رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يسود اعتقاد لدى البعض، بأن المثقف كائن متعالٍ على واقعه، يعيش في برجٍ عاجي بعيد عن تحديات واقعه، وعن هموم أفراد المجتمع اليومية، وأنه دائم التفرغ للقراءة والكتابة والتأمل، لينتج أعماله الإبداعية. غير أن الواقع يدحض هذه الصورة النمطية، والتي إن كانت تجد جذورها في بعض تجارب المشهد الثقافي، غير أنها اليوم لم تعد صالحة لتفسير دور المثقف في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتغير فيه أنماط الحياة على نحو غير مسبوق. والحق أن المثقف في جوهره ليس انعزالياً، فالمعرفة التي ينتجها والوعي الذي يحمله، لا يمكن أن يتحققا إلا في سياق اجتماعي يتفاعل معه ويؤثر فيه، إذ إنه ليس مجرد قارئ للواقع، بل ينبغي أن يكون شريكاً فاعلاً في صناعته، حتى وإن كان ذلك بشكل غير مباشر، فالكلمة والموقف والفعل الثقافي أدوات تأثير لا تقل قوة عن غيرها من الأدوات، مهما كانت مجالاتها. ولقد أثبتت التجارب الحديثة أن المثقف الفاعل هو الذي يمد الجسور بين المعرفة والجمهور، وبين النظرية والممارسة، وكذلك بين القيم والمصالح، وأيضاً هو الذي يترجم رؤيته النقدية إلى مبادرات واقعية، سواء عبر العمل الأكاديمي الميداني، أو المشاركة في النقاشات العامة، أو حتى من خلال الفن والإبداع. لذلك، يمكن القول إن المثقف الذي يكتفي بالعزلة والتأمل، من دون أن يُترجم أفكاره إلى مواقف، يفقد تدريجياً قدرته على التأثير ويحول معرفته إلى ترف ذهني، خاصة أن اللحظة الراهنة، بكل ما تشهده من تحديات، تفرض عليه أن يكون حاضراً إزاء واقعه، مصغياً لواقع أفراد مجتمعه، بقدر ما يتوجه إليهم بإبداعه، بل ومبادراً بقدر ما يحلل وينتقد، ليجسد بذلك أن الوعي ليس قيمة ذاتية فقط، بل هو طاقة تغيير. من هنا، فإنه لا يمكن أن يكتمل دور المثقف إلا إذا كان طرفاً في النقاش العام حول القيم، والسياسات، والعدالة الاجتماعية، والهوية الثقافية، ما يعكس أهمية أن يكون دوره فاعلاً في محيطه، وأيضاً بقدر ما هو مفكر ناقد، وفرد مسؤول في مجتمعه، منطلقاً في ذلك من أن الثقافة قوة للارتقاء الجماعي، وليس مجرد زخرف فكري. وبهذا المعنى، يصبح المثقف الذي يرفض الانعزال نموذجاً لدور جديد يتجاوز التنظير المجرد إلى المشاركة الواعية في بناء المستقبل، الأمر الذي يجعله يقرأ الواقع، ويحلله، ويقترح البدائل، ويعيد للثقافة معناها الأصيل بوصفها أداة لتشكيل وعي المجتمع، لا مجرد رصيد معرفي مغلق. وعلى المثقف أن يدرك أنه لا يمكنه بحال الانفصال عن بيئته، والاكتفاء بإنتاج الأفكار من فراغ، بل عليه أن يسعى لتكون معرفته أداة لفهم الواقع والمشاركة في تطويره، انطلاقاً من أن الثقافة في جوهرها فعل اجتماعي يتغذى من الحوار والتفاعل، ولا يكتمل إلا بالقدرة على الوصول إلى الجمهور والتأثير فيه.
282
| 16 سبتمبر 2025
لا تمثل الجوائز للمبدعين فقط مجرد اعتراف رمزي بجهودهم، بل تعد شهادة تقدير تعزز الثقة بالنفس وتشجعهم على الاستمرار في مسار الإبداع. وحينما تُمنح الجوائز الثقافية للمبدعين، فإنها تشكل لهم دفعة معنوية تبرز قيمة أعمالهم أمام المجتمع، كما توفر لهم منصة للظهور والنقاش مع جمهور أوسع، وتتيح أمامهم فرصاً للتعاون والنشر والتطوير. من هنا، تصبح الجوائز محفزاً للتجديد والابتكار، وتشجيعاً للأجيال الجديدة على اقتفاء أثر المبدعين السابقين، فتتحول بذلك من مجرد تكريم فردي إلى عنصر فعَّال في بناء بيئة ثقافية حيوية ومستدامة. على هذا النحو، تأتي الجوائز الثقافية في قطر، لتكون إشعاعاً للمعرفة، تتجاوز فيه مجرد فعاليات احتفالية تقام في مواسم محددة لتكريم المبدعين، لتصبح ركيزة أساسية في المشروع الثقافي الوطني، وأداة إستراتيجية لتعزيز الهوية الثقافية والانفتاح على العالم. ومن خلال هذه الجوائز، تؤكد قطر أن الثقافة ليست عنصراً مكملاً للحياة العامة، بل محوراً أساسياً في بناء الدولة الحديثة وتعزيز مكانتها العالمية، ما يثري الإبداع في شتى مجالاته، فيحدث وعياً بين أفراد المجتمع. وبالأمس، نشرت ، إطلاق وزارة الثقافة لجائزة «الأخلاق»، مطلع الشهر المقبل، واليوم، تنشر الصحيفة، جائزة كتارا للرواية العربية، وما بينهما، تتابع الجريدة، مسابقات أخرى مثل جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، وجائزة الكتاب العربي، فضلاً عن جائزة «مثايل» للشعر النبطي. كل هذه الجوائز، وغيرها ، تعكس حراكاً ثقافياً، لا يقف عند حدود تكريم المبدعين، بل يتجاوزه إلى مشاريع ثقافية عملاقة، تؤكد تقدير دولة قطر لجهود المبدعين في مختلف حقوق المعرفة والإبداع، ودعم أصحاب الطاقات المبدعة، فضلاً عن إثراء حركة النشر والترجمة والتأليف والدراسات النقدية، ما يجعلها جوائز ذات نماذج يُحتذى بها في مسيرة الإنجاز الثقافي والمعرفي. ولا شك أن مثل هذه الجوائز مجتمعة تسهم في بناء بيئة تنافسية محفزة، تشجع على الابتكار والتميز، وتوفر منصة لاكتشاف المواهب الجديدة، فضلاً عما تمثله من توثيق للإنتاج الأدبي والفني والبحثي من خلال أرشفة أعمال الفائزين، لتشكل رصيداً معرفياً وثقافياً للأجيال القادمة. إضافة إلى ذلك، فإن الجوائز القطرية تعكس التقاء الأصالة بالمعاصرة، فكما تحتفي بالتراث والقيم الوطنية، فإنها في الوقت نفسه تنفتح على القضايا الإنسانية الكبرى. وبهذا المعنى، فإنها لا تكتفي بدعم الأفراد، بل تسهم في صياغة هوية ثقافية معاصرة تستند إلى جذور راسخة وتطلعات مستقبلية. وهنا، تكمن القيمة الأعمق لهذه الجوائز في كونها رسالة حضارية للعالم، والتأكيد على أن الثقافة القطرية، ليست نشاطاً ثانوياً أو مناسبة تقليدية، بل مشروع مستمر لتأصيل المعرفة، ودعم المبدعين، وإبراز مكانة الدولة كمركز إشعاع ثقافي وفكري. من هنا، تصبح الجوائز - مع تزايد الحراك الثقافي الذي تشهده الدوحة عبر المعارض والمهرجانات والفعاليات المختلفة- رافعة حقيقية لترسيخ هذا الدور وتعزيزه، ليكون الاستثمار في المبدع الحقيقي، وفي صورة الدولة الثقافية أمام العالم، علاوة على ما تتيحه الجوائز من فضاءات أوسع للثقافة القطرية، بهدف التفاعل مع محيطها العربي والدولي. وبذلك، يمكن القول إن الجوائز القطرية تحولت إلى ركيزة مؤسسية لصناعة المشهد الثقافي، تجمع بين التحفيز الفردي والبعد الحضاري، وتؤكد أن الثقافة خيار إستراتيجي لا يقل أهمية عن غيرها، ما يمنحها عمقاً إنسانياً وحضارياً.
192
| 20 أغسطس 2025
في ظل تعدد تعريفات الهوية، والحديث عن تنوعها، فإن الغالب والمستقر عليه، أن الهوية هي جوهر الذات، أو الإطار الذي يشير إلى «من نحن»، و«ما الذي يجعلنا مختلفين عن غيرنا»، ما يجعلها مجموعة من العناصر التي تُمنح لأفراد المجتمع، بشكل يعكس تماسكهم، واستمرارهم عبر الزمن، وفق مقومات، تتباين بين اللغة، والتاريخ، إلى غير ذلك. كما أنها، ووفق تعريف مماثل، هى إحساس داخلي بالذات المتفردة بكل ما تحمله من جذور ومعان وتراكمات، ما يخرجها بالتالي عن الإطار التقليدي، بأنها بطاقة تعريف أو شكل خارجي. وفي إطار ما يدور النقاش من وقت لآخر عن تعدد الهويات، فإنه حري بنا التوقف- عبر هذه السطور- عند الهوية الثقافية، والتي تنظر إلى الفرد من زاوية الإنتاج القيمي، بكل ما تحمله القيم من عادات وتقاليد وفنون ولغة وأنماط تفكير، إلى خلافه. وخلال السنوات الأخيرة، نجد المشهد الثقافي القطري يشهد حراكاً لافتاً، يعيد صياغة مفهوم الهوية بأسلوب يراكم التقليدي ويصقلها بالمعاصرة، دون أن يسمح لأحد منهما بابتلاع الآخر، ما يعكس نجاح الثقافة القطرية، في أن تجعل الهوية كياناً ديناميكياً، يتحرك مع المجتمع، ويعيد تعريف نفسه مع كل انفتاح جديد، يعيشه على المستويات الثقافية والفنية المختلفة. وهنا، يتجلى أحد مفاهيم الهوية، وهو مفهوم «الهوية المتحركة»، لتبدو واضحة في المشهد الثقافي القطري، عبر ما نراه من سياسات ثقافية متجذرة، تنتهجها المؤسسات المعنية بالفعل الثقافي، بالتوسع في إنشاء المتاحف، وإقامة المزيد من الصروح الثقافية، وطرح العديد من البرامج والمهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية المختلفة ، اعتماداً على رؤى ثقافية أكثر عمقاً، وإبرازها للمجتمع وللآخر في آن، انطلاقاً من جذور ثقافية راسخة. هذه الحالة تعكس أن الثقافة القطرية الراهنة استطاعت أن تحافظ على الهوية، وتؤكد رسوخها في أوساط أفراد المجتمع، انطلاقاً من مرتكزات ومقومات تعتمد عليها الهوية خصيصاً، على نحو ما سبقت الإشارة إليه، مستندة في ذلك إلى ماضٍ عريق، وانفتاح على الحاضر، واستشراف للمستقبل في آن. لذلك، تمكن الفعل الثقافي في قطر على مدى السنوات الماضية، من خلق بيئة حاضنة لأي منشط ثقافي، دون انغلاق على الداخل، بل تعزيز في الداخل، وانفتاح على الخارج، بتنظيم فعاليات ثقافية عالمية، تجمع بين المثقف المحلي بنظيره الدولي، علاوة على إضفاء البعد العربي والعالمي، على الكثير من الفعاليات الثقافية والتراثية والفنية. وأمام هذا الحضور الثقافي، برز جيل من الفنانين والمبدعين القطريين الشباب، الذين وظفوا عناصر من الذاكرة والتراث، داخل أعمال معاصرة، تجاوزت جانب التجميل، إلى طرح مقاربات نقدية، وصياغىة رؤى جديدة، تؤكد أن الهوية بقدر ما هي وفاء للأصل، فهي أيضاً مشروع مفتوح نحو المعاصرة، لمواكبة الحاضر، وبناء المستقبل.
204
| 06 أغسطس 2025
طرحت هذه الزاوية، خلال الأسبوع الماضي، المعارك أو الاختلافات الثقافية، التي كانت تنشب بين المبدعين في مشهدنا العربي، والتي نأى أصحابها عن الذاتية، فكانت نبراساً لإنتاج فكري وأدبي غزير، أصبح إرثاً لكل الناطقين بالضاد. وعبر السطور التالية، نلتقط رشفة، من رشفات إرثنا العربي، حول الرسائل التي كان المثقفون يتبادلونها بينهم، فكانت تعكس رقياً فكرياً، وإنتاجاً أدبياً، وحواراً نقدياً، يبني ولا يهدم، ما جعلها تشكل نافذة فريدة تطل على عوالم الفكر، والتأمل في قضايا الإنسان والحضارة، فكانت كل رسالة من حوارات المثقفين تفتح أبواباً للنقاش المتجدد، وتشكل فضاءً للتفكير المستقل، بعيداً عن كافة القيود، فضلاً عما كانت تتسم به من جماليات الحوار وروعة الأسلوب، ومنهجية التفكير، وعمق ما تحمله من دلالات ثقافية وفكرية. لذلك شكلت حوارات المبدعين عبر الرسائل المتبادلة بينهم، جسوراً متينة تربط بين العقول، وتبرز رقي الإنتاج الفكري، وتعكس في الوقت نفسه عمق تأملات أصحابها الثقافية والاجتماعية، ما جعلها تفوق الكلمات المكتوبة، إلى مشاريع ثقافية ناجزة. وحينما نتوقف بالمقارنة بين عصرين، فإن عصر ما قبل الاتصال الرقمي، كانت الرسائل المكتوبة أداة للتواصل الرئيسية بين كبار المفكرين والمبدعين والكُتَاب، تتيح لهم التباحث بعمق بعيداً عن ضجيج الحياة العامة. أما اليوم فإن الحال يغني عن كثرة كل ما يُكتب ويُقال، ففي ظل هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحنا نستذكر أهمية العودة إلى فضاءات الحوار الهادئ والبناء، حينما كانت تُصقل الأفكار، لتصبح أكثر عمقاً، بما يعزز من ثقافة التأني والتفكير، ويدفع إلى إنتاج معرفي وفير. ومن أبرز الرسائل الثقافية، التي يمكن استحضارها من إرثنا العربي، تلك المتبادلة بين الأديب نجيب محفوظ والناقد محمد مندور، حينما تبادل الكاتبان رسائل ناقشا فيها قضايا الأدب، والمجتمع، والتحديث، ما أضاف إلى المشهد الثقافي العربي عمقاً وحيوية، لا يقل عن تلك الرسائل بين عميد الأدب العربي طه حسين والأديب توفيق الحكيم، والتي عكست حواراً فكرياً حول قضايا التعليم، والأدب، والتجديد، ما جعلها تشكل نموذجاً للحوار الثقافي الراقي في عالمنا العربي. كما أن الرسائل المتبادلة بين الشاعرين أحمد شوقي وخليل مطران، عكست حوارات حول الشعر العربي، والتراث، وأهمية النهضة الثقافية، بينما أظهرت رسائل الشاعرين سميح القاسم ومحمود درويش، الصداقة الفكرية والسياسية بين اثنين من أبرز شعراء فلسطين، حيث ناقشا قضايا الهوية، والمقاومة، والحرية، ما جعلها شاهدة على عمق ثقافي عريق. مثل هذه الرسائل لم تكن مجرد تبادل للكلمات، أو حوارات ثنائية، بل شكلت وثائق ثقافية بارزة عكست هموم عصرها، ووثقت لحظات تحول فكري وثقافي، ما جعلها منابر للحوار والنقاش، أفضت إثر ذلك إلى إنتاج فكري غزير، ساهم في تطور الفكر الإنساني، فضلاً عن أهميتها في تسليط الضوء على نُبل الحوار الثقافي العربي، لما عززته من أسلوب المثقفين في التواصل، والذي لم يغب عنه الاحترام المتبادل والتفكير النقدي العميق.
135
| 29 يوليو 2025
لم تخلُ الساحة الثقافية العربية يوماً من النقاشات المحتدمة بين كبار مبدعيها، سواء في الشعر أو الفكر أو النقد، أو غيرهم. غير أن ما يميز هذه الاختلافات، على اختلاف حدّتها، أنها كانت امتداداً لحيوية المشهد الثقافي، إذ لم تكن سبباً لعداوات شخصية أو قطيعة كاملة بين أصحابها، إدراكاً من جلّ المثقفين بأن الجدال بين العقول لا يعني بالضرورة افتراق القلوب، بل قد يكون دليلاً على حيوية المشهد، واحترام كل طرف لما يمثله الآخر من مشروع معرفي مستقل. لذلك، كانت اختلافات الكبار تعبيراً عن الاختلاف في سبيل المعرفة، وهو درس لا يزال صالحاً، وربما أكثر إلحاحاً، في زمن تتآكل فيه القدرة على الاختلاف الرصين، وتتعاظم فيه لغة الإقصاء باسم الفكر والإبداع! واللافت أن الاختلاف بين كبار المثقفين، أو بالأحرى جدالهم، على الرغم من حدته، إلا أنه كان بمثابة وقودٍ لحيوية فكرية نادرة، دون أن يكون دافعاً لقطيعة أو إقصاء متبادل. ومن أبرز هذه الاختلافات، تلك التي دارت بين طه حسين وعباس محمود العقاد في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين، حيث اختلف الراحلان جذرياً في الرؤية والمنهج؛ فبينما كان حسين من دعاة المدرسة الكلاسيكية الفرنسية ذات النزعة العقلانية، تمسك العقاد بنزعته التجريبية الذاتية والفردية الصارمة. ورغم هذه الهوة، ظل الاحترام المتبادل حاضراً في كتاباتهما، ولم ينزلق أي منهما إلى مستوى التهجم الشخصي أو التقليل من قيمة الآخر. وفي المشرق العربي، شكلت العلاقة بين ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران نموذجاً دقيقاً لاختلاف الرؤى ضمن رابطة أدبية واحدة، هي «الرابطة القلمية». ورغم صداقتهما الطويلة، لم يتردد نعيمة في نقد بعض ما رأه «نزعة غنوصية مغالية» في أعمال جبران، خاصة في نصوصه الأخيرة، ومع ذلك، ظل يصفه بأنه «أعذب الأرواح التي أعرفها». أما في المغرب العربي، فقد نشب اختلاف فكري شهير بين المفكر محمد عابد الجابري والفيلسوف طه عبد الرحمن حول مناهج قراءة التراث، إذ اتخذ الجابري منحى عقلانياً بنيوياً، بينما سلك عبد الرحمن مساراً أخلاقياً تداولياً، يستلهم الأصول الإسلامية. ورغم أن النقد كان أحياناً قاسياً، فإن ما يُحسب للطرفين أنهما لم يُنزلا اختلافهما إلى مستوى الشخصنة، بل ظلا ينطلقان من التزام معرفي صارم. مثل هذه النماذج وغيرها تؤكد أن الاختلاف بين الكبار لا يقاس بعلو الصوت أو قسوة العبارات، بل بقدرتهم على تحويله إلى فرصة لمساءلة الذات، وتغذية الفكر العربي بجدل ناضج يليق بتاريخهم ومكانتهم. ولعل هذا ما نفتقده اليوم، وهى الحاجة إلى ثقافة الاختلاف النبيل، لا الخصومة العقيمة، لتكون المعارك الفكرية للمثقفين في عالمنا العربي تعبيراً عن اتساع أفق، وإدراك عميق بأن الثقافة الحية لا تنمو إلا عبر التصادم الخلاق بين رؤى متعارضة، ما دامت لا تهوي إلى التبخيس أو الإقصاء في مختلف صوره.
480
| 22 يوليو 2025
ليست الكتابة الأدبية تراكما لغويا أو تأنقا أسلوبيا، بل هي استجابة لفكرة، لوميض أول يُقلق الكاتب قبل أن يُدهش القارئ. كما أن الفكرة ليست مجرد ذريعة للقول، بل النبض الذي يمنح النص حياته، ومبرره، ومجاله الخاص للامتداد والتأويل. قد تنشأ الكتابة من مشهد عابر، أو انفعال لحظي، أو حتى تعثّر لغوي، لكن ما يجعلها أدبا لا سردا عابرا هو تشكّل فكرة تفتح الواقع على احتمالاته الكامنة. لذلك، ليست الفكرة أطروحة جاهزة، بل سؤال مستتر، وقلق خافت، وانحراف مقصود عن المألوف. وفي زمن تتسارع فيه وتيرة النشر، وتغري المنصات الرقمية بالإنجاز الفوري، تصبح الحاجة إلى الفكرة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فغيابها لا يعني انعدام النص، بل حضوره في هيئة لغوية قد تُدهش ظاهريا، لكنها تفتقر إلى العمق والإقناع. وقد تبدو الكتابة حينها كمنشور عابر لا كسؤال ممتد. الفكرة تمنح النص بصيرته، وتمنح الكاتب مسؤوليته الأخلاقية والجمالية، فهي ليست مجرد مضمون، بل شكل للتفكير، وطريقة في الرؤية. ولذلك فإن مستقبل الأدب لا يقاس بعدد النصوص المنشورة، بل بقوة الأسئلة التي تطرحها، وحدّة التوتر الذي تخلقه داخل القارئ. وعليه، لا ينبغي أن يفهم الحديث عن نضوب الأفكار بوصفه نعيًا أو تبكيتًا، بل كفعل تفكيك لمرحلة تشهد تحولا في الذائقة والأسلوب والإيقاع. فالأفكار لا تموت، لكنها أحيانا تتخفى، وتتريث، وتبحث عن زمنها الخاص كي تظهر في لغتها المناسبة. وفي المشهد الأدبي القطري، تبرز ملامح هذا التحول. حيث نرى تجارب سردية تتلمس هويتها، وتخرج عن القوالب، وتغامر بالاقتراب من الذات والهامش والأسئلة الكبرى. صحيح أن هذه المحاولات ما تزال متفاوتة في النضج، لكنها تشي بولادة ممكنة لكتابة لا تكتفي بالتمثيل، بل تسعى للفهم. ولعل أعظم ما تقدمه الفكرة الأدبية أنها لا تمنحنا أجوبة، بل تجرؤ على طرح السؤال، وهذا وحده كافٍ لتبرير وجود الأدب.
183
| 15 يوليو 2025
في ظل التحولات العديدة والمتسارعة التي يشهدها عالم اليوم، وتواكب حرارة الطقس، والذي تعيشه العديد من البلدان، تقف القراءة حصناً منيعاً لتنمية الوعي، لتظل فعلاً جوهرياً، ونافذة يطلّ منها القارئ إلى الذات والآخر في آن. وبالنسبة للمثقف، لا يعدو الصيف مجرد استراحة موسمية، بل فسحة للتأمل، فضلاً عن المساءلة بعيداً عن ضوضاء المواسم الثقافية الصاخبة، ليشكل لحظة لإعادة الاتصال بالقراءة، دون أن يتوقف الحال عند استهلاك المعرفة، ليكتشف المثقف خلال رحلته مع القراءة معارف جديدة، تربطه بشكل أعمق مع جذور الفكر والتاريخ، ومختلف أشكال الإبداع والعلوم. وعادة ما ينظر المثقفون إلى أوقات فراغهم، بنظرة ثقافية، يلوذون فيها إلى الكتاب، ليكون عاصماً لهم في وقت التحولات والتحديات، لتصبح القراءة أولوية لهم، لاسيما وأن الوقت المتاح خلال العطلة يتيح لهم مساحة أرحب للتعمق في كتب مؤجلة، أو العودة إلى أعمال كلاسيكية بعين جديدة. وعادة ما تستحوذ قراءات كتب السير الذاتية على اهتمامات عُشاق القراءة، لاستجلاء تجارب الآخرين في مواجهة التحولات العاصفة التي يشهدها عالم اليوم، بالإضافة إلى كتب الفكر النقدي، فضلاً عن الروايات، التي أصبحت تستحوذ على المشهد الإبداعي، تأليفاً وقراءةً، وكلها كتب تجعل من القراءة ملاذاً لأصحابها، تنتشلهم من ضجيج الواقع إلى عوالم جديدة، لتفتح لهم آفاقاً أكثر رحابة. وهكذا، يتحول الصيف لدى المثقفين من عطلة إلى مختبر للتفكير الهادئ، حيث تُقرأ الكلمة لتُنضج، لا لتُستهلك، وحتى لا تصبح ضجيجاً بلا طحين، لتثمر أشجاراً باسقة، خاصة وأنه ينظر إلى القراءة كتقليد راسخ ينمي الذات، ويثري المعرفة لديه، دون أن تقف عنده كهواية موسمية. وإذا كان ما سبق يخص الفرد المثقف، فإنه على صعيد المؤسسات الثقافية، نجدها في مقاومة لحالة الركود الثقافي بفعاليات وأنشطة، تعكس رغبتها في استمرار التوهج الثقافي، حيث نجد العديد من الجهات القطرية قد أعلنت عن حزمة من الأنشطة والفعاليات الثقافية، التي تناسب طبيعة العُطلة الصيفية، لتخلق منها حراكاً، يقودها إلى استمرار مسيرتها في خلق مجتمع معرفي، يطلق العنان لفضاء الإبداع، والمبادرات. وأمام هذا المناخ، وحضور الفرد المثقف، والدور الفاعل للجهات الثقافية، يصبح المجتمع شريكاً في إنتاج المعرفة، بين ورشة أدبية هنا، ونقاش فكري هناك، ومعرض يستقطب أصحاب الذائقة الفنية، ما يجعلنا أمام مجتمع، يدرك تحديات واقعه. هذا المشهد، حتماً سيؤدي إلى تحقيق التوازن بين واجب المثقف، ودور المؤسسات والجهات الثقافية، في ثنائية تعزز من انتماء الفرد للمجتمع، ليتشارك معه كل ما يقوده إلى كسر صيام المعرفة، ليتحول الطقس بذلك، من صيف ساخن، إلى درب جديد من دروب المعرفة، لفهم الواقع، وصُنع المستقبل.
363
| 08 يوليو 2025
لطالما كان إرث المثقفين ركيزة أساسية في بناء الوعي الوطني وصياغة ملامح الهوية الثقافية لهذا الوطن الطموح، يتجلى أثر المثقف القطري في كل ما نشهده من نهضة فكرية، وإبداع فني، وحراك مجتمعي يستلهم الماضي ليستشرف المستقبل، في بلد يعانق الحداثة دون أن يفرّط في جذوره. ويكتسب إرث المثقفين في قطر قيمته الكبرى بقدرته على أن يكون جسراً بين الأجيال، ومصدر إلهام لشباب الوطن، وهو ما يستدعي من الجميع، العمل على صونه وتفعيله، وترسيخه في وجدان المجتمع، بما يحقق ضمانة لمستقبل ثقافي أكثر إشراقاً، وبالشكل الذي يعبر في الوقت نفسه، عن الخصوصية الثقافية، وينفتح على إنسانية الفكر العالمي. لذلك، يمكن القول إن إرث المثقف القطري ليس مجرد إنتاج معرفي من مقالات أو دواوين شعرية أو أعمال روائية، فحسب، بل هو منظومة متكاملة من القيم والرؤى التي أرست قواعدها أسماء رائدة، من مثقفين وفنانين، مازالت بصماتهم واضحة للعيان، خلاف من رحلوا عن دنيانا، وكان لهم نصيب أيضاً من بصمات ستسجل في مسيرة الوطن الفكرية، ما يجعلها تسهم في بلورة خطاب ثقافي يعزز الهوية الوطنية، ويصون الماضي التليد. ومن بين هذا الإرث، ما خلفه الفنان محمد أبوجسوم، والذي ترجل عن صهوة الإبداع من أيام قليلة، بعد مسيرة استثنائية امتدت لعقود، صاغ خلالها ذاكرة فنية وثقافية وإعلامية بارزة، ستظل محفورة في تاريخ الفن القطري. لقد كان الفنان الراحل، بأعماله الرائدة في الإذاعة والتلفزيون والمسرح، أكثر من مجرد فنان، فقد كان شاهداً على تحولات المجتمع، وصوتاً يعكس تطلعات المجتمع وآمال أفراده، إذ جسّدت أعماله، ملامح الواقع القطري بصدق وعمق، ونقلت صورة صادقة عن بيئة الخليج بقيمها وتحدياتها، مما جعلها تتجاوز حدود الترفيه لتصبح جزءاً من الإرث الثقافي الجمعي. إن إرث أبوجسوم وغيره من المثقفين والفنانين، لا يُقاس بعدد الأعمال التي قدموها، بل بما رسّخوه من وعي عام، يعزز الانتماء، ويصون الموروث، ويدعم الهوية الوطنية، انطلاقاً من إيمانهم بدور الثقافة والفنون، في أن تكون جسراً متيناً، يربط الماضي بالحاضر، للنهوض بالمستقبل. لقد ظل الراحل وفياً لفنه، ومتمسكاً بأن المسرح والدراما رسالة، ونحن اليوم نرثي غيابه، ندرك أن ما خلّفه من أعمال ومواقف سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة، ونتذكر في هذا السياق، حرصه الدائم على زيارة الشرق، لتكون نافذته إلى المتلقي، في تأكيد واضح على أهمية تلك الرسالة، وأن تصل إلى أكبر قدر من شرائح المجتمع المختلفة.
288
| 24 يونيو 2025
مع اقتراب دخول العدوان على غزة، عامه الثاني، فإن الأشقاء في القطاع، ما زالوا يواجهون حملة إبادة بكل ما يعنيه الوصف من معنى، تكاد تكون هي الأبشع في التاريخ الحديث، حينما يتعمد الاحتلال استهداف الإنسان كفكرة ووجود، واجتثاث ذاكرته الجماعية، ومحو ملامحه الوطنية، وطمس هويته الثقافية، وتزييف جذوره التراثية. ولا تزال حملة الإبادة تكشف يوماً بعد الآخر، تصدع الضمير الإنساني، وانكشاف النخب الثقافية، بعدما أضحت القضية الفلسطينية مسألة إنسانية، تضاف في جوهرها إلى أبعادها المتعددة، ما يجعل المثقف اليوم يقف على محك أمام مسؤولية جديدة، تاريخية في الوقت نفسه، ليصبح أمام سؤال الحق والكرامة، وأنه ليس من ينتج خطاباً تجميلياً أو سياقاً لغوياً حول القضية بمختلف أركانها، بل هو من يقدر على تفكيك بنية ما تتعرض له، وفي القلب منها الإنسان. وفي هذا السياق، فإن دور المثقف في هذه اللحظة الآنية ينبغي أن يتجاوز دوره التوثيق والتضامن الرمزي، ليصبح دوره كاشفاً لآلة التدمير والقتل، بكل ما تسعى إليه من إبادة للإنسان، وتزييف للحقيقة، ونشر للبهتان، والذي تسعى إليه آلة إعلامية أخرى، تعاضد نظيرتها الحربية، الأمر الذي يجعلنا في لحظة مفصلية، لا حياد فيها، ولا منطقة رمادية يمكن أن تتوسطها، بل إما أن يكون المثقف مع الإنسان، أو مع إبادته!. وفي ترجمة واضحة، لدور المثقف، وتحرك ضميره، تجاه ما يجري، فقد لمسنا تفاعلاً لافتاً تجاه القضية الفلسطينية في الآونة الأخيرة، من جانب المؤسسات والجهات الثقافية المختلفة في قطر، بتنظيم معارض تشكيلية، وإصدار كتب، وتنظيم فعاليات عدة، تستحضر الذاكرة الفلسطينية، فضلاً عن ذلك الحضور اللافت للمشهد الثقافي في فلسطين، عبر معرض الدوحة الدولي للكتاب، في نسخته المنقضية، وليس هذا بغريب على الثقافة القطرية التي تقف دائماً داعمة ومؤيدة لكل ما هو حق وعدل وإنساني. اللافت في هذا التفاعل المؤسساتي لدعم الأشقاء في غزة، ذلك التفاعل من جانب المثقفين القطريين أنفسهم ، وتحويله إلى واقع ملموس، على نحو ما صدر عنهم من مؤلفات، ترصد وتوثق حملة الإبادة بلغة ثقافية، من أمثال د. زكية مال الله العيسى، وإعدادها لديوان «نداء الزيتون»، والذي يضم قرابة 22 قصيدة، لدعم فلسطين و4 قصائد لدعم لبنان، فضلاً عن الأكاديمي والروائي د. أحمد عبدالملك، وإصداره لكتاب «عذابات غزة»، وما أعقبه من توظيف ما حمله الكتاب من قصص قصيرة جداً إلى معرض يحمل عنوان «نوافذ من غزة». مثل هذا التفاعل، يعكس مكامن قوة لغة المثقفين، وأن ضمائرهم الحية، وهى تخوض معركة الوعي، يمكنها أن تعري آلة القتل، فتكشف زيف الحياد، ما يجعلها تتمسك بالعدالة، وليس بوهم التوازن، منعاً للسقوط من نوافذ غزة، والتي تثبت كل يوم أنها عصية على الاختراق، أو السقوط.
1002
| 11 يونيو 2025
في حياة الشعوب والأمم ذكريات وأيام لا تنسى، لا يمكن أن يواريها الزمن، أو يطويها النسيان، خاصة إذا ارتبطت هذه الأيام، وتلك الذكريات بمواقف ناصعة البياض، يشار إليها بالبنان. وفي هذه الأيام، تعيش دولة قطر أجواء وطنية بامتياز، يستحضر فيها جميع أبناء الوطن، تضحيات وبطولات تعكس القيم الأصيلة التي يتمتع به الشعب القطري الأصيل، والتي تمتد جذورها إلى بدايات التأسيس، وبكل ما تبعها من مراحل للتطور. وفي هذه الأجواء، يبدو حضور فاعل للمشهد الثقافي، انطلاقاً من تطور هذا المشهد، الذي يبدو جلياً في مختلف مجالاته، لاسيما مواكبته لمحيطه المجتمعي، انطلاقاً من أن المثقف لا يعيش منكفئاً على ذاته، بل جزءاً أصيلاً وفاعلاً في واقعه، ومجريات محيطه، يلامس ما يجري، وسباقاً في توثيق ما يدور بكل ما يحمله الإبداع من معان. وتأسيساً على ما سبق، فإن الناظر للمشهد الثقافي اليوم، يراه يشهد حراكاً لافتاً في تلك الأجواء الوطنية، يلخصه مشهد درب الساعي، بكل ما يشهده من فعاليات ثقافية وتراثية وفنية، تستحضر سير الأولين، بكل ما تحمه من عراقة وأصالة، تجعلها زاداً لمواصلة العطاء والبناء والازدهار. وغير بعيد عن هذا المشهد، يبدو الصرح الثقافي العريق، المتمثل في المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) متوهجاً كعادته بكل ما يحمله التراث الأصيل من كنوز ونفائس، عبر فعاليات ثقافية وتراثية متنوعة، تنبض بروح وطنية وثابة، وتعكس قيماً تراثية زاخرة. وفي القلب من هذا الحضور، تأتي متاحف قطر، لتطلق معرضها «مال لوّل»، في نسخته الرابعة، لتبرز من خلاله مدى تنوع الموروث القطري، ليرافق سلسلة معارضها، التي تعزز من خلالها عراقة الإرث القطري الأصيل، وتنفتح منها على إبداعات فنية عالمية. وخلاف كل هذه الفعاليات، يبدو المشهد الثقافي والتراثي والفني في العديد من المؤسسات المعنية بالفعل الثقافي متوهجاً، ومتفاعلاً مع محطيه، بكل ما يشهده من أجواء وطنية، بالشكل الذي يعكس مدى التفاعل الثقافي اللافت مع محيطه المجتمعي. وأمام كل هذا الحراك الثقافي في تلك الأجواء، يسجل المثقفون حضورهم في هذه المناسبة الوطنية، العزيزة على قلوب جميع من يعيش على هذه الأرض الطيبة، عبر نافذة يومية تتيحها "الشرق" لجميع أبناء الوطن، يعبرون من خلالها عن اعتزازهم بالوطن، انتماءً وولاءً، في تكامل مماثل للمشهد الثقافي، بكل ما يشهده من تنوع وثراء.
1227
| 17 ديسمبر 2024
دائمًا لا تراوح المبادرات مكانها، إذ لا تقتصر على صاحبها، أو الجهة الداعية لها، بل تتجاوزهما لتكون بمثابة خدمة مجتمعية، يستفيد منها المجتمع، فضلاً عن أفراده، كل في نطاقه. من هنا تأتي أهمية طرح المبادرات، كونها تعكس وعيًا من صاحبها، علاوة على ما تعكسه أيضًا من رقي المجتمعات التي تنطلق منها هذه المبادرات، وهي حالة تنطبق على المشهد الثقافي القطري، الذي استطاع أن يقدم عبر أفراده ومؤسساته الثقافية العديد من المبادرات الناجحة، التي لامست الواقع الثقافي، فضلاً عن تطلعات أفراد المجتمع في أن تكون لهم بصماتهم في مجال الثقافة، الأمر الذي يجعل هذا المشهد رائدًا في مبادراته وأطروحاته. وبالإسقاط على الواقع الراهن، نلاحظ أن الفترة الأخيرة شهد فيها المشهد الثقافي حراكًا لافتًا في مختلف مجالاته، سواء كان ذلك بإقامة معرض الدوحة الدولي للكتاب، أو ما أعقبه من مهرجان الدوحة المسرحي، وما بينهما من زخم في تنظيم معارض الفن التشكيلي، وأمسيات أدبية، ما جعلنا أمام مشهد ثقافي يمكن البناء عليه، مع حلول فصل الصيف، بكل ما يواجهه من تحديات. غير أنه مع تلك المبادرات التي تم الإعلان عنها مؤخرًا من قبل المراكز الثقافية والشبابية، فإننا نصبح أمام فعل ثقافي وشبابي مرتقب ربما لا يرقى في مستواه إلى ما كان عليه في السابق، غير أن واقع الحال يقول إننا سنصبح أمام حراك ما، وإن تفاوتت درجاته، فإن تأثيره لا ينبغي أن يذهب سُدى، بحيث يواكب ما تم إنجازه من حراك ثقافي خلال الفترة الماضية، استحق على إثره أن يكون المشهد الثقافي القطري وجهة للمبدعين في دول الخليج والوطن العربي. وفي هذا السياق، فإنه استمرارًا لحالة الزخم الثقافي، والمبادرات التي شهدها المشهد الثقافي خلال الفترة الماضية، نصبح أمام ضرورة ملحة، وهي طرح مبادرات صيفية لاستمرار توهج هذا المشهد، ولا أقل في ذلك من أن يكون تركيزها على تعزيز حالة الوعي بأهمية القراءة، والحث عليها، والبحث في الوسائل الكفيلة، التي تخلق مجتمعًا قارئًا، مواكبًا لواقعه، وقادرًا على فهم طبيعة ما يواجهه من تحديات. وبالمؤكد، فإنه في إطار ما تأسس من فعل ثقافي، وحراك فاعل، فإن الوصول لهذا الهدف، ليس بالأمر العسير، خاصة وأن هناك مبادرات صيفية تم الإعلان عنها، يمكن بلورتها، لتحقق الغاية الأساسية منها، وهي استقطاب الجمهور إلى المنشط الثقافي ذاته، عبر وسائل يمكن أن يتسع نطاقها، ولنا في ذلك أسوة بتلك الفعاليات التي يجري تنظيمها من حين لآخر، ويبدو في عمقها ذلك الهدف، وإن بدا ظاهرها الطابع الترفيهي.
813
| 25 يونيو 2024
تتجه أنظار الناشرين العرب والأجانب غداً إلى الدوحة، حيث إقامة معرضها الدولي للكتاب في دورته الثالثة والثلاثين، ومعهم بالطبع جمهور القراءة، من متذوقي المعرفة، وعُشّاق الثقافة، وهو الجمهور الذي يتنافس عليه الجميع لاستقطابه، والوصول إلى عقله، وملامسة وعيه. وكما أتحفنا معرض الدوحة للكتاب في دورته المنقضية بعرض مكتبات شارع المتنبي في بغداد، وجلب صروحه لأول مرة، لتنتقل من موقعها إلى خارج العراق، فإن المعرض سيجعل رواده خلال الدورة المرتقبة أمام مكتبات أخرى تاريخية، تغادر موقعها لأول مرة في تاريخها منذ أن وُجدت فيه منذ قرابة مائة عام. هذه المنافذ هي مكتبات سور الأزبكية الشهير في القاهرة، المعروف بتاريخه العريق، عندما أُقيمت في بادئ الأمر كسوق لعرض الكتب على سور حديقة الأزبكية، ومنها اشتق السور اسمه، الذي أصبح يلازمه، فلا يبحث متلق عن كتاب، إلا ويجده بين جدران هذه المكتبات. موقعه الفريد بالقرب من وسط القاهرة، ووقوعه بجوار مسارح تاريخية ومقاه ثقافية ومبان معمارية، جعل سوق الأزبكية وجهة للباحثين عن زاد المعرفة والثقافة، حيث عُرف السوق بعرضه لنفائس الكتب في مختلف المجالات والاتجاهات، بأسعار مخفضة، ما جعله وجهة لجميع شرائح المجتمع، بمن فيهم رموز الثقافة والإبداع، الذين زاروه، ونهلوا من معين إبداعه، فضلًا عن كتاباتهم عنه. اللافت في بائعي السوق أنهم يعرفون اتجاهات القراء، ما دفعهم إلى توفير كل ما يحتاجونه دون طلب أو تأخير، الأمر الذي جعله ملاذًا لكل الباحثين عن المعرفة، والراغبين في الحصول على رشفة إبداعية، مما يوفره لهم السوق ومكتباته من كتب ودوريات. وعلى الرغم من كل التحولات والتطورات التي شهدها موقع السوق، إلا أنه ظل محافظًا على وجوده وأهميته، ليأتي معرض الدوحة للكتاب لينقله إلى جمهوره، ليسد بذلك جوعى القراءة، وظمأى المعرفة، وهو دور ليس بغريب على معرض الدوحة للكتاب، بكل ما يكتسبه من تاريخ وعراقة. وما بين شارع المتنبي وسور الأزبكية وغيرهما، يثبت معرض الدوحة الدولي للكتاب أنه سوق عريق لعرض الكتب، بكل ما تضمه من حقول ثقافية ومعرفية، فضلاً عن فعالياته المصاحبة، والتي تجعل هدفها أيضاً الترويج للكتاب، ومن ثم اقتناء الباحثين له، ما يعزز الوعي بين أفراد المجتمع، ويشيع بينهم التنوير، وينمي لديهم ملكة الموهبة.
978
| 08 مايو 2024
مساحة إعلانية
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو...
4038
| 25 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...
3579
| 29 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن...
3522
| 26 سبتمبر 2025
تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات المسلحة تحديات متعددة،...
1482
| 26 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...
1224
| 28 سبتمبر 2025
أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...
1170
| 28 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...
1158
| 29 سبتمبر 2025
يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودا ويخططون لاغتيال...
1047
| 24 سبتمبر 2025
من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...
1032
| 29 سبتمبر 2025
في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير...
936
| 23 سبتمبر 2025
صاحب السمو أمام الأمم المتحدةخطـــــاب الثبـــــات علــى الحــــــق.....
903
| 24 سبتمبر 2025
تعكس الأجندة الحافلة بالنشاط المكثف لوفد دولة قطر...
825
| 25 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية