رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تهب علينا أحياناً رياح لطيفة تثير من حولنا مشاعر الإرتياح والبهجة، وتنعش نفوسنا المتعبة بنسماتها العذبة التي تداعب الوجنات وتدغدغ العواطف، بينما تعصف بنا أحياناً أخرى رياح تجتاح أنفاسنا بما تحمل من غبار وأتربة وتستفز أعصابنا وتوتّر حواسنا كلها. والرياح البوارح التي تغزونا هذه الأيام ويتذمر من هبوبها الغادون والرائحون، ويعزى لها السبب للكثير من الأمراض والحوادث، إنما تحمل معها بوادر خير عظيم إذ يسيل مع هبّاتها الساخنة دبس التمر الذي نضج فوق هامات النخيل وتحول بفضلها الخلال (البسر) الأخضر الذي لا تأكله حتى الطيور الى رطب جني يزين موائدنا. فالرياح التي طالما كانت للإنسان منذ أن وجد على وجه البسيطة رفيقة وعدوة في نفس الوقت، فبفضل الرياح اقتحم أجدادنا لجة البحر بسفن خشبية تدفع الرياح أشرعتها وتحركها وتغير اتجاهاتها، وبفضلها عرفوا وقت العودة والقفول، وذلك عندما تبدأ بالهبوب رياح السابعة التي تحمل البرودة لمياه البحر، وبفضل الرياح أدرك المزارعون قبل أن يعرفوا التقاويم والشهور موعد ذر البذور وموعد الحصاد. كما تحمل الرياح بشائر الحياة عندما تكون لواقح تخبئ بين جنباتها المطر الذي يحيي الأرض بعد موتها ويعيد الحياة للبشر والشجر والدواب. لكن للرياح وجهها الآخر الذي تبدو البوارح ورياح الكوس واللاهوب والطوز والخماسين وغيرها من رياح حارة متربة نسمات بريئة وعذبة، فالدالوب مثلاً وهو عاصفة هوجاء كانت تعصف بين فترات متباعدة بدول الخليج، وإحداها العاصفة الشديدة التي أغرقت المئات من سفن الغوص التي كانت تستعد للقفال أي للعودة للديار وأهلكت الآلاف من البحارة واقتلعت بساتين النخيل وهدمت البيوت، حتى سميت تلك السنة التي تقع في منتصف عشرينيات القرن الماضي بسنة الطبعة، وأرّخ أهل الخليج الأحداث التي حدثت في تلك السنة أو بعدها بها. والعرب بما يملكون من شاعرية وجزالة في الوصف وسعة في الخيال أطنبوا في وصف الرياح وميزوا بين أنواعها وأصنافها وعدوا الرياح سبعاً: الصبا، والدبور، والجنوب، والشمال، والنكباء، والخروق، والرياح القائم، فأما الصبا: فتجيء من المشرق، وأما الدبور: فتجيء من المغرب، وأما الجنوب: فتجيء عن يسار القبلة، وأما الشمال: فتجيء عن يمين القبلة، وأما النكباء: فبين الصبا والجنوب، وأما الخروق: فبين الشمال والدبور، وأما ريح القائم: فأنفاس الخلق، كما يقال. ورياح الصبا عند العرب هي الرياح المحببة والمفضلة لديهم حتى قالوا عنها انها تجلو الهم وتزيل الغم، بل حمّلها الشعراء أشواقهم ومشاعرهم لمن يهوون ويعشقون. فها هو ابن سهل الأندلسي يقول: تهدي الصبا منها أريجا مثلما يهدي المحب إلى الحبيب سلاما فكأنها نفس الحبيب تضوعا وكأن نفس المحب سقاما.
1342
| 12 يوليو 2012
للصور في زماننا هذا تأثير بالغ الأهمية وعظيم الفعالية، فالكلمة مهما كانت قوتها وحكمتها فإنها لا قيمة لها بدون الصورة، فالمتلقي لا يعترف بخبر أو رأي إلا إذا كان موثقاً بالصورة. ويعرف الصحفيون التلفزيونيون مثلاً هذه الحقيقة، لذا فالتقارير الصحفية عند إعدادها تُكتب بناء على ما تقوله الصورة التي بين أيديهم. فالصور التي تهدف أصلاً لتوثيق اللحظة والحدث، أو إثبات الدليل والبيّنة على فعل ما، أو تخليد صاحب الصورة، لم تكن وليدة عصرنا هذا فالرسم الذي هو الأصل الشرعي للتصوير.. مارسه البشر مذ كانوا في الكهوف وتطور تدريجياً مع الحضارات الإنسانية الكبرى التي طوعت الرسم ليكون وسيلة للتعبير الواضح والمفهوم كما فعلوا من خلال الكتابة المسمارية والهيروغليفية التي هي عبارة عن رسومات تصور موجودات شائعة في البيئة المحلية لوادي الرافدين ووادي النيل في ذلك الوقت، من نباتات وحيوانات وغيرها. وتدين البشرية للاكتشافات الأولى التي أذنت بالدخول لمرحلة التصوير الفوتوغرافي، للعالم العربي المسلم الحسن بن الهيثم الذي كان في غياهب سجن الخليفة العباسي المتوكل، الذي لم يمنعه سجنه من مواصلة بحثه العلمي في الضوء والبصريات، والاستمرار في تسجيل ملاحظاته في سلوك الضوء وانعكاساته، فكان أن سجل ملاحظته لدخول الضوء من خلال ثقب في جدار السجن، وسقوطه على الجدار المقابل حاملاً معه صورة غير حادة الملامح، ومقلوبة لشجرة موجودة خارج الزنزانة، وسجل ابن الهيثم ملاحظاته هذه، ووصف الأمر وصفا دقيقا، موضحا قوانين الضوء في هذه الحالة، ومالبث ابن الهيثم ان دوّن اكتشافه هذا بعد خروجه من السجن، ووضعه في كتابه الشهير (المناظر). وقد استمر الرسم كوسيلة مهمة يعبّر من خلالها بنو البشر عن مكنونات أنفسهم، وعن تفاعلهم مع بيئتهم، ويخلّدون من خلالها ملوكهم وأمراءهم وكبارهم وصغارهم، وظهرت فنون عظيمة من تحت عباءة الفن التشكيلي وموازية له مثل النحت، كما شهد فن الرسم ذروة تطوره في عصر النهضة الأوروبية ومع فنانين عظام من أمثال ليوناردو دافنتشي (الذي كانت له أبحاث مهمة في مجال البصريات)، ومايكل أنجلو ورَفائيل، ومن أتى بعدهم من فنانين على اختلاف مدارسهم الفنية.. ولم يكن التصوير الضوئي وليد حدث واحد، بل مجموعة كبيرة من الخطوات الصغيرة التي شجع عليها الفضول والحاجة والرغبة الأزلية عند الإنسان لتثبيت الحدث، ووقف عجلة الزمن، ولم يعدُ التصوير الضوئي في تلك الظروف أن يكون أسلوباً جديداً لرسم الصور بنفس قواعد الرسم التي وضعها الفنانون الكبار، ولكن بمجهود أقل، ولذا فليس بمستغربٍ أن يبتكر الاسم من جذرين لاتينيين وهما (فوتو) وتعني ضوء، و(غرافي) وتعني رسم. فلكل هؤلاء العلماء الذين بدأوا في اكتشاف أساسيات علم البصريات والفيزياء، والذين ساهموا في اكتشاف الكاميرات بمراحلها البدائية حتى أوصلوا لأيدينا أكثر الكاميرات تطوراً، لهؤلاء العلماء والمخترعين الفضل في معرفتنا بما يدور حولنا في العالم من خلال الصور. هذا بالرغم من أن التقاط الصور ونشرها ليتداولها آلاف الأشخاص في ثوانٍ أصبح بإمكان أي شخص محترف أو هاوٍ، مما أطاح بجزء كبير من خصوصية الأفراد، وأصبح أي فضولي متلصص قادر على اقتحام هذه الخصوصية المقدسة، التي يرغب أي منا في الاحتفاظ بها لنفسه فقط.
1230
| 05 يوليو 2012
بدأ موسم حزم الأمتعة والبحث في مشارق الأرض ومغاربها عن وجهات سياحية تفك ولو لحين أسر المرء من عبودية الوظيفة وقيود الدراسة ومن روتين الحياة اليومية والأهم من ذلك الهروب من حرارة الطقس القاسية. وقد لا يحظى شيء باهتمام الناس وشغفهم مثلما يحظى السفر وإن اختلفت أهداف الناس منه باختلاف مشاربهم وطبائعهم. فالسفر كان وما يزال وسيلة البعض من الناس للإحساس بالحرية والانطلاق والمتعة التي لا مثيل لها، والتي كان يجد بها البدو في مجاهل الصحراء وعلى ظهور الجمال وتحت الشمس المحرقة وهم متجهون نحو الحواضر أو المناطق الأخرى البعيدة، هذا الإحساس الغامر والدافع لتحمل هذه المشقة ولا أنيس لهم سوى مناجاتهم لإبلهم ولبعضهم البعض.. حتى ظهر من خلالهم للعالم جنس فريد ومميز من الأدب هو أدب الرحلات والأسفار، الذي يتنوع بين الشعر والنثر والقصص والروايات. ونفس الشغف بالأسفار وما تعنيه من مغامرة وكسر للمألوف، وبحثاً عن الرزق العزيز آنذاك، اتجه الكثيرون من رجال الخليج قبل الحقبة النفطية راكبين المراكب المخصصة للأسفار والمسمى أحدها (السفّار) متجهين نحو وجهات بعيدة صوب الهند أو سواحل افريقيا الشرقية والبصرة وبلاد فارس لجلب ما ينتجه أهل هذه الأمصار من بضائع ومنتجات. ويبقى أهم من اشتهر بالرحلات والأسفار شيخ الرحالة العرب ابن بطوطة الذي قضى ثلاثين سنة من عمره بين حلٍ وترحال في تنقل بين مغارب العالم القديم ومشارقه ليقدم للعالم أروع أدب رحلات عرفته البشرية والذي يعزى الفضل في تدوينه للسلطان أبي عنان المريني الذي أمر كاتبه بتدوين كل حرف ينطق به ابن بطوطة عن رحلاته وذلك بأسلوب شيق سلس خلّد رحلات واستكشافات وآراء ابن بطوطة الذي لم يترك لا صغيرة ولا كبيرة إلا ذكرها وبدقة شديدة تشبه الفيلم السينمائي. لكن الإحساس بالحرية وانكسار القيود التي تكبلنا الذي يمنحه إيانا السفر لا يعني أن يسمح المرء لنفسه بالوقوع في مغريات قد تكلف الإنسان صحته أو سمعته أو حتى حياته، وعشق السفر يجب ألا يدفعنا للوقوع في براثن البنوك التي تزين القروض ليقع بعدها المرء في فخ يصعب النفاذ منه.
591
| 29 يونيو 2012
يبدو أن قدر الإنسان أن يعيش خائفاً دائماً من كل ما حوله، ولا يختلف في هذا إنسان القرن الحادي والعشرين عن إنسان الكهف الذي كان يتلقى الصواعق من السماء وهجمات الضواري على الأرض، دون أن يملك من الوسائل ما يتقي بها هذه الشرور. وتأتي النيران التي طالما راقبها الإنسان القديم بإعجاب مشوب بالتقديس أو برعب لا يملك معه أي مقاومة، عندما تهاجمه الحمم المندفعة من البراكين أو عندما تضربه صاعقة من السماء. فهذه الطاقة الهائلة التي مبعثها سلسلة تفاعلات بين العناصر الثلاثة الأوكسجين والحرارة ونوع من الوقود (خشب أو أوراق شجر جافة أو فحم أو غيره) مسببة الاحتراق لكل ما حولها، والتي كان لها دور عظيم إن لم يكن أعظم الأدوار قاطبةً في تحول الإنسان من البدائية الى أولى درجات التمدن، فالنار التي تعلم الإنسان طهي طعامه بها، وتدفئة كهفه وحماية نفسه من الحيوانات المفترسة، وشكل التجمع حولها لطلب الدفء بداية نشوء العلاقات الاجتماعية المتآلفة والمتحلقة حول هدف معين. وتعد المرحلة التي تعلم بها الإنسان القديم إشعال النار والتحكم بها الخطوة الأولى الكبرى نحو المدنية، كما يذكر علماء الأنثروبولوجي . ويعزى للنار الفضل في أولى التقنيات الصناعية التي هيأت الإنسان للدخول إلى الحضارة، وذلك قبل استخدام الأفران الضخمة لصناعة الفخار والتعدين والزجاج وما إلى ذلك. لكن بالرغم من فوائد النار فإنها ظلت على الدوام طاقة كبيرة قد تخرج عن سيطرة الإنسان وتسبب خسائر هائلة، وتسجل لنا صفحات التاريخ قصص حرائق كبرى، اجتاحت بعض المدن وسببت مآسي إنسانية لا تنسى. فحريق روما الكبير الذي دمر ثلثي روما واستمرت النيران مندلعة فيه لستة أيام، ويقال: إن الأمبراطور الروماني نيرون هو الذي أشعل النيران وأخذ يتفرج من شرفة قصره على النار التي أخذت تلتهم مدينته التاريخية العظيمة. أما حريق لندن الشهير الذي اجتاح العاصمة الكبيرة في القرن السابع عشر، وقضى على آلاف المنازل والمباني وعشرات الكنائس، وتسبب بتشريد مئات الألوف من سكانها وخلّد ذكراه سكان بريطانيا بأغان شعبية وأعمال أدبية وفنية كثيرة. ولا ينسى أهل القاهرة الحريق الكبير الذي اندلع في مدينتهم العريقة قبل ستين سنة وأتى على المئات من المحلات والبيوت والفنادق ومباني أخرى كثيرة، منها سينما ريفولي وتسبب بمصرع وإصابة المئات من الناس. حمى الله قطر وأهلها من كل الكوارث والمحن وحفظها لنا من كل سوء وأبقاها واحة للأمن والأمان.
391
| 07 يونيو 2012
هذه المرة المأساة من قلب قطر الهانئة، الوادعة، هذه المأساة التي انتزعتنا من سكوننا المعتاد لتحيل كل ما حولنا، إلى حزن وألم. الحريق الهائل الذي شب في مجمع فيلاجيو وراحت ضحيته أرواح زكية أطفال في عمرالحضانة وأربع مشرفات ورجلا إطفاء، بالإضافة لعدد من المصابين بدرجات متفاوتة من الاختناق، وبعيداً عن الخوض في تفاصيل وأسباب الحريق المرّوع، هذه الأسباب التي للجهات الرسمية العليا وحدها الحق في الخوض فيها. ومثل أي كارثة كبرى تظهر معادن الناس وتشهد مآثر وبطولات بعض الرجال، لكنها بالمقابل تضع الأصبع تماماً على مكمن الخلل، فكم من أبنية تُركت دون أدنى إجراءات سلامة تحفظ أرواح وممتلكات الناس، وكم من مدارس ودور حضانة ضمت بين جدرانها المئات من فلذات أكبادنا لكنها لم تحتو أيا من وسائل الأمان المطلوبة بسبب جشع ملاكها وتراخي رقابة الجهات المسؤولة. ومنها هذه الحضانة التي ثبت انها غير مرخصة ولم تلتزم أصلاً بمعايير السلامة المطلوبة، وُأنشئت في مكان لم يكن مصمماً لحضانة وتم تحويره لهذه الوظيفة بدون موافقات أصولية، والمعروف ان لدور وحضانات الاطفال قوانين اكثر صرامة من بقية المباني، لكون من يستخدم هذه الفضاءات أطفال غير قادرين على التصرف بدون وجود اشراف. لم تغب من ذاكرتي يوماً صور الحريق الهائل الذي شب في مستودع للديزل ملاصق لفريجنا القديم (أم غويلينة)، فهذا الفريج الوادع الذي ُصدم في ظهيرة أحد الأيام في أواخر السبعينيات، بحريق سرعان ما صحبته انفجارات للبراميل المليئة بالديزل، جعلت ألسنة اللهب الهائلة تتطاير بعيداً، خالقة ذعراً بيننا نحن الأطفال جعل دموعنا تنهمر بلا توقف وتختلط على وجوهنا بدخان الحريق وتراب العاصفة الرملية التي هبت وزادت الحريق اشتعالاً، ولا أنسى الساعات الطويلة التي استمر الحريق بها ولا بسالة رجال الإطفاء ومجهودهم الهائل في مكافحة النيران التي بدأت تقترب من البيوت ولولا تدخل عمال الجرافات الذين جرفوا الرمال المتكدسة على جانب الطريق وكتموا بها الحريق لالتهم ذاك الحريق كل ما حوله، ولكان ذلك الفريج الوادع في خبر كان. رحم الله شهداء حريق فيلاجيو وألهم أهلهم الصبر والسلوان وحمى الله قطر وأميرها وشعبها من كل سوء وحفظها لنا واحة للأمن والأمان ودوحة يستظل بظلها كل إنسان.
552
| 31 مايو 2012
لا شك أن النجاح في الحياة والقدرة على الإنجاز يحققان لنا الإحساس بالرضا عن الذات، ولا شك أن العلاقات الإنسانية الأسرية والاجتماعية تلعب دوراً كبيراً ومؤثراً في تحقيق السعادة، والإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، لذا لا يكتفي عادة بالعلاقات الأسرية، أو بنظام القرابة، فيبحث عن الأصدقاء الذين يضيفون للحياة معنىً مختلفا، من خلال قيم التضامن والتآزر وما إلى ذلك من أخلاقيات دفعت العرب منذ القدم إلى إطلاق مثلهم المشهور: ربّ أخ لم تلده أمك. وبنفس القدر تعدّ الفنون والآداب، مصدراً من مصادر الإمتاع وبالتالي مصدراً من مصادر السعادة، فقد تثيرنا قطعة موسيقية ما، بالقدر الذي نشعر معها وكأننا نحلق في آفاق رحبة، أو نقرأ قصيدة شعرية ما، فتحملنا على محفّة لتطير بنا إلى فضاءات واسعة. لكننا حينما نتحدّث عن السعادة ومصادرها، غالباً ما نتجاهل عادة مسألة الأنشطة التي نقوم بها في أوقات فراغنا، وما تجلبه لنا من مسرّات، على الرغم من أن هذه الأنشطة تمثّل في حقيقة الأمر واحة خصيبة غنّاء يقصدها الواحد منا ليستريح من عناء صخب الحياة وجدّيتها، ناهيك عن أن (الهوايات) التي نزاولها احد أهم عناصر الشعور بالرضا عن الذات. فهذه الأنشطة التي نقوم بها في أوقات فراغنا، والتي تعارفنا على تسميتها بـ (الهوايات) تختلف بشكل تام عن أنشطة العمل، لأنها ليست بالأنشطة الاقتصادية التي يراد بها توفير معاش لنا، كما أنها ليست نشاطاً اجتماعياً يراد به توطيد وتمتين العلاقات الاجتماعية، وإنما هي نشاط ترويحي خاص بنا، ووطيد الصلة تماماً بميولنا وأهوائنا. فقد نبهّتنا الدراسات مؤخراً إلى أهمية الهوايات كعامل مهم من عوامل الحصول على السعادة وتحقيقها، فالأنشطة التي نقوم بها وقت فراغنا، أياً كانت، تساعدنا وبنحو كبير على التصالح مع الذات وهذا أول شروط الرضا عن الذات. فقد يجد أحدنا في العمل الذهني الذي يتطلب مهارات خاصة وقدرات على التركيز، هواية، فيما يجد آخر في التأمل والجلوس دونما مجهود بدني أو عقلي، أو ما نصطلح على تسميته (بالاسترخاء) هواية، هذه الهوايات في النهاية ليست مجرد رفاهية أو أمور زائدة عن الحاجة، وإنما هي مسألة ضرورية ومهمة، وبما أن (الهواية) كنشاط تعبيري، نقوم به لذاته، فلا نريد من ورائه جلب منفعة أو عائد مادي، وبذات النحو فقد تجد شخصا ما، يحاول السباحة في البحر لمسافات كبيرة وبعيدة بإصرار شديد، فنستغرب ونعتقد أنه يهدر وقته ويضيّع جهوده بلا معنى، أو قد ننظر باستغراب لامرأة تمضي الساعات الطوال وبتركيز شديد في حياكة الملابس الصوفية، وهي تعتقد أن تلك العملية الرتيبة تمدّها بما ينقصها كالصبر وقوة التركيز. الهوايات تجلب للفرد البهجة والسعادة، وتعيد توازن الإنسان وانسجامه مع نفسه، فالهواية هي النشاط الوحيد الاختياري، أي النشاط الذي لا يقوم به الإنسان مجبراً أو على مضض، بل بإقبال شديد قد يصل لدرجة الشغف، لكونه خالياً من الالتزامات والقيود، كما أن الهوايات تحقق للفرد الإشباع والاستمتاع، وبالتالي تحقق الرضا عن الذات، وذلك لأنها لا تسهم في تحفيز وتحسين مهاراتنا، أو تعزز من قدراتنا على المواجهة — فقط — وإنما تشبع حاجات غريزية بداخلنا، طالما لدى الإنسان دائماً فرصة لإنجاز شيء يجلب له المتعة، ويعزز بداخله الإيمان بذاته، ويستحوذ من خلاله على احترام نفسه.
1502
| 24 مايو 2012
هل سيحظى الأدب العالمي بروائع بمستوى الجريمة والعقاب وأوليفر تويست والحرب والسلام والبؤساء، لولا المعاناة الشخصية التي مر بها مبدعو هذه الروايات وكانت رديفاً لحياتهم بكل تفاصيلها، بما تمثله المعاناة من افتقاد الراحة والسعادة والأمان. فالمعاناة التي يشعر بها الإنسان مهما كان نوعها شخصية أو مادية أو حتى نفسية تحفز البعض ممن أوتي مَلَكَات خاصة لتحويل هذه المعاناة الى عمل إبداعي، والتي فسرها عالم النفس السويسري كارل غوستاف يونغ بانها الإحساس بالدونية ومن ثمة التسامي — عن طريق الإبداع — بهذه الذات إلى التفوق على الناس العاديين والاستعلاء على مداركهم وطموحاتهم. وسواء أكان الألم جسديا أو نفسيا فإنه يلقي بظلاله الشاحبة على النفس الإنسانية ولان الإنسان كائن ماكر بطبعه ولديه القدرة على إيجاد الوسائل النفسية الدفاعية، إذ يستطيع تحويل هذا الإحساس المضني بالألم والمعاناة الى عمل إبداعي يمثل احدى وسائل الانتقام من هذه المعاناة. فالأديب الروسي الكبير ديستوفسكي الذي يعد من أكثر كتّاب الروايات تأثيراً في الأدب العالمي والذي حول معاناته من مرض الصرع وظروفه المادية والاجتماعية الصعبة والتقلبات الكبرى في الحياة السياسية في روسيا في القرن التاسع عشر إلى روايات خالدة أثرت الأدب العالمي، وكان محورها الغوص في أعماق النفس الإنسانية بخفاياها المبهمة وتقلباتها وصراعاتها، مما حدا بعالم النفس الشهير (سيغموند فرويد) بوصفه بأنه الفنان الذي يستحق الخلود. وكانت المعاناة رفيقة الحياة الدائمة للكاتب الإنجليزي العظيم تشارلز ديكنز الذي أبدع للأدب العالمي رواياته الشهيرة أوليفر تويست وقصة مدينتين وديفيد كوبر فيلد وغيرها، بطفولته البائسة في جنوب إنجلترا التي خيّم عليها الفقر والعمل المضني الشاق، ومن ثم قام بوصف عذابات ومآسي الأطفال العمال في بريطانيا في سنوات الثورة الصناعية الأولى في رواياته. كما لا يمكن أن نتحدث عن المعاناة وننسى فيكتور هيغو الكاتب الفرنسي الكبير الذي تعد روايته البؤساء من أشهر وأهم الروايات في الأدب الإنساني على الإطلاق الذي عاش طفولة قلقة ألقت الحروب التي خاضها نابليون الثالث بظلالها عليها ولم تنته بطلاق والديه لكن طفولته هذه لم تمنعه أن يقضيها مشدود الوثاق إلى الكتب كما وصفها هو بنفسه، وتعرض في شبابه لتجربة حب جامحة انتهت بالفشل إذ رفضه والد فتاته التي يحبها بسبب أوضاعه المادية البائسة حينذاك. المعاناة ليست دائماً سبباً للضياع والانحراف فللمعاناة الفضل في الكثير من الإبداعات التي أغنت الأدب والفن الإنساني وأثرت حياتنا وجعلت منها أجمل وأروع. وكما قال الأديب الألماني زيغفريد لينس قبل سنوات طويلة: (في عالمنا يصبح الكاتب هو الآخر عارفاً بالظلم والجوع والمطاردة والأحلام الخطرة، ويبدو لي ان عمله لا يمكن ان يستحق القبول إلا عندما يتخطى الصمت الذي يُدان به الآخرون).
1591
| 17 مايو 2012
الطموح القطري لا حدود له، فان تطمح دولة صغيرة تنتمي إلى ما اصطلح عليه دوماً الدول النامية لأن تتحول إلى دولة قائمة على الأبحاث والعلوم، وأن تنطلق دولة ذات اقتصاد ريعي قام لعقود على تصدير سلعة واحدة هي النفط لتكون دولة ذات اقتصاد معرفي يعتمد المعرفة والبحث العلمي كأساس اقتصادي بل يتجاوز ذلك إلى تصنيع هذا البحث العلمي وتصديره للعالم، لهذا بحد ذاته طموح عظيم تسيره إرادة فذة وعقل متقد استوعب بشكل صحيح مفهوم التطور والتنمية. قطر تعمل بهدوء شديد وبدون استعراض، فالهدف هنا ليس أعلى ناطحة سحاب أو أجمل مبنى بل الهدف خلق قاعدة علمية كبيرة لاجتذاب العلماء وتشجيع الباحثين وإنشاء المراكز البحثية وخلق مناخ مناسب للبحث والتطوير العلمي وضخ الأموال لهذا الهدف، باعتبار تطور الأمم يقوم على العلم وحده، هذا التطور الذي تولت مسؤوليته مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع التي تترأسها سمو الشيخة موزا بنت ناصر حرم سمو أمير البلاد المفدى والتي آلت على نفسها التخطيط والتنفيذ لهذه المهمة العظيمة. بل إن الطموح القطري يتجاوز البحث العلمي إلى آفاق مستقبلية أكبر وأوسع تكمن في مشاريع للطاقة النظيفة وحماية البيئة من أضرار الاحتباس الحراري والتصحر وكلها قضايا عالمية كبرى فشلت الدول المتقدمة في وضع حلول لها ومعالجتها. وقد ضمنت القيادة الرشيدة في قطر استدامة هذا القطاع الرائد (البحث العلمي) حيث استقطعت ما نسبته 2.8 % من الناتج المحلي لأجل هذا البحث، لتكون قطر عن جدارة راعية البحوث في العالم الإسلامي كما وصفها الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي. عندما نقلب صفحات التاريخ نجدها تخلد العلماء والمفكرين والأدباء في صفحاتها الأولى، وقد لا تتضمن أسماءً كثيرة كانت تشغل الدنيا في يومٍ ما وسرعان ما نسيهم الناس بعد موتهم، فالعلم هو أسمى الأهداف وأعظمها على الإطلاق في سجل الأفراد والأمم.
526
| 10 مايو 2012
السعادة فن من الفنون التي يجب على الإنسان أن يتعلمها ويتدرب عليها ويتقنها منذ الصغر كما يتعلم الإتيكيت أو القراءة والكتابة، وكون المرء يعلم بطبيعة الحياة من حوله والتي لا تخلو أبداً من منغصات ومصاعب سواء كانت مادية أو شخصية، فهذا يعني أن عليه أن يتقبل الواقع بهمومه ومشكلاته، دون أن يسمح لهذه الهموم باختراقه وتحويله الى أسير لها، وليست هذه دعوة للسلبية وعدم التغلب على مصاعب الحياة أو قهرها، فبعض المصاعب من طبيعة الحياة نفسها، فمشكلات الأبناء والبنات مثلاً ومعاناة العمل والتعايش مع شريك أو شريكة صعب التعامل معه أو معها، كلها مشكلات قد نتعرض لها ولا نملك التخلص منها، وليس لدينا من وسيلة في التعامل معها إلا باعتبارها واقعا يجب أن نتعايش معه دون أن نسمح له بأن يفرض نفسه على مشاعرنا وعواطفنا ويقضي على إحساسنا بالسعادة وبهجة الحياة، فليس بالضرورة أن تكتمل لدى المرء جميع متطلبات الحياة من مال ومنصب وصحة وعائلة ليكون سعيداً فالسعادة ليست دائماً مرتبطة بظروف وشروط معينة. فجزء من السعادة رضا الإنسان عن نفسه، حتى لو لم يحقق الكثير من إنجازات الحياة المتعارف عليها، فموضوع الإنجاز نسبي للغاية ويختلف تبعاً لنظرة المجتمع له، وإن كان معظم الناس في مجتمعنا يفهمون الإنجاز على إنه الوصول الى منصب رفيع وكثرة عدد الأصفار على يمين ما يملكون من أرصده بنكية. فالسعادة التي اختلف الفلاسفة في تعريفها منذ بدأ الكائن البشري في التفكير وعرف الإنسان الفلسفة التي هي حسب التعريف اليوناني القديم (حب الحكمة)، حيث قدم كل فيلسوف منهم مفهومه للسعادة، منذ سقراط والأبيقوريين (نسبة للفيلسوف أبيقور)، والرواقيين (الذين كان معلمهم زينون يجلس في رواق مكشوف ويلقي لهم تعاليمه)، وفلسفة أفلاطون في السعادة التي بنى عليها مدينته الفاضلة. مروراً بالفلاسفة المسلمين أمثال ابن سينا وابن رشد في القرون الوسطى حتى الفلاسفة الأوربيين منذ عصر النهضة حتى العصور الحديثة. فالفيلسوف اليوناني أبيقور الذي يقوم تصوره للسعادة باعتبار أن الإنسان جسد ونفس فإن سعادته تكمن في تحقيق الخير الملائم لطبيعة النفس والجسد. والخير الملائم لطبيعة الجسد هو اللذة أما الخير الملائم لطبيعة النفس فهو الطمأنينة. والسعادة في مفهوم الرواقيين تكمن في تقبل الحياة بكل تقلباتها، والسيطرة على كل المشاعر التي تنتاب الإنسان مثل الخوف والحزن، والإيمان بجبرية القدر وكون الإنسان مسيّرا ولا يمكنه الإفلات من قبضة القدر. بينما يرى أرسطو ان السعادة تكمن في حياة التأمل والتفكير باعتبار الإنسان إنما تميز عن بقية الكائنات بالعقل. ويعتقد ابن سينا أن السعادة الحقيقية لا تكون لا بالحس ولا بالبرهان، بل تكون بالتحلل من إسار الجسد والاتصال بالعالم القدسي النوراني، والسبيل في ذلك هو القلب والروح وتطهير النفس الناطقة. وبعيداً عن كل ما تفلسف به الفلاسفة وفسره الحكماء، فالسعادة إحساس نستحق أن نعيشه حتى وإن كان واقعنا اليومي أبعد ما يكون عنه.
631
| 04 مايو 2012
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا...
6735
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...
6357
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر...
3405
| 12 أكتوبر 2025
في خطوة متقدمة تعكس رؤية قطر نحو التحديث...
2790
| 12 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2067
| 16 أكتوبر 2025
مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ،...
1812
| 10 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
1605
| 16 أكتوبر 2025
قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....
1521
| 14 أكتوبر 2025
الوقت الآن ليس للكلام ولا للأعذار، بل للفعل...
1185
| 14 أكتوبر 2025
لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها...
1062
| 14 أكتوبر 2025
حين نسمع كلمة «سمعة الشركة»، يتبادر إلى الأذهان...
966
| 10 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
768
| 16 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية