رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

«لماذا تتجاهلنا نوبل»؟

في أمسية الجسرة الأخيرة، أمتعنا الدكتور محمد هاشم بمحاضرته الشائقة: «ذائقة عالمية في الأدب» وسلّط فيها الضوء على تجربة الروائية الكوريّة الجنوبية «هان كانغ»، من خلال روايتها المترجمة إلى العربيّة: «النباتيّة» التي تدعو فيها إلى لجم شهوات الكائن البشري والميل إلى ترك تناول اللحوم، في بناء سردي يجنح إلى الشعرية، وهو مسوّغ اللجنة في بيانها باسم الأكاديمية السويديّة: «إن هان كانغ -التي تكتب باللغة الكورية- نالت جائزة نوبل «عن نثرها الشعري المكثف الذي يواجه الصدمات التاريخية ويكشف هشاشة الحياة البشرية». ولم يكن الحديث عن أدب «هان كانغ» وتجربتها شبه المجهولة عربيًّا، بل سار في اتجاهات مختلفة، عن تسييس الجائزة، وذهاب المحاضر والجمهور إلى حقول نوبل الأخرى، ولا أظنّ أنّي استوفيت رأيي في جائزة نوبل التي كنا ننظر إليها بوصفها التاج الذي لا يوضع إلى على رأس أكفأ الكتاب في العالم، ولعلّهم كانوا كذلك بداية الأمر.       تعدّ «جائزة نوبل» ونوبل للآداب بخاصّة «فاكهة الحضارة الغربيّة» التي «مركزت» العالم حولها، فنشرت أبجديتها وتقويمها ورياضاتها ومسرحها و»سينماها» ومعجمها اللغوي والعلمي في القارات الستّ، ولم تعد جائزة نوبل للآداب إلّا أن تتوجّه في أوّل كلّ خميس من شهر أكتوبر، إلى كاتب بلغاتها، ولم يعد الأمر غير قلّة قليلة من الأمم الأخرى، حين منح «طاغور» شاعر الهند الجائزة عام 1913.  ومنذ عام 1901 كانت الجائزة تذهب إلى أبناء أوروبا، في القارة العجوز وامتدادات أبنائها في الأمريكيتين وأستراليا، ولم تغادر إلى غيرهم خلا حالات قليلة لكتّاب شرق آسيويين أو أفارقة، وحازها عربيّ وحيد هو نجيب محفوظ. على الرغم من ازدهار الأدب الواضح في القرن الماضي في بلاد العرب وإيران وبلاد آسيا الوسطى، ولا تعد الذاكرة أرخبيلًا من الأسماء أبدعوا في زمن الجائزة من مثل أحمد شوقي- حافظ إبراهيم- أبو القاسم الشابّي- عمر أبو ريشة- نزار قباني- بدر شاكر السياب- محمود درويش- بدوي الجبل- إيليا أبو ماضي- جبران خليل جبران- عبد الحميد هدّوقة- عبد الرحمن الربيعي- جنكيز إيتماتوف- وغيرهم أكثر.    في الختام أظنّ أن ألق الجائزة قد خفت كثيرًا في تحدّيات المرحلة الراهنة وفي تراجع دور الكلمة أمام الصورة واهتزاز منظومة الحياة برمّتها بعد هيمنة العولمة، وبروز أنماط جديدة في التواصل الاجتماعي، وتراجع الصحافة الورقيّة، وبروز ظاهرة «الذكاء الصناعي». في السنوات الأخيرة اتّضح أن الجائزة تذهب إلى كتّاب معنيّين أو داعين إلى اتجاهات معيّنة، بغضّ النظر عن الجودة والكفاءة، كما في أعوام فائتة حين فازت بيلاروسية تكتب عن السلام من خلال عملها مراسلة حربية، أو فرنسية مغمورة تكتب عن الحبّ، أو كاتب كلمات أغانٍ شعبية أمريكي، أو كاتبة هذا العام المهتمّة بالنباتيّة، النباتيّة التي تبنّاها قبل ألف عام شاعر عربيّ، ظلّ رهين المحبسين.

396

| 03 يناير 2025

الشاعر ساردًا

هيمن الشعر على السرد اللاتيني الذي أنجز "الواقعية السحرية" وتسرّبت أوهاجه في ثنايا سرد العالم، ومنه السرد العربي في نماذج محمد المنسي قنديل وأمير تاج السر وأحلام مستغانمي، ونماذج تالية كثيرة ضربت في شعاب الشعر، وبهذا هيمنت الرواية حين خطفت الشعر وأضافته إليها.لفتني إلى ذلك نصّ الشاعر المصري ياسر الزيّات الذي نشره على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك وجاء فيه: "وضعت خيطًا على الطاولة، وسميته النهر، وكسرت كأسا، وسميتها الطريق. بيديّ هاتين، وضعت المقعد فوق المقعد فوق المقعد، ليرى النملُ جبلًا". وحسبت أن الشعر قد انتصف من النثر. وبدا لي أنّ الذهاب إلى السرد يعيد الأمل إلى القصيدة التي نكتبها الآن.يبدو نصّ ياسر الزيّات وكأنه ضربة ريشة مجنونة آتية من دفاتر السرد العبّاسي، تلك القصاصات المبثوثة في الأغاني وألف ليلة وليلة، والنثر الصوفي، وفي تعبير يختصر سرديات العالم من مسخ كافكا إلى أمير سانت أنطون أوكزبيري "فكرت في أن أضع صرصارًا، ليعطي الطاولة طبيعة الدراما، أو كلبًا ليمنح النهر شكلًا تراجيديًّا غائمًا". ولكنّه بعيدًا عن حمولته الثقافية المركّزة، فإنه نصّ آسر، يأخذ أبطاله الصغار إلى بريّةٍ غامضة، ويلعب معهم لعبة المصائر، كروائي يصنع أحداثه، ولكنّه يدرك قبل كلّ شيء أنّه رهينة راوٍ آخر: "يا أبي، يا أبي، كنتَ تظنني قمرًا، وكنت أضحك، وأطير في السماء كما يليق بقمر صغير. انطفأتُ الليلة، فبكتِ الذئاب في الحقل، وتألمت الوديان من شخير الجبل. أنا جبلك يا أبي، جبلك لا قمرك، ولم أتحرك منذ أن تركتَني على الطاولة وحيدا، وذبتَ".يجترح الشاعر دربًا نحو الجنون بوصفه المتاح أمام قوّة الشعر المتجدّدة في خضمّ هذا السواد الذي تنسحب فيه الكلمة وأصحابها.

845

| 08 فبراير 2017

فوائد أخرى للقراءة

في صغري كنت قارئًا نهمًا، وفي المرحلة الإعدادية ملّت من كثرة استعاراتي أمينة المكتبة، ولكنّ القراءة فيما بعد صارت تعني لي شيئًا إضافيًّا. منذ أن بدأت مكتبتي الشخصية تكبر في خزانة وأرفف. في سوريّة -سقى الله- كنت أدّخر شيئًا من الراتب الشهري، فأدسّ الورقة النقدية في كتابٍ ما، وحين أحتاج إليها أنسى موضعها، فأفتّش الصفحات وأقلّب الكتب، تستوقفني أفكارٌ وعبارات وحكايات تأخذني من غرضي الذي من أجله بدأت القراءة، وفي مرات كثيرة أنسى أنّي وضعت "مصاري" زمنًا، ثمّ أجدها فجأة حين أقلّب كتابًا، فأجد المال، في لحظاتٍ لا توصف، بهذه النعمة التي هبطت عليّ من السماء.وكان عندي صديق من نوع "جابر عثرات الكرام" يزورني كثيرًا، ويتصفح معي مجموعة من الكتب، وحين يغادر البيت يتّصل بي قائلًا، أعجبني كتاب كذا، أرجو أن تقرأ الصفحة كذا، فإنّ ما فيها مهمّ، وحين أفعل أجد مبلغًا ما، فأشكره لهذه اللفتة.وحباني الله بزميل عزّ نظيره، ألجأ إليه آخر الشهر، فأقول له: ماذا بشأن الهمزة المتوسطة، فيضع 500 ريال في الكتاب المدرسي، ويسألني: "عايز همزة تانية" وحين أعيد المبلغ عند قبض الراتب، أدسّ المال في الكتاب المدرسيّ وأقول له: "هناك تدريب في الكتاب لم أفهمه".**منذ أسبوعين تقريبًا أضعت بطاقة الإقامة، والبطاقة الصحية، وبطاقة الصرّاف الآلي، وانتابني قلق شديد لضياع الهويّة، وكدت أن أذهب إلى الشرطة للتبليغ، لولا خوفٌ قديم من مراجعة الشرطة. وبالأمس خطر لي أن أتصفح مقدمات لروايات عربية، وفي الرواية العاشرة تقريبًا، وجدت البطاقات الضائعة داخل الكتاب.*ضعوا أشياءكم المهمّة في ثنايا الكتب، وابحثوا عنها، فستقرأون مثلما قرأت، ولا تخافوا اللصوص، فاللصوص لا يقرأون.

392

| 01 فبراير 2017

آه يا بحر

لعلّ بحار العالم خبرت غرقى السوريين جيّدًا، ولم تكن كتاباتنا عنه تماثل وجع المعاناة التي عاشها المهاجرون بأرواحهم، وفيما كنت أتهجّى نصًّا عن الحرب والغرقى، كتب إلي شابّ مبدع "ثامر عثمان" نصًّا معجونًا بمعاناة عالية الألم، وجدت أنّ أشارك قارئي العزيز عذاباتها:"صديقي عيسى الشيخ حسن، كان ذلك قبل 4411 يومًا. كان الفجر يرسل خيوطه الأولى بينما نحن منهمرون بتجهيز الـ"بلم"، كنا نحو أربعين شخصًا، بيننا سبعة أطفال لم يتجاوزوا العاشرة، وكان معنا بعض النسوة، أذكر أنهنّ كنّ يتجاوزن العشر. كان الجميع بلا ملامح، رفاقي الذين شاركوني طريق الرحلة، من حارتي الكئيبة حتى الأراضي المنخفضة هنا، أصدقك القول إن قلت إنّني ما عدت أميز ملامحهم، الجميع بلا ملامح، والعيون ترمي بنظرها نحو الشاطئ المقابل. بلغ منّا التمنّي أن نصل الشاطئ حتى ولو صرنا حجرًا، أو تمثالًا يخلد العابرين، فالمهمّ أن نصل.بدأت أحدّق في الوجوه حولي، ترى ما الذي سيحصل لو جاءت موجة ترحيب قد يرسلها البحر، فربّما تطبّع بشيء من طباع العرب لأن صبغتهم غلبت عليه، فيقسم علينا ألا نغادره قبل أن نبيت! ماذا لو قرر استضافتنا عنده لليلةٍ ولو مكرهين؟! قد لا يعجب السمك طعم جلودنا، جلودنا الممزوجة بطعم البارود، وتراب الجزيرة السورية، وحراقات النفط التي شوّهت جلودنا. ستكون جميع علب السردين التي نباع فيها مغشوشة، لن يبتسم السمك بعدها يا صديقي، سيختنق وقد يصاب بشيء من "ضيق التنفس"، ولكن أمرًا واحدًا سيكتسبه منا لو حدثت حرب في قاع المحيط، سيحدوه الأمل ربما لقطع الصحراء الكبرى سباحة في الرمل، لن يبتسم، لكنّا سنعطيه الأمل، وشيئًا من الجنون".

844

| 25 يناير 2017

قطار الشرق البطيء

في تلك المحطة التي توقفت فيها قطارات آتية من الشرق والغرب، نزلنا، وشربنا الشاي، ومشينا، وتعرفنا إلى الكهل على كرسيه المتحرك، وابنته التي تدفع الكرسي، والعسكري العائد من الحرب، والعسكري الغرّ الذاهب توًّا إليها، والرجل الوسيم بنظاراته السوداء، والمرأة الصغيرة تحضن طفلها المريض. كان مساءً مكحّلًا بغيوم خفيفة، يدفعها هواء بارد، خفّف من برودته وشدّته، توسّطه محلّات المحطّة في تلك الواحة. وبدا المشهد ساحرًا لا يتكرّر، وتمنّى الجميع أن تتعطّل القطارات إلى الأبد. وتوهّمت أن الشاب الذي قرأ لي مقطعًا من قصيدة قديمة معي في الرحلة ذاتها، وأنّ باعة "التسالي" من أبناء الواحة في الأصل. قبل أن تصفّر القطارات، جمع الراوي الغيوم والمساء في جرابه، وذهب مع العساكر والرجل المريض في قطار الشرق نحو المدن القديمة، ووثب الرجل الوسيم والشاب غاوي الشعر والفتاة وباعة "التسالي" في القطارات الذاهبة إلى الجهات الأخرى. لم تكن ثمة خيانات أن يهجر هؤلاء الشرق، هكذا كنت أفكّر، ففي الجهة التي أيمّم ثمة فرصة للعيش، هناك من يشتري الحكايات، ويدفع جيّدًا، وثمة وجع صغير في كلّ شارع يحتاج إلى "بيدرو بارامو" جديد، يعيد للعجائز متعة الحكي، ولكنّي كنت ألمس خيبة أمل صغيرة، تكبر وتصغر، وتكبر وتصغر، حين أفكّر في الشاي الذي شربته في المحطّة، ولماذا لم أسرق عدّة الشاي مثلًا، أو أشتريها -حتى- فلا رواية من دون شاي (هكذا قلت وهززت رأسي). فيما العسكر والمريض يشتمون الغائبين، وأحيانًا يتبادلون الشتائم، كنت أقول لنفسي: سأفتش البيوت المهجورة حتى أجد إبريقًا وكؤوسًا وسكّرًا، ولو كلّفني ذلك أن أبحث عنه في جميع البيوت.

437

| 18 يناير 2017

صاحب البئر

تركض الموهبة وحدها في أوّل الشوط، يتيمة، غشيمة، ولكنّها مبهرة في الوقت ذاته، بسنارةٍ قديمة تصطاد سمكًا ملوّنًا، وتبيعه بثمنٍ بخس، وقد تجد سماسرة يعيدون توضيبها، وبيعها في حارات 5 نجوم، صاحبها الشاعر الناشئ أو الشابّ أو الواعد، ومكان الاحتفاء به المسابقات المسقوفة بأستذة تدّعي المعرفة والأبوة والحنان. كلّما تقدما قليلًا في التجربة تمايز الموهوب عن الموهبة، ومشى كلاهما إلى النصّ، أحدهما يتّكئ على الآخر - في الأغلب- وقد يحمله، ويسهر على راحته في مستشفى، أو دار للعجزة، ويقضي كلاهما دون الوصول إلى عشبة الخلود.ليس للموهبة وحدها، أو الموهوب وحده، كبير أثر في النصّ الخالد، ذلك أن النصّ الخالد ينتظر لمسة لحظة قدرية استثنائية تحوّل الفحم إلى ماس، ربّما هو القدر التراجيدي الذي يجعل الكلام البسيط -وليس التافه- ذا قدرة استثنائية في التأثير، وربّما هو عامل الزمن الذي تتخمّر فيه نصوص قديمة، تنتشي بها أجيال جديدة.تخون الموهبة الموهوب، كما تحدث الخيانات في حياتنا عادةً، خيانة امرأة، خيانة صديق. تبتعد عنك فجأة كأنكما لم تثملا يومًا في نصّ. الكاتب الذي يستحق الرثاء هو من يركض وراءها في كتابات متوالية، كتابات تشبه طلقات صيد مغشوشة لم تصطد عصفورًا واحدًا، وقد ينفق الموهوب وقتًا وجهدًا، وهو يحسب أنّه في الطريق إليها، كما حدث لصاحب البئر، الذي حفر عميقًا، فلما وصل إلى نبع الماء، سدّه بطاقيّته، لينظّف تحته، ويعمّق له، فلمّا أعدّ المكان المناسب، نزع طاقيته، ولكنّه لم يجد الماء، التي انسربت في فجوات غير مسدودة. كلّما تذكرت أصدقائي الموهوبين الذين ينقطعون إلى الدراسة، لتعميق معرفتهم بأدوات الإبداع، تذكرت حكاية صاحب البئر.

463

| 11 يناير 2017

حنين

يقتربُ المشهد من لحظاته الأخيرة؛ الصياد يفكّر في قسمة الشفع والوتر، الطريدة في الوصّية، في نص تتفجر منه ينابيع الحكمة والشعر والكلام المغموس بلحظة الغروب والملائكة، يفكّر الجمهور في الفيلم التالي، أو لحظة الاسترخاء الغبيّة التي يغمضون فيها عيونهم، لتمر الكارثة في ثوانٍ، سيقولون كانوا أبطالًا، وربّما كانوا أغبياء، سيؤكّدون على السمة الأخيرة، بهزّة رأس متقنة. يقترب المشهد من اللحظة التي يتصافح فيها اللاعبون بعد المباراة، والحجارة بعد القصف. *قد أعود إلى البيت، هذا واردٌ في منطق الأشياء، وارد جدًّا، ولكن كيف سأمشي الدرب من دمشق إلى القامشلي؟ كيف سأنزل من المحطّة الصغيرة إلى البيت؟ فعلى كلّ سنتمتر من المكان، مشى موت، وقنّاصة ودبابات ونظريات. وهل سيضع السائق شريطًا لأم كلثوم أو لصباح فخري "ربّة الوجه الصبوح؟". وكيف سأنزل إلى المدينة؟ وكيف سأصمد أمام وجوه الغائبين تنادي عليّ؟ *القوس التي حملتها منذ عشرين، سدّدت منها على الحياة والموتى، وأرديت غيمًا، وحجلًا نابتًا في الأغنية. القوس التي كانت صليبي في خاتمة الرحلة. سيسعد الخائفون بمتاهتهم، وسأجري خلفهم، وستمضي هذه التراجيديا قليلة العشب، كثيرة الراتعين". *ستقلمين شجرة الصبر هذا الشتاء، وسينمو انتظار جديد، وعفيّ. لا تشتمي الحظِّ، فطعم هذه الشجرة طيّب، والكحل في عين الشمس ليس غيمة، إنه إشارة وبشارة، ستهمي الغيمة يومًا، وحين تبكي الشمس، فهذا يعني أن المشهد انتهى.ليست الجمال وحدها من غرّبت، الجميع يتخذون الغرب جهةً ويرحلون، الغروب العظيم ذاك الذي يعقب المجازر والخراب. هكذا فعل أوديسيوس الظافر، وإنياس الخاسر، كلاهما وضع الشمس نصب عينيه وحمل زوّادته. ولكن حين تعود الجمال دون الذهب والحنّة، فما عساه يفعل المنتظرون؟

394

| 04 يناير 2017

يا ثلج

أوّل ما وعيت الثلج كان 1972 في قرية الحرملة، كانت ثلجة عابرة، صنع فيها أخي الكبير تمثالًا من الثلج، وبقي في الساحة إلى أن ذاب، ولكنّ الثلج الذي عرفناه فيما بعد، كان في النصّ المدرسي "يا ثلج قد هيّجت أشجاني" لرشيد أيوب، وأظنها كانت في الصفّ الرابع، بعدها بسنوات حدثني صديقٌ راحل عن ذكرى لهذه القصيدة في القرية ذاتها، ذلك أن المعلّم القادم من الداخل (حمص- حماة- الساحل) صار يبكي عندما قرأها عليهم.كان الحنين يومذاك نصًّا مدرسيًّا، لم نتفاعل إلا مع إيقاع مشتبه بين مقطوع الكامل والسريع، ومعجم الثلج والشتاء بين الموقد، والجيران، والطفولة، والمعلّمون الغرباء الذين ظلّت آثار عصيّهم على أيدينا وأرجلنا، كان الثلج هدية الله للفقراء كي يفرحوا ويكتشفوا أشياء جديدة في "حبسة البيت". لكن ثلج 1978، غدر بشابٍ من قريتنا، حين عاد إلى أهله ليلًا، وتاهت معالم الطريق أمامه، حين أثلجت فجأة، وبقي أيّامًا، قبل أن يجده الناس حول القرية. الثلج الذي يذرف الآن فوق المخيّمات السوريّة على الحدود التركية، شبيه بذلك الثلج، بعيدًا عن رعاية المنظمات الدولية، ثلج غادر، يطالب أهلها بشيء بسيط، "كرفانات" فقط لا غير. سيأخذ الثلج نصيبه من الأطفال والشيوخ، أسوة بالقصف والجوع والحصار، ولكنّه الثلج الذي أحببناه، وكان أيقونتنا الأثيرة، ونحن نتهجّى وجع الحنين. ذابت القرية في الماء، وذاب صديقي في التراب، وظلّ رشيد أيّوب ينادي من المهجر "يا ثلج قد هيّجت أشجاني" فيجد في كلّ جيل من يقرأ قصيدته بالدموع ذاتها، دموع المعلّم الغريب، مكملًا درب الاغتراب العربي، في مواسم الهجرة المديدة عن الشرق الحزين وثلوجه السوداء.

3834

| 28 ديسمبر 2016

دمعة حلب

تستحقّ حلب البكاء، على الأقل أن تشاهدها بين يدي الخطّاط وهو يكتب نقطة الباء آخر المشهد، ثمة بكاء لا يشبهه بكاء، ودموع لا تشابهها دموع، وعندما تجتمع نقطة الخطّاط بدموع السماء، فثمة ما يؤكد أن المشهد شتويٌّ، وأن الأطفال الذين تركت لهم الطائرة العراء، يقبضون على معنى حلب، المدينة. حين يعلو الموت ليصل النوافذ، وتعلو الحياة لتصبح في يدي قنّاص، ويعلو الرغيف ليصبح في يد القاتل، فكيف للمدينة أن تترك أولادها. لحلب جنونها، ولكنها السيّدة المحافظة، ولها ولعها ولكنّ إخوتها السبعة نائمون، يا شيخ القدود، وقصرها العالي هدمه الطائر، فلماذا دللت القاتل الذي جاء في ثوب العاشق على المدينة؟ أمس، تعبر النساء طريقًا معبدًا بالعدسات، وبكاء الناظرين أمام الشاشات، ولكنّ ولدًا فوق العاشرة، علمّته الحرب أن يتخطّى طفولته، يتخطّى ألعاب الكومبيوتر، يتخطّى السؤال عن المدرسة، طفل فوق العاشرة بقليل، يقود الجمع، الجمع المديد، لا أحبّ أن أتابعه، ولا أريد لعدسة قناة تلفزيونية أن تستضيفه، ولا لأسرة ميسورة أن تتبنّاه، لتكفّر عن صمتها وتخاذلها، أريد له أن ينشأ بعيدًا، ويأخذ حظّه من الشقاء والتمرّد والحرمان، ليكمل هذا الطريق الذي مشاه بالأمس، ولدًا معجونًا بيقينٍ لم يبصره الكبار. ولكنّ حلب قريبة، قريبة حدّ الحياة التي أراها حين تغفو نشرات الأخبار، وتضيق بالدم والوحل والباصات الخضراء، حلب قريبة، والنساء اللاتي مررن قريبات، فيهنّ رأيت أمًّا وعمّات وخالات، ورأيت جبّ القبّة في وجنتي العجوز المقعد، وهنانو في العجائز الذاهبات إلى الفصل الجديد من الكارثة، هناك... أقصد هنا، رأيت منذ ثلاثين عامًا ، نساءً عائدات من الفرن، وجه الصباح.

451

| 21 ديسمبر 2016

رواية الحرب

اقترحت على أصدقائي على صفحتي في الـ"فيس بوك"، كتابة رواية الحرب، في قصاصات يومية متلاحقة، تتبعها شروحات الأصدقاء وإضافاتهم، وآراؤهم الفنيّة. وأسعدتني موجة ردود مختلفة تعلن وقوفها مع الفكرة، واستعدادها للمشاركة والمساهمة وإبداء الملاحظات. وما أن كتبت القصاصة الأولى، حتى كتب لي صديقان معلومات عن الفكرة التي وردت في استعراض حياة الشخصية الأولى.من جهتي، أحسب أن كتابة الكارثة السورية يجب أن تكون عملًا جماعيًّا يحيط بالشخوص والأمكنة والأحداث والآراء، فالحرب التي شارك فيها "كلّ لسنٍ وأمّةٍ" تحتاج معالجة هادئة خارج التنميط، شخصيات قادمة من بلاد عربية وإسلامية لها ظروفها وأسبابها اصطدمت بخصوصية المكان، وفي المقابل، فالسوريون اللاجئون والنازحون بإثنياتهم وطوائفهم اصطدموا بخصائص الأمكنة الجديدة.تبدأ الرواية من العام 2023، أي بعد سبع سنين، أي بعد مدّة كافية لتضع الحرب أوزارها، وتبدأ استحقاقات النهاية، النهاية التي ينتظرها الجميع بتلهّف وتوجّس في آنٍ معًا، وهنا ستنتظر الرواية صعوبات جمّة، إذ لا يستطيع أحد التنبُّؤ بما يجري غدًا، فهذا في علم الله وحده، ولكنّ مهمة العمل الروائي استبصار الغد بما في يد الروائي أو الرواة من معطيات. وهنا سأضع قارئ الشرق أمام جزء من المشهد الأوّل: "تأخّرت الحوالة شهرين، فمنذ 12نيسان 2023 تنتظر جمانة، أخبرت ابن أختها الشاب في ألمانيا أنها في حاجة إلى 300 يورو، لكن الربيع يودّع الأرض، والحصاد على الأبواب، كانت تريد شراء عنزتين من جارتها، نعم.. رأت في ذلك مكسبًا. في الـ2014 هاجر صبحي العبود، كان ابن الخامسة عشرة محظوظًا يومها، دخلوا من معبر تل أبيض، وصل أزمير مع ثلاثين شابًّا، ولم يكن في جيبه غير 500 دولار".

307

| 14 ديسمبر 2016

معرض الكتاب

استعاد جناح المدينة الشرقي معرض الكتاب، بعد استضافة قصر المؤتمرات موسمين متتاليتين، وقد لفت محبي الكتاب مركز المعارض، بهدوئه، وخفوت أضوائه المريح، ومواقف سياراته المتوافرة.كما لفت الانتباه العناوين الجديدة في إصدارات وزارة الثقافة، وكثرة أوعية النشر القطرية؛ فمن جناح وزارة الثقافة والرياضة راعية المعرض، إلى جناح مؤسسة كتارا للرواية العربية ومنشورات رواياته الفائزة، إلى جناح بلومزبري ورواياته العربية والمترجمة، إلى جناح المركز العربي للدراسات والنشر المهتمّة بالدراسات الفكرية والسياسية. وجميع هذه الدور تنشر من دولة قطر. إضافة إلى دور النشر العريقة الآتية من بيروت ودمشق والقاهرة وعمّان، كما لفت انتباهي مشاركة دار نشر موريتانية لأول مرة وهذا شيء طيب.يلحظ هواة الأدب والكتاب هذا العام تشكيل ما يشبه "ديوانية الثقافة" تستضيف يوميًّا محاورةً أو محاورات في شؤون أدبية وفكرية ورياضية، يعقبها غالباً حفل توقيع أو أكثر في احتفائية واضحة بالكتاب وأهله. وكان صديقنا الأستاذ صالح غريب عرّاب هذه الأماسي، ولعلّ من الطريف استضافة أصغر كاتبة سعودية وكاتبة قطرية أيضًا. ومن اللافت تصالح الكتاب مع دور النشر الأكثر مبيعًا، والتي تنشر روايات وقصصًا تتخفّف من الفنّي وتتجه إلى شرائح واسعة من الشباب، وقد بات هؤلاء الكتّاب ينشرون في هذه الدور، كما لوحظ تنامي مشاركة دور نشر كتاب الطفل حتى بلغت ما يقارب ربع المكان الزاوية (D)، ناهيك عن أكثر من مؤسسة خصصت للأطفال الموهوبين مكانًا للرسم والقراءة.يظلّ التحدّي الأكبر هو غلاء ثمن الكتاب، ما يحول دون دخول شرائح كبيرة من الشباب وذوي الدخل المحدود في نطاق المتسوّقين فيكتفون بمتعة النظر إلى العناوين.

330

| 07 ديسمبر 2016

مروحة الحداثة

ترتبط بهجة المعرفة عندي بالراحل تركي الربيعو، الذي كانت شفوياته الشائقة تماثل المكتوب في مقالاته، لم تكن "سوالف ثقافية" بقدر ما كانت ترجمة للمكتوب الذي اشتغل عليه قراءة وكتابة، فيفيض به على محدّثيه، مازجًا إياه بطرائف مجتمعنا، كان يكلّمني عن ريجيس دوبريه، وتشبيهه الجميل للحداثة بشفرات المروحة:"الحزب والمدرسة والجريدة"، فأقف مندهشين أمام جمال التعبير وجدّته.كانت المراوح جديدة، لم يتجاوز عمرها عشرين سنة، حين جاءت الكهرباء، واشترينا أجهزة التلفزيون والمراوح، والثلّاجات فيما بعد، كان أخي الأصغر بدأ يهتمّ بالخطّ، فكتب على المروحة الصينية ثلاث كلمات على شفراتها "مروحة - تات - لموسى" فنقرأ العبارة حين تدور المروحة بهدوء، نقرأ بصوتٍ عالٍ، حداثتنا الجديدة أيضًا، والحقّ أنها كانت مروحةً جيدة، قاومت انقطاع الكهرباء المفاجئ، ومجيئها المفاجئ سنواتٍ لا أدري كم عددها، ولا أدري إن كانت لا تزال تدور فوق رأس العائلة الآن.لا أتخيّل مروحة بشفرتين، المروحة كالقدر العربي، الذي لا يركب إلا على ثلاث، ولهذا كلما تكلم صديقي عبد الجبار الهايس، وقال يعود الأمر إلى سببين اثنين، صرخت فيه "ابحث عن سبب ثالث"، ولهذا ظلّت مروحتنا ومروحة ريجيس دوبريه، تشيران إلى حرارة الجوّ والأفكار، وبهجة المعرفة التي عرفناها في أستاذنا الوسيم الذي غادر الحياة سريعًا.بعد سنوات زهد الناس في المراوح واشتروا المكيّفات، وارتبطت عندي بما بعد الحداثة، فنظام التبريد المعقّد الذي يوزّع البرد والسلام على مناطق بعينها، أفضى إلى أعطال كثيرة في الأجهزة التي لم تحتمل خرافة العولمة الذاهبة بالضعفاء إلى أيّام ما قبل الكهرباء.عندما تتوقف الحروب - الحرب سابقًا - سننسى المروحة والمكيفات في أغلب الظنّ، ونعود إلى "المهفّة" ونقرأ سيرة بني هلال.

305

| 30 نوفمبر 2016

alsharq
في وداع لطيفة

هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات...

4602

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الكلمات قد تخدع.. لكن الجسد يفضح

في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه،...

3402

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
الإقامة الدائمة: مفتاح قطر لتحقيق نمو مستدام

تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في...

1440

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
استيراد المعرفة المعلبة... ضبط البوصلة المحلية على عاتق من؟

في الآونة الأخيرة برزت ظاهرة يمكن وصفها بـ...

1119

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
حين يُستَبدل ميزان الحق بمقام الأشخاص

‏من أخطر ما يُبتلى به التفكير البشري أن...

1059

| 29 سبتمبر 2025

alsharq
إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق

منذ أكثر من مائة عام ارتُكبت واحدة من...

885

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
النسيان نعمة أم نقمة؟

في لحظة صفاء مع النفس، يطلّ النسيان عليَّ...

852

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
الوضع ما يطمن

لسنا متشائمين ولا سلبيين في أفكارنا وتوقعاتنا ولكن...

768

| 03 أكتوبر 2025

alsharq
تعلّم كيف تقول لا دون أن تفقد نفسك

كم مرة قلت «نعم» في العمل بينما في...

750

| 02 أكتوبر 2025

alsharq
كورنيش الدوحة بين ريجيم “راشد” وعيون “مايكل جون” الزرقاء

في فجرٍ قطريّ عليل، كان البحر يلمع بألوان...

633

| 30 سبتمبر 2025

alsharq
حماس ونتنياهو.. معركة الفِخاخ

في الوقت الذي كان العالم يترقب رد حركة...

627

| 05 أكتوبر 2025

alsharq
النعمة في السر والستر

كيف نحمي فرحنا من الحسد كثيرًا ما نسمع...

624

| 30 سبتمبر 2025

أخبار محلية