رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أيقونة البوعزيزي

حاضر الشاعر والناقد البحريني حسين السماهيجي صورة البوعزيزي في الشعر العربي في السنتين الأخيرتين، حيث أشعل البوعزيزي باشتعاله جذوة الثورة التونسية فالعربية، وشهدت الحياة العربية الغارقة في جمودها هزة نوعية تبعثرت فيها مفاهيم كثيرة، وحضر الدم سخياً وغزيراً في معظم البلدان العربية خصوصا في سوريا وليبيا، واستأثر الربيع العربي بإعلام الأرض معظم أيام السنتين الفائتتين. يذهب الصديق السماهيجي إلى أن صورة البوعزيزي كانت حاضرة كأيقونة في نصوص شعرية عربية من مختلف الأقطار في احتفالية شعرية قل نظيرها، وأن هذه الأيقونة رسمت بطرائق مختلفة لدى الشعراء الذين اصطفاهم لدراسته: "كريم رضي – سامي نصر - المنصف الوهايبي". منها ما اتكأ على الحدث، ومنها ما بني عليه، مشيراً إلى لبس في رؤية الشعراء للبوعزيزي النائس بين تجلي العادي ووهج الأسطوري. ورغم أنه من المبكر معالجة شخصية اعتبارية في مشهدية الربيع العربي كالبوعزيزي فإنه من المبكر الحكم على التجربة الشعرية في قراءة البوعزيزي والربيع العربي عموماً، فالنصوص التي كتبت حتى الآن مرتجلة، احتفائية، غنائية، سجلت مشاركتها في الربيع العربي، بغض النظر عن مسعاها الفني إلى شعرية جديدة مفترضة، كما حدث قبل عشرة أعوام من حادثة البوعزيزي حين قضى الطفل الفلسطيني محمد الدرة في مشهد قطفته عدسة مصور وكالة الأنباء الفرنسية، وانتقلت إلى الشعر فرسمه في احتفائية نادبة مستصرخة، شاركت مع حراك الشارع العربي الثائر، لكنه سرعان ما رمى هذه الأيقونة جانباً، في خضم تسارع الأحداث التي خرجت عن سكتها السابقة شرقاً في بضع سنين كانت فيها عاصمتان من عواصم الشرق تنوءان ترزحان تحت نير الاحتلال الأمريكي. لقد كان البحث عن بطل هاجس قصيدة الستينيات، فاستحضر شعراؤها صور شخصيات من التاريخ العربي نسجتها في ثياب أساطير شعرية، بل بحثت في أساطير غربية عن شخصيات ترسم أيقونتها بألوان عربية، حيث كان الهاجس الفني والفكري لتلك المرحلة صناعة مثال إيجابي مؤثر في إطار تثقيفي يتناسب وإيديولوجيا اليسار العربي، الذي بات يذوى رويداً بعد هزيمة 1967 ملهماً شعراءه نصوصاً غنائية عذبة، سرعان ما فاجأها المشهد السبعيني الذي أعلن قطيعته مع التاريخ وبحث في أسئلة الشارع عن إحداثيات قصيدته. وأمام تزاحم الأشكال الشعرية، وذهاب الجمهور إلى أجناس أدبية أخرى كالرواية أو فنية كالسينما أو قصيدة النبط في الخليج العربي؛ فإن القصيدة العربية وجدت في تحررها من (الغاوي) فرصة للتجريب، ورغم المنشطات التي حقنتها المسابقات المختلفة في وريد الشعر العربي إلا أن ظروف الحياة جعلت أسراب الشعراء يغادرون الصفحات الثقافية ومنابر الأدب التي باتت موسمية، وبدلاً من أن يكون الشعر مطبخ القيم كما يرى عبدالله الغذامي في نظرته إلى الثقافة العربية القديمة، فإن مطبخ القيم تغير إلى بيت جديد، وبات الناس والشعراء أسرى شلال الصور المتدفق عبر الفضائيات التي تقود الشعوب وتنمذج أنماطاً مختلفة لأمثلة عابرة.

461

| 30 مارس 2013

مضى عامان يا أمّي

في كلّ اتصال هاتفي تختم سلامها بأمنية أن تراني قبل أن تموت، يعزّ عليّ سماع العبارة الأخيرة، فأقفز إلى جواب مُطَمْئِن هو أن مجرّد وجودنا أحياء حتى الآن هو الخير كله، ومن الطمع أن نطلب أشياء باتت تعد من الرفاهية في عرف الشعب السوري، ومن الطبيعي أن أحس بالخجل لحالٍ مثل حالي بينما عشرات الآلاف من السوريات فقدن أولادهن في متوالية الموت السوري. فقدت أمي زوجها مبكراً ، كنت في السابعة عشرة وخلفي سبعة إخوة أصغرهم مازال رضيعاً، وعانت في تربيتنا ما عانت، واستطاعت أن تبني أسرة صالحة ينتفع بها المجتمع، منهم إمام المسجد والطبيب والمعلم ورجل القانون. ولعلّي كمعظم السوريين المغتربين الذين أمضوا سنتين أو أكثر دون أن يزوروا البلاد، وننظر بأمل أن يكون صيف سورية هذا العام بارداً على قلب السوريين، فأستطيع أن أقبل يدي أمي، وأشرب الشاي في حضرتها، و تحكي لي عن الصبر والأمل. وبعد سنتين من المخاض السوري الصعب، أجدني في حضن أمي الكبرى، أقترب من سوريتي، رغم خوفي عليها من فاتورة باهظة، تضاف إلى مدونة الكارثة التي نعيش تفاصيلها، بدا فيها أنّ الموت ليس أسوأ شيء في حياة السوري اليوم ، فثمة التشرد والنزوح والمرض ، وثمة ذلّ لا يتناسب وصرخة الكرامة الأولى، ثمة جوع وأطفال لم يتعلموا شيئاً منذ سنتين أيضاً، ثمة ملايين طرأت تغيرات حادة على حياتهم، ثمة بيوت صارت حطاماً، وأمسى كلّ أهلها في ذمة التراب، عائلات شهيدة ومدن شهيدة وبلد شهيد، لم يعد للسكود من رادع، ولا للبراميل من مهرب، و الطاغية في غيّه. مضى عامان، ومهجر نزار قباني صار حلماً فارهاً لولدٍ في بلاد الفرنجة، يترك المعجنات الحافلة بما لذّ وطاب، ويحن إلى عروسة الزعتر، فليأتِ القباني ويرى بأمّ عينيه أولاداً ينتعلون أكياس النايلون ، ويحملون قصعاتهم في انتظار صدقات العالم، فليأت القباني وليرَ شابات يعرضن للزواج بغرض السترة، ليأتِ وسنشتري له عروسة الزعتر في صحراء الزعتري أو مخيمات كيليس. مضى عامان، جدتي نزحت أيضاً إلى قرية أمّي ـ مصائب قومٍ عند قوم فوائد ـ فجدتي لم تعد تعاتب أمي على عقوقها، على الأقل وهما الآن تحت القصف المترد ، ونذر الحرب الأهلية. توزعت عائلتي الصغيرة بين الممالك السورية الجديدة، ينتظرون ساعات الاتصال الشحيحة ، ليطمئنوا على الأحياء، ويطلبون الرحمة للموتى.. ، تبدو المغتربات الآن جنّة حقيقية، ولكنّهما عامان كرهت فيهما كلّ شيء رغم أنني أحب الحياة والأصدقاء ونزار قباني.

1205

| 20 مارس 2013

بدر شاكر السياب

من جديد؛ بدر شاكر السياب مثار احتفاء الصحافة الثقافية، ففي ملحقها الأسبوعي خصصت السفير البيروتية مساحة من أربع مقالات لرائد الحداثة الشعرية في "بلاد العرب أوطاني" رغم أن محاولات كثيرة أرادت سحب اللقب والبحث عن أشخاص آخرين يحمّلونهم هذا اللقب، ولعل عباس بيضون أشار إلى خطورة هذا المسعى، بأن معركة الريادة قد ظلمت الرجل، ودعا إلى الالتفات إلى نصوصه، وقصائده " العصماء" وهذه العبارة تفتقر إلى أن تتوج بها النصوص، حيث أنتج السياب عموداً خاصاً بقصيدته: " يسحرنا حين يجعل من القصيدة وحدة لحنية". ويضيف الناقد العراقي علاوي كاظم أن المناهج المختلفة عزلت قصيدة السياب عن قارئها دون توصيفات مسبقة، " ولذلك ضاع السياب الشاعر وقارئه المصاب بالعدوى في خضم الدراسات والتعليقات والمرافعات والبحث عن إنجاز (يحطم) البيت الشعري العربي". فيما استعاد الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين قراءة خالدته" أنشودة المطر" التي يرى أنها ليست قصيدة شكل، بل هي ذات سياقات وتدافعات صورية وإيقاعية، وذات وجد تلقائي عارم. فيما يكتب الناقد الصحفي المصري عن أثر نصوص السياب في الذائقة الأدبية مستشهداً بأيام أمل دنقل الأخيرة حيث كان يترنّم بعبارات ومقاطع من النصوص التي أحبها:" كانت قصائد بدر شاكر السياب هي الأكثر ترديداً لديه. كان أمل يدرك بحسه الإنساني قيمة هذه القصائد، لا باعتبار السياب رفيق مرض، بل للقيمة الفنية التي ضمتها هذه القصائد، مستذكراً عبارات " وفي العراق جوع....ما مر عام والعراق ليس فيه جوع.. الشمس أجمل في بلادي من سواها، والظلام حتى الظلام هناك أجمل/ فهو يحتضن العراق.". ومشيراً في الوقت نفسه إلى الأثر الواضح للشعر العراقي الحديث في المشهد المصري أكثر من الشعر الشامي الذي كان يكتنفه الغموض. لم يكن ثمة مناسبة للاحتفاء بالسياب فالرجل ولد في ديسمبر، ومات في الشهر ذاته بعد ثمانية وثلاثين عاماً بالتمام والكمال، ولكنه السيّاب الشاعر الذي بحث عن الخلاص في القصيدة، ولكنّ الموت عاجله شاباً، لما تكتمل ضربة فرشاته الأخيرة في اللوحة. وليس مهماً أن يكون أوّل من ألقى حجراً على قطار الشعر العربي العتيد، بل تكمن أهميته في أنه شاعر حقيقي، عذابه مداد عذوبته، وكان المعبّر الحقيقي عن الحراك العربي آنذاك، وعن الشخصية العربية التي سجلت نزوعاً واضحاً إلى عصر جديد مليء بقيم الخير والحق والجمال.

1112

| 12 مارس 2013

موت ستارح .... ستااااااااااااااه عدْدْدْ

هكذا وقفنا بانتظام، طابوراً طويلاً أمام الموت، في انتظار النوم في الأبدية، كانت أرواحنا التي فارقتنا قبل قليل ..تلوّح لنا مشجّعة مثل أمهات يعلمن أبناءهن الذهاب إلى المدرسة، ولكن الموت السوري مختلف، مختلف جداً يا صاح ـ لكزني شاب قضى في قذيفة تناثرت شظايا في جسده ـ. تأخر الموت علينا، كان بطيئاً كسولاً لم يحفل بنا، أقام في فلسطين ثمّ في أفغانستان والعراق ، كان يلمّ بنا في زيارات عابرة ..قاطفاً وردة صغيرة في حادث سير، أو حاملاً غريقاً لم يتقن موته إلا في مشفى حكومي، أو ساهراً نزقاً على عجوز يقرأ نهايته في عيون أبنائه. ولأن واجباته تراكمت، فهو الآن يقيم عندنا ـ أعانه الله ـ فالسوريون نزقون ويريدون موتاً جيداً. ولهذا فقد تركوا طوابير الخبز و الوقود وجاؤوا هنا. كان الموت يخصص دفعة جديدة كل يوم، عشرين ..ثلاثين ..خمسين ..سبعين ..وعندما وجد الزحام شديداً ، والتدافع مهلكاً ..أشفق علينا ، ورفع عدد الوجبة اليومية ..مائة ..مائة وعشرين ..مائة وثمانين، مائتين ... كنا نشاهده في عمله الشاقّ ، كان مخلصاً في عمله، يسافر بعض الأحيان إلى مناطق مختلفة، شاهد مباراة في بورسعيد، حضر سقوط نيزك، زار بعض المشافي.. لكنه يعود إلينا شهماً نبيلاً ، يرسلنا في أحيان كثيرة إلى عدسات الوطن، لم يبق موضع في الجسد السوري إلاّ وجسه الموت ، كانت أياديه الرقيقة تمسد على رؤوسنا وهي ترتبنا في مقابر أعدّت على عجل. كنا مائة وثلاثة عشرـ أحب الرقم ثلاثة عشرـ اصطففنا أرتالاً وأنساقاً ، منّا من كان يحمل يده المقطوعة بيده الأخرى، ومنا من حمل رجله على كتفه كعصا راعٍ، ومنا من حمل رأسه المفلوق بين يديه كبطيخة، ومنا من حضرت أصابعه فقط. أرواحنا من بعيد تراقبنا، والموت يرتبنا ..الطويل ..القصير، أبناء حمص ..أبناء درعا، دمشق، إدلب، حلب، دير الزور... الخ ، كان ثمة موتى آخرون يتوسلون أن يصطفوا معنا ليستقلوا الباص المريح المكيّف.. دافعوا عن وجهات نظرهم :" ونحن أيضاً سوريون" " متنا في هذا اليوم أيضاً" ..تراشقنا وجهات النظر، لم نعد نتحكم في أعضائنا لنتبادل الصفعات والرصاص، حاول الموت تهدئتنا عبثاً :" يا شباب ..يا شهداء.. يا حلوين ..الباص يتسع للجميع". عبثاً حاول الموت؛ كان الموتى القادمون من المشافي و الطرق العامة ، وبلاد المهجر ..يحاولون اللحاق بنا، صعدوا معنا ..وجدوا أماكن فوق الباص، وفي الممرّ الطويل توسدوا أذرعنا، , وأثنوا على موتنا الجليل، بعضهم صعد فوق باصنا المكيّف. مشينا ..سار الباص ـ باص الموت السوري ـ بين الدمع والشهقات والرز المنثور ، وصرخات النار ، مشينا نلوّح للنساء المتشحات بالسواد، و القتلة ، مشينا.. على أكتافنا أرجلنا المقطوعة، وآثار الرصاص الحيّ، مشينا إلى بيوتنا الجديدة ، نلقي التحية على جيراننا الجدد الذين سبقونا في كتابة النصّ السوري الجديد... فيما الباص يغادر عائداً، على أن يعود إلينا بجيران جدد.

519

| 06 مارس 2013

ألف شمس مشرقة

قدمت الماكينة الإعلامية الأدبية في السنوات الأخيرة أسماء جديدة تلبّي حاجة المخيلة الغربية في قراءة المشهد السياسي المتواتر من بوابة المعرفي والأدبي، وخاصة في بؤر التوتر الجديدة على جغرافيا الحروب كالصومال والعراق وأفغانستان. فجاءت أعمال مثل " فجر الصحراء" لويريس ديريه التي تتحدث عن الختان في الصومال وفيلم " قندهار" لسميرة مخملباف الذي يصوّر حبس حرية النساء في أفغانستان، وغيرها لتقدم للمتلقي معيناً على قراءة السياسي. ومن هذا الباب تطلّ علينا أعمال تضع في حسابها المستهلك الثقافي الباحث في الشرق عن طبيعة جميلة وبشر مختلفين ومتخلفين، لإرضاء غرور الغربي الموهوم بمركزيته المزمنة. ولا تلبث ماكينة الإعلام تلك تلمّع هذه الأعمال وتسوّقها إلى القارئ القادم من نشرة الأخبار إلى الرواية أن يجد معنى آخر للأمكنة التي تقصف وتُحتلّ، فيربط بينهما بالرباط الذي أهدته إليه الماكينة التي تنسّق حكماً مع صانع القرار السياسي، وتقدم وجبة نظرية متكاملة في مطعم الاستشراق الشهيّ، ثم تلحقه الطبعات المترجمة إلى لغات العالم المتسارعة بهدف الربح.. في الطبعة العربية أسندت الترجمة إلى كاتبة نقلت عن الإنجليزية دون أن تنتبه أن (غولبدين حكمتيار هو قلب الدين حكمتيار.. وأن صلاة الفجر ركعتان وليست أربع ركعات... ناهيك عن الأخطاء النحوية الكثيرة نتيجة السرعة). ورغم ذلك؛ فإن رواية الأفغاني خالد حسيني " ألف شمس مشرقة" أضاءت جانباً في حياة المجتمع الأفغاني في الثلاثين سنة الأخيرة، وقدمت تأريخاً موازياً للفترة الأكثر سخونة في تاريخ أفغانستان، من احتلال سوفييتي إلى تحريرها بمساعدة الحركات الجهادية والفصائل العرقية، إلى اقتتال داخلي على السلطة، إلى سيطرة الطالبان، إلى أحداث 11سبتمبر وما تلاه من احتلال أمريكي لأفغانستان. مريم المنبوذة ثمرة الخطيئة لأم قروية وأب من مدينة هيرات، لا يتخلى جلال خان صاحب دار السينما والبيت الكبير والأملاك المتناثرة عن ابنته، بل يزورها كلّ خميس، ولكنه عند وفاة أمها ينصاع لزوجاته اللاتي يدبّرن لها زيجة سريعة لرجل أرمل (رشيد) الذي يكبرها بخمسة وعشرين عاماً، فيضيق بها ذرعاً عندما تفشل في إنجاب ولد لها، فيما تعاني المرأة الثانية (ليلى) من قصف كابول ومقتل والديها وهجرة حبيبها مخلفاً في أحشائها الثمرة الحرام، فيتبناها ويتزوجها رغم فارق العمر الشاسع بينهما (أربعون عاماً). تعاني الأسرة الغريبة من ويلات الحرب، يخسر رشيد دكانه البسيط بفعل حريق كبير أصاب السوق، وتفقد مريم الاتصال بأبيها الذي توفي في غمار الحروب، وتنجب ليلى طفلاً لرشيد الذي يكنّ العداء المضمر لعزيزة الطفلة التي تبناها، فيعرض على أمها أن تذهب للتسول، ثم يرسلها إلى دار أيتام. يعود الأب الحقيقي ويزور ليلى، وتثور ثائرة رشيد عندما يدري، وعندما يحاول خنق ليلى تقتله مريم وتلاقي جزاءها راضية. فيما تتكون أسرة أفغانية جديدة من الأب العائد والأم الشابة وابنتهما وابن رشيد تبعة الحرب الأفغانية، وذلك على ضوء الاحتلال الأمريكي لأفغانستان. تبدو رواية " ألف شمس مشرقة" كمسوغ للاحتلال، من خلال إثارة قضية تلاقي تعاطف الغرب لتشجيع العلاقات المحرمة، متناسية أن أفغانستان وقعت ضحية الحرب الباردة بين الأمريكان والسوفييت، دفع المجتمع الأفغاني ثمن ذلك غالياً جداً.

454

| 26 فبراير 2013

قف بالمعرّة

كان خدّ المعرة ترباً، لم تمسحه كفّ حانية، ولم تغسله شآبيب شتاء، والمعرّي ينام حزيناً، لم يكن "ضاحكاً من تزاحم الأضداد"، ولم يكن على الليل " قلائد من جمان"، فليل المعرّة الطويل وقف على زيارة الطائرات والقصف الجهنّمي، وفي المعرة يصير القبر قبراً مراراً لقتيل على بقايا قتيل، وفي المعرة تشتبك اللغة والموت والجرح السوري الغائر، ودون ثورة الفكر ألف مسيح مصلوب، وغرّة أمل، وحصان من النور مازال يجري في ملكوت الشهداء. لم يكن المعرّي ضاحكاً والضحك في عرفه سفاهة، وقد "حُقّ لسكان البسيطة أن يبكوا" وهم يرون ليل المعرّة الطويل مع الذئاب واللصوص والنسور القشاعم، ومع الموت المجاني المقيم في البلاد وقد سرّه طول المقام، وكثرة الطعام، والقوم الكرام. "غير مجدٍ" نواحُ قصائدكم، خذوا للّيل " ما لم يستطعه الأوائل "، خذوا شغف الريح، ولوذوا بصبركم، خذوا نجمة الصبح ومزن أبريل وخيول الشعر الجاهلي، ليلكم الطويل في البحث عن عشبة جلجامش، فجلجامش السوري يحتاج إلى ألف أنكيدو، والصباح الجديد يحتاج إلى شمس قريبة. يتداعى البحر الخفيف، ينطوي على تفعيلاته وينام، تتداعى خيول الشعر الجاهلي، أعدتها واحدة إلى نصوصها، يتداعى قمر المعرة أهلّةً نحيلة شاحبة، يرمقني المعرّي بعين بصيرته وكأنّه يراني، يهش بعصاه على الطائرات والطغاة والنصوص الرديئة وسماسرة الحرب والسلام، أهمّ بالنصّ..فترتبك الحروف الجديدة؟ كم نجمة زينت اليوم سماء سورية؟ كم شمعة أضاءت فكرة الحب؟ كم قوساً في يدين ضمّ فكرة جديدة، كم عبساً وذبيان ستولد في فكرة؟ وتدفن في عزيمة: " عفاف وحزم وإقدامٌ ونائل". . خدّ المعرة تلطمه الطائرات، سيقول إن خدودنا اعتادت اللطم، وأن الكتابة الجديدة تحتاج حروفاً يتقن قراءتها جميع السوريين " فلا هطلت عليّ ولا بأرضي..سحائب ليس تنتظم البلادا"، ستقول: "عللاني فإن غيم الدخانِ / مستبيحٌ معرّة النعمانِ / ليلتي هذه نؤوم على القصف كانت وردةً كالدهانِ / هرب الأمن عن جفون اليتامى / وتداعت له عن كلّ ليلٍ جبانِ / خفّف الوطء يا سليل المنافي / واجث ردحاً على بقايا المكانِ / وخذ الليل خيمة كم تداعت / وعلى النازحين في الأكوان/ غير مجدٍ في همة الموت أن تثني صباحاً عن حقه في الزمان".

628

| 12 فبراير 2013

البيت

انتقلت إلى بيت جديد، تاركاً بيتي القديم وكومة ذكريات عزيزة، هو البيت الخامس الذي أتركه مدة إقامتي في الدوحة، أو الشقة الخامسة..ولكنه كان بيتي، سأتسامح مع نفسي في إلحاق ياء المتكلم بالبيت، رغم أنه بيت مستأجر، لكن عدّادَي الماء والكهرباء كانا باسمي.. هناك صوت داخلي يقول: البيوت المسـتأجرة منزلة بين الفنادق والبيوت ذات الملكية الحقيقية، ولكنها بيوتنا طالما وضعنا على جدرانها الصور وساعة الحائط، وقسمنا غرفها بيننا وبين أبنائنا. ثمّن إنّ بيتي الذي أمتلكه لم أسكن فيه سوى شهور قليلة مجمّعة من سنوات تقارب العشر، هي أيام الإجازات المتقطعة. كان صعباً أن يقف البدوي المعاصر على بيته القديم، على البلاط والخزائن والغرف الفارغة، والستائر وآثار المسامير على الجدران..كل مسمار معلّق بصورة وحكاية..مفتاح الشقة في يدي أسلمه للموظف المسؤول الذي يتفقد المصابيح والنوافذ ويدوّن ملاحظاته بمهنيّة وحيادية وهو يعدّ البلاطات التالفة كي يغرمني ثمن إصلاحها، ويتلمس زجاج النوافذ..دون أن تسعفنا لغة مشتركة لنتحدث عن البيوت. " خلقت ألوفاً لو رجعت إلى الصبا / لغادرت شيبي موجع القلب باكيا"..أردّد بيت المتنبّي حين أمرّ بالبيوت التي سكنتها سابقاً في وادي السيل والدوحة الجديدة ثمّ في السلطة الجديدة وفريج النصر. ألوّح للمكان وأخطف صورة عابرة وامضي... أذكر أنني لوحت يوماً لمهجع ضمّني ست شهور في الكلية الحربية في حمص..كنا أكثر من ثلاثين جامعياً من مختلف مناطق سوريّة، ومع مرور الوقت أصبحنا أسرة واحدة، ولا أدري إن نجا من القصف الآن، بعد أن طالت يد الدمار حمص وسورية معاً. تناثرت أعوامي على بيوتٍ ممتدّة من أيام الطفولة على أكتاف الفرات في قرية غمرتها المياه وأنا في السابعة، قرأت فيه حكايات السندباد على ضوء سراج، وغادرنا القرية إلى بيت آخر في قرية أخوالي.. شهدت بناءه قبل أن أنتقل إلى بيت الجدّ في ريف حلب الشمالي حيث تتاخم قرى قبيلتنا قرى التركمان ـ بحثت عنها في الغوغل إيرث فلم أجدها وعرفت من خلال الغوغل نفسه أنها صارت مقرّ نازحين في المخاض السوري الصعب ـ واستأثرت أم الفرسان بما بقي من طفولتي وشبابي وكتبت عنها كثيراً، قبل أن تحطّ بي الرحال الدوحة، وإلى بيتـ(ـي) الجديد، مستذكراً نهاية " خان الخليلي " إذ يرحّل نجيب محفوظ أسرة أحمد عاكف إلى حيّ آخر.

306

| 29 يناير 2013

الزعتري

أعترف أن المأساة أكبر من حمولة الكلام والمعنى، مأساة من يدفع الثمن على حافّة النهاية، وهم دائماً من يدفع الثمن، ويقبض الآخرون صمودهم مناصب ووجاهات، ففي الزعتري الذي صار وصمة عار في جبين الجميع ليس للنص خاتمة، حلقات من الأمل والكذب وزيارات الكاميرا صحبة وجوه عابرة، تمسح المكان بابتسامة وتمضي، وتترك أهل الزعتري عرضة للمهانة اليومية خلف الرغيف والكرامة وسوق نخاسة جديد يدفع السوريون ثمنه، فلا أقطاب النظام يعانون من جوعهم، ولا صقور المعارضة يعانون بردهم، هنا وهناك، بين القصور الفخمة وفنادق النجوم الخمس.. ثمة أرغفة بيضاء ومدفئ وشاشات عملاقة، على استعداد للبقاء في حلبة الصراع حتى آخر سوري.أعترف وأصرخ: " في خيمة الزعتري / كتبت في دفتري/ أنشودةً مرةً / تضيقُ عن أسطري/ وصاحبٍ قال لي / في نشوةِ المستهترِ / أذاك شيخٌ بدا..في خيمة الزعتري؟ صفه لنا يا فتى / صفه في الحال الزّري"..أعترف وأصرخ.. لم يكرم قوم وفادة ضيوف مثلما أكرمهم أهل الزعتري، فقد مرّ بالشام أقوام ساقتهم الحروب إلى شامة الدنيا، وما أسكنوهم خيمة، ولا (تطايبوا عليهم) ولا أشاروا إليهم أنّ هؤلاء لاجئون أو نازحون.أمرّ على نصوص الأصدقاء أستعيد بها شمعة لعلها تمرّ بأصابع طفلة مقرورة.. لعل نهايتها لن تكون كنهاية بائعة الكبريت، فأعثر على الحمصي عبد القادر الحصني يتلمس آثار الدمار: " أنا في انتظارِك / أكاد أرى الفجرَ ينشقُّ عنكِ / وينثر صبحَ لآلئ بيضاءَ جمّعها من محارِكْ / حجابك هذا الوشاح من النور، حين يشفُّ أراكِ/ وأشعر أني كما أنا / لكنّني الآنَ أمسح بالراحتين غبارَ دمارِك/ وأمسحُ وجهي.. مباركةٌ أنتِ/ مازالَ من ياسمين الصباحِ صباحٌ / على باب دارِكْ". وأعود إلى جزيرة الخير.. التي تفتقد وسائل التدفئة باحثاً عن أمّي وأبنائي.. فأتعثر بنزق أديب حسن محمد محذّراً من البرد: " في كانونْ/ يُولِدُ ذئبٌ مجنونْ/ تأْمنهُ كلّ خراف الكونِ/ ولا تُوْحشهُ البريّةُ والأرضونْ"... وأهش بعصاي على النصوص.. ليخطفني صوت جاره إبراهيم الزيدي: "وداعا../ كيف أنتظر..؟ وحباً../ كيف أختصر..؟ وكيف نموت أغنية، ولا عودٌ.. ولا وترُ!! / أيا وطناً بلا مأوى، يضيع مبتدا الأسماء، كيف يهمه الخبرُ..؟ فأسأل إن كان شعراء الداخل هكذا فكيف بشعراء المنفى، وكل سوري منفي حتى يثبت العكس، فيجيبني فرج بيرقدار: "تقول: اجتهد في الغيابْ؟!/ يا جنونَك ماذا تقول؟! / ثلاثة آلاف منفى / وراء الطلول التي لا شروح لها / غيرُ ما في دياناتها من عبيد.....ثلاثة آلاف ندّاهةٍ / خلف ظهري".أعترف..ببرد الشام وهو يصلني مخففاً، فآخذ حصتي منه، وأتذكّر..كم كنا نرتجف في حضرة البرد، وفي الطريق تتيبّس أيادينا، قبل أن نلقى بأنفسنا إلى حضن البيت، منتظرين الدفء العابر لحظات الألم التي تنتاب الأصابع.. والآن؟ أين المدافئ..أين البيت..لاشيء غير الزعتري وأخواته، ولقطات الصور التي صارت مادة لكتابة نص وصفي، أعترف وأردد مع الحمصي النازح حكمة شافي: "ملتصقَين بانتظار الموت، مثل حاجبين متَّصِلَين في جبهة رجلٍ عجوز / أنتِ بهيّةٌ مثل مئذنةٍ مملوكية/ وأنا مرتابٌ من هذا العالم مثل قلب أرنب / الموتُ يبحث عن ثغرةٍ في الجدار ليصْفرَ فيها / وينشرَ الجثثَ في البيوت/ الموتُ يبحث عن معولٍ ليهدمَ مئذنةً / الوقتُ صِفْرٌ تماماً / الوقت يصلحُ للحكايات المؤجَّلة/ احكي لي حكايةً كنتِ ستحكينها لأحفادكِ / وسأحكي لكِ عن مصارع الشعراء، وعن الندم على الكلام الذي لم يستطيعوا قولَه / احكي لي عن عينين خضراوين في زمن المجاعة/ وسأحكي لكِ عن العالم الذي يشبه عصا رفيعةً سهلةَ الكسر/ احكي لي عن يدين تحوِّلان الجثّةَ إلى طائرٍ أبيضَ / وسأحكي لكِ عن الطيور البيضاء التي تصبح جثثاً".

354

| 15 يناير 2013

نشيد المهر

قاومتِ فيكِ ذئابَ الوقتِ فانكفأت قوافل البرد عن ناري وأسئلتي وأمسِ شمتكِ شمتُ الغيم منطلقـــــاً مهراً جموحاً ونزفاً عاليَ اللغـــــــةِ فلتهطلي ملء دمع الناس أجوبـــــــــــــــــةً ولتشهقي كحقول القمــــــــــــــــــح والذرةِ مادام عدْوُكِ فينا صاخباً وغــــــــــــــــــــداً قد يشتري الموت أجداثاً.. ..لكلِّ عــــــــــتي أورقتِ في صحفِ الأيام طالعــــــــــــــــــةً من حصّة الدرسِ.. أقواساً على شفتــــي وكان خطوُكِ يمحو ظلّ من عبـــــــــــروا ليلاً، ويكتب الطرقات البكر: بوصلـــــتي لا تُنظريني.. وقد يمّمــــــــت شارعهم أقفو صهيلكِ يعلو.. والصباح فتــــــــــي * * * المهر العابث ملء الصمت الماكث فينا، المهر العابر في البرية ينثر حجر الصوان شراراً قدرياً، المهر العابق بنجيعٍ أخضرَ يكتب سطراً في أنشودة كل السوريين، الموتى موتى، والأحياء هم الشهداء، ولا تثريب على جنديٍّ يتعثّر أو يعثر في جيب الموت على دمعة أمّ، أو تلويحة أنثى، المهر العاشق يهذي بالطرقات، ويصهل.. لا ليحطّ الموت على كتف الآباء.. ولا لينام الأطفال ويصحوا على آباءٍ ذُبِحوا في الليل، المهر العاشق فينا يقطف وردته للموت، ويهذي بالناس.. يا ناس.. يا ناس.. هذا الأسودُ ليلٌ، لا تثقوا بالنوم الآمنِ، أو بالغسقِ المتطامنِ، خفّوا لرحيلٍ بعد رحيل بعد رحيل. يا ناس.. البردُ صديق الصبر، الجوع رفيقُ المهرِ، ولكن كم جوعاً ينزع من جوف المجد رغيفاً أبدياً؟ كم جوعٍ مرّ، وكم جفنٍ قرّ، وكم نائحةٍ بسطت هذا الليل دفاتر . وكم صرخت في وجه الكاميرات عن البرد المتلفع بثياب القتلة. المهر النازف يكمل صرخته في الدرس الأول، ينجو من وصفة كل الخوافين ويجري، خبباً خبباً.. خبباً، يرسم في مدن الضوء مساراً فضياً.. محفوفاً بالشرر اللامع، يجري خبباً، يقفز في فلوات الضوء.. يصهل، فلواً يملأ حاشية الدفتر بالركض الجامحِ، مهراً في حنجرة الشاعر، في عزف الناي المجروح بخيبتنا، في صفحات الناس الموتى الأحياء.. الأحياء الموتى، يملأ محبرة الراوي وجعاً، وخُطاطتهُ ثرثرة الشارع.. وحروف الشاعر، وفصول الحرب الدائرة شتاءً، وحقول الشمس البائرة خريفاً، وسماء الحلم العابرة نجيعاً، المهر الماكث فينا وجعاً بدوياً.. يترك للريح خطاه، وللرمل عصاه، وللإخوة أن يشتركوا في معرفة المطلق.. حين يجرّون الحرب إلى المُغلقِ، حين يعود الجندِ إلى صفّين.. يحتربون كأنْ لم يقضوا وطر الحرب معاً. هذا الأسود ليلٌ، لا ترتبكوا من مهر يجفل، أو وطنٍ يصهلُ، أو إخوة يوسف يرمون له الحبل الرخو، ولا ترتبكوا حين يغنّي الموت كسائس خيلٍ، ويمسّد أعراف النص، هذا وطن ينشأ في السردية مهراً محفوفاً بالشهداء.

615

| 09 يناير 2013

القحطانية

ليست القحطانية بالنسبة إلى مكان عابر في التراجيديا السورية الدامية الباحثة عن أمكنة جديدة تضخ فيها الأحداث والدم، رغم أن كل شبر من بلادي عزيز، ورغم أن طين البشرية الناجي من مياه المحيطات والبحار عندي مكان لائق ومن حق أي إنسان على سطح الكرة. لكن القحطانية القرية الصغيرة التي استحدثت بعد (الغمر) وسكنت فيها عشرات العائلات الخارجة من حوض الماء الجديد. فيما اتجهت عائلات أخرى إلى قرى مستحدثة أخرى ذات أسماء خارجة للتو من التاريخ العربي: " مضر ـ ميسلون ـ العدنانية ـ اليعربية ـ حطين ـ الأنصار..".، ناهيك عن آلاف العائلات التي هجّرت إلى أقصى الجزيرة في نزوح هو الأكبر في التاريخ السوري الحديث، قبل نزوحات الثورة السورية التالية. لكنّ القحطانية القريبة من مدينة الرقة، ومسكن خالي..جعل للقرية مكاناً في الذاكرة، فكل زياراتنا إلى الرقة يجب أن تكون القحطانية إحدى محطاتها، كنا نزور الرقة لأداء واجب العزاء الذي لم ينقطع بين الأسر والعائلات والعشائر التي انقسمت إلى عربين بينهما ما يقرب من 300كم، وعرف القطار في ثمانينيات القرن الماضي وجوه الفلاحين المغادرين في الخامسة صباحاً إلى الرقة أو العائدة في الثالثة فجراً من المكان ذاته، بعد أن تغبّرت بعجاج الدير. وذلك قبل أن تختصر الحافلات الصغيرة المسافة في طريق أفقي. في القحطانية دالية عنب الخال التي تفيض عن حاجته فيقطف منها ويرسل إلينا في القامشلي عبر حافلات النقل اليومية، وفي القحطانية عرفت الإنسان المثقف عبود العسكري الذي واصل البحث والقراءة ووصل إلى الأستاذية (الدكتوراه) بجهد مضنٍ. وفي القحطانية أيضاً ثمة مجزرة، مجزرة مرت مرور الكرام، لأطفال ونساء عبرن الحدث السوري مثل غيمة، ومثل كل غيمة سورية، وفي القحطانية هناك أمهات سوريات يجدن البكاء على أولادهن مثلما يعلمن الناجين معنى الحلم. *** في القحطانية نهذي بالوقت الضائع، ماتوا؟..بل جرحى، أطفالٌ؟ بل كبروا، شابوا قبل الشيب، أكلوا؟ بل شبعوا..الغارة كانت دسمةْ، وبلادي بين هلالين وحربين وعامين، هل عانوا من كانون؟ عانوا وجع البرد المتجمع عند رؤوس أصابعهم؟ هل وقفوا دائرة..رفعوا أيديهم في وجه الشمس صباحاً؟: " ال يقف على شمسي / لا يصبح ولا يمسي / هين عود وهين عود / وأدفنوا بين اليهود". الأولاد اختصروا اللعبة، والشمس الخجلي اختبأت خلف الغيمة، وكانون يفتش في القحطانية عن حبرٍ يكتبه، والأخضر عالٍ، والقحطانية نجمٌ..عبر المشهد، ثبّت أجنحة للطفل النائم، وارتفع قليلاً، كفكف دمعته بالعشب..والطيارة عادت كي تبحث عن أطفالٍ كملائكة القحطانية.

1026

| 01 يناير 2013

وداعاً يا مصابيح

تعاني سورية غير القصف والجوع والنزوح، تعاني الظلام الدامس، فلعدة أيام تنقطع الكهرباء عن المناطق الهادئة نسبياً، والتي باتت ملاذاً للنازحين السوريين من المناطق الساخنة، تقاسموا مع أهلها الأمان والمحبة والأمل بانفراج الغمّة. وبين الفترة والأخرى تعود الكهرباء وتعود مها غالباً الاتصالات اللاسلكية. بالأمس جاءتني رسالة من الشاعر السوري إبراهيم المرعي تصف ما آل إليه أمر الشعب السوري، من معاناة خطرة على مختلف المستويات: هي الدنيا تضيق بعين حرٍّ كما رحُب السُّخام على الفقيرِ نعاتبُ ما تبقّى من زمـــــانٍ قضيناه على حرِّ الهجـــــــيرِ فلا والله ما خانـــــت دموعي على الأيتـــــام كالهطـــــــــلِ المطــــيرِ وداعــــــــــــــــاً يا سلامُ ويا أمانٌ وداعـــــاً يا مصــــــابيح السمــــــيرِ ظــلام في ظــــلام في رزايــــــا يمــــوت الشــــوق في طفل السرير إبراهيم المرعي طالبي قبل سنين، وزميلي في التدريس، وصديقي الذي آنس إليه، ورفيق الدرب في العطلة مع قليل من الأصدقاء بقيت على تواصلٍ معهم، عرفته طفلاً وشاباً ورجلاً، صادقاً واثقاً رزيناً هادئاً، وكنت رأيته قبل سنتين بداية الأحداث خائفاً على البلد، وعلى منطقته الصغيرة القامشلي ذات الخصوصية العرقية التي تنذر بتوترات متجددة في أتّون الحراك السوري الصاعد. كلّمني هاتفياً وكلّمته مرات عديدة، وكنت ألمس هدوءه وأمله بالله أن تفرج على خير، وكنا نتبادل الدعاء خاتمة كلّ اتصال. في زياراتي المتقطعة للبلاد يزورني إبراهيم، فنسهر إلى وقت متأخّر، وعندما يودعني أخرج في وداعه وبينما نسير نحو بيته أقصى القرية يأخذنا الحديث، فيصرّ أن يمشي معي إلى بيتي، وهكذا نستعيد السهر ماشين في شارع القرية الهادئة، الشارع المفضوح بمصابيح أعمدة النور، وربما دعونا أنفسنا عند زميلنا مدرّس الرياضيات محمود السلوم الذي يعود من المدينة متأخراً بعد حصص التقوية التي ازدهرت في البلاد السنوات الأخيرة. استشهد الأستاذ محمود في أثناء الأزمة بطلقة طائشة، ولم أعد أتصل بأحد إلّا لماماً، وأسعد باتصالات إبراهيم المرعي سائلاً إياه عن الناس والأمان والقامشلي، وسورية. البلاد التي عادت خمسين سنة إلى الوراء وباتت صالحة لتصوير مسلسلات من القرن التاسع عشر. جاءتني رسالة إبراهيم أو أبياته بينما كنت أودّع أشقياء الحرف في معرض الكتاب، أدعو للعائدين إلى سوريّة بفرجٍ قريب، وأمان ٍ مفقود، وأحث الخطا في الساعات الأخيرة من عمر المعرض نحو عناوين مهمّة، أشدّ على أيدي الأصدقاء والزملاء الذين التقيتهم مصادفة، أحضر حفل توقيع كتاب، مصابيح الإنارة تتوهج، السامر ينفضّ، الناشرون يلمّون بضاغتهم، والنور يخفت، ورسالة إبراهيم في جيب هاتفي النقّال، لابأس فتفعيلات الوافر حاضرة في النص، أتذكر يوماً شطراً من ذات البحر أعطيته طلابي ليجيزوه: " على وجعي أعلق مفرداتي"، كان إبراهيم أحدهم، وكانت النتيجة نصوصاً رائعة لشبان صغار خطفتهم من الشعر الجامعات والوظائف.

570

| 27 ديسمبر 2012

هنا دمشق عيسى

هنا.. هنا دمشق.. مدينة مغسولة بالريح والأمطار .. منذورة للعشق .. توسدت في الليل قاسيون .. تدثّرت بالبرق. أميرة الضباب في الشتاء.. وراية الربيع والحبق .. وقهوة الحجاز في الصباح.. ونشوة القلق .. فسبح"باسم ربك الذي خلق" .. ثم استعذ به "من شرّ ما خلق" .. دمشق مهرة ناريّة الأظلاف .. بريّة النزق .. رأيتها في مهرجان الليل .. تعدو وتعدو كيفما اتفق .. والليل والفرسان يركضون .. في الحبر والقرطاس والأرق .. والموت في دمشق وجبة يوميّة كالخبز والزيتون .. والحب في دمشق .. يمشي كما الهواء بين الناس .. يا من رأى دمشق .. تبحث عن يزيد .. والليل والفرسان يسألون .. عن آخر النفق .. في المشهد الجديد. أصرخ بالسياب يا سياب.. ألا ترى دمشق .. لكنه يظل في سكونه .. مغرورق الدموع والنشيد .. والناس في عيونه .. غرقى بنار الصدق .. "أصيح بالخليج يا خليج" .. هنا.. هنا دمشق .. مدينة الرياح والردى .. "فيرجع الصدى .. كأنه النشيج" .. هنا..هنا الردى .. فينهض السياب من رقاده .. ويضرم الإيقاع في القصيدة .. هنا..هنا تلوّحُ الحياةُ للنساء .. ولم يُقَل للطفل حين نام .. " بأن أمه التي أفاق َمنذ عام .. فلم يجدْها، ثم حين لجَّ في السؤال .. قالوا له: "بعد غدٍ تعود.. لابدّ أنْ تعود ". هنا..هنا رأى الصغير بيتة دريئة في القصف والحصار .. هنا..هنا دمشق .. هنا تحاصَر الأزهار .. هنا..هنا دمشق .. هنا..هنا تعلّم الطلاب كيف يرفع الحمام رأسه في ساحة الإعدام .. كي ما ينام القتلة .. ليلة في الشام .. وتعبث الرياح بالحكاية الجديدة .. فترسم الطغاة خاشعين .. بين يدي إمام .. كخبرٍ في أوّل الجريدة .. هنا..هنا تعلّم الطلابُ ما النزوح؟ يا خيبة الجغرافيا .. نأتي ولا نروح .. وسبعةٌ في خيمةٍ .. لعلّهم نيّام .. والشفق المذبوحْ .. يلوّن الخيام .. قالوا لهم بعد غدٍ نعود .. ونجمع المحصول والأغاني .. والبرد والشتاء والمطر .. حكاية الصغار كلّ يوم .. مطر.. مطر .. لا تقصف الخيام يا مطر .. رحماك يا رباه .. لا تنزل المطر .. ففي الخيام تمكث الطفولة .. وتورق المأساة في الخبر. وكان يا ما كان .. يا أيها السوريّ في متاهة الخلود.. تأبّدت أوجاعنا .. كنجمةٍ في نصّه الليليّ .. كالوجع الموعود .. كالوتر المنسيّ في خاصرة الكمان .. يقول ملء جرحه..هنا..هنا دمشق .. مدينة الرياح والردى .. فيرجع الصدى .. هنا..هنا دمشق.

653

| 04 ديسمبر 2012

alsharq
سابقة قضائية قطرية في الذكاء الاصطناعي

بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...

2355

| 30 نوفمبر 2025

alsharq
أهلاً بالجميع في دَوْحةِ الجميع

ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...

1125

| 01 ديسمبر 2025

alsharq
الكلمة.. حين تصبح خطوة إلى الجنة أو دركاً إلى النار

في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات، وتُلقى فيه الكلمات...

639

| 28 نوفمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

615

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
المجتمع بين التراحم والتعاقد

يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...

564

| 30 نوفمبر 2025

alsharq
التوافد الجماهيري.. والمحافظة على السلوكيات

كل دولة تمتلك من العادات والقواعد الخاصة بها...

495

| 30 نوفمبر 2025

483

| 27 نوفمبر 2025

alsharq
أيُّ عقل يتسع لكل هذا القهر!؟

للمرة الأولى أقف حائرة أمام مساحتي البيضاء التي...

447

| 26 نوفمبر 2025

alsharq
بكم تعلو.. ومنكم تنتظر قطر

استشعار نعمة الأمن والأمان والاستقرار، والإحساس بحرية الحركة...

447

| 27 نوفمبر 2025

alsharq
المتقاعدون بين التسمية والواقع

يقول المثل الشعبي «يِبِي يكحّلها عماها» وهي عبارة...

438

| 30 نوفمبر 2025

alsharq
إعدامات في الظلام وصرخات خافتة!

أكدت اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، في المادّة...

429

| 28 نوفمبر 2025

alsharq
الغائب في رؤية الشعر..

شاع منذ ربع قرن تقريبا مقولة زمن الرواية....

411

| 27 نوفمبر 2025

أخبار محلية