رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ترياقٌ بعد الانكسار !

ما أسهل على المرء أن ينحدر إلى مهاوى الردى، وجل الاضطرابات الوجدانية والعقلية إن لم يحفظ لنفسه قدرها. فمدار الأمن الداخلي لدى الإنسان يبدأ من إدراكه أنه كائنٌ مُكرّم، عالي الشأن وإن سقط، عزيزٌ عند ربه وإن انحرف، مُقدّر القيمة وإن أخطأ، مقبول حتى بنقصه وعيوبه. وهذا الإدراك الجليل بالقيمة الذاتية ليس وهماً متخيلاً، أو حجة مكذوبة، تهدهد المخاوف الدفينة، وتدفع الإنسان إلى وهم مضلل، بل هو إدراكٌ نقيّ، يحاكي روعة وجوده، وتكريمه من خالقه، مهما بلغ في عين نفسه، وفي عين غيره نقص جدارته!. وهذا الفهم يُعين المرء على إقامة نفسه مقامها، وإلى الانفتاح على اليسر بعد العسر، ودلف أبوابٍ لم تكن لتُفتح له عندما كان يظن أن شأنه متضائل الصغر. ومما يُحتّم الوصول إلى ذاك المقام، التيقّن القلبي بأنه إنسان جيّد، وأن جوهره صافٍ، وأنه يستحق من الإكرام بما تكرّم الباري عليه، وما فتح له من أبواب الفرص للتعلّم من خلال السقوط والقيام من جديد كطبيعة في فطرة خلقه لا شأن طارئاً على وجوده وقد يواجه المرء في رحلته الإدراكية تلك، ما قد يزعزعها، فهو يموج في لجة عميقة من الأفكار والتصورات والأحكام المجتمعية التي بنت لنفسها صُرحا عتيقة من المفاهيم والأحكام التي تنبذه بسهولة إن لم يكن وفق معاييرها الصارمة، في الشكل والجوهر، والمثالية دون الخطأ، فلا يلبث أن يعاني مع ذلك كله سباحته ضد تيار متعاظم، يؤكد سلبه مكانته دون شروط، وتذكره بخطئه دون داعٍ، وتُذنبّه وتقصيه مع أصغر خطأ يسقط به. فهو مرفوض إن اجترح، ومنبوذ إن اقترف، أو تكالبت عليه النقائص، لابد أن يمتثل لشروط الجمع وإن بدت مستحيلة أو قاسية! وهذا مما يُعظـّم الأثر عليه، ويجعله يدور في ساقية الرفض والألم، و تعذّر بناء القناعة الذاتية بالقيمة، والشعور الداخلي بالتكريم. فإن أدرك المرء تلك الفخاخ، وأنه صورة من صور الانسلاخ، نجا بنفسه من براثن داخله وقوانين مجتمعه الجائرة، ونظر بعين الفاحص الصادق إلى علوّ منزلته عند خالقه ومولاه، وتساقطت أمامه أقنعة الزيف، وأدرك أن حقّه محفوظ من الإكرام، والإذن بالوجود من الواجد جل في علاه. فلا يلبث أن تلم نفسها شعثها، وتصطف في ذاته قيمها وأولوياتها، فلا يغتر بالزيف وإن عظُم، ولا ينخدع بالإفك وإن كانت جذوره ممتدة. فلا أدنى بعد ذاك كله من أن يصل إلى ترياقه بعد كل انكسار، وأن يُحلّق بعد كل سقوط، وأن يتعافى بعد كل ألم. لحظة إدراك: ليس أشق على المرء من قيود يُكلبّ بها نفسه، من التصورات والأحكام وكاذب الشعور، وما أن يجرؤ على فك قيده حتى يُحلّق في سماوات التكريم، ويُعمّر بنيانه قصوراً شاهقة على أراضٍ صلبة لا تتزلزل، لأنه استند إلى نور حقيقته ولم يُضلل بظلام قشوره.

441

| 15 أبريل 2025

ليست كل نفسٍ ذائقة الحياة!

