رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في هذه الأيام المباركة، بعد أن ودعنا شهر رمضان المبارك، جلست مع نفسي، في الليلة الرمضانية الأخيرة، أنظر في مذكراتي، وأسترجع ذكرياتي، مع العديد من الأخوة الأحباء، الذين رحلوا عن عالمنا، خلال أيام وليالي شهر الصيام، الذي لم يخل من مراسم العزاء. ومع رحيل أولئك الأعزاء، استحضرت أيضاً، قصصا مأساوية، تحكي سيرة آلاف الشهداء، ومسيرة هؤلاء الأحباء ضحايا حرب الإبادة الجماعية، التي تشنها إسرائيل، على أهلنا الأشقاء. وهذا يحدث يومياً، بل وفي كل ساعة، ولن أبالغ إذا قلت في كل دقيقة في غزة، بلد العزة، والتضحية والفداء. وهنا، من موقعي في قطر، وطن الكرامة والكبرياء، يشرفني أن أنحني إجلالاً وإكراماً وتكريماً، لتضحيات الفلسطينيين الشرفاء، وبينهم شيوخ وأطفال ونساء. وسلام مني على الضحايا الأبرياء، الذين هدمت بيوتهم فوق رؤوسهم، بفعل القصف الإسرائيلي المجنون. وسلام إلى الجرحى، الذين يئنون، والأسرى الذين يعانون، ويتم تعذيبهم، في غياهب السجون. سلام على الأطفال الذين بترت أطرافهم، والأمهات الثكالى، اللواتي فقدن أطفالهن. سلام على الشهداء الأحياء، الذين ينتظرون دورهم، للفوز بأوسمة الشهادة. سلام على من انتقلوا من ديار الفناء، إلى دار البقاء، ومن دار الفساد والشوائب الى دار النقاء، ومن دار الكدر والتلوث إلى دار الصفاء، وأصبحت سيرتهم، منارة تشع بالضياء. سلام مني، أوجهه إلى الإنسان الفلسطيني المعذب، الثائر المشرد، المجاهد المستهدف. أكتبه بكل عنفوان، معطر برائحة الزنبق والريحان، وعبق «الياسمين»، وهو عطر أمي، وأريج الإقحوان. وستظل تضحيات شهداء غزة، محفورة في الوجدان، ومحفوظة في ملف حقوق الإنسان. وسيبقى اللسان عاجزاً عن وصف هبتهم في حياتهم، وهيبتهم في مماتهم. وأسأل الله، أن يلهم أهاليهم الصبر والسلوان، ويعوضهم خيراً عما فقدوه، من الأرواح، والأموال، والممتلكات، و«البيارات». وبأصدق الكلمات أنوه، بمواقف جميع الشرفاء، في شمال قطاع غزة وجنوبه، الذين يلتفون حول المقاومة الفلسطينية، ويفترشون الأرض، ويلتحفون السماء، ولم يستسلموا لليأس، رغم القصف، وإطلاق النار، وآثار الدمار، الذي يحيط بهم، وضغوط الحصار. وهذا سلام مني أيضاً على الأوفياء لوطنهم والمؤيدين لمقاومتهم، والمتمسكين بأرضهم، والمؤمنين بقضيتهم العادلة، أولئك الأتقياء، وهؤلاء الأنقياء، في مواقفهم. سلام مني إليهم، وسلام آخر عليهم، وقد احتفلنا بالعيد، ولا يوجد في غزة وقطاعها، مواطن فلسطيني واحد سعيد. وهذا هو العيد الثالث، من أعيادنا الإسلامية، الذي يدق أبواب غزة، بينما أهل القطاع المقطوع عن العالم، يواجهون حرب الإبادة الجماعية، للشهر السادس عشر على التوالي، ويتم استهدافهم بالهجمات الصاروخية الوحشية، والاعتداءات الهمجية، الصهيونية. * وفي خضم، تلك الممارسات النازية، التي تسعى إسرائيل من خلالها، لفرض شروط الاستسلام، على الفلسطينيين، ونزع روح السلام.. أوجه تحية السلام، لكل المقاومين الثوار، والمناضلين الأحرار، الذين يدافعون عن القضية الفلسطينية العادلة، بكل شجاعة وإصرار. وما من شك، في أن الأهداف الوطنية، التي يسعون لتحقيقها والغايات النبيلة، التي يدافعون عنها، والقيم السامية، التي غرسوها في تراب وطنهم المحتل، والمثل العليا، التي نشروها، في قطاع غزة، ستثمر أجيالاً جديدة، من المقاومين الشجعان، للقضاء على هذا الكيان. وحتماً لن تنهزم الأمة التي أنجبتهم، ولن يفنى الشعب، الذي رباهم، على الشجاعة، والإقدام. أقول هذا الكلام، رداً على من يحركون مظاهراتهم المحدودة، وتظاهراتهم المعدودة، ضد حركة المقاومة الإسلامية. ولا أريد القول، إنها مظاهرات، مدفوعة بقيمة «الشيكل»، ولكن توقيتها، وشعاراتها، ومساراتها، وهتافاتها، تؤكد أن محركها واحد، ومحرضها واحد. ويكفي أن الترويج لها، والنفخ فيها، يتم في موقع «إسرائيل بالعربية»، التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، والذي يتم فيه، نشر الدعاية الصهيونية، الموجهة إلى العرب، بهدف التأثير على ضعاف النفوس، واستمالتهم، لتأييد المشروع الصهيوني في المنطقة. ومن الناحية الواقعية، لا خلاف مع الذين نظموا المظاهرات، وشاركوا في الاحتجاجات، بأن الظروف الحياتية، والأوضاع المعيشية، التي كانوا يعيشونها، قبل السابع من أكتوبر، ليست كما بعده. فهذا أمر مفروغ منه، قبل سماع الكلام الفارغ، الذي يرددونه في هتافاتهم، وقبل رفع الشعارات الفارغة من مضمونها الوطني، التي يحملونها، وكلها تصب في مستنقع المصلحة الإسرائيلية، ومنها شعار «بره بره حماس تطلع بره»! وهذا يساهم في إضعاف الموقف التفاوضي الفلسطيني، وتضخيم الضغوط على المقاومة، وتعظيم التحديات على الجميع. *وها هي «حماس» تؤكد مجدداً، أنها تتعامل بكل مسؤولية، وكل إيجابية، وكل مرونة وطنية، مع المقترحات المطروحة، لإنهاء معاناة أهالي غزة، حتى لو وصلت الأمور إلى ضرورة خروجها من المشهد مقابل التزام إسرائيلي، أولا بوقف الحرب نهائياً. والتزامها دائماً بتنفيذ القرارات الدولية، وفي مقدمتها، وأهمها، وأبرزها، «حل الدولتين»، ولا حلول غير ذلك. بدلاً من قيام، الذين يتحركون بقوة «الشيكل»، بتوجيه الجماهير داخل قطاع غزة وخارجه، للقبول بأهداف الحرب الوحشية، التي تشنها إسرائيل، مما يتساوق مع شروط الاحتلال، ويتناسق مع مصالحه، ويستجيب لمطالبه، ويتواطأ مع رغباته! وأقولها، بكل الثوابت القومية والقيم الوطنية، والحقوق الفلسطينية، والروابط الأخوية، بأنه لا يجوز لأي مواطن فلسطيني، تمكين إسرائيل، من تنفيذ مشروعها اللعين، وهو يعلم أنها تسعى لابتلاع كامل الجغرافيا الفلسطينية، وتعمل على التخلص من كل حقائق التاريخ، المتعلقة بعدالة القضية الفلسطينية. وما أعرفه شخصياً عن أهالي غزة، أن المقاومة جزء لا يتجزأ من أولوياتهم، وركن لا ينفصل من ثوابتهم. ولعل ما يميزهم، ثباتهم في النوائب، وصلابتهم في مواجهة المصاعب، وتضامنهم مع بعضهم البعض في المحن والمصائب. وما من شك، في أن الشعوب، لا تصان حقوقها إلا بالتضحيات، والأوطان، لا تتعطر أجواؤها، عندما تكون أراضيها محتلة، إلا بدماء الشهداء، التي تراق، ذوداً عن الحرية، وسعياً لنيل الاستقلال. * وما حدث، ويحدث في غزة، مرت به الكثير من الشعوب، ومنها الشعب الجزائري الشقيق، الذي تعرض بكل مكوناته، أيام الاستعمار الفرنسي، إلى أبشع أشكال التصفية، وأفظع أنواع التنكيل وأشد أنواع التعذيب، وأحقر عمليات الاعتقال وأقسى عمليات الإعدام، وقطع الرؤوس، وإرسالها إلى باريس، ليتم عرضها في ما يسمونه «متحف الإنسان»! لكنهم، رغم كل ذلك الإجرام الاستعماري الفرنسي المنظم، لم يستسلموا، ولم يتراجعوا ولم يضعفوا، ولم يتضعضعوا، ولم يتقهقروا، ولم يُقهروا. ولم يوجهوا أصابع الاتهام، إلى قادة المقاومة، بأنهم دمروا البلاد، وأنهم تسببوا في استشهاد مليون ونصف المليون جزائري. ولم يخرجوا في مظاهرات فوضوية، اجتماعية، ضد قيادات المقاومة الوطنية، بل كانت تظاهراتهم الشعبية الحاشدة، ضد المستعمر الفرنسي، الذي ظل يستعمر الجزائر، منذ عام 1830، ولم يغادرها، إلا بالكفاح المسلح. أكرر، بالنضال المسلح، بعدما أدركت الأحزاب الجزائرية، أن أهدافها الوطنية، لن تتحقق إلا بالمقاومة والمواجهة. ولهذا قررت الانخراط، في الثورة المسلحة، بقيادة جبهة التحرير الوطني، التي انطلقت شرارتها في ليلة 31 أكتوبر 1954، وأسفرت بعد 7 سنوات من النضال، بإعلان الاستقلال في الخامس من يوليو 1962. وما من شك، في أن الثورة الجزائرية المسلحة، شكلت ملحمة بطولية خالدة، في تاريخ الأمة العربية، ومسيرة النضال الوطني، وحركة التحرر من الاستعمار. وأثبت الجزائريون، خلال ثورتهم ـ المسلحة ـ أن ظلم المستعمر المسعور، لا يدوم، وأن الاحتلال، لا يمكن أن يصمد، أمام إرادة الشعوب، التي تسعى لنيل حريتها. وهكذا، فإن من يريد الحرية، لا بد أن يدق أبوابها، بكل يد مضرجة بالدماء، ولا بد لتحقيق الهدف الوطني، من تحريك قوافل الشهداء. * ووسط هذه الحقائق، المستقاة من الثورة الجزائرية ـ المسلحة ـ خرج علينا المتحدث باسم حركة فتح في غزة، المسمى «منذر الحايك» بتصريح تمت حياكته في «النول» الإسرائيلي، مطالباً حماس بالتخلي عن إدارة القطاع المقطع، تمهيداً لإعادة غزة، إلى الحالة التي كانت عليها قبل 20 عاماً، عندما كانت خاضعة، لسيطرة السلطة الفلسطينية. ولكن، مهلاً أيها «الحايك»، على رسلك أيها المتحدث باسم «فتح». اسمح لي أن أفتح معك، هذا النقاش وأسألك: ما هي المدن والبلدات والمخيمات، التي تخضع حالياً لسلطة السلطة، المتآكلة، في مناطق الضفة الغربية المحتلة، التي لم تسلم من العدوان الإسرائيلي؟ وخصوصاً بعدما عاثت إسرائيل فساداً، وتمعنت إفساداً في جميع الأماكن. ولا أقصد، ما يقوله «محمد عبده»، عن «الأماكن» المشتاقة كلها، لمن يخضعها لسلطة صاحب الأغنية. ولنفترض ـ جدلاً ـ أن حماس غادرت المشهد الفلسطيني، إلى غير رجعة، كيف سيكون «اليوم التالي» لهذه المغادرة؟ هل ستقبل إسرائيل بمبدأ «حل الدولتين»، الذي تطرحه «المبادرة العربية» والقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية؟ هل سترحب «تل أبيب» بقيام دولة مستقلة، للفلسطينيين، جنباً إلى جنب مع الكيان الصهيوني؟ هل سيحصل كل فلسطيني، على حقوقه المشروعة غير القابلة للانتقاض أو المساومة؟ هل ستوقف حكومة التطرف الإسرائيلي، مخططات تهويد القدس، ومحيطها المقدس؟ هل سيضمن لنا «الحايك»، بعد تخلي «حماس» عن حكم غزة، توقف جحافل الغوغاء المستوطنين، من انتهاك حرمة المسجد الأقصى؟ ولا أعتقد، أن المتحدث باسم «فتح» في غزة، لا يعلم أن العدوان على أهله الفلسطينيين، لم يبدأ بعد السابع من أكتوبر. وأن الاعتداءات الصهيونية الهمجية الوحشية، على الشعب الفلسطيني، لم تنطلق انتقاماً، من «طوفان الأقصى»، فحسب. ولكنها تتواصل ضد الفلسطينيين، منذ عقود وعهود، قبل أن يولد «الحايك»، وقبل أن ينسج تصريحاته، على «النول» الإسرائيلي، وقبل تأسيس حركة حماس عام 1989. * ونعلم جميعاً، أن إسرائيل، تريد تفكيك حركة «حماس»، لأنها تقود المقاومة ضد المشروع الصهيوني، لتكون بعدها بلا حماس، وبلا إحساس، وبلا ساس، وبلا راس، وبلا حاضنة شعبية من الناس. ونعلم أيضاً، أن إسرائيل تريد نزع سلاح المقاومة، حتى يسهل عليها، افتراس الجميع، في قطاع غزة وخارجه، وفرض مخطط التهجير، والتطبيع، والتركيع، وضمان عدم وجود، قطعة «جراخي» واحدة، يتم إطلاقها حتى احتفالاً بقدوم العيد. وما من شك، في أن أحداث مخيمات اللاجئين، في «طولكرم» و«نابلس» و«جنين»، تشهد، على أن الاستهداف الإسرائيلي، لا يقتصر، على قطاع غزة، الذي تديره «حماس». ولكنه يشمل حتى المناطق، التي يفترض أنها تخضع لحكم السلطة». وما أدراك ما السلطة، المتعاونة، أو المتفاهمة أو الفاهمة، لمتطلبات المرحلة «الانبطاحية»، التي أجبرتها على القبول بالجزرة، حتى لا تستهدفها العصا، على اعتبار أن العصا الإسرائيلية، لمن عصى، حكومة نتنياهو! * ونصل إلى الحقيقة الكبرى، التي ربما يعرفها المتحدث باسم «فتح»، بأن إسرائيل، تريد فعلاً سلاماً، مع الفلسطينيين، لكنها تريده، ناقصاً، مهشماً، مهمشاً، منزوعاً من السلام! وتريد شعباً فلسطينياً صامتاً، لا يقدر على الكلام، ويظل دوماً، في حالة صيام، ليس بسبب شهر رمضان، الذي ودعناه، لكن بسبب سياسة التجويع، التي تطبقها إسرائيل على الجميع. أما سبب تراجع القضية الفلسطينية، قبل أحداث غزة، فيرجع إلى أن «المنظمة»، المعنية بتحرير الوطن الفلسطيني المحتل، نسيت أن اسمها يتضمن كلمة «التحرير»، وأصبحت منفصلة عن شعبها وشعابها! وقامت بتسليم أدوارها إلى حركة «فتح»، التي باتت لها كلمة الفصل، في كل ما يصدر عنها ومنها، لدرجة تحويل «المنظمة»، إلى مجرد واجهة، لتنفيذ المشروع «الفتحاوي» السياسي الخاص والخالص، ولا أقول المخلص! والمؤسف، أن «المنظمة»، ومعها ذراعها الأشهر «فتح»، تبرمجت، وتكيفت مع ما تريده إسرائيل منها، وليس ما يريده الشعب الفلسطيني. أما «السلطة»، التي تريد العودة، لكي تحكم قطاع غزة، فالمؤسف أنها تحولت إلى جهاز أمني بامتياز خاضع للاحتلال، متسلط على الشعب، وعلى المقاومة الوطنية، ولم يعد يهمها سوى التنسيق الأمني المفرط مع «تل أبيب»، وحماية مشروعها السياسي الفاشل، المتمثل في الدفاع بشكل أساسي عن أوهام «اتفاق أوسلو»! * وبعيداً عن العاصمة النرويجية، التي شهدت ذلك الاتفاق المشوه، ومن العاصمة القطرية، المدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني، أقترح على المتحدث باسم «فتح»، أن يفتح أبواب عقله جيداً، ويقرأ عن الجزائر كثيرا وغيرها من الدول التي حاربت مستعمريها، حتى استطاعت أن تنتزع حريتها انتزاعا، ويتعلم من دروس «ثوراتها»، ويبتعد عن الخضوع والخنوع لمشاريع الاحتلال الإسرائيلي، ولا يتأثر بطريقة تفكير «ثيران» الاستسلام، ويعيش الواقع الحقيقي بعيدا عن الظن والأوهام!
813
| 03 أبريل 2025
أستكمل اليوم مقالي عن «البؤساء» في غزة الذين لم يكتب روايتهم «فيكتور هوجو». وبعيدا عن سيرة ومسيرة أبطال المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتهم الشهيد القائد المجاهد أحمد ياسين مؤسس حركة حماس الذي اغتالته يد الإرهاب الإسرائيلي في هجوم صاروخي شنته مروحيات من طراز أباتشي بعد قيامه بأداء صلاة الفجر في مسجد المجمع الإسلامي القريب من منزله في حي صبرا في غزة يوم الإثنين 22 مارس 2004. وفي سياق حديثي عن المواقف الترامبية، الزئبقية، خرج علينا «ستيفن ويتكوف»، المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط بتصريح يخلو من المنطق قائلاً: لا يمكننا أن نسمح بأن تحكم غزة منظمة إرهابية وإلا سيكون هناك (7 أكتوبر) كل بضع سنوات. وينسى أن حماس وصلت إلى حكم القطاع بالانتخابات. وبعيداً عن منطوقه الخالي من المنطق، أطرح عليه سؤالي المنطقي، وأساله: لماذا لا تطبقون موقفكم، المناهض للحركات والمنظمات والجماعات والجمعيات والتجمعات التي تصنفونها أنها «إرهابية» على الأحزاب الصهيونية التي تمارس إرهابها على المدنيين الفلسطينيين؟ ولماذا تسمحون لأحزاب التطرف اليهودي، أن تحكم إسرائيل، وتتحكم في مسارات القرار الحكومي الإسرائيلي؟ ومنها على سبيل المثال، حزب «الصهيونية الدينية» الراديكالي المتشدد، والمتشنج، بزعامة الإرهابي «بتسلئيل سموتريتش»، الذي يشغل حالياً منصب وزير المالية في الحكومة الإتلافية؟ وله سجل حافل، في تشجيع الإرهاب الاستيطاني، وتحريض المستوطنين، على قتل الفلسطينيين. وهو ينكر وجود الشعب الفلسطيني، ويعتبر أنه مجرد اختراع عربي، عمره أقل من مائة عام. وله سابقة إرهابية، إجرامية، يعاقب عليها القانون الجنائي، تتمثل في دعوته، في شهر مارس 2023 لإحراق ومحو بلدة «حوارة» التابعة لمحافظة نابلس الواقعة شمال الضفة الغربية المحتلة. وتضمنت تصريحاته، تحريضاً رسمياً خطيراً لارتكاب جريمة حرب، مكتملة الأركان، في إطار خطاب الكراهية، والعداء والعنف والإرهاب، الذي يروجه ضد الفلسطينيين. وبسبب تصريحاته العدائية، التي طالب فيها الحكومة القيام بذلك الفعل الإرهابي، شهدت البلدة المستهدفة، هجمات غير مسبوقة من المستوطنين، أسفرت عن استشهاد فلسطيني، وإصابة عشرات آخرين، وإحراق عشرات المنازل، وتدمير العديد من السيارات. وبعيداً عن قضية حوارة وفي سياق الحقارة، التي تنبعث من شخصيته، المليئة بالأحقاد والكراهية، يواصل انتهاكاته المتكررة لحقوق الفلسطينيين، ولا يخفى دعمه للاستيطان غير المشروع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهو مستعد للتحالف مع الشيطان، لتحقيق أهدافه الإرهابية، ولهذا تتجسد في تصرفاته وتصريحاته، ومواقفه، شخصية الإرهابي الصهيوني المحترف، واليهودي المنحرف! ونفس الحال، ينطبق حرفياً على الإرهابي الآخر «ايتمار بن غفير» وزير ما يسمى الأمن القومي، الذي يتولى زعامة حزب «العظمة اليهودية». وله سوابق، ومن المؤكد ستكون له لواحق، في الإجرام المنظم، والإرهاب الموجه ضد الفلسطينيين. وما دامت واشنطن، تحارب ما تسميه «الإرهاب الفلسطيني» ولا تعتبره نضالاً مشروعاً ضد الاحتلال، وحقاً أصيلاً لنيل الاستقلال.. ينبغي تطبيق موقفها، على «الإرهاب الإسرائيلي»، ولا تسمح لقياداته، المشاركة في تشكيل الحكومة، لتثبت أن «الإرهاب» في مفهومها له تعريف واحد، وله وجه واحد، وله تصنيف واحد. وتثبت للعالم المتحضر، أن من يشجع على قتل الأبرياء الفلسطينيين، هو «إرهابي» صهيوني، لا يستحق أن يكون وزيراً في الحكومة الإسرائيلية، ولا شريكاً في الائتلاف الحكومي. وهذا موقفي، بشأن المسألة الإرهابية، سواء كان المتورط فيها عربياً، أو إسرائيلياً، أو أمريكياً. وفي سياق ذلك، فإن من يسعى لضم كندا، رغماً عن إرادة شعبها لتصبح الولاية الحادية والخمسين في الولايات المتحدة، ينبغي تصنيفه بأنه إرهابي. ومن يهدد ويتوعد، بانتزاع قناة «بنما» بالقوة من أصحابها، هو فعلاً يقوم بفعل إرهابي. ومن يخطط للاستحواذ على «جرين لاند»، والسيطرة على مقدراتها، وفك ارتباطها عن الدنمارك، غصباً عن خشم «كوبنهاجن»، لا يمكن أن يصنع السلام في العالم.. .. ولا يمكن أن يحقق السلام في الشرق الأوسط. ولا يمكن أن يكون داعية سلام، وتصالح وتصافح وتسامح، بين اليهود والفلسطينيين. والملاحظ أن الرئيس الأمريكي، يسعى لتقويض النظام العالمي، وتأسيس نظام فوضوي، يقوم على اللانظام، واللاقانون مع غياب العدالة السياسية، وتعزيز النزعة الاستبدادية، وتهشيم القرارات الدولية، وتهميش المنظمة الأممية، لتبقى إسرائيل بلا حساب، وبلا عقاب. وهو بذلك يريد أن يفرض واقعاً جديداً، في الشرق الأوسط، يحكمه الكيان الصهيوني، ويتحكم في تفاصيله ومفاصله. وليس هذا فحسب، بل هو يريد تقديم الضفة الغربية المحتلة، على طبق من ذهب، لحكومة التطرف الإسرائيلي، وفي صميمها القدس، وفي داخلها المسجد الأقصى، وكل المقدسات المحيطة بها. مع ضرورة قيام الأنظمة العربية جميعها، بالتصفيق له، وتقديم فروض الولاء والطاعة لإدارته، والزحف نحوه، من أجل استكمال مشروعه لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وأقول لصاحب هذا المشروع وهو صاحب مقولة «أمريكا أولاً»، إن مقولتنا الراسخة في عقولنا، النابضة في قلوبنا، الثابتة في ضمائرنا «فلسطين العربية أولاً»، «فلسطين الحرة» دائماً. وسيبقى التحدي الأكبر وسط المواقف الترامبية المنحازة والمؤيدة لإسرائيل، أن نعمل جميعاً لضمان حقوق الفلسطينيين، في إقامة دولتهم المستقلة. لكن أخشى ما أخشاه، وسط الأوضاع المأساوية المتفاقمة، والظروف غير الإنسانية المتراكمة، على أهالي غزة، أن يكون العدوان الصهيوني، هو البداية الفعلية والعملية والميدانية، لتنفيذ مخطط، تهجير الفلسطينيين، خارج ديارهم! وتحديداً إلى الإقليم الانفصالي المسمى «أرض الصومال»، الذي يسمونه «صومالي لاند»، مقابل الاعتراف الأمريكي به، كدولة مستقلة. وعندما أقول ذلك، لا أنشر الخزعبلات، ولا أروج الشائعات، ولكن أستند على حزمة من المعلومات، والكثير من المؤشرات، التي تشير وفقاً للعديد من القراءات والمتابعات، أنه يتم حالياً الإعداد والتحضير، لتنفيذ هذا المخطط الخطير. والمعروف أن «صومالي لاند»، أعلنت انفصالها من جانب واحد، عن جمهورية الصومال في 18 مايو 1991، بعد الإطاحة، بنظام الدكتاتور محمد سياد بري، ومنذ ذلك التاريخ، غير معترف بها دولياً، لكنها تواصل فرض حكمها الذاتي الانفصالي في تحدٍ صريح لحكومة مقديشو، المعترف بها دولياً. والملاحظ أنها تحتفظ بعلاقات إستراتيجية وطيدة مع أثيوبيا، وقوية مع الإمارات، التي تعتبر أكبر وأكثر دولة مستثمرة في أرض الصومال. وفي الشهر الماضي شارك رئيسها «صاحب السعادة» كما يسمونه، عبدالرحمن محمد عبدالله «سيرو»، ويعرف أيضاً باسم «عرو»، في القمة العالمية للحكومات، التي عقدت في دبي بالإمارات، خلال الفترة من (11) إلى (13) فبراير الماضي. وهناك أعلن أنه يتوقع التشاور مع واشنطن، بشأن استقبال اللاجئين الفلسطينيين في بلاده، لاتخاذ موقف نهائي بشأن هذه القضية. علماً بأنه لم ينف بشكل قاطع، الأنباء التي تسربت حول مخطط تهجير الفلسطينيين إلى «صومالي لاند»، ولم يؤكد أيضاً صحتها، بل حرص في تصريحه، على إضفاء الغموض حول هذه المسألة، معلناً حرصه على اتخاذ قرارات إستراتيجية، تصب في مصلحة الجميع. لكن عبدالرحمن ظاهر وزير خارجيته، أكد أن بلاده، لا تستبعد استيعاب أهالي غزة، مشترطاً الحصول على الاعتراف الدولي لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، والتعامل معه كدولة مستقلة. وهذا الموقف، يظهر محاولة استغلال، أو استثمار الوضع المتفجر في غزة، لتحقيق مكاسب سياسية، طال انتظارها لأكثر من 33 عاماً، مع الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل. ولعل ما يضفي الكثير من الأهمية على منطقة «أرض الصومال» أن إدارة ترامب، ترغب في إقامة قاعدة عسكرية في تلك المنطقة المهمة، الممتدة على نحو 20 % من مساحة الصومال الإجمالية، مما سيمنح واشنطن نفوذاً أكبر، على ساحل شديد الأهمية، يستلقي على خليج عدن، ويطل على القرن الإفريقي، الذي يناطح أمواج المحيط الهندي. والمؤكد أن الاعتراف السياسي، بهذا الإقليم، سيسمح للولايات المتحدة، واستخباراتها بإقامة آليات دعم العمليات طويلة الأمد. ومراقبة حركة الملاحة في باب المندب، ومتابعة أنشطة الصين المتنامية في المنطقة، وإجهاض أنشطة الحوثي في البحر الأحمر الداعمة للحقوق الفلسطينية. ولو نجح المخطط الأمريكي ـ الصهيوني لا سمح الله، لتهجير الفلسطينيين إلى «صومالي لاند»، لن نستغرب، أن نجد جيلاً فلسطينياً، بعد تهجير أهاليهم إلى «هرجيسا» عاصمة «أرض الصومال» وغيرها من مدن الإقليم، يتحدثون اللهجة الصومالية، وينادون بعضهم البعض يا «وريا»، وتعني يا رجل، بدلاً من يا «زلمة»!
939
| 26 مارس 2025
كان الفجر، بالكاد قد تنفس، عندما تصاعدت ألسنة اللهب، في سماء قطاع غزة، بفعل الصواريخ التي أطلقتها إسرائيل، مثل زخات الشهب، التي تسببت في احتراق الأبرياء، كاشتعال الحطب، وسط نيران الحرب، ليسقط ويتزايد على إثرها الكثير من الضحايا الضعفاء. وفي أتون ذلك الصخب، الحارق، المخضب بلون الصهب، تتحرك أمواج تلو أخرى، من مشاعر الغضب، ويتواصل سقوط الشهداء، من الفلسطينيين الضعفاء، بين أنقاض المنازل المدمرة، وركام البيوت المحطمة، والمساكن المهشمة، التي تشهد، على ارتقاء أرواح أصحابها، إلى السماء. أما الأحياء المكلومون، الملكومون، المقهورون، المحرومون، فأوضاعهم، تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، فلا ماء صالح للشرب يروي العطش، ولا غذاء صالح للأكل يقوي الأجساد التي أنهكها التعب والترحال، ولا وقود يسيّر الحياة، ولا كهرباء تنير الطرق وتشغل أجهزة المستشفيات، ولا كساء يستر الأجساد التي مزقتها القنابل واستهدفتها الصواريخ والمسيرات، ولا دواء يعالج الأمراض المزمنة، والمستحدثة بسبب هذا العدوان. ولا شبكة صرف صحي، صالحة لقضاء الحاجة، ولا شعور، بالأمن والأمان، في كل زاوية، وكل مكان. وكل يوم لهم موعد جديد، مع التهديد، والتشريد، والترهيب، والتعذيب، وأوامر النزوح، والإخلاء، إلى الخلاء. إنها الحرب الصهيونية الغادرة، بكل أوجاعها الغائرة، التي تشنها إسرائيل على أهالي غزة، بهدف إخضاع «حماس» لشروطها، وإجبارها بالقوة العسكرية، على الإفراج عن المحتجزين لديها، وبعدها القضاء النهائي عليها. ومع تواصل غارتها المدمرة، عبر استهدافها العشوائي المتعمد، وهجومها الوحشي المتعدد، على المدنيين الأبرياء، يتم توسيع مساحات القتل، وزيادة رقعة الموت. هناك في غزة، الصابرة، ينشب الخوف في النفوس أظافره، وينتشر الحزن اللامتناهي في القلوب، ويكبر البؤس، الذي لا ينتهي، إلى ما لا نهاية، ويتضاعف حجم المعاناة التي تولد من رحم المأساة. هناك، في بلد الفلسطينيين «البؤساء»، الذين لا يعرفهم «فيكتور هوجو»، ولم يكتب عنهم، روايته الشهيرة، التي نشرها عام 1862، وتناول فيها الحياة البائسة، التي عاشها الفرنسيون، بعد سقوط نابليون. هناك في قطاع غزة، يتم قتل الأطفال والنساء، بلا رحمة، في سياق تسلسل، مسلسل سفك الدماء. ومنذ فجر الثلاثاء، الثامن عشر من مارس الجاري، تواصل إسرائيل، فجورها العسكري، وجورها الاستبدادي من خلال فرض الظلم، والظلام، والضلال، عن طريق السلام، والاعتداء على حقوق الآخرين، والانحراف عن مقاصد وأهداف اتفاق الهدنة، التي تثبت الأحداث، وتؤكد التطورات وتوضح المستجدات، أنها هشة، أكثر منها هشاشة «الرهش»! وسط هذا الواقع الهش، استأنفت إسرائيل عدوانها الهمجي، وما زالت تشن موجات تلو موجات، من الهجمات والغارات، بالطائرات والمسيرات، ضد الفلسطينيين، في كل الجهات، في سلوك غادر، وانتهاك سافر، لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه، برعاية أمريكية، وجهود قطرية، ومساعٍ مصرية. وفي هذه اللحظات المصيرية، يحق لي أن أتساءل، لإثبات حقيقة مفصلية: أي حضاره إنسانية، التي يتشدقون بها، وهم ينتهكون الاتفاقيات الموقعة، ويخرقون التعهدات الموثقة، والمواثيق المؤكدة، والتفاهمات الملزمة؟ وأي سلوك إنساني سليم، وتعامل سياسي قويم، يسمح لهم بقتل الآمنين، الصائمين، وبينهم المئات من المسنين؟ وأي ديمقراطية التي يتباهى بها نتانياهو، ورفاقه المتطرفون، وهم يمنعون دخول المساعدات الإنسانية، والاحتياجات الإغاثية الضرورية، التي يحرمونها عن المدنيين، ولا أقول المدانين؟ وأي نوع من الأنفس الصهيونية المريضة، التي تستخدم التجويع، والتعطيش، والتطفيش، والتهميش، سلاحاً ضد الآخرين يشهرونه، في وجوه المقهورين، المستضعفين، كوسيلة للعقاب الجماعي، والابتزاز السياسي؟ ثم يلومون «هتلر»، على حرقهم! وهم بأفعالهم الإرهابية، وجرائمهم الوحشية، واعتداءاتهم الهمجية، على الفلسطينيين، يثبتون أنهم أكثر «هتلرية»، وأشد «نازية»، وأبشع «فاشية»، من ذلك المعتوه النازي. ولا أنسى توغلهم البري، وتغولهم البربري، وتغلغلهم العسكري، الذي يطبقونه على طريقة الألماني الغازي، بامتداد محور «نتساريم»، مما يشكل خرقا خطيرا، لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي أشعلوا فيه النار، فأصبحت محتوياته كتلة من النار، وبات يحتاج لمن يبادر، بإطفاء النار، المشتعلة في ذلك الاتفاق المنهار. وما من شك، في أن هذا الانهيار، وذلك الدمار، يعكس النية الإسرائيلية المبيتة، والخبيثة، والخسيسة، لاستكمال جريمة الإبادة الجماعية، وإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، والتنفيذ التدريجي، لمخطط تهجير الفلسطينيين، خارج قطاعهم المدمر. وفي خضم هذا الدمار، نشهد نوعا آخر من الانهيار، حيث يتواصل الفشل الدولي المخزي، والعجز العربي المخجل، عن وقف الحرب! ومع هذا الانحدار، تترسخ الحقيقة المحزنة، المتمثلة في ضعف العرب، وعدم قدرتهم على مواجهة إسرائيل، إلا في إصدار بيانات الشجب، دون القدرة حتى على إلزامها، بالالتزام بتطبيق قواعد «الضرب»، التي يحددها القانون الدولي الإنساني. ولعل ما يزيد من وطأة الكارثة، تواطؤ الغرب مع الطغيان، وتورط الولايات المتحدة، في دعم العدوان. ومن المؤكد، إنني لا أخطئ العنوان، عندما أقول إن البجاحة، وصلت لدى الإدارة الأمريكية إلى درجة الإعلان، أن رئيسها، يدعم استئناف إسرائيل عملياتها العسكرية، الجوية والبرية، في غزة. وهذا أعلنته، بكل صفاقة، المتحدثة باسم «البيت الأسود»، الملطخة جدران مكتبه البيضاوي، بدماء أطفال فلسطين. ووسط هذا الموقف المشين، أقول بكل اليقين، وأنظر بعين اليقين، وأكشف بنور اليقين، أن المسؤول الأول، عن الواقع الحزين، الذي يعيشه حاليا أهالي غزة المسحوقون، هو «فخامة» الرئيس «الأفخم» دونالد ترامب! وأستطيع أن أجزم ولا أزعم، أنه يتحمل المسؤولية الكاملة، عن قتل كل طفل فلسطيني، وكل أم غزاوية، وكل سيدة فقدت زوجها، أو ابنها، أو عائلتها أو معيلها، بعدما أعطى حكومة نتانياهو الإرهابية، الضوء الأخضر لشن عملياتها العسكرية، واعتداءاتها الهمجية، وممارساتها النازية، التي فتحت أبواب الجحيم وأشعلت النيران، في الاتفاق الهشيم. وأقولها بصراحة، بل بمنتهى الصراحة، ينبغي على ترامب، أن يطأطئ رأسه خجلاً، لتورطه الفعلي والعلني في استئناف الحرب على غزة. كما ينبغي على المجتمع الدولي، ممثلاً في الأمم المتحدة، وتحديداً ما يسمونه «مجلس الأمن» أن يقوم بطباعة جميع القرارات الصادرة منه، ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، والتي لم يتم تنفيذها، وتحويلها إلى مناديل ورقية، لتجفيف دموع المنكوبين في غزة. والمؤسف، أن «ترامب»، الذي يسوّق نفسه على أنه داعية سلام عالمي، وأنه «سوبرمان»، الذي يحرص على إنهاء الحروب في العالم.. ■ وأنه «باتمان» الذي يسعى، لترسيخ العدالة، في كامل استدارة الكرة الأرضية. ■ وأنه «سبايدرمان» الذي يملك قوة خارقة، تمكنه من الانتصار على خصومه وامتلاك قدرة فائقة، على استشعار مكامن الخطر، والتصدي لزعماء الشر. ■ وأنه البطل الخيالي الخارق، المسمى «كابتن أميركا»، الذي يمكنه هزيمة كل مارق، مرتديا بدلته المزينة بألوان العلم الأمريكي، وهو يحمل درعا غير قابل للتدمير، أو التكسير، أو التقشير أو التشطير. ورغم كل هذه الشخصيات الكرتونية، التي تروجها ثقافة الخيال الأمريكي، التي يتقمصها رئيس الإدارة الأمريكية، من خلال تضخيم قدراته، وإظهار أنه البطل القاهر، والزعيم القادر على إحداث التغيير.. نجده لا يجرؤ، خلال تعامله مع إسرائيل، ورئيس حكومتها الشرير، حتى في إثبات أنه «بلوتو»، الذي يحاول القضاء، على «باباي» قبل أن يتناول السبانخ! ولهذا نجده يتجاهل، أن هناك اتفاقاً ملزماً، تم توقيعه، بين «حماس» وإسرائيل، برعاية أمريكية، يتضمن إطلاق سراح الأسرى، على (3) ثلاث مراحل، دون الحاجة إلى استخدام العنف، وإطلاق الصواريخ، وإسالة دماء الأبرياء. وأستطيع القول إن كل صاحب ضمير حي، يمكن أن يشهد بكل حماس، أن حركة «حماس» نفذت كل الالتزامات الواجبة عليها، وفقا للمرحلة الأولى من الاتفاق. ثم فوجئت بمماطلة إسرائيل، وتنصل رئيس حكومتها، عن الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، واختلاق الذرائع وتسويق المبررات، والتهرب من تنفيذ التعهدات، بدعم وتشجيع وتأييد وإسناد من الوسيط الأمريكي! وكان مفروضا من رئيس الولايات المتحدة، الاضطلاع بمسؤولياته الإنسانية والأخلاقية والقانونية، والضغط على إسرائيل - كما يفعل مع الأنظمة العربية - لإجبارها على الجلوس على طاولة التفاوض، من أجل الإفراج، عن بقية المحتجزين، دفعه واحدة.. بدلا من تحريضها على العدوان، وانتهاك حقوق الإنسان، وتشجيعها على توجيه جيشها لقصف الفلسطينيين، دون مراعاة صيامهم في شهر رمضان. ومن الواضح، بل الفاضح أن ترامب بموقفه الفادح، أسقط عن وجهة قناع داعية السلام، ووضع على رأسه القلنسوة اليهودية، لتتربع فوق شعيراته الصفراء، وبات يتصرف وكأنه «تيودور هرتزل»، مؤسس الحركة الصهيونية. وبات أسيراً لمعتقدات إسرائيلية، مليئة بالهراء، عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، دون أدنى اعتبار، إلى حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال، وحقهم في تحرير أرضهم، وحقهم في نيل استقلالهم، وحقهم في الحصول على استقرارهم، كما فعل الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الذين وحدوا المستعمرات الثلاث عشرة، وقادوا حرب التحرير عن التاج البريطاني في أواخر القرن الثامن عشر ونالوا حريتهم واستقلالهم باستخدام القوة ضد السلطة البريطانية المتسلطة وبنوا إطاراً حكومياً حامياً لدولتهم الجديدة على أسس جمهورية وأبرزهم جون آدمز وبنجامين فرانكلين وتوماس جيفرسن وجيمس ماديسون وجورج واشنطن، وكل هؤلاء لعبوا أدواراً وطنية أمريكية مهمة في مقاومة ومحاربة الاستعمار البريطاني، لا تختلف عن الأدوار البطولية التي يقوم بها قادة المقاومة الفلسطينية، ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومنهم على سبيل المثال الشهداء إسماعيل هنية والسنوار والضيف وغيرهم من قيادات النضال الفلسطيني.
1071
| 25 مارس 2025
أكتب هذا المقال «من المسافة صفر»، بين القلم والورقة. أكتبه عن الوساطة القطرية، التي يتم إنجازها على طاولة التفاوض، من المسافة صفر، بين طرفي أكثر الصراعـات ضراوة، وأشـــدها قساوة في منطقتنا العربية. وأكثر الصدامات عنفاً، وأقواها بأساً في الأراضي المحتلة. وأكثر النزالات مشاكسة، وأعلاها مشاحنة في الشرق الأوسط وأكثر الحروب الإسرائيلية دموية، وأشدها وحشية، وأبشعها همجية، ضد الإنسان الفلسطيني، المستهدف في قطاع غزة، وسائر المخيمات الفلسطينية. وفي خضم هذه الأوضاع المأساوية، وأتون هذه الظروف غير الإنسانية، تسعى قطر، بمشاركة بقية الوسطاء، لإنهاء الحرب البربرية الصهيونية، التي تستخدم فيها إسرائيل، سلاحاً فتاكاً، يتمثل في استغلال احتياجات المدنيين الضرورية، واستخدامها كورقة مساومة تفاوضية، لإجبار حماس على قبول شروطها، ومنها حاجة الفلسطينيين الأبرياء، إلى الماء والغذاء والكهرباء والدواء. ولمعالجة هذا الداء الإسرائيلي، تواصل الدبلوماسية القطرية وساطتها بكل إصرار، وتستأنف جهودها بكل اقتدار، من أجل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، يسمح بإزالة آثار الدمار، والبدء في مشاريع الإعمار. وفي سياق هذا المسار، لا يمكن لأحد إنكار الجهود القطرية، لتجاوز جميع الأضرار، التي أثقلت كاهل المواطن الفلسطيني، المستهدف في قطاع غزة. وهذه حقيقة مؤكدة، أكتبها بكل إكبار، بعيداً عن التلوين فيها، أو التهوين في أهميتها، أو التهويل في تأثيرها، أو التضخيم في قيمتها، أو التفخيم في قيمها. إنها الوساطة القطرية، من المسافة صفر، لتسوية أكثر الملفات تعقيداً بين حركة حماس، وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، التي عقدت مفاوضاتها المعقدة، في عاصمة المساعي الحميدة والجهود الحثيثة. هنا في الدوحة، عاصمة الوساطة النزيهة، تم تدشين المفاوضات أكثر من مرة، من المسافة صفر، لمعالجة الملف الشائك، وتسوية الملف المتشابك، المتعلق بإطلاق سراح الأسرى، والإفراج عن المحتجزين لدى الطرفين. وآخرها المفاوضات، التي تمت بمشاركة «ستيفن ويتكوف»، المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، الذي حمل خلال زيارته العديد من الأفكار، من أجل ديمومة وقف إطلاق النار. وفي هذا الإطار، فإن ما يثير الإعجاب- ولا أقول التعجب- أن حماس، لم تتزحزح عن موقفها الوطني، قيد أنملة، ولم تفرط في حقوق الأسرى الفلسطينيين المعتقلين في سجون الاحتلال مليمتراً واحداً. لكنها من أجل إنعاش «اتفاق غزة» المهمش من الجانب الإسرائيلي، وحرصاً على إعادة الاتفاق إلى مساره الصحيح، عبرت عن استعدادها لإطلاق سراح الجندي «عيدان الكسندر»، مزدوج الجنسية الإسرائيلية ـ الأمريكية، في إطار «صفقة استثنائية»، إذا التزمت إسرائيل بتنفيذ بنود الهدنة الهشة، في القطاع المهشم. إضافة إلى تسليم رفات عدد من أصحاب الجنسية المزدوجة. * وبعيداً عن المواقف المزدوجة، والسياسات اللزجة تحرص قطر، خلال مساعيها الحميدة، ووساطتها المحايدة، على الوقوف عند نقطة المنتصف، على طاولة الحوار التفاوضي، دون محاباة هذا الطرف، أو الانحياز لذلك الطرف، حرصاً على تجاوز مرحلة العقدة، ومعالجة التعقيد في القضية، وتخطي الموقف المعقد في ملف الوساطة. إنها الوساطة القطرية، التي تمتاز بالوسطية، حيث يقف الوسيط القطري في منطقة الوسط، بين الطرفين المتنازعين، لفض النزاع، دون الانخراط في الصراع، بما يساهم في صناعة السلام. وخلال مراحل هذه الوساطة، المتعددة في أشكالها، والمتنوعة في أساليبها، لعبت قطر ـ كعادتها ـ دور رجل الإطفاء، الذي يسعى بكل حرص على إطفاء نيران الحرب، التي أحرقت الكيان، وهدمت البنيان ونالت من الإنسان الفلسطيني، وضمان عدم اشتعالها مجدداً في أي زمان أو أي مكان آخر في قطاع غزة. ونصل إلى العنوان البارز في المفاوضات، الذي يتمثل في محاولات الاحتلال، أن يحقق على طاولة التفاوض، ما عجز عن تحقيقه بالغارات، وما أطلقه من اعتداءات، ونفذه من هجمات! ولهذا يلجأ إلى ممارسة الضغوط غير الإنسانية، لإجبار الفلسطيني على الاستسلام، دون الالتزام بمبادئ السلام العادل والدائم والشامل، وهذه خلاصة الكلام. * ولعل من أبشع الضغوط الصهيونية، فرض التجويع على الجميع، وقطع الكهرباء عن الجموع، وقطع إمدادات الماء عن المجاميع. ولن نستغرب أن تحاول حكومة التطرف الإسرائيلي، قطع الأوكسجين من الهواء، لحرمان الفلسطينيين من التنفس! ورغم استهداف الأنفس، ومحاولات قطع الأنفاس، يبقى الإنسان الفلسطيني مقاوماً، لكل أشكال الإذلال، وكل أنواع الموت تحت براثن الاحتلال. ومنها الموت جوعاً، أو الموت عطشاً، أو الموت برداً، أو الموت حرقاً، أو الموت قهراً، أو الموت فقراً. وهكذا، هي الأحوال في غزة، التي تعاني من الأهوال، لكن إنسانها المقاوم لم ينكسر، أمام تسلط الاحتلال، الذي فشل في كسر المقاومة، وعجز عن تحقيق أهدافه، سواء بالخطط العسكرية، أو المؤامرات السياسية، أو المباحثات التفاوضية، أو التهديدات الأمريكية. ووسط هذه الضغوط، وكل هذه الظروف، تتواصل الوساطة القطرية، بمشاركة الوسطاء الآخرين، دون إغفال الجهد الدبلوماسي الكبير، الذي تبذله الشقيقة الكبيرة مصر، في هذا السياق- ولا أقول السباق- للإفراج عن الأسرى والمحتجزين. * وما من شك، في أنه مع الإفراج عن كل أسير فلسطيني، وإطلاق سراح كل محتجز إسرائيلي، خلال عمليات التبادل، يبرز دور قطر، التي تسعى لفتح أبواب الحرية، للسجناء والمعتقلين والمحتجزين، دون أن يكون لدولتنا أي أجندة سياسية خاصة، أو أطماع خصوصية خالصة. ويكفي أن الأطراف المنخرطة في الحرب الإسرائيلية، على غزة، والدول الداعمة لها لوجستياً، لم تجد بداً من اللجوء إلى قطر، للقيام بدور الوساطة، باعتبارها تجسد دور الوسيط النزيه. وهكذا بعد مرور أكثر من 15 شهراً على الطوفان الفلسطيني، الذي كشف عورات الطغيان الإسرائيلي، تظهر قطر في المشهد التفاوضي، كوسيط موثوق به، لا مثيل له، لا بديل عنه، لا تشكيك في نزاهته، لا طعن في حيادته. ولعل ما يميز الوساطة القطرية، أن الدوحة، تمكنت من فهم فيزياء الطرف الفلسطيني، وتحليل كيمياء الطرف الإسرائيلي، وتفكيك طلاسم «لوغارتيمات» الإدارة الأمريكية، المنحازة إلى أبعد درجات الانحياز إلى إسرائيل. وهذا ما نعيشه الآن واقعياً، ونتابعه عملياً، ونراقبه ميدانياً، ونشهده تفاوضياً، خلال الوساطة التي تقوم بها قطر، من المسافة صفر، لوقف الحرب على غزة نهائياً. ومن أجل ذلك، تبذل الدوحة كل مساعيها، لتضييق الفجوات، وردم الثغرات، وإزالة العقبات، وتبريد الملفات، المطروحة على طاولة المفاوضات. * ولا يخفى، على أي مراقب دبلوماسي، أو ناشط سياسي، أو متابع إعلامي، الدور الإيجابي الذي لعبته قطر، لوقف العدوان الصهيوني الوحشي، منذ إطلاق الصاروخ الإسرائيلي الأول على قطاع غزة، من خلال مساعيها الحثيثة، وجهودها الحميدة، ودبلوماسيتها النشيطة. وهذا الموقف القطري، المستند إلى مواد القانون الدولي، تسبب في استهداف قطر، بالعديد من حملات التحريض الصهيوني المتواصل، التي حركتها حكومة العدوان الإسرائيلي، مما أوجد مناخاً عدائياً ضاغطاً على الوساطة القطرية، من خلال التشكيك في نزاهتها، والطعن في حيادتها حتى أن صحيفة «هآرتس» العبرية، اعترفت، بأن وزارة الخارجية الإسرائيلية أعدت خطة في بداية حرب الإبادة على غزة «لتشويه صورة قطر والتشهير بها». وقالت الصحيفة إن الخطة حظيت بموافقة وزير الخارجية آنذاك. وذكرت أنه «في بداية الحرب أعدت وزارة الخارجية الإسرائيلية خطة لتشويه اسم قطر وتقويض مكانتها». ورغم الاتهامات الباطلة، والادعاءات الكاذبة، بأن الدوحة تدعم «الإرهاب الفلسطيني»، فقد عملت قطر بلا كلل، وباشرت بلا ملل، وبادرت بلا وجل، وركزت على العمل، وتعلقت بخيوط الأمل، من أجل التوصل إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار في غزة. * وفي هذا السياق، أتوقف عند تصريحات معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية في مقابلته مع الإعلامي الأمريكي «تاكر كارلسون»، التي أكد فيها، أن قطر، تعرضت لحملات تشويه كثيرة، وحملات تشكيك كثيرة، بسبب موقفها الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، وموقفها الرافض للعدوان على الفلسطينيين. ولا أكشف سراً، عندما أقول إن قطر، تعرضت إلى حملة كبرى، على نطاق عالمي، بمستوى عالٍ، ونسق عدواني، شاركت فيها مواقع إلكترونية مشبوهة، تم خلالها نشر مئات الإعلانات التحريضية، والمواد التشهيرية، عبر منصة فيسبوك، وغيرها من التطبيقات الإلكترونية، مثل يوتيوب، وتيلجرام، ومنصة إكس وغيرها. * وكان الهدف الشيطاني، من هذه الحملات التي وصلت إلى أكثر من 40 مليون متابع حول العالم، جعل إدارة الوساطة القطرية، أكثر صعوبة من خلال الضغط الهائل، على الوسيط القطري، لإفشال جهود قطر في الوساطة! وتم خلال تلك الحملات المضللة، استخدام آلاف الصفحات، لتمرير أكثر من (900) إعلان سياسي مناهض للدوحة، يدعو الكثير منها إلى عزل قطر سياسياً، ويتهمها بدعم «الإرهاب»! والملاحظ، أن الحملات الأشد ضراوة ضد قطر، كان يقودها اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وتحركها جماعات الضغط الأمريكية المتحالفة مع إسرائيل. وكانت تستهدف الدوحة بانتظام، بأسلوب لا يخلو من الانتقام، بالتزامن مع جهود قطر الشاقة- ولا أقول الشيقة- في الوساطة المتشابكة، لوقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين. وكان أصحاب الحملات المسعورة، يحاولون تعزيز الأجندات «الجيوسياسية» ضد قطر، وإثارة الشكوك حولها، وتحريك المخاوف ضدها، وتوجيه المزاعم حول سجلها القومي، وموقفها الأخوي، وخطها القانوني، ودورها الإنساني المدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ودعمها الثابت للقضية الفلسطينية. * لكن قطر، حرصت على رصد الحملة الأكبر من نوعها، والأخطر ضدها، من خلال الاستشعار الدقيق لها، وفهم أسبابها، وكشف أهدافها، وتحديد الأطراف المسؤولة عن تحريكها، وتقييم نتائجها، التي تمثلت في استهداف الدور المتنامي للدبلوماسية القطرية إقليمياً، والتأثير المتصاعد لها دولياً. ولأن الدبلوماسية القطرية، ترتبط بمجموعة من الثوابت الرافضة للتشكيك، وغير القابلة للانتقاد أو المستعدة للانقياد، فقد نجحت قطر في تجاوز حملات التشكيك. ولأن الوساطة القطرية، تتضمن مجموعة من القيم والمبادئ القانونية، غير القابلة للتخوين أو التخويف، أو التخفيف من قيمتها، فقد تمكنت الدوحة، من التعامل الفوري، مع الظروف المتغيرة، والأمور المستجدة، والمواقف المتقلبة، على طاولة التفاوض. وما من شك، في أن الاستقرار السياسي، الذي تنعم به قطر، بالإضافة إلى الازدهار الاقتصادي الذي تتمتع به، إلى جانب التلاحم الشعبي، الذي تمتاز به، كل هذا ساهم في تعزيز مكانة الدوحة، كوسيط دولي موثوق، وطرف حيادي مرموق. *وبفضل هذه الامتيازات الفريدة من نوعها أصبحت دبلوماسية الوساطة متجذرة في النسيج السياسي القطري. ونظراً لأهمية هذا المبدأ، فقد تم تثبيته في التعديلات الدستورية، التي تم إقرارها، خلال الاستفتاء الشعبي، الذي نظم في السادس من نوفمبر الماضي. وبهذا أصبحت الوساطة، من صميم المادة السابعة من الدستور، بما يتفق مع دور قطر، في حل النزاعات، بالطرق السلمية، السليمة، وما يستلزمه ذلك من الحفاظ على علاقات قطرية متوازنة، مع جميع الأطراف، بعيداً عن التطرف مع أو ضد أي طرف. ولأن الوساطة- ولا أقول الواسطة ـ أصبحت من ركائز العقيدة السياسية، للدبلوماسية القطرية، فإنني أدعو الجيل الجديد، من شباب وشابات قطر إلى حفظ المادة السابعة من الدستور الدائم، لأنها تشكل رافعة النجاحات التي تحققها البلاد، في مجال الوساطة النزيهة، الموثقة دستورياً، المؤكدة سياسياً، المؤيدة شعبياً، المميزة وطنياً. وخصوصاً بعدما أصبحت ترتكز على أسس دستورية غير قابلة للتأويل، أو التحويل، أو التعديل، أو التبديل، والتضليل. وهذا كله يمنح كل قطري الشعور بالفخر، بسبب توجه قطر لصناعة السلام في المنطقة، بما يدعم استقرارها، من خلال حرصها على فض النزاعات، بدلاً من الانخراط في الصراعات. * ولكل هذا، ليس من قبيل المبالغة، ولا من متطلبات البلاغة، الإشادة بالوساطة القطرية، لكن من خلال هذا البلاغ الصحفي، أود التأكيد مجدداً أن قطر، من خلال مساعيها الحميدة ووساطتها المحايدة، نجحت في توفير منصة تفاوضية مباشرة، بين حركة حماس والإدارة الأمريكية. وهذا الحدث السياسي غير المسبوق، يستوجب الحديث الإعلامي عنه، كما له من دلالات لا يمكن تجاهلها، بعد اقتناع الولايات المتحدة، بالتفاوض المباشر، مع حركة المقاومة الإسلامية، التي تصنفها واشنطن منذ عام (1997) بأنها جماعة «إرهابية». ومن الواضح، أن الرئيس ترامب، صاحب المواقف المتقلبة، أظهر استعداده للخروج من القواعد السابقة، المعمول بها في بلاده، ضد حركة حماس، لسبب وحيد، يتمثل في رغبة سيد البيت الأبيض، إنهاء أزمة المحتجزين، بشكل يمنحه مكاسب سياسية، يظل طوال حياته يتفاخر بها، ويتباهى بإنجازها وهو يلعب الجولف، بحكم شخصيته التي تتورم فيها عقدة «الأنا»، وتتضخم داخله، حول تمجيد الذات وفي إطار هذا «الانتفاخ» يريد ترامب أن يرجع له الفضل وحده فقط، في الإفراج عن بقية المحتجزين، خصوصاً بعدما سئم من ألاعيب نتنياهو، الذي يعتمد على المماطلة، في تنفيذ استحقاقات اتفاق الهدنة، وتخريب المرحلة الثانية من الاتفاق. وهذا الأمر، تسبب في إحراج صاحب «النتانة» أمام الرأي العام الإسرائيلي، وأجبر حكومته على المشاركة، في المفاوضات الأخيرة، التي عقدت في الدوحة. والمفارقة الفارقة، أن المفاوضات المباشرة التي أجرتها حماس مع الإدارة الأمريكية، من المسافة صفر، أثارت حفيظة السلطة الفلسطينية بدلاً من الترحيب بها! تماماً مثلما أثارت استياء الحكومة الإسرائيلية، التي تريد السيطرة، على المشهد التفاوضي، وتحديد مساراته، وتوجيهه وفقاً لشروطها وبناء على مصالحها، دون أدنى اعتبار، لحقوق الشعب الفلسطيني. ولهذا لم تحظ المفاوضات «الأمريكية ـ الحماسية»، بقبول إسرائيل، التي اعتبرتها طعنة في ظهرها. لكن ما يثير الغرابة، في هذه اللحظة المصيرية، وهذه الظروف المفصلية، هو غضب السلطة الفلسطينية ـ غير المبرر ـ من التفاوض «الحماسي» المباشر، مع الإدارة الأمريكية! علماً بأن «منظمة التحرير»، هي التي ابتكرت التفاوض السري مع «الأعداء»، عندما قررت التواصل التفاوضي، بشكل سري مع إسرائيل، تمهيداً لتوقيع «اتفاقية أوسلو» في الثالث من سبتمبر عام 1993. ولإنجاز هذه الاتفاقية الناقصة، لم تتشاور «المنظمة» مع أي طرف فلسطيني، ولم تنسق مع أي طرف عربي حول ترتيبات الحكم الذاتي، المحكوم بتوجهات وتوجيهات وقيود إسرائيل. لكنها فعلت كل ذلك، بعد سلسلة من المحادثات السرية، التي انطلقت في العاصمة النرويجية أوسلو عام 1991، والتي تؤكد في مضمونها، وتشكل في تفاصيلها، نوعاً من «التخابر» مع جهات أجنبية. *صحيح أن «المنظمة»، ـ ذات الأوضاع غير المنظمة ـ هي «الممثل الشرعي»، لكن ينبغي تحديد أي نوع من «التمثيل» تجيد القيام به، هل هو «التراجيدي»، أم «الميلودرامي»، أم البوليسي، أم الكوميدي؟ ولا أريد القول، إن «السلطة»، أصبحت متسلطة، لكن تثبت الأحداث المتلاحقة، منذ السابع من أكتوبر، أن السلطة تحولت إلى «سلاطة»، ولا ينقصها سوى «الفتوش»، ولا أقصد «الفنكوش» الذي ربما تجده تحت أنقاض غزة. وربما ما زالت تبحث عنه، لإلقاء القبض عليه، وتسليمه إلى حكومة التطرف الصهيوني، في إطار «التنسيق الأمني» مع إسرائيل، خفضا للتوتر، ومنعا للمواجهة الشاملة، (على حد قولها) وليس - لا سمح الله- لحلها، وتفكيكها، وإسقاط حكمها، الذي تثبت الأحداث أنه يخلو من الحكمة!
