رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ليلة القدر، ليلة السلام

مما يدل على عظمة كتاب الله القرآن، ومنزلته الجليلة، الذي اختُصت بشرفه وعزه أمة رسول الله محمد، عليه الصلاة والسلام، وفُضّلت به أمة الإسلام على سائر الأمم، حتى كان لها معجزة خالدة باقية، ما بقي الدهر، واستمر الزمن، أنه سبحانه وتعالى جعل لزمن نزوله مَزيّة فريدة، وخيريّة عظيمةً، وهبها أمة القرآن، متمثلة في ليلة القدر،(إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منزلين. فيها يُفرق كل أمرٍ حكيم).أكرم الله بليلة القدر المسلمين إكراماً كبيرا، حتى كأنها لهم عمرٌ من صالح الأعمال، يضاف إلى أعمارهم القصيرة، التي متوسطها ما بين الستين والسبعين، وقليلٌ من يجوز ذلك، كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث، على خلاف ما كانت عليه أعمار الأمم السابقة، التي كان الفرد منها، يعمّر في الحياة طويلا.هي الليلة المباركة الساكنة الساجية، والله أقسم بالليل إذا سجا، أي إذا سَكَن وهدأ، وما أجملَ وأحسن الليلَ حينذاك. تكون لإشراقها وصفائها، كأن فيها قمراً منيراً ساطعا، هي ليلة سَجْسَج، لا برد فيها ولا حر، وكذلك الجنة سَجْسَج، (لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا)، من أهم وأعظم معانيها، أنها سلام، لذلك قدّمه الله تعالى في قوله:(سلام هي حتى مطلع الفجر)، كخبرٍ مقدم للمبتدأ المؤخر (هي)، إشارة إلى أهمية معنى السلام فيها، وكذلك في الدين.السلام الذي اشتق من لفظه الإسلام، الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وسمّى نفسه مَن له الأسماء الحسنى (السلام)، فمنه يكون السلام، وسمّى كذلك جنته دار السلام، (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون)، وجعل جل وعلا التحية في دينه بين عباده (السلام)، وجعله أيضاً تحيتهم في الجنة،(سلامٌ قولاً من ربٍ رحيم)، (تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجراً كريما)، وحضّ الإسلام على إفشائه بينهم، ففي الحديث الشريف:(لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).بل جاء إفشاء السلام مقدَّماً، كأفضل خصال الإسلام، في قول النبي عليه الصلاة والسلام:(يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلّوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).وليس المطلوب بالتأكيد من إفشاء السلام، هو مجرد التلفظ به كعبارة جوفاء خاوية، لا تحمل معنىً، ولا تشمل مدلولاً، أو صماء مُصمتةً لا تَبِضُّ بعطاء، ولا تنبض بحياة، ولا ينبجس منها ماء، وإنما المطلوب هو تحقيق مقتضى معنى (السلام)، في إلقائه ورده، وهو المسالمة، بأن يسلم الجميع من الأذى والظلم والشر والضُر، فيما بين بعضهم البعض، فلا يعتدي مسلم على مسلم، ولا يجور أخٌ على أخيه، بأي ضروب الاعتداء والجور، فيتجسدُ حينئذٍ معنى السلام قائماً بينهم، ويُصوِّر سمات الإخاء والألفة والتراحم، التي يجب أن يحيوا عليها، ويتمسكوا بها. وإلا فإن إفشاء السلام بينهم دون هذا، يكون عندئذٍ عبثاً وهزلاً، بل يكون زورا.كما جعل الإسلام الانتهاء من أفضل عبادة فيه، وهي الصلاة، بالسلام، ختاماً به، ألا يحق لنا بعد كل هذا، أن نتساءل عن سبب ضعف أو غياب معنى السلام عن حياتنا، في معاملاتنا وسلوكياتنا التي تمثل أخلاقياتنا؟ وألا يحق لنا أن نأسى ونألم لتفريطنا به، وضياعه منا؟ مع أنه أصل أصيل في ديننا، عليه يرتكز، وبه يقوم، وإليه يهدف، وحوله يدور.وما كانت ليلة القدر سلاماً، إلا لأن الشياطين لا تؤذي فيها المسلمين، ولكون الأرض تضيق من عدد الملائكة المكرمين، كما في الحديث المرفوع:(إن الملائكة تلك الليلةِ في الأرض أكثرُ من عدد الحصى)، ولا ريب أنّ في كثرة وجودهم، خيراً عظيماً، ونفعاً عميماً، يعود على عباد الله المؤمنين.

2386

| 24 يوليو 2014

حكمة الله في البلاء (3)

إن لم يستمسك العبد المؤمن بوصية الله له بالصبر والصلاة، ويشد يده عليها، كي يستعينَ بها على مغالبة البلاء، والثبات عنده، سيكون لا بد هلوعاً، لدى الشر جزوعاً، ومع الخير منوعاً، وما هذا من الحكمة ولا من العزيمة في شيء، وتأمل نُصح لقمان لابنه وهو يعظه، كما جاء في القرآن الكريم:(يا بنيّ أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانْهَ عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)، وكما ترى في هذه الوصية، أن الأمر بالصلاة في أولها، والصبر في آخرها، وبينهما الميزان الذي يُقيم الخير والصلاح، ويحط الشر والفساد، ألا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.لكل مؤمنٍ أن يُسَرَّ ويستبشر لما للاسترجاع، أي قول: إنا لله وإنا إليه راجعون، من ثوابٍ وعاقبة حسنة حميدة، عند كل مصيبة، وهو هَديٌ قرآنيّ ونبويّ، قال تعالى:(وبشّر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون)، وجعل الله لمن اهتدى به ونفّذه، جزاءً جزيلاً، وفضلاً جليلاً:(أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمةٌ وأولئك هم المهتدون)، أنظر وتأمل، إنها صلوات من الله لا صلاةٌ واحدة، أي عليهم ثناءٌ ومغفرةٌ، مراتٍ عدة، واحدةً بعد واحدة، أما لفظة الرحمة فقد جاءت مفردةً، وليست بصيغة الجمع (رحمات)؛ لأن رحمةً واحدةً من الله تكفي، إذ رحمته بعباده ليست كمثلها رحمة، فهو الرحمن الرحيم.بل إن النبي عليه الصلاة والسلام، يعلمنا أن نعود ألسنتنا الاسترجاع، على كل ما يسوؤنا وقعُ مصابه، صغيراً كان أو كبيراً، وإن قل شأنه، وهان خطبه، فقد جاء في الحديث، أن المصباح طُفئ عند رسول الله، فاسترجع فقالت عائشة رضي الله عنها: إنما هذا المصباح- أي أمره هين- فقال:(كلُّ ما ساءَ المؤمنَ فهو مصيبةٌ)، والمغزى من ذلك، ما في قول: إنا لله وإنا إليه راجعون، من لجوءٍ إلى الله تعالى ينبغي أن يكون في كل الحالات والحاجات، واعترافٍ بالعبودية المطلقة لله، وأن الإنسان مملوك خاضع له سبحانه، يرجع إليه في كل أمره، كما يُرجع إلى السيد المطاع في الأمور، وفيه تعلق المؤمن فيما عند ربه، وتهوين شأن الدنيا في نفسه، وتحقيرها في عينه، وحبس لسانه عن كل ما لا يليق أن يتلفظ به من هُجْر القول وسيئه، كالشكوى والشتم واللعن ونحوها. كما ساق لنا الهادي البشير عليه الصلاة والسلام، بشرى وفضل ذلك القول، فجاء في الحديث الصحيح:(ما من عبدٍ تصيبه مصيبةٌ فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أْجُرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، إلا آجره في مصيبته، وأخلف له خيراً منها). ولكن يبقى الأمر في الطريقة التي يقال بها الاسترجاع، التي ينبغي أن يحكمها أسلوب الهدوء والسكينة، لا أن تغلبها العصبية والتذمر، وأن يكون منبعثاً من نفسٍ مطمئنة صابرة محتسبة.هذا هو شأن المؤمن مع البلاء، حتى حُقَّ أن يعجب منه، وانظر قول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، في الحديثين الآتيين، وأزل عن عينيك الغم، وسلِّ عن نفسك الهم، واعمل واجهد أن تكون مؤمناً حقاً فيصدقَ فيك الحديثان، الأول:(عجباً للمؤمن، لا يقضي الله له شيئاً، إلا كان خيراً له)، والثاني قوله عليه الصلاة والسلام:(عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس لأحدٍ إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له).عليك أن توقنَ أيها المبتلَى- وكلنا ذلك الرجل- أنّ في طي كل بلاء خيراً، ووراء كل بلاءٍ حكمةَ الله الحكيم الرحيم، اللطيف بعباده، الذي ما ابتلاك إلا ليرفعك، ويُعظم لك أجرك، ويحط من خطيئتك، ثم يسبغ نعمته عليك في الدنيا،(ولأجر آخرة أكبر لو كانوا يعلمون).

812

| 23 يوليو 2014

حكمة الله في البلاء (2)

مما لا بد أن يُعلم، أن البلاء من سنن الله الكونية في هذه الدنيا، التي قضاها في خلقه، ولا مردّ لقضائه، ومضى فيهم بها حكمه العدل، ولا معقب لحكمه، ولا مانع لمشيئته، قال جل وعلا:(ولنبلونَّكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)، والأمر في ذلك لله سبحانه (ألا له الخلق والأمر)، ومردُّه إلى حكمته البالغة، الخافية على كثيرٍ من خلقه، التي فيها كل الخير والرحمة والتوفيق لعباده المؤمنين، فجعل سبحانه البلاء أولاً: لإرادة الابتلاء والاختبار والتمحيص؛ ليميزَ قوي الإيمان من ضعيفه، الابتلاء الذي ما خلق الله الدنيا، وأوجد فيها الحياة في أولها بدايةً، وأوجد الموت في آخرها نهايةً، إلا لأجله، قال جل شأنه:(الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور)، هذه هي الغاية التي تبينها لنا الآية الكريمة:(ولنبلونّكم حتى نعلمَ المجاهدين منكم والصابرين ونَبْلوَ أخباركم).وجعل البلاء ثانياً: تكفيراً لسيئات عباده، إن كان ثم سيئات، ليَخِفَّ عليهم العقاب في الآخرة، والأحاديث النبوية شاهدة بهذا، قال المصطفى عليه الصلاة والسلام:(ما يصيب المؤمنَ من وصبٍ ولا نَصَب ولا سَقَم ولا حزن حتى الهم يَهُمه، إلا كفّر الله به من سيئاته)، وفي حديثٍ آخر:(لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في نفسه وولده وماله حتى يلقى اللهَ تعالى وما عليه خطيئة)، أو لرفعهم في الآخرة درجات، ما كانوا ليبلغوها بأعمالهم الصالحات، ليعظم بذلك جزاؤهم، ففي الحديث الحسن:(إن أعظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السَّخَط)، حتى إن أهل العافية يوم القيامة يودون، حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قُرِضت في الدنيا بالمقاريض، كما جاء ذلك في الحديث، لما يرون من عظيم ثواب المبتلين.والإنسان لن يَنْعَم بعيشه، ويهدأَ رُوعه، حتى يرى أن الحكمة كلها فيما قضاه الله له، بل لن يبلغ درجة الإيمان الكامل، ومنزلة اليقين الصادق، حتى يرضى كل الرضا، عن قدر الله، ويعلم حق العلم، أن ما أصابه من قضاءٍ لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن جميع الخلق لا يملكون له شيئاً في ذلك، لا جلب نفعٍ ولا دفع ضُرٍ، ولا قطع خير ولا وصل شر، إلا أن يشاء الله تعالى. ثم إن الله عز وجل لرحمته وفضله، لم يدع عباده مع البلاء إلا بعد أن قدم لهم الوصية النافعة بل أقول العلاج الشافي، والدواء الناجع، عند حلول البلاء بهم، يأخذ بها ذَوُو العقل الحكيم والبصيرة النافذة، من الذين آمنوا، ولا يكون المؤمن إلا حكيماً بصيراً، حقيقٌ به ذلك، وهي الاستعانة بالصبر والصلاة، أنفع وأرجى ما يستعان به على تحمل البلايا والنوائب، هذا هو أمر الله، الذي وجّه إليه عباده المؤمنين في غير آية، وقد جاءت هذه الوصية قبل قوله تعالى في سورة البقرة:(ولنبلونكم...) الآية، وفي ذلك حكمة بالغة، أنْ ذكر سبحانه الوصية، التي بها يُواجَه البلاء ويُتصرّف فيه، قبل ذكر ضروب البلاءات، طمأنةً لقلب المؤمن، وربطاً لجأشه، وبياناً لما يجب عليه فعله أولاً، فقال تعالى منادياً الذين آمنوا:(يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إنّ الله مع الصابرين)، وفي آية أخرى مرشدةٍ إلى نفس التوجيه والنصح:(واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)، والضمير في إنها، عائدة على الصلاة، التي تكون كبيرةً أي ثقيلةً شاقة عسيرة، على غير الخاشعين، الخشوع الذي هو من الصلاة، بمنزلة الروح من الجسد، وانظر أنت أيّ قيمةٍ ومعنىً، لجسد بلا روح. ولنا أن نتفكر ونسأل لمَ قدّم الله الصبر على الصلاة؟والجواب: لأن العلاج لا بد أن يبدأ أولاً من داخل النفس، التي تتنازع أهواؤها وميولها، مع ما يعتلج فيها من مشاعرَ وعواطفَ متباينة، مؤثرة في كل ما يصدر من الإنسان، من أفعال وتصرفات وحركات وسلوكيات، أمّا أفكار الإنسان، وطريقة تفكيره، فهي متحكمة في تلك المشاعر والعواطف، فلن يجدي أيُّ عملٍ أو تغييرٍ ظاهري نفعاً، إلا إذا سبقه تغييرٌ نفسيٌ باطني، ثم يتبعه وينتج عنه تغييرٌ عمليٌ ظاهري، يكون استجابة لما حدث من تغيير نفسي، وهذا هو معنى قوله تعالى:(إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم).فالصبر هو الذي عليه معوّل تغيير ما بالنفس، تغييراً يُصلح ويعالج أفكار الإنسان، فيتبدل من ثَمَّ ما بداخل النفس، ثم تأتي الصلاة كصورة عملية لذلك التغيير النفسي بالصبر، ولهذا السبب ذُكر قبل الصلاة، وكذلك الحال مع سائر الأعمال والطاعات الأخرى، أو غيرها من فِعال ونشاطات الحياة المختلفة، التي لن تغير شيئاً من فكر الإنسان ونفسيته، وتالياً من سلوكه وخُلقه وواقع حياته، ما لم يكن هناك تغيير باطنيّ نفسي، يكون نقطة ارتكاز وأساسٍ لحملة التغيير، وهو أمرٌ على منزلة كبرى من الأهمية، ليس هنا محل استقصائه.

30463

| 22 يوليو 2014

حكمة الله في البلاء (1)

كل امرئٍ في الحياة الدنيا، هو خاضعٌ منساقٌ لقدر الله تعالى وقضائه، عاجز أمامه لا يملك معه خِيرة ولا حيلة، ولا ريب أنه إذا نزل وحل، أصابه لا محالة، قال شوقي رحمه الله:لا يملك الإنسان من أحواله ما تملك الأقدارُ مهما قدّراوقال آخر:ما للرجال مع القضاء محالةٌ ذهب القضاءُ بحيلة الأقوامِفالأقدار كالسهام المصوبة نحو أهدافها، غير أنها مسددةٌ مقوّمة لا تخطئ غرضها، ولا تفوته، ولا تحيد عنه بحال، بما تحمل من سراء وضراء، فيهما النعماء والبأساء، سواءٌ في ذلك المؤمن والكافر، بيد أنّ المؤمن يوجب عليه الإيمان، كركن من أركانه، أن يكون مؤمناً بقدر الله، أي موقناً أنه من عنده سبحانه وتعالى وبتقديره، بحالتيه المتضادتين خيره وشره، ولاسيَّما في حالة شره، أي في حالة الأقدار المؤلمة المزعجة، وكل ما لا يرضاه ولا يحبذه الإنسان، إذ في ذلك الأهمية الشديدة الأكيدة، التي لابد منها ليتحقق الإيمان الصحيح الكامل بقدر الله تعالى، بتمام اليقين والتسليم والخضوع له فيما قدّر، ولو خالف أمنيات ورغبات النفس، حتى لا يكون حال المؤمن كحال الذين جاء وصفهم في القرآن في سياق الذم والتوبيخ، ممن انحرفوا في اعتقادهم بالقدر، قال جل وعلا مخبراً عنهم:(وإنْ تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند الله وإنْ تصبهم سيئةٌ يقولوا هذه من عندك قل كلٌ من عند الله فمالِ هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً)، قوله تعالى: (من عندك) أي من عند رسوله عليه الصلاة والسلام، ثم بين سبحانه للإنسان في الآية التالية، أن كل ما يصيبه من شرٍ يسوؤه من القدر، يكون سببه من عند الإنسانِ نفسِه، نتيجة ذنبٍ اقترفه فعوقب عليه، أو واجب مفروضٍ قصّر فيه، قال جل ثناؤه:(ما أصابك من حسنةٍ فمن الله وما أصابك من سيئةٍ فمن نفسك)، وقال أيضاً جل شأنه:(وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير). وهذه بشرى من رحمة الله تعالى ورأفته وفضله بعباده، أنه سبحانه يعفو عن كثير خطأ خلقه، وأنه كما قال:(وإنّ ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإنّ ربك لشديد العقاب)، إذ لو الأمر غير ذلك، لكان الحال مثلما يصف القرآن (ولو يؤاخذ اللهُ الناسَ بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكنْ يؤخرهم إلى أجلٍ مسمّى فإذا جاء أجلهم فإن اللهَ كان بعباده بصيرا)، إلى غير آية تُلمح إلى هذا المعنى.ذلك هو السبب الرئيسي والأساسي للبلاء، قال تعالى:(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناسِ ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجون)، وتأمل قوله تعالى:(بعض الذي عملوا) أي شيءٌ قليلٌ وليس الكل، ومراد الله من البلاء، كما بينته الآية السابقة: (لعلهم يرجعون)، يرجعون عن ذنوبهم وعصيانهم، ثم يتوبون وينوبون إلى الله، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قول بليغٌ في ذلك، قال:(ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة)، وأقول: رحمة الله على مَن إذا نزل به بلاءٌ، رجع إلى نفسه، فبحث فيها وفتّش ليحاسبها، فإن كان مذنباً مقصراً، تاب وأناب، وإن كان على خيرٍ حمد وشكر.لكنّ الأقدار بنوعيها خيرها وشرها، وما ينشره ويطويه كل نوعٍ منهما، ويجلبه للإنسان من أحاسيس ومشاعر وأحوال، متباينة متناقضة، من أفراحٍ وأتراح، ومسرّاتٍ ومضرّات، وما دار من سَعد ونحس، بيد الأقدار، لا يكونان كذلك إلا من حيث نظرة الإنسان لما يصيبه منهما، وانطلاقاً من حكمه العقلي عليهما، الذي لا يكون في الغالب، إلا حكماً ناقصاً قاصراً، لكونه لا يصدر عن رؤية وافية ضافية، يكتنفها الإيمان، وتحفّها الحكمة من كافة جوانبها، فيأتي الحكم من ثَمَّ صادقاً منطبقاً على الحقيقة، بعد أن يكون قد نَفِذ إلى كُنْه حكمة ما أصابه من قدر، فإن ما يظنه الإنسان شراً، ربما هو ليس بشر، وما يحسبه خيراً له، قد يكون هو الشر بعينه،(وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، يتجلى هذا تمام الجلاء في أمر المؤمن كما سنأتي بالحديث عنه. وفي هذا يقول الشاعر:تجري الأمور على حُكمِ القضاء وفي طيِّ الحوادثِ محبوبٌ ومكروهُوربما سرّني ما كنتُ أحذرُه وربما ساءني ما كنت أرجوه

8202

| 21 يوليو 2014

فضيلة الصدق (4)

من مظاهر الصدق في الأفعال، عند معاملة الناس، الصدق في الوعد، والوفاء به، فالمؤمن صحيح الإيمان، إذا وعد وفىَّ وأنجز، والمنافق المبتلى بشيءٍ من النفاق، إذا وعد كذب وأخلف، كما أن الوفاء بالوعد، دليلٌ على شرف النفس وكرامتها ورفعتها، إذ إن الحر الشريف السريّ، لا يدنس عرضه، بإخلاف الوعد، أو بغيره من الخلال الوضيعة الدنيئة، التي لا تشي إلا بالنفاق، ولا تنم إلا عن لؤم الطباع، وإنما كلمته إذا وعد، تكون كحد الحسام، الذي لا يعرف إلا البتّ، قال الشاعر:إذا قلتَ في شيءٍ (نعم) فأتمَّهُ فإنّ (نعم) دينٌ على الحر واجبُوإلا فقل (لا) تَسترحْ وتُرِحْ بها لئلاّ يقولَ الناسُ إنك كاذبُوقد كان هذا هو خلق سيد ولد آدم، عليه الصلاة والسلام، خير من أوفى بالوعد، وخير من قال في أمرٍ نعم، ومن الأمثلة على ذلك، ما رواه الترمذي، عن عبدالله بن الحمساء، قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ببيعٍ قبل أن يبعث، فبقيت له بقيةٌ، فوعدته أن آتيه بها في مكانه، فنسيت، ثم ذكرت بعد ثلاثةٍ، فجئتُ فإذا هو في مكانه، فقال:(يا فتى لقد شققت عليّ، أن ههنا منذ ثلاثٍ أنتظرك)، أي كان عليه الصلاة والسلام يحضر في نفس الموعد والمكان، مدة ثلاثة أيام! وانظر قوله، وما فيه من أدبٍ جمّ، وحلمٍ تام، وعطفٍ ولين، إنه لم يؤنبّه ويُنحِ عليه باللوم، بل اكتفى بالعتاب الرقيق، في قوله:(لقد شققت عليّ).هذا هو خلق الكرام النبلاء، وهذه هي شيم الرجال الشرفاء، حتى قبل الإسلام، قال الشاعر المتقِّب العبديّ، وهو من العصر الجاهليّ:لا تقولنَّ إذا ما لم تُرِدْ أن تُتم الوعدَ في شيءٍ: نعمْفإذا قلت: نعم فاصبر لها بنجاحِ الوعدِ إنّ الخُلْفَ ذمْإنّ (لا) بعد (نعم) فاحشةٌ فبـ (لا) ابدأْ إذا خِفتَ الندمْولقد بلغ ضعف الدين، وفساد الذمة، واتّضاع النفس، في بعض الناس في هذا الزمان، أنه إذا لم يرد أحدهم إنجاز الوعد في شيءٍ ما، لا أن يقول: نعم، على حد وصف الشاعر، بل يقول: إن شاء الله، وهو في نفسه عازمٌ عزيمةً قاطعة على عدم الوفاء، وهذا القول، أشد وأعظم حرمة، من أي قول آخر، إذ في هذا الفعل فضلاً عن الكذب، وإخلاف الوعد، استهانة القائل بلفظ الجلالة، واستعماله بقصدٍ فاسد، ونيةٍ سيئة، بما يوحي للموعود خلاف ذلك، فيكون مَدْرجةً للخُلف والزيف، باسم الله سبحانه وتعالى، وليحذروا قوله:(يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون. كَبُرَ مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).نذكر في الختام، قصة تحمل لنا روايتها، بأحداثها وخواتيمها، كل العظة والعبرة، بما في الصدق من نفعٍ وخيرة ونجاة، في الدنيا والآخرة، مصداقاً لقول المولى عز وجل:(ليجزي الصادقين بصدقهم)، وقوله أيضاً:(قال اللهُ هذا يومُ ينفعُ الصادقين صِدقُهُم)، وهي:ما حكاه الشيخ عبدالقادر الجيلاني (470- 561 هـ)، رحمه الله، فإنه قال: بَنَيتُ أمري على الصدق، وذلك أني خرجت من مكة إلى بغداد أطلب العلم- كان شاباً حَدَث السن- فأعطَتني أمي أربعين ديناراً، وعاهدتني على الصدق، ولمّا وصلنا أرض (هَمْدان)، خرج علينا عرب، فأخذوا القافلة، فمرَّ واحدٌ منهم وقال: ما معك؟ قلت: أربعون ديناراً، فظنّ أني أهزأ به، فتركني، فرآني آخر فقال: ما معك؟ فأخبرته، فأخذني إلى أميرهم، فسألني فأخبرته، فقال: ما حملك على الصدق؟ قلت: عاهدتني أمي على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها، فصاح باكياً أمير قطاع الطريق، وقال: أنت تخاف أن تخونَ عهد أمك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله!! ثم أمر بردّ ما أخذوه من القافلة، وقال: أنا تائب لله على يديك، فقال من معه: أنت كبيرنا في قطع الطريق، وأنت اليوم كبيرنا في التوبة، فتابوا جميعاً، بسبب فضل الصدق وبركته!اللهم ارزقنا الصدق في أقوالنا وأفعالنا، على كل أحوالنا، حتى يستوي سرّنا وعلانيتنا، واحشرنا مع عبادك الصادقين الأبرار، اللهم آمين.

2467

| 20 يوليو 2014

فضيلة الصدق (3)

من أهم وسائل تزكية النفوس، تربيتها على الصدق، الذي يطهرها من دنس الغش، الذي يقف في الناحية المقابلة للصدق، ومن مظاهر الغش أو الكذب، فهما كالشيء الواحد، الغش في البيع، يقول عليه الصلاة والسلام:(لا يحل لامرئٍ مسلم يبيع سلعة يعلم أنّ بها داءً، إلا أخبر به)، فرسول الله، عليه الصلاة والسلام، يحرّم الغش وينهي عنه، ويدعو المسلم إلى الصدق والصراحة، وبيان إن كان هناك في السلعة أي عيب أو فساد، لكيلا يشيع الخداع، وأكل أموال الناس بالباطل، فتضمحل الثقة فيما بين الناس، وتتلاشى الأمانة، وتاليا تفسد بينهم العلاقات، وتسودها العداوات.جاء في حديث آخر، أن رسول الله عليه الصلاة والسلام، مر برجل يبيع طعاماً- حبوباً- فأعجبه، فأدخل يده فيه، فرأى بللاً، فقال:(ما هذا يا صاحبالطعام؟) قال: أصابته السماء –أي المطر- فقال عليه الصلاة والسلام:(فهلاّ جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ من غشنا فليس منا)، الجملة الأخيرة منهذا الحديث مشهورة، ربما يعرفها ويرددها الجميع، ولكن مما يؤسف له، أنها لم تأخذ حيزها من الاعتقاد ثم من العمل، في نفوس الجميع، ومعنى قوله:(ليس منا)، أي ليس ممن يتصف بأخلاق وشيم وصفات المسلمين، أي أنّ الكاذب الغشاش، مسلم بوصف الاسم فقط، أو بشهادة بطاقة الإثبات، وبما يطلقعليه من أسماء المسلمين، وليس معه من الإسلام، إلا الدعاوى الفارغة الزائفة، والانتساب الكاذب الباطل. وهاكَ مثال مشرق باهر، من سيرة أحد الصحابة، وهو جرير بن عبدالله البَجْليّ، رضي الله عنه، خذ منه واستفد ما شئت من مكارم الأخلاق، مِثل الصدق في المعاملة، والنصح والأمانة، وحب الخير للغير، والوفاء وغيرها، وهو أنه رضي الله عنه، أمر مولاه أن يشتري فرساً، فاشترى له فرساً بثلاثمائة درهم، وجاء به، وبصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس: فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبدالله، فقال: فرسك خير من ذلك أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة وصاحب الفرس يرضى، وجرير يقول: فرسك خير إلى أن بلغ ثمانمائة درهم فاشتراه بها، فقيل له في ذلك فقال: إني قد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، على النصح لكل مسلم. نحن لا نقول للناس كونوا كهذا الصحابي الجليل، وافعلوا كما فعل، فإن تلك منزلة إيمانية عليا، لا يبلغها إلا من اتبع هدى الله، وزكّى نفسه فأفلحَ، بتوفيقٍ من ربه، ولكن نقول دعوا عنكم الغش والزور، والتزموا جانب الصدق والحق، وقد أنعمت النظر فيما فعله هذا الصحابي رضي الله عنه، وفي زيادته ثمن الفرس مائة فمائة، مرات عديدة، ولماذا لم يزد في ثمنه الزيادة التي تستحقها قيمة الفرس من مرة واحدة؟! فوصَلْت إلى أنه فعل ذلك، ليدخلَ الفرح السرور في نفس صاحب الفرس، في كل مرة يزيد له فيها مائة وأيضاً لكي يعلم القيمة التي يرضى بها الرجل الرضا البالغ، فيقف عندها حينئذٍ، ولا أروع ولا أكرم من هذا الخلق، وهذه الصنيعة، وفي الحديث الشريف:(أحب الأعمال إلى الله عز وجل، سرورٌ تدخله على مسلم)، وفي حديث آخر:(لا يكون المؤمن مؤمناً، حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه).

864

| 19 يوليو 2014

فضيلة الصدق (2)

مما ينبغي أن يعلم، أن الصدق كما يكون في الأقوال، يكون كذلك في الأفعال، المتمثلة في تعامل المسلم مع ربه، وتعامله مع الناس، أما صدقه في معاملته الله تعالى، فيعني إخلاص الدين له سبحانه، بالبعد عما لا يرضاه وعن كل ما حرمه، وجعل النية في عبادته خالصة له، سليمة من الرياء، والقصة الآتية، تبين لنا حقيقة الصدق مع الله، وعاقبته الحميدة، بجلاء وبيان: روي أن رجلاً أعرابياً، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فآمن به ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي بعض أصحابه، وضمه إلى جنده، ثم كانت غزوةٌ انتصر فيها المسلمون وغنموا، فقسّم رسول الله الغنائم على من معه، وأرسل إلى الأعرابي نصيبه، فلما وصل إليه قال: ما هذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(حظك من الغنيمة قَسَمته لك)، قال: يا رسول الله ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن اٌرمى بسهمٍ إلى ههنا- وأشار إلى حلقه بيده- فأموت فأدخل الجنة، فقال رسول الله:(إنْ تصدق الله يصْدُقك)، ثم نهضوا في قتال العدو، وما لبثوا إلا قليلاً حتى جيء بالأعرابي محمولاً، قد أصابه سهمٌ حيث أشار بيده، قال: صدَق اللهَ فصدقَهُ)، وكان جزاؤه، أن كفّنه النبي في جُبته، ثم قدَّمه فصلى عليه، ودعا له بهذا الدعاء المؤثّر:(اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك، فقتل شهيداً، وأنا على ذلك شهيد). هذا هو جزاء الصدق والإخلاص، وهذا هو مصيره المشرّف، الذي استحق أن ينال عليه ذلك الرجل أولاً، حسن ثواب الأولى، بما حفّه به رسول الله عليه الصلاة والسلام، من الإكرام والعناية والدعاء، وثانياً حسن ثواب الآخرة، بما أعده الله له من النعيم في الجنة، قال جل وعلا:(فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم) وقال أيضاً:( من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا). أمّا صدق المسلم في تعامله مع الناس، فهو أن يكون ، على كافة أحواله، لا متخلقاً بالصدق مع الناس قاطبة يفرق بين أحدٍ منهم في صدق تعامله، بحيث يجسد معنى كلمة المؤمن، في أقواله وأفعاله، اللذين يدلان على خلقه، فيظهر أثر معناها في معاملته الناس، ذلك المعنى الذي بينه نبينا عليه الصلاة والسلام، فقال:(المؤمن من أمنه الناس، على أموالهم وأنفسهم)، فلا يبدر منه بحقهم ألبتة، غشٌ ولا خداع، ولا ظلمٌ ولابهتان، ولا مكرٌ وزيف، ولا تزويرٌ وتغرير، وكل مفردةٌ من هذه المفردات، تشمئز منها نفس المؤمن الحق، وتنقبض لها أسارير وجهه، ويبرأ إلى الله منها. فالإسلام يأمر المسلم بأن يكون صادقاً أميناً نزيهاً، مزكياً نفسه بالأخلاق الشريفة الحسنة، متخذاً إياها مبادئ وقيماً، لا يحيد عنها في حياته مطلقاًقيد شعرة، هذه هي دعوة الإسلام، وهذه هي حقيقة الإيمان، لا كما يظن الجاهلون الغافلون، أعاذنا الله منهم، ومن جهلهم، بأن الإسلام مظاهرٌ وأقوالٌوشعارات، أو أنه منحصرٌ فقط في جانب أداء العبادات، يا ويحهم، أولم يقرأوا، قول الله جل وعلا:(لقد مَنَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتابَ والحكمة وإن كانوا من قبلُ لفي ضلالٍ مبين).

530

| 18 يوليو 2014

فضيلة الصدق (1)

من أجلّ الأخلاق الكريمة الحميدة، التي تدل دلالة واضحة على كمال الإيمان، وشرف الإنسان، والجالبة لجميل الثناء، وحسن الإطراء، خلق وفضيلة الصدق، الذي أمر الله به، وحث المؤمنين على التزامه في أنفسهم، وعلى أن يكونوا مع الصادقين في جماعتهم، فقال جل ثناؤه:(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، لأنه لا يقوم في التصور، أن يكون هناك صادق مع جماعة كاذبين، أو أن يكون هناك كاذبٌ مع جماعة صادقين، مما تقتضيه العقول السليمة، والطبائع القويمة، وهذا معنى قوله تعالى:(وكونوا مع الصادقين).وحضّ رسول الله عليه الصلاة والسلام، على الصدق فقال:(عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإنّ البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجلُ يصدُق ويتحرّى الصدق حتى يُكتبَ عند الله صدّيقاً)، فكما ترى في الحديث، من أن الصدق هو الطريق الهادي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة ومن دأب على الصدق، وتوخّاه وعَمَده، كُتب عند الله صدّيقا، والله جل وعلا يقول:(ومن يطع اللهَ والرسولَ فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا).والصدق هو أبرز خلق من أخلاق الأنبياء والصالحين، به عُرف واشتهر نبينا عليه الصلاة والسلام، قبل البعثة، فلقبوه بالصادق الأمين، ونستطيع أن نقول إن الصدق والأمانة هما شيءٌ واحدٌ باسمين مختلفين، إن وُجد الصدق في الإنسان، فلا بد أن توجد فيه الأمانة، والعكس كذلك صحيح، فهما صفتان متلازمتان مرتبطتان معاً، كظهر وبطن الكف الواحدة، وكذلك تماماً الكذب والخيانة.الصدق الذي وصف الله به عباده المؤمنين المتقين، في غير آية، فقال تعالى، ذاكراً جملة من أعظم وأجل صفات المؤمنين:(الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار).الصدق الذي هو دليلٌ على شرف النفس ونزاهتها، وعلى علو مكانتها وكرامتها، وسبيل كل من نَشَد العز والمجد، وملجأ كل من رام الفخر والسُّؤدد، تحض عليه مكارم الشمائل، ويرغّب فيه حب الاشتهار بالفضائل، ويدفع إليه خوف معرّة الرذائل، وهو خلق ثابتٌ راسخٌ في كرام الناس وسادتهم، إذ كل شريف عفيف، يستقبح الكذب، ويبرِّئ منه عِرضه، قال الشاعر:الصدق عزٌ فلا تَعْدل عن الصدقِ واحذر من الكذبِ المذمومِ في الخُلُقِ وقال آخر: عليك بالصدق في كلِّ الأمورِ ولا تكذب فأقبحُ ما يُزري بك الكذبُ روي عن أبي سفيان صخر بن حرب، سيد قريش رضي الله عنه، في حديثه الطويل في قصة هرقل قيصر الروم، وكان أبو سفيان لّما يدخل في الإسلام بعد، ومع ذلك صدق في كل كلمة قالها لهرقل، جواباً عن أسئلته، وقال:(لولا أنّ الحياءَمن أن يأثِروا عليّ كذِباً لكذبْتُ عنه)، كان هذا منه وهو ما زال على الكفر والشرك والعداء للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكن كما قال هو نفسُه:(لولاالحياء)، الحياء الذي يحفظ المرء من السقوط والتسفّل والتردي، وتسلم المروءة وتبقى ببقائه، وكيف لا وقد جاء في الحديث الشريف:(إنّ الحياءَمن الإيمان)، وفي حديثٍ آخر:(الحياءُ كلُّه خير). وكان مما سأله هرقل: فماذا يأمركم؟- أي النبي عليه الصلاة والسلام- قال أبو سفيان: قلت: يقول:(اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً،واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة).

8701

| 17 يوليو 2014

مظاهر الكذب

أمّا مظاهر الكذب المتفشية في الناس فمنها: نقل كل ما يسمع من أحاديثَ وأقاويلَ، والتحدث بها بغير تبصّر وتروّ ونظر، ودون تثبت وتحرّ عن صدق وصحة تلك الأقوال من كذبها وزيفها، وذلك بالرجوع إلى مصدرها إن أمكن، أو عرضها على العقل والواقع لتمحيصها، لكيلا يجعلَ المرء من نفسه بوقاً، لنشر وإذاعة ما يطرق سمعه من أكاذيب وأباطيل، وإلا فإنه سيوصم بصفة الكذب، وتلصق به معرّتها، قال عليه الصلاة والسلام:(كفى بالمرء كذباً، أن يحدث بكل ما سمع)، وقد نعى القرآن، على من كانت هذه حالته، قال تعالى:(إذ تلقَّوْنه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم)، انظر بلاغة قوله تعالى:(تلقونه بألسنتكم)، وليس بآذانكم، آلة حاسة السمع، كأن ليس ثّمَ زمنٌ عند أناسٍ بين تلقي الأخبار بالأذن، ثم التحدث بها باللسان، فبمجرد سماعهم أيّ قولٍ، سرعان ما يبادرون بالتحدث به ونشره، فصاروا بذلك كأنهم تلقوه بألسنتهم بدلاً من آذانهم، لانعدام الوقت عندهم بين تلقي الأخبار، والقول بها، فيكون بثهم لها، بلا حكمة عقلٍ، ولاخشية كذبٍ، وخوف حساب.ومنها، التحدث في ما ليس للمرء فيه علمٌ ولا دراية، فكثيرٌ من الناس، يخوض فيما لا يعلم، ويهرف بما لا يعرف، مدّعياً العلم والمعرفة، وهو ليس فيه غير الجهل والغفلة، وذلك ليُريَ الناس أنه متحدث لبقٌ، ومِنطيقٌ لَسِن، وأنه عالمٌ بكل حال، لا يُعييه جواب سؤال، وما هو إلا ثرثار هذّار، لا تجد عنده إلا الكذب والتدليس والخداع، ومن كان هذا دَيْدَنه، فهو كاذب كاذب، وإن لم يشعر بخزي كذبه، ويا ليته – يرحمه الله - يصمت أو يقول: لا أدري، فإن ذلك خيرٌ له، وكما قيل: (من قال لا أدري فقد أفتى)، وليحذرْ قول الله جل وعلا:(ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم إنّ السمع والبصر كلُّ أولئك كان عنه مسئولا).ومنها، عدم الأمانة في نقل الرواية، والتصرف بها بغير التزام الدقة والنزاهة، إما بزيادة أو نقص، فيختلف من ثم معنى الحديث اختلافاً سافراً، يفضي إلى إحداث مشكلات، وإفساد علاقات.ومن مظاهر الكذب أيضاً، الكذب حين المزاح، من أجل الإضحاك، الشيء الذي يستهين به البعض ويستسهلونه، وهو لا يصدر إلا من مهانة النفس وصِغَرها، ولم يسمعوا بتوعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، لمن فعل ذلك بالويل، جاء في الحديث الشريف :(ويلٌ للذي يحدّث بالحديث ليضحك به القومَ فيكذب، ويلٌ له، ويلٌ له)، وبيّن عليه الصلاة والسلام، ثواب من يدع الكذب مازحاً، في حديثٍ ذكر فيه أيضا ثواب تارك المِراء، وثواب من حَسُن خُلقه:(أنا زعيم ببيتٍ في رَبَض الجنة لمن ترك المراء، وإن كان محقا، وببيتٍ في وسط الجنة، لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيتٍ في أعلى الجنة لمن حسن خُلُقه)، والزعيم: أي الضامن، وربض الجنة: أدناها. وهل هنالك من يريد فوق هذا الجزاء، على ترك صفةٍ، هي في الأصل، تنافي المروءة وكرامة النفس؟.وكذلك منها، الحلف الكاذب، وهذا من أشنع وأفظع مظاهر الكذب عقوبة وجزاءً، الذي يحدث في الغالب عند البائعين، الذين ربما كذبوا عند البيع، من أجل إخفاء عيب، أو ستر نقص، في السلعة، أو كتم حقيقة قيمتها المستحقة، طمعاً في زيادة الكسب، الذي إن تحقق لهم، سيمحق الله بركته، روى البخاري في صحيحه، عن النبي عليه الصلاة والسلام:(ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم) وذكر منهم:(رجلٌ حلف على سلعةٍ لقد أَعْطى بها أكثر مما أَعْطى، وهو كاذب).وقد نزل قول الله تعالى:(إنّ الذين يشترون بعهدِ اللهِ وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاقَ لهم في الآخرة ولا يكلمهم اللهُ ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم)، في رجلٍ أقام سلعةً في السوق فحلفَ بالله: لقد أعطي بها ما لم يعطَ، ليوقع فيها رجلاً من المسلمين.وهذا الجزاء المضاعف، لمن حلف على يمينٍ كاذبة، يكون سواءً لمن اقترفه في بيعٍ، أو في سواه، مما فيه جلب منفعة ونحوها، وإنما خُص البيع بالذكر، لأنه أكثر شيوعاً، ولتبعاته السيئة الناتجة عنه؛ لأن فيه غشا ظاهرا، وإضاعة حقوق، وفقد أمانة.وعلى المؤمن الفَطِن، أن يستشعر دائماً وأبداً قول الله تعالى:(ما يلفظُ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد)، اللهم طهِّر ألسنتنا من الكذب، واجعلنا من الصادقين، الذين يستوي باطنهم مع ظاهرهم.أقول في الختام بحسرة ولوعة:بقِيَ الذين إذا يقولوا يكذبوا ومضى الذين إذا يقولوا يَصدُقوا

19505

| 16 يوليو 2014

لماذا يكذبون ؟

نتحدث الآن عن أسباب الكذب الباعثة عليه، والمؤدية إليه، وعن بعض أكثر مظاهره انتشاراً وشيوعاً بين الناس في هذا الزمان الأخير، الذي صار فيه الكذب عند الكثير، كأنه شيءٌ من ضرورات الحياة، التي لا يستغنى عنها في شرع البشر، أو هو عندهم بمثابة حاجة من الحاجات التي لا يمكن العيش بدونها، كمثل الهواء والطعام والشراب، ولو أمكن تصور عيشهم بدونها، لأمكن تخيل تركهم الكذب والنفاق.أما أسباب الكذب الرئيسة، فمنها بعد نقص الدين، وضعف الإيمان، ضَعة النفس، وسقوط المروءة، وعادات السوء التي ينشأ عليها المرء ويتربى، نتيجة فساد المحيط الأسريّ، فيغدو مع الكذب، كأنهما رضيعا لِبان، وهي أسباب تدل في مجموعها على اللؤم، وسوء الأدب مع الخالق والمخلوقين، وما أحسنَ قول الشاعر الذي جمع معظمها بإيجاز في بيت واحدٍ، وصدق في وصف شناعة الكذب في البيت الثاني، فقال:لا يكذبُ المرُ إلا من مهانته أو عادة السوء أو من قلة الأدبِلبعضُ جيفةِ كلبٍ خير رائحةً من كِذبةِ المرء في جدٍّ وفي لعبِوبقي هناك سببٌ، أرى أنه لا يكاد يسلم من غشيانه واتخاذه إلا القليل، الذين لو أردنا وصفهم بعبارة مقتضبة، لقلنا عنهم: إنهم مهذبو الأخلاق، وما أقلهم وأندرهم، ألا وهو الكذب لجب المنافع، أو لدفع المضار، وهو سببٌ يوحي به التوهم، ويدفع إليه التخوف، ويحمل عليه العجز، وتسبغه الظنون ثياباً من الحق تلبّس بها الباطل، فتغترُّ النفس وتنخدع بما زُيّن لها.لكنّ الذي استقرت في نفسه الحقيقة الثابتة، وأصبحت فيها كالحق المبين، وهي أن الصدق فضلٌ ومَحْمَدةٌ، وأنه من مقتضيات الإيمان، قد حثّ عليه الدين، وبه أمر، كيف له أن يظن مجرد الظن، أن الصدق قد يأتي منه ضُرٌّ وسوء، ومن تقرر عنده أن الكذب خُبْث ومذمة، وأنه من مقتضيات النفاق، الذي شدّد عليه الدين الويل والعقاب، كيف يعتقد أن وراءه نفع وخير.وانظر وتأمل في نصيحة النبي عليه الصلاة والسلام، للحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما:(دع ما يَريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينةٌ، والكذب ريبةٌ).وقد قال حكيم العرب أكثم بن صيفيّ: (الصدق منجاة، والكذب مهواة)، وقال بعض السلف:(عليك بالصدق فما السيف القاطع في كف الرجل الشجاع، بأعز من الصدق، والصدق عزٌّ وإن كان فيه ما تكره، والكذب ذلٌّ وإن كان فيه ما تحب، ومن عُرف بالكذب، اتهم في الصدق)، وقال الشعبيّ:(عليك بالصدق حيث ترى أنه يضرك، فإنه ينفعك، واجتنب الكذب حيث ترى أنه ينفعك فإنه يضرك)، وصدق من قال:(لو لم يترك العاقل الكذب إلا مروءةً، لقد كان حقيقاً بذلك فكيف وفيه المأثم والعار)، وهذا من قولهم قديما: لو لم أترك الكذب تأثماً لتركته تذمماً.واعمل بالقول المأثور:( قل الحق ولو على نفسك، قل الحق ولو كان مرَّا)، وبقول الشاعر:عليك بالصدق ولو أنّه أحرقك الصدقُ بنارِ الوعيدِ

1507

| 15 يوليو 2014

المؤمن لايكذب

أمّا خُلُق الكذب، فهو أكثر خصال النفاق شيوعاً بين الناس، حتى لقد صار لهم عادةً من العادات الجارية على ألسنتهم، واستساغوه حتى باتوا لا يبالون أو لا يشعرون بما يأتون منه، وهذا والله لمن أسوأ المصائب وأشدها؛ لأن مسألة الكذب والصدق، متعلقة بإيمان المرء، قال الله تعالى:( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله)، وحينما سئل رسول الله عليه الصلاة والسلام، أيكون المؤمن كذّاباً؟ قال: لا، وروي عن أبي بكر الصديق، موقوفاً ومرفوعاً، قوله:(إياكم والكذب، فإن الكذب مجانبٌ للإيمان).إذن فالكذب ليس من خلال المؤمن بحالٍ من الأحوال، ولا يتصور أن يصدر منه، ولا أيضاً خلة الخيانة، قال عليه الصلاة والسلام:(يُطبع المؤمن على الخلال كلها، إلا الخيانة والكذب)، ولا غرو أن يجمع رسول الله، بين هاتين الخصلتين في الحديث، الكذب والخيانة، فالجامعة بينهما وثيقةٌ جداً، جاء في الحديث الصحيح:(كبرت خيانةً، أن تحدث أخاك حديثاً، هو لك مصدقٌ، وأنت له كاذب)، فيستفاد من هذا الحديث، أن الكذب صورة من صور الخيانة، بل يعد خيانة كبيرة لا يستهان بها، لقوله عليه الصلاة والسلام:( كبرت خيانةً)، وجزاء صاحب الخيانة، جاء في هذا الحديث الشريف:(المكر والخديعة والخيانة في النار).وأذكر هنا مقولة للتابعيّ معروف الكَرخي، وهي قوله:(ما أكثرَ الصالحين، وما أقل الصادقين)، وقول تابعي آخر هو رفيع أبو العالية، يخاطب أهل زمانه، أهل القرن الثاني، وفي قوله تعبير بليغ عن الحالة المؤسفة لكثيرٍ من الناس، وفيه كل العظة والعبرة لهم، إذ قال:(أنتم أكثر صلاةً وصياماً ممن كان قبلكم، ولكنّ الكذبَ قد جرى على ألسنتكم)، فماذا يقال في أهل زماننا هذا، المقصّرين المفرّطين، بالنسبة إلى ما كان عليه أولئك، في ذلك العصر؟ أظن أنْ ليس أحدٌ يجادل أو يمتري بأننا أقل صلاةً وصياماً منهم، وأن الكذب لا أقول بأنه يجري على ألسنتنا، بل إنه قد طُبع عليها وغدت به رَطِبة، والله المستعان.مع أن الإسلام حذّر من الكذب، ونفّر منه، ونعى على الكاذبين، وأزرى عليهم كذبهم، حتى استحقوا به لعنة الله، قال تعالى:(ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)، كما نهى عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال:(إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجورَ يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب، ويتحرى الكذبَ، حتى يكتب عند الله كذّابا).وفي هذا بيان لشدة حرمته، وسوء عاقبته، لدرجة أنه عليه الصلاة والسلام، نهى عنه، ولو كان في التعامل مع الأطفال، وعده محسوباً من الكذب، الذي يكتب على العبد، وإن ظن هو أنه من باب اللهو واللعب مع الصغير، أو فَعَله من أجل إسكاته والتخلص منه، وحسب أنه لا يُكتَب عليه، وانظر الحديث التالي: عن عبد الله بن عامر قال: دعتني أمي يوماً ورسول الله قاعدٌ في بيتنا، فقالت تعالَ أُعطِك، فقال لها عليه الصلاة والسلام:( ما أردتِ أن تعطينه؟) قالت: أردت أن أعطيه تمراً، فقال لها:( أمَا إنّك لو لم تعطِه شيئاً، كتبت عليك كذبة!). وأكدّ على هذا في حديث آخر فقال عليه الصلاة والسلام:(من قال لصبيٍّ: تعال هاك، ثم لم يعطه فهي كذبة)، فكيف يكون الحال مع من يكذب قاصداً متعمداً ، فيترتب على كذبه، فساد وضرر، وتغرير ومكر، وعواقب وخيمة، تبلغ الآفاق؟ّ!.فالإسلام يريد أن يقطع دابر الكذب، ويستأصل بذوره من نفس المسلم؛ لكيلا يتجذَّرَ فيها، فيعتاد عليه ويرتاض، ويريد أن يتربى الصغار على فضيلة الصدق المحمودة، فيشبون عليه، كما يشبون على الرِّضاع، وتكون تنشئتهم سليمةً من رجس الكذب ودناءته المذمومة، حتى يصيرَ الصدق عندهم قيمة مقدسة، يحرصون عليه، ولا يدعونه بحال.

8270

| 14 يوليو 2014

رذيلة الكذب

من أقبح الأخلاق الرذيلة السيئة، التي لا يُقبل أن تكون في خلق المؤمن على الإطلاق، ولا أن تنطوي نفسه الزكية النقية عليها، خلق ورذيلة الكذب، أبغض خُلُقٍ إلى نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام، فقد روي عن عائشةَ أم المؤمنين رضي الله عنها، في الصحيح:( ما كان من خُلُقٍ أبغضَ إلى رسول الله، من الكذب، ولقد كان الرجل يكذب عنده الكِذْبةَ، فما يزال في نفسه، حتى يعلمَ أنه قد أَحْدثَ فيها توبةً).الكذب الذي هو علامةٌ من علامات النفاق، وخَصلة من خصلاته الذميمة القبيحة، المتعلقة بالسلوك والأفعال، إذ كما يكون النفاق في العقيدة والإيمان، يكون كذلك في الشمائل والأخلاق، وبالنسبة إلى النفاق العقدي، الذي هو معروفٌ من حيث تعريفه بأنه: إظهار الإيمان باللسان، وإبطان غيره بالجَنان، والذي ظهر من المشركين بعد أن قويت شوكة المسلمين، عقب الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، وبعد النصر المبين في غزوة البدر، التي سميت بيوم الفرقان.وقد كان المنافقون آنذاك يمثلون خطراً، ويحدثون ضرراً على المسلمين، قال الله تعالى:(لئن لم ينتهِ المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً)، بل إنهم كانوا أشدَّ خطراً من الأعداء أنفسهم؛ فإن العدو يكون ظاهراً معروفاً، تستطيع أن تأخذ حذرك منه، ويمكنك أن تتقيه، أما المنافق فعدوٌ مستترٌ خفيٌ مجهول، يتخفى تحت رداء الإسلام، ويدّعي النصح والوئام، وهو يكيد ويفسد في جنح الظلام، على ما امتدت له الأيام، يُضعف من قوة عضد المسلمين، من حيث لا يشعرون، لذلك قال الله فيهم:(هم العدوُّ فاحذرهم قاتلهم الله أنَّى يؤفكون)، وقال سبحانه عن جزائهم:( إنَّ المنافقين في الدّرك الأسفلِ من النار).وقد زال خطرهم عن الإسلام، مثلما زالت أسباب النفاق ودوافعه، ولم يعد لهم وجودٌ وتأثير كما كان في السابق، وإن وُجِدوا فليسوا ممن نعبأ بهم، ونقيم لهم وزناً، ولكنّ الذي لا يزال باقياً يؤثر ويفسد فيما بين المسلمين، هو النفاق السلوكيّ، الذي نعاني من رذائل ومفاسد أخلاق أصحابه، وعمّ به البلاء، وطمّ كغثاء السيل، إذ إنه ليس محصوراً في فئة محددة بعينها، كما هو الحال في النفاق العقديّ، بل هو متفش في عموم أكثر الناس، نسأل الله السلامة والعافية.وكل من هذين النفاقين، على درجة واحدة من السوء والقبح والشر، وهما متعلقان ببعضهما البعض، يفضي الواحد منهما للآخر، ويدل عليه، ويكون بسببه، فمن ظنّ أنه يخادع الله في كذب إيمانه، أو كان في إيمانه ضعف ووهن، لا شك أنه يخدع الناس في معاملتهم بسوء أخلاقه، أو أن يَظْهر فيها نتيجة ضعف الإيمان، فالأمر كله راجعٌ إلى صحة الإيمان، فمن صح إيمانه، صح خلقه، وبرئ من نفاق السلوك، ومن اعتل إيمانه، كان فيه شيءٌ من النفاق، بقدر ذلك الضعف الذي في إيمانه.وقد بين لنا رسول الله عليه الصلاة والسلام، علامات وخصلات نفاق السلوك، وهي خمس في مجموعها، جاءت في حديثين وردا في صحيح البخاري، الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال:(آية المنافقِ ثلاثٌ: إذا حدَّث كَذَب، وإذا وعد أخْلَف، وإذا اؤتُمن خان).والحديث الثاني، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خَصلةٌ منهنّ، كانت فيه خَصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كَذَب، وإذا عاهد غَدَر، وإذا خاصم فَجَر).

792

| 13 يوليو 2014

alsharq
العدالة التحفيزية لقانون الموارد البشرية

حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم...

8814

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
مؤتمر صحفي.. بلا صحافة ومسرح بلا جمهور!

المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...

4824

| 13 أكتوبر 2025

alsharq
من فاز؟ ومن انتصر؟

انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...

3759

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
الذاكرة الرقمية القطرية.. بين الأرشفة والذكاء الاصطناعي

في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها...

2400

| 07 أكتوبر 2025

alsharq
تعديلات قانون الموارد البشرية.. الأسرة المحور الرئيسي

في خطوة متقدمة تعكس رؤية قطر نحو التحديث...

2160

| 12 أكتوبر 2025

alsharq
مكافأة السنوات الزائدة.. مطلب للإنصاف

منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر...

1902

| 12 أكتوبر 2025

alsharq
دور قطر التاريخى فى إنهاء حرب غزة

مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،...

1737

| 10 أكتوبر 2025

1719

| 08 أكتوبر 2025

alsharq
بكم نكون.. ولا نكون إلا بكم

لم يكن الإنسان يوماً عنصراً مكمّلاً في معادلة...

1704

| 08 أكتوبر 2025

alsharq
العدالة المناخية بين الثورة الصناعية والثورة الرقمية

في السنوات الأخيرة، تصاعدت التحذيرات الدولية بشأن المخاطر...

1101

| 09 أكتوبر 2025

alsharq
قادة العالم يثمّنون جهود «أمير السلام»

قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....

1029

| 14 أكتوبر 2025

alsharq
هل تعرف حقاً من يصنع سمعة شركتك؟ الجواب قد يفاجئك

حين نسمع كلمة «سمعة الشركة»، يتبادر إلى الأذهان...

960

| 10 أكتوبر 2025

أخبار محلية