رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
فيما يخص المال فثمةَ أربعةُ آفاتٍ وغوائل، تفتك وتَغول دين المرء وحياته وآخرته، إن لم يحترز ويحذر منها، تمثل ما في المال من فتنة، يُفتن بها المرء؛ الأولى: طريقة اكتسابه ووجْهُ إنفاقه، الأمر الذي لا تزولُ قَدَما العبد عن موقف الحساب يوم القيامة حتى يسأل عنه، كما جاء في الحديث:(لا تزولُ قدما عبدٍ يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه فيمَ عَمِل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه؟).فالمال لا يطلب إلا من وجوه ما أحلَّ الله، ويجب على العبد أن يَسْتَبرِئ لدينه وعِرضه من الحرمات والشبهات، وكلٌ من الحلال والحرام بيّنٌ في كسب المال، فإن ارتاب العبد في شيءٍ يتركه إلى ما لا يَريبه، فإنّ درهماً واحداً من حرام، يفسد سائر المال الحلال، ويمْحَقُ بركته، وما لا بدَّ أن يعلم ههنا، أنها مسألة مبدأ، وأنّ سارق البيضة كسارق الجمل، وما أسْكَر كثيرُه فقليله حرام، فدرهمٌ واحدٌ من حرام، كألف درهم، لا فرق بينهما، وإن للشيطان مدخلاً عظيماً على الإنسان من هذا الجانب، يلبِّس عليه الحق والصواب به، فيوهِمه أن القليل واليسير من الحرام، لا ضير ولا بأس به، فيمشي معه، حتى يسوقه الشيطان وراءه إلى كبائر الموبقات والمهلكات، من حيث لا يحس ولا يدري، بعد أن أراه الشيطان الباطل حقاً، والحقَ باطلاً، فأمسى لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، لذلك قال المولى تبارك وتعالى:(ولا تتبعوا خُطُوات الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين)، ونعوذ بالله من الزمان، الذي أخبر عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال:(يأتي على الناس زمانٌ، لا يُبالي المرء ما أَخَذَ منه، أمِنَ الحلال، أم من الحرام)، نسأل الله السلامة والعافية.وكسب الحرام يكون في الأموال، وكذلك في العُرُوض من الأمتعة، وانظر وتأمل في الحديث الآتي، وهو من أعلام نبوته ودلائلها عليه الصلاة والسلام، في رجلٌ غَلَّ بُردة، فكانت سبب عذابه في القبر، قال راوي الحديث أبو رافع مولى رسول الله:(بينما النبي عليه الصلاة والسلام، يسرعُ إلى المغرب، مرَرَنا بالبقيع، فقال: أفٍّ لك، أُفٍّ لك، قال: فكَبُرَ ذلك في ذَرْعي، فاستأخرتُ وظننتُ أنّه يريدني، فقال: ما لك امشِ، فقلت: أحدَثْتُ حدثاً؟ قال: ما ذاك؟ قلتُ: أفَّفْتَ بي، قال: لا، ولكن هذا فلانٌ بعثتُه ساعياً على بني فلان، فغلَّ نَمِرَة- بُردةٌ من صوف تلبسها الأعراب- فدُرِّعَ الآن مثلها من نار).أما إنفاق المال، فيتحرى في حاجات المعيشة الضرورية، ثم فيما أحله الدين من المباحات الكمالية، يصيب بها العبد حظه من الدنيا، بشرط ألا يتوسع ويَفْرُط فيها، فتؤدي به إلى الإغراق والمغالاة في الترف والتنعّم، ثم التَرَدّي في مهاوي الإسراف والتبذير، وأذكر في هذا الجانب حكمةً جاءت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن جابر بن عبدالله مرَّ ومعه لحمٌ، على عمر رضي الله عنهما، فقال: ما هذا يا جابر؟ قال: هذا لحمٌ اشتهيته فاشتريتُه، قال: أو كلَّما اشتهيت شيئاً اشتريته؟ أمَا تخشى أن تكون من أهل هذه الآية (أذهبتم طيِّباتكم في حياتكم الدنيا).
511
| 10 يوليو 2015
ليس ثمةَ فتنةٌ أفسد لدين المرء، وأضرُّ شراً، وأشدُّ عُسراً عليه، من فتنة المال، هكذا سماه الله تعالى في القرآن، فقال: (إنما أموالكم وأولادكم فتنةٌ)، بل هو فتنة أمة محمد عليه الصلاة والسلام، كما في الحديث الصحيح: (إن لكل أمةٍ فتنة، وفتنةُ أمتي المالُ)، وقال في حديث آخر يوضِّح صورة هذه الفتنة، وكيف تكون، وكيف تُتّقى: (إن هذا المال، خَضِرةٌ حُلْوةٌ، فمن أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فنِعْم المعونةُ هو، ومن أخذه بغير حقه، كان كالذي يأكل ولا يشبع)، وفي رواية أخرى للحديث: (فمن أخذه بطيب نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف - أي بتطلُّع وطمع - لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خيرٌ من اليد السُّفلى).إذن فالشر الذي قد ينشأ عن المال، والضُّر الذي قد يأتي منه، ومن ثَم ما يقع عليه من الذم، لا يكون لسببٍ في ذات المال، ولكن كما قال العلماء: إنما يقع الذم لمعنى من الآدمي، وذلك المعنى إما شدة حرصه، أو تناوله من غير حِلِّه، أو حبسه عن حقه، أو إخراجه في غير وجهه، أو المفاخرة به.ومعنى تسمية الله تعالى للمال والولد في الآية بالفتنة، أي اختبار وابتلاء للعبد من الله، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، والفتنة في اللغة: الاختبار والامتحان، ويقال فَتَن الذهب إذا أدخله النار لينظُرَ ما جَوْدته، فهو مفتون أي ممتحن، ومنه قوله تعالى: (أحسِب الناسُ أنْ يُتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفْتنون)، فهل يَعصي العبدُ ربَّه، في سبيل محبته لهما؟. ويقدِّمهما على محبة الله العظيم، ونبيه الكريم؟ فيحملاه على منع حق الله، أو يدفعاه على كسب الحرام، وارتكاب النواهي، وهل يُشْغلانه عن الطاعات وأمور الآخرة؟ ويملآن قلبه هماً، وعقله فِكراً، يُلهي عن ذكر الله تعالى؟ وهو أمرٌ تَعُمُّ به البلوى وضربةُ لازب، لا يكاد ينجو منه أحد، وفي الآخرة لن يغنيَ عنه ماله من الله شيئا، قال تعالى: (ما أغْنى عنّي ماليه)، ولن ينفعه أولاده ولا أحدٌ من أرحامه يوم القيامة، (لن تنفَعَكُم أرحامكم ولا أولادكم)، لذلك نهى الله عباده المؤمنين عن هذا، فقال تعالى سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا لا تُلْهِكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكرِ الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون)، وقبل كل ذلك، يشكر الله على رزقه، ويحمده على فضله، ويبوء له بالمنّة، بأن أعطاه المالَ والولدَ، فغيره كثيرٌ محروم منهما.فإن لم يوفق في تلك الأمور، ويكن له من نفسه العونُ والظهير، مع الاستعانة أولاً وأخيراً بالله القدير، ولم يحذر مَغَبّة محبة ماله وولده الشديدة، ويحذر طاعة نفسه والشيطان فيهما، وطاعة كل ما يحب ويهوى، فهو له في الحقيقة عدوٌّ، لقوله جل وعلا: (إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم).
881
| 09 يوليو 2015
جاء في حديث صحيح، يوصي به النبي عليه الصلاة والسلام بقراءة القرآن، وأخبر أنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، خص بالذكر الزهراوين البقرة وآل عمران، وأوصى بقراءتهما، وقال إنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما فرقان من طيرٍ صواف تحاجّان عن أصحابهما، وهذا تخصيص بعد تعميم يدل على مزيد فضل هاتين السورتين.وسورة البقرة، هي سَنام القرآن، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن لكل شيء سناما، وسنام القرآن سورة البقرة، وإن الشيطان إذا سمع سورة البقرة تقرأ، خرج من البيت الذي تقرأ فيه)، وهي تحوي أعظم آية في كتاب الله، هي آية الكرسي، الآية التي من واظب عليها بعد كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت، كما صح ذلك في الحديث، وزيادة على هذا الأجر العظيم الذي لا يفوّت، أن من قرأها بعد الصلاة كان في ذمة الله إلى الصلاة الأخرى، فيا له من فضلٍ عظيم، من الله ذي الفضل العظيم.وختمت هذه السورة بآيتين، قال عنهما رسول الله: (إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانِيهِما من كنزه الذي تحت العرش، فتعلموهنّ وعلموهنّ نساءكم وأبناءكم، فإنهما صلاةٌ وقرآنٌ ودعاءٌ). يبين لك جليل فضلها، قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلةٍ كفتاه)، أي تكفياه عن سائر الذكر والطاعة في الليل، إذا لم يقرأ ويفعل شيئاً سواهما.ومن السور التي لها فضل مخصوص، سورة الكهف، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال)، وفي رواية (من آخر سورة الكهف)، ومن المعلوم لدى جميع المسلمين، أنها تقرأ يوم الجمعة، لما جاء في الحديث، أن من قرأها يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين، فلا تحرمنا اللهم نورك، إنك أنت نور السموات والأرض.أختم مقالتي ببشرى زفّها لنا نبينا الهادي البشير صلوات الله وسلامه عليه بقوله في الحديث الصحيح: (أبشروا، أبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ قالوا: نعم، قال: فإنّ هذا القرآن سبب، طَرَفُهُ بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبداً).اللهم وفقنا للتمسك بالقرآن كما ينبغي، على الوجه الذي تحبه وترضاه، وآتنا ما وعدتنا على لسان نبيك من البشرى، وارحمنا بالقرآن، واجعله لنا إماماً وهدى ونورا ورحمة، اللهم ذكرنا منه ما نُسّينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، واجعله لنا حجة يا رب العالمين.
3012
| 08 يوليو 2015
من أعظم السور التي فضلها الله على سائر كلامه (الفاتحة)، التي قال عنها النبي عليه الصلاة والسلام:(والذي نفسي بيده، ما أُنزلت في التوراة ولا في الإنجيل ولا الزبور ولا في الفرقان مثلها، وإنها سبعٌ من المثاني والقرآن العظيم الذي أُعطيته).وفي حديث آخر، يؤكد معنى سابقه، عن أبي سعيد بن المعلى قال: قال لي رسول الله ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن، قبل أن أخرج من المسجد، قال: فذهب النبي ليخرج، فذكرته، فقال:(الحمد لله رب العلمين، وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته).إذن هي أعظم سورة في القرآن، وتسمى أيضاً بأم القرآن، كما أنها رقية للعلاج من كل داء ومرض، ومن لَدْغ ذوات السموم وحتى لعلاج الجنون، كما ثبت في الآثار، الأمر الذي قد يجهله الكثير من الناس، ففي الصحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:(أنّ رهطا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا في سفرة سافروها، حتى نزلوا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلُدغ سيد ذلك الحيّ، فسعوا له بكل شيءٍ ولم ينفعه شيء، فأتوْهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ، ولم ينفعه شيء مما عندنا، فهل عند أحدٍ منكم شيء، فقال بعضهم نعم، والله إني لراق، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تُضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلاً- الشيء الذي يجعل للمرء على فِعل فعله- فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق فجعل يَتْفل ويقرأ (الحمد لله رب العالمين) حتى لكأنما نُشِط من عقال).ومن حديث يشبه ذلك، أن رجلاً من أصحاب النبي طلب إليه قومٌ أن يرقي لهم معتوها عندهم في القيود، فقرأ عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام غُدْوة وعشيّة، وكلما ختمها جمع بصاقه، ثم تفل، فكأنما نُشط من عقال، فأعطوه شيئاً فقال: لا حتى أسال رسول الله، فأتاه وذكر له الأمر فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (كل، فلعمري لم تأكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق).وقال عنها ابن القيم في كتابه الجواب الكافي:(مكثت بمكة مدة يعتريني أدواء ولا أجد طبيباً ولا دواءً، فكنت أعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها تأثيراً عجيباً، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً فكان كثيرٌ منهم يبرأ سريعاً).
529
| 07 يوليو 2015
من شواهد فضل سورة الإخلاص، أن رجلاً من الأنصار، صلّى بجماعة من الصحابة في مسجد قباء، أول مسجد بني في الإسلام، وكان يفتتح قراءته في كل ركعة بعد الفتحة بـ(قل هو الله أحد)، ثم يقرأ سورة أخرى معها، فما إن فرغ من صلاته، حتى كلمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى، فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى، فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمَّكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيرُه، فلما أتاهم النبي عليه الصلاة والسلام، أخبروه الخبر، فقال: يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة، فقال: إني أحبها، فقال: حبُك إياها أدخلك الجنة.وجاء في الحديث الحسن الصحيح:(من قرأ "قل هو الله أحد" حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة)، يا له من كرمٍ وفضلٍ عظيمين! فبقراءتك السورة عشر مرات، وهو أمر لا يستغرق سوى دقيقتين، يُبنى لك قصرٌ لا بيتٌ، في دار النعيم والبقاء، فأين المؤمنون المشمرون، الذين غايتهم عمارة الدار الآخرة، وشغلهم العمل لها، ومُناهم الفوز فيها؟ وبحَسَب ذلك، أن من قرأها عشرين مرةً بُني له قصران، ومن قرأها ثلاثين مرة بني له ثلاث...وهلمّ جرا، والله كريم جواد.وللمعوذتين- الفلق والناس- اللتين (ما سأل سائل بمِثلِهما ولا استعاذ مستعيذٌ بمثلهما)، كما جاء في الأثر، فضلٌ جاء في حديث رواه عقبة بن عامر، أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال له:(يا عُقيب، ألا أعلمك سُورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟)، قال: بلى يا رسول الله، فأَقْرَأَه (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس)، ثم أقيمت الصلاة فتقدم رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقرأ بهما، ثم قال لعقبة :(اقرأ بهما كلما نمت، وكلما قُمت).وجاء في فضل سورة الفتح وسورة تبارك وسورة الكافرون، عن عمر رضي الله عنه قال: جئتُ رسول الله، فسلَّمت عليه فقال:(لقد أُنزل عليّ الليلةَ، سورة لهي أحبُّ إليّ مما طلعت عليه الشمس) ثم قرأ:( إنّا فتحنا لك فتحاً مبينا)، لما فيها من الإشارة بالمغفرة والفتح.أمّا فضل سورة تبارك، فقد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، في الحديث الصحيح:( إنّ سورة في القرآن ثلاثون آية، شفعت لصاحبها حتى غُفر له، وهي تبارك الذي بيده الملك).وعن فضل سورة الكافرون، قال عليه الصلاة والسلام:( اقرأ، قل يا أيها الكافرون، عند منامك، فإنها براءة من الشرك).
16832
| 06 يوليو 2015
فضل كلام الله تعالى على كلام خلقه، حقيقة ظاهرة مسلَّمٌ بها، لا تقبل الامتراء، فضلاً عن النقاش والمراء، فكتاب الله القرآن، أفحم أهل الفصاحة والبيان، من كانت لهم العربية سليقةً ولسانا، وبلغ رتبة من الإعجاز والإتقان، يعجز معها عن الإتيان بمثله الثقلان، الإنس والجان، ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً ومِعوانا.من سنن الله سبحانه في ملكه، تفضيل بعض الأشياء على بعضها، كتفضيل أمكنةٍ على أمكنة، وأزمنةٍ على أزمنة، وبعض الناس على بعض، بل حتى تفضيل الرسل على بعضهم،(تلك الرسلُ فضلنا بعضهم على بعض...) الآية، ومن جملة ذلك تفضيله تعالى بعض كلامه على بعض، من سورٍ وآيات.من تلك السور، سورة الإخلاص، التي صح في الحديث، أنها تعدل ثلث القرآن، وذلك في معناها أخذاً بقول العلماء الأصح والأقرب إلى العقل والصواب؛ لأن معاني القرآن تنقسم إلى ثلاثة أقسامٍ رئيسةٍ أصلية، هي توحيد وأحكام وقَصَص، فاشتملت هي على التوحيد،(قل هو الله أحد) هذا هو الرأي، لا أن تكون قراءتها تعدل قراءة أو ثواب قراءة ثلث القرآن، ويترتب عليه، أنك إذا قرأتها ثلاث مرات تكون قد ختمت القرآن، يؤيد ذلك القول أن كل سور القرآن سميت بكلمة ذكرت فيها، ما عدا هذه السورة، سمّيت باعتبار ما فيها من معنى، إشارةً إلى معنى التوحيد العظيم الذي هو أساس عقيدة الإسلام، وبه يَخْلُص دين المسلم لله، لذلك سميت بسورة الإخلاص.كما اشتملت أيضاً على صفة الله جل وعلا، بأنه صمد، يُصْمَد إليه في جميع الحوائج، أي يُقْصد لكونه وحده قادراً على قضائها، صفةٌ لا تنبغي إلا له سبحانه، لم يلد ولم يولد، أي لم يصدر عنه ولد، ولم يصدر جل شأنه عن شيء، ولم يكن له كُفُواً أحد، بضم الكاف والفاء، أي مكافئاً ومماثلاً، وختمت كل آية، بفاصلة مشتركة، هي حرف الدال، الذي يقلقل بالضغط عليه، كأنك بذلك تشدد على آخر كل آية بلسانك، ليتأكد معناها في نفسك، لأهميتها من معانٍ تحمل توحيد الله وصفته، التوحيد الذي ما أُرسلت الرسل، وما أُنزلت الكتب، وما شُرعت الشرائع إلا من أجل غرسه في نفوس الخلق، التوحيد الذي يجعلك تفْرِد الله في أربعة أمور، في العبادة والتوكل والخوف والرجاء، فبالتوحيد الإخلاص، ومعه الخَلاص بمشيئة الله تعالى يوم الحساب، قال سبحانه: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
1357
| 05 يوليو 2015
من فضل الله العظيم على عباده، أنّ شكرهم له تعالى على ما أوْلاهم إياه من نعم، سبب في المزيد منها، لقوله تعالى:(وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنّكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد)، كما أنه أيضاً قيدٌ لها من التفلّت والضياع، قال في ذلك عمر بن عبد العزيز:(قيدوا نعم الله بشكر الله).مما يجب أن يعلم أن شكر الله المطلوب، ينبغي أن يكون بثلاثة أشياء، كما قال العلماء، شكر بالجَنان يَعْترِف بالنعمة باطناً، ويحمل المحبة لمنعمها، وشكر باللسان يتحدث بها ظاهراً بالثناء والحمد، وشكر بالجوارح- وهو أهمها- تستعين بالنعم وتستعملها في طاعة الله، وكفّها عن معاصيه، قال تعالى:(اعملوا آل داود شكرا)، بهذه الأشياء الثلاثة مجتمعة، يكون المسلم عبداً شكوراً بحق.أمّا من يشكر الله بلسانه، ولا يشكره بعمل جوارحه، فهذا مثله كمثل الذي يدعو إلى الخير، ويأمر بالمعروف، ولا يفعل منهما شيئاً، فهل يغني عنه ذلك شيئاً؟ كلا لا جرم، وأما من يعصي الله بنعمه - عياذاّ بالله- فهذا لا شك أنّه ممن كفر بنعم الله، وإن لَهِج لسانه بشكرها.اعلم أن إبليس اللعين، شغله الشاغل، وغايته التي عاهد نفسه عليها، أن يصرف الناس عن الشكر، قال الله تعالى حكايةً عنه:(ثم لأتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين)، ومما يؤسف له أنه نجح إلى حد ما في سعيه هذا، إذ قال الله سبحانه:(وقليل من عبادي الشكور).ثمة أمران يحبهما الله عز وجل من عبده، ويعدّان شكراً للنعم أحدهما بلسان المقال، والآخر بلسان الحال، الأول هو التحدث بهذه النعم وذكرها، وبيان أنه في فضلٍ وخيرٍ من الله، لقوله جل وعلا:(يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم)- قال الناس ولم يقل المؤمنين؛ لأن نعم الله تغمر جميع خلقه المسلم منهم وغير المسلم- مهما ظن أن حاله أقل من أناس كثيرين، خلاف ما يفعله بعض الناس من إظهار الشكوى والتذمر والمسكنة، لغاية في نفوسهم، مع أنهم في حالة ميسورة، وألا إنّ من لا يشكرُ القليلَ، لا يشكر الكثير، وعلى المرء في ذلك الأخذ بالوصية النبوية التي تقول:(انظروا إلى من هو أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدرُ أن لا تَزْدروا نعمةَ الله عليكم)، ومن سننه عليه الصلاة والسلام، أنّ النعمة كانت تعظم عنده، وإن دقَت أي صغرت، الأمر الثاني، أن يظهر أثر نعمته على عبده، هذا هو شكرها بلسان الحال، قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:(إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يَرى أثر نعمته على عبده، ويبغض البؤس والتباؤس)، أي ادعاء البؤس.مما يتصل بشكر الله تعالى، شكر الناس، والثناء على معروفهم، وحفظ أياديهم، لقوله عليه الصلاة والسلام:(من لا يشكرُ الناسَ، لا يشكرُ اللهَ) وفي رواية:(إن أشكر الناس لله تبارك وتعالى أشكرهم للناس)، وقال أيضاً:(من صنع إليكم معروفاً فكافِئوه، فإن لم تجدوا ما تُكافئوه، فادعوا له حتى تَرَوْا أنكم قد كافَأتموه). وكما قال الشاعر المتنبي: (ومَنْ لكَ بالحُرِّ الذي يحفظ اليدا)، بل إن الحر الكريم يُتملك بالإكرام والإحسان على نقيض اللئيم: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمرداوصدق أحمد شوقي أمير الشعراء، إذ قال:وإذا الدنيا خَلْت من خيِّرٍ وخلت من شاكرٍ هانت هوانا
647
| 04 يوليو 2015
من ينظر في كل ما فُرِض في الإسلام، من أحكام وواجبات وفرائضَ وأوامرَ، لا يجد فيها ما يشقّ ويعْسر على طبيعة خِلقة الإنسان، وفطرته التي فطره الله عليها، بل إنه سيجد كل ما هو في استطاعة البشر دونما عَنَتٍ أو كُلْفةٍ عليهم، وكل ما يلائم فطرتهم، وفق حكمة الله اللطيف الخبير، العائدة بالخير والمنفعة والمصلحة للعباد، سواء كانت هذه الحكمة معلومة ظاهرة لهم، أو مجهولة خافية عنهم، عَرَفَها من عرفها، وجهلها من جهلها، قال الله تعالى:(ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتمَّ نعمته عليكم لعلكم تشكرون)، وتنبّه إلى قوله: (لعلكم تشكرون)، وقال سبحانه أيضاً:(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).ومن لم يستطع شيئاً مما فُرض عليه في الإسلام، لمرضٍ أو عجز أو ظرف ألمّ به، يقول المولى تبارك وتعالى:(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، ويقول أيضاً:(لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها)، وفي هذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام:(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، فدين الإسلام كله برمته، مبنيٌ على الرحمة، ودائرٌ على اليُسر.إنّ مما يريده الله من عباده، ويأمرهم به، أن يكونوا شاكرين لنعمه وآلائه، مثنين بها عليه، الأمر الذي يجعلهم يذكرونه كثيرا؛ لفضله العظيم عليهم، ولكثرة نعمه التي لا تحصى، (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)، مفضّلاً ومكرّماً إياهم على كثير مما خلق، النعم التي هي كلّها من عنده، دقيقها وجليلها، ظاهرها وباطنها، حديثها وقديمها، ما جاءت منه تعالى أو من طريق وسبب أحد عباده، فهو سبحانه مسبّب الأسباب، (وما بكم من نعمة فمن الله).فهل في ذلك ما يشقُّ ويصعب عليهم؟ الأمر الذي إن حققوه، لم يكن لله غرضٌ ولا مرادٌ من عذابهم، قال تعالى قارناً الشكر بالإيمان ومقدماً إياه على الإيمان:(ما يفعل بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليما).ما الذي يمنع المرء إذا هو أكل من رزق الله أنْ يشكره ويحمده عليه، وهو جوهر ولب ما يريده الله من عباده، إذ قال سبحانه:(يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون)، وفي آية أخرى عند الحديث عن أهل سبأ، الذين أنعم الله عليهم ببلدة طيبة كثيرة الأشجار والثمار، قال جل وعلا:(كلوا من رزق الله واشكروا له بلدةٌ طيبةٌ ورب غفورٌ).وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، في الحديث الحسن، دعاء مخصوص من دعا الله به بعد الفراغ من الطعام، غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو:(الحمد لله الذي أطعمني هذا، ورَزَقَنِيهِ من غير حولٍ مني ولا قوة)، والمطلوب بطبيعة الحال أن يداوم ويحافظ عليه المسلم في كل مطعمه، وعلى طول حياته، ليرضى عليه الله كما جاء في الحديث:(إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها)، وهذه نعمة أخرى تستحق شكراً آخر، أنك مع قضاء شهوتك من الطعام، إن شكرت الله يغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويرضى عنك، وشكرك عليها نعمة أخرى تستوجب الشكر، لتوفيق الله لك على شكرها، وتوفيقه نعمةٌ أيضاً تستلزم شكرك عليها، وهكذا دَوالَيْك، لا تفرغ من شكرِ نعمةٍ، حتى تدخل في شكر أخرى، وفي هذا قال الشاعر:إذا كان شُكري نعمةَ اللهِ نعمةٌ عليّ له في مثلها يجبُ الشكرُفكيف بلوغُ الشكرِ إلا بفضلِه وإنْ طالتِ الأيامُ واتّصلَ العُمرُ
3774
| 03 يوليو 2015
لا تظهر فائدة المال، ولا يُنتفع به إلا بالإنفاق، ولولا ذلك لما ابتغاه أحد، هذا ما يقرره المنطق السليم، والفكر القويم، والله جل وعلا يقول: (وأنفِقُوا منْ ما رزقناكم من قبل أن يأتيَ أحدكمُ الموت...) الآية، وذلك في غير آية، وفي هذا قال صفيُّ الدين الحِليّ:لا تُخْزِنوا المالَ لقصدِ الغنى وتطلبوا اليُسرى بعُسراكُمْفذاك فقرٌ لكم عاجلٌ أعـاذنـا اللــه وإيـّـاكـُـمْما قال ذو العرشِ اخزُنُوا بل أَنفقوا مما رزقناكمْولاحظ أن الشاعر قيّد نهيه عن خزن المال، بقصد طلب الغنى، على وجه الخصوص؛ لأن ذلك أولاً يشوبه شح وطمع، ويصاحبه فقر وحرمان، وثانياً، لأنه لا بأس من خزن المال وجمعه، إن كان في سبيل تحقيق غرضٍ شريف، ولا شك أن المقصود بالإنفاق، هو الإنفاق في وجوه الخير والإحسان والمعروف، ويدخل فيه من باب أولى الإنفاق على النفس ومن تعول، وعدم التقتير عليها مع تحذّر التبذير، وفق القاعدة القرآنية: (ولا تجعلْ يدكَ مغلولةً إلى عُنُقِكَ ولا تبْسُطْها كلَّ البسطِ فتقْعُدَ ملوماً محسوراً)، فلا مَنْعٌ ولا إسراف، ولكن أعطِ كل ذي حق حقه، وكن كعباد الله الذين مدحهم في كتابه فقال سبحانه:(والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)، والمؤمن كلما أنفق يبتغي به وجه الله، فهو له صدقة يؤجر عليها، حتى ما يُطعم نفسه فهو له صدقة، وما يطعم ولده وأهله وخادمه فهو له صدقة، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: (إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقةً يحتسبها كانت له صدقة)، وهذا يدل على أن الأعمال في الإسلام معتبرة بالنية، كما جاء ذلك في الحديث المعروف (إنما الأعمال بالنيات).ويقول حسان بن ثابت رضي الله عنه، موضّحاً أن العِرض مُقدمٌ على المال، وأن الأخير يُستخدم لصَوْنه وحفظه:أصونُ عِرضي بمالي لا أدنِّسُهُ لا باركَ اللهُ بعدَ العرضِ بالمالِأحتالُ للمالِ إنْ أودى فأجْمَعُهُ ولستُ للعرضِ إن أودى بمحتالِومما يجب أن يعلم، أن الإنسان مستخلفٌ في المال من الله تعالى، وأن المال له سبحانه، قال عز من قائل: (وأنفقوا مما جعلَكُم مستخلفين فيه)، وقال أيضاً: (وآتوهم من مالِ اللهِ الذي آتاكم)، فالمال وديعة، وعارية مستردة كما قال لبيد بن ربيعة:وما المالُ والأهلونَ إلا ودائعٌ ولا بد يوماً أن تُرَدَّ الودائعُ
413
| 02 يوليو 2015
ليس إثماً على الإنسان، أن يطلب المال ويسعى إليه، ويعمل من أجله، ولكنّ الإثمَ أن يطلبه من أبواب الحرام، ويأخذه مما لا يحلّ له، وأن يكون جشعاً طَمِعاً دنيئاً.وليس عيباً على الإنسان، أن يكون فقيراً مسكيناً، لا يملك شَرْوى نقير، ولكنّ العيبَ أن يكون بخيلاً شحيحاً وهو يملك القناطير.العجب كل العجب من حال أناسٍ مع المال، حين لم يدركوا الحقيقة فيه، ولم يعرفوا الغاية منه، فحمّلوا أنفسهم ما لا يطيقون في سبيل تحصيله حتى كادوا أن ينتعلوا الدماء، وهو أمر بينه لنا نبينا عليه الصلاة والسلام فقال: (يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لكَ يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟!).وفي حديث آخر يهوّن عليه الصلاة والسلام من أمر ماديات الدنيا، التي يتفانى الناس سعياً خلفها، ويَنْهَجون جرياً وراءها، ويقاتل بعضهم بعضاً حرصاً عليها، موضّحاً أساسيات المعيشة الضرورية، التي في حال توفّرها لدى الإنسان تصبح حياته هادئة هانئة، بل كأنما ملك الحاضرة والبادية، لو حكّم عقله، واتبع دينه، وقَنِع ورضي بما قسم الله له، فقال: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عندَه قوت يومه، فكأنما حِيزَت له الدنيا بحذافيرها).وما أحسنَ قول ابن الرومي مادحاً القناعة وكفاف العيش:مرحباً بالكفافِ يأتي عفِياً وعلى المتعبات ذَيْلُ العفاءِضِلّةٌ لامرئٍ يشمّرُ في الجمـ ـعِ لعيشٍ مشمّرٍ للفناءِدائباً يكنزُ القناطيرَ للوا رث والعمرُ دائباً في انقضاءِيحسبُ الحظَ كلَّه في يديه وهو منه على مدى الجوزاءِالجهل بما سبق، يجعل المادة غايةً للإنسان بحد ذاتها، يتعلق بها ويتهالك عليها، حتى يصير عبداً لها، وعند ذلك يستحق دعاء النبي عليه بالتعاسة، بكل ما فيها من شر وهلاك وشقاء، حين قال عليه الصلاة والسلام: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، إن أُعطيَ رضيَ وإن لم يعطَ سَخِط...)، والدينار كناية عن المال الوفير، والدرهم كناية عن المال القليل، والخميصة هي نوع من الثياب، كناية عن حب المظهر والزينة، وهي صورة لإنسانٍ عبد المادة، كثيرها وقليلها، عَيْنِها وعَرْضِها، وما أقبحها وأشنعها من صورة، تُظهر الإنسان الذي كرمه الله تعالى، وفضله على كثير مما خلق، وعلّمه بالعقل ما لم يكن يعلم، وسخر له كل ما في الكون لخدمته، وهو ما خُلق إلا لعبادته، في مظهر عبوديةٍ ذليلة حقيرة للدينار والدرهم، أو ممن يبذلهما له، وبِئْسَت من عبوديةٍ لمادة فانية وحطام زائل، وذَلّ وخاب وخسر من استعبدته. فاعتقوا أنفسكم من المال، يا عبادَ الكبيرِ المتعال، وانظروا وتأملوا في قول الحكيم، حين سُئل ما مالك؟ فقال: شيئان لا عَيْلةَ – أي لا فقر- عليّ معهما: الرضا عن الله، والغنى عن الناس. وقيل لحكيمٍ آخر: ما مالك؟ قال: التجمُّل في الظاهر، والقصدُ في الباطن، واليأس مما في أيدي الناس.
1175
| 01 يوليو 2015
لا يخلو قلب إنسان في هذه الحياة من حب المال، محبةً جمةً شديدةً، شغفت القلب حتى استقرت في سويدائه، مصداقاً لقول المولى تبارك وتعالى:(وإنّه لحبِ الخيرِ لشديدٌ)، والخير هنا بإجماع المفسرين، هو المال، وفي اللغة، ترك فلانٌ خيراً، أي مالاً، وقد جاءت هذه الآية جواباً، للقسم الذي في أول سورة العاديات، وقد أكّدها الله بمؤكدين، هما حرفا (إنّ ،واللام في كلمة شديد)، إثباتاً لهذا الحكم، الذي ينكره الإنسان غالباً بلسانه، ويصدقه دائماً بطبعه، ويشهد عليه في ذلك شاهدٌ من نفسه، هو أعماله التي هي لسان حاله، ينطق ويتكلم عن جوارحه، التي لا تكلُّ ولا تملُّ، ولا تشبع ولا تقنع من طلب المزيد، وفي الحديث الشريف (لو كان لابن آدم وادٍ من مالٍ- وفي رواية من ذهب- لابتغى إليه ثانياً، ولو كان له واديان لابتغى لهما ثالثاً، ولا يملأ جوفَ ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب)، وانظر إلى آخر جملة في الحديث، تفهم منها أن ما ذُكر في حديث من صفة الطمع والحرص على المال عند ابن آدم، ذنب يَحتاج معه إلى توبة، ليتوب الله عليه، وفي هذه الصفة قال الشاعر:لو يجْمَعُ اللهُ ما في الأرضِ قاطبةً عند امرئٍ لم يقل حسبي فلا تَزدِلو كان يأخذُ شيئاً قبلَنا أحدٌ لم يبقَ شيءٌ لنا من سالفِ الأمدِزَيّن الله تعالى محبة المال للناس، ابتلاءً لهم، كغيرها من الشهوات المحببة إلى النفس، التي تجلب لها الفرح، وتجد فيها اللذة، وكلها متاع الحياة الدنيا الفانية، وما عند الله في الآخرة خيرٌ وأبقى، والشيطان بلا شك زاد تلك الشهوات زينة وبهرجةً وبريقاً لإغراء الناس وخداعهم بها، فحب المال إذن فطرة غريزية جُبِل عليها الإنسان، وسجية في أصل طبعه، وهو زينةٌ الحياة الدنيا، التي يؤثرها الناس على الآخرة، قال تعالى:(المالُ والبنونَ زينة الحياة الدنيا...) الآية، وقدّم الله المال في الآية على البنين، كما قال العلماء، لكونه سبباً في إيجادهم، فمن يملك المال يستطيع الزواج، ومن ثَم الإنجاب، بل هو أساس وعصب الحياة كلها، ولا خلاف ولا خفاء في ذلك.
287
| 30 يونيو 2015
ما دمنا تحدثنا آنفاً عن الكلام وفضله، فلابد لنا من أن نأتي بشيء من الذكر على آلته وأداته، ألا وهي اللسان، الصغير جِرمهُ العظيم جُرمهُ، كما قال بعض الحكماء، وجِرمه الأولى بكسر الجيم بمعنى حجمه، والثانية بضمها بمعنى جريمته وذنبه وبين الكلمتين كما لا يخفى جناس ناقص، وهل ثمة شيءٌ أعظم يدلك على هذا من الحديث الطويل الذي رواه معاذ بن جبل، وقد سأل النبي فقال: يا رسول أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟ فقال: لقد سألت عن عظيم، فعدد له أركان الإسلام، ثم دلّه على أبواب الخير، الصوم والصدقة وصلاة الليل، ثم أخبره برأس الأمر وعموده وذروة سنامه، الإسلام والصلاة والجهاد على التوالي، ثم قال - هنا محل الشاهد: ألا أخبرك بمَلاك ذلك كله، قال: كُفَّ عليك هذا وأشار إلى لسانه، فقال معاذ: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم، وقوله: (ثكلتك أمك) أي فقَدَتك، وهو دعاء لا يقصد على حقيقته، وإنما يراد به التوبيخ والتأنيب، فانظر وتأمل واعتبر من عظم وخطر الأمر وانتبه من الغفلة عنه!.وعن صاحبيٍّ آخر سأل رسول الله ما النجاة، قال: (أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابكِ على خطِيئتك)، وسئل مرة عليه الصلاة والسلام عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: الفرج واللسان، لذلك قال في حديث آخر صحيح: (من يضمن لي ما بين لحْييه - فكّيه - وما بين رجليه أضمن له الجنة)، حتى أن كل الأعضاء إذا أصبح ابن آدم تكفِّرُ اللسان أي تتذلل وتتواضع له، وتقول: اتقِ الله فينا، فإنما نحن بك، أي تَبعاً لك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا، كما ورد ذلك في الحديث، ومما جاء في منثور الحكم، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، وقد كان أول من جاء بهذا المعنى، الشاعر الجاهلي المشهور، زهير بن أبي سُلمى، حين قال في معلقته:لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده فلم يبقَ إلا صورةُ اللحمِ والدمِاعلم أن لسانك عنوانك، يستدل به على عقلك وأصلك، وهو مفتاح قلبك عند تكلمك، وتذكر دائماً وأبداً القول المأثور الآتي، واعمل به: (لسان العاقل من وراء قلبه، فإذا أراد الكلام رجع إلى قلبه، فإن كان له تكلم، وإن كان عليه أمسك، وقلب الجاهل من وراء لسانه، يتكلم بكل ما عَرَض له).اللهم إنا نستغفرك ونعوذ بك من سيئات وزلات وفلتات ألسننا، ونسألك إيماناً صحيحاً، يُرى أثره على أعمالنا وأقوالنا.آخر سطر:مِنْ أبلغ وأروع الحكم: إذا تمَّ العقل نَقُصَ الكلام، وقولهم: عقلُ المرء مخبوء تحت لسانه.ومما كانت الحكماءُ قالتْ لسانُ المرءِ مِن تَبَعِ الفؤادِ
2172
| 29 يونيو 2015
مساحة إعلانية
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة...
5316
| 06 أكتوبر 2025
في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...
4368
| 02 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...
3849
| 05 أكتوبر 2025
في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها...
1680
| 07 أكتوبر 2025
لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة...
1179
| 08 أكتوبر 2025
في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...
978
| 05 أكتوبر 2025
قبل كل شيء.. شكراً سمو الأمير المفدى وإن...
960
| 08 أكتوبر 2025
لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...
900
| 03 أكتوبر 2025
كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...
777
| 02 أكتوبر 2025
التوطين بحاجة لمراجعة القوانين في القطــــاع الخـــــاص.. هل...
765
| 05 أكتوبر 2025
المحاولات التي تتكرر؛ بحثا عن نتيجة مُرضية تُسعد...
729
| 07 أكتوبر 2025
الإنسان لم يُخلق ليعيش وحيداً. فمنذ فجر التاريخ،...
720
| 06 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية