على سبيل ضرب المثال لا الحصر على صور التعاطف والتراحم بين الناس قاطبة، مسلمهم وغير مسلمهم، لا تكون ولا تتم إلا بالإنفاق والصدقة، سواء بالمال أو بالجاه، أو حتى بالكلمة والبسمة، فالكلمة الطيبة صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، كما ثبت ذلك في الأثر، وإني والله لأعجب وأتأسف في آنٍ واحدٍ، على من يبخل بالكلمة الطيبة وبالبسمة الحسنة ويمنعهما عن الناس، وكأن فيهما ما يشق عليه أو كأنه يخاف إذا هو قام بهما أن يخسر أو يفتقر.ثمة أمرٌ في فعل الصدقة وسائر صنوف المعروف، وإجابة السائل، يَجْمُل بنا أن نعيه ونتعلمه من سلفنا الصالح رحمهم الله جميعاً، سوى أنهم يفرحون ويسعدون بإعطاء الصدقة للفقير، وبقضاء حاجة السائل، دونما ذلة ولا أذى، وهو كونهم لا يرون لأنفسهم فضلاً ولا منة ولا يداً على الفقير، ولا يرجون حتى دعائه أو ثنائه، بل إنّ الأمر عندهم نقيض ذلك تماماً، عملاً بالآية الكريمة:(إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا)، فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كانت إذا أرسلت معروفاً إلى فقير، تقول للرسول: احفظ ما يدعو به لنا حتى ندعو له بمثل ما دعا، ويبقى أجرنا على الله، فترد عليه بمثل دعائه، لكي يخلص لها أجر صدقتها.وهذا ابن عباس رضي الله عنه قال: (ثلاثة لا أكافئهم- أي لا أقدر على مكافأتهم- رجل بدأني بالسلام، ورجل أوسع لي في المجلس، ورجل اغبرت قدماه في المشي إليّ إرادة التسليم علي، فأما الرابع، فلا يكافئه عني إلا الله عز وجل، قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل به أمر فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلاً لحاجته، فأنزلها بي)، أناشدك الله أيها القارئ أن تنظر وتتأمل في هذا القول، ولك أن تعجب من سمو وعلو وشرف أخلاق صاحبه، ولكنّ العجبَ سرعان ما يزول وينتفي، إذ لا مسوِّغ له، فالقائل أحد صحابة رسول الله، بل هو ترجمان القرآن وحَبر الأمة، وابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وفي نفس المعنى الأخير من قوله رضي الله عنه، يقول التابعي، الفُضيل بن عياض رحمه الله، الملقب بعابد الحرمين:(من المعروف أن ترى المنة لأخيك عليك، إذا أخذ منك شيئاً، لأنه لولا أخذه منك ما حصُل لك الثواب، وأيضاً فإنه خصك بالسؤال ورجا فيك الخير دون غيرك)، بل إنهم كانوا يعدون رد السائل خائباً إن سأل ما ليس عندهم، لمن إحدى المصيبات، كما أنشد الإمام الشافعي رحمه الله معبراً عن سخائه وجوده:يا لهفَ قلبي على مالٍ أجود به على المقلين من أهلِ المروءاتِإن اعتذاري إلى من جاء يسألني ما ليس عندي لمن إحدى المصيباتختام القول:اعلم أن الحسد، إن كان لا بدّ من حسد، و إن كنت لا بدّ حاسداً، لا ينبغي أن يكون إلا في اثنتين، وبمعنى الغبطة، أي تمني مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوال النعمة عنه، هما في هذا الحديث:(لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار).واستحضر أيها القارئ الكريم، دائماً وأبداً، عند شروق شمس كل صباح، قول رسول الله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين:( ما من يوم يصبحُ العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً).

2707

| 26 يونيو 2015

ظِلُّ الصدقة (3)

تقدم معنا ما للصدقة من فضل عظيم، وأجر كريم، يظفر به المؤمن المتصدق، ولتعلمْ أن الأمر لا يقف عند ذلك فحسب، ولكن بالإضافة إليه، أنّ المالَ لا ينقص، الأمر الذي أقسم عليه النبي وهو الصادق المصدوق، الغنيّ عن القسم، لعل ذلك القسم يجعل هذا الأمر يصير يقيناً عند كل مسلم، إذ قال في الصحيح: (ثلاثٌ أقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه- لا يأمرنا النبي بحفظ حديث إلا لأن فيه أمراً خطيرا وذا بال- ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزاً، فاعفوا يعزَّكم الله، وما فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر)، وذلك لأن الله يُخلف على المنفق، قال عز وجل: (وما أنفقتم من شيءٍ فهو يُخلِفُه وهو خير الرازقين)، وقال أيضاً وقوله الحق: (وما تنفقوا من خيرٍ يوف إليكم وأنتم لا تظلمون)، ولِما هو معروف من قواعد الدين، أن الجزاء من جنس العمل، مصداقاً لقول الله في الحديث القدسي الصحيح: ( يا بن آدم أَنفقْ أُنفِق عليك)، وما جاء في الحديث:(من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)، ومن أصدق ما قال الشعراء، قول الحطيئة، الذي بذَّ به الشعراء طُرّا:من يفعلِ الخير لا يَعدمْ جوازيه لا يذهبُ العُرْف بين الله والناسِالعرف: المعروف، وجوازيه، جمع جاز، اسم فاعل من الفعل جزىنذكر شاهدين من شواهد ذلك، كغيضٍ من فَيْض ووَشَلٍ من بحر، الأول ما جاء عن عائشة رضي الله عنها، وهو أن مسكيناً سألها وهي صائمة، وليس في بيتها إلا رغيفٌ واحدٌ، فقالت لجاريتها: أعطيه إياه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه سواه، فقالت: أعطيه إياه! قالت: ففعلت، فلما أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان، ما كان يهدي لنا، شاةً وكفنها- أي غطاها بأرغفة- فدعتني وقالت: كلي من هذا، هذا خير من قرصك.والثاني، ما رواه الإمام مسلم في صحيحه، من قصةٍ كل العجب والدَهْش فيها، وهي قوله عليه الصلاة والسلام:(بينما رجل يمشي بفلاة من الأرض، فسمع صوتاً في سحابة يقول: اسقِ حديقة فلان، فتنحّى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حَرّة- أرض ذات حجارة سوداء- فإذا شَرْجةٌ من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبّع الماء، فإذا رجلٌ قائم في حديقته، يحوِّل الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله ما اسمك ؟ قال: فلان، للاسمِ الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله لمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمِك، فما تصنع فيها؟ فقال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثُلُثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأرد فيها ثلثه).

406

| 25 يونيو 2015

ظِلُّ الصدقة (2)

الشياطين يريدون منع المسلم من فعل الخيرات، ولا سيّما الصدقة، فيحاولون أن يحرموه من نيل الفضل العظيم بها، ويجدوا لهم من النفس نصيراً وظهيراً على المسلم، وخاصة أنّ المال حبيب الروح، وعشيق الفؤاد، فإنْ أخرج الصدقة فكأنما فكّها من فكّيّ سبعين شيطاناً، رغماً عنهم، وانظر وتأمل في بلاغة التصوير النبوي، وذِكْره العدد سبعين، للتكثير لا للتحديد، وهذه هي عادة العرب الفصحاء، في استعمال هذا اللفظ للدلالة على الكثرة لا العدد بعينه، ومن هنا جاء في القرآن الكريم:(إن تستغفر لهم سبعين مرة) فليس المقصود عدد الاستغفار، ولكن يراد الدلالة على كثرته.ألا إنّ من أخصّ صفات المؤمنين المتقين، الإنفاق في سبيل الله، تتجسد فيه أهم وأسمى مظاهر المسارعة إلى مغفرة الله، وإلى جنة عرضها السموات والأرض، إذ ذكره الله بادئ ذي بَدءٍ من صفاتهم فقال تعالى:(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء...) وفي الآية أمر بالمبادرة بفعل الطاعات، وترك التسويف، فشأن المؤمن في العمل للأمور الأخروية كما وصفته الحكمة الصادقة التي يظنهاالكثير حديثاً وما هي بحديث: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدّا)، وكما وصفه القرآن في أنه ما بين المسارعةوالمسابقة والمنافسة في فعل الخيرات والحسنات. ومعنى الإنفاق في السراء والضراء، أي في حالة اليسر والرخاء، وفي حالة العسرة والشدة، في الحال والمال كذلك، بل إن أجر الصدقة في الحالة الثانية أعظم عند الله، سئل النبي عليه الصلاة والسلام، أي الصدقة أعظم أجراً قال: (أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى)، يبين لنا هذا الحديث، أنّ الصدقة ليست فقط على الغني الذي عنده الكثير، ولكنها أيضاً على المقل الذي لا يملك إلا القليل، ولو تصدق بتمرة أو بشقها، فإن الله يجازيه عليها وينميهاله، قال النبي عليه الصلاة والسلام:(من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يُرْبيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلُوَّه – المهر المفطوم – حتى تكون مثل حُد)، وما أجمل حكمة الشعر في ذلك التي ُ الجبل) وفي رواية: (مثل أ قالها الشاعر بشار بن بُرْد: الجودُ هرِ لم يَظْ دِر على سِعَةٍ إذا تَكرّهتَ أن تُعطي القليلَ ولم تَقَْ بُثّ النوالَ ولا تمنعْك قِلّتُهُ فكلُّ ما سدَّ فقراً فهو محمودُ والقليل الذي يقصده الشاعر، هو القليل الذي تملكه ولا لديك سواه، وليس قليل العطاء.الصدقة هي أول عمل يتمنى المرء أن يعمله حين حلول أجله ونزوله، وعند بلوغ روحه الحلقوم، لو أخّر الله موته وأمهله إلى أجل قريب، قال تعالى:(وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكمُ الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين)،وما ذاك إلا لما لها من أجر عظيم، وثواب جليل، تفوق به سواها من العبادات، وهل هناك أدل على هذا من قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:(إن الأعمال تتباهى، فتقول الصدقة:أنا أفضلكم).

1001

| 24 يونيو 2015

ظِلُّ الصدقة (1)

في موقف يوم القيامة العصيب الفظيع المَهول، المليء بالكُرب والأهوال والشدائد، اليوم الذي يشيب منه الولدان، ويفر فيه المرء من الأهل والخلان، (يومٍ كان مقدارُهُ خمسينَ ألف سنة)، مدة موقف العباد للحساب، ثم يستقر بعد ذلك أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، فما أطولَ هذا اليوم! وما أعسرَه! ولكنه برحمة الله الرحمن الرحيم، على المؤمنين يسير، قال النبي عليه الصلاة والسلام:(والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة)، فلك الحمد يا ربنا وإلهنا. يوم تدنو الشمس من فوق رؤوس الخلائق، حتى تكون قيد ميل أو اثنين، ولا يُدرى، أي الميلين المقصود، أمسافة الأرض المعلومة، أم الميل الذي تكحل به العين، وعلى كل حال، رحماك اللهم، فهذا مما لا يتحمله البشر. فتصهَرهُم الشمس فيكونون في العرق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه إلى عقِبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقْويه- خصره- ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.يكون المرء يومئذٍ في أمس الحاجة، وأعوز الفاقة، إلى ظل ظليل يستذري به من لهيب حر الشمس المحرقة، فلا يجد شيئاً يُغني عنه من ذلك، وينجّيه من تلك المهالك، إلا ما قدم لنفسه من الصدقات، وما أنفق من نفقات، قال الهادي البشير صلوات الله وسلامه عليه:(كل امرئ في ظل صدقته حتى يحكَم بين الناس)، ألم ينبئنا النبي بالسبعة الذين يظلهم الله جل وعلا بظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم (رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، وما أجملها من استعارة تفيد المبالغة في إخفاء الصدقة، تبين لنا الفضل العظيم لصدقة السر، قال تعالى:(إن تبدوا الصدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتُؤتوها الفقراء فهو خير لكم...) الآية، خيرٌ لنا عندما نجد ثوابها باقياً عند الله يوم الحساب، بعد أن ينفد كل ما عندنا ويضمحل ولا يبقى منه شيء بأيدينا، إذ نتركه وراء ظهورنا، ويأتي كلٌ منا الرحمن فردا، مصداقاً لقول المولى تبارك وتعالى:(وما عندكم ينفد وما عند الله باق)، ومن ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها، أنهم ذبحوا شاةً، وتصدقوا منها، فقال النبي ما بقي منها؟ قالت: ما بقي إلا كتفها، قال: بقي كلها غير كَتْفِها.إن في الصدقة برهان وحفظ وإطفاء وعلاج وانتصار.برهان على صدق إيمان، وصحة يقين المتصدق بالله، ودلالة على طيب نفسه، وسلامة قلبه من الجشع على المال، قال النبي:(الصدقة برهان).وحفظ من البلاء الذي تدفعه وتدرؤه الصدقة، وسبب في الوقاية من الآفات والكروب، قال عليه الصلاة والسلام:(باكروا بالصدقة فإن البلاءَ لا يتخطاها)، وقال أيضاً:(صنائع المعروفِ تقي مصارعَ السوء والآفات والهَلَكَات).وإطفاءٌ لغضب الله بسبب الخطايا التي يقترفها العبد، ففي الحديث:(إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء).وعلاج من الأدواء، إذا نوى بها المتصدق الشفاء، لقول النبي في الحديث الحسن:(داووا مرضاكم بالصدقة).وانتصارٌ على الشياطين، الذين لا يَودّون أن يفعل المسلم خيراً أبداً، قال النبي عليه الصلاة والسلام:(ما يخرج رجل شيئاً من الصدقة، حتى يفُكَ عنها لَحْيَيّ سبعين شيطاناً).

1563

| 23 يونيو 2015

كن من أصحاب اليمين

لن ينتفع من يتلو القرآن ويحفظه، انتفاعاً كبيراً، إذا اقتصر جُهده فقط على التلاوة والحفظ، دون تدبر وفهم المعاني القرآنية الكريمة، ولن يَفيدَ من كتاب الله العزيز الإفادة الحقيقية، إن لم يعمل بما جاء فيه، ويلتزم هَدْيه، ويسلك سُننه، وقد قال الله تعالى في معنى التدبر: (كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدّبروا آياته وليتذكر أولو الألباب)، وقال سبحانه في معنى العمل: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).فليس المطلوب فقط هو ترتيل القرآن وتجويده، وتحسين الصوت به، والترنم بآياته وسوره، وليس مطلوباً من المسلم أن يحفظ القرآن ويختمه، لكي يُصرفَ كل الجهد، وتوجه كل الطاقة في سبيل ذلك، إنما الغاية الأعلى، والمطلب الأسمى هو فهم القرآن، ثم العمل وفق هذا الفهم.يحضرني في سياق هذه المعاني، حال بعض المشايخ، الذين لا حديث لهم، إن هم تكلموا عن القرآن أمام العامة، إلا عن ختمه، وما يروى في هذا الصدد عن بعض السلف من أخبار، وكيف أنه كان لهم ختمات عديدة في اليوم والليلة، وأنهم ختموا القرآن كذا وكذا مرة في اليوم، أو في العمر كافة، وهي أخبار وضعها الوعاظ والقُصاص في السابق، لغرض وعظ ونُصح أهل زمانهم، لا نظن أن لها أصلاً من الصحة، وإلا فليقولوا لنا كيف عُرف ذلك عمن قيل عنهم تلك الأخبار؟! أم أن الرجل من أولئك القوم، كان يحدث الناس بعمله الصالح، بما في ذلك من رياء وسمعة، معاذ الله، والمؤسف أن يأتي في هذا الزمن من يردد تلك الأخبار ويرويها على أنها حقيقة، ولا ندري ما وجه النفع والفائدة منها، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام، يقول في الحديث: (لا يفقَهُ من قرأ القرآن في أقلّ من ثلاث).رحم الله ابن الأثير، صاحب كتاب المثل السائر، وهو من أكابر العلماء والأدباء، إذ قال: (كنت أقرأ في اليوم ختمة، ثم في الشهر ختمة، ثم في السنة، ثم ها أنا أقرأ في ختمة واحدة منذ كذا وكذا سنة، ولم أفرغ منها، وكلما أعدت النظر ظهر لي ما لم يكن ظهر من قبل). سبحان الله!! لا شك أن هذا من إعجاز القرآن البلاغي والبياني.نقول ذلك وفي ظننا - ونرجو ألا يصدق هذا الظن - أنه لو سئل بعض من يحفظ القرآن، ويعكف على تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وأكبر همه ختم القرآن، وهو في سبيل الختم يَهذُّ القرآن هذّاً، ولا تسمع له إلا هَذرَمةً، لو سئل من هم أصحاب اليمين؟ الذين أثنى الله عليهم، وبين جزاءهم، وما هي أعمالهم وأخلاقهم؟ لتلكأ وأبطأ بالجواب، ولَربما – لا سمح الله - فَغَر فاه، وقال: هاه هاه، لا أدري.جاء ذكر أصحاب اليمين في كتاب الله تعالى، في سورة البلد، عند قوله عزَّ وجل: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ).تأمل - يرعاك الله- أعمالهم تلك وأخلاقهم، التي استحقوا بها أن يكونوا من أهل اليُمن والبركة في الجنة، فهم يعتقون الرقاب، ويحرّرون عباد الله مما بهم من همٍّ وضيق، وذل وإعسار، كأنْ يقضوا عن المدينين ديونهم، ويضعوا عن الغارمين غُرمهم، ويفرجوا عن المهمومين همهم، وينفسوا عن المكروبين كربهم.

958

| 22 يونيو 2015

من مشي في حاجة أخيه

رحم الله شوقي أمير الشعراء، إذ قال:أكلٌّ في كتاب الله إلا زكاةَ المالِ ليست فيه بابا أولئك القوم الذين تصرخ مدوية في ذواتهم وشخصياتهم كلمة (أنا) فملأت فضاء نفوسهم، وسدت آفاقها من جميع جهاتها، حتى تجردت من كل فضيلة، وخلت من كل شعورٍ نبيل، تجاه الآخر، وماتت فيها الرحمة، التي عند موتها لا يبقى بعدها شيءٌ حي في النفس البشرية، وما حياة الإنسان من غيرها، إلا حياةٌ دونها حياة الحيوان البهيم. أولئك أعداء أنفسهم، وهم الخاسرون، ولكنهم لا يشعرون.لا بارك الله في تلك (الأنا) المنتفخة المتورمة، المملوءة بالآفات والأمراض النفسية، وبالرذائل والآثام الخلقية، المتفجّرة على صاحبها بالسيئات المخزيات، ليس من هذا المصير بدٌّ.يا لَعظمِ ثواب من سعى وراء قضاء حوائج الناس، ومشى في إقامة شؤونهم، وأسدى إليهم المعروف، وأجمل الصنيعة عندهم، وكان في عونهم وغوثهم، ذلك أحب إلى الله مما سواه، واقرأ ملياً، هذا الحديث الشريف: "لأَن أمشي مع أخي المسلم في حاجةٍ، أحبُّ إلى من أن أعتكف شهرين في مسجد، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يثبتها له، ثبّت الله قدمه يوم تزلُّ الأقدام".لا ندري ما الذي دها الكثير وأصابهم، حتى كأنهم زاهدون في اصطناع المعروف، بل كأنهم مبغضون له، أذلك نتيجة (الأنا) التي وصفنا، أم هو ناتج عن الجهل الذي غيّب عنا فَهم ديننا؟ أرى أن هناك سبباً آخرَ لابد لي من ذكره، هو صغر النفس ومهانتها، التي لا تنشط لمكارم وفضائل الأعمال والخصال، ولا تحفل بما يرفع لها ذكراً حسناً، ويجعل لها ثناءً جميلاً، وما عرفت قول المتنبي:فأحسنُ وجهٍ في الورى وجهُ مُحسنٍ وأيمنُ كفٍّ فيهمِ كفُّ مُنعمِوكذلك قول شوقي:والمرءُ يُذكرُ بالجمائل بعدَه فارفعْ لذكرك بالجميلِ بناءَواعلمْ بأنك سوف تُذكرُ مرةً فيقالُ: أحسنَ، أو يقالُ: أساءَيا ويحنا، ألا ننظر في قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (كلُّ معروفٍ صدقة)، كلُّ معروفٍ، أيا يكن، صغر أو كبر، قل أو كثر، يُسدى إلى كائنٍ من كان، وليس أوسع ولا أجمع ولا أشمل، من كلمة المعروف، التي جاءت نكرة في الحديث، لتفيد العموم، ومؤكدة بلفظة (كل)، لينطوي تحتها كل معاني الخير والبر، والإحسان والنفع، وقد نهانا نبينا عن أن نحقر شيئاً من المعروف، دليل أهميته وفضله، ولو كان في ظاهره هينا، ففي الحديث: (لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)، والكلام بخصوص هذه المعاني الإسلامية، طويل جداً في ديننا، لا يمكن أن يسعه مقال. هنيئاً لمن جعل الله على يده تيسير أمور الناس، وقضاء حوائجهم، وكان في عونهم بالمعروف والإحسان، ليس من شيءٍ أعظمُ ولا أجملُ من ذلك، فطوبى له وحسن ثواب، وليستبشر وليسعد، ففي الحديث الشريف: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة). ماذا يبغي المرء أكثر من هذا؟!(موعظة جليلة): جاء عن ابن عباس، رضي الله عنه، أنه قال: لَأَن أعول أهل بيت من المسلمين، شهراً أو جمعة، أحبُّ إليَّ من حجة بعد حجة. ولطبقٌ بدانِق - عملة قليلة - إلى أخٍ لي في الله، أحب إليَّ من دينار أُنفقه في سبيل الله.

9381

| 21 يونيو 2015

ذهب المفطرون اليوم بالأجر

خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيما روى أنس بن مالك، مع صحبه الكرام، رضوان الله عليهم، في سفر من الأسفار، وكان ذلك في شهر رمضان المبارك، وبما أن الله هو الرحمن الرحيم بعباده، فقد رخّص للمسافر الفطر، لأنه يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، كما جاء ذلك في قوله تعالى:(ومن كان مريضاً أو على سفرٍ فعدةٌ من أيامٍ أخر. يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).كان من الصحابة الصائمُ، ومنهم المفطر، واتفق أن كان ذلك اليوم صائفاً قائظاً، يَروع فيه الإنسانَ الهجيرُ المكفهر، وما كان مع القوم ما يقيهم لفح الرمضاء، إلا أن يستظلَّ الرجل بردائه، ومنهم من لم يجد سوى يده، يتقي بها حر الشمس المتوهجة.فما كان من الصّوام إلا أن قعدوا ولم يعملوا شيئاً، بل إنهم ما إن نزلوا المنزل حتى سقطوا إلى الأرض، مستريحين مما أصابهم من إعياء وكَلال، أما المفطرون فقد شدوا المئزر، وشمروا عن سواعدهم، وخفّوا في أمرهم، ونشطوا لحاجاتهم، فسقَوْا الإبل، ونصبوا الأخبية، وضربوا الأبنية، وبهذا قضَوْا الواجب، وتحملوا وحدَهم كلفته، وكفَوْا غيرهم مؤونته.فحين رأى منهم رسول الله ذلك قال والاستحسان والإعجاب يغمرانه:(ذهب المفطرون اليوم بالأجر).يا لها من بشرى لأولئك المفطرين العاملين، من رسول رب العالمين! ويا له من أجرٍ ظفروا به واستحقوه، نتيجة ما قاموا به وفعلوه! هو أجر يفوق ويزيد على أجر صيام الهاجرة. وذلك لعمري هو أجرٌ مكفول مضمون من الله تعالى، لكل عامل مخلص مجتهد، خدم بعمله وسعيه الآخرين، وكان في حاجتهم، يقضيها لهم، ويقوم على رعاية مصالحهم، بأمانة ونزاهة، لوجه الله لا يريد جزاءً ولا شكورا.ما المغزى الذي يجب أن نفهمه من تلك القصة؟ وما الشاهد فيها الذي يجب أن ندركه؟ وهو غائب عن أفهام ومدارك الكثير من المسلمين.ذلك المغزى، وهذا الشاهد، هو خدمة الناس وقضاء حوائجهم، واصطناع المعروف عندهم، نقول هذا في زمن، ظن أهله إلا من رحم ربنا، أن الدينَ محصورٌ فقط في الشعائر التعبدية، المتمثلة في الصلاة والصيام والحج والعمرة، ولا ندري أضموا الزكاة إليها، أم أنهم ضنوا بها وضاقوا بها ذرعاً، فأخرجوها من دائرة الدين والتعبد لله، وما ذاك إلا ظناً منهم، وحديث نفسٍ، بأنها لا تعود عليهم بشيءٍ، ولا حظ لهم فيها، بل هي تذهب إلى غيرهم، ذلك الغير الذي لا يعرفون له حقاً، ولا يسدون إليه عُرفاً.

2548

| 20 يونيو 2015

عليك بالرجاء لله

حقيق بكل امرئٍ، أسلم وجهه لله، أن يكون على جانبٍ عظيم من رجاء ربه ومولاه، يرجوه طمعاً فيما عنده، رجاءَ من يعلم حق العلم، أنه سبحانه لا يخيب رجاء عبد لجأ إليه، ولاذ بحماه، والتمس فضل نواله، ورفع إليه يديه، في حالةٍ من التضرّع لا تكون لأحدٍ سواه، واقرأ هذا الحديث الشريف:(إنّ ربكم حييٌ كريم يستحيي أن يبسط العبدُ يديه إليه فيردهما صِفْراً).من سوى الله يُرجى ويُسترفدُ ما عنده ويطمع فيه، دونما استحياءٍ وخجل، ولا خوف ذِلة وبخل، ولا تبعة منقصةٍ ومَعَرّة؟ ومَن غيرُ الله يَهَب الجزيل، ويمنح الجليل، ويُجزل العطايا، ولا يُخشى منه منٌّ ولا تنغيصٌ ولا أذى؟مَن سوى الله يدعو الخلق لسؤاله، بل يأمرهم بدعائه وسؤاله، مع وعده بالاستجابة لهم؟ ومَن عدا اللهِ يغضب إن ترك الخلق مسألته، ورفْعَ المطالب والحوائج إليه؟ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)، جاء في الحديث الصحيح:(من لم يسأل الله يغضب عليه)، وفي هذا قال الشاعر:لا تسألنّ بني آدم حاجةً وسَلِ الذي أبوابهُ لا تُحجبُاللهُ يغضبُ إنْ تركت سؤالَه وبني آدمَ حين يُسألُ يَغضَبُألا ينبغي بعد ذلك للعبد، أن يلزم رجاء ربه، ملازمة تامةً لا ينفك عنها طرفة عينٍ في حياته، وألا يَدَعَه بحالٍ من الأحوال، كيلا يغفل عن حالة من خير وأجلِّ الحالات على النفس، نفعاً ورَوْحاً، بما تُشيع في القلب من ارتياحٍ وطمأنينةٍ وسكينةٍ، تلك بلا ريبٍ هي الحالة التي يبعثها الرجاء برحمة الله وفضله وعفوه ومغفرته، فتجعل النفسَ على انتظار ميعاد الفرج والفرح، والعون والغوث، الآتي من أعظم وأكرم مرجوٍ، هو الله عظم جاهه، وتقدست أسماؤه، الذي قال في الحديث القدسي:(يا بن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنانَ السماء ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة). وأخبر رسوله الكريم، عن رحمته بعباده، فيما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال:(قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، سبيٌ فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبياً في السبي أخذته فالزقته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله: أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار، قلنا: لا والله، فقال: الله أرحم بعبده المؤمن من هذه على ولدها).لكن لا بد أن يكون للرجاء أسبابٌ، تسوّغ وجوده، وتسبق مجيئه، وتمهدُ له بحيث تجعله قائماً على أساسٍ مكينٍ وطيد، ألا وهي اتخاذ الأعمال الصالحة، التي ترضي الله تعالى، سواءٌ ما كان منها متعلقاً بعمل الآخرة، المتمثل في أداء مختلف الطاعات والقربات، التي يحتسب المؤمن أجرها ليوم الحساب، أو المتصلة بالحياة الدنيا، في السعي فيما يُصلح معاش الإنسان، ويتركه سعيداً هانئاً في حاضره، وفيما يستقبله من أيام، بشتى الوسائل المباحة، التي يتوصل بها إلى ما يريده الإنسان من سعةِ وسعادةِ العيش، والدليل على هذا من القرآن، في قوله عز وجل:(إنّ الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم)، أي أولئك الذين يرجون الله ورحمته حق الرجاء، وحريٌّ بهم أن يرجوها لما قدموا من أعمال، حققت لهم الرجاء الصحيح والنافع المقبول، الذي يكون الله من بعده عند ظن عبده به.أما رجاء الله في المرغوبات والمحبوبات، دونما عملٍ ولا شُغلٍ يُقدّم بين يدي الرجاء، فذلك هو الجهل والحمق بعينه، ويكون صاحبه واهمٌ كوهم الظمآن في السراب، يحسبه غدير ماءٍ، وما هو بشيء، ولا ينال منه سوى الخيبةِ والحسرة.

917

| 27 يوليو 2014

أمثلة من القرآن على حكمة الرحمن

أذكر لك أخي القارئ الكريم، أمثلة على ما يكون لله في قدره من حكمة، تخفى على خلقه، فيها كل الرحمة والخير والنجاة لعباده المؤمنين، ما إذا علموها، كان منهم الحمد والثناء، على ما أصابهم من قضاء، حسبوا أنه من البلاء، وهي أمثلة ورد ذكرها في القرآن، منها ما جاء في سورة الكهف، ونحن جميعاً نعرفها، قد مررنا بها كثيراً، ولكن ليس كثير منا من وقف عندها متأملاً متدبراً متفكرا، نذكّر بها فإن في التذكير نفع وعظة لقومٍ مؤمنين.تلك الأمثلة باختصار شديد، هي في قصة موسى عليه الصلاة والسلام، مع العبد الصالح الخضر، وما جرى ضمنها من أحداثٍ، أولها أنْ قتل الخضر غلاماً، وحينذاك لم يكن من موسى، إلا أن صاح به مستنكراً مستغرباً: (أقتلت نفساً زكية بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نُكْرا)، فبين له الخضر السبب لاحقاً قائلاً: (وأمّا الغلامُ فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا. فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاةً وأقربَ رحما)، فالذي بدا لموسى عليه الصلاة والسلام، أنّ تلك جريمة نكراءُ شنعاء، وبدا للأبوين بطبيعة الحال، أنّ موت ابنهما مصيبة وفاجعة، من أشد ما ينزل من البلايا، على حين أن في ذلك كل الرحمة واللطفِ والرعاية، قد قدّره الله لهما، لأنهما مؤمنان يحبهما الله جل وعلا. وكذلك الحال في باقي أحداث القصة، من إقامة الجدار لأهل القرية اللئام، وخَرْق سفينة القوم المساكين، التي تُرينا جميعها، وتُظهر لنا قصور نظرنا، وضعف فكرنا، عن إدراك حكمة الله فيما قضى، مما يوجب علينا الصبر، الذي يهدي إلى التسليم والرضا، كما أشار إليه الخضر في مَعْرِض محاورته موسى عليه السلام، (قال إنك لن تستطيع معي صبرا).ومن الأمثلة أيضاً، ما جاء في سورة يوسف، التي تحكي قصة نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام، بدءاً من إلقاء إخوته إياه في غَيْهَب الجُّب، فالتقاط السيارة له، ثم بيعه لعزيز مصر، ثم ما وقع له من أحداثٍ في بيت العزيز، أفضت إلى دخوله السجن، ومكثه فيه بضع سنين، والبضع ما بين الثلاث إلى التسع، وهو من هو عليه السلام، كما في الصحيح: (الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، يوسف ابنُ يعقوبَ بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام)، قد لبث في السجن عدد سنينٍ من الصبر والحلم والرضا، حتى قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (لو لبثت في السجن ما لبث يوسفُ، ثم جاءني الداعي لأجبتُ، إذ جاءه الرسول فقال: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطّعن أيديهنَّ). حتى نمى خبره إلى ملك مصر، وعلم نباهة شأنه، فاستخلصه لنفسه، وقربه وجعله لديه مكيناً أمينا. قال تعالى عن مقاديره تلك: (كذلك مكنّا ليوسفَ في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)، غالبٌ على أمره، أي لا يعجزه شيءٌ، قادرٌ على كل أمرٍ يريده، هذه هي عقيدة المؤمن، وما يجب أن يوقن به، وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يدعو الله أنْ ينال الشهادة، وقد صار أميراً للمؤمنين، لا يخرج للغزو كما كان يفعل من قبل، فعجب بعضهم من ذلك، فقال للمتعجبين: (إذا أراد الله أمراً ساقه)، وكما عبّر عن هذا المعنى الشاعر كعب بن زهير في قصيدته المشهورة بانت سعاد، قائلاً: (فكل ما قدّر الرحمن مفعول). وقال سبحانه أيضاً: (وكذلك مكنّا ليوسفَ في الأرض يتبوّأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نُضيع أجر المحسنين)، وقال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (إنه من يتقِ ويصبر فإن الله لا يضيعُ أجر المحسنين)، وقال جل وعلا حكاية أيضاً عن يوسف عليه السلام: (إنّ ربي لطيفٌ لما يشاءُ إنه هو العليم الحكيم)، أي إذا أراد شيئاً هيّأ له الأسباب، حتى يحصل، وإني أنصح أن تتلى هذه السورة بتدبر، مع قراءة تفسيرها، لما فيها من فوائدَ وعبر ومعانٍ عظيمة.

1480

| 26 يوليو 2014

اغتنام الفرص

يقول الشاعر الحكيم: وعاجزُ الرأي مضياعٌ لفرصتِه حتى إذا فات أمرٌ عاتبَ القدرانعم ذلك هو فعل العاجز المتكاسل، الذي يتوانى عن السعي، ويتراخى في العمل، ولا يريد أن ينهضَ بالأعباء، ولا أن ينبري للأسباب، ثم يقعد يعاتب أو يلوم القدر، إذا فاتته فرصةُ ما كان يرجوه ويأمله، وربما يلجُّ في لغة عتبه ولومه، وفي حالة نفسه، فيصل إلى التسخّط والتبرم والضجر، وإلى كل ما لا يعود عليه إلا بالسوء والوبال، وازدياد حالة الصراع النفسيّ لديه، قلقاً واضطراباً، ولو عقل ذلك الإنسان العاجز المتكاسل وأنصف، ما عاتب أحداً سوى نفسِه، ولكن بلغة التعلم والتبصّر، دونما عنفٍ وجلدٍ للذات، ودون تقريعٍ وتأنيب؛ لأن كل ذلك لا يجدي نفعاً، بعد فوات ما قد كان، حتى يأخذَ لنفسه العبرة، ويعِيَ الدرس جيداً، فيما سيعرض عليه في مستقبل الأيام من فرص، فلا يدع الفرصة تضيع من بين يديه، إن لاحت له وسنحت، لأنها لن تكون متاحةً له على الدوام، بل ينبغي له التفكير والتدبير، ثم المبادرةُ والمسارعة، والانطلاق بعزيمة وثبات، نحو ما يطلب ويروم، قال الشاعر:إذا هبّتْ رياحكَ فاغتنمها فإنّ لكلِ خافقةٍ سكونُالآفة الكبرى التي أفسدت على الإنسان همته، وعطلت قوته، هي آفة التسويف، ولا تسل كم هي متفشيةٌ في حياة الناس، بصورة لا يستطيع أحدٌ إنكارها، ولا إخفاء آثارها، وقد أخرت قضاء الحوائج، وضيعت أداء المصالح، حتى أدت إلى تراجع مستوى الإنتاج، على مستوى الأفراد والمجتمعات في الأمة، بل ووقفت كحاجز منيع، دون الإنجاز والتقدم، وكأنما أصاب الأيدي داءٌ عضالٌ شلَّ حركتها، فلم تعد قادرة على العمل والعطاء.إذا كانت الحكمة المعروفة تقول: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد. أرى الأوجب أن يقال: لا تؤجل عمل الساعة إلى الساعة، في كافة شؤوننا وأعمالنا، المرتبطة بحياتنا، الدنيوية والأخروية. يا ويحنا، ألم يأتنا من كلام رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام، وبلغنا عنه:(بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنىً مُطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مُفْنداً، أو موتاً مجْهِزاً، أو الدجال؟ فشرُّ غائبٍ ينتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر)، أليس هذا الحديث دعوةً للمبادرة بالعمل، من غير تلكؤ تأجيل، وإبطاء تسويف؟.وجاءنا من كلام الصحابة ما فيه معتبرٌ ومزدجر لنا من قول ابن عمر، رضي الله عنه: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.أيضمن أحدٌ لنفسه أنْ يعيشَ إلى يوم غدٍ حتى يُرجئ إليه أداء الواجب، الذي يستقضيه أداءه اليوم؟ هيهاتَ هيهاتَ، إنما للإنسان اللحظة التي يعيشها، ويتردد في صدره أنفاسها، وليس يملك الغد المنظور، فقد يأتي وهو في اللحد مقبور. ورحم الله من تحيّن الفرص وانتهزها، قال أبو العتاهية:كم من مؤخِّرِ غايةٍ قد أمكنتْ لغدٍ وليس غدٌ له بمُواتِحتى إذا فاتت وفات طِلابها ذَهَبتْ عليها نفسُه حسراتِتأتي المكارهُ حين تأتي جُملةً وأرى السرورَ يجيءُ في الفلتاتِولمحمود سامي البارودي، في هذا المعنى أيضاً:بادر الفرصةَ واحذرْ فواتها فبلوغُ العزِ في نيل الفرصْواغتنمْ عُمرك إبّان الصِبا فهو إنْ زاد مع الشيبِ نَقصوابتدرْ مَسعاك واعلم أنْ مَن بادرَ الصيدَ مع الفجرِ قَنَصْ

19888

| 25 يوليو 2014

alsharq
العدالة التحفيزية لقانون الموارد البشرية

حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم...

8691

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
TOT... السلعة الرائجة

كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...

6909

| 06 أكتوبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

4827

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
الذاكرة الرقمية القطرية.. بين الأرشفة والذكاء الاصطناعي

في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها...

2250

| 07 أكتوبر 2025

alsharq
بكم نكون.. ولا نكون إلا بكم

لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة...

1671

| 08 أكتوبر 2025

1584

| 08 أكتوبر 2025

alsharq
دور قطر التاريخى فى إنهاء حرب غزة

مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،...

1521

| 10 أكتوبر 2025

alsharq
العدالة المناخية بين الثورة الصناعية والثورة الرقمية

في السنوات الأخيرة، تصاعدت التحذيرات الدولية بشأن المخاطر...

1086

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

1068

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
هل قوانين العمل الخاصة بالقطريين في القطاعين العام والخاص متوافقة؟

التوطين بحاجة لمراجعة القوانين في القطــــاع الخـــــاص.. هل...

942

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
هل تعرف حقاً من يصنع سمعة شركتك؟ الجواب قد يفاجئك

حين نسمع كلمة «سمعة الشركة»، يتبادر إلى الأذهان...

939

| 10 أكتوبر 2025

alsharq
فلنكافئ طلاب الشهادة الثانوية

سنغافورة بلد آسيوي وضع له تعليماً خاصاً يليق...

909

| 09 أكتوبر 2025

أخبار محلية