رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
وقال لنا جدي: استعدوا لنرحل، فلم يعد لنا مقام في هذه الديار،كنا خائفين نتلمس رؤوسنا بعد كلّ زوبعة، و إن سكنت العاصفة نمنا بعين واحدة. لم تبق شجرة ولا نبتة إلا اقتُلِعت، نفقت الماشية، ومات منّا من مات.تداعت جدران الطين، وسقطت السقوف، وفعل الحريق فعله بباقي البيوت، لم يبق حجر على حجر. فعدنا إلى جدّي ليحتضن من تبقى من العائلة، فثمة ذئاب تعوي في البرية، وريح تغنّي في الليل. كانت المضارب شحيحة الظلّ ، متقشفة الحبال، وكانت البيوت الداثرة مثار خوف ، فمنذ تهدمت سكنتها العقارب. قال الجدّ: لا آباء لكم ، أنا أبوكم ، اسمعوا واطيعوا، هذه البلاد ستلبس السواد سنين عددا، وسيهلك خلق كثير، تعالوا ننجُ بأنفسنا، ثمة طوفان بعد العاصفة. وثمة أمل. صلينا خلف جدّي ، أمّنّا وهو يقنت بنا راجياً النجاة لأحفاده من العاصفة و الطوفان. وقال: الذنب ذنبي ، تركت أولادي يجربون حظهم في الدنيا، فعاد مَن عاد مريضاً بالسفر، و بقي من بقي متعلّلاً بالريح، الريح تأتي وتذهب، و الليالي تُسلّي ولكنها لا تُنسي . وقال لا تنتظروا أحداً، ابنوا بيوتكم الجديدة بحجارة جديدة، واتركوا للعاصفة درباً كي تمرّ، و هزّوا عصيّكم للربيع، ففي كلّ عصا شجرة خضراء. وقال: اقرأوا الحياة بحب، فإن لم تجدوا فبحكمة، فإن لم تجدوا فاتركوا أوراقها إلى حين، فإن كانت خضراء فصرّوها لأولادكم، فربّ حكمةٍ تنتظر، و إن كانت ذابلة فاتركوها إلى حين فربّما عادت رطبة. وقال :لا تقيموا طويلاً في الخيام، فلا حياة في مدر، ولا ندامة في حجر، كل البيوت تتهدم، وتنهض، حين تسكن العاصفة سنعثر على الدار، الدار لا ترحل. كان جدي يطوي رغيفاً في يده، وأحفاده يبحثون في هيكل سفينة عن مركب يصلح للمشي على أرض تسيل فيها النار، كان جدي يبتسم ، وكنا نصنع المركب العجيب، و نسأله عمّن يركب أوّلاً، الأبناء المرضى، الأحفاد الأشقياء، الأحفاد الصالحون، مدرّس اللغة الإنكليزية، بنت عمي التي لم تر أباها، قفص الدجاج، جدّتي ، الأطفال الرضّع ، البقرة ، المسدسات الجديدة، السيف القديم، خابية الماء، عمّتي العرجاء، عمّي الذي كان شاعراً ثم صار معلّم أولاد الوالي، ابن عمّي المقيم في القرية الآمنة، الولد الذي ركّب قطع المركب القديم ، عدّة الشاي و القهوة، السجّادة العجميّة، بذور الحبّ والشجر. كنا نتناقش، وجدي يطوي الرغيف، ويبتسم، لم تكن جبهته غير غيمة سمراء، وكان يبتسم، والرغيف في يده ، ونحن جائعون وخائفون، نتقدم منه ، ونسأله ، ونمدّ أيدينا، وجدّي هناك ..هناك غيمة سمراء هربت من حضن جدّي وأمطرت ..أمطرت كما لم تمطر، ذاب وجه جدي ..و أيدينا الممتدة عادت مبتلّة بالدم.
483
| 25 يونيو 2013
حلب رغم ماضيها السحيق؛ إلاّ أنّ حلب تأخذ أبعادها في الذاكرة العربية بدايات القرن الرابع الهجري وولادة الدويلات المدن في ظل ضعف المركز بغداد ، فمع تمدّد الحمدانيين بين الموصل و حلب على أكتاف الفرات الشامي، كانت عبقرية شعرية تبحث عن موضوع يسعها، وكانت الإمارة الصغيرة قبضت على مبرر وجودها، ونبت مثلث صغير في ذاكرة التاريخ والأدب والوجدان القومي رؤوسه ( سيف الدولة الحمداني- أبو الطيب المتنبي – حلب) ، وفي غضون تسع سنوات تدفقت نصوص عبقرية كمنت في كهوف النسيان إلى أن أتاحت لها صحوة العرب المتأخرة الحياة المتجددة في متون الكتب والدواوين وكراريس الجامعات ودفاتر الطلاب وقصاصات الجرائد و حكايات العجائز ودروس الجامعات وساعات الدراما، و أغاني المطربين، فقد وجد هذا العراق في حلب ما لم يجده في الكوفة ولا في بغداد، ولن يجده في مصر ولا في بلاد فارس. مات سيف الدولة وسبقه المتنبي وبقيت حلب بقلعتها وحواريها وأهلها، حاضرة الفرات الأعلى، مرّ الصليبيون و المغول ، ومرّ المماليك والعثمانيون ، ومرّ الفرنسيون ، والمدينة تبتكر حيوات متجددة، تمدّ يدها للفرات والجبال و الصحراء ، وتحتضن الملل والنحل، و تعلّم العابرين معنى المدينة، وفنّ التعايش، وحلب من مدن الشرق القليلة التي تستطيع أن تنسى، لأنها مدينة. حلب أبينا إبراهيم عليه السلام وبقرته الشهباء، حلب الفارابي وابن جني و أبي علي الفارسي و كشاجم ، حلب عماد الدين الزنكي، حلب السهروردي والظاهر بن صلاح الدين، حلب ، حلب سعدالله الجابري و إبراهيم هنانو، حلب القوافل القادمة من الشرق والغرب، حلب القبائل العابرة محمّلة بخبز الطابونة والأدوية وجهاز العروس، حلب القناصل على مقاهي القرن التاسع عشر يحلمون بشرق لبون، حلب عشائر الصاخور وطريق الباب وتركمان الحيدرية وأكراد الأشرفية. حلب السمّيعة، والقدود، و صبري مدلّل وصباح فخري، حلب الزيتون والزيت والصابون والكباب والفول وسوار الست والبقلاوة والمشبّك والفستق . حلب الشاعر عمر أبو ريشة والسينمائي مصطفى العقاد، والروائي وليد إخلاصي، حلب الفجر الذي تعلن عنه ألف مئذنة، حلب باريس التي يتصل ليلها بنهارها، ويابان الشرق التي تلبس مما تنسج ، وتأكل مما تزرع، حلب باب النصر وجبّ القبّة، حلب أمّ الفقير وبنت ( الأكابريّة) وسلطانة الطرب، حلب الجامعة والجامع، والدروب التي تنتهي إلى الساحات، أو تنسدّ بين الحارات، حلب الهوامش التي اتّسعت لكادحي القرى العائدين من مواسم القحط و الهجرة ، حلب قوافل الروس والرومان ، حلب الأندية و المنتخبات و ( ديربي) الأهلاوية و العرباوية.حلب الطلبة المتناثرين في سيف الدولة و الخالدية وصلاح الدين، الحالمين بأفق أزرق تركوه هناك على الدروب. حلب التي تكبر على الجرح والدمار والضباع والذئاب ، حلب التي تفقد حاراتها شلواً شلواً ، حلب التي تستعدّ للزلزال وتدرك أن الصواريخ التي تدك أحياءها لن تطهرها ولن تحررها، حلب التي تغص بأبنائها الباقين ، وتلوّح لأبنائها المغادرين، و تلمّ حضنها على مسجد عمره ألف عام، حلب التي تركتني هناك طفلاً يمسك بيد أبيه في ساحة بنقوسة ، و شاباً يذرع ساحة كلية الآداب يمرّ بالشجر المقصوص للتوّ مقلداً ( ميراي ماتيو) . حلب التي يصرخ مطربها :" ما موت إلا بحلب"، ويشفق شاعر العربية الأول من ليل فتى فتيانها الطويل،حلب الأشهى من حبيبة والأبعد من نجم؛ كم من الموت يلزمنا لنغني أكثر.
409
| 18 يونيو 2013
سلام على حاراتها ، وشارعها الرئيس/ المكتبات/ وأعمدة الكهرباء التي تئن تحت ثقل لافتات الأطباء / سلام على ناقلات الركاب الشعبية / وغبار الثانية ظهراً/ على شارع البريد / المركز الثقافي / نقابة المعلمين/ (كراج) تل حميس/ سلام على مطاعم الداندرمة ( الأيس كريم) و الطيبوناهي) / و(القيمر)/ على سوق الأتراك / والنساء بالهباري الملوّن/ العَرَصَة/ أسواق الخضار واللحمة/ والفرن أمام المسجدالشمالي/ قيصرية برو/ المستشفيات الخاصة أمامها البيك آبات وعلى الأرصفة رجال يفترشون الأرصفة/ شارع الوحدة / سلام على وقت وصول الجرائد/ سلام على الصدف التي جمعتنا بأصدقائنا في شوارعها/ ال ق ا م ش ل يناهي) / و(القيمر)/ على سوق الأتراك / والنساء بالهباري الملوّن/ العَرَصَة/ أسواق الخضار واللحمة/ والفرن أمام المسجدالشمالي/ قيصرية برو/ المستشفيات الخاصة أمامها البيك آبات وعلى الأرصفة رجال يفترشون الأرصفة/ شارع الوحدة / سلام على وقت وصول الجرائد/ سلام على الصدف التي جمعتنا بأصدقائنا في شوارعها/ ال ق ا م ش ل يناهي ( اللقيمات) و(القيمر)/ على سوق الأتراك / والنساء بالهباري الملوّن/ العَرَصَة/ أسواق الخضار واللحمة/ والفرن أمام المسجد الشمالي/ قيصرية برو/ سلام على مستشفيات القطاع الخاص.. أمامها سيارات البيك آب والرجال القادمون من القرى وهم يفترشون الأرصفة/ سلام على شارع الوحدة / سلام على وقت وصول الجرائد / سلام على الصدف التي جمعتنا بأصدقائنا في شوارعها. ** إلى محمد المطرود: لا تنتظر السكين .. كلما تقدّمَتْ لهَثَتْ خلفك .. وكلما تقدمْتَ زرعت شجرةً أو رعيت غزالاً.. السكين يد الجبان.. والرصاصة ومضة سوداء يترجمها القتيل إلى وردة .. السماء تتقدم يا محمد .. والموت بحروف ثلاثة .. ربما سأكتب قصيدة .. ربما سنكتب .. أو نغني .. أو نبكي .. ونحن نسمع "جبار عقار" .. أو "الملا ضيف الجبوري" .. أو نشاهد طفلاً نجا من مجزرة . ** القصير: من يوم يومنا ونحن على طرفي نقيض، أجدادنا البعيدون تقاسموا ملعب الكراهية فريقين بلون عبس وذبيان، ثم بكر وتغلب . ثم انتقل (الكلاسيكو) شمالاً بين الغساسنة والمناذرة. وبعيد الإسلام بقليل لعبنا اللعبة ذاتها على يمينك القيسيون ، و على شمالك اليمانيون، وهتفنا لدوري الكراهية المحتدم وفرقه التي تألقت في مواسم الدم .. سنّة شيعة خوارج معتزلة مرجئة جبرية قدرية .. بصريين يخيطون ثياب اللغة ، كوفيين يجرون الأسماء من آذانها. اشتراكيون في الشرق، رأسماليون في الغرب، جنوبيون في صنعا، شماليون في عدن. العرب كانوا دائماً عربين، ومازالوا... عرب الياهو ، وعرب الهوتميل، عرب الريال ، وعرب البرشا ، عرب الفيس و عرب التويتر، عرب الآي فون وعرب الغالاكسي، وفي كلّ مقارنة يجب أن نقول : يجوز الوجهان ، و لهذا فإن ملعب القصير الدولي ..يستضيف مباراة بين فريقي جبل محسن وباب التبانة على كأس لبنان برعاية سيدنا ومولانا وقائدها ومتعبنا وذابحنا وناتفنا وطابخنا .. وآكلنا.. المباراة منقولة مباشرة عبر الجزيرة والميادين .. والعربية والعالمية .... لكل مشاهد صاروخ مجاناً. ** إلى محمد علاء الدين عبد المولى: " أراك عصير الدم شيمتك الذبحُ .. أما للمدى ماءٌ عليك ، و لاقمحُ" * بلى أنا عصفورٌ وتحتي قيامةٌ.. ولكنّ مثلي لا يُضاءُ له جرحُ وتوشِكُ تُبكي الذكرياتُ حكايتي.. إذا هي مرتها الشعانينُ والفصحُ معللّتي بالـ"ـوعر " والموت دونه .. إذا متّ في المنفى فلا أعشب السفحُ البيت الأول للشاعر السوري محمد علاء الدين عبد المولى.ناهي) / و(القيمر)/ على سوق الأتراك / والنساء بالهباري الملوّن/ العَرَصَة/ أسواق الخضار واللحمة/ والفرن أمام المسجدالشمالي/ قيصرية برو/ المستشفيات الخاصة أمامها البيك آبات وعلى الأرصفة رجال يفترشون الأرصفة/ شارع الوحدة / سلام على وقت وصول الجرائد/ سلام على الصدف التي جمعتنا بأصدقائنا في شوارعها/ ال ق ا م ش ل
526
| 12 يونيو 2013
يعرف المهتمون بالتصفح الإلكتروني تلك المواقع التي تتيح للقراء اقتناء مجموعة هائلة من الكتب المعروضة بصيغة الـ pdf، وقد اختصت مواقع كثيرة بتوفير أمهات الكتب في التراث العربي وكلاسيكيات الأدب العربي منه والمترجم، ولكن المثير في الأمر أنّ هذا النوع من المواقع بات يعرض لكتب صادرة حديثاً، فمن الممكن أن تتصفح كتاباً صدر في العام 2013 بكل سهولة بعد أن عزّ تملكه ورقياً لعدم توفّره أو لارتفاع ثمنه. كأن تتصفّح كتاباً أثار ضجة حديثاً كرواية " ساق البامبو" للكويتي سعود السنعوسي التي فازت بالبوكر العربية هذا العام. ورغم الشعور بالرضا أن القارئ العربي بات في مقدوره قراءة أهم الكتب الحديثة، إلا أن ثمة جدالاً دائراً يدور همساً أحياناً وبصوت عالٍ مرة أخرى عن الجانب الأخلاقي في هذه المسألة، فهذه الكتب المتاحة لم تحظَ في التأكيد بإذن الناشر، ويعرف المهتمون أن كثيرا من الناشرين أشدّ تعاسة من القارئ، وأنهم يعتاشون على الدريهمات القليلة من بيع عشرات وربما مئات النسخ من كتاب يتقاسمون مرابحة البخسة وكتاب أكثر بؤساً، فالكتاب العربي عموماً يقوم على كاهل البؤساء الثلاثة؛ الكاتب والقارئ والناشر. فمعظم الكتاب لا يعتاشون من الكتابة وهم إما موظفون يكتبون بعد نهاية الدوام، ويقرأون نهاية الدوام، وأما الناشرون فمعظمهم ينشر دون المائة عنوان سنوياً من العناوين ذات الألف نسخة، يحتاج منها إلى ثمن 500 نسخة لتغطية تكاليف النشر، هذا إذا بيعت الكمية كلّها. لكن ما يجري الآن وفي تسارع غير مسبوق وبحماسة منقطعة النظير يتبرع بعض الشباب لتوفير الكتب مجاناً للقراء، فالأمر يقتصر على تصوير نسخة واحدة من كتاب يمكن شراؤه أو استعارته، وبعد ذلك يتم رفعه إلى موقع معروف مثل الفورشيرد ويصبح الكتاب متاحاً لكلّ من يرغب في تحميله. يبدو الأمر مقبولاً ومشجعاً، ولكنّ نظرة إلى أثافي القراءة العربية تجعلنا مشفقين على الناشر الذي ما أن يعلن إفلاسه حتى تنهار حجرتي الدومينو الأخريين. لاشكّ أن تقنية الـpdf قد أتاحت لعدد غير قليل متابعة الصحافة اليومية بتشجيع من مواقع الصحافة ذاتها، لأن الجريدة تعتمد في دعمها على الإعلان، ولاشكّ أن بعض الكتّاب قد تنازل عن حقوق النشر مثلما فعل الكاتب السعودي عبدالله الغذامي الذي سمح لأن تعرض كتبه بهذه التقنية لتوفيرها إلى طلبة الجامعة في فلسطين المحتلة، ولاشكّ أن بعض مؤسسات النشر غير الربحية غير مهتمّة بنسبة المبيعات، وأعني دور النشر التي تدعمها الحكومات أو المنظمات. ولكن يجب أن نفكر بأولئك الناشرين الذين يكسبون لقمة عيشهم من نشر عنوان مهم، فهؤلاء سيتلقون ضربة كبيرة بمجرد نشر العنوان إلكترونياً. وفي رأيي أن الحلّ موجود، فلا يمكن وقف النشر الإلكتروني بداعٍ أخلاقيّ والعالم كلّه يلهث وراء كلّ تقدم، ولكن يجب أن يتلقى أصحاب دور النشر دعماً من الحكومات بمبالغ سنوية تشدّ من أزرها، أو من جهات ربحية كالمعلنين الذين قد يجدون على أغلفة الكتب ما يروّج لمنتجاتهم، كما يمكن لهم أن يتيحوا تقنية شراء الكتب إلكترونياً بسعر معقول كدولار واحد لكلّ نسخة، أو ربع دولار في الدول الفقيرة يدفع عن طريق بطاقة الائتمان المصرفي. فإن بيع عشرة آلاف نسخة في شهر واحد من كتاب جديد بربع دولار في الشهر، خير من بيع خمسمائة نسخة على مدار أربع سنوات مهما كان ثمنه.
703
| 28 مايو 2013
الشاعر السوري المغترب محمد بيجو، كتب في صفحته في موقع التواصل الاجتماعي " فيس بوك": " لا جديد غير خط أسود / على زوايا صورنا ".، مشيراً إلى موسم الموت الخصب المقيم في بلادنا، فمنذ سنتين وعدّاد الشهداء يدور بلا توقّف، صرنا أرقاماً على الشاشات تقفز من طور إلى طور، وها نحن دخلنا إلى الرتبة السابعة ببلوغ أعداد الشهداء قرابة مائة ألف شهيد. محمد بيجو الشاعر الكردي الرقيق يألف الموت ويكتب عنه ككردي: " الأكراد يموتون في آذار / أرواحهم ربيع السماء". وكسوري أيضاً: " عليكم بالوضوء ثم الصلاة إذا أردتم التيمم بتراب سوريا "، يعيش هويته منسجماً مع ذاته، في منطقة تشهد موزاييكاً ديمغرافياً وديعاً، بلغت الألفة بين مكوناته ما يصل إلى حدّ الحكايات رغم التصعيد الإيديولوجي في السنوات الأخيرة. وتشهد مدارسها وأسواقها ومشافيها عيادات أطبائها ودوائر العمل فيها تناغماً عجيباً بين شرائح اجتماعية مختلفة، فقد يكون المعلم كردياً والطلاب سرياناً أو عرباً، وقد يكون الطبيب سريانياً ومرضاه العرب والأكراد ينتظرون بالعشرات، والعكس واردٌ أيضاً، ولعلّ من شهد أصحاب سيارات النقل الخاصة العرب ينقلون العائلات الكردية في أعياد النيروز، أو من شاهد المعلمين المسلمين يباركون لزملائهم النصارى أعياد الميلاد، والعكس واردٌ كذلك. يروي لي الكاتب والصديق عصام حوج عن حادثتين فريدتين عام 2004 في أثناء أحداث القامشلي على خلفية مباراة كرة قدم بين فريق الفتوة " الديري" وفريق الجهاد من القامشلي ومعظم لاعبيه من الأكراد، وذلك على خلفية احتلال العراق، قال لي: كان هناك طالبات كرديات يدرسن في الحسكة حمتهنّ أسرة ديرية وأوصلتهنّ سالماتٍ إلى ذويهن، وفي المقابل كانت هناك أسرة ديرية في القامشلي وسط حيّ كردي حماهم جيرانهم ولم يصابوا بأي سوء في ذروة الغضب الشعبي، ولعلّ حكاياتٍ أخرى أيضاً قد طُمست في ظلّ التصعيد والتطرف الذي تشهده سورية، فقد قرأنا حكايات مماثلة في حمص بين العلويين والسنّة، قبل أن يلتهم التطرف والدماء النازفة كلّ حكايات المحبة. في عام 1998 فزت بجائزة عبدالوهاب البياتي وكان هذا إنجازاً يضاف إلى بلدي سورية وإلى مدينتي القامشلي التي أعادت الكرّة عبر صديقي أديب حسن محمد، وفي لفتة رائعة احتفل بي المركز الثقافي في المدينة وكان قارئو تلك الإطراءات النقدية من أصدقائي الأكراد. في الوقت الذي نؤطر صور شهدائنا بخطوط سوداء في زواياها، ونرمي التحية لأصدقائنا الذي تناثروا في المنافي، ومنهم محمد بيجو، فكلنا أمل أن تظل صورة المحبة، وصورة البلاد دون شريط أسود.
5044
| 21 مايو 2013
في الحلقة الأخيرة من برنامج أمير الشعراء، أدهش الحاضرين شاعر أسمر من بوركينا فاسو بنص مكتمل الملامح، بعيداً عن صخب النصوص الأخرى، كان نصاً هادئاً وصادقا، يتحدث عن اغتراب صاحبه، وعن أشيائه الأليفة الحميمة، ورغم هدوء النص وهدوء صاحبه إلا أن تفاعل الجمهور أثبت أن الشعر الحقيقي يصل. توقعت أن يحظى الشاعر عبدالله بيلا بتقريظ لجنة التحكيم وتشجيعهم لنجاح العربية أن تجتذب شاعراً غير عربيّ كي يبدع فيها، ويتألق ويصل إلى دور متقدم في المسابقة الأثيرة، غير أن لجنة التحكيم عاملته بقسوة فالمرتاض حاسبه على نطق "حنجرة – وعريت"، وفضل ورغم إطرائه إلا أنه لفت إلى قصيدته (غير المنبرية) وزاد عليهما بن تميم الذي استعرض ثقافته في تفكيك النص دون داع، ليثبت له أن قصيدته عادية بعيدة عن وهج الشعر، وكنت ألمح ردّ فعل الشابّ الحزين المحبط، وليفاجأ الجميع أن نصّه نال الدرجة الأدنى، ولا أدري لماذا عومل الشاعر بمثل هذه القسوة بدلاً من استعمال الرفق في مثل هذه الحالات المشجعة في أن ترى لغتك تجري على ألسنة الآخرين. لقد سبق للجنة أن تعاملت بقسوة مع متسابق إيراني من آل الكعبي في تصفيات إحدى السنوات، وقال له أحد المحكمين، من إيران وتريد أن تكون أمير الشعراء؟ ناسياً أنه من عائلة الكعبي العربية، وناسياً أن أمير شعرائنا الأول (أحمد شوقي) غير عربي المنبت، وناسياً أن أهم شعرائنا وأكثرهم اعتزازاً بعروبته (نزار قباني) من أصول تركيّة، فلماذا حين ينتمي شاعر وجد في العربية وعاء لفكره ولسانه يتعرض لهذا الجفاء والجفاف. ففي كل اللغات ذات الامتداد العالمي، تفقد اللغة مركزيتها وتصبح ملكاً لمن يستخدمها ويطوّرها، فالإنكليزية اليوم ليست حكراً على الإنكليز، ولا عجب أن تجد مبدعين بها من الهند أو كندا أو السودان، والفرنسية اليوم منطوقة أجزاء واسعة من إفريقية، ولا أظن سنغور السنغالي والطاهر بن جلّون وآسيا جبار إلا أسماء تجري على ألسنة طلبة فرنسا إن لم يحفظوها ويستظهروا بعض إبداعات أصحابها فلن ينجحوا. لقد نزعت لجنة التحكيم إلى تبنّي قصيدة النيوكلاسيك، التي وجدت في عبدالله البردوني أحد أهم ممثليها، في حين ترتفع عراقياً على يد محمد حسين آل ياسين وعبدالرزاق عبد الواحد، ولعلّ جولة تذكر بسيطة ستحيل المهتمين على بعض مبدعيها كمحمد مصطفى درويش من سورية وحبيب الزيودي من الأردن، وفي البرنامج برع العراقي حازم التميمي والسعودي محمد يعقوب وكثير ممن تلاهما في السنوات الأخرى، ولكنّ المتأمّل سيجد في تلك النصوص تشابهاً وتكراراً، واقتباساً واتكاء وتناصاً، وما إلى ذلك من تعالق مع نصوص أخرى، إضافة إلى تكلف القوافي، مما أدى إلى مراكمة نصوص تبرق وتبهج إلى حين، ولكن من يتذكر رائية حازم التميمي الآن، كما يتذكر قصيدة في القدس لتميم البرغوثي؟ كان حرياً بلجنة التحكيم التي أثنت على نصوص عادية بلغ الثناء فيها حدّ التسجيع، أن تكبر في عبدالله بيلا عشقه للغة العربية، وأحمد الله أنهم لم يتحكموا بمصير ابن برد أو أبي نواس أو ابن الرومي، لأنهم لا ينتسبون إلى قحطان وعدنان. في روايته العبقرية "الحب في زمن الكوليرا" يصور ماركيز أحوال العاشق الذي أمسى شاعراً حتى إن تقارير العمل التي يكتبها صار يكتبها شعراً، ولكنه كان دائماً كان يخسر في مسابقات الشعر الموسمية، وكان الفائز في إحدى السنوات صينياً استطاع أن يتمثل اللغة الإسبانية ويبدع بها، لا أنصح ذلك الصيني أن يشارك بمسابقة أمير الشعراء.
903
| 14 مايو 2013
في التغريبة السورية يجد القارئ عشرات الأسماء المبدعة التي آثرت النفي الاختياري، قبل أن يبدأ الحراك السوري، ولعلّ المتأمّل في جسم المشهد السوري الجديد سيجد أن نسبة من الأسماء المهمة والمجتهدة تعيش خارج البلاد، لأكثر من سبب رغم أن المنفى واحد، بحسب الشاعرة الكويتية سعدية مفرح. ويعجب المرء عندما يعرف أن أهم شعراء سوريا وأدباءها الذين وسموا في القصيدة العربية كانوا مغتربين، " نزار قباني- أدونيس، عمر أبو ريشة، سليمان العيسى، عادل قرشولي، مردوك الشامي، زهير غانم.. مثالاً". وفي الدوحة كان الشعراء السوريون الشباب جسم جماعة قلق الشعرية ومنهم إسماعيل الصمادي وبسام علواني وعبدالله الحامدي وماجد قاروط ومحمد مصطفى حسين، وفي الإمارات العربية المتحدة أسهم ويساهم حسان عزت وحسين درويش وغالية خوجة وعبد الرزاق درباس وإبراهيم اليوسف وياسر الأطرش وغيرهم في إثراء المشهد الأدبي من خلال عملهم في المنابر الثقافية هناك، وفي الكويت يقيم منذ زمن طويل الشاعر ركان الصفدي والكاتبة سوزان خواتمي، وفي مصر الشاعر خلف علي الخلف، وكان يقيم قبلها في السعودية ومعه الشاعر إبراهيم قعدوني ومروان خورشيد، وفي تونس ظل هناك ولأكثر من عقد الشاعر هادي دانيال، وفي أوروبا الغربية وكندا نمرّ بأسماء مروان علي وكاميران حوج وخليل النعيمي وحسين الشيخ وفرج بيرقدار ومرام مصري وجاكلين سلام.. وغيرهم كثير وكثير ممّن ذاقوا طعم الغربة، لا يكاد يمرّ يوم إلا وشاهدت لأحدهم أو بعضهم نصاً في جريدة، أو خبراً عن نشاط، وقد ذكر في التعريف أنه: " سوري مقيم في.........". ومع الكارثة الدموية التي لا تزال تحط رحالها، أمست التغريبة السورية وجعاً مشتركاً بين أبناء البلاد، فلا توجد عائلة سورية اجتمعت على مائدة منذ عامين، ما من عائلة إلا فقدت شهيداً أو شريداً، إن لم تكن العائلة ذاتها استشهدت أو تشردت، وكان نصيب الأدباء كذلك وقد قضي شهيداً على يد القتلة الكاتب إبراهيم خريط والشاعر محمد وليد المصري، وتشرد معظم شعراء البلاد في الداخل والخارج، فإلى الجزائر غادر المسرحي نجم الدين السمان، وإلى الدوحة غادرت الشاعرة ابتسام الصمادي، وإلى أبو ظبي غادر الكاتب رياض نعسان آغا، وإلى الأمصار المختلفة غادر عبدالقادر الحصني وعمر إدلبي وعبدالناصر العايد وعمر سليمان ومحمد جمال الطحان وغيرهم. صار أمام السوري وجبته التراجيدية الخالصة، وصار أمام كتابه وشعرائه مادّة دسمة ليكتب فيها ما يشاء، عن مأساته مع النظام والمعارضة والعالم بأسره، عن اللاجئين والمخيمات، عن الفقر والجوع، عن الموت المجاني بكلّ أشكاله، عن الحقد الذي يصل إلى حدّ القطيعة بين مكونات الشعب الذي كان في بداية الثورة: " واحد –واحد- واحد"، وعن الأمل الذي ننتظره.
816
| 07 مايو 2013
أشهر محمد المطرود قلبه في وجه الحياة، بابتسامته وحزنه وقصيدته، أتمثله حين أستعيد نص الشاعر محمد سيدة: " لهفتي عليكِ / مأساة شاعر / نازل الهواء/ بسيف الكلمة الطيبة". ثمة شعراء كثيرون يكتبون نصوصاً جيدة وربما رائعة، ولكن محمد المطرود قصيدة تمشي على الأرض، بروحه التي ترفرف في فضاء المشهد السوري، خصوصا في الجزيرة السورية حيث يشكل المطرود أيقونة محبة تتقاطع عليها خؤولته الكردية ودماؤه العربية، وبين هاتين الضفتين تشكل عالم محمد المطرود، نهراً من ألفة وحزن كنا نقرؤه جميعاً، كوطن صغير تحطّ فيه حكايات الأسرة التي غادرتها الأم باكراً، قرأنا ذلك في مجموعته الأولى " ثمار العاصفة" التي قدمته إلى المشهد السوري شاعراً مكتمل الأدوات، يروض قصيدته كسائس عجوز، أتقن لعبة الوجع والحلم، وأدمنها، قبل أن يضيف مجموعته " سيرة بئر" التي يطوّر فيها تجربته الشعرية ذاهباً في سؤال الهوية والوجود معاً مذهباً جديداً، يسعى فيه إلى رسم إحداثيات روحه، في الوقت الذي يجري فيه جردة حساب مع الماضي. ثم ديوانه الأخير " ما يقوله الولد الهاذي". ينتمي المطرود إلى جيل التسعينيات السوري، كأحد المشتغلين على قصيدة النثر، وذلك في خضمّ الوهج الإعلامي الذي حظي به السوريون من شعراء قصيدة التفعيلة، مما عرض قصيدة النثر نسبياً للتهميش، ولكن محمداً ظلّ وفياً لنصه، ماضياً في زرع الكلمة الطيبة، في الوقت الذي بدأت تتشكل فيه ألفة طيبة في مدينته القامشلي بين أدباء شباب يحلمون بمدينة ترتقي فوق العصبيات الإثنية، فكنا نجتمع في مقاهي المدينة، أو في بيته، أو في عيادة الشاعر أديب حسن محمد، في لقاءات تضمّ أحمد الشمام (الشرابي) وعمار الجمعة (الطائي) وأديب حسن محمد(الأومري)، ومحمد المطرود (الشمري) والضيوف القادمين إلى المدينة من سفر طويل. وقد نجح هؤلاء الشباب مع كثير من أصدقائنا في تأسيس مهرجان القامشلي للشعر، الذي ضمّ أهم الأسماء الشعرية والنقدية في البلاد. في غربته الأولى (الكويت) لم تكتمل التجربة أكثر من سنة، رغم كثير من النصوص التي أضيفت إلى تجربته: " كما لا أثر لفقد في حياتي/ حركني الشوق هذا الصباح/ باتجاه حديقة ليل البارحة/ كان الخريف قد مرّ بالشجرة في غيابي/ وعلق اسمي مع ما علق من الريح/ رميت سهما صوب عدوي/ لم أسمع صوته". أو كالنصوص التي تلته فيما بعد، والتي يتداخل فيها السردي والشعري، وتكشف عن حنين قاسٍ لقريته في (جنوب الردّ) وهو مصطلح جغرافي، لمنطقة تخاصر شمال غرب العراق، تعاني دائماً الجفاف والقحط: "وأنا لست بربريا، أنحدر من غبار الجنوب وأصوات مهربي الدخان ليلا، الرصاص، كواشف الضوء، والساتر الحدودي، ثمة ما أقوله لهم وما يقولونه لي، فتتوقف الحافلات... ويقول عمار الجمعة: اكتب قصيدتك البربرية فأقول: أين القصيدة، لأهرب من ظلي في الليلة المقمرة هناك؟، النهار يلزمه الكثير حتى يلحق بنا وتكتمل دورة الدهشة فلا تخف، وقل ما أقلنا وما أسعدنا!". شارك محمد في الحراك السوري مبكراً، وتعرض للملاحقة فآثر الهجرة ميمّماً أرض غوته وتوماس مان وغونتر غراس، تاركاً ابنته هناك، ولا يجد ما يقوله لها في يوم ذكرى ميلادها الثاني، إلا مقطعاً يغرق في الألم والشعرية: " بابا" نشيدُ يَارا الصباحي، تُردِدُهُ لي كتلميذةٍ نجيبةٍ، وأسمعُهُ نافضاً كُلَّ تعبِ الحياةِ في منفضةِ السجائرِ التي لا أدخنُها، اليومَ تُتِمُ يارا سنتَها الثانيةَ بلا يدِ الأبِ وبلا مستمعٍ إلى النشيدِ، يا الله ما أكبرَ دمعتي هذا الصباح"!!
508
| 30 أبريل 2013
محمد علاء الدين عبد المولى؛ شاعر سوري من جيل الثمانينيات، ومن مدينة حمص التي أنتجت في الفترة الأخيرة خيرة شباب المشهد الشعري السوري، أذكر منهم طالب هماش- عمر إدلبي- تمام تلاوي- سامر رضوان- حسان الجودي. وإن كنت قرأت له في منشورات اتحاد الكتاب العرب؛ إلاّ أن نصه الذي استفزّني كان من ديوان شعر جديد، اقتنيته من دمشق قبل سفري إلى الدوحة عام 2000، لا أذكر اسمه بالضبط ربما " مراثي عائلة القلب"، كان النص يؤرخ لعائلة الشاعر التي فقدت شابين في أحداث الثمانينيات التي وُضعت على ضخامتها في خانة المسكوت عنه، كان النصّ خارجاً من وعورة نصوص الحداثة، وضبابيتها، وغموضها، يضيء من خلالها المسكوت عنه بجمالية موجعة، وقد تماهى بعائلة يوسف عليه السلام، القصة التي شهدت ضجة كبرى بداية التسعينيات على ضوء تجسيدها سينمائياً من قبل الراحل يوسف شاهين. غير أن محمد علاء الدين عبد المولى، يكتب عن يعقوب آخر، فقد شابين من أولاده وليس واحداً، لا يعرف لهما أثراً، ظلاّ هناك على ذمة الغياب: "وكان أبي جامعاً من عذابٍ/ ينير مساءَ الخميس أصابعه العشرَ حتى الصباحِ/ يبخّر أوراقه النّبويّةَ/ يغفلُ في نشوةِ السحرِ عن قلبِه/ إلى أن أفاقَ على صوت رعدٍ/ يديرُ شؤون الخرابِ على رهبة الصّولجانِ / فقام ليطرد شرّ الطبيعةِ/ حرّك بعضَ الرموز/ وأنعش جنّيّةً صرخت/ لا أرى أيّ ضوء بهذا الدخانِ/ ولم يدرِ أن الحقيقة أقوى من الجانِ/ فوجئ أن أصابعَهُ العشرَ قد فقدتْ إصبعين/ تأمّل داخله فرأى حزن يعقوب فيهِ / وكان لدى والدي يوسفان/ فقدناهما مرّةً واحدةْ/ ومازلت أسأل بادية الشامِ عن أثرٍ لقميصٍ/ وعن عنقٍ لم يزل يتجلّى / كمئذنةٍ رمضانيّةٍ في السحورِ الأخيرِ/ وأسأل راعي الحمادِ/ أيا من رأى يوسفاً.. سالَ من ههنا دمه / قبل أن يفتح الفجرُ أبوابه/ من رأى نصفه. ربعه/ أو سلاميّةً من أصابعه / غرّةً كان يلهو بها في غروب فقيرِ/ فلا بدّ من أثرٍ لتصدّق أمي نبوءتها/ وتكفّ عن النوم بين القبورِ/ أفتّش بين الشواهدِ عن اسم يوسف/ كي تقرأ الفاتحةْ". قرأت أكثر من مرة على أصدقائي العبارات: "وكان لدى والدي يوسفان/ فقدناهما دفعة واحدة/ أيا من رأى لي يوسف/ من رأى ربعه / نصفه / أو سلامية من أصابعه" وكنت أقرأ وجعهم في عيون أهلتها الغربة لتبكي كل جمال، كنت أغريهم بقراءة صيدي الجديد، حتى إن أحدهم أخذ الديوان ولم يعده لي حتى الآن. متعجباً في الوقت نفسه من مرور نص مثل هذا على الرقابة الصارمة. رأيت الشاعر بعدها عبر "أمير الشعراء" في قصيدته رائية على البحر البسيط ـ كما أذكرـ التي يخاطب أبا العلاء المعري، في استنهاض جميل للشكل الشعري القديم في إطار ما يسمى قصيدة النيو- كلاسيك، وكنت مستغرباً أن يشارك شاعر في حجمه في مسابقة كهذه. لكن الذي يسجل للشاعر أنه اتخذ موقفاً بداية الثورة السورية، ودفع ثمن ذلك مضاعفاً، حيث اختار منفى بعيداً تجاوز بحر الظلمات، وأمسى "بأرضٍ لا يبلَّغها إلا" الطائرات النفاثة السريعة، في بلادٍ كان السوريون يحلمون أن يصل إليها فريقهم الكروي عام1986مشاركاً بكأس العالم، قبل أن يجهز العراقيون على ذلك الأمل، ولم يبق من ذلك إلا أنشودة نعيم حمدي" ع المكسيك يا سورية ع المكسيك". أقرأ لصاقات محمد علاء الدين عبد المولى على متن حائطه في الفيسبوك، بنزقه وعنفوانه ورقته وشاعريته باحثاً عن "حمص"، وكأن ديك الجنّ يصرخ في "ورد" التي "طلع الحِمام عليها"، تاركاً وراءه مائة ألف يوسف يعبرون التراجيديا السورية بذئابها وآبارها وغوايتها.
681
| 25 أبريل 2013
كنت منشغلاً بشكل القصيدة العربية الجديدة أكثر من أي شيء، وما حال الشاعر العربي وقد زال عنه الخوف منذ حلّت الدولة الوطنية محلّ البنى الملحقة بدولة المستعمر، وكيف سيشكل هذا الشاعر أدواته، بعد أن اطمأنّ إلى أدواته القديمة التي قدّها من تجارب بشرية متلاحقة، جاوز فيها كلام ـ أهل السلطان ـ الظاهر الحقيقي، بكلام الباطن المجازي، لتصير بعدها هذه الحيل الإنسانية أدباً يكتسب في المدارس، ومحافل الأدب. هل سيتفوق الشاعر المطمئن على صنوه الخائف، وهل الحرية شرط خارجي أم شعور يعبّر عن كفاءات في الطبع، هل سيكون حراً من استراح من مطاردة الأمن ولا يجرؤ على قول الحقيقة أو ظلالها، بينما يقولها شاعر آخر في ظروف صعبة قد يدفع لقاءها حياته، ألم يكن فتحي آدم وأحمد فؤاد نجم وغيرهما كثير أحراراً، ثم إن الحرية لا تكمن في الجانب السياسي، فمن سيجرؤ غداً على كتابة نص يثير قلقاً اجتماعياً أو فكرياً؟ كان همّ أدباء تونس الأول بعد سقوط نظام الحكم هو إقامة مهرجان أدبي في مدينة سيدي بوزيد، وملامسة الحدث الساخن أدبياً، وفي مصر ظهرت كتابات جديدة تحاكي الحدث كما في نصوص الشاعر جمال بخيت، وللأمانة فإن الشعر المصري في السنوات الأخيرة كان أكثر جرأة، وهناك أكثر من نصّ فصيح وعامّي وسم المشهد الأدبي في السنوات الأخيرة لشعراء من أمثال " أحمد فؤاد نجم، عبد الرحمن يوسف، إيمان بكري..الخ". ساهم الخوف في تأسيس نظام أدبي يضع الكاتب في (الوضع الآمن) بعيداً عن أسئلة العسس والقراء المتربصون، وباتت اللعبة الأدبية في حاجة إلى مزيد من الكدح، لا يكفي أحياناً لإلقاء القبض على المعنى في حياة الكاتب، مما يجعله في طمأنينة أن الحريق سينشب وهو بعيد. وهكذا برزت مفاهيم وتقانات في تأسيس مفاهيم جديدة: " المسكوت عنه – التأويل- النص الغائب- تعدد القراءات- مستويات التلقي " ومن قبيل ذلك، ما يبين منه أن المبدع الخائف استطاع أن يدس رسالته في لعبة الأدب. ربما علينا أن ننتظر طويلاً لنخرج من بؤسنا الأدبي، وربما سنكون رهن تداعيات جديدة مرتهنة إلى تقاطع الاجتماعي مع السياسي في الوقت التالي من تبعات الربيع العربي. ربما علينا أن ننتظر فلسفة جديدة، أو طارئ غير متوقع، لأن الشعر العربي الذي انتعش إثر اكتشاف هوية الأمة بداية القرن الماضي، وبأثر الجرح الفلسطيني الغائر، لكنه اليوم أمام واجب ثقيل بعد أن اكتشف أنه لم يكن الذي أوقد جمرة الثورة.
311
| 16 أبريل 2013
بعد سنتين ونصف السنة تقريباً من انطلاق قطار الربيع العربي، يمكن أن يتساءل المرء عن أثر هذه الثورات العاصفة والمستمرة في نظرية الأدب، وهل يمكن أن يتأسس عمود جديد للشعر على أنقاض الحداثة الشعرية التي أحدثت أنماطاً فارقة، لها تبعاتها مثلما لها تجلياتها، ولئن كان عمود الحداثة مثار جدال؛ إلا أنه موجود كشاهد على مغامرة قرن كامل متسارع ومثير، شهد ثورات أدبية أخذت القصيدة إلى صومعة النخبة العزلاء، بعيداً عن جمهور الغاوين الذي وجد متعته مع وسائط جديدة كالتلفزيون، الجهاز الذي نضجت فيه فنون جديدة كالدراما وكرة القدم، والأغاني الرومانسية وكأنها اختزلت الرواية والشعر ومعارك القرون الوسطى، فيما ذهب الشعر في خطوات متسارعة إلى عزلة خانقة، رغم مئات الدواوين الشعرية ذات الألف نسخة التي تطبع سنوياً (في سورية وحدها فاق عدد الدواوين المطبوعة الأربعمائة ديوان سنوياً في السنوات الأخيرة). وإن كانت صدمة الربيع العربي قد فاجأت المثقف والشاعر، فإن القصيدة العربية مدعوة أن تثور كما ثار الشارع على نظامها الذي يعاني فساداً هو الآخر، حيث تخلقت علاقات جديدة وسمت المشهد العربي بميسمها، فمن تأثير المنبر الأيديولوجي على المشهد الأدبي، إلى جماعات الضغط المناطقية، إلى عصابات الأدب التي مكنت لأعضائها السطو على امتيازات النشر والسفر والمشاركات الخارجية، ولم تسلم معظم المسابقات الأدبية من الغمز والتشكيك والطعن بنتائج تلك المسابقات: " أمير الشعراء- البوكر العربية مثالاً"، وعلى الصعيد التقني فقد وقفت القصيدة العربية أمام تحديات كبيرة، أمام تطور الأشكال الأدبية، وعزوف الجمهور عن قراءة الشعر، وابتعاد الشعر عن هموم الناس، ونزوعه إلى الهيام في أودية الحداثة، وقول ما لا يفهم. وإذا فقد الشعر وظيفته الاتصالية الجماهيرية، فإن نزوعه الجمالية أخذه في متاهات كبيرة أبقته في واد؛ والناس في واد، حتى باتت مفردة " شاعر" تجعل صاحبها مستحقاً للرثاء. وبرغم ظروف النشر المثالية التي وفرتها الصفحات الافتراضية اللامتناهية، فقد منع الفساد الاجتماعي والأدبي الأدب من هذه الفرصة العظيمة، وباتت مساهمات الأدباء وأنصافهم وأرباعهم مقرونة بالمهارات الاجتماعية أكثر من الإبداعات الفنية، فلا بأس أن يكتب فلان أو تكتب فلان من بلد علان، ليسجل الفلانيون والعلانيون إعجابهم. كان حرياً بالأدب أن يقود قطار الربيع العربي، رغم أن بعض مشاغبيه كفتحي آدم وأحمد مطر وغيرهما، قد مهدوا السكة جيداً، لجيل قادم، غير أن الصرخة التي جاءت لم تولد على يد قصيدة.
366
| 11 أبريل 2013
أجمل من فراشةٍ / ترمّم الخيال/ أمضى من ارتعاشةٍ / في حضرة انفعال/ أكبر من سؤال/ أحفّ نهر خيبتي/ بلوعة الموّال/ وأرتدي مدينة/ تحرسها الجبال/ حبلى بكلّ حال/ أبحث عن طريدةٍ / تركت من ليال/ شبهتها بنجمةٍ/ في كنف الشمال/ كزخرفٍ في شال/ طريدتي في غابةٍ/ كثيفة الظلال/ وليلها مرتبكٌ/ يبحث عن هلال/ طريدتي غزال. وفي الشمال عاشقٌ / يبكي بدمع العين/ ما نام من يومين/ تبعثرت جهاته/ في لهفة اليدين/ وسافرت أحزانه/ في حزن رأس العين/ وكلما تباعدت/ مسافة القوسين/ تناثرت حروفه/ وضاقت العبارة/ وفضفضت بثوبها/ أحزانه الثرثارة/ وصاح ثَمَّ أين/ من وجد الغزال؟ من وجد الغزال؟ / من وجد الغزال؟ / أظلافه ناريّةٌ / قرناه من نبال/ من وجد الغزال؟/ في غابةٍ مسكونةٍ / بالخوفِ والضلال/ في غيمةٍ شتويةٍ / تبكي من اعتلال/ من وجد الغزال؟/ لعلّه استراح/ لعله استقال/ عن خصلة الجمال/ لعلها تناثرت/ خطواته الطوال/ بين المدى والبال/ لعله ينام/ في شبهة التمثال. وفي الشمال عاشقٌ/ أقام عند الغاب/ منتظراً عودته/ من فرجة في الباب/ والناس يسألون/ عن توبة الذئاب/ في المشهد المجنون/ نرتاب.. لا نرتاب/ نكون..لا نكون/ نؤثث الغياب/ بالشفق المطعون/ والناس والصحاب/ في الدرب يركضون/ يا من رأى الغزال؟/ في غيبة الرجال/ يجفل من سراب/ ويرتدي الظنون/ يسأل من أكون؟/ فيختفي الجواب/ في ومضة ارتحال. أحمل كلّ ليلةٍ / حروفي الحزينة/ أيمّم المدينة/ لعلّه هناك/ يقرأ في سكينة/ أنشودة الهلاك: " يا حلو من سمّاك" / جراحنا اللعينة/ وفي المدى أراك/ تلثم قاسيونه/ والباب والشبّاك/ عينان من ضغينة/ والبحر في ارتباك/ مقطّبٌ جبينه/ لاشكّ يا شكّاك/ في الليل تعرفونه/ معترفاً بصمته/ والموج حين قال/ في الموج تجدونه/ من جاء بالغزال؟/ للبحر يا نسّاك/ وملأ السلال. وقال بعض من مضوا/ لا تذبحوا الغزال/ ودسوا في ثيابهم/ خناجراً.. نصال/ وقال قال بعضهم / يخلو لكم في الحال/ وجه الحياة رغداً/ إن تذبحوا الغزال. أراه في دفاتري / يلاعب التلال/ يقفز ملء خيبتي / في وثبة الصلصال/ أراه في حكايةٍ/ تروى على تتال/ في كلّ بئر عامرٍ / بمائه الزلال/ يجوسه الذئاب/ في كل قبرٍ ناشئٍ/ يدين للغراب/ كيف يواري سوأةً/ للشمس والأوطان/ في كلّ مهر جامحٍ/ في عبسَ أو ذبيان/والليل حين طال/ في القتل والقتال/ أتركه مراوغاً / يبحث في صفّين/ عن أمّةٍ من طين/ تصارع المحال/ وتذبح الغزال.
1376
| 02 أبريل 2013
مساحة إعلانية
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...
2355
| 30 نوفمبر 2025
ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...
1125
| 01 ديسمبر 2025
في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات، وتُلقى فيه الكلمات...
639
| 28 نوفمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
615
| 02 ديسمبر 2025
يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...
564
| 30 نوفمبر 2025
كل دولة تمتلك من العادات والقواعد الخاصة بها...
495
| 30 نوفمبر 2025
في كلمتها خلال مؤتمر WISE 2025، قدّمت سموّ...
483
| 27 نوفمبر 2025
للمرة الأولى أقف حائرة أمام مساحتي البيضاء التي...
447
| 26 نوفمبر 2025
استشعار نعمة الأمن والأمان والاستقرار، والإحساس بحرية الحركة...
447
| 27 نوفمبر 2025
يقول المثل الشعبي «يِبِي يكحّلها عماها» وهي عبارة...
438
| 30 نوفمبر 2025
أكدت اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، في المادّة...
429
| 28 نوفمبر 2025
شاع منذ ربع قرن تقريبا مقولة زمن الرواية....
411
| 27 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل