رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

بيني وبين الانفتاح.. عالم

من المبادئ التي أجدها صعبة القياس عندما تكون تشكيلاً وفهماً داخليا، تعني التمعن في الصعيد المحلي من حيث قياس الوعي واللاوعي، بل وحاجة المحلي للتعبير عن نفسه قبل الولوج للخارج والبحث عن الماهية بقياس ما هو متوفر خارج إطاره. المسألة بأسبابها العامة سهلة، وهي صعوبة التعبير وسهولة التقليد. إذ ان السهولة تكمن في البحث عما يعمل بنجاح في الخارج ومحاولة تبنيه مع مراعاة التخلي عما لا يتناسب مع الداخل، والصعوبة تكمن في كيفية تشكيل نمط التعبير بشكل داخلي، عميق وخالص للقصة المراد تقديمها للآخر. الخصوصية في التعبير لا تأتي من الخارج، على قدر ما هي أساسيات محلية تكمن وسط مجتمعي يتنفس التفاصيل التي تجسد النظرة للآخر والتعريف عن نفسه بشكل مغاير. لاحظت الاختلافات التي مرت على العلماء والفلاسفة، ومنهم آخرون ضد محاولة الاستفادة من الغرب، وتختلف الآراء من حيث الانتقاء بحسب ما يتناسب مع الداخل، وهذا بحد ذاته أمر اكتسح المبادئ وتعايش العالم أجمع معه لدرجة أن أصبحنا نتحدث بلغة الحداثة والعصرنة التي أصبحت في متناول الجميع. فالمفاهيم أصبحت موحدة والتكنولوجيا ساهمت في تضييق محيط التعبير والتقيد بأنساق ثقافية متداولة. إلا أن الأمر من حيث مدى الاستفادة الغربية باتت في منطقتها الرمادية من حيث الماهية، التعريف الذي يصنف المجتمع بما يبدع فيه من حيث إمكانيات التعبير والابداع كجزء مهم من القدرة على التعريف بالهوية، والإلمام بأن الاغتراب الفكري لا يساهم في السيادة الفكرية. لهذا وجدت أن مبدأ الاستفادة الغربية لن يكون بالضرورة محط اهتمام إن ما استطعنا أن نقيس أنفسنا، أين نكمن في تاريخنا، تطلعاتنا، مبادئنا وقيمنا، وكيف نستطيع فهم وتشكيل الحداثة هنا في إطارها الثقافي المحلي والمحلي العالمي حتى، وهذا ما أجده أمراً في غاية الأهمية، من حيث اكتشاف المبادئ وابراز صور التقدم والحداثة التي تنبع من تلك المبادئ من الداخل للعالم. خلاصة القول إن مسألة اكتشاف الذات وتحديد إطار الماهية لا يأتي بسبب الاستفادة الغربية، على قدر الولوج للداخل والبحث عن الإطار الذي يعرف عن الحضور الأصلي والبناء الذاتي. لربما ننسى النظر في الداخل والاعتماد على انتقاء ما يليق بنا من الخارج، مع الحفاظ على مبدأ التجديد والتقديم بدلاً من التراجع، والانفتاح بدلاً من التقوقع وأخيرا التفاعل بدلاً من العزلة. يظل التحدي للتجديد خارج الإطار، بينما الحفاظ على المبدأ يكمن في الداخل. هذه عولمة بقياساتها المنفتحة للعالم والعائمة في مفاهيمها الفردية.

204

| 23 ديسمبر 2025

هوية الاعتبار.. من باب الاعتزاز

تزامناً مع اليوم الوطني لدولة قطر، لا شك بأن أفضل وأنسب ما يكتب خلال هذه الفترة ما يتعلق بشكل كبير بالهوية الوطنية وأبعادها الثقافية المتجددة والمواكبة. خاصة عندما تكون سمات متفاوتة من خلال كلمات لها صدى عميق، وألحان تدندنها في كل حين، ولربما تعبير يسطر بين الحين والحين، تلخص فيها معان رسمت لك ملامح وطنية وانتماء تميزه عن الآخر الغريب. الشعور بالوطنية يعتبر شعورا استحضاريا لقوة الانتماء والعودة للوراء والتطلع نحو الأمام حيث تتمسك بماضٍ ميزك وتتطلع نحو مستقبل يصقل ماهيتك. ولا يأتي الانتقاء للمواضيع الوطنية عبثاً بالتأكيد، إذ إن تزامنها يأتي مع تلك المشاعر التي تسبق الكتابة والتعبير عن الموضوع، ناهيك عن الأجواء التي تهيئ المهتمين في الحديث أكثر عن مسألة الهوية والتطلعات المرتقبة نحو مستقبل متحضر ومتقدم ونحو بناء أجيال وإن كان لها نظرة محدودة لماضٍ، يكفي اطلاعها نحو المستقبل بنظرة قطري مجدد. ودعنا لا نركز هنا على الأجواء التي تصاحبها الزينة والاحتفالات، ولا ننكر أهمية ومكانة هذه الأجواء الموسمية وسط احتفالات اجتماعية، ولكن قد تكون لنا فرصة قيمة أكثر، في اكتشاف قوة الهوية والاعتزاز الوطني حتى وإن كانت لا تصاحبها تلك الأجواء المزينة والفعاليات الحيوية! فلن تكون للهوية الوطنية قيمة فعلية غير ملموسة، إن لم نفهم أهميتها وإن لم تستوعب الأجيال الجديدة فهم مكانتها وفاءً للوطن، وماذا يعني هذا الوفاء حينما نردده من الأساس، وإخلاص لمبادئ وحماة لثوابت! فكل التحضيرات الاحتفالية على المستوى الاجتماعي لن تفي بالمطلوب في مسألة الاعتزاز، إن كان مفهوم الهوية غير عميق ولا ينعكس على أفعال المواطن في عمله المتقن، تفانيه للوطن وحمايته له أيضاً بالقول والفعل. فالاعتزاز بالوطن يتطلب أبعاداً أساسية تغرس وتدرس وتعزز، فهي الوسيلة الحسية التي نستمد منها كل تلك المشاعر وترسيخ المعاني من منظورنا الشخصي، المحلي، المتجذر والمترابط. فلا بد وأن تكون أبعاد الهوية جزءاً لا يتجزأ من عملية التعزيز تلك. إذ هنا على بعد ثقافي ولو كان غير ملموس ويستدعي استحضار الفن، التعمق والتعبير. إذ إن للبعد الثقافي دوراً اعتبارياً فاعلاً في عملية التلاحم الاجتماعي وتعزيز مفاهيم المواطنة والانتماء. فالكتابة الإبداعية والقدرة الفنية على سبيل المثال كإحدى الوسائل التعبيرية لها دور شعبي وتأثير عميق تجسد الرسائل الإنسانية من خلال إبراز الوطن بما فيه من ملاحم قد تكون المصدر الشعبي والملهم لشريحة كبيرة من المجتمع، إذ تساهم في زيادة الوعي، والعمل المبدع وترسيخ ذاكرة جماعية مستدامة. كما أنها بناء لمشاهد متجددة تجسد نفس هذا الاعتزاز والاعتبار لفهم روابط الهوية عند الأجيال باعتبارات مختلفة. ولا بأس من التنوع في الأبعاد الإبداعية، طالما تصب جميعاً تحت مظلة فهم الاعتزاز، إذ تظل مسألة المشاعر الجزء الباقي من كل تلك الأعمال والكلمات الإبداعية التي تكتب وتحفظ في الأذهان، ومثل هذه المقومات الحسية والتعبيرية لا بد وأن يكون لها دوافع واستمرارية في تجسيد مسألة بناء المشهد الفاعل والمتكرر الذي يرسخ شعور الانتماء ويبني اللحمة الاجتماعية لسنوات. يعتبر كل ما سبق أبعاداً ثقافية، يترتب عليه بناء حسي وروابط اجتماعية تخلد المعاني وترسخ المشاهد لفترات طويلة. هذه هوية الاعتبار، تبنى بمنطق إستراتيجي، وتقاس بنجاح كمي، وتتأثر بقياس حسي. إنها مسألة لا تتطلب جانبا ثقافيا واحدا، إنما هي دائرة تكاملية في الجهود والعمل وبناء المشاهد لاستدامة التأثير.

177

| 16 ديسمبر 2025

الأبعاد العميقة.. بواقعية!

من أصعب ما نواجه هذه الأيام الاعتراف بالإشكاليات، حيث ندرك الصعوبات ونتجاهل الحلول لها. ونستيقن الأوضاع غير المرغوبة ولربما نتخاذل عن بناء خطط بديلة لها. نظل نشاهد التغييرات ونظل مكتوفي الأيادي لربما من أجل طرح الحلول أو محاولة تقديم ما يمكن أن يحافظ على المبادئ ضد التيارات. بالمجمل، كل ما سبق يعتبر إشكاليات، تقاس إما بالأبحاث، أو بالاستطلاع، ومن خلال أبسط الحلول حتى، عندما يكون الحل من وجهات نظر مجتمع يضع جهوده في مجلس يتناقش فيه عن تغييرات وأحوال تطرأ على مجتمع. ما سبق ذكره أعتبره قياساً للأبعاد ومدى القدرة على التأثير لطرح التغييرات، كيف يمكن أن نكون جزءا من التغيير عندما تتاح لنا الفرصة ومن المنظور الاجتماعي. وكيف يمكن أن نكون جزءاً فاعلا من نفس التغيير إن كانت حلولنا تتطاير في الهواء كصوت بلا فعل، وكطرح بدون مسار واضح! ولنستغل هذه الفرصة لنركز بشكل واضح عن بعض من الإشكاليات ولو بشكلها البسيط التي نواجهها على الصعيد الاجتماعي والثقافي بشكل مستمر والتي تختص في مسألة ضعف القراءة والكتابة على سبيل المثال، ومسألة اختزال المعاني في حدود التعريف من دون الخروج عن المألوف والانطلاق بالتعريف من منظور متجدد وأوسع. وأود أن أشدد على مسألة محدودية الفهم والمخزون المعرفي للتعاريف في هذه الحال، والذي لطالما كانت سبباً في ثبات من ضمن محيط فكري ضيق. فلنأخذ على سبيل المثال مفهوم الثقافة، أتعجب من أن المفهوم لا يزال عند أفراد فاعلين من المجتمع محدودا من حيث وضع إطار مغلق حول التعريف وصعوبة الخروج منه وكسر الأنماط التقليدية فيه. فكلما كان لدينا مخزون فكري ثابت، وقادر في نفس الوقت أن يتجدد ويواكب طبيعة الزمان والمكان، نستيقن في الأخير بأن المسألة في عملية الفهم ستكون أكثر انسيابية وأكثر تطلعاً لمواكبة المستقبل باحتياج الفئات المستهدفة والمرجوة. عكس الموضوع تماما عندما نتحدث عن الثبات في المبادئ، ولكن يصعب عليه التشعب في الطرح بشكل واسع. هنا ندرك مسألة جدا مهمة، وهي الإدراك. إدراك مسألة التأخير في تطوير مشروع معين مقارنة في مشاريع أخرى، الإدراك بأن هناك نقص مواهب وخلل في استكمال الآخر، والإدراك أيضا بأن الزمن متقدم ومتغير فلا محالة أن يتقبل زمان اليوم جمود الأمس من دون أن يتبنى ما يناسب ظروف اليوم. والإدراك بأن المحاولات تنتج عنها فرص أفضل، وليس الاستمرار في المحاولات التي تنادي للتحسين والتطوير إلى أجل غير محدد معالمه. عندما نتكلم عن المفاهيم المعقدة والتي لا تكون واضحة المعالم من حيث الفهم المباشر، نستدرك أن مسألة الفهم العميق وانعكاسه على غرز مفاهيم متجددة يعتبر تحديا بحد ذاته، ولكنه يساهم في كسر القواعد وتبني قواعد جماهيرية وتفاعلية جديدة ولربما متعطشة لانطلاقات التغيير المرجوة. هي تلك المفاتيح في النهاية التي تحتاج إلى الفهم العميق.. بحسب واقعية المشهد.

282

| 09 ديسمبر 2025

السردية الوطنية.. من باب الإنتاج

على قدر اهتمامنا فيما نراه، لربما نفتقد الحاسة الأهم التي تعكس ما تراه لواقع تستشعر وترتبط فيه بشدة، فلكل كلمة معنى وأثر، ولكل أثر ذكريات باقية، فلا تظل في الأذهان إلا لأنها استطاعت أن تترك في مخيلتك ما تستطيع رؤيته طالما تتذكر كلمات جسدت سردية خاصة. فهي المشاعر التي تتلاعب في تجسيد الصورة وليس العكس، إنما الصورة تظل ثابتة، طالما أصبحت أكثر رومانسية وارتباطا بحسب ما تعبر عنه من خلال نفس الصورة. تخيل أن لديك هذه الأداة التي تستطيع من خلالها أن تصف وتعبر عن سرديتك، ما تريد أن توصله للآخرين: الماهية والخصوصية والطبيعة والأطباع والانطباع والعادات والتقاليد وحتى الحكايات والخرافات. من المرسل له؟ وهل سيتقبل من أنت، لدرجة أنك أصبحت بالنسبة له محط فضول، حيث أصبح تواقا كي يتعرف أكثر عن مجتمعك، كيف تعيش، ماذا تأكل ومع من تخرج وكيف تمارس يومك خلال الأيام والمناسبات السنوية والوطنية. كل ما سبق يختزل كمعنى في السردية الوطنية، المفهوم الذي لا بداية ولا نهاية له. حيث التعبير قد يكون من الشخص وتفاصيله في لبسه، مأكله، لغته وحتى طريقة عاداته. أو حتى المكان وتفاصيله، بحر وبر وسماء وتفاصيل منسية في المنزل، إلى حين أن تستيقن أمراً مهماً، أن كل ما تم ذكره أصبح جزءا من الماضي، ولكن يظل يستذكر بناء على حاضر يسرد القصة ويجسدها بمختلف الأدوات، حتى تصبح تصوراً سردياً شموليا. تحدينا الأكبر ليس في الإنتاج، إنما في فقدان الأساس المرتكز على الكتابة الإبداعية التي تنعكس على الإنتاج واحتياجاته، بل ونغفل بشكل جداً كبير عن التعبير الصحيح والخالص في هذا المفهوم، لدرجة الخشية حتى من الإجابة على سؤال: كيف تعرف نفسك كمواطن يعيش ويحب هذه الأرض ويتنفس تفاصيلها، قد تشعر بأن هناك إجابات صحيحة، ولكن يظل التيه للإجابة بشكل عميق، محلي وأكثر واقعيا لك عن غيرك. فالسردية الوطنية خاصة من المنظور الاجتماعي من المفترض ألا تظل في رسميتها على قدر التنفيس عنها بشكل أكثر تفصيلاً، من يبحث عن تلك التفاصيل المفقودة وأن يعكسها في جملة من الكلمات، ومن يتمكن في ترجمة تلك الكلمات لتكون مرئية باقية. يمكن هنا جوهر السردية الوطنية في انتاجها من الأساس ومن ثم بناؤها مرئيا بعد قراءة العمق الذي من المفترض أن يكون جوهر الإنتاج.

318

| 18 نوفمبر 2025

حراسة الوسيط بسطحية المضمون!

نختلف أحياناً كثيرة في مدى الحاجة للمقارنة بين زمنين، حيث نريد أن نسترجع ماضي خلد ما ظل لدينا في الذاكرة، حيث رسخت الصورة وحفظنا مقطوعات وملاحم لا تغيب عن الذاكرة بسهولة. كما نريد أن نواكب زمنا تتسارع فيه المعطيات لدرجة فقدان الشعور بأنها ستكون جزءا من ماضي سيخلد! ونتساءل كثيراً فيما حدث بين الحقبتين، فالأسباب تتعدد في هذه الحال، فعلى ان الموضوع جدا شيق في مدى المقارنات بين الزمنين من حيث الحفاظ على الذاكرة، إلا أنني سأكتفي بالتعقيب على تلك المواضيع البسيطة بتراكماتها العميقة والتي تعكس هذه الفجوة والتطرق في هذه الحال إلى المنظور المجتمعي الخاص، البنيوي الذي يتأسس محلياً بشكله العضوي الذي تلتقي فيه المعاني بتعبير يجسد خصوصية تميز هوية عن غيرها. أولاً، عندما نتكلم عن ماضٍ سابق، نسترجع بشكل فوري أغاني قديمة وملاحم فنية على سبيل المثال، إذ ظلت تسمع بشكل مستمر، فلربما تكون مفضلة وتسمع بشكل متكرر في الإذاعة والتلفاز. فعلى الرغم من قلة الوسائط الإعلامية حينها، إلا ان تلك الشعبيات تظل جزءا بات في كل بيت. وهذا ما كان أساس بناء الجزئية الخالدة، الجزئية التفاعلية المباشرة، حيث المعايشة والتنفيس بحسب ما تتوفر من موارد ومواقع يستطيع من خلالها الفن مع صاحبه التعبير والتنفيس. فليس الأمر بالماهية، ولم يكن الأمر بالتسويق الذي يبرز فنانا على حساب فنان آخر، أو يطمس كلمات على حساب كلمات سطحية صاعدة، إنما المسألة كانت أكثر شعبية من حيث ما يتوفر لدى ذاك الزمن من مقومات اجتماعية تعكس الحاجة أولاً لبناء المحيط بحسب ما هو متوفر، ثم استمرارية التواجد والانخراط والتعايش حول الشيء الذي يجعل من المحتوى عادة ثم ممارسة حتى يصبح فناً. الأمر الشيق في هذا كله، أن المحدودات تصنع الأعمال الفنية، وهذا ما شهدناه في الدوحة القديمة، بوجود نخبة فنية وموسيقية وغنائية كان لها الأثر الكبير في بناء مشهد ثقافي متكامل في حقبة زمنية محدودية.وعلى ان هذه النقلة الفنية كان لها الأثر، إلا أنها تقلصت من دون بناء، أصبحت عولمية تتطلع نحو الخارج بنظرتها العالمية وقصصها البعيدة. وهنا يكمن التساؤل، هل لكثرة الأدوات، وتعددية الوسائط، أم لعدم استكمال ما بدأته نفس الحقبة الفنية. هل تخلد الذكريات بوجود كثرة الوسائط؟ وهذا سؤال تفكري عميق، لربما نجد إجابته بحسب ما نراه اليوم من محتوى سريع، مؤقت بلا محتوى عميق، لربما نلاحظ أن التعددية في كثرة الأعمال لا تساهم في عملية بناء ذاكرة إلا كبناء وقتي، وهذا انعكاس بحد ذاته على ان الذكريات أصبحت متغيرة كالتغير المستمر في المحتوى. يجب أن أقر بأننا ننادي دائماً وندعم التنويع والتجديد لمواكبة زمن يستخدم الحداثة وأساليب التطوير، ولكن في نفس الوقت أجد أن الفراغ لا يزال موجودا بحسب ما تتذكره من السابق وما ظل في ذاكرتك الآن، ما صنعه النخبة بالأمس وكمية التسارع في الأعمال اليوم. هل نجامل كثيراً لدرجة أن أصبح المشهد الثقافي غير قادر على الانتقاء! هل نقدم الفرص لمن لا يستحقها، هل نتغافل عن جودة العمل وبنائها الوقتي ونبحث عن السريع السطحي الشكلي! هل نفضل الأسماء قبل الأعمالَ! هل استطعنا أن نبني جسورا بين الزمنين والنخب لبناء التواصل أم قطعنا الوصل لنستكمل عهدا جديدا بزمن أصبح شيئا فشيئاً فاقد ملاحم فنية سابقة. هل تبنى الخطى باستراتيجية الفكرة بدلا من التمسك واتمام الاستراتيجية ودراسة حاجة تطويرها. أصبحنا اليوم في زمن جداً متسارعا لا يبني ذاكرته إلا على وفرة الوسيط الذي لا يعطي أكثر من دقيقة كملخص لكل شيء، حيث يقاوم محلية المضمون على حساب مواكبة المتطور والمواكب خارج المألوف، ولربما اتسعت القاعدة الشعبوية لتصبح حارسا للوسيط والمسيطر عليه لدرجة أن النخبة أصبحت بمحتواها تبحث عن وسيط يلائم عمق مضمونها! بناء الذاكرة الجماعية تتطلب العمل الذي يبقى، والكلمة التي تخلد. فالأعمال الفنية التي ذكرتها لبناء المشهد الثقافي إنما هي أبسط الأمثلة تعقيدا على الرغم من اتساع فجوتها!.

303

| 04 نوفمبر 2025

الشعبوي.. كظاهرة صوتية

من الشيق استرجاع حدث سابق تم تحليل واقعه في لحظتها، أو لربما التعقيب ووضع الفرضيات التي تعكس دراسة الوضع الذي كانت فيه. ففي لحظتها، كل شيء سيكون صحيحا في محله، وتطبيقه دقيق، لتجد أن الانفعال الجماعي على سبيل المثال تراكم في منصة واحدة، أو ترى الدعم لوجهة نظر ضد الأخرى وتشكيل قواعد جماهيرية تسند رأيك وتدعم موقفك. وتلاحظ منصات تطور في خدماتها كي ترفع من صوت المستخدمين، ومنصات أخرى تحدد عدد كلماتها لتحد من عدد المتحدثين. المفارقة واضحة ليس في مستوى الخدمة، بل في وقتية وتأثير الخدمة ومن سيطر على استخدامها لحظياً. لربما يساعدك هذا الأمر في التفكر أكثر عن الحال الذي كانت عليه وسائل التواصل الاجتماعي الى الحال الذي وصلت إليه. فهل أصبح موقف المنصات محدودا في تأثيرها الاصلاحي؟! هل تلاحظ قوة واندفاع وثقة في الردود، ففي فترة ما كان للمنصات صوت عال وقاعدة جماهيرية مؤثرة، ولكن اليوم أصبح هناك مفارقة كبيرة وواضحة بين حقبتين على الرغم من عدم بعد الفترة الزمنية صوتاً مسموعاً ومحركا مندفعا، إلا أن تراكمت التطورات المعاصرة وواكبت جيل يغرب بلا بحث تحليلي، قليل التمعن النظري والقراءة العميقة وإبداء رأيه الشخصي. الميول الموضوعية تغيرت، والتوجهات النقدية قلت، فأصبح هناك جيل معاصر غير مرتبط بالقراءة العميقة، وغير مبالٍ من الأساس بما يدور حوله على قدر خروجه من المنزل في أسرع وقت، والعيش بفردانيته التي لا ترتبط في فهم قضية أو واقع يواكب تطورات تدور حوله. هنا تكمن المفارقة، في الادلاء والتعبير، والمثابرة في الوقوف مع رأي يختلف عن الآخرين، إذا غاب الحضور الذهني هنا، وزاد الوعي في الحضور الشكلي، متوجها نحو اتجاه استهلاكي واحد. أذكر أحد تعقيبات المفكر عبدالله الغذامي حين ذكر عن انقلاب الوضع النخبوي، حيث أصبح الشعبوي نخبويا أكثر من النخبوي نفسه، إذا اتسع نطاق وسائل التواصل الاجتماعي لتصبح قاعدة سمعية بصرية تلعب أدوارا بين التصديق والتكذيب وتؤثر على الوتر حينما تفوق النقد الفكري في ايجاز التأثير، إذ أصبحت السرعة المحور المؤثر في انطلاقات التأثير ثم الانفعال والتحرك، إذ يتغير المشهد الثقافي بأكمله ليكون حصراً على منصة افتراضية بدلاً من واقع فاعل. فهي الوسيلة التي تلعب الدور اليوم باختلاف متغيراتها واختلاف زمانها، ولكن تكمن المسألة فيمن يستخدم تلك الوسيلة وما مدى إلمامه ومواكبته المعرفية، وما هي اهتماماته اليوم ودافعه لاستخدام نفس الوسيلة. فلا تزال الدوافع الاستهلاكية والفردانية القاعدة الأكبر اليوم من ناحية، وبناء العقول وتنويرها لا تزال تبحث عن وسيلتها التي تسهم في عملية التأثير المطلوبة. فالانقلاب النخبوي الشعبوي في هذه الحال يكتسح أغلب المنصات من دون رادع يسهم في تمكين بناء العقول ودفع عطائها النقدي الفعال. فكل ما سبق مسألة وقتية بسرعة عشوائية تدعم ظاهرة نهايتها معروفة بتأثير محدود، إذ ترفع من الشعبوي على وسيلة مؤقتة، وتجعل النخبوي في وضعية التأهب إلى حين العودة له مرة أخرى لدوره الثابت باختلاف الوسائل. فلن يختبئ النخبوي صاحب النقد التراكمي تحت عباءة شعبوي بظاهرته الصوتية لمجرد اكتساحه لوسيلة تواصل نهايتها مسألة وقت وظاهرة تنتهي بانتهاء الحدث.

804

| 28 أكتوبر 2025

صناعة الفارق!

أتذكر التعريف الذي يبرز النخبة عن بقية الفئات، بأنها السلعة ذات النوعية الممتازة، وأقف عندها مرات عديدة كي أستيقن ان كان التميز في السلعة أو من هو وراء صناعة هذه السلعة. لربما مسألة النخبة وبحكم أبعادها الثقافية والفكرية والبيروقراطية، قد تكون أكثر عمومية في الوصف في هذه الحال، ولكن إن نظرنا أكثر في سمة التميز فلربما سنجد أن وراء جودة السلع أو الصورة والمشهد الراسخ تكمن الصناعة بشرية، خاصة عندما تتجرد من الاعتياد في بناء الأمور وتخطي الروتين في رسم تصور يتشابه مع صور كثيرة وموجودة. في المقدمة أعلاه وبين الأسطر، لربما نستطيع أن نستيقن سمة الابداع، عندما يستفرد المرء في الشيء، ويصنع منه صورة غير اعتيادية، راسخة في الذاكرة ومحركة لوسائل التعبير. هذا المنظور الذي ترغب أولاً أن تطوره في مرحلة صناعة الابداع، التجرد في الفكرة وبنائها بحسب نظرة فردية تجسد الفن من تعابير خالصة، وترسم التفاصيل بخطوط غير عادية. بل وتصنع الفارق في المبادرات، من خلال صوت جديد يخرج من وسط عمل فني أو مشهد درامي مؤثر او حتى مشروع تكاملي يجسد فكرة شكلت الفارق في مستوى التمثيل، فالمسألة في النهاية لا ترى بالشكل، إنما ينظر لها من خلال تفاصيلها العميقة التي تجسد المعنى المغاير. فكل الصناعات الثقافية باختلاف سبل التعبير عنها واسقاطها فنياً وثقافياً تقف عند مبدأ واحد: التجرد. فكلما أصبحت هناك فكرة ولدت من تراكمات حسية عميقة ومشاعر ترتبط برسائل محددة، سيكون لديك عمل يعبر بصوت ويؤثر على المدى البعيد. الإشكالية في الصناعة الابداعية أنها لا تخرج من باب الاعتياد الثقافي، وليس لها وقفة للحد من التقليد. بل أصبح المجال أكثر استهلاكاُ من ولادته الخاصة في كينونته التي تخرج بهدوء إلى حين استيعابها كفكرة ورسالة حتى تنطلق بقوة. إذ إن المسألة تظل أيضاً وقتية بحكم ظهورها المتجرد والذي يتطلب هضما زمنيا لفكرة لا تحاكي اليوم، بل تعبر إما عن الأمس أو تتقدم معك لتحاكي واقعا لم يحدث للغد بعد. لذلك، فإن الصناعة الإبداعية تظل مسألة زمانكية، يحددها المكان وتعكس الزمان في آن واحد، تخلق الصورة وفي نفس الوقت تجعلك تقرأها من باب أعمق، فتقرأ التفاصيل وترتبط بأبسط المشاهد وتقف عن حقبة الزمان كي ترتبط حتى ولو كنت جيلا لم يتعايش مع نفس الحدث. وحتى على المستوى الحديث، فقراءاتك لمشروع جديد لا يعني تجردك من أطر ثقافية معينة، إنما قدرتك الإبداعية في بناء أبعاد ثقافية جديدة، تواكب أساليب التعبير المعاصرة، وتحاكي أجيالا لها تفضيلات مختلفة مقارنة بالصور والمشاريع التقليدية. فالانطلاقات لمشاريع متجددة، تتطلب عنصرا بشريا يبني تلك السلع ذات النوعية الممتازة والتي تواكب زمانكية المشهد. فلنعد مرة أخرى لتعريف النخبة بأنهم السلعة ذات النوعية الممتازة، لربما قد ندرك وأخيرا أن الصناعة الإبداعية هي ولادة وتجسيد للنخب في هذه الحال باعتبارهم الناتج الذي يعمل على تشكيل السلع، فالهدف صقل الإمكانيات التي تصنع في النهاية التميز الفارق!.

267

| 21 أكتوبر 2025

مسألة هوية.. معقدة

بناء على كل الظروف وكل الأزمنة وكل التقلبات التي تمر، إلا أننا نجد أنفسنا دائما في محط تساؤل واستفسار في الأين؟ والبحث عن أجوبة يصعب الرد عليها في لحظتها، إنما تظل تعود إما للوراء للنبش في إجابة أو البحث في المستقبل للتنبؤات واسترسال التوقعات قبل حدوثها. هذه دائرة شائكة تقوم على مبدأ بناء الاستفسارات وتراكم الأحداث واختزال الأسباب من عدة أزمنة وكم من الأحداث. نتوجه لعدة استفسارات نحاول أن نطرحها على أنفسنا ونظل نبحث عن اجاباتها دوماً، فمن أنا لنفسي، ومن أنا من بينهم ومن أنا في مجموعة، ومن أنا في عالم كبير. مجرد سؤال واحد يدفعنا للبحث في الذات والتاريخ والحروب والحضارة والصناعة والثقافة والتغييرات الاجتماعية والظروف الحالية التي شكلت الأنا من بعد كل تلك التراكمات السابقة. فلا بد من خلال هذا المنظور ان نتشكل بناء على أنساق ثقافية واردة، ثوابت لا تتغير وتساؤلات تفتح المجال للبحث عن الذات في التاريخ المعاصر والسابق، ولا تغير من مسار الحديث عن الماهية التي تتشكل معك وتتشكل مع غيرك من نفس المجموعة. فهي تلك الخصوصية التي تبقى الذاكرة حية، يقظة من حيث الارتباط بالماضي عندما تكون هناك مشاهد رسخت في الاذهان وسلوكيات لن تتغير مع الزمان، ومتطلعة نحو الحاضر في حين أنها لا تنجرف بعيداً عن التقليد، وتظل متمسكة في مقومات الثبات التي اتفقت عليها نفس المجموعة. فأصبح التشكيل في هذه الحال تشكيلا اجتماعيا متلاحما، يبنى على أساسيات تراكمية تاريخية. وان بان التغيير على تلك الذاكرة، لا يعني في الضرورة التأثير السلبي عليها، إنما أصبح هناك تمثلات حديثة تسمح للانخراط والتأثير. ولا شك ان هناك عدة تيارات خارجية تلعب أدواراً متعددة في مسألة التشكيل، ليست بالضرورة سلبية كلياً ولا إيجابية حرفياً، فالمقومات الغربية سائدة من حيث مستوى التأثير، ولكن تظل المسألة مبنية على أسس مدى الانجذاب وسرعة الاختراق المسببة لما نراه سلوكا وتبعات لمحددات أثرت على التغيير. ما وصفته في الأعلى هو تعريف من زاوية أخرى للهوية، حيث نعبر عن هذا المفهوم على انها تراكمات تاريخية، لا يمكن بناؤها من حقبة زمنية واحدة، أو من حديث تاريخ واحد، إنما هي بناءات للمفهوم، ومعانٍ تجسد السلوك والانفعالات للحفاظ على القيم من وراء هذه الذاكرة المتراكمة. فالهوية ليست مسألة وقتية، إنما هي تشكيل كلي للأنا التي تتعمد أن تضع القيم وكل القيم في المقدمة.

303

| 07 أكتوبر 2025

وساطة من وحي الأجداد!

تعلمنا من الأجداد ألا تستقيم أي علاقة إلا من بعد صبر وبال طويل، وهذا البال لابد أن يكون جوهرا أساسيا لطيلة الانتظار ومواجهة عدة عقبات ولربما العيش تحت ضغط إلى حين الافراج والاستقرار. دائماً نسمعهم يرددون ويناجون، أو يروون قصة سيدنا يونس في بطن الحوت للعبرة واليقين أن كل ضيقة لابد وأن تفرج بأمر من الله. خاصة ونحن نتحدث عن زمان عسير كان يعاني فيه المجتمع من شح كل شيء، وعلى ذلك ظلت تلك العلاقات في مأمن الصبر وانتظار الفرج ولو طال فيهم الدهر. ما ذكرته في الأعلى لا يعتبر مجرد قصة للعبرة، إنما هي قصة بثوابت، وبمبدأ لا يتغير. وهنا تكمن قوة الصمود والمواجهة، تكمن الإمكانيات في تعلم الصبر وعدم الاستعجال في قرارات قد تنقلب في الأخير بشكل كارثي من دون الادراك المسبق، إنما هذه عبرة تشكلت مع ثوابت العادات والتقاليد وما لا تستطيع تغييره في المجتمع، ماهيته التي تميزه عن الآخرين، وخصوصيته التي تتشكل فيها شخوصه ومميزاته التي تستثنى عن البقية. الصمود بحلة البقاء، والهدوء رغم الضجيج. وما يقلق عند هذا الصمود والحفاظ على الثوابت، من لا يراك إلا مستفزا له، خاصة في سلوكياتك الثابتة، راسخ في المبدأ وغير مكترث في التغييرات التي تطرأ حولك والتي لا شأن لها في التأثير على مبادئك، ولكن يظل في وضعية الاستفزاز، وكأنه يشعر أنه لم يستطع أن يحرك مشاعرك نحو الغضب، بل وفشل من كثرة المحاولات، وكأنه يراك خلف حاجز لا تستطيع التأثير عليه، ظنا أنه قادر أن يؤثر عليك بشكل مباشر ومؤلم حتى. ويظل هذا الطرف المستفز مستمرأ في التخطيط الداخلي، محاولا أن يكتشف مكامن ضعفك، ويظل يبحث عن أي مبررات تسمح له بالتضييق عليك على الرغم من كونك ثابتا في مبادئك، وملتزما بمعاييرك. وهذا ما يرعب الطرف المستفز أكثر، بأن النار لا تواجه النار كما يريد، بل ما يراه حاصلا أن النار تواجه بردا حتى لا تهيج. إلى أن يأتي هذا اليوم الذي يرى فيه الطرف المستفز نفسه وحيداً، بينما تستمر تؤثر فيمن هم حولك بنفس تلك المبادئ الثابتة بلا تغيير، منادياً المناصرة والتأييد ضد من حاول أن ينفجر من شدة حقده لفترة باتت طويلة. الوساطة القطرية، هي العبرة الثابتة التي استمرت بلا رادع، والتزمت بأخلاقياتها بلا تأثير. هي المحرك المؤثر الذي بات صداه مسموعا، ودعوته للسلام الشامل مطلبا دوليا. لا شك بأن ما وصل إليه الطرف المستفز ليس إلا اثباتاً على العشوائية وكسر المعايير الدولية، إذ مصطلح السلام لا يندرج لديه في معجم المعاني، إذا باتت مصطلحاته محدودة بحسب ما يفهمه من دمار وقتل وتجويع وتخويف ظنا بأنه يمد ين العون للسلم على حساب طفل يعاني وآخر تنتزع منه الروح ضحية نفس الحاقد الأناني. هنيئاً للثوابت، التي ترى في الوساطة الحل ولو طالت الأزمة والمماطلة في حل النزاعات، وهنيئا للوساطة عندما تظل متزنة وموثوقة. فهي المبادئ.. ثابتة لا تهتز.

333

| 23 سبتمبر 2025

هواجس الهروب.. سببها الهوية

في ظل زمن جداً متسارع، أتساءل دوماً ان كان النقد الجذري بإمكانه أن يواكب سرعة مستمرة في الابتكار والتطور والمواكبة وحتى الذهنية الجديدة المعاصرة. فبينما نحلل الإشكالية من جذورها، تستمر ديناميكية الحياة بلا توقف، وتتسع دائرة العولمة وتتغلغل من خلال أدواتها المبتكرة في كل منزل بلا حدود، بل ويصبح مبدأ الاغتراب طابعا يوميا من دون وجود رادع نسبي يحد من مستويات التأثير، ولنا في حظر أحد الألعاب الالكترونية دروس مستفادة. هنا نواجه إشكالية متى ولماذا نقبل أو نرفض التغيير، بل ومتى يحين تقبل التغيير من دون وضع ثوابت مطلقة تحد من الممارسة وليس التجريد. الغريب في الموضوع وبحسب ما ذكرته في المقدمة أن التغيير هو جزء من سرعة زمن لا يعرف التريث، بينما يتسارع الزمن في مواكبة المستجدات، بينما تحاول في المقابل أن تواكب العمق الفكري لمدى تقبل هذا التغيير الذي هو مستمر في عملية التأثير، فيظل النقد يدور في محيطه الذي يبحث عن الثوابت ويقاوم التغييرات وهو يعيش نفس التغيير في الوقت ذاته! وهذه الإشكالية بحد ذاتها ليست في النقد الثقافي، إنما في مسألة كيفية التعامل مع التغيير. والتغيير من وجهة نظري في هذا المقال ما يتعلق بالأنساق الثقافية العمومية والجماعية التي يتمسك بها المجتمع كثوابت مطلقة من دون النظر في تحولاتها الحالية. فعلى سبيل المثال مسألة الهوية، التي تتأثر دوماً عند استشعار التغييرات التي قد تمس المفهوم ومدى انفعال المجتمع عندما يستشعر هذه التغييرات التي قد تؤثر على الهوية كمحددات ثابته بالنسبة له. وهنا يكمن اللبس الخاطئ في أن مسألة الهوية هي مثارة وحساسة أمام التغييرات، بينما في واقع الأمر مسألة الهوية لربما هي حبيسة في المفهوم بين محددات ذاتية أكثر من كونها مفهوما هلاميا قابلا للتطور ومواكبة الصورة الجماعية، بل وقابلة للتغير عبر التاريخ وفقاً للممارسات والأحداث والسلوكيات الاجتماعية. ولأن بعض المفاهيم تظل ذاتيه في مطلقها، يبقى هاجس الخوف طاغياً، ظناً بأنها الطريقة الوحيدة والأنسب لحمايتها من التغيير، إذ يكون هاجس الماضي أكثر سيطرة على تقبل التجديد فيه وبناء ملاحم تاريخية متجددة، حتى يبقى هذا الماضي في إطاره الثابت، لأن هاجس الخوف عليه يسيطر على تقبل مفهوم التغيير، فينتهي الأمر بالثبات على ما هو موجود والهروب من فكرة تغيير تركيبة قديمة ظلت في الماضي، ولكنها تواكب اليوم زمنا متسارعا في التغيرات ومعاصرا في التحولات الاجتماعية والأنماط السلوكية. وفي هذه الجزئية، تكمن إشكاليات أخرى تباعا للتغييرات، فليس كل تغيير نمط سلوكي مناسبا، إنما تظل هناك تغييرات وسلوكيات اجتماعية تصبح عكسية على الثوابت والمبادئ من الأساس، فالفردانية على سبيل المثال تعتبر أحد تبعات الزمن المتسارع والذهنية الحديثة، التي أصبحت بعيدة عن الإطار المطلق وقريبة من السرعة نفسها التي لا تعرف الوقوف عند الأخلاقيات والسلوكيات الجماعية الخاصة. وهنا أكرر نفس المقدمة، ماذا نعرف عن التغيير، وكيف نتقبل التغيير وهل نلامس ونتقبل التغيير بينما نحارب من أجل الحفاظ على الثوابت.

306

| 09 سبتمبر 2025

الصدمة الثقافية.. من باب سد الفراغ

التحولات الاجتماعية هي مسألة ترتبط بالفترات الزمنية الانتقالية، فلو أخذنا على سبيل المثال البدايات كفترة الغوص والاعتماد المحدود على مصادر البر والبحر، وصولا إلى مرحلة البترول والتي أنتجت صدمة ثقافية انتقالية، غيرت من خصوصية مجتمع من قاعدة تقليدية إلى نمو اجتماعي متكامل المعالم، انتقل من خلالها انسان المنطقة من كونه حرفيا إلى مهني بمسمى وظيفي ودراسات تخصصية وانضمامه لمنظومة حكومية. فالانتقال المفاجئ يعتبر أيضاً نقلة نوعية لامست تاريخا وماضيا التبس عليه الحال فور دخول تيارات جديدة غيرت من نمط العيش وطبيعة الحياة الاعتيادية إلى طبيعة اعتيادية أخرى. فعندما نتطرق إلى مسألة الصدمة الثقافية بشكل خاص، لا بد وأن نستيقن أبعاد تلك الصدمة الزمانية أيضا، لم تظل هذه الصدمة أسيرة فترة ظهور البناء والتأسيس، إنما أثر الصدمات الثقافية مستمر بحسب الطفرات الزمانية والتغييرات الاجتماعية، فتعددت الطفرات وازدادت التحديات، وتفاوتت الإشكاليات، بل وتفرعت فيها الجذور. ولكل زمن انتقالاته النوعية، وتغييراتها الطارئة وظروفها الخاصة بالتأكيد. ولو أخذنا أحد جوانب الصدمات الثقافية، لربما نستيقن أن المجتمع عاشر تبني الصدمات، وانتقل مع التغييرات، وتحول إلى الشخصية الازدواجية، التي تبنت الحاضر وتمسكت بالماضي في نفس الوقت، وهذا بحد ذاته كان سببا للتحولات الاجتماعية المتفاوتة، كتمكين المرأة، وبناء المجتمع وتطوير مقوماته التنموية، بل حتى أصبح الموضوع يرتبط بإنتاجية نفس المجتمع. فالتكوين الجديد خلال الصدمة الثقافية ظلت فيها تبعات لهذه الانتقالية، كتعريف الهوية الجديدة، وبناء الذاكرة الجماعية الوطنية المتجانسة، وطرح التطلعات المستقبلية من حيث مدى تمكين المجتمع أن يكون في صفوف التعليم ومحو الأمية انطلاقاً لبدايات التنمية الشاملة. الجانب الاجتماعي في التحولات الثقافية يعتبر من أكثر الأطر حساسية، ومدى فهم والالمام في مستويات التقبل لمثل هذه التغييرات التي جعلت لكل من الطرفين دورا فاعلا خارج سور المنزل وبعيدا عن الحرفية التي كانت أساس الانتاجية بحسب حجم المجتمع وما يحتاجه من معيشة تسد يومه بفائض انتاجي محدود. فالانتقال أصبح أكثر إنتاجية لما هو خارج خريطة الدولة، وأصبح التمويل أكثر سعة من حدود المجتمع في الداخل، فتداخلت التيارات، وأصبحت العولمة أيدلوجية استطاعت أن تؤثر على نمطية التفكير والتأقلم من حيث التأثير الحديث والبنيوية المتقدمة حتى على الطبيعة الخاصة لمجتمع بأكمله. اختلفت الدوافع وزاد الاهتمام في تصدير الإنتاج للخارج، حتى أصبحت الحرفية الجزء الصوري والسياحي، متجردة من حرف مارسها الأجداد كمعيشة لا فن، كشدة لا رفاهية. ومن هذه المفارقة أصبحت الانتقالية خلال الصدمة الثقافية «تأقلم» أكثر من كونها «تبني»، فالانتقال المدني أصبح بعباءة الموظف الحديث مقارنة مع الحرفي القديم. وعلى هذا الانتقال الجذري، هل نظل نعتبر أن الصدمة الثقافية لازال لها تأثير؟ وكيف نستطيع فهم هذه الصدمة الثقافية التي ظلت لفترات طويلة كفراغ من دون تفسير لما حدث من تبعات خصوصية ومحلية في الفترة الانتقالية تحديداً. التساؤل هنا عميق، وأعماقه متفرعة في الأخلاقيات، فهم التغييرات الاجتماعية، ذهنية، جماعية- فردانية حديثة، وإصلاحات تنموية، هوية وطنية تمثل جزئياً تقاليد– لربما أصبحت أكثر صورية.

327

| 02 سبتمبر 2025

تحرير الذهنية والثبات على الكلاسيكية

من الشيق دائماً أن تبدأ من أساس كل شيء حتى يكون لك كبداية لفهم الانطلاقات، فأنت لا تقرأ التاريخ على سبيل المثال لمجرد القراءة والمعرفة، بل من المفترض أن تقرأ ما في التاريخ حتى تكون مخزونك الخاص لصقل ذهنية متجددة لمقومات وأساسيات التغييرات والتحولات الاجتماعية على سبيل المثال. فقراءتك قد تكون قصيرة المدى من دون النظرة النقدية والتصور الافتراضي لفهم ما سيكون تبعات لتراكمات تاريخية. ومن هنا يكمن جوهر الفهم، ويبنى التصور الواسع والتأملات المستقبلية. اليوم عندما ننظر للتحولات الاجتماعية في دولة قطر تحديداً، بالتأكيد نسند هذا البناء التنموي على مقومات أساسية كالتعليم والصحة والاقتصاد. ففي مثل هذه الأساسيات، استطاعت الدولة أن تشكل حضارة بأكملها، قادرة أن تستوفي شروط التنمية، وبناء الفرص وخلق الإمكانيات المستدامة التي تنظر للمستقبل وما يتطلب من تأهيل مستدام. ولكن، يحول الأمر على طبيعة هذا المجتمع، ومستوى التغيرات التي طرأت وتطرأ عليه، بل ومستوى التأثير والتأثر من التغيرات والنقلات النوعية. فعلى الرغم من الارتفاعات المستمرة في نسب التعليم، والوظيفة، والمساواة حتى بين الرجل والمرأة على الصعيد المهني، إلا أنه لا تزال هناك ثغرة اجتماعية مفقودة، ولربما تكون حلقة الوصل لفهم مدى التقدم بحسب رتيبته البطيئة أو السريعة، فعلى الرغم من تحقيق نمو بشري مزدهر، والاستفادة القصوى من وسائل التعليم والمواصلات وكافة التسهيلات لبناء مجتمع متعلم وبناء، إلا أنه تظل الإشكالية دائما قائمة على ارتباط هذا التقدم بمفهوم مجتمعي، من نحن كمجتمع يرتبط بالعادات والتقاليد وفي نفس الوقت يتطلع نحو الأمام؟ في حقيقة الأمر، إن هذا السؤال التفكري يعتبر سؤالا مناطقيا يشمل منطقة الخليج العربي عموماً، حيث تتشابه المقومات، باختلاف المسافات، وتتشارك العادات على الرغم من تفاوت الموارد. يكمن الجواب في زوايا تحليلية مختلفة، ولن يسعني من خلال هذا المقال إلا أن أسلط الضوء على تحليل واحد فقط يرتبط بشكل كبير في مسألة الزمانكية، حيث مراعاة الزمان والمكان في آن واحد، والتيقن ان كان الزمن متغيرا فكيف لا تكون هناك تغييرات على ذهنية المجتمع أيضاً. بالتأكيد تظل العادات والتقاليد إحدى السمات الرئيسية في التعريف عن أي مجتمع، فعدم وجود العادات يستنقص من قيمة المجتمع بأنه بلا كيان ولا ميزة مقارنة في المجتمعات الأخرى. فالمدنية في هذه الحال لن تبرز من دون ابراز جوهر تلك المدنية والتي تكمن فيما يميز هذا المجتمع عن غيره من المجتمعات، خاصة وسط مجتمعات وجغرافيا متشابهة. ولكن تظل المسألة في الذهنية والأهمية في مدى التأقلم، والاعتياد على التغيير بدلا من الجمود الفكري الثقافي الذي يستند على نمطية سابقة لا تواكب التطلعات الحديثة بقياس التغييرات الاجتماعية. ما زلنا نتحدث في كل الحالات عن تغييرات بشرية، فالعادات والتقاليد هي أساس تكوين بشري على مر التاريخ، كما هي الحضارة التي تتقدم بتقدم الذهنية الاجتماعية لدى الفرد. فكيف نستطيع أن نساير التقاليد مع الحضارة، خاصة إن كانت التقاليد ماضياً لا يتجدد، في حين أن الحضارة متطلعة ولا تنظر للخلف، فلربما تكون سمة أكثر من كونها إشكالية في القدرة على تحرير الذهنية والثبات على الكلاسيكية.

411

| 19 أغسطس 2025

alsharq
السفر في منتصف العام الدراسي... قرار عائلي أم مخاطرة تعليمية

في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...

1542

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
لمن ستكون الغلبة اليوم؟

يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي...

1137

| 18 ديسمبر 2025

alsharq
الانتماء والولاء للوطن

في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن...

1110

| 22 ديسمبر 2025

alsharq
إنجازات على الدرب تستحق الاحتفال باليوم الوطني

إنه احتفال الثامن عشر من ديسمبر من كل...

702

| 18 ديسمبر 2025

alsharq
التاريخ منطلقٌ وليس مهجعًا

«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف...

684

| 21 ديسمبر 2025

alsharq
غفلة مؤلمة.. حين يرى الإنسان تقصيره ولا يتحرك قلبه

يُعد استشعار التقصير نقطة التحول الكبرى في حياة...

660

| 19 ديسمبر 2025

alsharq
«يومنا الوطني».. احتفال قومي لكل العرب

هنا.. يرفرف العلم «الأدعم» خفاقاً، فوق سطور مقالي،...

657

| 18 ديسمبر 2025

alsharq
قبور مرعبة وخطيرة!

هنالك قادة ورموز عاشوا على الأرض لا يُمكن...

594

| 19 ديسمبر 2025

alsharq
لماذا قطر؟

لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...

594

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
محكمة الاستثمار تنتصر للعدالة بمواجهة الشروط الجاهزة

أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة...

585

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
مشــروع أمـــة تنهــض بــه دولــة

-قطر تضيء شعلة اللغة العربيةلتنير مستقبل الأجيال -معجم...

582

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
بكم تحلو.. وبتوجهاتكم تزدهر.. وبتوجيهاتكم تنتصر

-قطر نظمت فأبدعت.. واستضافت فأبهرت - «كأس العرب»...

567

| 25 ديسمبر 2025

أخبار محلية