رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كان الفجر، بالكاد قد تنفس، عندما تصاعدت ألسنة اللهب، في سماء قطاع غزة، بفعل الصواريخ التي أطلقتها إسرائيل، مثل زخات الشهب، التي تسببت في احتراق الأبرياء، كاشتعال الحطب، وسط نيران الحرب، ليسقط ويتزايد على إثرها الكثير من الضحايا الضعفاء.
وفي أتون ذلك الصخب، الحارق، المخضب بلون الصهب، تتحرك أمواج تلو أخرى، من مشاعر الغضب، ويتواصل سقوط الشهداء، من الفلسطينيين الضعفاء، بين أنقاض المنازل المدمرة، وركام البيوت المحطمة، والمساكن المهشمة، التي تشهد، على ارتقاء أرواح أصحابها، إلى السماء.
أما الأحياء المكلومون، الملكومون، المقهورون، المحرومون، فأوضاعهم، تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، فلا ماء صالح للشرب يروي العطش، ولا غذاء صالح للأكل يقوي الأجساد التي أنهكها التعب والترحال، ولا وقود يسيّر الحياة، ولا كهرباء تنير الطرق وتشغل أجهزة المستشفيات، ولا كساء يستر الأجساد التي مزقتها القنابل واستهدفتها الصواريخ والمسيرات، ولا دواء يعالج الأمراض المزمنة، والمستحدثة بسبب هذا العدوان.
ولا شبكة صرف صحي، صالحة لقضاء الحاجة، ولا شعور، بالأمن والأمان، في كل زاوية، وكل مكان.
وكل يوم لهم موعد جديد، مع التهديد، والتشريد، والترهيب، والتعذيب، وأوامر النزوح، والإخلاء، إلى الخلاء.
إنها الحرب الصهيونية الغادرة، بكل أوجاعها الغائرة، التي تشنها إسرائيل على أهالي غزة، بهدف إخضاع «حماس» لشروطها، وإجبارها بالقوة العسكرية، على الإفراج عن المحتجزين لديها، وبعدها القضاء النهائي عليها.
ومع تواصل غارتها المدمرة، عبر استهدافها العشوائي المتعمد، وهجومها الوحشي المتعدد، على المدنيين الأبرياء، يتم توسيع مساحات القتل، وزيادة رقعة الموت.
هناك في غزة، الصابرة، ينشب الخوف في النفوس أظافره، وينتشر الحزن اللامتناهي في القلوب، ويكبر البؤس، الذي لا ينتهي، إلى ما لا نهاية، ويتضاعف حجم المعاناة التي تولد من رحم المأساة.
هناك، في بلد الفلسطينيين «البؤساء»، الذين لا يعرفهم «فيكتور هوجو»، ولم يكتب عنهم، روايته الشهيرة، التي نشرها عام 1862، وتناول فيها الحياة البائسة، التي عاشها الفرنسيون، بعد سقوط نابليون.
هناك في قطاع غزة، يتم قتل الأطفال والنساء، بلا رحمة، في سياق تسلسل، مسلسل سفك الدماء.
ومنذ فجر الثلاثاء، الثامن عشر من مارس الجاري، تواصل إسرائيل، فجورها العسكري، وجورها الاستبدادي من خلال فرض الظلم، والظلام، والضلال، عن طريق السلام، والاعتداء على حقوق الآخرين، والانحراف عن مقاصد وأهداف اتفاق الهدنة، التي تثبت الأحداث، وتؤكد التطورات وتوضح المستجدات، أنها هشة، أكثر منها هشاشة «الرهش»!
وسط هذا الواقع الهش، استأنفت إسرائيل عدوانها الهمجي، وما زالت تشن موجات تلو موجات، من الهجمات والغارات، بالطائرات والمسيرات، ضد الفلسطينيين، في كل الجهات، في سلوك غادر، وانتهاك سافر، لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه، برعاية أمريكية، وجهود قطرية، ومساعٍ مصرية.
وفي هذه اللحظات المصيرية، يحق لي أن أتساءل، لإثبات حقيقة مفصلية:
أي حضاره إنسانية، التي يتشدقون بها، وهم ينتهكون الاتفاقيات الموقعة، ويخرقون التعهدات الموثقة، والمواثيق المؤكدة، والتفاهمات الملزمة؟
وأي سلوك إنساني سليم، وتعامل سياسي قويم، يسمح لهم بقتل الآمنين، الصائمين، وبينهم المئات من المسنين؟
وأي ديمقراطية التي يتباهى بها نتانياهو، ورفاقه المتطرفون، وهم يمنعون دخول المساعدات الإنسانية، والاحتياجات الإغاثية الضرورية، التي يحرمونها عن المدنيين، ولا أقول المدانين؟
وأي نوع من الأنفس الصهيونية المريضة، التي تستخدم التجويع، والتعطيش، والتطفيش، والتهميش، سلاحاً ضد الآخرين يشهرونه، في وجوه المقهورين، المستضعفين، كوسيلة للعقاب الجماعي، والابتزاز السياسي؟
ثم يلومون «هتلر»، على حرقهم!
وهم بأفعالهم الإرهابية، وجرائمهم الوحشية، واعتداءاتهم الهمجية، على الفلسطينيين، يثبتون أنهم أكثر «هتلرية»، وأشد «نازية»، وأبشع «فاشية»، من ذلك المعتوه النازي.
ولا أنسى توغلهم البري، وتغولهم البربري، وتغلغلهم العسكري، الذي يطبقونه على طريقة الألماني الغازي، بامتداد محور «نتساريم»، مما يشكل خرقا خطيرا، لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي أشعلوا فيه النار، فأصبحت محتوياته كتلة من النار، وبات يحتاج لمن يبادر، بإطفاء النار، المشتعلة في ذلك الاتفاق المنهار.
وما من شك، في أن هذا الانهيار، وذلك الدمار، يعكس النية الإسرائيلية المبيتة، والخبيثة، والخسيسة، لاستكمال جريمة الإبادة الجماعية، وإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، والتنفيذ التدريجي، لمخطط تهجير الفلسطينيين، خارج قطاعهم المدمر.
وفي خضم هذا الدمار، نشهد نوعا آخر من الانهيار، حيث يتواصل الفشل الدولي المخزي، والعجز العربي المخجل، عن وقف الحرب!
ومع هذا الانحدار، تترسخ الحقيقة المحزنة، المتمثلة في ضعف العرب، وعدم قدرتهم على مواجهة إسرائيل، إلا في إصدار بيانات الشجب، دون القدرة حتى على إلزامها، بالالتزام بتطبيق قواعد «الضرب»، التي يحددها القانون الدولي الإنساني.
ولعل ما يزيد من وطأة الكارثة، تواطؤ الغرب مع الطغيان، وتورط الولايات المتحدة، في دعم العدوان.
ومن المؤكد، إنني لا أخطئ العنوان، عندما أقول إن البجاحة، وصلت لدى الإدارة الأمريكية إلى درجة الإعلان، أن رئيسها، يدعم استئناف إسرائيل عملياتها العسكرية، الجوية والبرية، في غزة.
وهذا أعلنته، بكل صفاقة، المتحدثة باسم «البيت الأسود»، الملطخة جدران مكتبه البيضاوي، بدماء أطفال فلسطين.
ووسط هذا الموقف المشين، أقول بكل اليقين، وأنظر بعين اليقين، وأكشف بنور اليقين، أن المسؤول الأول، عن الواقع الحزين، الذي يعيشه حاليا أهالي غزة المسحوقون، هو «فخامة» الرئيس «الأفخم» دونالد ترامب!
وأستطيع أن أجزم ولا أزعم، أنه يتحمل المسؤولية الكاملة، عن قتل كل طفل فلسطيني، وكل أم غزاوية، وكل سيدة فقدت زوجها، أو ابنها، أو عائلتها أو معيلها، بعدما أعطى حكومة نتانياهو الإرهابية، الضوء الأخضر لشن عملياتها العسكرية، واعتداءاتها الهمجية، وممارساتها النازية، التي فتحت أبواب الجحيم وأشعلت النيران، في الاتفاق الهشيم.
وأقولها بصراحة، بل بمنتهى الصراحة، ينبغي على ترامب، أن يطأطئ رأسه خجلاً، لتورطه الفعلي والعلني في استئناف الحرب على غزة.
كما ينبغي على المجتمع الدولي، ممثلاً في الأمم المتحدة، وتحديداً ما يسمونه «مجلس الأمن» أن يقوم بطباعة جميع القرارات الصادرة منه، ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، والتي لم يتم تنفيذها، وتحويلها إلى مناديل ورقية، لتجفيف دموع المنكوبين في غزة.
والمؤسف، أن «ترامب»، الذي يسوّق نفسه على أنه داعية سلام عالمي، وأنه «سوبرمان»، الذي يحرص على إنهاء الحروب في العالم..
■ وأنه «باتمان» الذي يسعى، لترسيخ العدالة، في كامل استدارة الكرة الأرضية.
■ وأنه «سبايدرمان» الذي يملك قوة خارقة، تمكنه من الانتصار على خصومه وامتلاك قدرة فائقة، على استشعار مكامن الخطر، والتصدي لزعماء الشر.
■ وأنه البطل الخيالي الخارق، المسمى «كابتن أميركا»، الذي يمكنه هزيمة كل مارق، مرتديا بدلته المزينة بألوان العلم الأمريكي، وهو يحمل درعا غير قابل للتدمير، أو التكسير، أو التقشير أو التشطير.
ورغم كل هذه الشخصيات الكرتونية، التي تروجها ثقافة الخيال الأمريكي، التي يتقمصها رئيس الإدارة الأمريكية، من خلال تضخيم قدراته، وإظهار أنه البطل القاهر، والزعيم القادر على إحداث التغيير..
نجده لا يجرؤ، خلال تعامله مع إسرائيل، ورئيس حكومتها الشرير، حتى في إثبات أنه «بلوتو»، الذي يحاول القضاء، على «باباي» قبل أن يتناول السبانخ!
ولهذا نجده يتجاهل، أن هناك اتفاقاً ملزماً، تم توقيعه، بين «حماس» وإسرائيل، برعاية أمريكية، يتضمن إطلاق سراح الأسرى، على (3) ثلاث مراحل، دون الحاجة إلى استخدام العنف، وإطلاق الصواريخ، وإسالة دماء الأبرياء.
وأستطيع القول إن كل صاحب ضمير حي، يمكن أن يشهد بكل حماس، أن حركة «حماس» نفذت كل الالتزامات الواجبة عليها، وفقا للمرحلة الأولى من الاتفاق.
ثم فوجئت بمماطلة إسرائيل، وتنصل رئيس حكومتها، عن الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، واختلاق الذرائع وتسويق المبررات، والتهرب من تنفيذ التعهدات، بدعم وتشجيع وتأييد وإسناد من الوسيط الأمريكي!
وكان مفروضا من رئيس الولايات المتحدة، الاضطلاع بمسؤولياته الإنسانية والأخلاقية والقانونية، والضغط على إسرائيل - كما يفعل مع الأنظمة العربية - لإجبارها على الجلوس على طاولة التفاوض، من أجل الإفراج، عن بقية المحتجزين، دفعه واحدة..
بدلا من تحريضها على العدوان، وانتهاك حقوق الإنسان، وتشجيعها على توجيه جيشها لقصف الفلسطينيين، دون مراعاة صيامهم في شهر رمضان.
ومن الواضح، بل الفاضح أن ترامب بموقفه الفادح، أسقط عن وجهة قناع داعية السلام، ووضع على رأسه القلنسوة اليهودية، لتتربع فوق شعيراته الصفراء، وبات يتصرف وكأنه «تيودور هرتزل»، مؤسس الحركة الصهيونية.
وبات أسيراً لمعتقدات إسرائيلية، مليئة بالهراء، عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، دون أدنى اعتبار، إلى حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال، وحقهم في تحرير أرضهم، وحقهم في نيل استقلالهم، وحقهم في الحصول على استقرارهم، كما فعل الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الذين وحدوا المستعمرات الثلاث عشرة، وقادوا حرب التحرير عن التاج البريطاني في أواخر القرن الثامن عشر ونالوا حريتهم واستقلالهم باستخدام القوة ضد السلطة البريطانية المتسلطة وبنوا إطاراً حكومياً حامياً لدولتهم الجديدة على أسس جمهورية وأبرزهم جون آدمز وبنجامين فرانكلين وتوماس جيفرسن وجيمس ماديسون وجورج واشنطن، وكل هؤلاء لعبوا أدواراً وطنية أمريكية مهمة في مقاومة ومحاربة الاستعمار البريطاني، لا تختلف عن الأدوار البطولية التي يقوم بها قادة المقاومة الفلسطينية، ضد الاحتلال الإسرائيلي، ومنهم على سبيل المثال الشهداء إسماعيل هنية والسنوار والضيف وغيرهم من قيادات النضال الفلسطيني.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
831
| 16 ديسمبر 2025
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
678
| 18 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها من كأس العالم الذي أبهر وأدهش وأتقن، الى احتضان فعاليات كأس العرب. نعم نجحت قطر في جمع العرب في ملتقى استثنائي، بدأ بافتتاح مهيب وأسطوري اجتمعت فيه حضارة العرب وعاداتهم وأحلامهم ونجحت في تقديم فلسفة الاستاد خلال الأيام الماضية على أنه البيت العربي الكبير الذي يجمع العرب متجاوزين الحدود والفوارق. لقد تبيّن لنا أن هناك الكثير مما يجمع العرب، وليس حرف الضاد وحده، فها هي كرة قدم أظهرت أنهم يقفون ويستطيعون البناء وتقديم الأفضل، وأن هناك جيلا متفائلا يؤمن بالمستقبل وبأنه قادر على أن ينهض من تحت الركام، جيل جديد يتنفس عطاءً ويضع لبنات البناء الذي يعيد المجد لهذه الأمة. أما فلسطين فكانت حاضرة في هذا المهرجان الكروي، في تضامن ليس جديدا أو غريبا على قطر وشعبها، ولعل الأوبريت المؤثر حين جمع قصص الاناشيد الوطنية للدول العربية عبّر لكل الحاضرين والمشاهدين أن تحريرها ممكن وان وحدتنا ممكنة. قطر ومن جديد تجمع العرب في كأس العرب للمرة الثانية من المحيط الى الخليج في هذه الاحتفالية الكروية التي تعد الأكبر في العالم العربي، والسؤال الذي يطرح نفسه عن سرّ نجاح قطر مرة تلو الأخرى؟ لقد وضعت قطر بصمتها على خريطة العرب والعالم فأصبح يشار إليها بالبنان لما تمتلكه من قدرات استثنائية على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى وتمثل كأس العرب فصلاً جديداً في هذا الإرث الرياضي الغني والمتنوع. قطر وخلال أعوام مضت وضعت رؤيتها، وحددت هدفها وسخرت امكاناتها، وبذلت كل ما تستطيع لتحقيق ما رأيناه من ترتيبات لإقامة كأس العالم على أرض صغيرة حجما، كبيرة بالفعل فكان لها ما أرادت واستقر الهدف وجاءت في هذه البطولة لتبني على ما تم انجازه وتعطي أكثر وأكثر. تمتلئ ملاعب قطر بالجماهير التي تحول ملاعب المونديال الأيقونية إلى مسرح جديد للإثارة الكروية العربية يستفيد فيها المشاركون والجماهير من منظومة متكاملة، أسست على أرقى المعايير البيئية العالمية، فهي لم تعتمد بناء ملاعب يطلق عليها مصطلح الأفيال البيضاء ببناء أبنية ضخمة لا داعي لها بل شيدت على مبدأ الاستدامة واستخدام أدوات صديقة للبيئة بحيث يمكن تفكيك وإعادة استخدام الملاعب وفق خطة مدروسة بمجرد الانتهاء منها سواء بإعادة تدويرها في مشروعات داخلية أو بالتبرّع بها وإهدائها إلى دول أخرى لرفع كفاءة منشآتها الرياضية إضافة الا أنها ملاعب بلا تدخين وملاعب يصدح فيها صوت الأذان انجاز مختلف ومقدر. يضاف إلى هذه الملاعب المونديالية، أنها استفادت من البنية التحتية الرياضية الواسعة التي أولت قطر اهتماما كبيرا بها بما في ذلك مرافق التدريب الحديثة، ومناطق المشجعين التي توفر تجربة ترفيهية متكاملة وفي نقطة تحسب لهذه الجهود تتضمن الملاعب خيارات أماكن مخصصة للمشجعين من ذوي الإعاقة. وهنا لا بد من ذكر تسهيلات حركة المشجعين من خلال شبكة منظمة من المواصلات فنجاحها يعد حجر الزاوية في انجاح البطولة فهي توفر شبكة نقل حديثة ومتكاملة تتمتع بسلاستها وفعاليتها مع وجود مترو الدوحة العمود الفقري للدوحة الذي يربط غالبية الملاعب والمناطق الحيوية في قطر خلال دقائق معدودة، بجانب منظومة نقل عام فعالة سلسة الحركة خلال الفعاليات الكبرى، فضلا عن طرق حديثة تساهم بصورة كبيرة في تقليل الازدحام وتعزيز انسيابية حركة الجماهير. وإلى جانب ذلك، يتوفر أسطول حديث من الحافلات الكهربائية الصديقة للبيئة لتقليل الانبعاثات الكربونية، وكذلك خدمة نقل عام مستدامة وفعالة تشمل "مترولينك"، والتي تتمثل في شبكة حافلات فرعية مجانية تربط بين محطات المترو والأماكن المحيطة. لقد ركزت قطر على الاستدامة عبر استخدام حافلات كهربائية وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، وتوفير تجربة سلسة في نقل المشجعين مع الأخذ في الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تصميم وسائل النقل والمحطات، وهو الأمر الذي يساعد على ترك إرث مستدام لقطر يعزز من مكانتها كمركز للفعاليات العالمية. وبينما تدار المباريات من جهة تقام مجموعة من الفعاليات الثقافية والترفيهية لتعزيز تجربة المشجعين وخلق أجواء إيجابية وبناء جسور بينهم حيث ترحب قطر بهم بطريقتها وبحسن وكرم الاخلاق والضيافة. أي انجاز هذا، خطوة ٌتحسب وتقدر ونقطةٌ بألف هدف، فقطر تربط استثمارها بالرياضة بتحقيق نمو اقتصادي وسياحي وفي نفس الوقت وفي هذا المحفل العربي الاخوي تزيل اسباب الفرقة وتقرب المسافات في تجمع لم نكن نراه او يشهد له في من سبقها من فعاليات لكأس العرب. أي انجازٍ هذا في أكبر تجمع عربي، إذا هي الارادة الجادة والحقيقية المنتمية، تغلفها الشجاعة والاقتدار الساعية لبث الخير. قطر لا تمتلك المال فقط، إنما هي تتبع قواعد النجاح وتركز على الإنسان وفكره وتطويره، لا تترك جهدا ً في الاستفادة من خبرات الآخرين والتعلم منها والبناء عليها، وتعطي الفرص وتمنح المساحات للعطاء لمن يريد من القطريين أو غيرهم ممن يعيشون على أرضها. من استاد ملعب البيت كان الافتتاح، ولن تكون النهاية، لقد أصبحت قطر على الدوام البيت الذي يجمع ولا يفرق يلم الجراح ويبث الطمأنينة. الأمل يحدونا لأن نزيد ما تم بناؤه فكريا وروحيا ومعنويا في قطر، وفي غيرها من شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، حتى نغدو منارة يهتدى بنا.
672
| 15 ديسمبر 2025