رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبالك يسأمهل إحتاج شاعر المعلقات الكبير زهير بن أبي سلمى لثمانين سنة حتى يسأم من الحياة وتكاليفها في زمن يجاهد فيه الناس من أجل البقاء، وتوفير أساسيات الإستمرار في الحياة، فالموت العشوائي المسلط عليهم لا يفرق بين شيخ وشاب إذ يصيبهم بسهامه الطائشة أينما حلوا وإرتحلوا، فالغزوات والحروب والسبي والأسر مصير يتهدد الجميع، وهوام الصحراء ودوابها بالمرصاد لكل الأحياء، والأمراض والأوبئة والمجاعات تفتك بهم ولا ترحم. وإذا كنا في زمننا هذا نسأم من تكاليف الحياة ولم نبلغ نصف العمر الذي بلغه زهير بن سلمى ونحن نعيش في رفاه لم يتوفر حتى للملوك والأباطرة في ذلك الزمان، وما ذلك إلا لأن الحياة المعاصرة رغم توفر أسباب الراحة والأمان فيها إلا إنها أكثر تعقيداً وتطلباً وأصعب مراساً من الأزمنة الخوالي.فالرفاهية التي نتمتع بها لها ثمن باهظ ووسائل الراحة التي تحف بنا من كل جانب أخذت منا بقدر ما أعطتنا، فحياتنا المعاصرة سلسلة زمنية متواصلة من الجهد المبذول من أجل الحصول على المال، ليتسنى لنا أن ننفق هذا المال لنكون مساوبن للآخرين في مستوى الرفاهية إن لم يكن أفضل منهم. فالمزيد من المغريات يعني مزيد من الجهد المطلوب لتوفير المال اللازم لإقتناء هذه المغريات.وإذا كانت حياة أسلافنا حتى فترة زمنية قريبة تتسم بالمجهود البدني العالي فإن حياتنا المعاصرة على قلة هذا المجهود إلا إنها تتميز بكثرة الإنشغال الذهني والنفسي وقلة الرضا عن الذات، حتى إبتكرنا الرياضة لنعوض قلة نشاطنا البدني، لكننا لم نوفق بإبتكار يخفف من القلق والتوتر الذي يطغى على حياتنا.التقدم التكنولوجي غير حياتنا بشكل جذري وغير من طبيعة علاقاتنا الإجتماعية والإنسانية، بحيث أصبحنا نتفاعل مع آخرين ضمن عالم إفتراضي من خلال الفيس بوك والتويتر والإنستغرام والواتساب وغيرها أكثر من تفاعلنا مع الأشخاص الحقيقيين الذين يعيشون حولنا، والتقدم التكنولوجي أيضا أعاد تشكيل مظاهر كثيرة على سطح الأرض لتتناسب مع هذه التغيرات، التكنولوجيا بالتالي سيطرت علينا وجعلتنا خاضعين لها.مشكلات ومشكلة التكنولوجيا إن الإبتكارات الجديدة دائماً تخلق جديدة وتتطلب بالتالي حلولاً للتعامل معها للتغلب على حالة عدم التوازن الحاصلة.وتتحدث الفيلسوفة الألمانية هانا أرنت عن وضع الإنسان في المجتمعات المعاصرة بقولها (أنه في الوقت الذي يزداد فيه شعور الإنسان بالقوة لإعتماده على الإكتشافات التكنولوجية والبحث العلمي، تتضاءل قدراته على التحكم في نتائج أفعاله، مما يعني تراجع وتقلص دوره في حياة المجتمع كما تتضاءل حريته السياسية، وهذه مأساة الإنسان في المجتمع التكنولوجي المعاصر ).كما قال أيضاً عالم البيولوجيا الإسترالي جيريمي جريفث (الإنسان المعاصر يعيش في وهم كبير، إذ يتصور أنه يدرك كل ما يدور حوله بينما هو غائب في حقيقة الأمر عن إدراك ماهية وكنه الأشياء، بما فيها كنه ذاته نتيجة ذلك الانبهار بالتقدم التكنولوجي، الذي يصرفه عن التفتيش في أعماقه الداخلية، لمعرفة حقيقة أبعاد وضعه الإنساني في هذا العالم، واختيار الطريق الذي يوحي به تكوينه الداخلي الخاص ).التكنولوجيا منحتنا الراحة والرفاهية لكنها لم تمنحنا السعادة والرضا عن النفس.
10838
| 16 أكتوبر 2015
جلسات شاي الضحى، التي تجمع الصديقات من نساء الفريج، يتبادلن خلالها الأحاديث العذبة، التي تتخللها الضحكات المجلجلة، حيث لا متعة تضاهي هذه الجلسات اليومية التي يصاحبها ارتشاف المشروب السحري (الشاي).فالشاي لم يكن يوماً لدى الكثير من شعوب العالم مجرد مشروب لذيذ الطعم، أخضر اللون أو أحمر، يُشرب ساخناً أو بارداً مع السكر أو الحليب أو بدونهما، مع أوراق النعناع أو بنكهة الياسمين أو الزنجبيل. الشاي الذي اكتسح العالم منطلقاً من الصين، شربه أول الأمر الملوك والرهبان وعلية القوم. حيث تقول الأسطورة الصينية القديمة: إن الملك الصيني (شينونج) كان مغرماً بالأعشاب، ووجد ورقة شاي ساقطة على الأرض فقرر تجربتها مع قدح الماء الساخن، الذي كان يشربه عادةً فاستساغ طعمه، الأمر الذي جعله يولع بشربه، ثم انضم إليه رجال حاشيته، لتبدأ أولى جلسات الشاي في التاريخ. لينتشر شربه بعدها بين الناس في الصين، حيث اُعتبر من أهم الأشياء في المنزل كما تقول المقولة الشعبية الصينية (الحطب والأرز والزيت والملح وصلصة الصويا والخل والشاي تعتبر الأشياء الضرورية السبعة في كل منزل).. ووصل الشاي الى اليابان بعد عودة أحد الرهبان البوذيين من الصين، محملاً بمسحوق الشاي الأخضر، حيث أصبح للشاي فن خاص وطقوس مميزة، وتشير الكلمة اليابانية (سادو) الى حفلات الشاي الراقية ذات الطقوس العريقة. ومن طقوس شرب الشاي في اليابان أنهُ يشرب في غرف خاصة ذات طابع تقليدي ياباني تسمى غرف الشاي، وفي اليابان الحديثة أُنشئت معاهد للتدريب على صنع الشاي وتقديمه ضمن الطقوس اليابانية الأصيلة.وعرف الأوروبيون الشاي أول الأمر في القرن السابع عشر، عندما أحضر الهولنديون الشاي الأخضر إلى أوروبا، ومثل كل الأشياء الجديدة أصبح الشاي مشروب المترفين من أمراء ونبلاء أوروبا. ثم لينتشر بين العامة في فترات لاحقة، وكما في مناطق أخرى من العالم أولع به الناس في أرجاء القارة الأربعة، ويعتبر البريطانيون من أكثر شعوب الأرض شغفاً بالشاي، حيث تحتفظ العائلات الإنجليزية بعدة الشاي الأنيقة، التي يطيب لهم تناوله بها مع قطع البسكويت والكعك المسمى (سكونز).. كما تعتبر شعوب الشرق الأوسط من أكثر سكان الأرض ولعاً بالشاي، فالأتراك والإيرانيين والعرب لايبدأ يومهم دون شرب الشاي الأحمر المضاف إليه السكر، ويعد السماور التركي والإيراني والروسي، الإبريق الذي يحضّر فيه الشاي قطعا فنية رائعة، تتوارثها العائلات جيلاً بعد جيل.كذلك يعشق أهل المغرب العربي الشاي الأخضر المضاف له أوراق النعناع والسكر، ولا تكتمل طقوس الضيافة عندهم إلا بتقديم الشاي ذي الرائحة النفاذة للضيوف، بالإبريق التقليدي والأكواب والصينية الفضية اللامعة. وكما شغف سكان المعمورة بشرب الشاي، كذلك أبدع كل شعب بطريقة إعداده وشربه، فسكان التبت يشربونه مالحاً ومضافاً اليه الزبدة، حيث يعد مصدراً للدفء والطاقة، والصينيون يشربونه مخلوطاً بالياسمين الذي تنعش رائحته الأخّاذه الحواس، ويعد الشاي المثلج من أكثر المشروبات الشعبية في تايلاند، كما يشتهر الهنود بأنواع من الشاي حازت على شعبية كبيرة في منطقتنا؛ ومنها الشاي الشهير المعروف (بالكرك) وهو الشاي المضاف له الحليب وبعض التوابل، والشاي السليماني وهو الشاي الأحمر الذي يضاف له السكر فقط.وقد عبّر الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي عن عشقه لهذا المشروب الساحر، بقصيدته الشهيرة التي يقول في مطلعها:لئن كان غيري بالمدامة مولعاً فقد ولعت نفسي بشايٍ معطرِإذا صب في كأس الزجاج حسبته مذابَ عقيقٍ صُب في كأس جوهربه أحتسي شهداً وراحاً وسكراً وأنشق منه عبق مِسك وعنبريغيب شعور المرء في كؤوس الطُّلا ويصحو بكأس الشاي عقل المفكريحد سرور المرء من دون نشوة فأجيب به من منعش غير مسكر
5114
| 09 أكتوبر 2015
يجتمع الناس في الحج قادمين من كل فج عميق، متحملين المشاق والصعاب قاطعين الصحراء القاحلة لا أنيس لهم في وحشتهم سوى إيمانهم العظيم، حاملين أدرانهم طمعاً بعفو الرحمن الرحيم.الحج، المحشر الأصغر الذي يُحشر الناس فيه بكلمة إلهية، فما أشبههم وهم بملابس الإحرام وقد ملأوا البقاع المقدسة بالخارجين من الأجداث بأكفانهم ينتظرون عرض صفائحهم أمام العلي القدير.ورحلة الحج طالما كانت وماتزال معينا لا ينضب للأعمال الفنية من لوحات أبدعتها أنامل الرساميين، وأشعار جادت بها قرائح الشعراء، وقصص تدور حول معاناة العابر للديار المقدسة وشوقه للطواف حول الكعبة وزيارة قبر الرسول الكريم، ومن الفنون الأدبية التي أبدع مؤلفوها في تناول الحج أدب الرحلات، هذا النوع من الأدب الذي برع به العرب كل البراعة.وقد بدأ أدب رحلة الحج منذ ألف عام، حين دون الرحالة ناصر خسرو شاه عام 442 هجرية، وصفاً لرحلة الحج التي قام بها واستهلها بوصفه لمدينة جدة حيث قال: (جدة مدينة كبيرة لها سور حصين، تقع على شاطئ البحر، وبها خمسة آلاف رجل، هي شمال البحر الأحمر، وفيها أسواق جميلة، وقبلة مسجدها الجامع ناحية المشرق). ثم أخذ في وصف مكة المكرمة قائلا: (تقع مكة بين جبال عالية، ولا ترى من بعيد، من أي جانب يقصدها السائر، وأقرب جبل منها هو جبل أبي قبيس، وهو مستدير كالقبة، لو رمي سهم من أسفله لبلغ قمته).أما ابن جبير الأندلسي فقد حج عام 578 هجرية متوجها من غرناطة إلى جدة، وكتب عن رحلته وحجه إلى بيت الله، واصفاً مشاهد كثيرة، فقال: (في مساء يوم الثلاثاء الحادي عشر من ربيع الأول 578هـ، تركنا جدة متوجهين إلى مكة، ودخلنا من باب العمرة، فقضينا نسكنا، وسكنا بدار في جوار الحرم مشرفة على الحرم والكعبة).وبعد أن يفيض في وصفه كسوة الكعبة يصف مقام إبراهيم، حيث قال: (هو حجر مغشى بالفضة، وارتفاعه مقدار ثلاثة أشبار، وسعته مقدار شبرين، وأعلاه أوسع من أسفله، عايناه، وتبركنا بلمسه وتقبيله).وجاء في حديث ابن بطوطة عن رحلته إلى الحج عام 726هـ(في اليوم السابع والعشرين من شهر ذي القعدة ُتشمر أستار الكعبة، إلى نحو ارتفاع قامة ونصف من جهاتها الأربع صونا لها من الأيدي أن تنتهبها، ويسمون ذلك إحرام الكعبة، وهو يوم مشهود بالحرم الشريف، ولا تفتح الكعبة المقدسة من ذلك اليوم حتى تنتهي الوقفة بعرفة).وزاد ابن بطوطة بالوصف قائلا: (لعرفة ثلاثة أسماء، وهي: عرفة وجمع والمشعر الحرام، وعرفات بسيط من الأرض فسيح تحدق به جبال كثيرة، وفي آخر بسيط عرفات جبل الرحمة، وفيه الموقف وفيما حوله).أما الرحالة الياباني (تاكيشي سوزوكي) والذي أسلم وأطلق على نفسه اسم محمد صالح وتوجه للحج في الثلاثينيات من القرن العشرين، فقد وضع كتاباً وبدأه بمقدمة عن الإسلام ومبادئه، ثم بمقدمة أخرى عن الرحلة إلى بلاد الحرمين والظروف التي دفعته إلى القيام برحلته، وركز على الأمور الجغرافية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعمرانية، ووصف الطرق والعمران، والمرافق والظواهر المناخية، ووجه عناية خاصة للأمور الاجتماعية، فتحدث عن البشر، وفئات المجتمع وطبقاته، ووضع الرجال والنساء في المجتمع المكي خاصة والحجازي بشكل عام.
1308
| 25 سبتمبر 2015
لاشك أن صفة "مثقف" باتت اليوم من أكثر الصفات تداولاً وانتشاراً بين الناس، فلا يكاد يمر يوم دون أن يستخدم أحدنا كلمة "مثقف"، بالرغم من أننا كثيراً ما نخلط بين المتعلم وبين المثقف.فماهية (الثقافة) كانت ولا تزال تثير جدلاّ وإشكالاً لدى الباحثين والمفكرين، كما لدى عدد من الاتجاهات الفكرية، وقد تكون تلك الإشكالية وراء صعوبة تحديد ذلك المصطلح ووراء صعوبة الاتفاق بشأنه.وقد أشتق مصطلح (ثقافة (Culture من الكلمة اللاتينية CULTER) التي تعني حراثة الأرض والتربة، وعلاقة الحراثة والأرض بالثقافة يوضحها (إدوارد برنت تايلور) الأب الروحي لعلم الإنسان (الأنثروبولوجي) وعرّاب مدرسة الفولكلوريين الإنثربولوجيين،عندما أعاد الثقافة إلى الفأس والقوس والرمح وإشعال النار وصناعة الحراب وما إلى ذلك، ويضيف تايلور: إنها ذلك الكل المركّب الذي يشتمل على المعرفة والأخلاق والفن والقانون والعادات وغيرها من القدرات التي اكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع.وقد أيّده في نظريته هذه عدد من علماء الإنثربولوجيا وعلى رأسهم(جيرارد أودونيل) الذي ذهب إلى الثقافة هي نمط الحياة أو إسلوبها الذي تؤسسه أية جماعة بشرية، وغالباً ما يكون هذا النمط مقبولاً بصورة عامة بين الأفراد، كآداب السلوك والمعتقدات والأزياء وما إلى ذلك مما يشكل هوية هؤلاء.لكن (ل.هوايت) نبّه إلى الثقافة بشكل عام تعني السلوك الإنساني، وذلك من خلال نظريته الرمزية، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي إبتكر جهازاً رمزياً جعله لا يكتفي بما يأخذه من الطبيعة الخام وإنما يعيد تمرير ذلك الخام على جهازه الرمزي.ونظراً لتعدد التعريفات المعنية بالثقافة والتي يقول إدوارد برنت تايلور أنها تجاوزت المائتي تعريف، جاء (إعلان مكسيكو) ليؤطر تلك التعريفات ويحددها، فالثقافة بمعناها الواسع هي كل السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز كل مجتمع عن الآخر، أو فئة اجتماعية عن الأخرى، وهي تشمل أيضاً الفنون والآداب وطرق وأسلوب الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات.وإذا بحثنا عن معنى هذه الكلمة في المعاجم اللغوية العربية نجد أنها تجمع على أن مصدر كلمة (مثقف) من الفعل الثلاثي ثقف، فثقف الشيء ثقافة أي حذق به فأصبح ماهراً، وتثقيف الرماح بمعنى إقامتها وصقلها، وكل مثقف معتدل، وروى الأزهري عن الليث بن المظفر فقال، المعتدلة من النوق الحسنة المثقفة الأعضاء بعضها ببعض، وقيل ثقّفت القناة إذا أقمت عوجاً فيها، بينما يحدد العلاّمة (عبد الرحمن ابن خلدون) الثقافة بأنها (الدراية الجيدة بكل ما يتعلق بمجال من المجالات فكراً وممارسة).ومما سبق نستخلص أن الثقافة مفهوم واسع يمكن اختصاره على هذا النحو: هي كل السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميّز كل مجتمع على حدة، أو كل جماعة بعينها، وهي تشمل بشكل عام الفنون والآداب وطرق وأسلوب الحياة.وبحسب إعلان مكسيكو، إن الثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته، وهي التي تجعل منه كائن يتميز بالإنسانية التي تؤكد ذاتها في العقل والالتزام الأخلاقي، فعن طريقها نهتدي للقيم العليا، ومن خلالها نمارس اختياراتنا، فهي المرآة الوحيدة التي تكشف الإنسان أمام ذاته.بمعنى أن الإنسان هو الكائن الوحيد على الأرض القادر على صنع ثقافته، والحفاظ عليها، وهذا ما يجعل الثقافة أحد أهم الملامح الإنسانية.إذا كان تعريف الثقافة على هذا النحو، فمن هو المثقف إذاً، ومتى يستحق إطلاق تلك الصفة عليه؟من المؤكد أن تحديد صفة "مثقف" تلاقي نفس الصعوبة، لذا يؤكد البعض من الباحثين أن المثقف هو الذي يمكنه تغيير المجتمع بفكره، أو الذي يمكنه العمل لصالح عدد من القطاعات المتعددة في المجتمع، أو المتميز بموهبة النقد العلمي والاجتماعي بغرض التقويم والإصلاح.
13308
| 18 سبتمبر 2015
خرير مياه الينابيع، هدير أمواج البحر، حفيف أوراق الشجر، زقزقة العصافير، هديل الحمام وأصوات النوارس وهي تحلق فوق البحر، كلها موسيقى تشدو بها الطبيعة وتترنم، صانعة سيمفونية رائعة بلا مؤلف أومايسترو، استلهمها منها الإنسان ليخترع موسيقاه الخاصة، الموسيقى نشوة الأوتار المتراقصة وفرحة الانعتاق من أسر المكان والزمان، لتحلق الروح في آفاق رحبة غير مطروقة. وكما تقول الروائية لطفية الدليمي (من لا ينصت للموسيقى لا يعرف غبطة الفردوس الروحي ومعنى انتصار الفن على الحزن والألم ومقاومة الفناء و إمكانية تحقيق التوازن والعدالة، تدفعنا الموسيقى للتحرر من المحددات الأرضية ونستجيب معها إلى نداءات الكون القصية ونصغي إلى همهمة الروح وهي تنعتق من ثقل الجسد لحظة اكتشاف الذات لحقيقتها وكأنها انعكاس في المرايا). والموسيقى أو ميوزيك الكلمة التي دخلت معظم اللغات العالمية اشتقت من اسم عرائس الإلهام (الميوزات) التي تسمى إحداهن (ميوز) وهن خادمات أبولو إله الشمس والرماية و الموسيقى والشعر والفنون في الميثولوجيا الإغريقية، الموسيقى وسيلة الإنسان للتعبير عن مشاعره وحاجاته وآماله وآلامه، وهي لغة مشتركة يفهمها جميع البشر، وهي ليست لغة منطوقة فقط وإنما منغمة أيضاً. وفي هذا يقول الحكماء إن الموسيقى نشأت من التوازن، ونشأ التوازن من العدالة فحيث لا تكون هناك عدالة لا يوجد توازن، وبالتالي تختفي الموسيقى، ولكل شعب موسيقاه وأدواته الخاصة فحتى الشعوب التي توصف بالبدائية لديها موسيقاها المميزة، وقد استعمل الإنسان البدائي الأدوات التي وجدها جاهزة في الطبيعة ومن ثم قام بتشذيبها وتصنيعها. فمن العظام إلى أعواد الخشب إلى نبات القرع المجفف إلى جذوع الأشجار الفارغة، التي صنع منها الطبول حيث شد عليها جلود الحيوانات، كل هذه الآلات، إضافة إلى حركات الجسم التي شكلت لدى الإنسان لغة يعبر فيها عن سعادته ومشاعره المتباينة وعن اتصاله بمن حوله كانت البدايات الأولى للفن. وكما يقول ول ديورانت في كتابه (قصة الحضارة) في تحليله ورؤيته لبدايات الفنون ( أن العزف الموسيقي على الآلات نشأ عن رغبة الإنسان في توقيع الرقص توقيعاً له فواصل تحدده وتصاحبه أصوات، وكانت آلات العزف محدودة المدى والأداء، صنعها من قرون الحيوانات وجلودها وأصدافها وعاجها، ومن النحاس والخيزران والخشب. ثم زخرف الإنسان هذه الآلات بالألوان والنقوش الدقيقة. ونشأ بين القبائل منشدون محترفون كما نشأ بينهم الراقصون المحترفون. ومن الموسيقى والرقص الهمجي نشأت المسرحيات والأوبرا، ذلك لأن الرقص البدائي كان يحاكي حركات الحيوان والإنسان، ثم انتقل إلى أداء يحاكي به الأفعال والحوادث، فبغير هؤلاء الهمج وما أنفقوه في مائة ألف عام في التجريب لما كتب للمدنيّة النهوض). الموسيقى جزء حي ونابض من حياة الشعوب، وهي بوصلة دقيقة لمعرفة اتجاه المجتمع وحالته النفسية والأطوار الاجتماعية التي يمر بها، ففي فترات الهزائم الكبرى والحروب عادة ما تتهاوى الموسيقى إلى مرتبة دنيا وغالباً ما تترافق مع الكلمات التي تخاطب الغرائز، حيث تسود الموسيقى الراقصة المعتمدة على الآلات الإيقاعية مثل الطبول بأنواعها والتي لا يتطلب العزف عليها مهارة كبيرة على خلاف الآلات الوترية. وكما يقول حكيم صيني ( موسيقى العصر المضطرب موسيقى صاخبة هائجة، وموسيقى الدولة المنحلة تكون عاطفية حزينة وهذا يعني أن الدولة في خطر)، ويخبرنا (هيرمان هيسه) في روايته الجميلة ( لعبة الكريات الزجاجية ) أن الموسيقى كانت في الصين القديمة، تلعب دورا قياديا في حياة الدولة والبلاط وكان الناس هناك يقرنون بين ازدهار الموسيقى وازدهار الثقافة والأخلاق بل وازدهار الدولة بكاملها، وكان يتوجب حينها على أساطين الموسيقى أن يسهروا للمحافظة على الأنغام القديمة والإبقاء على نقائها، فإذا تدهورت الموسيقى فإنها علامة أكيدة على تدهور الحكومة والدولة. وقد تحدث الفلاسفة وعلماء الرياضيات الكبار كالفارابي وابن سينا والرازي عن الأثر السحري للموسيقى في النفوس و قدرتها الخلاقة على إحداث تغييرات في الدماغ البشري والجسد، وقد أوصى ابن سينا بالاستماع إلى الموسيقى لأنها تسكن الأوجاع وتريح النفس، فقد ذكر أن مسكنات الأوجاع ثلاث: المشي الطويل، الموسيقى والغناء الطيب، والانشغال بما يُفرح الإنسان. الحياة عندما تخلو من الفن والموسيقى تتحول إلى صحراء جدباء لا نبت فيها ولا حياة أو على حد تعبير نيتشه (الحياة بدون موسيقى خطأ فادح) .
1254
| 28 أغسطس 2015
بينما تلسع الشمس رؤوسنا بسياطها النارية وتسفع ريح اللاهوب الساخنة وجوهنا بما تحمله من غبار وأتربة، ليبدو الصيف القائظ في بلادنا موسماً للمعاناة اليومية عند الخروج من المنزل والعودة إليه وموسماً كذلك للأمراض والمتاعب الصحية. وبالرغم من شدة الرمضاء التي تسم الصيف في بلاد العرب بقسوتها وهجيرها إلا أن العرب بما لهم من فطنة ودقة في الملاحظة أطنبوا في وصف الظواهر الفلكية والمناخية على مدار العام وفي تحديد المواسم وإطلاق الأمثال والأشعار حولها وزادوا في وصف مظاهر الصيف وحرارة الطقس ربما لأنه الفصل الأطول والأكثر قسوة ومعاناة. فهذه الفترة الساخنة الشديدة الرمضاء من السنة والتي غادرنا فيها قبل أيام نوء (المرزم) ليدخل علينا موسم مرخيات القلايد، هذا الموسم الذي يتكون من نجمين هما نجم الكليبين، ونجم سهيل. وبعد أن كان الحر أشد وطأة أثناء نوء المرزم الذي يعرف عند أهل الزرع والفلاحة باسم (طباخ اللون)، وكذلك (مرزم الشعرى) حيث يشتد الحر وتثور ريح السموم وتظهر الأفاعي وهو من مواسم الغوص العود (الكبير) على اللؤلؤ في الخليج، كما ينضج الرطب تدريجياً في هذا الموسم، وقد قال البدو في شبه الجزيرة العربية (لا طلع المرزم فامل المحزم). أما موسم مرخيات القلايد فقد اشتق اسمه من القلايد وهي ما يوضع على أضرع الأبل وسميت بمرخيات القلايد دلالة على ارتخاء قلايد الإبل آخر النهار بسبب العطش بعد ان كانت مشدودة اول النهار وذلك من شدة الحر والقيظ. وفي هذا يقول الشاعر والفلكي راشد الخلاوي: مضى القيظ عن جرد السبايا ولا بقى من الصيف إلا مرخيات القلايد أما عن ظهور نجم الكليبين، فقد كان العرب يقولون (إذا طلع الكليبين خذ الحفنة من المدين)، أي إذا شوهد نجم الكليبين بالعين المجردة قبيل شروق الشمس فإن المرء يستطيع أن يأخذ حفنة من الرطب الذي نضج وأزهى، وفي هذا الموسم تكثر السحب غير الماطرة والمسببة لارتفاع الرطوبة في الجو، كما تحتاج المزروعات لكثرة السقيا، والرياح تكون عادة مشوبة بالسموم، ولكن الطقس في آخر هذا الموسم يبدأ في الاعتدال ليلاً كبداية لدخول موسم سهيل، حيث تنكسر حدة الحرارة، ويتزامن ذلك مع نضج الرطب والرمان، وبدء هجرة الطيور الخواضير، والطيور الصغيرة الأخرى. وقد وصف راشد الخلاوي هذا الموسم بقوله: ونجوم الكُليبين الذي يرشفَ الجم ايغور فيه ماءَ العيونَ الوكايد و بعد أن يقضي نجم الكليبين مدته ليفسح المجال لنجم سهيل بالظهور الذي يستبشر العرب به فيعتدل الجو بظهوره وتخف ريح السموم وتهب أحياناً الرياح الشمالية المعتدلة ويبرد الماء مساء، ويطول الليل والظل، ويقصر النهار، ويتحول الرطب إلى تمر، وقد قالت العرب (اذا طلع سهيل لا تأمن السيل، وتلمس التمر بالليل). وكذلك قالوا (إذا طلع سهيل طاب الليل وامتنع القيل، وخيف السيل، ورفع الكيل ولأم الفصيل الويل).
853
| 21 أغسطس 2015
رغم التطور التكنلوجي والمعرفي الذي تتغلغل تفاصيله في حياتنا إلا أن إيماننا ببعض المعتقدات والخرافات التي لا تمت للدين الإسلامي الحنيف بصلة يبدو أحياناً مسيطراً علينا، فنحن نمارس بوعي أو بدون وعي طقوساً موغلة في القدم وذات أصول طوطمية، وإلا فلماذا نلجأ للأعشاب والمأكولات والخرز كنوع من الدفاع والحماية ضد الشرور الغيبية... حيث يصر البعض على تعليق الخرزة الزرقاء أو الكف في بيته وسيارته.. فيما يؤمن البعض الآخر بقدرة "الشبة والسويدة والحرمل" وكلها أعشاب ومكونات طبيعية على درء الحسد والعين، وتذبح بعض الشعوب شاة تحت قدم العروس قبل أن تطأ بيت عريسها. ولماذا يريق المرء دماً حيوانياً عندما يسكن بيتاً جديداً؟ ولماذا يتخوف ويتشكك إذا احترق بيته أو تعرضت سيارته الجديدة لحادث ويعود رأساً إلى تفسير الكارثة على أنه لم (يذبح) ليبعد الشر والعين عن ممتلكاته! ولماذا الخوف مثلاً من القطط السوداء وعدم قطع النباتات ليلاً أو التخوف من وطأ أماكن نجسة؟ ولماذا تقديس بعض الأشجار والاعتقاد بكونها مباركة، ولا نزال في البلاد العربية نرى سيارات التاكسي والنقل وقد توشّمت بكلمات ورسوم ونقوش على شاكلة (يا ناس يا شر كفاية قر) أو (عين الحسود فيها عود) وترى (الحروز واليامعات ) وقد تدلت من بعض النساء والأطفال في محاولة ساذجة لإبعاد العين والشر. لقد بدأ الأنسان بعصر الصيد أو بمعنى آخر بدأ حياته مع الحيوان ولم يكن قادرا على فهم الكوارث الطبيعية من فيضانات وأعاصير تهدد وجوده فراح يستخدم الجلود والعظام كرموز يعتقد أنها تدفع عنه الأذى ولما تطوّر للزراعة اتجه إلى التمائم النباتية المناسبة لهذا التحول. فالمخلوق البشري علق في البداية (التمائم) أو التعاويذ المصنوعة من طيور أو قرون حيوانات ثم صار يسلخ الجلود ليستخدمها كقرائن بعد أن اكتشف الذبح ولا زال البعض منا يعلق القرائن (رؤوس عزلان أو ذيول بعض الحيوانات أو حدوة الحصان) الذي بدأ كتعويذة ثم صار لدرء الحسد.. ولأن المخلوق البشري ظل خائفا من قوة مجهولة غيبية فقد ظل يدافع عن نفسه بشتى الطرق تارّة بشكل تعويذات صريحة وأحيانا مموّهة. والعرب كغيرهم من شعوب في تحولهم إلى الزراعة والاستقرار تحولت اساطيرهم تدريجيا من الحيوان إلى النبات، وتبعا لهذا التقديس للزرع فقد كان لأهل قريش شجرة ضخمة يقال لها ذات أنواط يحجون إليها ويعتكفون عندها ويذبحون تحتها، إلى أن جاء الأسلام وقضى على الكثير من هذه الاعتقادات الطوطمية إلا أن بعضاً منها بالرغم من ذلك لا يزال يأبى أن يفارق عقولنا وقلوبنا.
2026
| 14 أغسطس 2015
النخلة هذه الشجرة الطيبة المباركة التي قدستها كل الشعوب التي سكنت الشرق الأدنى القديم و قدسها المصريون القدماء كذلك وأحتلت مكانة عظيمة لديهم لم تنافسها أي شجرة أخرى وعبدها بعض أقوام العرب في الجاهلية. و عندما أتى الإسلام برسالته الكريمة السامية أكرم النخلة وباركها وتوجها سيدة للأشجار جميعاً ، وأوصانا بها الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) واصفاً إياها بأنها عمتنا التي خلقت من الطين مثلنا . فهذه الشجرة المقدسة رمز الخصوبة والخير وشجرة الحياة ( كما أطلق عليها الفينيقيون) ، بدأ بزراعتها الانسان القديم الذي استوطن السهل الرسوبي في جنوب وادي الرافدين في عصر حضارة (عبيد) حوالي 4500 سنة قبل الميلاد ، وتشير الشواهد الأثرية إلى أن مدينة بابل القديمة قبل 4000 سنة كانت تحيط بها بساتين النخيل كما كانت مدينة أريدوالواقعة جنوب أور في المنطقة المعروفه الآن بالأهوار والتي تعد من أقدم مدن العالم كانت من أهم مناطق زراعة النخيل ، وهناك من مؤرخي تاريخ الزراعة من يذكر أن جزيرة المحرق في البحرين هي موطن النخيل الأصلي ومنها إنتشر لبقية المناطق ، وثمة من يرى بإن نشأة النخيل ترجع الى منطقة من فلسطين تقع بين نهر الأردن والبحر الميت ، وبصرف النظر عن هذه الآراء جميعها فإنه ثمة أجماع يفيد أن موطن النخيل الأصلي هو وطننا العربي ومنه أنتشرت زراعة النخيل إلى مناطق أخرى . وتحتل الشجرة المقدسة (النخلة) مكانة هامة ومحورية في كثير من المعتقدات القديمة التي نشأت بداية في بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام (كنعان) قبل أن تنتقل بسرعة شديدة إلى أنحاء متعددة من العالم، لتستمر حاضرة كرمز حتى يومنا هذا في النقوش والرسوم والمطرزات الشعبية ، ثم لتحضر كطقس ومعتقد في(شجرة عيد الميلاد)وشجرة رأس السنة وغيرها من التقاليد، و قد سمى أهل اليونان فينيقيا وبلاد ما بين النهرين (الشرق الأدنى القديم) ببلاد النخيل، فمدينة تدمر السورية حملت اسمها هذا من إسم الإله (دامور) أو(تامور) أو (تمور) أي التمر وقد وجدت آثار هذا الإله مصكوكة على النقود في شكل نخلة تتدلى منها أعذاقها في جزر البحر المتوسط التي استعمرها الفينيقيون. وتبدو النخلة كذلك في المدخل الفخم لقصر نبوخذ نصر الملك البابلي إذ تعلو أغصان النخيل الأعمدة المزخرفة والمزينة بالتيجان لهذا القصر . أما في مصر فلم تكن النخلة تقل أهمية عما هو عليه في الشرق الأدنى ، فقد اعتبرها المصريون القدماء رمزا مقدسا إذ ترمز النخلة لتجدد الحياة وشجرة من أشجار الفردوس . وقد ُزرع نخيل البلح في مصر منذ عصور ما قبل التاريخ، حيث وجدت بقايا من ثمار وبذور وكعكات البلح في المقابر القديمة ، كما اُستخدمت النخلة في تزيين أعمدة المعابد في ( أبو صير) و (شاهور) و إنتشرت رسومات النخيل في مقابر مثل (مينخت) و(سنوفر) في البر الغربي بالأقصر . كما وجدت آثار لأشجار النخيل في عدة مواقع مثل (مقبرة القرنة) المقبرة الفرعونية التي تم العثور عليها بالقرب من منطقة القرنة بالبر الغربي بمدينة الأقصر. وللحديث بقية ..
2673
| 31 يوليو 2015
السعادة فن من الفنون التي يجب على الإنسان أن يتعلمه ويتدرب عليه ويتقنه منذ الصغر كما يتعلم (الإتيكيت) والقراءة والكتابة، وكون المرء يعلم بطبيعة الحياة من حوله والتي لا تخلو أبداً من منغصات ومصاعب سواء كانت مادية أو شخصية، فهذا يعني أن عليه أن يتقبل الواقع بهمومه ومشكلاته التي لا تنتهي دون أن نسمح لهذه الهموم باختراقنا وتحويلنا إلى أسرى لها، وليست هذه دعوة للسلبية وعدم التغلب على مصاعب الحياة أو قهرها، فبعض المصاعب من طبيعة الحياة نفسها، فمشكلات الأبناء والبنات ومعاناة العمل والتعايش مع شريك أو شريكة حياة صعب التعامل معه أو معها، كلها مشكلات قد نتعرض لها ولا نملك التخلص منها، وليس لدينا من وسيلة في التعامل معها إلا باعتبارها واقعا يجب أن نتعايش معه دون أن نسمح له بأن يفرض نفسه على مشاعرنا وعواطفنا ويقضي على إحساسنا بالسعادة وبهجة الحياة، فليس بالضرورة أن تكتمل لدى المرء جميع متطلبات الحياة من مال ومنصب وصحة وعائلة ليكون سعيداً فالسعادة ليست دائماً مرتبطة بظروف وشروط معينة. فجزء من السعادة رضا الإنسان عن نفسه، حتى لو لم يحقق الكثير من إنجازات الحياة المتعارف عليها، فموضوع الإنجاز نسبي للغاية ويختلف تبعاً لنظرة المجتمع والناس لمفهوم الإنجاز، وإن كان معظم الناس في مجتمعنا يرون الإنجاز هو الوصول إلى منصب رفيع وكثرة عدد الأصفار على يمين ما يملكون من أرصده بنكية. فالسعادة التي اختلف الفلاسفة في تعريفها منذ بدأ الكائن البشري في التفكير وعرف الإنسان الفلسفة التي هي حسب التعريف اليوناني القديم (حب الحكمة)، حيث قدم كل فيلسوف منهم مفهومه للسعادة، منذ سقراط والأبيقوريون (نسبة للفيلسوف أبيقور)، والرواقيون (الذين كان معلمهم زينون يجلس في رواق مكشوف ويلقي لهم بتعاليمه)، وفلسفة أفلاطون في السعادة التي بنى عليها مدينته الفاضلة. مروراً بالفلاسفة المسلمين أمثال إبن سينا وإبن رشد في القرون الوسطى حتى الفلاسفة الأوربيون منذ عصر النهضة حتى العصور الحديثة. فالفيلسوف اليوناني أبيقور الذي اعتبر أن السعادة تتمثل في اللذة وهي (غاية الحياة السعيدة)، ويقوم تصور أبيقور للسعادة باعتبار أن الإنسان جسد ونفس فإن سعادته تكمن في تحقيق الخير الملائم لطبيعة النفس والجسد. والخير الملائم لطبيعة الجسد هو اللذة أما الخير الملائم لطبيعة النفس فهي الطمأنينة. والسعادة في مفهوم الرواقيون تكمن في تقبل الحياة بكل تقلباتها، والسيطرة على كل المشاعر التي تنتاب الإنسان مثل الخوف والحزن، والإيمان بجبرية القدر وكون الإنسان مسيّر ولا يمكنه الإفلات من قبضة القدر. بينما يرى أرسطو ان السعادة تكمن في حياة التأمل والتفكير باعتبار الإنسان إنما تميز عن بقية الكائنات بالعقل. ويعتقد ابن سينا أن السعادة الحقيقية لاتكون لا بالحس ولا بالبرهان، بل تكون بالتحلل من إسار الجسد والاتصال بالعالم القدسي النوراني، والسبيل في ذلك هو القلب والروح وتطهير النفس الناطقة. وبعيداً عن كل ما تفلسف به الفلاسفة وفسره الحكماء، فالسعادة إحساس نستحق أن نعيشه مهما كان واقعنا اليومي.
7056
| 24 يوليو 2015
تبدو النساء التاهيتيات في لوحة بول غوغان ذاهلات عن ما حولهن ، فيما الإنكسار والحيرة ينعكسان على مُحياهن ولسان حالهن يقول من نحن ، ومن أين أتينا والى اين نحن ماضيات؟ . وما أشبهنا اليوم بنساء غوغان ونحن نتخبط في هذه اللجج المضطربة أوطان تُحتل ورؤوس تقطع وبشر يُحرقون أحياء ، نساء وأطفال يُسبون ومدن تُدمّر وآثار لحضارات عريقة تأتي عليها معاول الهدم ، كتب تتلف ومساجد وكنائس ودور عبادة تنسف بالمتفجرات ، فما أشبه أوطاننا العربية في هذا الزمن بورقة خريف جافة تذروها الرياح.كل هذا الإرهاب يكتسح بلادنا ويدمّر حياة الملايين من المسلمين ومن عاش مع المسلمين لقرون طويلة في سلامٍ وتناغمٍ تام ، وبإسم الإسلام، الدين الذي إستمداسمه من السلام وكان الرحمن الرحيم أول اسم يرتبط بلفظ الجلاله (الله) ، وأول صفة يصف بها عز وجل نفسه.كفر وهمجية جنكيز خان لم تخففان من ذنوبه عندما إكتسح العالم وأحرق وقتل كل ما صادف في طريقه حيث سُجل في سفر التاريخ كأشد القتلة غلواً وسفكاًللدماء ، لكن من يدعي الإسلام ويربط بينه وبين إستباحة دماء الناس وأعراضهم مذنب آلاف المرات أكثر من جينكيز خان.من أين هبت علينا هذه الريح الزؤوم وأي أبواب جنهمية فُتحت علينا ومن أين يستمد هؤلاء فتاويهم السادية ومن أين يستوحون أوهامهم ويستحضرونأمراضهم النفسية وكراهيتهم المزمنة للآخرين ، وكيف للبعض أن يجد لهم المبررات بعد أن أستعادوا في توحشهم وقسوتهم جرائم التتار في الشرقالإسلامي وممارسات محاكم التفتيش في أوروبا القرون الوسطى.الإرهاب أصبح حقيقة واقعة تجتاح بلادنا العربية وتهدد حياة الأبرياء من الناس في وضح النهار في المساجد والمدارس وأماكن العمل والأسواق ، لكنالإرهاب الآخر الذي يعيش في داخلنا يكمن في الطائفية البغيضة التي إنطلقت كالمارد تحرق النفوس وتقضي على التعايش والوئام بين شركاء الوطنالواحد . وأمام هذا الطوفان الشاذ والغريب من الكراهية والطائفية والعنف الذي يقضي على كل ماعداه يجب أن نقف ونحاكم أنفسنا ونراجع كل ما ورثناه من مفاهيم نعتقد إنها ثابتة.قديما قال مونتسكيو الشعوب السعيدة لا تاريخ لها وبينما تسير معظم أمم العالم نحو الأمام بعد أن تصالحت مع أنفسها ومع ماضيها ، نصرّ نحن علىالعيش في الماضي السحيق ونستمر في جلد ذواتنا ومحاكمة أنفسنا على أحداث مرت عليها قرون طويلة وكان أبطالها أشخاص أصبحوا في ذمة الله ، وله وحدهسبحانه وتعالى حق حسابهم. أوطاننا العربية أمانة في أعناقنا جميعاً إما أن نقودها نحو بر الأمان وإما أن نتركها فريسة للأرهاب والكراهية والطائفية والتزمت ورفض الآخر ، لننحدربعدها نحو هاوية عميقة لا قرار لها.
1701
| 10 يوليو 2015
يتميز شهر رمضان المبارك بروحانية خاصة وأجواء إنسانية مميزة، وترتبط بالشهرالفضيل في أرجاء شتى من العالم الإسلامي طقوس ورموز تمثل جزءا عزيزاً من تراث وتقاليد هذه الشعوب، حيث لا يكتمل شهر الصوم لديها بدون هذه الطقوس التي استمرت لقرون طويلة، ونجحت في تحدي الزمن ومتغيرات العصر..فقد كان المسحر في قطر ودول عربية وإسلامية أخرى الوسيلة الوحيدة التي يستيقظ بها الناس للسحور. فهذا الرجل الذي يستيقظ من نومه قبل الفجر بوقت طويل ويتجول في الفريج، حاملاً طبله الكبير وضارباً عليه، بجانب كل بيت من بيوت الفريج متغنياً بأهازيج خاصة.. ليستيقظ أهل البيت على صوته وطبله، فيسارع الأطفال إلى الجري خلفه ومشاركته أهازيجه الجميلة، إلى أن ينتهي من الدوران على البيوت ليعود الى بيته وقد أخذ التعب منه كل مأخذ، فيقوم أهل البيوت بإرسال نصيبه من السحور.ويعد مدفع الافطار أحد الرموز الشهيرة المنتشرة على نطاق واسع في دول إسلامية شتى، حيث تعلن القذيفة الخارجة من فوهة المدفع انتهاء يوم الصوم إيذاناً بالإستمتاع بما لذ وطاب من مأكولات ومشروبات. ويقال إن أول من استخدم المدفع لإعلان وقت الفطور ليعلم به الناس على نطاق واسع سلطان مصر المملوكي (خشقدم) وذلك في أول يوم من أيام رمضان سنة 856 هجرية، وكان حينها ينوي تجربة مدفع جديد، وبعدما سمع الناس صوت المدفع خرجوا مسرعين من بيوتهم يتملكهم السرور والفرح، مما جعل السلطان المملوكي يمضي قدماً في استخدام المدفع وقت السحور ووقت الفطور. ثم بدأ ينتشر هذا التقليد في بلاد الشام والعراق ثم في الكويت ودول الخليج الأخرى ومنها قطر في بداية القرن العشرين.ويعد فانوس أو قنديل رمضان أحد المظاهر الشعبية للاحتفال برمضان في عدة دول عربية وإسلامية، ويقال إنه انتشر أول الأمر في مصر ثم في بلاد الشام وأرجاء أخرى من العالم الإسلامي، حيث كان الخليفة الفاطمي يخرج بنفسه ليلة الرؤية ليستطلع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يخرجون معه حاملين فوانيسهم ليضيئوا له الطريق ويغنوا أغاني جميلة تعبيراً عن سعادتهم باستقبال شهر رمضان المبارك.ويقال أيضاً إن فانوس رمضان استخدمه المصريون كذلك حين خرجوا في مواكب كبيرة، لاستقبال الخليفة الفاطمي المعز لدين الله الذي دخل القاهرة في رمضان قادماً من جهة الغرب. وقد تطورت صناعة الفوانيس على مر الزمن بعد أن كانت مجرد علبة من الصفيح وبداخلها شمعة، لتصبح صناعة تتسم بالدقة والإتقان، فقد تم تركيب الزجاج مع الصفيح وإضافة بعض الفتحات التي تجعل الشمعة تستمر في الاشتعال. ثم بدأت مرحلة أخرى تم فيها تشكيل الصفيح وتلوين الزجاج ووضع بعض النقوش والأشكال. وهكذا ظلت الفوانيس لقرون طويلة تضيء ليالي رمضان وتمنح البهجة والسرور للناس في الشهر الفضيل.ورمضان مبارك.
582
| 03 يوليو 2015
يحل علينا شهر رمضان المبارك شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، شهر رمضان الذي يفترض أن نستعد له بما يناسبه من عبادة وتراحم، ولكننا كالعادة نستعد له بالهجوم على الأسواق والمجمعات التجارية، لشراء كميات من المواد الغذائية تفوق حاجتنا الفعلية، ونهبّ للشراء كما لو أن المتاجر ستخلو من هذه المواد، إذا لم نسارع في اقتنائها وتخزينها في بيوتنا، والعادة التي تتكرر كل سنة ـ ومنذ أول يوم صوم ـ هي طهي كميات هائلة من الطعام تكفي قبيلة، فنأكل منها ما يجعل معداتنا وأجسادنا تنوء بثقل ما دخل بها، ثم سرعان ما يُلقى بالزائد من الطعام في مكبات القمامة، لتكمل القطط المؤدبة التي لم نُنهها بسلام، وهكذا تستمر بنا أيام رمضان المبارك كأننا عندما امتناعنا عن الطعام لساعات معدودة سنحرم من الطعام لأيامٍ وليالٍ طويلة، بينما لنا إخوان من بني جلدتنا هذه المرة (في سوريا والعراق واليمن وليبيا) يعانون بسبب النزاعات المسلحة من الجوع ونقص الطعام في مدنهم، المحاصرة بالدمار والموت، وأثناء نزوحهم وفي معسكرات اللاجئين، وفي دول الجوار، حيث يعاني أكثر من نصف السكان في سوريا واليمن وربع السكان في العراق من نقص الغذاء والدواء والماء الصالح للشرب، هذا بالإضافة للدول التي تعاني أصلاً من المجاعات، منذ عقود طويلة مثل دول القرن الإفريقي (الصومال وجيبوتي وأريتريا وإثيوبيا)، حيث يموت كل يوم منهم العشرات من الصغار والكبار. هؤلاء الناس الذين يعانون من الجوع ونقص الغذاء معظمهم مسلمون مثلنا، ويا للمفارقة الغريبة أن يرتبط شهر الصوم بنا بالتخمة، بينما يصوم كل يوم مسلمون مثلنا صوماً دائماً لا لغرض العبادة، وإنما ببساطة لأنهم لا يجدون طعاماً يسدون به رمقهم.ورمضان كريم.
531
| 26 يونيو 2015
مساحة إعلانية
        المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع...
2793
| 28 أكتوبر 2025
        كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق...
2472
| 30 أكتوبر 2025
        اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال...
1815
| 03 نوفمبر 2025
        نعم… طال ليلك ونهارك أيها الحاسد. وطالت أوقاتك...
1467
| 30 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة اليومية، ونحن نركض خلف لقمة...
1107
| 29 أكتوبر 2025
        ما من ريبٍ أن الحلم الصهيوني لم يكن...
735
| 02 نوفمبر 2025
        أحيانًا أسمع أولياء أمور أطفال ذوي الإعاقة يتحدثون...
732
| 30 أكتوبر 2025
        من الشيق استرجاع حدث سابق تم تحليل واقعه...
690
| 28 أكتوبر 2025
        ليست كل النهايات نهاية، فبعضها بداية في ثوب...
690
| 29 أكتوبر 2025
        في السنوات الأخيرة، أصبحت الأغاني تصدح في كل...
639
| 30 أكتوبر 2025
        الحمدُ للذي أنطقَ اللسان، وجعل للكلمةِ سُلطانا وللبيانِ...
582
| 02 نوفمبر 2025
        نقف اليوم أمام صروحٍ زجاجية تناطح السحاب، ونمشي...
555
| 29 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية