رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

اختر وطنك

*وطني بيتي، وشعبي أطفالي، ديكتاتورية مسيّجة بالحنان، واضطرابات يقمعها الحبّ، الميزانية يضبطها راتب آخر الشهر، وربما استعنت بالشعوب الصديقة، إنجازاتي في تفوّق أولادي في المدارس، وشراء قطعة أرض جديدة، والصمود في وجه المصاريف المتلاحقة، نوافذي مفتوحة على الجيران، أسقي حديقتي بيديّ، وآخذ دوابّي إلى المرعى، وأدع العصا خلف الباب تحسّباً للّصوص. *وطني لغتي، أقود جيشاً من الحروف، أحرث أرض المعنى، وأنثر فيها المجازات والصور، وطني يتّسع للمجانين والصعاليك والمحرومين، " وطني حيث يقيم أبطالي بحسب أحلام مستغانمي"، طردنا منه الطغاة، وسيجناه بالجمال. *وطني. .ووطن آبائي وأجدادي، من الملح إلى الملح، الوطن الذي ينطق أبناؤه الضاد، ويلثغون بحلم عبد الملك بن مروان والمعتصم بالله، من الشام لتطوان، ومن نجد إلى يمنٍ، سقفه معجزة البيان، ولسان الرحمن، وتاريخه شعر ودم، وسيف وحصان ونخلة، من صقر قريش إلى أحمد بن ماجد، ومن جابر بن حيان إلى أحمد زويل..أجيال ورا أجيال.. قطفنا الحلم، وتجرعنا الهزيمة.. سجّل: " أنا عربي ". *وطني طائفتي، ملاذ الحكايات والأسرار، والمظلوميات المعتّقة، سرٌ ينطبق على سرّ، ويدٌ تشتبك بيد، صامدٌ في وجه الرياح والأمطار والأفكار. *وطني قبيلتي، مضاربها تملأ الفيافي والبطاح، نشيدٌ في أذن الصحراء، رعاةٌ وفرسان، غاراتٌ وغزوات، دستورنا قِيمنا، وقد ظلّ الخباء وعين الماء ورغاء الإبل المشهد الأليف، والملاذ اللطيف. * وطني الدولة التي تمنحني مواطنتي، وأعمل فيها، وأقبض منها معاشي، فيها يتعلم أولادي. أرفع علمها، وأهتف لمنتخبها في البطولات، وأقول لها: " بلادي.. لك حبّي". * وطني يمتد من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً، أصلّي في مساجده، وأحيي من لقيت بـ " السلام عليكم "، لنا قبلة واحدة، ونقرأ الآيات ذاتها آناء الليل وأطراف النهار. * وطني رصيدي في البنك، عكازي لأيام الشيخوخة، ووقايتي من العوز. * وطني صفحتي في الفيسبوك، رعيتي أصدقائي الذين يهتفون لي صباح مساء بـ"لايكاتــهم"، يهدونني آخر إنجازات الفوتوشوب، ومقاطع اليوتيوب، ومن " ليّك" لي " ليّكت " له، أقاسم رعيّتي حروفهم وصرخاتهم وضجرهم، نحن شعب الفيس بوك الثائرون على الأنظمة، والقابعون خلف الأجهزة في ليل نهار، لايردعنا عن ذلك زوجة متذمرة أو ربّ عمل يقظ. * وطني صهوة سيارتي، أنا المتسكع الجاهلي الحديث، حفيد الشاعر الذي أعلن وطنه قبل 1200سنة " ظهور العيس أوطاني"، أسافر حيث أشاء، وأنام متى أشاء، وطني الدروب والمحطات العابرة ودكاكين الليل الطويل. * وطني اللحظات الحلوة التي أقضيها أينما حللت، في مستشفى أم في سجن أم في شقة 3X3 في ملعب كرة أم في سوق السمك، رأسمالي ابتسامتي، ومواطنيّ ذلك الموج العظيم في الساحات العامّة. * وطني كل موطئ قدم وضعه إنسان في رحلة البشرية الطويلة. *** ملاحظة: يمكنك اختيار إجابة واحدة، ويمكنك اختيار الأجوبة كلها، لكن درجتك ستقلّ وقد تمسي بلا وطن.

442

| 30 نوفمبر 2012

مدن القصيدة والقلق

غزة: على قدر أهل المدينة يأتي الحصار / يأتي المعزّون / يأتي الرثاء العنين / وتأتي طيور الحديد / وتأتي القذيفةُ / عشرون صمتاً يدثّر هذا الحصار / وقلب أبي لم يزل في ضلوعي / لأجلك ِ عادت نصوص الثقات إلى حلقة الدرس / وأولادنا في مهبّ القصيدة عادوا كذلك / أحنّ إلى وطنٍ أخضر الكلمات / أحنّ إلى صفحةٍ في كتاب الأغاني / عليّ إذا عدتِ من فسحة الموت وشوط البكاء الأخير / وجمجم إثركِ رهطٌ من البؤساء القامشلي : على كفّ قناصة يستريح الحمام من الموت / ثمة حزن قليل / وريح تجيد التقية / ثمة طاقية تستميل الرؤوس إليها / وثم طريق إليك / يلوّح لي / فأراه جديراً بشوق خطاي / إذاً لا تعدّي عليّ حروف السفر / ولا تشرحي لي كيف ينام الحمام على كفّ قناصة / ويرخي على موتنا شغباً أو هديلا / ولا تشرحي لي إذا كان دربي إليك طويلاً طويلا / سأعثر يوماً عليّ / إذا ألفتني الخناجر / تغمد آهاتها في متاحي / وتشكرني / سأعثر يوماً على بعض خوفي يموت من البرد / على باب قناصة في مهب الضغينة .. تعلو/ سأعثر يوماً عليّ / فلا تتقصّي خطوط المتاهة / وحدي كما كنت وحدي / أزف اخضراري إليك / وأنشج حينا وأنشج حينا.. فقط كي يقول لي العابرون: عرفنا ضياعكَ فاصعد إليهِ / ولا تتخذ جبلا يرتديكَ / وينسى المدينة. رأس العين : فنجان الموت يسيل على ثوب امرأة من دون يدين / بيتٌ يلعب في تشرين ويرمي حجر الجدران إلى الخارجِ / ثمة كرة من نارٍ .. جاءت من أين؟ ثمة بنتٌ تخفي وجها يتوضأ بالحسن وتنده يا ربّ احمِ بلادي / والطف لي بعريس الزين / ثمة مدرسة .. كانت مدرسة .. تبحث في الملعب عن أقدام الصبية / ملأوا الحوش صراخاً / لم يأتوا بالأمس ... الصبية أين؟ دكاكين الحارة أين؟ الناس المشغولون بحنطتهم .. أين ؟ .....يا ليل يا راس يا عين. دير الزور الحديقة مشغولة بالطيور/ فلا تسألوا ولداً يستبيح الغيابِ عن الآفلينَ / ولا تسألوا قمراً عالي الأغنياتِ /عن الراحلين إلى نومهم / آه.. لا تسألوا عابراً حافي الذكريات/ عن الوردة الذابلةْ/ ولا تسألوا سلم الوقت / حين تفيءُ الظلالُ إلى ما يُسمَّى المساء/ ولا تسألوا سلّة المرحلةْ / عن خطوط المتاهة في صفحة الأسئلةْ.

388

| 23 نوفمبر 2012

أنا قهوتي مرّة

مقطع شعري قصير ظلّ يتردّد في الذاكرة منذ أكثر من عشر سنوات: " أنا قهوتي مرة / ولكن قومي يخونون ملحي / كثيرون مروا وما اعترفوا / بجفاف حقولي وقمحي". رددته لنفسي مرّات ومرّات، وحفظه عني الأطفال، وكتبته في متون الصفحات الحقيقية والافتراضية، مبتهجاً بهذه النتفة التي تصلح كبطاقة شخصية لشاعر مثلي، يجمع بين الريف والبداوة، سألت أصدقائي عن هذا الشاعر: " حبيب الزيودي" الذي قرأت له هذا المقطع عن مجلة ثقافية أردنية قبل أكثر من عشر سنوات؛ فلم أظفر بجوابٍ شافٍ. ظننته شاعراً كبير السنّ من زملاء طاهر رياض أو راشد عيسى ممن لم تفطن إليهم آلة الإعلام، ووصلت إلى أنه شاعر مقل كتب في شبابه شعراً جميلاً ثم سكت، كما فعل مواطنه محمد الظاهر الذي كتب نصوصاً مبهرة بعد اجتياح بيروت، ثم سكت وصار يكتب شعراً للأطفال، غير أن قهوته المرة مازالت حاضرة " الهيل" أمامي، كلما تذكرتها، والأطفال الذين حفظوها عني صاروا كباراً، وحبيب الزيودي في الذاكرة أسير الحقول والماء الشحيح وخيانات القوم. إن كان ثمة فضل يذكر للفيس بوك فهو هذا الاشتباك الافتراضي بين الأسماء رغم تحديات الجغرافيا، منهم أصدقاء تقطعت بيننا وبينهم السبل فقرب بيننا هذا الفيس من جديد، ومنهم أسماء تمنينا أن نتعرف إليهم من خلال ما كتبوه..فكان، ولا أدري كيف عثرت على صاحب القهوة المرة، وما كان أمامي إلا أن أطلب صداقته..فوافق مشكوراً، ويبدو أنني تعرفت إليه في أكثر فترات حياته نشاطاً ؛ كاتباً لعمود في جريدة الرأي الأردنية، وهنا وهناك قصاصات شعرية على (حائطه) تجمع بين الهجاء والحنين إلى المكان، مسقط رأسه العالوك، ومرثية عن شخصية أردنية وطنية: " وصفي التلّ". وكما حسبته فقد كان نصه شعراً حقيقياً خالصاً، قريباً من القلب، ينتمي إلى مدرسة الحياة التي اهتمت بالقصيدة بعيدة عن ترف البلاغة، يذكرني بنصوص الصديق راشد عيسى بغنائيتها العالية، وانتمائها للإنسان، ولهذا كانت قصاصاته التي خص بها مسقط رأسه العالوك مثار إعجاب أصدقائه وقرائه: " انا ابن الأرض والغزلان – انا غواني الصياد – في سفح خدعها/ وقد وردت على غفل ضفافا لنبعوه وهناك يرصدها/ جفلْتُ وزدتها حذرا/ فعاد يجرّ خيبته على عزفي/ وناي زائد ثقبا/ وعودينا قصورا". الخبر الذي قرأناه ونحن نتصفح المواقع في غفلة عن العيد بحثاً عن طارئ جديد في الوجع السوري لم يكن غير نعي الشاعر " حبيب الزيودي" صبيحة ثاني أيام العيد، تاركاً لأصدقائه وقرائه دهشة وحسرة، ودعاء بالرحمة والمغفرة، وعجباً لهذا الموت الذي استشعره الراحل في نصوصه الأخيرة: " الغيوم على السفح عالية والسماء قريبة / هنا: قربت متمة السنديان،على النبعِ / باغتني أول العمرِ / أو لحبٍ/ تصدع قلبي له حين باغتني البرق/ برقالتي وعدتني ولم تأت/ لم تأت،حتى أمرن قلبي على الحب والطيران.

1033

| 30 أكتوبر 2012

شارع... انحنت عليه البيوت

ينتمي الشاعر السوري فايز العباس إلى جيل باكورة الألفية الثالثة، التي قدمت إلى المشهد الشعري السورية مجموعة شعراء مجيدين، نالوا عدداً من الجوائز المحلية والعربية: " صلاح الحسن، حسين الخطيب، حسن إبراهيم، حكمة شافي، صدام العبد الله....وغيرهم ". الجيل الأكثر قرباً من تحولات سورية في خضم ثورتها الماضية من أجل الحرية والكرامة. جغرافياً؛ ينتمي فايز إلى منطقة دافئة في الحراك المستمرّ، وفي مدينة القامشلي ذات التكوين الديمغرافي المتميّز، حيث تتعايش بمحبة قوميات عرقية مختلفة (العرب ـ الكرد ـ السريان ـ الأرمن....)، رغم تيارات استقطاب تشتدّ وتهدأ بحسب المناخ السياسي. كان فايز العباس من أوائل الشعراء الذين انتصروا للثورة، وسجلت قصائده وقصاصاته على (حائطه) في الفيسبوك تضامناً مع المدن المنكوبة والمطالب المحقّة، واستطاع أن يغترف من معين الحالة نصوصاً تنتمي بجدارة إلى قصيدة الومضة التي عكف على قراءتها نقدياً الصديقان أديب حسن وهايل الطالب. وفي يومياته الممتدة أشهراً يمكن لزائر صفحته أن يقرأ نصوصاً معجونة بالواقع الساخن، إذ يتشكل معجمه في هذه النصوص من مفردات الراهن: " نزوح ـ قصف ـ طائرة ـ قناص ـ برميل ـ هدنة...إلخ". وذلك في قصاصات شعرية تحمل بداهة الشعري وقوة الإدهاش وبلاغة العادي: "لسنا من أصحاب الفيل / غير أن طيور البراميل / تحاول جعلنا عصفا مأكولا". في مقارنة ماكرة بين حالين محمولتين على سؤال الاشتباه ووجع المفارقة. فثمة أسرة سورية جديدة أفرادها: " قذيفة، صاروخ، رصاصة، برميل، قنبلة أهلا بك في عائلة الموت /هنا سوريا ". ولأن الموتى يتحولون إلى نجوم في حكايات الشرق فإن الشاعر يقارب الحالة بومضات غاية في الشعرية: "كل مساء ترتفع السماء إلى سوريا لتأخذ حصتها من النجوم"، وفي قصاصة أخرى ينذر من نفاد المجموع البشري في ظل تنامي عدد الشهداء في حصالة الموت اليومية: " عندما ننتهي من ثورتنا / سيعد السوري النجوم في سمائه قائلا: أبي، أمي، أخي، أختي، صديقي، ابن جاري،...إلخ إلخ". متهكماً من دعاة المرحلة الانتقالية: "الموت مرحلة انتقالية بعدها سنبني دولة من نجوم". لكن فايز الثائر هو فايز العاشق الذي لا ينسى نصيبه من الوجد والفقد، وفي قصاصاته أيضاً ثمة أنثى حاضرة في الغياب، يرسمها كرومانسي عتيق على جرار انتظاره: " عندما تتراقص الشمعة؛ أدرك أن طيفك يحوم حولي"، غير بعيد عن لبوس الثائر، فالثورة والحب عند فايز لا يفترقان: "أنتظرك في الأرض/ فإذا سبقك إليّ قناص الحي فسأنتظرك في السماء". يؤنسن فايز كائناته وتأخذه فكرة البيوت التي تتهدم جراء القصف، فيرسم بيوته في صور متلاحقة مختلفة، تتحاور عناصرها لتصرخ فينا ذائقة الشعر، وسذاجة الإنساني: تباً للحرب ومرحى للشعر: " يصرخ جدار البيت ألا تقع أيها المسمار/ سيعودون ليعلقوا لوحة أو صورة أو حزمة من أعواد الحرمل". ليعود مرة أخرى موسعاً إطار المشهد.. موثقاً سيرة المكان، في تفسير آخر لسيرة القصف اليومي: " كلما اغتالوا شارعاً / انحنت عليه البيوت".

398

| 22 أكتوبر 2012

لماذا المتنبي؟

بعيداً عن فوز الصيني مويان بنوبل للأدب هذا العام ؛ كانت السفيرة اللبنانية وفي ملحقها الثقافي السبت الفائت خصصت لشاعر العربية الأول ملفاً بسيطاً ، قوامه بضع مقالات أعدت على عجل ، لا تخلو من القسوة ، وكأن الملف يعيد قراءة الخريطة الديمغرافية في المكان والزمان الذي سعت فيه قدما الشاعر ، وخطت فيه قصائده ، في إشارة إلى الأحداث الجارية، حيث يرتبك وجه الجغرافيا أمام تحديات الهويات الجديدة وأحلامها الشرسة ( بحسب الروائي الفرنسي لوكليزو). كأن يكتب عباس بيضون في مقدمة الملف :" ليس دفاعاً عن الباس بيضون في مقدمة الملف :" ليس دفاعاً عن المتنبي" وكأن الرجل موضوع في قفص الاتهام ، والمثقفون يتعطفون عليه بكلمة حقّ. وبيضون يرى أن الرجل الذي :":" يهجو من مدحهم .. وهو نفسه فوق الخلق لكنه يتوسل سجانه ..واضعاً نفسه العالية الأنوف موضع العبيد" ويلفت إلى أننا نحاكم المتنبي من موقع عصر هو غير عصره. بداعي أن مفاهيم القيم تغيّرت ، وأن ما يأنفه الشاعر اليوم لم يكن في الماضي بالضرورة. بل يعيد سبب طموحه وغروره واعتزازه بذاته المتناقض في كل هذا مع سلوكه إلى طبيعة عصره ، عصر المتصوفة والطامحين من الهامش إلى سلطان مغاير ، وربما كان هذا التفسير جديداً ومقبولاً ، ولكن السؤال يبقى لماذا المتنبي؟ حاول الباحث السوري الإجابة على السؤال لأنه :" كأن من نفسه الكبيرة في جيش وفي كبرياء ذي سلطان " لأن حال المتنبي والكلام للمقداد ظلت تنوس بين الدلالة والمعنى. الدلالة بوصفها شكلاً ثابتاً ومستقلاً، والمعنى المتغير تبعاً للسياق، داعياً إلى أن تتخلص قراءة المتنبي من :" قيود السيرة الذاتية، وتأريخ الأدب". وعلى ذكر السيرة الذاتية فثمّ من رأى في حكاية المتنبي طيفاً :" هاملتياً مقلقاً يليق به الطرد وفق لعبة الحضور والغياب التي أتقنها هو واقعاً وشعرا". ذلك ما أكده ناقد آخر معبراً عن سطوة شعره العابر للزمن ". ولأن محاكمة الرجل ديدن المرحلة فقد تساءل الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين :" لو تسنى لنا اليوم من يأخذ أبا الطيب المتنبي إلى عيادة طبيب نفسي ماذا كان ليقول فيه؟" و يفترض للمعرفة بشاعر العربية أن تكون لطالب ذاك معرفتان: "معرفة باللغة ومعرفة بأحوال النفس البشرية". أتساءل عن موجبات تخصيص ملف من مقالات غير منسجمة عن المتنبي ، تتفق جميعها على النيل من الرجل ، وقد سبق أن نال وجبة ساخنة من النقد على أيدي الليبراليين العرب باعتباره شحاذاً عظيماً بحسب عبد الله الغذامي قبل أن يكون شاعرا عظيماً ، كما أن مواطنه الشاعر غازي القصيبي له ذات الموقف من الشاعر ( المتسوّل) . في ظل النشوة القومية كان المتنبي مالئ (الجرائد) وشاغل (طلبة الجامعات) لا يكاد يمرّ يوم إلاّ وشكسبير العرب يطلّ من عنوان كتاب خارج من المطبعة ، أو رسالة جامعية أو حتى مشهد درامي، كان المتنبي الأيقونة التي اجتمع عليها عرب الحلم ، قبل أن تودّع العروبة الآن معالمها ورموزها و مصطلحاتها. ولئن عاش جميع شعراء العربية و مثقفيها على مخلاة الشحاذ العظيم المنافق ، فقد جاء الوقت لـ " قتل الأب الشعري " . بحثاً عن تيه جديد أو صومعة جديدة ، لقصيدة جديدة :" غريبة الوجه واليد واللسان ".

695

| 15 أكتوبر 2012

القصر الرئاسي

في البحث عن مفردة قصر ـ في الذاكرة لا في غوغل ـ أجدني ذاهباً إلى ماركيز في رائعته "خريف البطريرك": "انقضت العقبان على شرفات القصر الرئاسي خلال نهاية الأسبوع، فحطمت شباك النوافذ المعدنية بضربات مناقيرها، وحركت الزمن الراكد في الداخل برفيف أجنحتها، ومع بزوغ شمس يوم الاثنين استيقظت المدينة من سبات قرون عديدة على نسمة رقيقة ودافئة نسمة ميّت عظيم ورفعة متعفنة". تذكرت ماركيز وروايته التي قرأتها قبل نحو خمسة عشر عاماً عندما اتصل بي الصديق التونسي عادل طاهر ماني زميلي في المدرسة ؛ ودعاني إلى متابعة حصة تليفزيونية على إحدى قنوات البث الفضائية التونسية، تقف على قصر الرئيس التونسي السابق الذي أطاح به الربيع العربي في هبوبه الأول. استطالت الحصة أكثر من ساعة، والمقدم يتجول في قصر سيدي الظريف بين غرفه ومقاصيره وردهاته وساحاته، مشيراً إلى الأثمان الخيالية للتحف وقطع الأثاث والبذلات الرسمية، والخزينة التي تختفي وراء مكتبة وهمية، والإطلالة الرائعة على المتوسّط. كانت ساعة من البهجة البصرية التي يتبعها السؤال العربي: "من أين لك هذا"؟. وتسأل عن البناء الأول الذي اغتر به صاحبه؟ أهو بناء الفرعون الذي طاول به عنان السماء، وأغرى نجيب محفوظ أن يجعله أحد حرافيشه؟ أم أصحاب بابل وهم يزرعون الأشجار في الطوابق العليا؟ أم الإغريق؟ أم صاحب الإيوان الذي تركه هارباً، وجاءت الآيات التي قرأها قائد الجيش المسلم سعد بن أبي وقاص: {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} جاءت عبرة لكلّ من يعتبر. كان ماركيز يروي السيرة الذاتية لجنرال عالم ثالثي يحكم إحدى دول أمريكا اللاتينية، وفي المقابل كانت السيرة الذاتية للقمع والديكتاتورية، مجموعة هائلة من الخطايا التي لا تكفيها كلّ مشانق الإعدام، غير أن الجنرال يموت ولا يحس بذلك أحد، ولم تدلّ عليه حتى منسأته، إلا العقبان التي استشعرت الجيفة، وكان يمكن أن يحصّن قصره بالعدل، وأن ينام "قرير العين هانيها". قارن شاعر لبنان الأخطل الصغير بين حياة الرئيس وحاشيته في القصر؛ وبين حياة الشعب البائس قبل قرابة قرن من الآن، ولم يستفد منها الحاكم العربي الذي لا يقرأ إلا تقارير عن شعبه الذي يقلقه: قل للرئيس إذا أتيت نعيمه إن يشق رهطك فالنعيم جهنّمُ أيطوّف الساقي هنا بكؤوسه ويزمجر الجابي هناك ويرزم؟ ربما سيعرف هذا من زار المقطم، ورأى قصر محمد علي ومن جاء بعده، ورأى نفائس التحف، وصورة الخديو إسماعيل بعينين برّاقتين تراقبان الزائر حيثما كان. *** وربما سيعرف صديقي أن قصر سيدي طريف سيكون أحسن حالاً من قصور أخرى كانت صروحاً قبل الحرب في سورية ثمّ هوت، فالحرب الدائرة في بلادي لا تدع حجراً على حجر، فهناك أكثر من بناء أثري معرض للمحو عن ظهر الوجود، غير النهب الممنهج والمزمن للتحف الأثرية. كلّ ذلك التدمير حقن بكراهية سوداء، رغم أن الشاعر اللبناني (أيضاً) إيليا أبو ماضي يقول: "أحبب فيغدو الكوخ قصراً نيّراً". هو القصر مرة أخرى؛ غير أنه قصر الشاعر.

674

| 09 أكتوبر 2012

في النزوح تخرج قصيدتي

في وسعنا القول إن ثمة نصوصاً واكبت الحراك السوري الطويل في مسعاه إلى الحرية، وما استتبع ذلك من نزف طويل، وعذابات مختلفة يشهدها السوريون.. ومازالوا. النص الأدبي رافق الثورة منذ بداياتها؛ وتمكن في هذا السياق قراءة نصوص لإسماعيل الصمادي وطه خليل وريبر يوسف في أثناء الحراك السلمي أدانت القمع الأمني، وبشرت بغد جديد. وتتالت نصوص أخرى مع تجذّر الثورة، وكتب " خلف علي الخلف، حسين الشيخ، حسان عزت، محمد المطرود.. وغيرهم " وقرأنا مقاطع جميلة على مواقع التواصل الاجتماعي لمحمد علاء الدين عبد المولى، تمام تلاوي، فايز العباس، صدام العبد الله، عارف حمزة، عمار الجمعة، أحمد الشمام.. تناغمت فيها قصائد النثر مع شعر التفعيلة في قراءات يومية للأيام السورية الدامية. غير أني هنا سأتحدث عن اسمين، لشاعرين شابين من جيل واحد؛ جيل العشرية الأولى من الألف الثالثة، لأكثر من سبب ؛ في أنهما ينتميان إلى المناطق الساخنة، وأنهما يكتبان تحت مظلة الموت الذي تعرضا له، وأنهما كتبا نصوصاً طويلة تستوفي المعاناة، وتذهب إلى الجمالي فيها. من حمص يأتي حكمة شافي الأسعد، الشاعر والأكاديمي، وعلى الطريق الواصل بين حمص ودير الزور كان الأسعد إنساناً وشاعراً وسورياً، يقرأ بلاده بوجع وأمل، الشاعر حمصي ويدرّس في جامعة دير الزور، والمدينتان أسهمتا إسهاماً واضحاً، وحين يصبح الهروب من القصف نزوحاً، يكتب الأسعد: " في النزوح أسمي هذه الغرفة: (بلاد الله الواسعة) / وأبحث عن خريطة وقاموس كي لا أضيع في (بلاد الله الواسعة) / في النزوح تحتجّ عشرون نملة في صدري تطالبني بحبة قمح ضائعة / في النزوح تخرج قصيدتي من بيت رعويٍّ مفردٍ في الصحراء/ فتشبه حائطَ لِبْنٍ آيلٍ للسقوط أو للنسيان ". ولكنه في نصه الثاني في مرثية الشجرة التي اقتطعت جراء القصف يتحفنا بنص يتجاوز محايثة اليومي إلى رؤيا جديدة تتساوق والحراك السوري: " أرثي شجرة الزنزلخت / شاهنشاه الطبيعة / وخاتون الممالك الخضراء / أرثي شجرة الزنزلخت كأنها الشهيد الأول والشهيد الأخير/.....عليها أسند حفار القبور ظهره بعد ثلاثين قبراً/ عليها بدأ طائرٌ عشّه، ولم يكمله...كيف لا أرثي شجرة الزنزلخت وقد ماتت لتحميَني من الرصاص!". ومن حلب يأتي صوت حسن إبراهيم الحسن الذي يعايش القصف يومياً رافضاً أن يغادر المكان رغم مناشدة أصدقائه أكثر من مرة، تغادر عائلة الشاعر حي هنانو ويبقى وحيداً يسجل يوميات القصف والشهداء: " في الطابق الخامس من (هنانو) يسكن لص الكلام / يسرقه من الهواء الملوث برائحة البارود / يسرقه من الطيور الهاربة عن أفراخها بعد القذيفة". ويكتب عن الحصار نصاً رائعاً يتجاوز فيه كصديقه الأسعد واقع الحال إلى فضاء القصيدة: " في الحصار / أعُدُّ الشظايا التي أخطأتني، أعُدُّ.. ثيابَ ابنتي فوقَ حبلِ الغسيلِ / أنادي (فساتينها...لا تردُّ / أعُدُّ الأصابعَ بعدَ القذيفةِ /دقاتِ قلبي/ ضلوعي /أعُدُّ.. هنا في (هنانو) البيوتَ التي لاتزالُ / على ضفَّةِ الرعبِ بعدُ/ أعُدُّ المساجِدَ، أو ما تبقّى، أعدُّ الدروبَ التي تستَعِدُّ.../أعُدُّ.. أعُدُّ.. لأنسى الضحايا / وليلَ الحصارِ الذي لا يُحَدُّ / أعُدُّ الحقوقَ التي لا تُبَاعُ / ولا تُشْترى..إنَّما تُستَرَدُّ،/ أعُدُّ حروبَ الطوائفِ؛ كم دحرجتنا! كأنَّا على الأرضِ نَرْدُ / أعُدُّ.. إلى أنْ يَعِي المستبدُّ.. بأنَّ الذي ظنَّهُ الجزرَ مدُّ".

402

| 02 أكتوبر 2012

عن الرسم الذي دثر

لا أدري البيت الأوّل الذي تهدّم كعقوبة فرضتها جهة محاربة ، أو سلطة مهيمنة ، قبل أن تعدّ اتفاقية جنيف أنّه:" "لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً " . كلّ ما أعرفه أنّ بيت سعد بن ناشب المازني قد تهدّم في غروب المائة الهجرية الأولى ، بأمر من الحجاج الذي اتخذ من هدم البيوت عقوبة للمتخلفين عن اللحاق بجيش المهلب بن أبي صفرة . كان سعد بن ناشب صديقنا في منهج الثالث الإعدادي إذ تعاطفنا مع بطلنا الجديد هذا الفاتك البدوي وهو يتصدى للطاغية ، و يغمز من قناته بقصيدة بائية ..كان لزاماً علينا حفظ أربعة أبيات منها ، نردد بعض أجزائها في معارك المراهقين المرحة :" سأغسل عني العار بالسيف جالباً " أو في المساجلات الشعرية التي تستطيع فيها قضم الفاء إذا كان خصمك طيباً :" فإن تهدموا بالغدر داري فإنها / تراث كريم لا يبالي العواقبا " ، وإن حصرك خصمك في زاوية الدال ؛ فستعود إلى المنهج ذاته مستعيراً من قصيدة أبي سلمى الفلسطيني :" داري لئن هدّمها ظالم / في كفّه مدية جزار " دون أن نفكّر بالتناص الواضح بين شاعرَين متوعّدَين وطاغيتَين مهدّمَين . ليس من باب النكتة أن يصرخ الراحل محمد رضا في " الراقصة و الطبّال" :" من هدّ وجد" ، مستجيباً لسخرية قديمة دعا صاحبها أن يترك الشعراء البكاء على الرسوم الداثرة ، وجعلها " تقاسي الريح والمطر" ، الفرق بينهما أن أبي نواس تحدث عن أطلال دارسة بفعل الطبيعة ، لم تنهمر عليها براميل الــ T N T ، و لم تعضّ جدرانها الجرّافات، أو تطعنها القذائف البعيدة ، بينما يفكّر محمد رضا ـ في الفلم طبعاً – في هدّ بيوت الفقراء ليبني مكانها عمارات السوبرماركت التي وشمت جمهوريات الانفتاح الديمقراطية الشعبية ، بينما أقرأ نتائجها في الآتي ، مستعيراً كلمات على صفحة الشاعر السوري عارف حمزة :" البيوت أيضاً ماتت بسبب القصف / لذلك ذهبنا ودفناها/ قبل أن تبدأ هي أيضاً بالتنفّس / إذا مات البحر ماذا سنفعل ؟ قلنا لبعضنا ونجن نسير خلف الجنازات " ، وكما في الشعر بيوت صالحة لسكن المعنى دون الناس ؛ فإنّ في الفيسبوك حيطاناً صالحة لأن تكون عزاء ، دون أن تظلّل أسرة هجّرها القصف . وفي الفيس بوك التقطت صديقين هاربين من بيتيهما في جرمانا والحجر الأسود إلى مناطق أكثر أماناً ، الشاعر الفلسطيني عمر محمد جمعة أخبرني أن مقر رابطة حمص للخريجين التي جمعتنا في لقائنا الأول قد دُمّرت تماماً ، كما أخبرني أن بيت صديقنا الروائي أيمن الحسن قد سُرق بيته بعدما تركه هارباً بأولاده إلى القرى المجاورة ، وغير بعيد وبلادي تدمّر بأيدي أبنائها ، أمرّ على طلول امرئ القيس وزهير وطرفة ، باحثاً عن الديار التي شغفت منا القلوب ، عن جامعة حلب و الكلاّسة و الحيدرية و الوعر والقابون والصاخور، باحثاً في دفاتر الذاكرة عن بغداد التي دمّرت اثنتين وعشرين مرة ، عن ميا فارقين -من يعرف الآن ميا فارقين ؟ - عن المكان ثابتاً ومتحولاً، متذكراً صديقي الشاعر المغربي لبكم الكنتاوي وهو يهذي بالجدران كعلامة من علامات التحوّل :" عمْتِ حائطاً / يا جدتنا الحروب".

1144

| 25 سبتمبر 2012

على وهنٍ كأن الحزن تحتي (3-3)

"على أن قرب الدار ليس بنافع "، نعم هذا ما يقرّه السوريّ المغترب، لا لأن من نهواها ليست بذات عهد، بل لأنها أغلقت علينا بوابة الاحتمالات، وتركتنا أمام ترف الهجرة المستدامة، نحتال على الحزن والقلق وأخبار الموتى القادمة من هناك، وهناك تحضن قبة السماء بقوس يديك منتظراً دامعاً قانتاً منتظراً متوجّساً...تغرف من ذاكرة هرمة كلاماً يخرم القلب، لعلّك في غمرتها تنسى مآسي القصف والتفجيرات والنازحين إلى الجهات الأربع. ستقول هنيئاً لمن مات على سرير المرض يقضي الساعات الأخيرة بين الأمصال وأنابيب الأوكسجين، ومخاوف الورثة، ستبكيه النوادب، ويكبّر عليه أربعاً، ويعزّي فيه المعزّون، ثم بعد حين.. ستقول هنيئاً لمن قتل في الحرب برصاصة في الرأس، سيلفّ بالعلم، وتراه أمّه قبل أن يوارى الثرى، وتزغرد فوقه النساء، ويسكن بيته الجديد وحده، وقد كتب على الشاهدة: الشهيد فلان استشهد يوم كذا بتاريخ كذا، ثم ستقول هنيئاً لمن قتل في مجزرة.. على الأقل ستتعرف إليه في قبر جماعي، سيوثّق موته في صورة أو سجلّ. ستزوره أمّه مع أمّهات ثاكلات يتبادلن الوجع.. شاهقاتٍ: " إنّ المصائب يجمعن المصابينا "، سيتجاور الشهداء في أخدود عامرٍ بالدمع، ربما ستصطف عليه شجيرات السرو أبعد سنوات. سيقولون سرو الشهداء أو صفصافهم، ربما هجعت هناك الطيور وعادت بأخبارهم الطيبة، وستقول هنيئاً قتل وعاد جزء منه إليهم، رأسه، جسده المشوّه أو حتى " سلاميّة من أصابعه " على حدّ قول الشاعر السوري محمد علاء الدين عبدالمولى. ألمّ أقواسي مثنى مثنى، لأعيد الكلمات إلى حظيرة النصّ، أحاول أن أبكي..قليلاً. كان محمود السلوم معلّماً لمادة الرياضيات في قريتي، وله فضل على أولادي وأولاد القرية، على أبواب الشهادة الإعدادية تعهّدهم سنة بعد سنة.. وساعدهم في التحصيل العلميّ العصيّ على أبناء القرى، كثير ممّن درس على يديه وصل إلى الجامعة. الأستاذ محمود فقد حياته في خضم الأزمة إثر رصاصة غادرة، تاركاً أسرة لم تزل بعد في حاجة أن تتكئ على معيلها، وعلى سبورة الصف سيكتب الأحياء أسماء كثيرٍ من الشهداء الذين قضوا، طلاباً تحت القصف، ومعلمين بنار القنّاصة، فيما بعد...كم يلزمنا من الوقت لينسخ طلابنا أسماء ثلاثين ألف شهيد، كم يلزمنا من الدفاتر لنرسم وجوههم بأفواه مبتسمة، فالموت صار سريعاً في بلادي.. بسرعة عشرة شهداء في الساعة، ولأن معلم الرياضيات قد رحل ؛ فمن يستطيع أن يحسب مساحة دائرة قطرها خمسون شهيداً، كما سألنا الشاعر محمد المطرود. على أنّ قرب الدار خيرٌ من نزوحٍ إلى خيمة في الصحراء، فما أوسع خيمة الله! وما أضيق خيمة اللاجئ حين تكون مجرّد رقم في سجلات الإعاشة، ومجرّد كومبارس في عراضة ومجرد لون في الموشور السوري المنكسر على مِلَل الشرق ونِحَله، رغم كلّ ما انهتف به بداية الثورة..واحد..واحد..واحد. *** ووجدتني أعيد المرآة إلى الجدار، وأعبر مثل كلّ العابرين إلى القادم الحلم / الكارثة، رافعاً أغنيتي بطاقة صفراء في لعبة مفتوحة على الوقت والاحتمالات، تاركاً حصان الريح يعبّ قلق الجهات، موصياً: " كلّما كثرت الدوائر المتقاطعة قلت بينها العناصر المشتركة... ولكنها في المقابل تشكّل وردة رائعة...فيا أيها السوري لا تبحث عن الفرق بينك وبين أخيك.. ابحث عن قلبك..ليكن قلبك هو البوصلة".

540

| 18 سبتمبر 2012

على وهَنٍ كأنّ الحزن فوقي (2 - 3)

كان لنا خيمة يا صاح، ليست خيمة.. بل بيت شعر مثولث أو مخومس.. لا أذكر تماماً، بيت شعر بفتح الشين وبمساحة شقة واسعة، يرحل مع جدي وأغنامه في الشمال السوري الخصيب، ويوماً نزل في قرى قبيلة عنزة وكنت دون السادسة أرافق جدي في الربيع البدوي الفاتن، ندعى إلى ولائم الربيع البهيجة، وعيناي تائهتان في السقف المجدول من شعر الماعز دون أن ألتفت إلى قصعة الطعام. كان الرجال يلتهمون الثريد واللحم بنهم، وجدي يلكزني بشدة منبهاً ومغتاظاً من شرودي، وأنا سارح في بيوت الشعر السوداء.. بمضاربها التي طالما تعثرت بها وكلفني ذلك شدخاً بسيطاً في رأسي، وبالأعمدة التي تنتصب في الوسط، بالمثلثات السوداء المتناغمة مع قبة الفضاء الأزرق وخط الأفق النحاسي. كانت الخيمة قصر البدوي، تستاهل أن تغني لها سميرة توفيق (بيت الشعر يا الدوني / ع ولدكم دلوني) مشفوعة بغمزة خاطفة، تستـاهل أن ينسب إليها شاعر معاصر حبيبته ويغني "رُلى عربٌ قصورهم الخيام // ومنزلهم حماةٌ فالشآمُ". كان لنا خيمة واسعة يَدرُجها جدّي وأخوالي جيّداً عندما يعودون إلى بيتهم في القرية الفراتية ويضعون تحتها الأعمدة والأوتاد ويربطونها بالحبال. لم يرحل جدّي بعدها، ثمة عشبة سامة أتت على أغنامه، ذبحها على دفعات، وأكلنا لحماً لأيام عديدة، وأخي الأصغر قال لجدّي: "لم نشبع بعد، اذبح لنا الكبش". ولكنّ بيت الشعر ظلّ، كما ظلت بيوتٌ كثيرة لم تعد تنصب إلاّ في طقوس العزاء، صار اسمها بيوت العزاء، وحلّت محلّها الخيام التي باتت تذكرنا بفلسطين أيقونة العرب وماساتهم ومشترك آلامهم، قبل أن نقرأ خيمتي غسان كنفاني (خيمة اللاجئ – خيمة الفدائي) وقبل أن نذوق معنى الخيمة في معسكرات الجامعة التي تعلمنا فيها معنى فصيلة وسرية وكتيبة. في تلك الأيام وفي ربيعٍ خصب، تناثرت حول حقولنا خيام غريبة، كنا نذاكر لاختبارات الجامعة نمشي بين الزروع حاملين مقررات الجامعة، نعب نسيم نيسان حالمين بحياة الموظفين، يومها تشاجر أهل القرية مع الغجر كي يرحلوا، الغجري قال لهم كم تريدون نقوداً ثمن إقامتي هنا؟ فرد أحدهم إن كان عندك نقود فلماذا لا تشتري بيتا؟ يومها عرفت معنى آخر للخيمة العابرة التي تقدم اللذة مقابل المال المتدفق في مواسم القمح. كانت (الحجيات) يشكلن فضاء متعة عابرة لفلاحين علاقتهم بالمال عابرة أيضا. في عام 2008 عدت من السفر، وكان علي أن أزور بعضاً من أقاربي الذين سكنوا حوران، بعدما عمَّ الجفاف الجزيرة السورية، وفي قرية صيدا بالضبط إحدى أهم القرى التي خلدتها الثورة. كانت خيام أقاربنا متجمعة شمال القرية مسافة ألف متر تقريباً، خيام تشكلت على عجل، تؤوي أسراً صغيرة تذهب منذ الصباح في قطاف البندورة (الطماطم) والبطاطا وباقي أنواع الخضار المصدّرة إلى الخليج، وتعود مساء لتنام في خيمة كُتب عليها "هنا مكان عاملات وليس حجيّات". قبل أن يرفع السوريون شعار (الموت ولا المذلة) حالمين بحياة جديدة، يرتفع فيها منسوب الكرامة قليلاً، وقبل أن يكلفهم ذلك الرحيل المتدفق في الجهات الأربع، ليقيموا في مخيمات آمنة، عرف الذل طريقه إليها وكأن الشعار تحول إلى "المذلة ولا الموت". إلى الحد الذي باتت فيه أيقونة المخيم في النص الغائب للأزمة في سوريا فتاة في سن الزواج، وفي انتظارها شباب العرب الراغبون في المساعدة، وفي أذهانهم حسناوات باب الحارة. كتب الناقد السعودي سعيد السريحين في قراءته لقصيدة الفرزدق الشهيرة عن الذئب عن ذئبية الضيف، وكتب الناقد العراقي فاضل العزاوي في كتابه يوسف والبئر عن الوقوع في هوى الغريب، ولكنهما لم يكتبا عن ذئبية المضيف، الذي لم يفهم أن اللاجئات السوريات لسن سبايا.

965

| 12 سبتمبر 2012

على وهنٍ كأنّ الحزنّ فوقي " 1-3"

أهرب من الكتابة ، الكتابة مرآة .. و لا أريد أن أرى وجهي ، ثمة جمل أخرى تريد أن تتسلّل في رحلة اعتراف ..أقمعها بهدوء ، أشوط حزني برفق ، وأحاول أن أكتب ولو سطراً واحداً ..إن لم تكتب عمّا يجري فاكتب في أيّ موضوع ..اكتب عن الروايات التي قرأتها مؤخّراً ..اكتب عن مناسبة أدبية ما ، اكتب عن الدراما ..عن الفيسبوك ..عن أيّ شيء قرأته أو قرأت عنه مؤخّراً .. اكتب قصيدة ..ما إن تبدأ على وزن فعولن فعولن حتى يسيل المجاز وتنهمر الصور .. اكتب :" أنا يا حزن من طين وماء " اجعل القافية مكسورة ..ماذا لو أكملت : " فلا ترمِ نهارك َ في فضائي "؟ لا لا المعنى غائم ، اكتب " وخبزي ضلّ عن معنى انتمائي " .. لا اجعل الشطر الأول بيتاً بحاله ، لو بدّلت كلّ دقيقة فليس هذا بشعر ، الشعر أن تجيش روحك بالمعاني وأن تأخذك رغماً عنك إلى نار خضراء تلقي فيها عصاك وتعود أفعى تلقف الحصى والشجر وترقص في بريّة الجمال والحقّ. أهرب من الكتابة ، ثمة عبارة قرأتها قديماً عن جان كوكتو :" الكتابة ليست سجّادة فارسية ، الكاتب كالطائر كلما طاردته كتب أفضل " لم أقرأها في كتاب لكوكتو ، قرأتها كمقدمة وضعها عبد العزيز المقالح لكتاب نقدي أصدره في دمشق ..لم أعد أتذكره ..أستعين بعمّنا الـ " غوغل " ..نعم تذكرت " الشعر بين الرؤيا و التشكيل " وأظنه صادراً عن دار طلاس ..أعود إلى " غوغل " لأسأله فيؤكد لي نعم وقد صدر عام 1985 ..ألا تلاحظ دلالة الكلمات " فارسية ..المقالح .. طلاس " كلها تشير إلى ما يجري . كلها تشير ؟ أي شيء في حياتنا اليومية لا يشير إليها ؟ اسمع : أول زيارة لي إلى حلب كانت إلى الصاخور كنت دون العاشرة ، ويومها أكملت قراءة القرآن الكريم وقرأت بطلاقة نصاً في كتاب ابن عمّي الذي يدرس في المدينة الكبيرة ، ويأكل خبز الطابونة. في الشيخ نجار يقيم عمّي الآخر ، في الحيدرية والهلّك وطريق الباب ثمة أعمام آخرون ، في حريتان دعاني صديقي رضوان رضوان إلى غداء أيام الجندية ، ثمة عائلتان في القرية عائلة نعناع وعائلة رضوان ، في جارتها عندان زرت صديقي محمد بشير مدرس اللغة العربية ومن خلال أسماء الطلاب عرفت أنها ربما كانت مسقط رأس اللاعب الشهير عبد الفتاح حوّا. في غويران بالحسكة أقمت سنتين وعشت مع أهلها وتعلمت مع أصدقاء قاسمتهم الحرمان والأمل ، في غويران تعرفت إلى معلمي الأول الذي وجدت فيه أباً ودليلاً إلى الشعر و الأدب و الحياة . في الوعر بحمص أقمت ستة أشهر في الكلية الحربية جندياً يتعرف معنى العقوبة العسكرية والشعر الحقيقي "حمص مدينة شعر" وفي حمص كان صديقي الحلبيّ ينادي من : " عيسى ى ى ى أيش معنى ط ط " فأقول له بابتسامة خجول قادم من الريف طالب طعام يا صلاح .. ويضحك الجميع . في دمّر بدمشق أقمت سنة ونصفا ، في سراقب أقمت ساعتين مع عبد الرزاق أحب أصدقائي إليّ ، في القابون والمزّة والحجر الأسود والقدم ثمة الصور والوجوه .. أي مكان لايشير إليها ؟. أهرب من الكتابة .. أهرب من الاستعارات والكناية ، أهرب من مكياج اللغة الباهت، أقرأ نصاً لنوري الجراح، نصوصاً أخرى تفتح كوّة في نافذة الهمّ على بلادٍ تسير إلى جلجلتها، وأتذكر عنوان ديوان شعر لشاعر سوري اختصر كلّ الأسئلة :" ترسلين سكيناً أرسل خنجراً ".

183

| 04 سبتمبر 2012

وأنتم بخير

1970 كنت في السابعة، ربما أكبر قليلاً، القرية المطلة على الفرات تستعد للعيد، وأحد أجدادي يخصص نعجتين للذبح، فوليمة العيد حقّ معلوم لهم، ونحن الصغار ننتظر المصلين ليخرجوا من المسجد لنلحقهم إلى بيت الجدّ، الكبار يدخلون إلى البيت، ونحن ننتظر وقوفاً، أو نتحلق في دوائر منتظرين عودة مناسف الطعام شبه الفارغة والعائدة من معركة حقيقية لم يبقِ فيها الرجال إلا الثريد. ولم يكن هناك فرح يماثل فرح أطفال القرى الفقراء الظافرين بوجبة إفطار العيد قوامها خبز منقوع بحساء وعظام عليها بقايا لحم، وقطع معدنية من فئة الفرنك أو الفرنكين النحاسية، ينثرها فوقنا بعض الرجال المقتدرين بعد أن يفكّوا ليرة سورية أو خمس ليرات، مردّدين عبارة "عيدك مبارك" أو عبارة الردّ "أبرك الأعياد علينا وعليك" عبارات نردّدها في درس تقوية خاص تعطيه لنا الأمهات كي لا يتعرض الأبناء إلى النقد بين أفراد القبيلة. 1974 طاف الفرات في غير موسم المطر، تناثر الأهل في جهات البلاد، وباتت أغنية ( مندل يا كريم الغربي ) مناسبة للحنين والبكاء. أخذتنا سيارات مختلفة إلى بلاد جديدة بعدما ذابت القرية في حوض البحيرة الجديدة، وتجمّع عربان الوادي في قرى جديدة أنشئت على عجل في الشمال البعيد، وهكذا سكنّا بيتاً جديداً مسقوفاً بـ(الكونكريت ). في قريتي الجديدة لم يكن هناك من يولم لقرية كبيرة لا تكفيها نعجتان، ولكن قبائل القرى المتجاورة كوّنت عرفاً جديداً، يطوف فيه الجميع على البيوت. بينما الصغار يستعدون بأكياس كبيرة لقطع الحلوى المختلفة. 1999 غادرت إلى الدوحة ، كنت في الثالثة والثلاثين، وكان العيد الأول خارج البيت، شاهدت باكستانيَين يتعانقان بفرحٍ عارم في العيد، واكتشفت أن الغرباء يجيدون الفرح، كانت عيديتي أن أسمع صوت أمّي الذي يأتي من بعيد، وكنا نكابر معاً، هي تمزج نبرة الفرح بصوتها المثخن بالحزن وأنا أقهقه عالياً. ومع الوقت لم أعد غريباً على الدوحة، كثير من الأعياد مرّت بسلام دون حزن، بضع مكالمات هاتفية وينتهي الأمر. 2012 البلاد تنزف على مسافة ثمانية عشر شهراً، رمضان مرّ سريعاً، بسرعة عشر شهداء في الساعة، لم أعد غريباً، بات الوطن كله غريباً، غريباً على ذاته وجيرانه ومحبّيه، صار الموت ضيفاً دائماً على المائدة السوريّة ، ولا بدّ أن يأخذ ( ضيافته ) في العيد الجديد، لم أعد غريباً، ولكني لم أعد أسمع صوت أمّي هناك. الغرباء يجيدون الفرح و البلاد كذلك، فكل عام و أنتم بخير.

665

| 21 أغسطس 2012

alsharq
سابقة قضائية قطرية في الذكاء الاصطناعي

بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...

2355

| 30 نوفمبر 2025

alsharq
أهلاً بالجميع في دَوْحةِ الجميع

ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...

1125

| 01 ديسمبر 2025

alsharq
الكلمة.. حين تصبح خطوة إلى الجنة أو دركاً إلى النار

في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات، وتُلقى فيه الكلمات...

639

| 28 نوفمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

615

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
المجتمع بين التراحم والتعاقد

يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...

564

| 30 نوفمبر 2025

alsharq
التوافد الجماهيري.. والمحافظة على السلوكيات

كل دولة تمتلك من العادات والقواعد الخاصة بها...

495

| 30 نوفمبر 2025

483

| 27 نوفمبر 2025

alsharq
أيُّ عقل يتسع لكل هذا القهر!؟

للمرة الأولى أقف حائرة أمام مساحتي البيضاء التي...

447

| 26 نوفمبر 2025

alsharq
بكم تعلو.. ومنكم تنتظر قطر

استشعار نعمة الأمن والأمان والاستقرار، والإحساس بحرية الحركة...

447

| 27 نوفمبر 2025

alsharq
المتقاعدون بين التسمية والواقع

يقول المثل الشعبي «يِبِي يكحّلها عماها» وهي عبارة...

438

| 30 نوفمبر 2025

alsharq
إعدامات في الظلام وصرخات خافتة!

أكدت اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، في المادّة...

429

| 28 نوفمبر 2025

alsharq
الغائب في رؤية الشعر..

شاع منذ ربع قرن تقريبا مقولة زمن الرواية....

411

| 27 نوفمبر 2025

أخبار محلية