من أجل الإدراكات أن نعي أن النضج ليس حصاد أعوامٍ تراكمت على تقاويمِ العمر، ولا عدّا للحظات تسابقت للرصد في تاريخ الحياة، بل هو نبوغُ الروحِ حين تعبرُ صمتَ التجارب وتخرجُ منها بوميض الإدراك الحقّ، والمعرفة البيّنة. فنحن لا نكبُر بتوالي تكرارات إشراقات الشمس على ملامحنا، ولا نشيخ بتتابع أفول الليالي على أحلامنا، بل نُعمّر لأننا نعيش انهزامات تترك فينا ندوباً ناطقة، وجروحاً نازفة، ونسجد في محاريب الألم حتى يُورق فينا وعيٌ لم يولد بعد في قلوب الغافلين، فكل سقطةٍ تعلمنا كيف ننهضُ بكرامة، وكل خسارةٍ هي مهد بصيرةٍ جديدة، وفطنة مُبتكرة. نحن نعيش حقاً عندما نعاصر اللحظات بحلوها ومرها، ونورق فعلاً مع توالي دهشاتنا التي تكاد تنطق حيرتنا، ونركب موجة الفرح تارةً، ونسقط في غياهب الألم تارات أخرى.. فنكون أبناء التجربة، لا أبناء الرفاه ! ومَن لم يذق مرارة السقوط، وينغمس في حلو الحياة ومرها لن يتعلم لذة الصعود، فالنضج ليس صنيعة الأزمان، ولا نتاج تكرار الأيام، بل هو فوز من يشتبكون مع الحياة، ويتفاعلون مع أحداثها، ممن يتلوثون بترابها، ويتطهرون بالحكمة التي تهطل بعد العواصف. النضجُ ليس وقارَ الشعرِ الأبيض، والفوز بعدد الأيام، مقابل خواء اللحظات، ورتابة الأحداث، بل هو إشراقُ البصيرة حين تخفت ضوضاء الدنيا، وتسمع النفسُ صوتها أخيراً. فلا أصدق من وصيةٍ تُنبئنا أن نمشي في دروب التجربة، ونملأ راحتينا من ندى الانكسار، ونغوص في أغوار عذب الشعور، فالحياة لم تُوجد لتُعاش بلُطفٍ فحسب، ولا لنتنعم بسعد أوقاتها ووفرة عطاءاتها فقط، بل خُلقت الحياة لتُحتضن بشغف، حتى وإن نزفت منها الأرواح، وعلت منها الآهات ! * لحظة إدراك: الحياة لم تُخلق لتكون مجرد مرور هادئ، ووجود ساكن محدود، بل مساحة نُمنح فيها حرية التجرِبة والتشكُّل، هي ساحة غنية بالتجارب التي تصقل أرواحنا لنُجرّب، نخطئ، نندهش، ونتحوّل. فأن تعيش لا يعني أن تكتفي بالبقاء على قيد الحياة، أو أن تتجنب التجربة، بل أن تخوض غمارها وتعبر من خلالها. كما قيل: (واعلم أن كل نفسٍ ذائقة الموت، ولكن ليست كل نفسٍ ذائقة الحياة). ‏[email protected] إنستغرام:‏Khawlalbu3inain@

1482

| 08 أبريل 2025

مواعيد العيد !

ما العيد إلا (عودٌ) لمواعيدٍ من نور تتحّرق الأرواح لها شوقاً: فموعدٌ مع الفرح.. بهجة تتجلّى تملأ الدُنيا أُنساً وانشراحاً وتفيض بشراً وسروراً، أغانيه قهقهات الأطفال، وأهازيجه ضحكات الغوالي. وموعدٌ مع الحُسن.. جمال الأرواح، وروعة النفوس الطيبة، ورونق الأردية، ونضارة الوجوه، وبهاء التباريك. وموعدٌ مع السلام.. عفو القلوب، وصفاء الخواطر، ونقاء المُهج.. وطهارة الألسن التي تلهج بصادق الأماني، وطيب التهاني.. موعدٌ لفض المنازعات وصُلح الأعزاء، وطمأنينة السرائر. وموعدٌ مع اللذة.. متعة لقاء الأحبّة، وقرار العين بالغوالي، وتلذذ المُهج بوصل الأهل والأصدقاء، والترّنم بحلو الكلام وشهيّ الطعام. مواعيدٌ تتألق برحابة القلوب، وصفاء الوجدان، والعودة إلى الأنس والمسرّة، حتى تتعاظم الأفراح في الصدور، ويكون للمرء من حياته عودٌ دائم لأبواب الغبطة والسرور، في شكلها الفريد الذي يعم كل الأفئدة، فلا يغدو الإنسان بعدها إلا وقد ارتاح باله، وسلى خاطره وشارك الأحباب والأغراب من الناس فرحة لا تُسلى، وبهجة لا تُنسى. ولعل ما يميّز تلك المواعيد النورانية كونها معززة للتآخي، منتشرةً في أثرها ومشاركتها، وأنها كذلك تأتي كمكافأة بعد طول الصيام، وتغيّر ما اعتاد عليه المرء من الحال، وكأنها تذكرة له بأن أبواب التغيير مفتوحة على مصراعيها، يدلف إليها من أبواب المجاهدة والفرح، والصيام والفطر، والتعبّد والابتهاج، فلا يغدو الإنسان بعد ذلك إلا فرحاً بما آتاه الله من فضله، محتفلاً ببداية جديدة، ومتفائلاً بالآتي الحديث. لحظة إدراك: العيد يُمن أبهى، وسعدٌ موّشى، ومسرات متوالية، وأفراحٌ قائمة، وبركاتٌ من الكريم تأتي مزدانة بالرضا والكرامة، ومرقومة بطيب الحال والخير الوفير.

378

| 01 أبريل 2025

طمأنينتك ليست كمينا!

لعل من أمكر ما قد يوقع فيه المرء نفسه من الأفخاخ هو أن يدمن الحذر، و يتآلف مع القلق، ويتآخى مع الخوف. وفي ظنه أن ذلك من موجبات الجد والالتزام، أو ربما من عواقب المسؤوليات ومواجهة التحديات. وهو في ديدنه ذاك قد غفل ربما عما يفوته من السكينة وراحة البال، ومتعة الأُنس والمسرات، لأنه أدمن انشغال البال وتكدّر الخاطر كأسلوب للحياة، ومنظور للإدراك، فلا يغدو سوى حبيس الظنون، تتلقفه الأفكار، وتعيث في جنبات فكره تشويشاً واضطراباً. فلا يلقى من ذلك مآلاً إلا هموم النفس، وانزعاجا دائما، لأنه يتعامل مع الحياة بعقلية النجاة، فهو في حرب لا تتوقف مع عقله ووجدانه. وعساه يبرر ذلك أنه من تمام الاستعداد، وكمال الجاهزية لمواجهة خطوب الحياة، وكأنه في حرب لا تفتأ، ومعركة لا تتوقف، بين كر وفر، يعد لها العدة من ذخيرة عقله ووجدانه، وكأنه يبذل نفسه حسرات متتالية دون أن يُدرك أنه ذاهب في درب الهلاك. ولعل من المفارقات الساخرة أن يتعامل مع أوقات سكونه وكأنها لحظات مكيدة، أو مصائد قد نصبت له، فمن اعتاد القلق ظن أن الطمأنينة كمين كما يُقال. فلا يستطيع في ذروة متعته أن يهنأ ويتنعم، ولا يتمكن في لحظات راحة باله أن يطمأن ويسكُن، فهو قد عاقر التعاطي مع شتات الفكر، وهمّ النفس، حتى استحث في ذاته ذاك الاضطراب الذي لا يهدأ. فما أن يُدرك المرء علته في زمنه المتسارع، حتى يعي أن ترياقه قائم بين يديه، وعلاجه متوفر أمام عينيه، كما قيل: دواؤك فيك وما تُبصر وداؤك منك وما تَشعر ومن أجلّ العلاجات أن يُدرك المرء أنه لا يملك من هذه الدنيا سوى لحظته الآنية، وأن الاستغراق فيها يعيد تركيز القلب والشعور، ويقوي الحضور والتبصر بما يتقلب فيه من الآلاء والنعيم، فلا يرتد إليه البصر إلا مُدركاً لسلام اللحظة، وسكون الخاطر، و الشكر الجزيل لوهاب النعم، والثقة بمدبر الأمور، الكريم العالم بما في الصدور من الألم. ومع الدُربة والمران يتريض العقل فيهدأ، ويطمئن القلب فيسكن، وهذا هو -لعمري- هو الإيمان، فمن يؤمن يأمن، فلا خوفٌ عليه ولا حزن. لحظة إدراك: من أحكم الحكم أن يضع المرء الأمور في نصابها، فلا يتعدى خوفه إلى اضطراب يمنع عنه التمتع بحياته، ولا يتجاوز تسليمه إلى تبلد يُرهق كيانه، فللسكون قيمة لا تُدرك سوى بالاتزان، ولراحة البال أسباب تُدرك بالعيش في التو واللحظة دون خوف من مستقبل أو حزن على ماضٍ، وبالخروج من معاقرة القلق والاضطراب، وسلوك مسلك الآمنين المؤمنين الذين أطعمهم الكريم من جوع وآمنهم الرحمن من خوف.

495

| 25 مارس 2025

حتى تُؤتي شجرتك أُكلها!

لعل من أبرز المشتتات الذهنية، والخدع العقلية أن يُوهم المرء نفسه بأهميّة تمام الأُهبة، واكتمال الجاهزية، وصحة الاستعداد قبل الإقبال على فعلٍ مخصوص، أو عملٍ معيّن! ومتى وقع الإنسان في براثن تلك الألاعيب التي ينسجها الذهن، فقد حكم على حياته بالتوّقف، وعلى سعيه بالمحدودية، وعلى عمله بقلة أو انعدام التطوّر. فتمام الجاهزية وهمٌ لا يوجد إلا في عقول الحالمين، المنفصلين عن الواقع، لأنهم يظنون أن الحياة مراحل مكتملة، لا يصّح الانتقال إلى مرحلةٍ أخرى فيها، أو الإقدام على فعلٍ إلا بعد استيفاء مثالي لكل ما يتطلبه الإقبال عليه من عُدّة. ويغفل عن أن الاستعداد هو حالة ثبوت النيّة، والأخذ بالمتاح والممكن، والسعي بما بين يديه من المتوفر من الأسباب، والتطوّر منه وعبره إلى مراحل أعلى. أما من جمّد عقله في أُطر الكمال والتمام، فلن يكون له من نصيبٍ سوى ضياع العمر، وتبدد الفرص، والإقامة على حاله ردحاً طويلاً لن يفارقه سوى بالتنبّه والاستيقاظ من هذا الوهم العاثر! فمن عقد العزم على الفعل، لن تقف في دروبه عثرات الأفكار الزائفة بأهمية اكتمال الاستعداد، ولن تزلّ به حاجته النفسية بأهمية ضمان النتائج حتى يتم البدء بما تم عقد العزم على فعله، فلا يوجد ضامنٌ إلا الله، وصدق التوكل عليه والأخذ بالأسباب، والسعي نحو إدارة وتقليل المخاطر قدر الإمكان. ومن سعى نال، ولن ينال تلك الثمرات من يريد أن يتم الأمر على مزاجه، ومن يريد البدء وهو في اكتمال عقلي وجسدي ووجداني، وإقبال متسع الصدر، مليء الدرب بالورود والمشاعر الجميلة المدهشة ! فليس هكذا تورد الأعمال، فالبدء رغم الخوف مطلب، والسعي رغم خفوت الدافع ضرورة أحياناً. وليس المعنى من هذا كُله أن يتهوّر المرء، ويرمي نفسه كيفما اتفق، أو أن يُجبر نفسه على مالا تحب، ويرغمها على غير هواها كديدنٍ يتعامل به مع ذاته والحياة، ولكن المقصد أن يتّزن المرء ويعقد عزمه ويتخذ من الأسباب المتاحة، ويبدأ بما عزم عليه متوكلاً رغم عدم كمال استعداده، وملتزماً بتنفيذ ما التزم به دون حتى لو تطلب ذلك أن يجاهد هوى نفسه حيناً على هذا الالتزام. حتى تؤتي شجرته أُكلها، وتُشرّع له الدنيا أبوابها لمزيدٍ من الرحابة والسعة، والكثير من الحكمة والحنكة، فلا يغدو إلا خبيرا قد صقلته الأيام، وهذبته التجارب. لحظة إدراك: ما أن ينزع المرء عن عقله رداء التحكّم، ويُنزله منزلته في إدارة المهام، والتعامل مع الظروف، حتى يضحى أسيراً تحت إمرته، فالعقل عبدٌ طيّع نافع، وسيّد مُقيِّد حاجب !

459

| 18 مارس 2025

سعيك سوف يُرى !

ليس النجاح الحقّ هدفاً نصل إليه، أو إنجازاً نحققه! فالنجاح رحلة، أصلها صلاح النية، وزادها السعي، ووقودها الأمل، ومعينها القوة على الاحتمال. ولعل من ألطف المفارقات أن يعي المرء أن بعض الأمور في الحياة لا تُطلب كغاية، وإنما تأتي كهدية ونتيجة غير مقصودة لذاتها ! فالنجاح الحقّ ليس غرضا في نفسه، والفلاح الجلّي ليس مرمى في حد ذاته، فهما عاقبة يتم الوصول إليها عندما تُكرّس نفسك لقضية أكبر، وكهدية لك عندما ينشغل فكرك وشعورك بالأرقى والأسمى، وعندما تسعى في سبيل الإحسان والتجويد، والخدمة والتعمير في هذه الأرض، حينها سوف ترى حصيلة سعيك بركةً وتوفيقاً وفلاحاً، ونصراً مؤزراً لأنك أحسنت، وليس جزاء الإحسان إلا الإحسان. وأبهى ما في النجاح الحقيقي أن يهبك القدرة الفذّة على منح المعنى لما تمر به من الخطوب، فيُريك السقوط تجربة للتعلم منها، ويُحيل لك ما تظنه فشلاً إلى طرقٍ مختصرة أخرى ليست في حسبانك، ويذلل لك عقبات الفكر والشعور، ليست تهويناً أو تسفيهاً لما قد تمر به من الإحباط واليأس، أو الخوف والتردد، ولكن لتقويك وتمنحك اليقين بمدبر الأمور، المعين الوكيل، الذي يصحبك في رحلتك مؤازراً يشد أزرك، ويغمرك برحماته، يذلل لك العقبات، ويريك الآيات والعلامات، ويُسخِّر لك من تحتاج وفق علمه وتدبيره، فتُصنع على عينه، آمناً مطمئناً، مستمراً في البذل والسعي، حاصداً من كرمه فوق ما تأملت، وأجمل مما توقعت. فإن أجدتَ أن تهذب نفسك وإعانتها بالدربة على صلاح المقصد، وعدم طلب النجاح كهدف في حد ذاته، وتمكنت من منح المعنى الذي يعينك على الفلاح لكل ما يواجهك في الطريق، فلقد (نجحت) فعلاً، وأحسنتَ حقاً، وأصبح لنجاحك ذاك البعد العميق من النجاعة والفائدة، وجودة المعنى، بدلاً من أن يكون نجاحاً لامعاً تغتر به العيون وهو في حقيقته هيكل خاوٍ على عروشه. * لحظة إدراك: أسمى ما قد يصل إليه المرء هو أن يقطف ثمرة جهده، ويحصد زرع توفيق الله له، بأن لا تغره المظاهر والأشكال، وبريق النجاحات اللامعة، التي لا تزيد المرء إلا زهواً وتبعده عن حقيقة أصله ونقاء جوهره، وأن يعلم أن سعيه الصادق سوف يُرى فلاحاً ونجاحاً إن أصلح المقصد، وبذل السعي، ليفرح بقطف ثمره اليانع كحصاد مُبارك لا يبلى أثره وإن فنى.

474

| 11 مارس 2025

ايش على الناس مني؟

لعل من موجبات الحكمة أن يُدرك المرء أن اهتمامه بما يقوله عنه الناس، والعناية برأيهم وانطباعاتهم عنه وعن تصرفاته واختياراته محض وهم لا يغني ولا يُسمن من جوع. ففي حقيقة الأمر، ولو تأمل الإنسان في حاله وحال الناس لأدرك أن الأنام لا يولون لك أي انتباه، وليس منهم من هو فارغ للتربص بك، أو تناقل ما تقول أو تفعل، بل إن جُل انتباههم مرصود لعوالمهم، ولرب جرحٍ صغير يُجرح به إصبع أحدهم مدعاة لشحذ انتباهه كله وجل اهتمامه، عن مفارقة بعض الأحبة !فربط تحركاتك وأقوالك برأي الناس، وما سيقولونه، أو التحيُّن لمذمتهم أو حتى مدحهم يُعدّ من موبقات الفكر والشعور. فلن يبقى للإنسان فكر ولا عقل، ولا سواء في وجدانه وشعوره إن أدمن ترصّد آراء الناس في حياته، فمقالهم في الحقيقة لا يهُم، لأنه نابعٌ من حكم عام، ومن إسقاط لحظي، ومن منطلقات جُلهّا غير حكيمة ولا مدركة، هي في الغالب تخشى حتى مجرد الاختلاف، أو ربما تحرص على مصالحها هي مهما كلفك أنت من التضحيات ! وليس في ذلك دعوة إلى تعمّد الاختلاف، أو التمادي في مقاومة كل ما هو سائد، أو عدم الاهتمام المطلق بآراء الآخرين، بل المقصد أن يعي الإنسان نفسه جيداً، ويُدرك أن اختياراته ليس لأحد عليه فيها سلطان، فمدار الأخلاق وطيب المسالك هو الإرادة الحرة دون اعتبار لأي شيء آخر سوى حكمة المقصد، والإحسان قدر الإمكان. فلا يكن (إمعة) تتخطفه أقوال الناس وأهواؤهم وما درجوا عليه من الأعراف البائدة، فيحصر حياته وراحة باله ولحظات متعته وأُنسه تحت رحمة آراء الآخرين الذين لا يعلمون شيئاً عنه، ولكن الأجدر أن يوطِّن نفسه على الاختيار، وتحمّل عواقب الأقوال والأفعال بعقلٍ ناضج متبصّر، ومسلك حكيم يعي مآلات اختياراته، فلا يتبع الناس على علاتهم، بل يتخيّر له ما يناسبه، ولا يبني في نفسه صروحا من الخوف الواهم من انتقادات الناس وآرائهم. * لحظة إدراك: من أدركه النضج، علم أن كلام الناس محض خطلٍ لا قيمة له ولا وزن، ومن قيّد نفسه أسيراً لأوهام ضخمها في فكره، لن ينال سوى الندامة على أيام ترك فيها متعة نفسه، وراحة باله اتقاءً لشرٍّ لم يوجد قط إلا في تلافيف عقله، وقد يكتشف لاحقاً أن من عاب عليه أمراً ما، هاهوذا يمارسه وبكل افتخار، وما كان له من ذلك كله سوى ضياع أيامه في الحرمان من أبسط حقوقه. وكما قال من الحكمة ذات يوم الشاعر الأندلسي (الششتري): ايش عليّ أنا من الناس ؟ وايش على الناس مني ؟ افعل الخير تنجو واتبع أهل الحقائق

489

| 04 مارس 2025

ألهاكم التكاثر !

ليس أشدّ على المرء ضراوةً من شعوره بالقلة وعدم الكفاية، وما يترتب على ذلك كله من ضعف تقديره لذاته، فقط لأنه اعتاد أن يعيش في محيطٍ يقيّمه بناءً على نجاحاته الباهرة، أو إنجازاته الساطعة، يُعدّد فيها مكتسباته من الشهادات والأموال والأبناء والمناصب والممتلكات، ويتطاول بها مع الأقران، ويتفاخر بها مُعلناً ظهوره، ومُثبتاً نجاعته ورسوّ أرضه بما حقّق. وليس في ذلك بأس، فالإنجازات المُفيدة، وكثرة الأموال والأولاد والإرث المادي بكل صوره من النعم التي تستحق الشكر، ومن الأدوات التي يترك بها الإنسان أثره وإرثه النافع في الأرض. ولكن الاكتفاء بتعريف التوفيق والنجاح، واستلهام القدر والقيمة منها وحدها هو ما يجعل الإنسان خاوياً، خالياً من معناه، قد أشغل نفسه بالتناطح والتطاول، والتهى بـ (التكاثر) الذي أعماه عن تكثير ما عنده من النعم الأصيلة بالحمد والشكر، والحرص على ترك الأثر النافع مهما قل. فلرب جسيم برّاق الثنايا، يُعجبك منه حضور الجسد، وشهرة الصيت، وفصاحة اللسان وكثرة الإنجازات وتعدد المناصب، وهو في حقيقته أحد الذين وصفهم الرحمن (كأنهم خُشبٌ مُسنَّدة) لا حياة فيها ولا روح ! وفي المقابل هناك من يرى نفسه قليلاً بعلمه، ضئيلا في ماله، لم يصل إلى ما يتبارى لوصوله من حوله من الأموال والمناصب والمقتنيات، قد قلّ قدره ربما في عين من حوله، وربما استُصغر لقلة نجاحاته، إلا أنه عالي المقام عند ربه، أثير حظيظ عند مولاه، لو أقسم عليه لأبرّه ! ربما ترك من الأثر ما يصغر حجمه المنظور، ولكنه يفوق قدره المحجوب في القلوب والأرواح، فلربما ترك من حسن الأدب، ورقة المنطوق، وإخلاص النصح، والتبسّم الصادق، والابن الصالح، وحُسن الصحبة، وصحة المودّة، بل ولربما من كف الأذى وحب الخير للغير، والتسامح والتغافل ما يجعله غنياً بأثره، من الأبرار المقربين، مرفوع القدر عند بارئه، محبوب السيرة عند خلقه. وليس في ذلك من دعوة إلى التخلّي عن كل أثرٍ مادّي نافع، أو التشجيع على ترك كل ما هو برّاق لامع من النجاحات والإنجازات، وإنما هي إشارة لتذكر ألا يحصر الإنسان نفسه في دوائرها، وألا ينسى أن مقامه ورفعته بكرامة وجوده أولاً قبل كل شيء، ومن حُسن الأثر النابع من صفاء السريرة، ونقاء النوايا، والإخلاص لله في كل عمل، وأن لا تدفعه الدُنيا إلى التسابق في التكاثر والتطاول على حساب خواء المعنى وصدق التوجّه. فما الميزان إلا صراط الله المستقيم، فلا ينسيك باطنك عن نصيبك من الدنيا، ولا تُنسيك دُنياك نصيبك من صفاء طويتك. لحظة إدراك: متى ما تسامى الإنسان أدرك أن الدنيا في يده لا في قلبه، وأن قيمته الحقّة هي في خلقه منذ الابتداء، لأن (الإكرام) هدية الله لكل بني آدم، ومن يُهن الله فما له من مُكرم، ومتى ما نسي المرء ذلك، سعى في طلب العزة والكرامة من غير موضعها، فتوّه نفسه، وضيّع دربه.

381

| 25 فبراير 2025

لا تنسوا الفضل بينكم

من تجارب الحياة المألوفة أن يمرّ على المرء أطياف من العلاقات تختلف حسب الزمان والمكان، وبموجب تغيّر الإدراكات، وتبدّل النفوس. وهذا في حد ذاته تواتر طبيعي وجزء من التجربة الإنسانية، فليس بالمستغرب أن تنحل بعض العلاقات أو تتبعثر، أو أن تضعف بعد قوة، أو تقوى بعد ضعف، أو تدنو بعد نأي أو تُدبر بعد إقبال. فهذا ديدن الناس، وطبيعة الحياة، هناك من سيبقى وهناك من سيخرج، وهناك من سيحفظ لك الود وهناك من سينكر عليك كل فضل، هناك من سيؤذيك دون مُسوّغ، وهناك من سينفعك دون علمك، هناك اللئيم الذي سيفجر في الخصومة، وهناك الأصيل الذي سيؤود كل اختلاف في مهده حباً وكرامة. كما أنه ليس بمستغرب أن يعيش المرء حيناً مع ذاته دون صفّي حيناً، أو أن يموج في بحرٍ من العلاقات القريب منها والبعيد حيناً آخر. إن أدرك المرء ذلك حقاً، فلن يأسف على رحيل إنسان، ولن يتعشّم في بقاء ود، ولن تطول صدمته من تغيّر الأصحاب، أو بُعد الأصفياء، ولن يغترّ بالمواثيق والعهود، فالنفوس تتبدّل، والأفهام تتغيّر، ودوائر الحياة تتسع أو تضيق فلا يعود المرء على ما كان عليه. ولكن الحكمة من الوعي بهذا أن يتعهد الإنسان نفسه بالدربة والمران على التخفف أولاً، فلا يعقد الآمال على ود لا يبلى، أو محبة لن تنتهي، أو أُلفة لن تتغير أو حتى على العكس، فيتصوّر أن البغض دائم، والخصومة قائمة. كما أن من إدراكات ذلك أن يعيش المرء يومه، ويُحسن نيته، ويطيّب سلوكه مع الأنام، ويكتفي منهم بما يظهرونه له من التعاملات والأخلاق، فلا يبتغي لما ورائها من الخفايا سبيلاً. وليس المقصد أن يكون الإنسان ساذجاً، أو على العكس شكاكاً ولكن المقصد أن يُحسن الظن، ويُجيد وسم حدوده، ويدفع بالتي هي أحسن ويرد السيئ لأهله دون بغي أو ظلم. ولعل الأهم من ذلك كله أن يكون الفضل هو مدار الاستثمار في العلاقات، فلا الفضل يُنسى، ولا المعروف يبلى، ولا الأسرار تُفشى، ولا الإساءة يُجهر بها إلا من ظُلم لرد الحق. وما دام الناس يتعاملون بالفضل، فلن يبقى في القلوب حقد دائم، ولا مرارة باقية. * لحظة إدراك: ما أجدر بالمرء أن (يُحسن) فيُذكّر نفسه بالفضل في أقسى ساعات الأسى، ويستذكر طيب اللحظات، وجمال الأيام، وحُسن المواقف، وبهاء الكلمات التي كان صداها يتردد يوماً مع من افتقد صحبته وإن قلّت. وليس ذلك من قبيل التجمّل، ولكنه من باب إثبات الحق، وعدم جحد النعمة، والعرفان بالجميل، فالنفوس ساعة الألم تتغشّى بالحُجب، فتظهر كل قبيح، وتُغيّب كل بِر. وليس هذا ديدن أهل الشرف والإحسان. فالفضل بين الكِرام مذكور مشكور، والسوء بينهم مطمور مغفور.

621

| 04 فبراير 2025

هدايا نفيسة

لعلّ مما يزيد من راحة المرء، وتساميه في فكره وشعوره وسلوكه هو أن يُدرك أن للنضج مراتب، لا يبلغها بتقادم العمر فحسب، بل بعمق الإدراك من التجارب، وإعادة التبصّر في حال الحياة والأنام. ومن هدايا النضج النفيسة أن يصل المرء إلى مراتب جيدة في تقدير ذاته، ووضع الأمور موضعها دون شخصنة. فهو يُدرك أن الحياة لا تدور حوله هو فقط، وأن تلوّن التجارب يدفعه لفهم تنوّع أمزجة الناس وأهوائهم، واختلافهم في كل شيء، وقبول المرء بتلك الحقيقة يهوّن عليه الكثير مما يُصنفّه هو أنه مشقة، أو رفض لشخصه، أو حتى الوقوع في أفخاخٍ متعددة في التعاملات تُحبطه وتسلبه الثقة في نفسه وفي الآخرين من حوله! ذاك النضج يُمكّن المرء من خفض توقعاته من ناحية، ويفصل فيه الأمور عن شخصه ومقامه من ناحيةٍ ثانية. فلا يُفسّر مثلاً رفضه في وظيفة على محملٍ شخصي، ولا لمهاجمة رأيه من قبل الآخرين على نحو يقلل من قيمته. لأنه يُدرك أن تلك الأمور هي في طبيعتها متباينة ولا تمس شخصه، ولا مقام نفسه المُكرّم على أي حال بتكريم الله له، فهو حق محفوظ له لا ينال منه نائل. وكلما زادت تجارب المرء، تعمّقت إدراكاته، وتوّسع عقله لاستيعاب أكبر، واتسع صدره للاختلاف، ونحى صوب التبسيط والتهوين، وقلّت نزعته نحو الشخصنة، وتعاظمت في عين نفسه مقامها ليس من مداخل الغرور بل من باب الإكرام والإعزاز. ولا يخفى أن مآل ذلك هو صلابة جنان، ولين عريكة، وترّفع في المسلك، وإحسانٌ في التعاطي مع من وما حوله. فيغدو المرء ثابت الفؤاد، مستقر النفس، لا يخرجه عن طوره أي حادث، ولا يثير شعوره أي عابر، لا يهلك عقله في التوقعات، و لا تذهب نفسه حسرات على خيبة أمله في الحياة والناس. وذلك يدفعه نحو مراتب الإحسان، ومقامات السكينة، وهيبة الوقار، مع تبسط في التعاطي في شؤونه مع الحياة والناس. وهذا - لعمري- هي من موجبات السلام في البواطن، وحسن المآل في الظواهر. لحظة إدراك: كلما أمعن المرء في صقل ذاته بالتجربة والتفكّر، هدأت نفسه، فأصبح رضاه سريعاً، وغضبه بطيئاً، واعترافه بخطئه عفوياً، وإصلاحه لمسلكه صادقاً، لأنه لم يترك نفسه للتخبّط في تيارات الشعور الوهمي، ولم يتمادَ في رسم توقعاته التي لن ينال منها سوى اضطراب جنانه، وسرعة خذلانه.

717

| 28 يناير 2025

كنزٌ نفيس !

من أجمل الإدراكات التي تصنع فارقاً حقيقياً أن يعي المرء أنه لا يوجد أوان فائت، ولا أبواب مغلقة، ولا عمر متسلل بلا داعٍ ! فالمداخل مُفتّحة، والأبواب المُشرّعة على مصراعيها ما دام في العمر بقيّة ! القبول بتلك الفكرة كنزٌ نفيس، وجوهرة باهظة تمنح المؤمن بها آفاقاً أرحب، وفرصاً أكثر للتنوّع في طلب البدائل. وليس ذلك من قبيل الآمال الكاذبة، أو المواساة الخادعة، بل إنها مرونة طيّعة في التعاطي مع الحياة، توسع للمرء نظرته، وتُخرجه من سجون قيّد نفسه فيها، بما رسمه لذاته من الطرائق والمذاهب في طلب سعادته ! فقد يظن أنه متأخر عن أقرانه، أو ناقص في مباهجه، أو أن السعادة فرصة زائلة لم يدركها في وقتٍ معين من عمره، أو لم تأتِ إليه على هيئةٍ مخصوصة كان يتمناها ! والحق أن كل ذلك من الوهم الكاذب، والقيد الحاجر على المرء حريته في طلب قرار عينه وسلوى قلبه، وقفلٌ له لأبواب من البراحة والرضا لن يراها وهو غارق في حساباته ! فالحياة هبة جميلة، ولعبة متقدة حماساً لاكتشافها والتعاطي معها بمرونة تفتح معها مسارات طريفة مبتكرة لم تخطر على قلبه قط ! فلكل سعادة لم تُدرك بدائلها المُترفة، ولكل خسارة ربح قادم، ولكل فقد عوض مُقبل، ولكل معصية توبة مقبولة مادام في العمر بقية. وهذا الإدراك يُحيل المرء إلى الأخذ بأسبابه، فيسعى دون قلق، ويوكل أمره لله دون خوف، ويُسلّم الأمر لتدبير الرحمن يقيناً وأماناً، فلا يأسى على ما فات وإن عظُم، ولا يفرح بما هو آتٍ وإن جلّ، بل يمر في الحياة مرور الكرام، مطمئن النفس، راضي الخاطر، قرير العين، يسعد بما بين يديه من الآلاء، ويتمتع بما عنده من النعم، ويتطلع إلى فضل الله كرماً وسخاءً من عنده. ذاك الاتزان العاطفي قد يكلف المرء عمراً كاملاً من التجارب، والتأمل المتعمق في سنن الله وآياته، فلا يغدو إلا قد اتسع صدره وطاب خاطره وقر واستقر. لحظة إدراك: ليس من المعيب أن يتقلّب المرء بين أحواله، يُحبط مرة، ويستسلم مرة، وينسى مرات، ولكن أساسه المتين لا يبلى، وزاده العظيم من الإيمان بفضل الله وسعته لا يشوبه شك، فلا يلبث أن يُبدل قلقه بالاطمئنان، ويزيل شكه باليقين.

588

| 21 يناير 2025

لا أُريكم إلا ما أرى !

من عجائب الأفعال أن يتمحور المرء حول نفسه، ويتمركز في ذاته، فيظن أن رأيه هو سيّد كل رأي، وفكرته فوق كل فكر، وقناعاته هي الأنجع والأولى بالأخذ، وشعوره هو الشعور الأحق بالمراعاة ! ولا يكون ذلك إلا لمن ألِفَ (التيّقن) فهو ديدنه، يظن أنه يمتلك كل الحقيقة، وأن رأيه هو الأجدر بالأخذ في الاعتبار، وأنه يمتلك الإجابات الصحيحة، وأن كل رأيٍ دون رأيه باطل، وأن كل وجهة نظر تخالفه لا قيمة لها! وأنه المحق دائماً في كل خلاف، يستغرب منطلقات الآخرين واختلاف أفهامهم عن فهمه، ويستصغر كل أمر لم يصل إليه إدراكه. يتعذّر عليه أن يُدرك ما هو خارج إطار فكره وشعوره، ويستنكر وربما يستصغر من الأفعال والمسالك ما لم تكن من قبل في عالمه. وهو بذلك لا يعلم أنه (تفرعن) فلا يُري الناس إلا ما يرى، ويظن أنه هاديهم إلى سبيل الرشاد ! وما أقرب لهذا المرء أن تأخذه العزة بالإثم، فيُكابر مهما بلغ عنده وضوح المبدأ، ويُشاكس علّه يترفّع عن الاعتذار عندما يُخطيء، فهو لا يرى إلا صواب رأيه، لأنه يقين بلا شك عنده ! ومن كان هذا ديدنه، عَسُرَ على الأنام مدّ جسور الوئام معه، لأن التفّهم غائب عن طبيعته، والاعتذار عند الخطأ ليس من شيمته، فلا يحصد ممن حوله سوى المجاملة نأياً بأنفسهم عن التصادم معه، أو البُعد سلاماً وكفاً عن شرّ الاختلاف الذي لن ينتهي إلا إلى خلاف يوسع رقعة التجافي والتجّنبات. وهو فوق ذاك كله قد حرُم من آلاء عظيمة، ونعمٍ جزيلة في التفهّم والاحتواء، والتقرّب والتعمّق في علاقاتٍ صادقة الوّد. فما مآل تصلّبه ذاك إلا انكسار، وتيّبس في الفكر والشعور والطبع، يمنعه من المرونة لاتساع النظر، ورحابة الإدراك، وتفهّم الاختلاف، والتواضع بعد ذلك مع الأنام، والاعتذار عند الزلل، واحترام كيانات الآخرين وداً وتفهماً وسعة صدر وحكمة. لحظة إدراك: من السماحة أن يكون المرء مرناً مطواعاً، متسّعا فكره لفهم الاختلاف، ومتسعا صدره للتباين، ومتفهما في مسلكه للتفاوت بين البشر، وهذه سمة الخليقة، وسنة الله في خلقه، وهو أساس للتعارف والتقارب، والائتلاف والامتزاج، لا منبعاً للنأي والبين !

408

| 14 يناير 2025

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4503

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3369

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
ماذا يعني سقوط الفاشر السودانية بيد قوات الدعم السريع؟

بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون...

1344

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
فلسطين والكيان والأمم المتحدة

أُنّشِئت الأمم المتحدة في العام ١٩٤٥م بعد الحرب...

1197

| 28 سبتمبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

1077

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

885

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

843

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

669

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
النعمة في السر والستر

كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع...

612

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

609

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

585

| 03 أكتوبر 2025

أخبار محلية