رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

طه عبدالرحمن

مساحة إعلانية

مقالات

183

طه عبدالرحمن

أهمية الفكرة الأدبية

15 يوليو 2025 , 04:56ص

ليست الكتابة الأدبية تراكما لغويا أو تأنقا أسلوبيا، بل هي استجابة لفكرة، لوميض أول يُقلق الكاتب قبل أن يُدهش القارئ. 

كما أن  الفكرة ليست مجرد ذريعة للقول، بل النبض الذي يمنح النص حياته، ومبرره، ومجاله الخاص للامتداد والتأويل. قد تنشأ الكتابة من مشهد عابر، أو انفعال لحظي، أو حتى تعثّر لغوي، لكن ما يجعلها أدبا لا سردا عابرا هو تشكّل فكرة تفتح الواقع على احتمالاته الكامنة. لذلك، ليست الفكرة أطروحة جاهزة، بل سؤال مستتر، وقلق خافت، وانحراف مقصود عن المألوف.

وفي زمن تتسارع فيه وتيرة النشر، وتغري المنصات الرقمية بالإنجاز الفوري، تصبح الحاجة إلى الفكرة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. فغيابها لا يعني انعدام النص، بل حضوره في هيئة لغوية قد تُدهش ظاهريا، لكنها تفتقر إلى العمق والإقناع. وقد تبدو الكتابة حينها كمنشور عابر لا كسؤال ممتد.

الفكرة تمنح النص بصيرته، وتمنح الكاتب مسؤوليته الأخلاقية والجمالية، فهي ليست مجرد مضمون، بل شكل للتفكير، وطريقة في الرؤية.  ولذلك فإن مستقبل الأدب لا يقاس بعدد النصوص المنشورة، بل بقوة الأسئلة التي تطرحها، وحدّة التوتر الذي تخلقه داخل القارئ. وعليه، لا ينبغي أن يفهم الحديث عن نضوب الأفكار بوصفه نعيًا أو تبكيتًا، بل كفعل تفكيك لمرحلة تشهد تحولا في الذائقة والأسلوب والإيقاع. فالأفكار لا تموت، لكنها أحيانا تتخفى، وتتريث، وتبحث عن زمنها الخاص كي تظهر في لغتها المناسبة.

وفي المشهد الأدبي القطري، تبرز ملامح هذا التحول. حيث نرى تجارب سردية تتلمس هويتها، وتخرج عن القوالب، وتغامر بالاقتراب من الذات والهامش والأسئلة الكبرى. 

صحيح أن هذه المحاولات ما تزال متفاوتة في النضج، لكنها تشي بولادة ممكنة لكتابة لا تكتفي بالتمثيل، بل تسعى للفهم.

ولعل أعظم ما تقدمه الفكرة الأدبية أنها لا تمنحنا أجوبة، بل تجرؤ على طرح السؤال، وهذا وحده كافٍ لتبرير وجود الأدب.

مساحة إعلانية