4422
| 18 مارس 2025
بداية.. لا بد من الاعتراف، دون حدوث اختلاف، قد يؤدي إلى خلاف، أن أمتنا العربية، تواجه خطراً وجودياً، وتهديداً جوهرياً، ومأزقا مصيرياً، يستهدف أمنها، ويمس حدودها، وينال من حقوقها، وينتقص من سيادتها، ويؤثر في ثوابتها. وعلى وجه الخصوص، ثوابت القضية الفلسطينية، المهددة بالتصفية، المستهدفة بمخطط تهجير الفلسطينيين، خارج وطنهم، وطردهم بعيداً عن ديارهم، لكي يهيموا في القفاري، وينزحوا نحو البراري، ويتشردوا في الصحاري! ولتنفيذ هذا المخطط الاستعماري، تحاول إسرائيل، بدعم من ترامب، وإسناد من اللوبي الصهيوني، وتشجيع من قوى الاستكبار العالمي، وتحريض من الإدارة الأمريكية، تشريد الفلسطينيين، أهالي قطاع غزة، وتهويد ما تبقى من أراضي فلسطين المحتلة! ولعل ما يثير القلق، ويسبب الأرق، ويبعث على الحنق، في مختلف الأوساط العربية، أن الإدارة الأمريكية، المنحازة لإسرائيل بأقوالها، والمساندة لها في أفعالها، والمتبنية لها في مواقفها، تتبنى دبلوماسية «الجمرة المشتعلة» مع الفلسطينيين! وتستخدمها حتى ضد أطفال فلسطين، ومن بينهم «حنظلة»، الذي يقف حافي القدمين، مرتدياً لباسه المقطع، الذي يشهد على فقره المدقع، ويكتب على الجدران المدمرة، والبيوت المحطمة، عبارة «ثورة حتى النصر»، وهذا في المفهوم الأمريكي، تحريض على «الإرهاب»! وعلى هذا الأساس، فهي تناهض «حماس»، وغيرها من حركات المقاومة الوطنية، وتمارس خلال تعاملها مع الشأن الفلسطيني، بمختلف مكوناته، وكل توجهاته، وجميع اتجاهاته، سياسة كرة النار المتدحرجة، مما يشكل ضيقاً فظيعاً، وضغطاً رهيباً، على النظام الرسمي العربي. ومع تواصل هذا الضغط الأمريكي، الضاغط على العرب العاربة، والمستعربة، نشعر أننا أمام مشهد طويل لا ينتهي، محذوف بقرار من الرقابة، من صالات العرض السينمائي، من فيلم «الأب الروحي»، الذي تم إنتاجه وعرضه عام 1972، ويجسد القصص المروعة، والجرائم المريعة، التي ترتكبها عصابات الجريمة المنظمة، في الولايات المتحدة. وخلال الواقع الفلسطيني، يؤدي الرئيس ترامب شخصية «فيتوكورليوني»، زعيم عصابة المافيا، التي تسيّدت المشهد الإجرامي، في نيويورك، من خلال أداء دور الممثل «مارلون براندو» في الفيلم الهوليودي. لكن رئيس الإدارة الأمريكية، أضاف لهذه الشخصية السادية، بعداً إجرامياً عالمياً، عبر قيامه بالتحريض العلني المباشر، لفتح أبواب الجحيم على الفلسطينيين، مما يشكل جميع أركان الجريمة العالمية المنظمة، التي تعاقب عليها القوانين الدولية، وتدينها الأعراف الإنسانية. والملاحظ أن الولايات المتحدة، في عهد رئيسها ترامب- بعد عودته الرئاسية الثانية- تحاول فرض وقائع استعمارية في المنطقة، يتم استحضارها من أزمنة العصور الوسطى، وأيام القراصنة، والمستعمرين، الذين ينتهكون حقوق الآخرين، بشكل لا ينسجم مع روح العصر، ولا يتفق مع سيادة القانون الدولي. ووفقاً لهذه المعطيات الخطيرة، تقف الأمة العربية، من أقصاها، إلى آخر مداها، حائرة، أمام مفترق طرق خطير، تتأرجح خلالها أقدامها على حافة الهاوية السحيقة: - فإما أن تتخذ القرار، وتتحرك بعيداً عن الانحدار، وتتوجه لدعم الفئات الفلسطينية المسحوقة، وتتضامن لوقف الأطماع الصهيونية، المدعومة بالتصريحات «الترامبية» المسمومة.. - وإما أن تسير في طريق الانهيار، ليشهد التاريخ على نجاح الرئيس الأمريكي، في إجبار العرب، على تنفيذ مخططاته، التي تتجاوز القواعد القانونية، وتتخطى الحدود السياسية، وتنتهك المعايير الحقوقية، ليتم بعدها إعادة ترسيم الحدود الجغرافية، لصالح الحركة الصهيونية ومشروعها الجديد - القديم، المتمثل في تهجير الفلسطينيين خارج ديارهم، وطردهم باتجاه مصر والأردن وغيرهما. والمؤسف، أن الإدارة الأمريكية، تعمل على إلغاء الواقع الجيوسياسي الحالي في قطاع غزة، دون مراعاة حقوق الفلسطينيين التاريخية الثابتة في أرضهم، ودون احترام سيادة الدول العربية، المجاورة للقطاع الفلسطيني، ودون اعتراف بالشرعية الدولية، ودون التزام بتطبيق القرارات الأممية، بكل حيثياتها القانونية، ذات الصلة بالقضية الفلسطينية. وهذه التحديات الخطيرة كلها، وكل المخططات والتهديدات المنبثقة منها وعنها، تستوجب وقفة عربية جماعية - جامعة، تحت سقف الجامعة العربية للتأكيد على أن ما يتم ترويجه حالياً في واشنطن، وما يتم النفخ فيه، بالأبواق اليهودية، في «تل أبيب»، هو أمر مرفوض عربياً، ومدحوض قانونياً، وغير مقبول سيادياً، وغير مبرر سياسياً، وغير مرحب به.. لا أخلاقياً ولا إنسانياً. ومع مواصلة النفخ اليهودي الكثير، وإطلاقه في ذلك الكير، والتكلم بالكلام الكبير، عن مخطط الهجرة والتهجير، تدفعني وحدة المصير، إلى التنبيه والتحذير، من ذلك التحدي الخطير. ولكل هذا، أواصل الكتابة، واستطرد في التعبير، مستنكراً بشدة، تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية، الاستفزازية، التي يحاول من خلالها تمرير أفكاره الشيطانية، بشأن إقامة دولة فلسطينية في السعودية، أو غيرها من الدول العربية، لأن ذلك يشكل انتهاكاً متعمداً للقرارات الدولية، وخرقاً متعدداً لميثاق الأمم المتحدة، ويؤدي إلى نسف مساعي السلام المتعثرة في الشرق الأوسط. وما من شك، في أن السلام العادل والشامل والمستدام لن يتحقق في المنطقة، إلا بعد تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة، على حدود الرابع من يونيو 1967، وفرض سيادة الفلسطينيين على أراضيهم المحتلة. وفي هذا السياق، أجدد الإشادة، بصفتي واحداً من أبناء الشعب القطري، بموقف قطر التاريخي، الثابت، والداعم لصمود الشعب الفلسطيني.. المناصر لقضية فلسطين العادلة، المؤيد لقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، التي تضمن إقامة الدولة المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية. ولا أنسى، دعم المشروع القومي الأكبر، في تاريخ الأمة العربية، وهو إعادة إعمار قطاع غزة المدمر، مع بقاء الفلسطينيين في أراضيهم، دون تهجيرهم خارج وطنهم.. وتوفير فرص عمل للشباب الفلسطيني المقهور، والعمل على إخراجه من حالة القهر، وانتشاله من المعاناة والفقر، ليتمتع كغيره من شعوب الأرض، بالرخاء، ويحس بالعدالة، وينعم بالحرية، ويعيش الاستقلال، بعيداً عن تسلط الاحتلال. وهذا يتحقق، من خلال الشروع في مشاريع الإعمار، التي ينبغي إنجازها بالسواعد العربية، والكفاءات العربية، والقرارات العربية، بمشاركة دول العالم الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني. وإنفاذاً لكل ذلك، جاء تحديد موعد انعقاد القمة العربية، المقرر عقدها في «أم الدنيا»، في الرابع من مارس المقبل، بعد تأجيلها الصادم لبضعة أيام، ليعيد الزخم القومي، في عروق القضية الفلسطينية، ويشعل جذوة التفاؤل بإمكانية توحيد الجهود السياسية العربية، لتحقيق التضامن العربي المفقود، والوقوف صفاً واحداً، في مواجهة التهديدات الصهيونية المدعومة من الإدارة الأمريكية. ولعل ما يميز القمة المرتقبة المصيرية، التي ستلئم في الرحاب المصرية، أنها ستعقد في شهر رمضان، هناك في القاهرة، العاصمة العربية، التي قهرت جميع الأعداء الطامعين. ولا يحتاج الأمر إلى التذكير، بأن أعظم البطولات العربية، ارتبطت بشهر الصيام، وأعظمها انتصار العاشر من رمضان، الذي تحقق على العدو الإسرائيلي، في السادس من أكتوبر عام 1973. وفي هذا النصر المبين، كان جنود الجيش المصري الباسل، بمختلف تشكيلاته، وجميع قطاعاته يحاربون على جبهات القتال، هناك على ضفاف القنال، وهم في حالة صيام، وألسنتهم تلهج «الله أكبر». ومع هذا التكبير، نجحوا في تحطيم «خط بارليف» الذي كان يوصف، بأنه أكبر وأصلب وأقوى خط دفاعي إسرائيلي، عرفه التاريخ المعاصر. ومن ذلك التاريخ المطرز بالانتصارات، إلى هذا الحاضر المستهدف بالمخططات، لا أنسى مع الإعلان عن عقد القمة العربية، في شهر رمضان، أن أكبر الفتوحات الإسلامية، تحققت في هذا الشهر العظيم، بداية من غزوة بدر، وهي المعركة الفاصلة في تاريخ المسلمين، مروراً بفتح مكة المكرمة، وصولاً إلى فتح الأندلس. إضافة إلى المعارك الحاسمة، وأبرزها معركة حطين، وعين جالوت، وعمورية، والزلاقة، وغيرها. وهذا يؤكد، أن في شهر رمضان تنبثق روح النصر، وأنه وسط التهديد الوجودي، تولد إرادة الفخر، ونأمل أن يتحقق ذلك، في القمة العربية المصيرية، التي ستعقد في العاصمة المصرية. هناك في القاهرة، العاصمة القاهرة، التي قهرت عبر تاريخها الكثير من التحديات، وأبطلت الكثير من التهديدات، وأفشلت العديد من المؤامرات الخارجية.. هناك ستعقد القمة العربية، في أمسية رمضانية، تحت عنوان واحد، هو إفشال المخططات الصهيونية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وتشكيل جبهة عربية صلبة تتصدى للمشروع الصهيوني وتعمل على إعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه وأهله. .. هناك في القاهرة، حيث ترتفع المآذن، وتعلو المنارات، وحيث يسكن الإيمان في القلوب، والأزقة، والدروب، والعمارات، وحيث يرتفع الأذان إلى العنان، في شهر رمضان، عندما يصدح «الله أكبر»، بصوت الشيخ أبو العينين شعيشع، الذي «يشعشع» الأمل، في النفوس المحبطة، ويطرد الإحباط الذي «يعشعش» في القلوب المحطمة، ويزيل الاضطراب، الذي «يشوش» العقول المرتبكة. .. هناك في القاهرة الظافرة، ستعقد القمة العربية، في عاصمة انتصار العاشر من رمضان، حيث تسمع «شقشقة» عصافير الأمل في الصباح، وحيث الديك «بيدن كوكو كوكو» في الفجرية، على طريقة سيد درويش، ملحن النشيد الوطني المصري «بلادي بلادي بلادي، لك حبي وفؤادي»، والذي ألّفه محمد يونس القاضي. .. هناك يقف الديك المصري، فوق برج القاهرة، يوجه النداء القومي، إلى أمتنا العربية، لتستيقظ من سباتها العميق، وتدافع عن تاريخها العريق، وتتوحد أمام الهجمة الصهيونية الوحشية، المدعومة من الإمبريالية الأمريكية. .. هناك في القاهرة العريقة، صاحبة القصص، والمليئة بالحكايات، والزاخرة بالروايات المدهشة، التي كتبها نجيب محفوظ، والقصائد التي صاغها الأبنودي، والألحان، التي هندسها بليغ حمدي. .. هناك في القاهرة، سنسمع خلال انعقاد القمة العربية، لحن الانتصار المدوي، الذي لحنه الموسيقار العبقري، بليغ (ملك الموسيقى)، وكتبه الشاعر عبدالرحيم منصور «بسم الله، الله أكبر، بسم الله، بسم الله». .. هناك في القاهرة الشعبية العتيقة، بكل حواريها، وجميع حوانيتها، وكافة أزقتها، ومشربياتها، ومقاهيها سنسمع خلال القمة العربية، نشيد: «حلوة بلادي، السمرا بلادي الحرة». .. هناك وسط مبانيها، سنسترجع قصة بانيها «الحلواني»، الذي أضاف اللمسة الحلوة، على شخصيتها الحلوة، وأضاف الحلاوة على ناسها الرايقين، وأهلها الطيبين، وسكانها الحلوين. .. هناك في القاهرة، التي تشتهر بأجوائها الروحانية، في الليالي الرمضانية، ستعقد القمة العربية، بينما تتهادى على المسامع ابتهالات الشيخ «النقشبندي»، وهو يبتهل بصوته الرنان، منشداً روائع البيان، التي تحرك جذوة الإيمان، في داخل الإنسان، وتعتبر أشهر ملامح شهر رمضان، وأشهرها ابتهال «مولاي إني ببابك قد بسطت يدي». ومع تلك اليد «المبسوطة»، أو الممدودة إلى السماء، والألسن التي تلهج بالدعاء، في كل صباح ومساء، لا يمكن أن ننسى صوت محمد عبدالمطلب، الذي يعتبر أيقونة شهر الصيام، وهو يعبر عن مشاعر الناس، التي تتصاعد مع حركة الأنفاس، ويترجم بكل إحساس، فرحة المصريين بقدوم الشهر الكريم، خلال أغنيته الشهيرة: «رمضان جانا، وفرحنا به بعد غيابه، وبقاله زمان». .. هناك في القاهرة، التي تجمع العرب تحت مظلتها، وجه الأمين العام لجامعة الدول العربية، دعوة حماسية، لحركة حماس، وطالبها بشكل حماسي، بالتخلي عن إدارة قطاع غزة. ولأن هذه الحركة الفلسطينية، التي تقود المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، لا تحتاج إلى دعوة «أبو الغيط» لتأكيد أنها لا تتمسك بحكم القطاع، ما دام ذلك يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، وقضيته العادلة، في هذه المرحلة المصيرية. من الواجب على «أبو الغيط»، المتحمس بشدة للموقف الحماسي، إثبات أن موقفه السياسي، ينبع من قناعة ذاتية، وليس من توجيهات خارجية! وهذا لن يتحقق، إلا من خلال تطبيق «نكران الذات»، على نفسه أولاً، والمبادرة بالتخلي عن منصبه القيادي في الأمانة العامة، التي تشهد في عهده حالة غير مسبوقة من الضعف والوهن والهوان، والانفصام عن الواقع. ويكفي أن «الأمين العام»، لم يكلف نفسه بزيارة قطاع غزة، ولم يبادر بزيارة مدينة «العريش» المصرية المتاخمة للقطاع الفلسطيني، لتفقد أحوال الجرحى الفلسطينيين الذين يتلقون العلاج في مستشفى المدينة. ولم يفكر ـ مجرد التفكير ـ بالوقوف من بعيد، أمام بوابة «معبر رفح»، والتقاط صورة «سيلفي» أمام المعبر، عند الجانب المصري، وهو يمسك بعلم فلسطين، ويلوح به بيده اليمنى، أو علم الجامعة العربية، أو علم «نيكاراغوا»، التي بادرت بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، تضامناً مع الشعب الفلسطيني، واحتجاجاً على استمرار العدوان الإسرائيلي، ورداً على الإبادة الجماعية الوحشية، التي ترتكبها الحكومة الصهيونية الفاشية، ضد الفلسطينيين! وكان يمكنه الذهاب إلى هناك، وفي يده «كوباية» شاي، أو صينية «بسبوسة»، أو «ربطة خبز»، في دلالة رمزية تعبر عن تضامنه مع أطفال غزة وأهاليهم، ورفضه لتجويعهم، ووقوفه إلى جانبهم، وسعيه لكسر وطأة الجوع، الذي تعاني منه تلك الجموع، التي لم تعرف «الهجوع»، ولا كيفية الرجوع الآمن إلى منازلهم والعودة الى بيوتهم المدمرة، ويعانون الحرمان، ويحتاجون إلى الدعم والرعاية وتوفير الأمان، والكثير من الحنان من الجامعة العربية. لكن «أبو الغيط» اكتفى بإرسال، مساعده «حسام زكي» لزيارة المعبر في منتصف الشهر الجاري، بعد مرور أكثر من عام على إطلاق الصاروخ الإسرائيلي الأول، على قطاع غزة! وهذا يؤكد إشكالية القصور، ومشكلة التقصير، في تعامل الأمانة العامة، مع مأساة الفلسطينيين، بسبب اتباعها الأسلوب الإداري السقيم، والأداء العقيم، الذي لا يستقيم، مع معاناة الشعب الفلسطيني العظيم. وربما لا يعلم «أبو الغيط»، أن «أنطونيو غوتيرش» الأمين العام للأمم المتحدة، حضر خصيصاً من نيويورك، للتضامن مع الفلسطينيين، وقام بزيارة تضامنية في شهر مارس الماضي، إلى رفح الواقعة على بعد أمتار، من الخاصرة الرخوة في قطاع غزة، وتوقف أمام بوابة المعبر، ووجه حديثه لأهالي القطاع قائلا: «لستم وحدكم». كل هذه المواقف، وتلك الوقفات، تؤكد أن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية تعيش في عهد أمينها العام، حالة مأساوية، من الترهل الإداري، والانتفاخ الذاتي، والانفصال التام عن قضايا الأمة، الذي يستوجب على «أبو الغيط» التخلي الفوري، والتنازل الطوعي عن المنصب القيادي.
1014
| 24 فبراير 2025
بيني وبين فلسطين قصة حب، وحكاية عشق، تنبع من شعور قومي دفيق، وشغف دافق عتيق، وشوق متدفق عميق، لقدسها ومقدساتها، ذات الإرث الحضاري، والتراث العربي، والتاريخ الإسلامي العريق. ويحركها ارتباطي الوثيق بأهلها في قطاع غزة والقدس ومدن الضفة والحواضر في يافا وحيفا وعكا، حيث يوجد الأخ، ويعيش الصديق، ويحيا الرفيق. .. وهناك في أماكن الشتات وسائر المخيمات وكل المدن الفلسطينية المحتلة والبلدات التي تعاني من احتلال صهيوني صفيق. ويرسخها إيماني العميق بحقوق شعبها العريق الذي تربطني مع مختلف توجهاته الرسمية ومكوناته الشعبية علاقات متشعبة، تتنوع في طبيعتها، وتتجذر في خصوصيتها، وتتعمق في تفاصيلها، مع هذا الشعب العربي الشقيق. ومنذ أن كنت طفلاً في المدرسة، ترسخ في وجداني يقين عريق، بعدالة قضيتها، وكنت أغني أناشيدها مع أستاذي الفلسطيني «خالد نصر»، مدرس التربية الفنية، في مدرسة «الخليج العربي» الابتدائية، التي كانت تستقطب أبناء الأهالي في «أم غويلينة» ومحيطها، هناك عند مشارف «فريجنا» العتيق. ومن يومها ذاك، وحتى يومنا هذا، ما زلت أحفظ كلمات الأناشيد المدرسية، التي تتغنى بحب فلسطين الحبيبة، وأرضها الحبيسة وشعبها العربي المحبوس في سجون الاحتلال، هناك خلف قضبان الاعتقال وقيود الأغلال. ومع تواصل مأساة أولئك الأسرى من النساء والرجال، ومعاناة آلاف المعتقلين، وبينهم الكثير من الأطفال، وتسلسل قصص المقاومين الأبطال، وتوالي حكايات النازحين، الذين يسيرون على أقدامهم فوق الرمال، وضحايا العدوان الصهيوني الذين يبحثون عن مأوى خلف التلال. أقولها ـ بثقة ـ وبلا جدال ومواربة، إن الفلسطينيين، على مدى تاريخهم الطويل مع النضال، لم تمر عليهم منذ عهد الإنجليزي بلفور، صاحب الوعد المشؤوم، كارثة سياسية، أخطر من المخطط الأمريكي ـ الصهيوني، الذي يتم ترويجه حالياً في واشنطن وتل أبيب، ويستهدف تهجيرهم قسرياً خارج وطنهم، تحت غطاء ما يسمى «ريفيرا» الشرق الأوسط. وخلال سنوات عمري المتسلسلة من زمن الطفولة مرورا بمرحلة الشباب ووصولي إلى دخول عالم «الشياب»، لم أشهد في حياتي مشروعاً فوضوياً مثل هذا، الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية واقتلاعها من جذورها، واجتثاثها من أرضها وتهجير أهلها من بيوتهم قسراً، وإبعادهم من ديارهم قهراً، ونقلهم من وطنهم ظلماً، في إطار أبشع عملية تطهير عرقي، وأخبث عملية تمييز عنصري في تاريخنا المعاصر، تحت مسمى «ريفيرا» الشرق الأوسط. فهذا المخطط الشيطاني يتضمن خليطاً ساماً من الأفكار الانتهازية والمخططات الابتزازية والأجندات الاستعمارية والأطروحات الاستعلائية والمؤامرات الاستبدادية ذات النتائج الكارثية. وهو يستهدف في تفاصيله المعلنة، الاستحواذ على الواجهة البحرية في قطاع غزة، المطلة على المياه الفيروزية. أما حيثياته الملعونة فهي تتمثل في السيطرة الكاملة والدائمة والمطلقة على القطاع الفلسطيني المقطع، واحتلاله أرضاً، وتملكه جواً، واستغلاله تراباً، والسيطرة عليه هواء. وتهجير جميع مكوناته قسراً، وإبعادهم خارج وطنهم المحتل ظلماً، بشكل ينتهك حقوقهم ويعتدي على حدودهم ويتعدى على ممتلكاتهم ويستولي على أرضهم. ومن المؤكد، بشكل أكيد، وبكل تأكيد، أن ما يسمى مشروع «ريفيرا» الشرق الأوسط، المرفوض عربياً، المستنكر دولياً، المستهجن جماهيرياً، المدان حقوقياً، الممقوت فلسطينياً، تسبب في إحداث «الشرخ الأوسع» في المساعي المبذولة لتحقيق السلام المشروخة أصلاً بفعل العدوان الصهيوني على الفلسطينيين. وأدى هذا المخطط الاستعماري غير المشروع إلى زيادة تعقيدات الوضع السياسي المعقد أصلاً في الشرق الأوسط، بسبب ظروف المنطقة بالغة التعقيد، على كل جبهة وصعيد. ونأتي إلى ذروة التصعيد المتمثل في سعي الرئيس الأمريكي لتغيير الواقع الجيوسياسي في عالمنا العربي، لصالح المشروع الصهيوني. وقبل أن يزعم أمام من يؤيدونه من الأمريكيين أنه يسعى لاسترجاع هيبة بلاده، وقبل أن يروج المزاعم أنه سيجعل الولايات المتحدة عظيمة في عهده على حساب انتهاك حقوق المستضعفين، ينبغي عليه، أولاً ودائماً، أن يوظف «عبقريته» المزعومة في إيجاد الحلول الفورية والجذرية لأزمات بلاده الداخلية، وفي مقدمتها أزمة «البيض» الذي يشهد ارتفاعاً حاداً في أسعاره، مع ندرة وجودية فيه، لعدم توفره في متاجر «السوبر ماركت». وهذا الأمر تسبب في حدوث الكثير من المواجهات، والعديد من الصدامات و«الهوشات»، بين المواطنين الباحثين عن البيض المفقود، وباتوا يتواجهون باللكمات، ويتصارعون بالكلمات، من أجل الحصول على قليل من «البيضات»!. ولكل هذه المشاحنات لا يمكن لسيد «البيض الأبيض»، عفوا أقصد «البيت الأبيض»، أن يتحدث عن الأزمات في الخارج الأمريكي، قبل إيجاد الحلول لمعضلات الداخل الأمريكي، التي تنعكس سلبياً على حياة المواطن الأمريكي! ومن الضروري أن يوفر الرئيس الأمريكي كراتين البيض في المتاجر للشعب الأمريكي، قبل التفكير في «ريفيرا» الشرق الأوسط، الذي يستهدف تهجير الشعب الفلسطيني. ولأن هذا المشروع قد بني على الخداع والكثير من الأطماع، ويساهم في تغذية الصراع، ويؤدي إلى زيادة الصداع، ومضاعفة الأوجاع، التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، فهو يشكل انتهاكاً صارخاً، لمواد العهد الدولي، الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وهذا «العهد القانوني»، يعتبر من أهم المعاهدات الدولية متعددة الأطراف، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، في السادس عشر من ديسمبر عام 1966، ودخلت حيز التنفيذ، في 23 مارس عام 1976، وصدقت عليها 168 دولة. ويتضمن هذا العهد القانوني أو التعهد الدولي، (54) مادة، تنص مادته الأولى على أن لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وبمقتضى هذا الحق، فهي حرة في تحديد مسارها وموقفها ومستقبلها ونظامها السياسي، ولا يجوز حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاص. والغريب، بل والعجيب المريب، أن واشنطن التي تزعم احترامها للخيار الديمقراطي، وتدعم نتائج الصندوق عندما يكون على هواها، نجدها تنتهك حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، عبر تنظيم استفتاء شعبي يحدد موقفهم من قيام دولتهم المستقلة. والمفارقة العظمى والطامة الكبرى بحجم المكتب البيضاوي الذي تصنع في القرارات الأمريكية أن الولايات المتحدة وقعت على مواد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عن الأمم المتحدة، وصدقت على هذه المواد الملزمة بالقبول، وتعهدت بالالتزام بتنفيذها. وهذا يدفعني إلى تنبيه الإدارة الأمريكية الحالية إلى هذه الحقيقة، التي ربما لا تعلم عنها شيئاً، ولها سوابق في ذلك، تعكس الجهل بالملفات الدولية، وتجاهل قواعد وحدود الجغرافيا السياسية. ولعل قيامها بالخلط ـ جهلاً ـ بين «غزة فلسطين»، و«غزة» الأخرى الواقعة في موزمبيق، يعكس هذه الحقيقة، بعد محاولتها تشويه الواقع الفلسطيني، بشأن قضية «الواقيات»، التي أرسلتها واشنطن إلى محافظة «غزة الموزمبيقية»، وادعت إرسالها إلى «غزة الفلسطينية». ولا يحتاج الأمر إلى توضيح أن الشعب الفلسطيني المستهدف في حاضره والمتنازع على مستقبله يريد زيادة النسل، وليس تحديده. وما من شك في أن أي إدارة سياسية لا تعترف بهذه الحقيقة ولا تعرف الفرق بين «غزة» الموجودة في فلسطين، و«غزة» الواقعة في موزمبيق، فإنها حتماً لا تملك الحق في تحديد مسارات خريطة الطريق المؤدي إلى مشروع «ريفيرا» الشرق الأوسط. ومشكلة الرئيس الأمريكي أنه لا يعرف قيمة الأرض الذي ولد فيها الإنسان الفلسطيني، ونشأ على ترابها، وعاش في مساكنها، وكبر في شوارعها، وترعرع في أزقتها، وتفرع نسله العربي في بلداتها وقراها. ولا يعرف أهمية الأرض في حياة الفلسطيني الذي يستمد من ترابها، ويتعايش مع تضاريسها، ويتنسم من مناخها، ويتعامل مع تلالها، و«بياراتها»، ويتصف بصفاتها، ويكتسب من مواصفاتها الشيء الكثير والمعنى الكبير، الذي يشكل سمات شخصيته الصلبة الصامدة، الصبورة، المقاومة لكل المتغيرات المحيطة به. إنه سر الأرض الفلسطينية، العربية، المرتبطة بالإنسان الفلسطيني، بكل سهولها، وهضابها، وسمائها، ورمالها التي ضحى المقاوم الفلسطيني بحياته دفاعاً عنها، تعبيراً عن ارتباطه بها. وتأكيداً على العطاء المعنوي والمادي والدموي والوطني السخي، من أجل أن يبقى متجذراً في فلسطين، مثل أشجار الزيتون، وعندما يستشهد، يدفن في أرضه التي يحبها وتحبه. ولكل هذا، لا يمكن لأي قوة غاشمة، أن تبعده عنها، ولا يمكن لأي سلطة «غشيمة»، أن تقتلع جذوره منها، لسبب رمزي بسيط، ربما لا يفهمه الرئيس الأمريكي، ويتلخص في أن الفلسطيني هو صاحب الأرض، وهو سيدها، وهو ابنها الذي يصعب اقتلاعه منها وإبعاده عنها. وينبغي أن يفهم رئيس الإدارة الأمريكية أن حق الفلسطيني في أرضه هو حقه في الحياة، وفي الحرية، والانتماء والهوية، والتاريخ والجغرافيا، والوطن والحضارة التي صنعها فوق تلك الأرض. مع تأكيد حقه في امتلاك «البيارة»، التي زرعها، وحقه في الحفاظ على «الفخارة»، التي طبخت فيها والدته، وجبته المفضلة. لكن حفيد المستوطن الألماني، «فريدريتش ترامب»، المهاجر من قرية «هالشتات» أو «كالشتات» الألمانية، إلى الولايات المتحدة، هرباً من التجنيد الإلزامي في الجيش الألماني. هذا الحفيد، الطافح بالنرجسية المتورمة، والانتهازية المتضخمة، لا يعرف قيمة الأرض، بالنسبة للإنسان الفلسطيني، وماذا تعني لأهالي غزة؟ والسبب أن جده الهارب من الخدمة العسكرية، في وطنه الأصلي فرط في أرضه، الواقعة في البلدة الريفية الصغيرة، جنوب غرب ألمانيا، حيث موطن أجداده، ومعقل أسلافه من السلالة «الترامبية». أما والده، المقبور «فريد ترامب»، فقد كان من أكثر المؤيدين للمواقف الصهيونية، ومن أبرز المناصرين للمؤسسات الإسرائيلية، ومن أشد الداعمين للقضايا اليهودية، وهذا دفعه للمساهمة في بناء مركز يهودي في حي «بروكلين» في نيويورك. وكل هذا يفسر انحياز الرئيس الأمريكي لمواقف اليمين الصهيوني المتطرف، ودعمه لتوجهات التيار الإسرائيلي المتعجرف، الذي يخطط لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وإبعادهم من ديارهم، لتوسيع الحركة الاستيطانية، وبناء المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة، باعتبار على حد قوله أن مساحة الكيان «تبدو صغيرة على الخريطة، ولطالما فكرت كيف يمكن توسيعها». والذي استطرد، دون حياء، وبنظرة كلها عجرفة واستعلاء: «إسرائيل دولة صغيرة جدا. مكتبي يشبه الشرق الأوسط، وهل ترى هذا القلم في يدى إنه جميل جدا بالمناسبة، إسرائيل تشبه رأس هذا القلم فقط، وهذا ليس جيدا، أليس كذلك؟». ولهذا نجده يصر إصرارا مريبا، على طرح مخططه الاستعماري، بعنوانه الاستثماري، المسمى «ريفيرا» الشرق الأوسط، لأنه يسعى لتحقيق المصالح الصهيونية، على حساب الخيار القانوني الصالح، المتمثل في مبدأ «حل الدولتين». علماً بأن العرب، الذي سيجتمعون في القاهرة، في القمة العربية الطارئة، المقررة في السابع والعشرين من الشهر الجاري، لديهم القدرة المالية، وعندهم الإمكانيات الهندسية والعمرانية، والعقارية، والفنية والتقنية، التي يستطيعون من خلالها إعمار قطاع غزة، وإزالة آثار الدمار، وجعل القطاع المدمر قابلاً للحياة، دون تهجير قسري أو تطهير عرقي، لسكانه الفلسطينيين، بما يضمن حفاظهم على أرضهم، ويكفل حقوقهم ومقدراتهم، ويحفظ لهم «بياراتهم» وبرتقالهم وزيتونهم وزعترهم. ولكل هذه المعطيات، أستطيع القول إن الفلسطيني المحروم من الحرية في وطنه المحتل، منذ أكثر من 70 عاماً، لا يريد «ريفيرا» على طريقة «كوت دازور» الفرنسية، ولا «ريفيرا» على طريقة «بورتوفينو» الإيطالية. لكنه يريد وطناً حراً، ودولة مستقلة ذات سيادة معترفا بها دولياً عاصمتها القدس الشرقية. أكرر: يريد دولة سالمة مسالمة ليس فيها عنصرية الصهاينة، ولا عدوانية بن غفير، ولا استفزازات سموتريتش، ولا أحقاد نتنياهو، ولا كراهية الحاخامات المتطرفين، ولا اعتداءات المستوطنين المسعورين. وأقولها نابعة من قلبي، وأنطقها بلساني لتدوي، وأكتبها بقلمي الصغير، وأضعها على طاولة «المكتب البيضاوي» الكبير، ليقرأها سيد «البيت الأبيض» مؤكداً له أن ضمان حقوق الفلسطيني في أرضه، سيساهم في ترسيخ الأمن والسلام العادل والشامل وسيضمن تحقيق التعايش السلمي المستدام، بين شعوب المنطقة. وسيبقى الفلسطيني، الذي يعرف كم عدد حبات الرمال في أرضه، متماسكاً في دياره، متمسكاً بترابه الوطني، مهما كانت الظروف، ومهما زادت الضغوط، ومهما علت التحديات، ومهما كثرت المخططات، ومهما حيكت المؤامرات، التي تستهدف حياته، وتنال من حريته. وبكل مبادئ وقواعد الحرية الواعية، لا أجد ما أختم به مقالي، سوى أن أرفع صوتي عالياً، ناطقاً بالحق والحقيقة، وأجر الصوت من حنجرتي، مردداً أنشودة فلسطين، وشعبها الحزين: يا صوتي ضلك طاير، زوبع بها الضماير خبرهن عاللي صاير، بلكي بيوعى الضمير خبرهن عاللي صاير، بلكي بيوعى الضمير.
1599
| 17 فبراير 2025
عندي اقتراح مسجوع، أطرحه بلسان الفلسطيني الموجوع، داخل القطاع المفجوع، الذي لا يقبل الخنوع، ولا مشاريع الخضوع، ويواصل مسيرات العودة، ومواكب الرجوع. أكتبه على وقع النزوح الجماعي المؤثر، من مواقع الجنوب المحاصر، إلى واقع الشمال المدمر. أطرحه، مستحضراً كلمات الشاعر الفلسطيني الثائر سميح القاسم «منتصب القامة أمشي، مرفوع الهامة أمشي، في كفي قصفة زيتون، وعلى كتفي نعشي». أكتبه على «دندنة» أوتار عود مارسيل خليفة، وهو يغني أنشودة المخيمات، وتقاسيم الشتات، وتفاصيل البطولات، التي سجلتها المقاومة الفلسطينية، رغم كل المخططات، التي تستهدف تهجير الفلسطينيين. أسجله، مرتدياً «الكوفية» الفلسطينية حول عنقي، مستعرضاً عودة آلاف المنكوبين إلى ديارهم، رغم تدمير منازلهم، وتفجير مقومات الحياة الكريمة في حواضرهم، وهم يسيرون نحوها على أقدامهم، بخطوات واثقة، في سلاسل بشرية متصلة على مد البصر، ضمن أمواج متلاحقة من البشر، تتدفق بمحاذاة الساحل الفلسطيني، المطل على البحر. ومن هنا من قطر، أكتب عن هذا المشهد الأسطوري الحاشد، الذي يشهد على الحضور الفلسطيني المشهود، في سبيل تحقيق الهدف الوطني المنشود، وإقامة الدولة المستقلة على الحدود، وترسيخ الكرامة والحرية والوجود. إنها مواكب عودة أهالي غزة إلى الديار، وتمسكهم بحقوقهم الوطنية رغم الدمار، وتشبثهم بجذورهم الفلسطينية، الممتدة في أرضهم مثل جذور الأشجار، وهكذا كان موقف رفاق الشهيد السنوار. ومن أعماق هذا المشهد، القادم إلينا من وطن الشهداء، والضحايا الأبرياء، ونزيف الدماء، أطرح اقتراحي، بعدما أثبت أبناء الشعب الفلسطيني، ثباتهم على موقفهم الوطني الصلب، دفاعاً عن قضيتهم الوطنية العادلة، وسعيهم لنيل الحرية، والسيادة، أو الفوز بالشهادة. وأشهد أنهم أظهروا صموداً بطولياً لا حدود له، وصبراً «أيوبياً» لا مثيل له، وهم يواجهون الاعتداءات الإسرائيلية والهجمات الصهونية، والمخططات الاستيطانية، والمشاريع الشيطانية. ورغم بشاعة التدمير، الذي استهدف مدن وقرى وبلدات قطاع غزة، نجح الفلسطينيون في إفشال مشاريع التهجير. وها هم اليوم يواجهون أخطرها، وهو المشروع غير القانوني، وغير الواقعي، وغير الإنساني، وغير المنطقي، وغير الأخلاقي، بخصوص تهجيرهم من وطنهم المحتل، ومحاولة اقتلاعهم من أرضهم، ونقلهم إلى الأردن ومصر، وربما غيرهما!. وسواء جاء التهجير بالإكراه، تجسيداً لمشاعر الكراهية للفلسطينيين، أو تم الترحيل بالقبول، للمشروع غير المقبول، فهو يشكل في مضمونه السياسي، ومحتواه غير الإنساني، مخالفة صريحة للقوانين الدولية. لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة، التي اعتمدت في أغسطس عام 1949، وتحدد قواعد الحماية الإنسانية للمدنيين، في أوقات الحروب وتحديداً المادة (49) من الاتفاقية المذكورة، التي تحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي، للأشخاص المحميين، أو نفيهم من الأراضي المحتلة، إلى أراضي دولة الاحتلال، أو أراضي أي دولة أخرى، بغض النظر عن الدوافع. والمؤسف أن من يطرح مشروع التهجير، يتحدث كرجل أعمال، يرتدي بدلة سمسار عقاري، تزينها ربطة عنق حمراء، ويروج لمخطط استثماري، يتجاوز الخطوط السياسية الحمراء، انطلاقا من أطماعه في إقامة مشروعه السياحي على شواطئ غزة، المستلقية على مياه البحر المتوسط «البيضاء»! والمحزن أن من يطرح مشاريع تهجير الفلسطينيين، بدلاً من أن يتبنى مبادرة سياسية واقعية، تسجل باسمه في التاريخ، تؤدي إلى تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في الشرق الأوسط، وإنهاء الصراع المزمن في المنطقة، وفقاً لمرجعية القرارات الدولية. وبدلاً من تخليد اسمه في سجل العظماء، على مر العصور، في حال استخدام عظمة بلاده، وقوة نفوذها، وتأثيرها السياسي على الساحة الدولية، لتطبيق «حل الدولتين»، الذي يقدم اعترافاً بوجود دولة فلسطينية مستقلة، ذات سيادة جنباً إلى جنب مع الكيان الصهيوني، تقام على حدود الرابع من يونيو 1967، ويلتزم أهلها بالتعايش السلمي مع جيرانهم اليهود. وبدلاً من كل هذا وذاك، نجده يطرح اقتراحاً ملغوماً مليئاً بالمتفجرات، ويتبنى مشروعاً مسموماً، مغلفاً بالحلويات، على طريقة دس السم في العسل، لأنه يستهدف في مضمونه السياسي، «تصغيراً» بل «تصفيراً» للقضية الفلسطينية، وتصفيتها نهائياً، ومحو فكرة الدولة المستقلة، بعد الشروع في تنفيذ المشروع، غير المشروع من خلال «تسفير» الشعب الفلسطيني خارج وطنه المحتل، ليبقى لاجئاً مدى الحياة، بعد تفريغ قطاع غزة من أهله ومن سكانه ومن أصحابه الفلسطينيين. وليس غريباً ولا مستغرباً أن المصفقين لفكرة التهجير، وأول المرحبين بها، أو الداعمين لها، وأول المطالبين بتنفيذها، هم الصهاينة، الذين قاموا بالتدمير والتفجير، وحرق الأخضر واليابس في قطاع غزة، واستهدفوا بعدوانهم الغاشم، المكان والكيان والبنيان والإنسان الفلسطيني. وأقولها بملء الفم، وأكتبها بصرير القلم، أن أي دولة تدعم، أو تبادر، أو تسهل، أو تخطط، أو ترحب بمخططات تهجير الفلسطينيين خارج وطنهم، بعيداً عن أرضهم، تعتبر مدانة ومتواطئة في جرائم التهجير القسري، حتى لو تم تسويق مخططاتها تحت مظلة الأهداف «الإنسانية» المزعومة. وهذا يقودني لدحض كل المزاعم المتعلقة بملف التهجير، عبر طرح اقتراحي بكل واقعية، ملتزماً بكل الضوابط القانونية، ومستنداً إلى الحقائق التاريخية، مرتكزاً على المعايير الحقوقية، متمسكاً بكل القيم الأخلاقية، مستنيراً بكل المبادئ الإنسانية، مستفيداً بالقدرة على التمييز بين الخطأ والصواب، والفهم العميق لحقائق الأمور المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وتطوراتها ومستجداتها وتحدياتها. ويتلخص اقتراحي، الذي أطرحه على من يتبنون مشاريع تهجير الفلسطينيين، بضرورة البدء الفوري، بإطلاق عمليات «التهجير العكسي» للصهاينة، الذين تسببوا في إشعال الصراع في المنطقة، ونقلهم إلى أوطانهم الأصلية، وبلدانهم التي جاؤوا منها كالجراد، إلى فلسطين المحتلة، وعاثوا فيها فساداً في البلاد، وإفساداً في العباد. وهذا يستدعي تدشين جسور جوية، لنقلهم من «تل أبيب»، على متن طائرات النقل العسكري الأمريكية التكتيكية، من طراز (سي 17) متعددة الاستخدامات، متنوعة الخدمات، التي يمكنها التعامل مع مختلف الوجهات والمسافات، والتكيف مع جميع الحمولات. ومن خلال هذه العمليات، يتم «تهجير» المستعمرين الصهاينة المسعورين، الذي استقروا في فلسطين، وسرقوا أراضي الفلسطينيين. وهكذا، من تم استقدام عائلته من بولندا ورومانيا والنمسا، والمجر وغيرها، فلينقل إلى مسقط رأس أجداده، في أوروبا الشرقية. ومن جاؤوا بعائلاتهم من مولدافيا ولاتفيا وليتوانيا وغيرها، فليتم تهجيرهم إلى بلدانهم الأصلية، وليس من حقهم أن يزاحموا الفلسطيني في أرضه وفي وطنه. وليس من حق الصهيوني، الذي نمت جذوره وتفرعت وتشعبت في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، أن يزاحم الفلسطيني العربي في أرضه، ويقيم في مستوطنة استعمارية في الضفة الغربية المحتلة وغيرها. وليس من حق اليهودي الأثيوبي، الذي نقلت عائلته عبر عملية «موسى» التي نفذتها «تل أبيب» في ثمانينيات القرن الماضي وضمت الآلاف من يهود «الفلاشا»، الادعاء أن فلسطين هي وطنهم. ولأن أوكرانيا، هي الموطن الأصلي لمعظم اليهود المتطرفين، والصهاينة المتشددين، الذين هاجروا إلى فلسطين، وساهموا في إنشاء الكيان الصهيوني المصطنع، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، جولدا مائير، وموشيه ديان، وإسحاق رابين وليفي اشكول، وكل هؤلاء لعبوا أدواراً شيطانية في استعمار فلسطين، واحتلال وإحلال اليهود في ربوعها. ولأن أوكرانيا، تعتبر مكاناً مهماً وملهماً وليس مهملاً، من الناحية الدينية لليهود، بمذاهبهم المتشددة، وتياراتهم المتشنجة، سواء كانوا من (الحريديم) أو (الحسيديم). أقترح ترحيل المستعمرين الأوكرانيين، إلى وطنهم الأصلي، خاصة أنهم يساهمون حالياً في رسم السياسة الإسرائيلية المعادية لكل فلسطيني. وهم يشكلون خزاناً بشرياً استراتيجياً، لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، داعماً لمشاريعها الاستيطانية، ومخططاتها التوسعية. وفي مقدمتهم المستوطن المتطرف المتعجرف «بتسلئيل سموتريتش»، الأوكراني الأصل والجذور، الذي يشغل حالياً منصب وزير المالية، في حكومة نتنياهو العنصرية. وأقترح ترحيل هذا المتطرف وعائلته إلى وطنهم الأصلي ونقل وزير المالية الإسرائيلي إلى الخطوط الأمامية في أوكرانيا، حيث المعارك الدائرة في الشرق والجنوب، ليدافع عن القضية الأوكرانية. والمعروف أن هذا المستوطن الصهيوني الذي جاءت عائلته من أوكرانيا، يعيش في مستوطنة «كدوميم» المقامة في الضفة الغربية المحتلة، وقام ببناء مسكنه بشكل غير قانوني بوضع اليد على الأرض الفلسطينية. وهو يعارض بكل بجاحة قيام دولة فلسطين المستقلة، وينكر بكل وقاحة وجود الشعب الفلسطيني ويدعو لتعيين رئيس أركان هجومي ـ على حد قوله ـ لتنفيذ مهمة احتلال غزة، بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف اطلاق النار. ومن المؤكد، قانونياً وحقوقياً أن هذا المستوطن الأوكراني الأصل، ليست له أي حقوق في فلسطين المحتلة، وليست له أي مبررات أو مسوقات، أو حيثيات للتواجد الاستيطاني على التراب الفلسطيني، والتصرف الشيطاني في الأراضي المحتلة، وكأنها من ممتلكاته الخاصة. ونصل أخيراً إلى المتطرف الصهيوني العنصري «ايتمار بن غفير»، الوزير السابق لما يسمى «الأمن القومي» الإسرائيلي. فهذا المتعجرف، يستحق التهجير خارج فلسطين المحتلة، بعيداً عن مستوطنة «كريات أربا» أو «أربع»، التي يقيم فيها في الخليل، وتعتبر معقل الإجرام الاستيطاني، والإرهاب الصهيوني. ومن المؤكد أن أنسب الأماكن لترحيل أو «تهجير» هذا المستوطن المسرطن، هو نقله إلى جزيرة «غرينلاد»، التي يسعى الرئيس الأمريكي للاستحواذ عليها والسيطرة على مقدراتها. وهناك يمكنه الإقامة في مستوطنة «ثلجية»، بمشاركة زميله في الإجرام الصهيوني المدعو «عميحاي الياهو» الذي يسمونه وزير «التراث النووي»، بحكم مطالبته بإلقاء قنبلة نووية على الفلسطينيين! ورغم أنه تولى حقيبة ما يسمونها وزارة «التراث الثقافي» الإسرائيلي، لكنه يعتبر أكثر وزراء حكومة نتنياهو غباء، ومواقفه تؤكد أنه لا توجد في رأسه ذرة واحدة من الثقافة، ودائما تصريحاته تتسم بالغباء. وهي تطفح أيضاً بالعداء للفلسطينيين والمسلمين، ومن بينها مطالبته بحذف مسمى شهر رمضان من «روزنامة» الشهور، بالإضافة إلى دعوته إلى احتلال سيناء. ورغم أنه من أصول عراقية، لكن مواقفه «العرقية» تتصف بالعنصرية والكراهية. ولهذا من الضروري إبعاده عن المنطقة، وتهجيره إلى «غرينلاد»، لحماية الشرق الأوسط من شروره، ليبقى هناك وسط الأجواء المثلجة، مما سيساهم في تبريد أعصابه المتوترة. ولا أنسى ضرورة «تسفير» أو تهجير المدعو «أفيخاي أدرعي» الذي يشغل وظيفة «المثرثر» الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، حتى يواصل «الثرثرة» والهذيان هناك وسط ثلوج «غرينلاد»، غير القابلة للذوبان!.
7512
| 04 فبراير 2025
تقف قطر، في عهد صانع المجد، حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، على أبواب مرحلة وطنية جديدة، في تاريخها السياسي المعاصر، وهي تتأهب بكل شعبها وشعابها، لموعد تاريخي، يوم الثلاثاء، مع الاستفتاء، لإقرار التعديلات الدستورية، في خطوة حضارية، تساهم في تأكيد الوحدة الوطنية، وتعزيز اللحمة القطرية. وهذه المبادرة الأميرية، المتمثلة في توسيع المشاركة الشعبية، لإدارة شؤون البلاد، على مبدأ «الشورى»، تشمل كل من يحمل الجنسية القطرية، دون استثناء أو إقصاء، لأي مكون قطري، يتنفس هواء قطر، وينبض قلبه بحب قطر، ويلهج لسانه باسم قطر، وهو يردد كلمات النشيد الوطني: قسماً بمن رفع السماء قسماً بمن نشر الضياء قطر ستبقى حرة تسمو بروح الأوفياء. وها هي قطر، على موعد بكل أطيافها، مع الوفاء، يوم الثلاثاء، لإنجاز الاستفتاء، وفاء للوطن، والقائد، والدستور، والنظام، والقانون، والعدالة، والمساواة في الحقوق والواجبات. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فهناك في التعديلات الدستورية، تفاصيل مهمة، ينبغي أن يدركها، كل مواطن قطري، ليعرف ما له وما عليه، سأوضحها في السطور التالية. وما من شك، في أن هذه الخطوة الوطنية، التي تأتي تنفيذاً لتوجيهات أمير البلاد، أسعدت جميع العباد، لأنها جاءت تجسيداً لتوجهات قائد الوطن، الحريص على وحدة الوطن، وتحقيق مصلحة الوطن والمواطن. ولعل ما يميز هذه المبادرة الأميرية، أنها خلقت مناخاً إيجابياً، في الداخل القطري، يتمثل في حرص حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، على تطوير (3) مسارات مهمة في نظام الحكم، أولها توسيع المسار التشريعي، ممثلاً في مجلس الشورى. وتفعيل المسار التنفيذي، ممثلاً في مجلس الوزراء. وترسيخ المسار القانوني في البلاد، عبر تأكيد إنفاذ القانون، على الجميع. ويمكن ملاحظة، أن المادة الأولى، من الدستور، أضيفت لها عبارة «سيادة القانون». ولا يحتاج المرء، أن يكون خبيراً قانونياً، ليدرك أهمية هذه العبارة، التي تحمل دلالات قانونية، في غاية الأهمية، من خلال تجسيد مبدأ أنه لا أحد في قطر فوق القانون، بما في ذلك الحكومة وأفرادها. فالكل سواسية، أمام القانون، الذي يطبق على الجميع، لا فرق بين الكبير والصغير، أو الغني والفقير، حيث يتم إخضاع الجميع، للمساءلة القانونية، بموجب القانون والدستور. والمعروف، أن «سيادة القانون»، تضمن تحقيق العدالة، لجميع المواطنين، وهي تتضمن مجموعة من المواد والمبادئ والقيم، والمثل العليا، التي تكفل إنفاذ القانون، على قدم المساواة، على جميع مكونات المجتمع، وجميع الجموع، والمجاميع التي تستنشق أوكسجين قطر، وتعيش في ظلال قطر. ولتوضيح هذا الأمر الواضح، ليكون أكثر وضوحاً، هناك (14) مادة، في الدستور، مطروحة للاستفتاء، يوم الثلاثاء، وتشمل جميع القطريين، بلا استثناء. لكن أكثرها أهمية، على صعيد توسيع المشاركة الشعبية، تتمثل في المادة (80) التي تنص في صيغتها السابقة، على أنه يجب أن تتوفر في عضو مجلس الشورى الشروط التالية: (أن تكون جنسيته الأصلية قطرية). ليأتي النص المقترح، شاملاً لجميع القطريين دون تمييز، حيث يعزز التعديل المقترح، ويوسع، ويرسخ، مبدأ المواطنة المتساوية من خلال التأكيد، في أحد شروط عضوية المجلس، أن يكون العضو قطري الجنسية، بمعنى أن يكون حاصلاً على الجنسية القطرية، وحاملاً الجواز القطري. ونأتي إلى المادة (117)، التي يعتبر تعديلها في غاية الأهمية، بالنسبة لكل قطري، حيث تنص هذه المادة، قبل طرحها للتعديل من خلال الاستفتاء، يوم الثلاثاء، على أنه لا يلي الوزارة، إلا من كانت جنسيته الأصلية قطرية، لتصبح بعد تعديلها: (لا يلي الوزارة، إلا من كانت جنسيته قطرية). وهذا يعني، أن التمثيل الوزاري، متاح لكل صاحب كفاءة قطري، بدون اشتراط «أصالة الجنسية». ولا أنسى، إلغاء (3) مواد من الدستور هي (78) و(79) و(82)، وكلها تتعلق بآلية النظام الانتخابي، المعمول به سابقاً، والتي أصبحت بلا قيمة، بعد العودة إلى نظام «التعيين»، لاختيار أعضاء مجلس الشورى، وهو المبدأ المعتمد، منذ تأسيس «المجلس الموقر»، عام 1972. ولعل الأمر، الأكثر وضوحاً، في هذا السياق، أن «مجلس الشورى»، ليس برلماناً تمثيلياً، يتشكل من رحم نظام يدار وفقاً للنموذج الغربي. ولكن «المجلس الموقر» يجسد مبدأ «التشاور»، الذي يعتبر من ركائز الحكم في الإسلام، تحت مظلة الحاكم الرشيد. وما من شك، في أن «الشورى»، هي التي أوجدت العدالة، في المجتمع الإسلامي، من خلال التشاور، بين الحاكم والمحكوم. وهي التي رسخت مبادئ «حقوق الإنسان» في المجتمع المسلم، قبل أن تعرفها المجتمعات الغربية. وهي التي عززت، مبدأ «الحوار الوطني»، لحل جميع المسائل،وتسوية الملفات، ذات الصلة بمصلحة الوطن، وإدارة شؤون الدولة، عن طريق التشاور، مع «ولي الأمر». ويكفي أن القرآن الكريم، خصص سورة كاملة، باسم «الشورى»، وتحديداً الآية (38)، المتجسدة، في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ». فهذه الآية الكريمة، تحث المسلمين، على التشاور، مع ولي الأمر، قبل اتخاذ أي قرارات، ولم تحدد شروطاً للمشاركين، في المشورة، لكنها أمرت بها، كطريقة لصنع القرار، وفيها يكمن ملخص الممارسة الديمقراطية، في الإسلام. وليس جديداً القول، أن دولتنا، من الدول العربية الرائدة، في مجال إرساء سلطتها التشريعية، على أساس نظام الشورى، المستمد من شريعتنا الإسلامية. وقبل تجربة النظام الانتخابي في انتخابات عام 2021، كان أعضاء مجلس الشورى «المعين»، يمارسون دورهم التشريعي، من خلال الموافقة، أو رفض مشروعات بعض القوانين. بالإضافة إلى دعوة الوزراء، لمناقشتهم في القضايا، والملفات، التي تهم الوطن، وتلقي بظلالها الإيجابية أو السلبية على المواطن. وهكذا، في إطار «الحوار التشاوري» الوطني، تصنع قطر قراراتها، ولعل المادة (75 مكرر) المضافة إلى الدستور، وتشكل الفقرة الأخيرة في التعديلات، تنص على هذه الحقيقة. وهي تدخل في صميم اختصاصات صاحب السمو بشأن دعوة مجلس العائلة الحاكمة، وأهل الحل والعقد، ومجلس الشورى، أو أياً منهم، لمناقشة ما يراه من الأمور. أما المادة (125)، المضافة أيضاً إلى الدستور، ضمن التعديلات الدستورية، فهي تدخل في سياق، صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، حيث تجيز له، تفويض بعض صلاحياته، إلى نوابه والوزراء. وخارج الإطار الوزاري، لو توقفنا عند أهداف الديمقراطية، كما تشير إليها الأمم المتحدة، سنجد أنها تتمثل في الأهداف التالية: - الحفاظ على كرامة الفرد، وحقوقه الأساسية، وتعزيزها، وهذا متوفر في قطر، أكثر من غيرها. - تحقيق العدالة الاجتماعية، وهذا موجود في قطر، ويشمل جميع المكونات المجتمعية. - تعزيز تماسك المجتمع، ومن المؤكد أن الدستور القطري، بجميع المواد الموثقة فيه، يحرص، على ترسيخ التماسك الاجتماعي، والتلاحم المجتمعي، والترابط الجماعي. - تشجيع التنمية الاقتصادية، داخل المجتمع، ولعل أرقام النمو الاقتصادي، المتصاعد، والمتسارع، والمتواصل والمتنامي في قطر تشهد على ذلك. وما من شك، في أن التعديلات الدستورية، المطروحة للاستفتاء، يوم الثلاثاء، تعكس التزام «قائد الوطن»، بتطوير النظام الداخلي للدولة، وتفعيل الإطار الدستوري، في البلاد، بما يساهم في تحقيق المزيد من التماسك، في النسيج الاجتماعي، والمزيد من التلاحم المجتمعي، والترابط الجماعي. وهذا كله، يدخل في صميم ركائز المجتمع القطري، الذي يتشكل في إطاره الوطني، من جميع الحاصلين على الجنسية القطرية، دون أي إجراء تمييزي، ضد أي أحد. ومن ملفات الداخل، إلى قضايا الخارج القطري، حيث حرصت التعديلات الدستورية، على إجراء تعديل مهم، في صياغة المادة السابعة، المتعلقة بمحددات السياسة الخارجية القطرية. ولأن من ثوابت قطر، وركائز دبلوماسيتها، حرص الدولة، على مبدأ السلم والأمن الدوليين، عن طريق، تشجيع فض المنازعات بالطرق السلمية. ولهذا أضيفت للمادة (7) ذات الصلة، عبارة «من خلال الوساطة والحوار». وهذا ما يميز الدبلوماسية القطرية النشطة، ويشكل ضلعاً من أضلاع «القوة الناعمة»، التي تمتاز بها، وتشتهر بها على الساحة الدولية، ومن خلالها نجحت في تقريب وجهات النظر، بين مختلف الفرقاء، وتسوية العديد من المنازعات المعقدة. ولتأكيد هذه الحقيقة، يكفي التوقف عند جهود قطر الصادقة والمخلصة، لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإنهاء العدوان الإسرائيلي، على الشعب الفلسطيني. ولكل هذا، أقف بكل إجلال، وتقدير، وتأكيد، وتأييد، لكل ما ورد في خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في افتتاح دور الانعقاد العادي الرابع، من الفصل التشريعي الأول، الموافق لدور الانعقاد السنوي، الـ(53) لمجلس الشورى، بشأن التعديلات الدستورية، المطروحة للاستفتاء يوم الثلاثاء. وأقولها «نعم»، للعودة إلى نظام «التعيين»، بدلاً من انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشورى. وأكتبها «نعم»، لتوجيهات، وتوجهات «صاحب السمو» في هذا الخصوص، وفي جميع الخصائص والاختصاصات المتعلقة بمصلحة الوطن. وأدونها «نعم» تقديراً لحرص سموه، على تعزيز المواطنة المتساوية، لجميع أفراد ومكونات شعبنا القطري. وأعلنها «نعم»، للتعديلات الوطنية، التي تحقق المساواة، بين المواطنين، في الحقوق والواجبات. .. ويبقى موعدنا جميعاً، مع الاستفتاء، المقرر يوم الثلاثاء الخامس من نوفمبر الجاري، لنقول «نعم» للتعديلات الدستورية. «نعم» للتوجيهات الأميرية. «نعم» للمصلحة الوطنية. «نعم» نقولها بملء الفم، ونوثقها شعبياً، ووطنياً، ورسمياً، ودستورياً. «نعم» بحجم شبه جزيرة قطر، الممتدة من اليابسة، حتى البحر، على مساحة (11.521 كم مربع).
1173
| 02 نوفمبر 2024
لست بصدد الكتابة، عن فيلم «حياة الماعز»، الذي استحوذ على مساحة واسعة، من الهرج والمرج، لأنه يحمل في ظاهره دفاعاً مزيفاً عن «حقوق الإنسان»، استناداً إلى حالة فردية فوضوية شيطانية إجرامية استبدادية استعلائية لا تخلو معظم المجتمعات، التي تدعي أنها «ديمقراطية» من أشكالها وإشكالياتها. ولن أخوض مع الخائضين في سلوك هذه الشخصية المريضة، بداء العداء للآخرين التي تدور أفعالها غير القانونية في حلقة مفزعة من العنف والقسوة والسادية وإثارة الكراهية ضد الإنسان الآخر، والاستخفاف بحياته وحقوقه وحريته وكرامته. ولكن مع حلول الذكرى السنوية الأولى للحرب الوحشية، التي تشنها الحكومة اليمينية الصهيونية على الشعب الفلسطيني، أكتب عن «الحالة الماعزية»، التي تحاول إسرائيل أن تفرضها على الفلسطينيين، وتمارس خلالها كل أنواع الجرائم ضد الإنسانية. أكتب عن حرب الإبادة الجماعية والاعتداءات الهمجية والانتهاكات الحقوقية والممارسات العنصرية والسياسات القمعية، التي تطبقها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة، والمداهمات العسكرية التي تستهدف الإنسان الفلسطيني في مخيمات وبلدات الضفة الغربية المحتلة. أكتب عن معنى أن تكون إنساناً فلسطينياً تعيش محاصراً ومستهدفاً في وطن محتل، في إطار وضع مختل، تحاول إسرائيل أن تفرض عليك «حياة الماعز»، لتعيش على هامش الدنيا بلا حقوق وبلا سيادة وبلا حرية وبلا دولة وبلا استقلال، وسط «ظروف ماعزية» صعبة، ينظر لك الغرب في إطارها أنك «إرهابي»، لمجرد أنك تقاوم الاحتلال وتسعى لتغيير الاختلال وتمارس حقك المشروع في النضال. أكتب عن العدوان الوحشي الهمجي البربري الصهيوني على أهلنا في غزة، الذي دخل عامه الثاني، وما زالت إسرائيل ترتكب خلالها جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وتستخدم في سبيل ذلك كل أذرعها العسكرية وكل وسائلها الإجرامية وكل أدواتها الشيطانية، والاستيطانية والدموية والاستخباراتية والتهويدية والتهديدية بشكل يتنافى مع القيم الإنسانية والمواثيق الدولية والقواعد الحقوقية والمبادئ القانونية. أكتب عن الغارات الصهيونية المتواصلة والاعتداءات الإسرائيلية المتصلة على مختلف المناطق والبلدات والقرى و«الضيعات» اللبنانية، وتأثيرها الكارثي على الشعب اللبناني، دون احترام سيادة «بلد الأرز»، ودون التزام إسرائيل بسلامة شعبه وشعابه وتشعباته الشعبية. أكتب عن «الهدهد»، الذي قامت إسرائيل باصطياده، بعد اختراق الدائرة المغلقة المحيطة به، عبر العملاء الذين يعملون لصالح «الموساد»، وهذه حقيقة لا تحتاج إلى إسناد، لأنها مسنودة بالوقائع التي يعرفها الأشهاد، وخصوصاً أن الاختراقات الاستخباراتية الإسرائيلية، أصبحت وتيرتها في لبنان أكثر وأكبر وأخطر من المعتاد. أكتب عن مأساة اللبنانيين الذين يتألمون من بشاعة العمليات العدوانية الصهيونية المسعورة، وكارثة الفلسطينيين الذين يحترقون بنيران الحرب المستعرة. أكتب عن المنطقة التي تتأرجح في هذه اللحظة الحرجة على حد السكين، حيث لا تهدأ فيها الأوضاع ولا تستكين. أكتب عن العدوان الوحشي الصهيوني الذي ينتقل من ساحة عربية إلى أخرى، ومن مدينة فلسطينية إلى بلدة لبنانية، محاولاً توسيع دائرة الحرب وإشعال الحرائق في المنطقة والتعامل مع حواضرها وكأنها «حظائر»، لا تختلف حياة الساكنين فيها المسكونين بحبها، عن «حياة الماعز». أكتب عن أحداث «المقصب الآلي» الإسرائيلي الذي يستهدف الإنسان الفلسطيني واللبناني، بدعم وتشجيع وإسناد وتغطية وتدمير وتدبير وتمرير وتبرير من «الكفيل الأمريكي». وبالنسبة لذلك «الوكيل»، المتخصص في صناعة «الويلات»، لشعوب المنطقة، وأقصد تحديداً الولايات المتحدة، فإن كل ما تفعله إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني مباح، في إطار ما تسميه واشنطن «الدفاع عن النفس». وكل عدوان لها متاح، ويحظى بالقبول والسماح والتعبير الدبلوماسي بالارتياح، سواء كان الهدف مقاتلا مقاوما أو المستهدف مواطنا مسالما. وهكذا، فإن كل جرائم إسرائيل البشعة، ضد المدنيين الفلسطينيين، والأبرياء اللبنانيين، تدخل في إطار «الدفاع عن النفس» وفقاً للمنطوق الأمريكي الغربي الرسمي الذي يفتقد إلى المنطق. ويبقى «الزلمة» الفلسطيني هو الإنسان الوحيد في الدنيا الذي ليس له الحق في الدفاع عن نفسه وعن حريته وكرامته، وفقاً لوجهة النظر الغربية الغريبة المنحازة لإسرائيل. مع إنكار حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم وعن أرضهم المحتلة وعن حقوقهم المغتصبة وعن حريتهم المسلوبة وعن سيادتهم المنزوعة وعن كرامتهم المنتهكة وعن قطاعهم المستهدف وعن مخيماتهم المضروبة وبلداتهم المدمرة و«بياراتهم» المخربة وعن طموحاتهم المرفوضة بإقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس. ومع استمرار الحرب الإسرائيلية الوحشية، يبحث الأهالي في قطاع غزة عن أي طعام يسدون به رمقهم، فلا يجدون شيئاً يأكلونه، سوى الشعير المخصص لعلف الحيوانات، والعشب الذي لا تأكله سوى المواشي. هناك في غزة، تتواصل أزمة الجوع الكارثي، وتتضاعف موجات الوجع النفسي والألم الجسدي بين الأهالي الذين يضطرون إلى تناول طعام لا يصلح للاستخدام الآدمي. هناك يعيش أهل غزة وأصحابها وسكانها المسكونون بحبها، بين أنياب الفقر ومخالب القهر ويواجهون نقصاً كارثياً في الغذاء والدواء ورشفة الماء، فلا يجدون، وكأنهم في بيداء تبيد ساكنها، لا مسار فيها إلا نحو الموت ولا طريق فيها إلا نحو الهلاك، ولا اتجاه فيها إلا نحو السراب. وفي سياق ذلك «السراب السياسي»، تتعامل إسرائيل مع مبدأ «حل الدولتين»، الذي يحظى بإجماع دولي، وكأنه نوع من الوهم البصري، الذي لا وجود له وراء الأفق الفلسطيني. ولهذا نجد حكومة التطرف الصهيوني تتحسس منه ولا تتحمس له، وتحاول من خلال انتهاكاتها وجرائمها واعتداءاتها وأفعالها العدوانية، إظهار أنها غير معنية به وأنها غير مكترثة بتطبيقه. وما من شك في أن رئيس حكومة التطرف الصهيوني، عندما يواصل عدوانه على قطاع غزة، ولا يلتزم بتنفيذ قرارات القانون الدولي. وعندما ينتهك بغاراته الوحشية المتواصلة على الشعبين الفلسطيني واللبناني، مواد القانون الدولي. وعندما لا يعترف بقواعد الحرب، التي ينص عليها القانوني الإنساني الدولي، وفي مقدمتها عدم استهداف المدنيين، وعدم الإضرار بالآمنين، وعدم محاصرتهم وتجويعهم، وتقييد فرصهم في الحصول على المواد الحياتية والمواد الغذائية والإعاشية والدوائية الأساسية، فهذا يعني أن نتنياهو يتصرف، وكأن الأمم المتحدة مجرد «حظيرة». وها هو يتعامل مع «مجلس الأمن» وكأنه «حضيرة». والشرعية الدولية، يعتبرها مجرد «حصيرة»، يستطيع أن يدوس عليها، وعلى قراراتها، ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وآخرها، قرار «الجمعية العامة»، الذي يطالب إسرائيل بإنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي المحتلة، الصادر بموافقة 124 دولة، يمثلون أكثر من ثلثي الدول الأعضاء، في المنظمة الأممية. ولا أنسى القرار الأممي رقم «2735»، الذي يطالب بالوقف الفوري التام والكامل لإطلاق النار في قطاع غزة، مع إطلاق سراح الأسرى وعودة المدنيين إلى ديارهم، فضلاً عن التوزيع الآمن والفعال للمساعدات الإنسانية على نطاق واسع، في جميع أنحاء القطاع، وفقاً للصفقة المقترحة، التي أعلنها الرئيس بايدن في (31 مايو) الماضي. ورغم المقترحات الإيجابية في «الصفقة»، ما زالت إسرائيل تواصل «الصفاقة»، وها هو العدوان الصهيوني ينتقل من جبهة إلى أخرى، ومن جهة إلى غيرها، ليبقى القطاع مشتعلاً والحريق متأججاً والوضع ملتهباً والظلم مستعراً والضيم مسعوراً ضد الفلسطينيين. وفي سياق هذه الأوضاع العدوانية والأحوال العنصرية المدانة قانونياً وحقوقياً وإنسانياً تتعامل حكومة الاحتلال، مع الفلسطينيين، بمنتهى الاختلال، ليس بصفتهم كائنات إنسانية لهم حقوق وطنية أصلية واجبة النفاذ واستحقاقات قانونية متأصلة واجبة التنفيذ، ولكنها تتعامل معهم وكأنهم «حيوانات بشرية»، وتسعى أن تفرض عليهم «الحالة الماعزية» بالقوة العسكرية. ولا يحتاج هذا الأمر الثابت إلى إثبات، لأنه مثبوت في تصريحات علنية عنصرية، أطلقها وزير العدوان الصهيوني «غالانت»، وكررها أكثر من مرة قائلاً: «لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة، لن يكون هناك كهرباء ولا ماء ولا طعام، نحن نقاتل الحيوانات البشرية، ونتصرف وفقاً لذلك»! ووسط هذا «الواقع الماعزي» الماثل، والظرف السياسي المائل، في قطاع غزة، تبقى جهود وقف الحرب التي دخلت عامها الثاني بلا طائل. ويبقى الفلسطيني يعاني في قطاعه المحتل من دمار هائل وإجرام غائر، وتجويع قاتل. ويبقى مصير «المحتجزين» في كلا الطرفين معلقاً عند مواقف أشد المتطرفين، وهم عتاة المجرمين في حكومة الائتلاف الصهيوني، وأقصد أحمقهم الأحمق «بن غفير»، والأخرق «سموتيرتش». وثالثهم الأخفق «نتنياهو»، الذي يسعى بشتى الوسائل الخبيثة، والمخططات الخسيسة، لإعادة احتلال قطاع غزة وابتلاع الضفة الغربية المحتلة وفرض «الحياة الماعزية» على المنطقة، بقيادة «الراعي» الإسرائيلي ودعم «الكفيل» الأمريكي. وكل هذا، يدخل في صميم مخططات نتنياهو الشيطانية، الساعي لتغيير العقيدة السياسية للمواطن العربي، المرتكزة على مبدأ «أن فلسطين هي قضيتنا المركزية وأن تحريرها واجب قومي». لكن تغيير هذا الأمر الأخطر يشكل هدفاً استراتيجياً صهيونياً، في سياق المخطط الأكبر، لتغيير الواقع الحالي في الشرق الأوسط، وإعادة تشكيل المنطقة، ليصبح الإنسان العربي «مطبعاً» ومطيعاً ومطواعاً، وتابعاً للسياسات الصهيونية، على حساب تصفية القضية الفلسطينية وتفكيك ثوابتها ومواصلة انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني المهمش سياسياً والمهشم حقوقياً وإجباره على أن يعيش في وطنه المحتل «حياة الماعز». بالإضافة إلى إخضاع العالم العربي، ليصبح تحت الهيمنة الإسرائيلية. ومن يدري، ربما بعد نهاية هذه الحرب الوحشية، تطالب إسرائيل، بالانضمام إلى جامعة الدول العربية. ونقل مقر «الجامعة» إلى تل أبيب. وتعيين المتطرف «بن غفير»، أو المتعجرف «سموتيرتش»، أميناً عاماً للجماعة.. عفوا أقصد «الجامعة».
402
| 08 أكتوبر 2024
كنت قد عزمت، أن أدع قلمي ساكناً، وأتركه ساكتاً، ليبقى صامتاً، لا ينطق بحرف واحد، ولا ينبض بكلمة وحيدة، ولا يدوّن جملة مفيدة، ولا يرسم فاصلة جديدة، ولا يخوض في قضايا الداخل والخارج! لكن كارثة غزة، بكل الدماء التي تسيل من صميمها، والأشلاء التي تتناثر في حميمها، حركت في داخلي فورة إنسانية، ولا أقول «ثورة حماسية»، لأكتب عن المجازر الوحشية، التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين. وقبل الاسترسال، في هذا المجال، عبر هذا المقال، لا بد من الاستهلال، وليس أفضل في هذا الشأن من الاستدلال. وهذا يتحقق، من خلال الإشادة، وليس الإشارة فحسب، بالوساطة القطرية الحيوية الإيجابية، التي تقوم بها الدوحة، من أجل التوصل إلى صيغة أو «صفقة» لوقف إطلاق النار في غزة، بالتنسيق مع الوسطاء الآخرين، وسط ظروف إقليمية بالغة التعقيد، ومتغيرات ميدانية بالغة التصعيد. وما من شك في أن نجاح الوساطة النزيهة، في هذه اللحظة المفصلية، بل المصيرية، يرتبط بضرورة خفض التصعيد العسكري الإسرائيلي المتصاعد، في القطاع الفلسطيني المقطع. هناك في قطاع غزة، المقطوع الأوصال، وأيضاً في مخيمات الضفة الغربية، شمالاً، في طولكرم، وطوباس وجنين، حيث تتواصل الاقتحامات، والاعتداءات الإسرائيلية، وتتوسع الهجمات العدوانية، واسعة النطاق. هناك حيث تتزايد الانتهاكات الصهيونية، التي ترتكبها وحدات الجيش الإسرائيلي، ضد المدنيين، ولا أقول «المدانين»، بمشاركة قطعان من المستوطنين. هناك تشهد قضية فلسطين، أخطر مراحلها، وتعيش أصعب فصولها، منذ نكبة 1948، مع إصرار الإرهابي نتنياهو، وحكومته المتطرفة، على إلغاء الوجود الفلسطيني، عبر تدمير وتهجير الفلسطينيين، في محاولة صهيونية، للتخلص منهم، ومن مقاومتهم، ومن حقوقهم، ومن قضيتهم إلى الأبد. ووسط هذا الواقع الفلسطيني المؤلم، والظرف السياسي المظلم، يتواصل تعثر المفاوضات، وتتبعثر أوراق المباحثات، في العديد من الجولات، التي عقدت لتقليص الفجوات، وإزالة العقبات. وتتعطل العديد من المحاولات، التي بذلت حتى الآن، من أجل الوصول إلى اتفاق، لوقف إطلاق النار، وإطلاق سـراح الأسرى والمحتجزين في كلا الجانبين، تمهيداً لإنهاء الحملة العسكرية الوحشية الإسرائيلية، ضد الفلسطينيين. وفي سياق ذلك التعثر السياسي، والتبعثر الدبلوماسي، الذي تقوده الولايات المتحدة، المنحازة لإسرائيل، قولاً وفعلاً وتفاعلاً، تواصل آلة الحرب الإسرائيلية، غاراتها وتوغلاتها وتغولاتها، على جميع فئات ومكونات الشعب الفلسطيني. وتستمر في حرق الأرواح البريئة كل يوم، واستهداف التجمعات المدنية، وتفجير الأحياء السكنية، وتدمير المربعات الحضارية، المتمثلة في المستشفيات والمدارس والجامعات، وجميع المؤسسات، وسحق كل مظاهر الحياة الفلسطينية، ومحوها من خريطة الوجود. وما من شك، في أن هذا التصعيد، على كل صعيد، تتحمل مسؤوليته الولايات المتحدة، بالدرجة الأولى، التي يبدو أنها لا تريد تغيير الواقع الاستعماري، الاستيطاني، غير الإنساني في الأراضي المحتلة. ولهذا تسعى واقعياً وعملياً وفعلياً وميدانياً، لتثبيت الاحتلال، وانتهاك حقوق الفلسطينيين، من خلال قيامها بتوفير الدعم العسكري، والحماية السياسية، للكيان الصهيوني، ليواصل حربه ضد الشعب الفلسطيني. والمفجع أن هذه الحرب الطاحنة، يختلط في أحداثها البشعة، الخوف مع الفزع، ويمتزج في تطوراتها الوقحة، الهلع والجزع، بعدما فقدت الإنسانية قيمها وقيمتها، مع استمرار همجية الاحتلال، في حصد أرواح آلاف الأطفال. ومع مواصلة إسرائيل حربها الوحشية، ضد الفلسطينيين، التي انتهكت خلالها القوانين الإنسانية، وتجاهلت المعايير الدولية، وتجاوزت الضوابط القانونية، في مجال حماية المدنيين، أتوقف عند قوائم الشهداء الأبرياء، ضحايا الحرب الإسرائيلية، الذين ارتقت أرواحهم إلى السماء. هناك في غزة المنكوبة، أكثر من (40 ألف) روح فلسطينية بريئة، أزهقتها إسرائيل قصفاً. هناك أكثر من (40 ألف) نفس بشرية، فتكت بها حكومة التطرف الصهيوني. هناك أكثر من (40 ألف) حياة، دمرتها إسرائيل، وشطبتها من قوائم الأحياء. هناك الجموع الفلسطينية متأثرة، الأشلاء متناثرة، الأجساد متحللة، الأجسام متفحمة، ولا شيء في غزة، غير رائحة الدم! هناك الجروح لا تلتئم، الإصابات لا تندمل، الأوجاع لا تتعافى، الدمار في كل مكان، والفلسطيني لا يشعر بالأمان. هناك في غزة، لا وجود لما يسمونه «حقوق الإنسان»، ولا قيمة لما يُعرف أممياً باسم «القانون الدولي الإنساني» ولا مكان إلا للمجازر الوحشية، والمقابر الجماعية. هناك المجرم نتنياهو، ولا يوقف طاحونة القتل. المتطرف «بن غفير»، لا يوقف خطاب الكراهية. المتعجرف «سموتيرتش»، لا يوقف تصريحاته العدوانية. هناك يتواصل التوحش الإسرائيلي، لحكومة المتوحشين الصهاينة، ضد المدنيين الفلسطينيين، بدعم أمريكي، وصمت غربي، وخواء عربي، وخوار أممي! هناك لا تكاد تجف دماء مجزرة، حتى نتابع أخرى، أكثر بشاعة منها، دون أن يستيقظ ضمير العالم، ودون أن يتحرك النظام الرسمي العربي، لإيقاف المذابح، باستثناء الموقف الأخلاقي والأخوي، والإنساني، والسياسي، الذي تتبناه الدبلوماسية القطرية، سعياً لوقف إطلاق النار، والإفراج عن الأسرى في كلا الجانبين وإنهاء الحرب. هناك في خان يونس، وتل الهوى، ودير البلح، ومخيم الشاطئ، ومخيم النصيرات، وسائر المخيمات. وأيضاً في بيت حانون، وحي الزيتون المأساة الفلسطينية لا حدود لها، والمعاناة الإنسانية لا سقف لها، ومواكب الشهداء لا نهاية لها، ومثلها مراسم العزاء. هناك نهشت الكلاب الضالة جثث ضحايا أبرياء، تركت في الطرقات، وغيرها جثامين المئات من الشهداء، تحللت في شوارع القطاع المقطع! هناك سويت أحياء سكنية كاملة بالأرض، خلال تفجيرات عدوانية متعمدة ومتعددة، قام بها جنود الاحتلال، خلال اقتحاماتهم للمربعات المدنية. هناك قام الجنود الصهاينة، بإحراق المباني، وإضرام النيران في المساكن عمداً، لجعلها غير صالحة للسكن، بناء على أوامر مباشرة من قادتهم، تطبيقاً لسياسة الأرض المحروقة. وأمام هذا الاستهداف الإسرائيلي الممنهج، والعدوان الصهيوني المبرمج، أستطيع القول باللهجة «الغزاوية»: «ما ضلش حدا» يأمن على حياته في غزة! والمؤلم إلى أقصى درجات الألم، أن هذا هو واقع الحال في غزة، التي يعاني أهلها من سوء الأحوال، واشتداد الأهوال، وعجز العقل، مع تواصل هذه الجرائم الصهيونية البشعة، عن التمييز بين الواقع والخيال، حيث تفوح هناك رائحة الموت، وتسيل دماء الشهداء بين الركام، وتنتشر بقايا الأشلاء بين الحطام! والأكثر إيلاماً، أن القصف الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من (10 شهور)، تسبب في حدوث كارثة إنسانية، لا يمكن تخيلها، ومجاعة غذائية لا يمكن تحملها، ومعاناة بشرية لا يمكن وصفها، ولا يمكن قبولها، ولا يمكن تمريرها، ولا يمكن تجميلها، ولا يمكن التسامح معها، ولا يمكن السماح بها. والمعيب، ولا أقول العجيب، أن الإدارة الأمريكية، التي صدعتنا بخطابها «الزئبقي»، عما تسميه «حقوق الإنسان» بعدما نصبت نفسها، للدفاع عن «حريات الشعوب»، تتجاهل استغاثات الفلسطينيين، وصرخات المنكوبين، ونداءات المستضعفين في غزة! وتتعامى عن مشاهدة المستهدفين، من الأبرياء المدنيين، الذين تستهدفهم الصواريخ الإسرائيلية، والغارات الصهيونية يومياً. فلا ترى المشهد الفلسطيني الدامي، إلا بعين الكيان الصهيوني، ولا تسمع إلا بأذن نتنياهو، ولا تنطق إلا بلسان حكومته المتطرفة. وما يثير السخط على وجه الخصوص، أن الولايات المتحدة، وتوابعها من دول الغرب الأوروبي، تشاهد المجازر الوحشية، التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، والتي تنقلها قناة «الجزيرة» بكاميراتها، وعدسات مصوريها، وتقارير مراسليها، وغيرها من القنوات الفضائية العالمية. لكن واشنطن، وتوابعها تبدو غير مكترثة، بارتفاع أعداد الضحايا الأبرياء، وغير متأثرة بالقصف الإسرائيلي الهمجي، الذي تسبب في سفك الكثير من الدماء، وغير مبالية بتقطيع أجساد أطفال فلسطين، وتحويلها إلى أشلاء. ومع تواصل هذا العدوان الإسرائيلي، غير المسبوق، نقف أمام إجرام صهيوني فادح، ومشهد دموي واضح، وموقف سادي فاضح، تجسده حكومة الاحتلال الإرهابية، وجيشها الغاشم، ولا أقول الغانم، المدجج بكافة أسلحة القتل والتدمير. وما يثير العجب، ولا أقول الإعجاب، أن «أنتوني بلينكن»، رئيس الدبلوماسية الأمريكية، كرر خلال زيارته التاسعة إلى المنطقة، منذ السابع من أكتوبر، تصريحاته «الزئبقية»، معلناً حرص بلاده على «تهدئة التوترات في المنطقة»! ولا أدري كيف تهدأ التوترات في الشرق الأوسط، مع استمرار الولايات المتحدة، تزويد إسرائيل، بالسلاح الأمريكي المدمر، الذي تستخدمه حكومة الإرهاب الصهيوني، لقتل الفلسطينيين؟ وكيف يمكن أن تتوقف الاضطرابات في المنطقة، مع إصرار واشنطن على استخدام «الفيتو»، في مجلس الأمن، لإجهاض أي قرارات أممية تدين إسرائيل؟ وكيف يمكن أن تنتهي الصراعات في الشرق الأوسط، بينما الولايات المتحدة، تتماهى مع الموقف الإسرائيلي، المناهض لحقوق الفلسطينيين المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية؟ وكيف يمكن أن يتحقق «الاستقرار الإقليمي»، بعد إعلان حكومة التطرف الإسرائيلي، أن إسرائيل لن تنسحب من المواقع «الاستراتيجية»، التي احتلتها، وسيطرت عليها، خلال حربها على قطاع غزة، وتحديداً محور «نتساريم»، الذي يقسم القطاع المقطع، إلى قسمين: شمالي وجنوبي. بالإضافة، إلى سيطرتها على محور «فيلادلفيا» المعروف فلسطينياً باسم «صلاح الدين»، الذي يستمد أهميته الاستراتيجية، من احتضانه «معبر رفع»، المنفذ الرسمي الحيوي الوحيد، على الحدود الفلسطينية المصرية. ونشر قواتها على طوله، مثل «ورم سرطاني» مما يشكل تهديداً مستمراً للأمن القومي المصري، بعد اقتحامه بالدبابات الإسرائيلية، وإحكام قبضتها العسكرية عليه، في انتهاك سافر غادر، لمعاهدة «السلام» الموقعة عام 1979، بين القاهرة وتل أبيب. يحدث هذا الانتهاك الصهيوني، في ظل وقوف الولايات المتحدة، موقف المتفرج على ما يجري في المنطقة المضطربة، رغم أنها الراعي الرسمي، والضامن السياسي الدولي، لاتفاقية السلام المثيرة للجدل الموقعة بين مصر وإسرائيل. أقول هذا في إطار «حرية التعبير»، التي تدعي واشنطن أنها تؤمن بها، وفي سياق هذه الحرية أيضاً أقول لوزير الخارجية الأمريكي، الذي اعتاد خلال زياراته للمنطقة، إظهار انحيازه المفضوح للموقف الإسرائيلي، وإطلاق تصريحاته «اللزجة»، التي لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، إلا لصالح إسرائيل: إذا كنتم تريدون فعلاً «تهدئة التوترات في المنطقة»، أوقفوا الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، والانتهاكات الصهيونية لحقوق الآخرين. وتوقفوا عن تزويد إسرائيل بالأسلحة المدمرة، التي تستخدمها في قتل الفلسطينيين الأبرياء. وبادروا بوضع قواعد «حل الدولتين» في الشرق الأوسط، قبل نهاية الفترة المتبقية من ولاية «بايدن»، المخضبة بدماء المدنيين. وعدا ذلك ستبقى «حركاتكم»، ولا أقول تحركاتكم الدبلوماسية، في المنطقة، مجرد حركات «زئبقية» لكسب الوقت، وإطالة الحرب الإسرائيلية. وستبقى محاولاتكم «الرخوة»، لوقف إطلاق النار، مجرد غطاء لتحقيق أهداف نتنياهو، وحكومته المتطرفة، المتعطشة لسفك المزيد من دماء الفلسطينيين. ومع عدم ظهور أي مؤشرات إيجابية حتى الآن، ولا إشارات عملية في المفاوضات، تشير إلى قرب التوصل إلى اتفاق أو صيغة أو «صفقة» لوقف الحرب المسعورة، ستبقى الكارثة الإنسانية، التي يعاني منها أهلنا في غزة، تعكس حالة غير مسبوقة، من الظلم الأمريكي، والضيم الدولي. كما تعكس حالة مخزية، ولا أقول مخجلة، من الخنوع والخضوع والعجز العربي، ممثلة في «الجامعة العربية»، العاجزة عن التحرك، أو حتى إطلاق حراك دبلوماسي، لوقف انتهاكات إسرائيل. وكأن ما يجري في غزة لا يعنيها، ولا يهم «أمينها العام» الذي يتابع الأحداث، وكأنه يشاهد مسلسل «الاختيار» أو فيلماً من أفلام «الأكشن»، التي يمثلها «نمبرون» المدعو محمد رمضان! ووسط غياب «جامعة العرب»، عن وقف المجازر الوحشية، التي ترتكبها إسرائيل ضد العرب، والمذابح التي تستهدف خلالها أبناء العرب، وشيوخ العرب، ونساء العرب، وأطفال العرب في قطاع غزة، ستبقى مواكب الشهداء، تشهد على تضحيات الفلسطينيين، الذين اختارهم الله، وشرفهم بنيل الوسام الإلهي. وما من شك في أن شهداء غزة، ومدن وقرى الضفة المحتلة، يصنعون بأرواحهم معراجاً، إلى النصر المبين، ويعبدون بدمائهم طريق الحرية والاستقلال. ستظل أسماؤهم، رجالاً ونساء، شيوخاً وأطفالاً، محفورة في سجلات التاريخ، ومحفوظة في الذاكرة، والقلوب والضمائر الحية. فسلام عليهم يوم ولدوا.. ويوم استشهدوا، ويوم صاروا عند ربهم أحياء يرزقون. وهذا مني سلام آخر، على شهداء غزة. وسلام دائم على شهداء فلسطين. والمجد، والنصر، للمقاومة الفلسطينية
1185
| 03 سبتمبر 2024
ليس سهلاً، تكرار الإنجاز الرياضي، على المستوى القاري، فهذا يحتاج إلى خليط من الأداء البطولي، والعطاء الرجولي.. بالإضافة إلى حزمة متجانسة، ومجموعة متمرسة، وإدارة متحمسة، إضافة إلى الانضباط التكتيكي، والتنويع الخططي، والتركيز الذهني، والتوظيف المهاري، والتخطيط الميداني، لقهر القوى الكروية الكبرى، المتطلعة لتحقيق المجد الكروي. لكن منتخبنا الوطني لكرة القدم نجح في تشكيل تلك الخلطة، وترجمتها إلى خطة، ساهمت في تجاوزه ذلك التحدي، ليشق طريقه بنجاح، مدافعاً بجدارة عن لقبه الآسيوي، مستفيداً من متلازمة التوفيق والتفوق، إلى جانب الكثير من التألق الذي رافقه خلال مسيرته الظافرة، خلال البطولة. هنا في «استاد لوسيل» حقق منتخبنا العنابي الفوز بكأس آسيا، للمرة الثانية على التوالي، متجاوزاً صقور وصخور البطولة، بعد فوزه المستحق على منتخب الأردن في النهائي الآسيوي العربي، وإحرازه ثلاثة أهداف، مقابل هدف يتيم لمنتخب «النشامى». لقد سطر فريقنا العنابي اسمه في كتاب التاريخ الرياضي، وحفر منتخبنا الوطني، طريقه نحو الإنجاز القاري، مثلما نحت العرب «الأنباط» الصخور الصلبة في الجنوب الأردني، وأقاموا مدينتهم الصخرية، في «البتراء»، لتكون شاهدة على إنجازهم المعماري، وإرثهم الحضاري، الباقي منذ عام «312» قبل الميلاد. هناك وسط الجبال الشاهقة، التي تشكل الخاصرة الشمالية الغربية لشبه الجزيرة العربية. هناك في المدينة الأثرية الساحرة، التي كانت عاصمة «الأنباط»، ويعود تاريخها إلى أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، وأصبحت تابعة لمحافظة «معان»، التي ينحدر منها النجم الأردني «يزن النعيمات»، هداف «النشامى»، الذي أحرز هدف الأردن الوحيد، في النهائي الآسيوي. هناك حيث توجد الأيقونة الأثرية، التي يسمونها «الخزنة»، وتتصدر المدينة الحجرية، ويحيط بها الغموض، وتحوم حولها الأساطير، اعتقاداً أنها تحتوي على «الكنز»! هناك، ومن هناك في «بلاد الكنز»، إلى هنا في قطر، لا يوجد «كنز» بالنسبة لمنتخبات الأمم الآسيوية، أغلى من «كأس آسيا»، تلك التحفة الفنية، التي لا تشابهها في تصميمها، وتدانيها في هندستها، وتضارعها في هيئتها، وتحاكيها في هيبتها، وتماثلها في روعتها، كأس أخرى في القارة. ومن أجل هذه الكأس، كان نجوم منتخبنا العنابي على موعد مع ملحمة كروية، تمثلت في تحقيق الوعد، المتمثل في الفوز ببطولة كأس آسيا، للمرة الثانية على التوالي. هنا في «استاد لوسيل المونديالي»، سطر نجوم منتخبنا العنابي، تفاصيل ملحمتهم البطولية، وحققوا إنجازهم القاري، في النهائي الآسيوي العربي، على إيقاع «المهباش» الأردني! هنا كانت رائحة القهوة العربية، تفوح في الملعب، وكان صوت «سميرة توفيق» يصدح في المدرجات، مردداً أغنيتها الشهيرة: «بالله تصبوا هالقهوة وزيدوها هيل» «واسقوها للنشامى في ملعب لوسيل». .. ولأن قطر، تشتهر بالترحيب بضيوفها، وإكرام زائريها، فقد حرص النجم المتألق «أكرم عفيف»، الفائز بجائزة أحسن لاعب في البطولة، على تكريم الضيوف بطريقته الخاصة، فأحرز أهدافه الثلاثة، بكل جود وكرم في مرماهم من نقطة الجزاء! لقد سجل «الكريم أكرم» أهدافه في مرمى الكرام، من «3» ركلات جزاء، احتسبها الحكم الصيني «مانينغ» في الدقائق «22» و«72» و«90 + 5». وبهذا رفع الهداف «العفيف» رصيده، إلى «8» أهداف، توج بها هدافاً للبطولة. أما هدف الأردن الوحيد، فقد جاء في الدقيقة «68» ليتوج النشاط الهجومي المنظم، الذي بذله منتخب «النشامى»، عندما أرسل «علي علوان» كرة عرضية عالية استقبلها «يزن النعيمات» بمهارة، داخل المنطقة القطرية الخاصة والخالصة، وسددها بيسراه قوية في الشباك، محرزاً هدف التعادل، وكانت النتيجة وقتها تشير إلى تقدم منتخبنا العنابي. بعد إحراز الهدف الأردني الرائع، بإمضاء اللاعب «الزين يزن»، كثف منتخب «النشامى» هجماته على المرمى القطري، وكانت محاولاته لتعزيز النتيجة، أشبه بالبحث عن «رأس غليص»، خارج إطار المسلسل الأردني الشهير، حيث امتازت الهجمات الأردنية المتواصلة والمتسلسلة، بالكثير من التشويق والإثارة، واتصفت بالقوة والجسارة، وتميزت بالسرعة والإغارة على مرمى قطر! لكنها افتقدت إلى الجدارة، في إنهاء الهجمة، والقدرة على تسديد الكرة داخل المرمى القطري، بسبب المرونة والمهارة، التي يشتهر بها الحارس «مشعل»، الذي أشعل المدرجات بتصدياته الحاسمة، فاستحق أن يفوز بجائزة أحسن حارس في بطولة آسيا. قبل انطلاق المباراة، كان منتخب النشامى «معنعن»، وتعني أنه كان في ذروة الفخر الوطني، وله الحق أن يفخر، بإنجازه الكروي غير المسبوق، بالوصول إلى نهائي كأس آسيا. ومن حقه أيضاً أن يكون فخوراً بقدرات ومهارات لاعبيه، وأن يفخر أيضاً بإمكانيات مدربه «حسين عموتة» التدريبية، وعقليته التكتيكية، وله أن يفخر دائماً بجمهوره الوفي، وتشجيعه القوي. ولكل هذا كان طامحاً ولا أقول طامعاً في الفوز بكأس آسيا، وخصوصاً بعد نجاحه في اجتياز جميع المطبات، وتخطيه كل الصعوبات، وتجاوزه جميع العقبات، التي واجهها قبل وصوله إلى النهائي. ولهذا أراد أن «يكزدر»، أكثر من مرة بالقرب من مرمى قطر، لكن منتخبنا الوطني، أعاده إلى الواقع، بأدائه الرائع، بعدما قطع عليه جميع الطرق، لتحقيق طموحه المشروع، ومن بينها الطريق إلى شارع «الرينبو»، الواقع في «جبل عمان»، المتفرع من الدوار الأول، والشوارع المؤدية إلى «الشميساني» و«جبل الحسين» وغيرها! وهكذا كانت محاولات الأردن، لإحراز الهدف في الشوط الأول، أشبه بمن يحاول الغوص في أعماق «البحر الميت»، فيظل طافياً فوق سطح الماء، بسبب شدة ملوحة المياه، وافتقادها لمقومات الحياة! هكذا سارت أحداث مباراة قطر والأردن في النهائي الآسيوي العربي، وهكذا دارت مجرياتها المتأرجحة، بين حضارة «الأنباط» الأثرية، وحضارة «العنابي» الكروية. وهكذا احتفظ منتخبنا الوطني، بلقبه القاري، للمرة الثانية على التوالي. وهكذا أصبح المنتخب «الأدعم»، بطلاً لكأس الأمم الآسيوية، لكرة القدم، وسيداً لمنتخباتها، «وزعيماً» لفرقها. وستبقى مباراة النهائي، راسخة في ذاكرة البطولة، وثابتة في تاريخها وعقول متابعيها، ليس لأن الحكم الصيني، الذي أدارها، احتسب «3» ركلات جزاء مستحقة لصالح «العنابي»، ولكن لأن بطل آسيا، الذي صنع في قطر، نجح في الدفاع عن لقبه، بمنتهى الإصرار. علماً بأن احتساب «3» ضربات جزاء، في مباراة حاسمة، ليس بدعة، ولا يستدعي إثارة الشكوك، والغمز واللمز، والقيل والقال، لمن يفقهون في كرة القدم، ويفهمون قوانينها، ويتابعون مبارياتها. وخير مثال على ذلك، احتساب الحكم «3» ضربات جزائية لصالح البرازيل، ضد الأرجنتين، في المباراة التي أقيمت في الثالث من يونيو عام 2004 في مدينة «بيلوهوريزونتي» البرازيلية، خلال التصفيات المؤهلة لكأس العالم، نجح الهداف البرازيلي «رونالدو»، في إحرازها في الدقائق «17» و«69» والدقيقة السادسة من الوقت المحتسب بدل الضائع، لتنتهي المباراة بفوز منتخب «السامبا» بثلاثة أهداف، مقابل هدف واحد لمنتخب «التانغو»، سجله «خوان بابلو سورين» في الدقيقة «80». والمفارقة، أنها نفس نتيجة مباراة قطر والأردن، في نهائي كأس آسيا، التي شهدت تألق المتألق «أكرم عفيف»، بمنتهى التوهج والاقتدار. وهكذا كانت الأقدار، وفي خضم ذلك الانتصار، لا أنسى الإشارة، بل الإشادة، بدور المدرب الإسباني «ماركيز لوبيز»، الذي استلم مهمة تدريب العنابي، قبل نحو «36» يوماً على انطلاقة البطولة. وتحديداً في السادس من ديسمبر الماضي، بعد الاستغناء عن البرتغالي «كارلوس كيروش»، حيث نجح في إعادة الثقة في أوساط المنتخب، بعدما تسبب سلفه في اهتزازها، في ظل انعدام حالة اليقين، في قدرات فريقه، وعدم ثقته في شخصية البطل، وفقدانه روح الانتصار. ولعل ما يميز المدرب الإسباني، الذي يسمونه في بلاده «تان تان»، وجود حالة من التشابه الشكلي بينه وبين الشخصية الكاريكاتورية، التي ابتدعها الكاتب البلجيكي «هيرجيه»، في سلسلة رواياته الخيالية المثيرة! وبعيداً عن التشابه في المظهر، قبل أن يتعرض شعر المدرب إلى التجريف، فهما يعتمدان على الجرأة، ويتميزان بالشجاعة، ويتصفان بالذكاء، ويقبلان بالتحدي، ويرتكزان على التخطيط السليم، لفك رموز القضايا المعقدة. وهذا ما فعله مدرب الوكرة، الذي استعان به الاتحاد القطري لكرة القدم لقيادة العنابي في كأس آسيا، ونجح في فك طلاسم المنتخبات التي واجهها، في إطار المغامرات التي تحبس الأنفاس، التي خاضها، وقاد خلالها «العنابي»، للفوز بكأس البطولة، بجدارة واستحقاق، للمرة الثانية على التوالي، والاحتفاظ بلقبه القاري، بطلاً لكأس الأمم الآسيوية.
990
| 13 فبراير 2024
لا معنى لحديثكم عن «حقوق الإنسان» وأنتم تدعمون الجاني لافتراس الضحية رسالة مفتوحة إلى «الرئيس بايدن».. وتوابعه أكتب لك هذه الرسالة المفتوحة، في هذا الظرف الفلسطيني العصيب، ووسط هذا الصمت العالمي العجيب، الذي يشهد على الهوان العربي الغريب، ويبصم على مستقبل دولي مريب. أكتبها من عاصمة دولتنا قطر الدوحة، التي تبذل جهودها الدبلوماسية الحميدة، ومساعيها الدولية الحثيثة، بالتنسيق مع مختلف الأطراف المعنية، للإفراج عن «الأسرى» المحتجزين، في قبضة فصائل المقاومة الفلسطينية. .. وتحديداً حركة «حماس»، كخطوة ربما تشكل الأساس، لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم، على أهلنا في قطاع غزة، الذي دخل أسبوعه الرابع، بدعم من إدارتكم المنحازة لإسرائيل. ومع تزايد ضحايا الحرب المدمرة، بين صفوف المدنيين الأبرياء، والأطفال الضعفاء، لا نفهم سبباً يدعو واشنطن، لعدم تأييد الدعوات، التي تطلق حالياً في مختلف الأرجاء، لوقف إطلاق النار، غير أن الولايات المتحدة، تسعى لنشر الدمار، في غزة، وإشعال النار في المنطقة! واسمح لي، أن أضع رسالتي، على مكتبك «البيضاوي»، في «البيت الأبيض»، وأخاطبك فيها، بمنتهى الصراحة «البيضاء»، مستنداً على ضرورة التفكير، بعيداً عن التنظير، ومرتكزا على مبدأ «حرية التعبير»، باعتباري «ناشطا قطريا»، مدافعا بقلمي، وقبل ذلك بعقلي وقلبي ولساني، عن فلسطين المحتلة، وقضيتها العادلة، وحقوقها المغتصبة، وشعبها المنكوب، ووطنها المسلوب. وأخاطبك، انطلاقاً من موقفنا الثابت في قطر، في مختلف الأوساط الشعبية، وعلى كافة الأوساط الرسمية، تجاه القضية الفلسطينية، باعتبارها قضيتنا المركزية، التي لا تهاون فيها، ولا مساومة عليها، ولا تفريط في حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق. والمؤسف، أن تحظى إسرائيل بدعمكم، وتنال تشجيعكم، وتستحوذ على إسنادكم، وتطغى بتأييدكم، لمواصلة عدوانها على الفلسطينيين! وهو العدوان الهمجي، الأكثر دموية، والأشد وحشية، والأعلى جنائزية، بالنظر إلى أعداد الشهداء، من الضحايا المدنيين، الأبرياء، الذين تجاوزوا ثمانية آلاف وخمسمائة شهيد، ويزيد، وآخره الغارة الجوية التي نفذتها قوات الاحتلال على مخيم جباليا شمال القطاع، مساء أمس الأول ـ الثلاثاءـ وأدت الى استشهاد وإصابة المئات من الفلسطينيين، وقد صرحت وزارة الصحة الفلسطينية بأن عدد الضحايا في مجزرة جباليا قد يكون الأكبر، وقد يناهز عدد ضحايا مذبحة المستشفى المعمداني! والمؤلم، بل الأشد إيلاماً، أن واشنطن تشجع المعتدي الإسرائيلي، على الاستمرار في عدوانه، وتدعم المجرم الصهيوني، لمواصلة ارتكاب جرائمه! وتشجع «الإرهابي نتنياهو» على إرهاب الفلسطينيين، وقتل المدنيين، عبر تقديم إدارتكم، كافة أشكال الدعم السياسي، والعتاد العسكري، والإسناد اللوجستي لإسرائيل. وبطبيعة الحال، فإن هذا الدعم الأميركي، يجعل سلطة الاحتلال، تتصرف وكأنها فوق القانون الدولي. .. ويشجعها على الإمعان، في ارتكاب المزيد من جرائم الحرب، بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وعدم الإذعان لصوت الضمير الإنساني. وما من شك، في أن الولايات المتحدة، بانحيازها الأعمى لحكومة الإرهاب الصهيوني، في عهدكم «الميمون»، ولا أقول الملعون! .. وتشجيعها المجنون، للعدوان البربري الوحشي الهمجي الإسرائيلي، المتواصل على الفلسطينيين، تشكل صدمة إنسانية، وتسبب انتكاسة حضارية، لا يمكن للجنس البشري، أن يتجاوز آثارها السلبية، لعشرات السنين. ولا يمكن للتاريخ أن يتجاهل، انتهاك حقوق الفلسطينيين، ولو بعد حين. السيد الرئيس «الديمقراطي» المنحاز لإسرائيل، قولاً وفعلاً وتفاعلاً وانفعالاً. لم يعد هناك أي معنى، لحديثكم الممجوج، وخطابكم المرجوج، عن «حقوق الإنسان»، وعن الحرية، والديمقراطية، والعدالة، وسيادة القانون، وغيرها من الشعارات الزائفة، التي تحاولون تسويقها إلينا، وتمريرها علينا، وإقناعنا بها، ونحن نجدكم تدعمون الجاني، لافتراس الضحية! ونجدكم «تبربرون»، أقصد تبررون العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، بدعوى «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»! وكأن «الدفاع عن النفس»، حكر على الصهاينة! والملاحظ أنكم، في نفس الوقت، تتجاهلون، حق الشعب الفلسطيني، في الدفاع عن وطنه السليب، وأرضه المغتصبة،، وحقوقه المنتهكة، وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس. وتعلم أيها الرئيس، بحكم دراستك التاريخ، وعلوم السياسة، والقانون، وتجربتك السياسية الطويلة، أن كل احتلال، تواجهه مقاومة وطنية، تتصدى له في الحال، حتى نيل الاستقلال. والمقاومة الفلسطينية الباسلة، لا تخرج عن هذا الإطار، ولا تشذ عن هذه القاعدة، التي مارستها كل شعوب العالم، ضد الاستعمار. ولا يخفى عليكم أيها الرئيس بايدن، أنه منذ عام 1948، وهو تاريخ «النكبة»، التي تم فيها تأسيس الكيان الصهيوني، في الوطن الفلسطيني المحتل. ومن بعده عام 1967، تاريخ «النكسة»، ولا أقول «النكتة»، التي احتلت فيها إسرائيل الأراضي العربية، لا تزال حكومة الاحتلال، تتنكر لحقوق الفلسطينيين، التي يفترض أن يحصلوا عليها، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية. ولا تزال القضية الفلسطينية، أكثر قضايا العالم قهراً، وأشدها قمعاً، وأكثرها إيلاما، وأطولها عمراً. وحتى اليوم لم تتحرك الولايات المتحدة، لإيجاد حل عادل لها، ولم تتخذ إدارتكم أية إجراءات جدية، أو خطوات عملية لمعالجتها جذرياً، وحلها جوهرياً، وفق الحلول العادلة، والمعالجة الدائمة، المنصوص عليها، في قرارات الأمم المتحدة، ذات الصلة، ومن بينها مبدأ «حل الدولتين». وعلى هذا الأساس، ينبغي فهم أسباب أحداث السابع من أكتوبر، التي أصابت إسرائيل في الصميم، بأنها ناجمة عن سنوات من المواقف المدمرة، والسياسات المتفجرة، التي اتخذتها إسرائيل، ضد الفلسطينيين، بتشجيع من إداراتكم المتعاقبة، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. السيد الرئيس الأمريكي، صاحب التصريحات الدرامية! المؤسف، أنكم تتفرجون على العدوان البربري الإسرائيلي، ضد الشعب الفلسطيني، وكأنكم تتابعون باستمتاع شديد، أحداث أحد أفلام «الكاوبوي»، التي تسمونها «الويسترن» التي اشتهر بها «كلينتستوود»، وتحديداً فيلم «الطيب والشرس والقبيح»! وأستطيع القول، إن «الطيب» هو الإنسان الفلسطيني، الباحث عن حقوقه المشروعة، الطامح لإقامة دولته المستقلة. و«الشرس»، هو المحتل الإسرائيلي، الذي يتجاهل القرارات الدولية، ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، ويواصل الاعتداء بشراسة على الشعب الفلسطيني، ويمثله المحتال نتنياهو، الذي يعيش أسوأ فتراته، في رئاسة حكومة الإرهاب الصهيوني. أما «القبيح»، فهو كل سياسي أوروبي، لا يؤمن بحقوق الشعب الفلسطيني، وكل رئيس غربي يؤيد إسرائيل، في عدوانها الهمجي على أطفال فلسطين. السيد «بايدن»، ولا أقصد الواهن، تعلم، أن العالم يعلم، بأن دولتكم «العظمى»، قامت على جماجم الهنود الحمر، وإبادة الشعوب الأصلية في القارة الأمريكية، في أكبر عمل إرهابي في تاريخ البشرية. لكن ذلك الإرهاب الذي مارسه أجدادكم، لا يعطيكم الحق، في الوقوف مع إسرائيل، لشن حرب إبادة جماعية للفلسطينيين. ومع استمرار الإرهاب الإسرائيلي المنظم، ومواصلة جيش الاحتلال، قصف الأحياء السكنية، وهدم المرافق المدنية في قطاع غزة، بإطلاق الصواريخ، وإلقاء القنابل، وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، الذي يستهدف البشر ولا يترك الشجر ولا يستثني الحجر. ينفطر قلبي ألماً، ويعتصر فؤادي حزناً، على شهداء فلسطين، الأبرياء المدنيين، ومنهم عائلة الزميل الإعلامي «وائل الدحدوح» مراسل قناة الجزيرة في غزة، الذين استهدفتهم غارة «إرهابية» إسرائيلية، فاستشهدوا. وكان بينهم حفيده «الرضيع آدم»، الذي لا يزيد عمره عن (45 يوماً)، ويحمل اسم سيدنا آدم «أبو البشرية»، عليه السلام، الذي من نسله كان النسل، وجاءت أنساب الناس كلهم إليه، بمختلف أشكالهم وكل ألوانهم، وكافة معتقداتهم الدينية والدنيوية. ولم يكن ذلك الشهيد الفلسطيني، المولود حديثاً «متورطاً» في أي نشاط سياسي، أو فعل «نضالي»، أو حراك «ثورجي»! وهو لم يطلق صاروخاً، من «صواريخ القسام» على «تل أبيب». ولم يوجه طائرة مسيّرة، ولم يفجر سيارة مفخخة، مليئة بالمتفجرات، في عمق الكيان الصهيوني. ولم يرتدِ حزاماً ناسفاً، لتفجير إحدى المستوطنات الواقعة في غلاف غزة. ولم يصدر «بياناً ثورياً»، يفيض بعبارات «الكراهية»، ويمتلئ بمفردات «معاداة السامية»! بل كان ذلك «الشهيد الرضيع»، الذي لا يزيد عمره على شهر ونصف، ينتظر رضعة الحليب، وتغيير حفاظات «البيب بيب»! هناك في «مخيم النصيرات»، نزحت عائلة «آدم»، من منطقة «تل الهوى»، بحثاً عن الأمان، فاستهدفتهم الغارة الإسرائيلية بالعدوان! واغتالت (12) من أفراد العائلة «الغزية» النازحة، بينهم (9) أطفال أحدثهم «الدحدوح» الصغير. وهذه أحوال أطفال القطاع، المقطوع الأوصال، بين طفل جائع وآخر ضائع، وواحد ينتظر الغداء، وثانٍ يحتاج إلى الدواء، وثالث يتلهف إلى الكساء. ورابع يتيم، فقد والديه، في القصف الإسرائيلي، وخامس وسادس وعاشر، يعيشون وسط الرعب! ومثلهم آلاف الأطفال، يحاصرهم الخوف، والدمار، والدماء والأشلاء، والموت الذي لا يفرق، بين الصغار والكبار. السيد رئيس الولايات المتحدة.. التي تتباهى بدفاعها عن «حقوق الإنسان»! هناك في غزة المحاصرة، يتعرض الإنسان الفلسطيني، في هذه الساعات، إلى القصف الأعنف براً وبحراً وجواً، ويستهدفه العدوان. هناك أصبح سفك الدماء، وإزهاق أرواح الأبرياء، مشهداً يومياً، وفعلا اعتياديا. هناك أصبح الموت، شاهداً على المشهد الفلسطيني الدامي، الذي قتلت فيه عائلات بأكملها، ومحيت من الوجود، وحذفت من السجلات، ودمرت خلاله أحياء بكاملها، فأصبحت بلا حدود! هناك في هذه اللحظات، تشن الآلة العسكرية الإسرائيلية حرباً وحشية، همجية، بربرية «نازية»، ضد الفلسطينيين هدفها الإبادة الجماعية، وأساسها تغيير الخريطة الإقليمية. وما من شك في أن المجازر، التي ترتكبها إسرائيل حالياً، ضد الشعب الفلسطيني، تشكل «وصمة عار» لإدارتكم، لأنكم تؤججون الحرب الوحشية، وتشجعونها بتصريحاتكم التحريضية. وهي «وصمة عار» في سجل الرئيس الفرنسي «ماكرون»، الذي يصم أذنيه، عن صرخات أطفال غزة واستغاثاتهم! وبدلاً من أن يسعى لوقف الحرب، نجده يطالب بتشكيل «تحالف دولي»، لمحاربة المقاومة الفلسطينية، للتغطية على فشله الذريع، في منطقة «الساحل» الإفريقي! وهي «وصمة عار»، في ملف المستشار الألماني، «أولافشولتس»، الذي يشاهد سفك دماء الفلسطينيين، ولا يدعو لوقف الحرب الهمجية، وكأنه يتابع مباراة مثيرة، في «البوندسليغا»، بين فريقي «ليفركوزن» و«بايرن ميونخ»! وهي «وصمة عار»، لرئيس وزراء بريطانيا «ريشي سوناك» الذي يتحدث عن ما يسميه «الإرهاب الفلسطيني» ويتجاهل إرهاب «الهندوس» ضد المسلمين في الهند، من أنصار حزب «بهاراتياجاناتا»، الذي يشبه في توجهاته المتطرفة، حزب «الليكود» في إسرائيل. وهم أولئك «الإرهابيون»، الذين هدموا المسجد «البابري»، في السادس من ديسمبر عام 1992، وتسببوا في صراع طائفي واسع النطاق، هو الأعنف في الهند، منذ استقلالها عام 1947. فأي قيم إنسانية، تتشدقون بها، يا «ساسة الغرب»، المنحاز لإسرائيل، وأنتم تتغاضون عن قتل الأبرياء، من الأطفال والنساء، في غزة، المخضبة بالدماء؟! وأي «حضارة»، تتباهون بها، وأنتم تؤيدون العدوان الوحشي الإسرائيلي، على الشعب الفلسطيني، وكأن الصراع بين الطرفين بدأ في السابع من أكتوبر، وليست له جذور تاريخية؟! وتتجاهلون أن «الطوفان»، جاء نتيجة سنوات من القهر والظلم والحرمان والاحتقان والعدوان، تفننت فيها سلطات الاحتلال، في انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني. وما من شك، في أن العدوان الإسرائيلي، المتواصل على قطاع غزة، يكشف زيف شعاراتكم يا دعاة «السلام»، أقصد «التسليم»، أعني «الاستسلام» للواقع الاستعماري، الذي تريد أن تفرضه إسرائيل بالقوة، على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، والهدف تصفية القضية الفلسطينية، وتمرير مشاريع «التطبيع»! أخيراً، إذا كانت الولايات المتحدة، حريصة في عهدكم، على تحسين صورتها المهزوزة، واسترجاع مصداقيتها المفقودة، في العالمين العربي والإسلامي، ينبغي على إدارتكم، إثبات أن حياة الفلسطينيين، لا تقل أهمية عن الإسرائيليين. وهذا يتحقق بالعمل الفوري، لوقف الحرب الهمجية، التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني. وينبغي عليكم، إثبات أن الحقوق الإنسانية، متساوية، ولا تتغير في سياستكم، باختلاف الأديان، والألوان، ولا يتم سحقها عندما يتفجر «الطوفان»! كما ينبغي عليكم إثبات أن «القانون الدولي» يشمل الجميع، بلا استثناء، ويطبق على الجميع بلا استعلاء. وهذا يعني ضرورة الضغط على إسرائيل، المتعجرفة، المتغطرسة، لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، ذات الصلة بالقضية الفلسطينية. وينبغي عليكم أيضاً، تنقية الأجواء المسمومة في المنطقة، بسبب إنحيازكم لإسرائيل، والعمل على ترسيخ دعائم السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط، على أساس «حل الدولتين». وبغير ذلك، ستبقى أيها «الرئيس بايدن»، في أنظار كل الشرفاء في العالم، أنك «المهادن» لحكومة الإرهاب الإسرائيلي. وأنك «المتهاون» مع انتهاكاتها الحقوقية ضد الفلسطينيين. وأنك «المتعاون»، مع الجرائم التي ترتكبها إسرائيل، ضد الشعب الفلسطيني.
1674
| 02 نوفمبر 2023
مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6330
| 24 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
5088
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3825
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2859
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2583
| 23 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1776
| 23 أكتوبر 2025
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما...
1752
| 27 أكتوبر 2025
جاء لقاء حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن...
1617
| 26 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1563
| 21 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1086
| 20 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
996
| 21 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
987
| 21 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية