رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

نجوت من القصف

كأنّيَ أمسِ رأيتُكِ، كنتِ تُفَلّين رأس البلادِ من الموت، كنْتِ تلمّين ما تنثر العادياتُ، كأنّي سمعتكِ أردفتِ: "ضبحاً"، رأيتُكِ أمسِ؛ تلمّستُ وجهَكِ، حين هربتُ من المورياتِ العشيّةَ قدحاً، قرأت خطوطَ يديكِ، حضنتكِ فجراً، بكيتُ على كتفيكِ، ولكنه الحلم؛ يذوب إذا ضلّ عنا البكاء، وينهرنا الصحو، فنبكي هناك، ونشكر لله أنّا رأينا قميص الشتاء، يحيط جهاتك، يرتّب فتنتك العامرة، فقولي: لماذا بحثت عن النفي بين سرايا اليقين؛ لماذا يجفّ الحنين؛ لماذا يخفّ الندامى إلى حزنهم؟ هو العشبُ مرثيّة في براري سؤالكِ، لكنّه الآن يذوي، قرأتُك، صُمْتُ ثلاثاً، ولكنّ ربعي شدّوا الرحال، فسلّم فيّ المغيبُ على الناسِ، وغافلني، واشترى ليَ قوساً، أسدّد منه على الذكريات البعيدة، وكانوا هناك، أبعثرهم في الغناء، وأمشي؛ وأعرج نحو خلاصِ المشبّه من صفحةٍ في البلاغةِ، وحين اشتباه النصوص ستبكين، وحين اقتباس ستبقين مثلي أسيرة حزنٍ معطّلْ؛ ستشقين فيهم يخرّون نجماً فنجماً، ويصلون نار الحروف، سيبكون شيئاً قليلاً، وينعون هذا الشجر، سلالة أحزاننا الطيبة.. وحين أقول: "كأنّي رأيتك أمسِ"، سيعني رأيتكِ، يعني رأيت خطوط يديك، ووشماً على جبهةٍ شاحبةْ، ويعني بأني حذفت من الموتِ يوماً، وبعضاً من اليوم، لأكتب فيك قصيدة، لأسرق ما نفضته النجوم من البرق، دسّته في غيمة صاخبة، ويعني بأني اقتربت من الموت أيضاً، وجاملت حزن القرى فبكيت، وتركت النهاوند يعدو وحيداً إلى أيّ بيت، في سطور القصيدة، يعني بأني تلكّأت، ولم ينحنِ شجرٌ كي يظللني، بكيتُ.. ولكن رأيتكِ آهٍ رأيتك، تفلّين رأس البلاد من الموتِ، تطوف الشموس ببابك؛ فأخجل من كلّ البكاء، وأبكي. لعينيكِ هذا المدد؛ لعينيك سبع من المعصرات، وثلجٌ يغيم على المقلتين، ونجوى بلد، وكنت أفتش في مقلتيك عن النازحين، عن الشاهدين الشهود، وعن قمرٍ لا يزال يعود، وعن إخوةٍ في رؤوس الجبال، لعينيك كلّ هذا المسمّى الجلال، وصحراء ليلي القصيّة تعشب فيها الحكايا، وتذبل فيها الوصايا، لعينيك أرعى حديقة قلبي، وأشرح متن النصوص الجديدةْ، فأنت وأنتِ.. وأنتِ.. وشبّاكُ حلمِك حين رفعتُ يدي، وقوس احتمالات هذي الطلول التي تشرب الآن حزن المطر؛ لعينيكِ شوق المسافر حين يعودُ، ولكنّه غائبٌ في تخوم السفر، لعينيك هذا الخضمّ، وهذي الدروب التي ستطول، ورؤيا نؤجّلها كلّ حينٍ، وفوضى صور. نجوت من القصفِ؛ ليومٍ جديد سأحيا؛ فلا تنثري حنطتي للدجاج؛ ولا تقسمي حصّتي من وجبة اليوم على إخوتي؛ سأحيا ليومٍ جديدٍ؛ أرى الطائراتِ تعربدُ فوقي فأضحك، أرى الموت "يقرص" أذن أخي ثم أضحك، أرى جارتي جثّةً فوق جثّة بيتٍ فأضحك، نجوت ومن حقّ أمّي عليّ بأن أتباهى برأسي على كتفيّ، ليومٍ فقط.. ومن حقّ حروفي ارتكاب النقط.

444

| 24 ديسمبر 2013

كرة القدم المستحيلة

لم يكن الشاعر السوري حسان عزّت مهتماً بقصيدة التفعيلة قبل الثورة، بل كان أحد المدافعين عن قصيدة النثر، في رهاناتها على التجديد، وخاض من أجل ذلك معارك نقدية عرفتها الصحافة السورية فترة الثمانينات من القرن الماضي. ولعل القرّاء والمهتمين يذكرون قصيدته النثرية (أنشودة الجندي)، التي طالما نشرت في عيد الجيش. قبل أن تحدث الثورة أثرهاً في الشارع والشاعر، فقد شهدنا حسان عزّت يقرأ علينا في الدوحة قصائد شعبيّةّ موقّعة، ومنذ أيام أهدانا الشاعر مشكوراً قصيدته الجديدة -يمكن للراغبين زيارة صفحة أصدقاء الشرق الثقافي على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك- (إنّا لمّا طغى الدّم) في إشارة قرآنية واضحة إلى الطوفان، مسقطاً ذلك على الواقع السوري الذي يصل إلى مرحلة الغرق الكارثي في تعقيدات كثيرة. يواجه الشاعر جمهوراً باحثاً عن متعة الشعر، ويريد الشاعر أن يعبّر عن حزنه، ثمة إرادتان متناقضتان تربكان سوق الشعر، والشاعر كاشَفَ (الغاوين) أنه سيخيب ظنهم، لأن الغناء ترفٌ في حضرة الدم النازف بعناد عمره ثلاث سنوات:" أنتمْ تريدون لي أنْ أغنّي لكمْ/ وأنا أُريدُ لأُفردَ حزني على الكون/ كانَ يمكنُ أن أجعلَ الكلماتِ غِنائي/ كانَ يمكنُ أن أغَنّي الكلام الذي في دِمائي/ وحُزني مثل السماواتِ والأرضِ/ بطولِ الزّمان ولاحدّ لهُ/ وخرابُ الخليّةِ منْ قبلُ..من بعدُ والنّار دمارُ بلادي/ وربْع الخرابْ/ كانَ يمكنُ لي..وألّا يكونَ البكاءْ/ لكنّني أنا وأنتمْ على القارعةْ". الشاعر "مندوب جرحٍ " والغاوون يقولون: "رنّموا لنا"، فيهرب الشاعر إلى الغواية الجديدة (كرة القدم) التي يخلص لها الغرب والعرب " ومن جاورهم من ذوي السلطان" تاركين بلاده للموت المجاني والأيادي القذرة: " بلادا يمزّقُها الحاقدونَ تنادي....ولا ولا أم لا أبّ..لا إخوةٌ في المنافي ينادونَ....أصوات صرعى استغاثوا ولا بابَ لهمْ غيرَ رب العباد..وياربيا شعبيا أمةً بائدة.. مجازر ُ لا حصْرَ..قتلى..يتامى..أيامى وغرثى يغطّونَ وجهَ البسيطةِ والكونْ.. كرةُ الأرضِ أحملُها..كرةُ القدمِ التي يجنّ بها العالمُ المتقدّمُ والمتخلّفُ والعربيُّ الخسيسْ...والأرعنُ العالميُّ التعيسْ". تبدو معالم شعرية جديدة استبطنت سماتها من مراحل شعرية كلاسيكية سابقة حيث اللوم والتقريع والتأنيب، الذي لمسناه في " أمتي هل لك بين الأمم" لعمر أبي ريشة، و" القدس عروس عروبتكم" لمظفر النوّاب، حيث يتطوّر اللوم عن طريق الإسقاط أو التصريح إلى شتم وسباب. ولكنّ حسان عزّت منكوب بشعب كامل على شفا القارعة، فيما كرة القدم ترقص في ملاعب خضراء ممرعة، تنسي العالم شعباً ينازل الموت في كل لحظة: "جول جول ولا وجهَ للشمس..لاحبّ غير الأسى في بلادي..كرةُ القدمِ المستحيلةُ..مملوءَةٌ بالدّماءْ/ أركُلُها أركُلُها إلى آخِرِ الأرضِ/ فتنفجرَ الأرضُ ملْءَ الهواءِ/ عماءْ يغطّي السماءْ/ أكسرُ مزمارَ شعري ولا أنحني". ولكنّ الغاوين ينتظرون، ويجب على حسان العائد من نشيده المقدّس أن يخاطبهم: " أنتمْ تريدونَ منّي غِنائي/ تفاحةً..كأسَ شايٍ لذيذْ/ وأنا حزنُ بلادي معي / لا لا لا لا/ أيُّ حزنٍ بلادي وشامي أقولُ لكمْ/ ودماءُ بلادي وشعبي مِدادي وفّنّي أقولْ/ وأنا لا..ولا.. لنْ أغَنّي/ قلمي وأوراقُ دمٍ/ يُغَطّي بلادي معي/ أنا وأنتمْ وبلادي التي وجَعي". ثمة مصالحة مع الغاوين للتفريق بينهم وبين الغرباء في نشيد الإنشاد، ثمة حضور تاريخي في المقارنة بين حزن وحزن، ثمة إشارة خفية إلى مقارنات سابقة بين العرب واليهود، في نشيد الإنشاد، وفي التعاضد بين المقدّس والبشري: " اذهب أنت وربك فقاتلا"، وثمة شعرية جديدة تنضاف إلى منجز حسان عزّت السابق. شعرية تنتقل من الشفاهية في تجربة النثر، الشعرية التي تراهن على البسيط، منطلقة إلى الغناء العالي المحمّل بدلالاته، وفجائيته.

493

| 26 نوفمبر 2013

في الأمس كانوا هنا

كان مساء الجسرة حافلاً؛ تجمعت ذكريات بعيدة عمرها أربع عشرة سنة تقريباً، أصدقاء رحلوا، وآخرون وضعوا سلاح الثقافة جانباً، ومنهم من بلغ أرذل العمر فما عاد قادراً على المجيء، ومنهم من تعب، ومنهم من بقي هناك يقاسمك الصخب، وهزّة الرأس الحزينة. كنت أحاول مقاربة نصوص الكاتب السوداني فراج الشيخ الفزاري " بنات جعل" باحثاً عن السودان الذي عرفته في خريطة الوطن العربي على دفاترنا المدرسية، قبل أن يُحتزّ منه ثلثه، وكنت في الوقت ذاته أتلمّس النجاة من ألمي (السوري) المستديم. ولكنّ الجسرة ذلك اليوم مختلفة، ثمة من يعيد إليك وجهها القديم في الحارة القديمة، محمد عصفور سكرتير النادي القديم، والأستاذ بشير أمين المكتبة، وإبراهيم الجيدة، وباسم عبود، وبسام علواني. أذهب إلى المكتبة وأقتني عدداً من عدد الجسرة الجديد، لم يزل مراد مبروك مهتماً بالمجلة رغم ابتعاده، يقولون إن النسخة الإلكترونية ليست رافداً فحسب، بل هي النسخة البديلة، وربّما كان هذا هو العدد الأخير. أبحث عن جميل أبو صبيح مشاغباً في دفاعه عن قصيدة النثر، أبحث عن الراحل المستشار حسين نجم وعروبته في النصوص التي يقرؤها، أبحث عن غازي الذيبة نزقاً عابراً إلى الهمّ العربيّ، عن قصيدته إلى الحرس الجمهوري العراقي، قبل سقوط بغداد، أبحث عن بغداد ذاتها التي بحثت عنها في وجوه من حضروا ندوة 9/4/2003 مساءً. كان خالد زغريت أكثرنا ألماً ولم يستطع قراءة مساهمته النقدية في ديوان جديد لزكية مال الله، ويومها صرخ الناقد فينا على غير عادته. في الجسرة (أيام زمان) كان كثير من زملائي يحضر الندوات والأماسيّ، كنا نمشي على الأقدام من الدوحة الجديدة إلى الجسرة، مبتهجين بزوادة معرفية نستمدها من ضيوف الدوحة العابرين، من يتذكر الراحل عبدالوهاب المسيري، حتى وهو يتصوّر كان يفلسف الفكرة في أن التصوير أهم من الصورة، من يتذكر أمسية شوقي عبدالأمير وحديثه عن كتاب في جريدة؟ أبحثُ عنّي شاباً يهدّ معمار القصيدة ويبنيها، رائداً لمرعى الحزن، أهشّ على نصوصي وأكتب: " حين لا هواء – مرّوا عليّ"، أبحث عنّي في " قلق"، ثمة من يعين على الاغتراب، رحل محمد مصطفى حسين ذو النشيج الذي لا مثيل له، رحل ولا أكاد أتلمّس له طريقاً أهو حيّ أم شهيد أم نازح؟ ورحل سيدي ولد محمد الفتى العجيب. من يعينني على الجسرة، هذه التي تضعني على موقد الذكريات، ثم تتركني، وليس لي غير " السلام على أحبّتي". ألملم ورق المكان، وأذهب إلى سيّارتي، وأمضي، للذكريات مآخذها أيضاً، فثمة اللحظة التي تستنطق كلّ ما فيك، لتجرّك من عالمٍ أقمت فيه لحظة، وتحدث صديقاً بهزة رأس حزينة قائلاً: " كنّا".

492

| 19 نوفمبر 2013

ليس بـ"اللايك " وحده تحيا القصيدة

في خضمّ التحوّل الرهيب في وسائط الاتّصال والتي طالت الإبداع الأدبي، من ناحية إنتاجه وتسويقه في آن، بعد أن ظلّ سنواتٍ كثيرة أسير النشر الورقي: " الكتاب- المجلة-الجريدة – المنهج المدرسي" وظلت فرص انتشار النصوص خارج هذه الحدود في حاجة إلى حظّ عظيم، أو موهبة عظيمة، ليصل صوت الشاعر إلى قاعدة جماهيرية تتعدّى جمهور مباراة كرة قدم مثلاً. سدّدت المواقع التفاعلية ضربة قوية إلى مراكز القوى الأدبية، وجاءت صفحات الفيسبوك لتعلن عن نمط تفاعلي جديد، قائم على تقنية أطباق رمضان، فكلّ الجيران يهدون كلّ الجيران مما طبخوا، فكلّ صفحة أدبية متاحة لجميع المشتركين فيها، يشاهدون مساهمات بعضهم، ويعلنون عن إعجابهم بضغطة هادئة على العلامة Like أو أعجبني، مثلما يعجب رجل بطبيخ زوجته فيقول مثلما يفعل الممثل محمد صبحي " والله طبيخك تقدم يا حورية" أو يعجب بأطباق جيرانه، فيشكرهم في صلاة التراويح. ولأن صفحات الفيسبوك التي تتيح لكل الصفحات الشخصية النشر وقراءة صفحات الأصدقاء، فقد أحدث ذلك تفاعلاً مدهشاً خارج سياق عمليات التلقي السابقة، وبحسب كاتبه فإنّ: " ما أحدثته مواقع التواصل الاجتماعي كان عظيما ويحبس الأنفاس. كل هذه السهولة والفورية في التواصل، في التعبير، كونت روحا جديدة لدى الفرد العربي". هذه الروح تشبه الروح الاستهلاكية التي استحدثتها الأسواق المتنقلة بين المدن الصغيرة، بعد التخلص من هيمنة الدكان الرسمي، ففي هذه الأسواق الكاتب أمامك خارج تأطير المجلة أو المنهاج المدرسي. وبإمكانك أن تكتب لأحد المشاهير، وقد يصلك ردّه في ثوانٍ. لكنّ قارئ الأدب ومتابعه يظلّ حائراً أمام هذه الظاهرة وقدرتها على رفد الحركة الأدبية بنتاجات تتخطّى الناجز بحسب طبيعة مسيرة الأدب. يتيح موقع التواصل الاجتماعي 5000صداقة بين المشتركين، وهي قاعدة جماهيرية مثالية لكلّ كاتب، وفي إمكان المشاهير أن يفتحوا صفحتهم لجميع المتصفحين، وفي هذه الحالة يتاح لكلّ من يقرأ صفحة أحدهم أن يبدي إعجابه بالمنشور، ويدرك كثير من المدوّنين أن مواقع التواصل لا تطيق النصوص المنشورة في الصحافة الورقية، يدركون أن الوصول إلى (اللايك) يتطلب شروطاً جديدة، ورغم تشابك الأدباء في جماعات مختلفة؛ إلاّ أنّ تفاعلهم يكون مع أصدقائهم ومريديهم في المنتدى الافتراضي الأثير، وبحسب هذا السوق فإنّ عدد اللايكات يلعب دوراً هامّاً في تقييم العمل فنّياً لجماهيريته الواسعة. قبل سنوات عشر أو أكثر؛ سجّل موقع أدبي شابّ حالة قراءة واحدة لنصّ من نصوص المفكّر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، في حين كانت مئات القراءات تداعب غرور شاعرة شابّة أسفل نصّ عاديّ لها، ومن يومها انتابني قلقٌ تجاه التلقّي على الشاشات الافتراضية. فثمة نصوص مذهلة لا يتجاوز عدد المعجبين بها المائة في أحسن الأحوال، بينما يسجل معجبو صديق آخر عرض صورته مئات اللايكات، وربما كتب صديق آخر عبارة أخرى يتحدث فيها أنه متعب، أو سيذهب إلى النوم، فتنهال عليه علامات الإعجاب. صرنا في حاجة إلى الصرامة في النشر، والصبر في قراءة نصوص الفيسبوك المختلفة، دون أن نلتفت إلى لايكات القبيلة الجديدة.

291

| 12 نوفمبر 2013

شطرنج سوري

يذهب السوريون إلى جنيف ليلعبوا لعبة جديدة، هذه حال الصراعات التي لا تُحسم، شطرنج الموت الذي قارب يومه الألف أفضى إلى قواعد جديدة، فالرقعة الممتدة إلى 185000 كم مربع كما تقول كتب الجغرافيا لم تعد كافية، بل فاضت عن حواشي اللعبة ذات اليمين وذات اليسار بيادق وأحصنة، ولم تسلم من مناوشات خارج الرقعة، بل إن بيادق إضافية حمراء وصفراء وزرقاء زادت حجر اللعبة وزادت هشيم النار. في ألف يوم تبادل الفريقان: "كش ملك" وحالت دون ذلك قلاعٌ وأحصنة وحتى وزراء. شطرنج الموت العجيب برقعة مختلفة ولاعبين مختلفين وقطع مختلفة، في الشطرنج السوري 23 مليون مربع لبيادق ملوّنة ليس هناك من يلقيها خارج الرقعة، على الرقعة ذاتها تتفسّخ البيادق، وعلى الشطرنج السوري ثمة ملايين البيوت قلاع الأمس، ثمة آلاف الدبابات أحصنة الموت المجاني. وفي الشطرنج السوري يمكن لربطة خبز أن تتقدّم وتقول لحارة كاملة: "كش حارة"، يمكن لفيل حديث أن ينفث "سكود" في وجه مدينة على بعد 1000 كم ويقول: "كش مدينة"، في الشطرنج السوري بإمكانك أن "تكشّ" كل شيء؛ ذبابة معدنية "تكشّ" فلاحة عجوزاً، طفل يحمل بندقية "يكشّ" رجالاً بشوارب تقف عليها الصقور. "الكشكشة" داء سوري قديم، من أيام السلام البعيدة، وهواء اقتناء الحمام. الآن ثمة حمامات سوداء "تكشّ" دافعي الضرائب، وتمضي. البيوت التي تسقط في اللعبة تتكوّم في مكانها، سقى الله أيام الشطرنج النظيف، وفي الشطرنج الجديد يمكن للمتفرجين أن يدخلوا اللعبة؛ يشوطون بيدقاً، يطاردون حصاناً، ينفضون الرقعة، يرمون الحطب فوق النار الذاوية. يمكن لهم أن يهتفوا مشجّعين "قرّبت" أو "خلصت". لهم أن يراهنوا على الأبيض الكليل، أو الأسود المتهالك. أبحث فيما انتُحِل على امرئ القيس عن شطرنج الفتى العابث، يبحث عن قبلةٍ كلما ترادفت خيله، وانهزم ملكه، أبحث عن ابن عمّار الأندلسي الذي أنقذ مملكته من بطش ألفونسو بمباراة شطرنج، أبحث عن الحجارة التي حيّرت المأمون مثلاً، لم يكن المأمون في حاجة إلى كلّ هذا الدّم ليكشّ أخاه الأمين، أو ولي عهده التالي علي الرضا. فاللاعبون السابقون لا تترادف خيولهم، ولا تتناثر حجارتهم عبثاً دون طائل، ونحن في ألف يوم ننقل الحجارة عبثاً، ولو أنها لعبة مبارزة لكان ذلك أسهل، مباراة عادلة بين فارسين، في ميدان، في صالة، في اتجاه معاكس، في مناظرة عامّة. لا بأس، نحن نرضى بضربات جزاء، خمسة من المجلس الوطني، وخمسة من النظام، من يحرس المرمى، من صاحب التسديدة الأولى؟ لا شكّ أن الشطرنج لعبة الأذكى والأكثر صبراً، وها قد وصلنا جنيف، نتدبّر أمر كل نقلة، وننظر إلى الرقعة الفسيحة، والبيادق المتفسخة، والبيوت المهدّمة، نقلة بنقلة، نقلتين بنقلتين، ولكن من قال إن السوريين سيلعبون إن كانوا هم حجارة اللعبة.

555

| 05 نوفمبر 2013

وسيم من الأطفال

قبل أيام قليلة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي صورة طفل سوري قضى جوعاً، وجاء في وصفه: "هذا الطفل له اسم، وسيم زكور، يعني هو ليس قطّاً صغيراً نفق أمام حاوية زبالة، نمرّ أمامه دون إعارته أي انتباه، هذا طفل حملته أمه تسعة شهور، وطيلة هذه الشهور تكلمت هي ووالده عنه، ولا أشك أنها تمنت أن يكون صبياً، ووسيماً. وعندما قدم للحياة، كانت له نهفات الأطفال، ومشي خطوته الأولى ولفظ كلمته الأولى وكانت تلك وقفات للعائلة وسِيَر تروى للأقرباء.... وسيم قد يكون ابني أو ابنك، فهو ليس بشحاذ امتهن التسول، هو ابن لعائلة سورية متوسطة.. تحولت إلى أشلاء بين ليلة وضحاها، وتحول وسيم إلى ملاك أبيض يحمل كيساً أسود. لم أنشر هذه القصة لنذرف الدموع عليها سوية، بل لأقول لكم بأن وسيم أشرف من أن يعيش بيننا. فأعاده الله لروضته لأننا خنّا الأمانة". كانت "وسيم من الأطفال" مأثورة طلاب سوريا ومعلميها والقرّاء بشكل عام، لشاعر سوري راحل هو بدوي الجبل، وقد قالها في رثاء ابنته التي ماتت أثناء ولادة ابنها (حفيد الشاعر) فكتب بدوي الجبل قصيدة تعدّ من كلاسيكيات الشعر المعاصر، فغنّى سيد مكاوي مقاطع منها، وانتشرت في الصحافة الأدبية، وثبتت بعض أبياتها في المنهاج السوري، وظلت صامدة رغم تغيّر المنهاج، فقرأناها صغاراً، و درّسناها لطلابنا ونحن معلمون: وسيم من الأطفال لولاه لم أخف على الشيب أن أنأى وأن أتغربا يزفّ لنا الأعياد عيداً إذا خطا وعيداً إذا ناغى وعيداً إذا حبا كطير القطا لو أنّه راح صادياً سكبت له قلبي وعيني ليشربا ولكنّ وسيم زكريا كان أمامنا على بعد مجاعة، فلا عيد إذا خطا تحت القصف، ولا عيد إذا ناغى تحت البرد، ولا عيدا إذا حبا جائعاً متضوّراً. وسيم زكريا عار السوريين جميعاً، في كلّ مكان. وهذا هو سؤال الثورة والحرب. هابيل جديد عجز قابيل عن مواراة سوءته، ولا أدري كيف سمّاه قاتلوه في المعجم السوري الجديد: "استشهد-قتل-فطس-نفق..".، فالكراهية العمياء لم تعد ترى في الآخر إلاّ دريئة صمّاء، ورقماً في غنيمة يومية، وعدداً في حصالة الموت المجّاني. كل هذا وسكان القصور والفنادق يزاودون على الاحتراب، دون أن يشدوا بطناً على جوع، أو يستظلوا بجدار بعد قصف، أو يقفوا على حاجز، أو يشدوا خيمة بعد عاصفة، أو ينزح لهم قريب، أو يقتل منهم ابن. سكان القصور والفنادق طلاب سلطة، ووسيم كان من الأطفال.. أطفال سوريا، كان له أم جديرة بشاعر يرثيها، وكان له وطن جدير بالمحبة والحرية والرؤى الخضراء، دون أن يقرأ الملل والنحل، وجغرافيا الأحقاد. كان يعرف أن أطفال الحروب هم الخسارة التي لا يلتفت إليها أحد، منذ زهير الذي تحدث عن الحرب التي تلد غلماناً مشؤومين، وأرنست همنغواي، وغيرهم.. ليس وسيم الطفل الأول في تراجيديا اللعنة، ولكن يكون الأخير بالتأكيد، ولكنه صار رمزاً يستصرخ ما تبقى من وجع الإنسانية في ذواتنا، وسيم؛ محمد الدرّة الجديد، الذي اختزل نص المعاناة السوري. ففي بداية الثورة كنا نخاف على الناس من بطش النظام، وبعد عسكرتها خشينا على سوريا من التقسيم، وبعد النزوح صرنا نشعر بالذل ونحن نرى أخواتنا وأمهاتنا في رحلة السبي إلى المجهول، ثم شعرنا بالعجز لأننا لم نعد نتحكم إلا في مشاعرنا، ولكن بعد هذا المشهد فلم نعد نشعر إلا بالعار.

3758

| 29 أكتوبر 2013

آخر الحصون المنهارة

رغم حصتها الكبيرة من المعاناة؛ فإن الرواية الفلسطينية تتراجع إلى الصفّ الثاني أمام سطوة الشعر، وإذ يشير الناقد إلى أسماء روائية فلسطينية في الخارج عبرت إلى بؤرة الضوء في مهاجرها المتعددة، وباستثناء بعض الأسماء اللافتة كإميل حبيبي؛ فإن الرواية الفلسطينية وجدت ذاتها خارج الرحم الفلسطيني لاعتبارات موضوعية لا نقاش فيها. من هنا تأتي أهمية الأسماء الجديدة القادمة من الأراضي المحتلة في مناطق الـ 67 أو الـ 48 للاقتراب من واقع جديد ابتعد عنه الأدب المتأثر بلاءات الخرطوم، والذي ينسى أن شعباً في الداخل يتعاطى مع الاحتلال من باب الضرورة. ومن هذا الباب نقرأ " آخر الحصون المنهارة" بصفحاتها القليلة، وبنيتها الدرامية الفقيرة. تسير الرواية في خيط درامي أفقي، خلف بطلها بشار سالم المحمودي الأخ الأكبر لعائلة معدمة من غزة، فقدت معيلها الذي يعمل في "إسرائيل"، ويفقد حياته بعد سقوطه من السقالة، فلا يكفي التعويض الزهيد لبضعة أشهر، مما يعرض حياة العائلة للخطر. يترك بشار الدراسة وهو على أعتاب السنة الثالثة في كلية التمريض، ليكمل إخوته الآخرون مسيرتهم، ويجد عملاً في مستوطنة، عند أسرة يهودية عربية، قادمة من ليبيا بداية الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وسرعان ما يصبح مألوفاً عند أسرة نسيم جباي، الأب الخمسيني المريض يحمل له العرفان لأنه أنقذ حياته بعد نوبة قلبية، يسهر عنده في غرفته ويشرب القهوة والشاي المسخّن على الحطب ويأكل البطاطا المشوية، الابن دوف يلعب معه الشطرنج، ويسرّ له بنفوره من حياة الجيش ورفضه قتل العرب في المعارك التي شارك فيها في لبنان. والأم المتصابية تجد فيه عشيقاً سرّياً بعد مرض زوجها. لكن الشابة دوريت التي تعمل في جيش الدفاع لا تطيق بقاء الشاب العربي في البيت، وتضايقه في أكثر من مناسبة، لكن تمسّك الأسرة به وحاجة أسرته هو إلى المال تجعله يثني عزمه على الرحيل في كلّ مرّة. في ثلاثة شهور تجري أحداث الرواية، التي يختار لها الكاتب عام 1987 كمؤشر إلى الانتفاضة الأولى، وإلى الظروف الموضوعية لانطلاقتها. يفرض حظر على الأراضي المحتلة "الضفة والقطاع"، ويبقى بشار في البيت مع العائلة اليهودية، ويجد ضيقاً في إجازة دوريت ودوف في عيد المساخر، وفي تسارع للأحداث تقتحم دوريت غرفته ليلاً بعد أن اكتشفت علاقته مع أمّها، وهي في حالة سكر شديدة، وتموت بين يديه. فيضعها في كيس قمامة كبير، ويحملها بعيداً إلى أطلال قرية عربية صارت ملجأ للكلاب الشاردة. تتوالى الفصول القصيرة بعدها سريعاً، ويلقي القبض على بشار الذي يقتل "ناعومي" صديق دوريت دفاعاً عن نفسه. ويحكم عليه بالسجن ثلاثين عاماً بعد نجاح الدفاع في تحويل القضية من سياسية إلى جنائية، وهناك في السجن يكتب روايته. *** ورغم ضعف البناء الروائي في "آخر الحصون المنهارة"، إلاّ أن الكتابات القادمة من فلسطينيي الداخل، تظلّ الأقرب إلى معاناة الشعب الفلسطيني.

814

| 22 أكتوبر 2013

المعلّم

يعد يوسف الصائغ من أبرز أعلام الشعر الحديث في العراق والوطن العربي، رغم أنه لم يأخذ حظه من الشهرة كأعلام الريادة: السياب ونازك والبياتي والحيدري وسعدي يوسف، إلاّ أن الرجلَ الذي اكتفى بالانزواء في خضم تجربة سياسية حادّة طالت جميع المثقّفين العراقيين بعد الاستقلال، ترك تجربة شعرية مؤثرة مزجت بين طموح الحداثة وأصالة المنجز الشعري العربي، مازجاً بينهما بتجربة روحية تركتها فيه تربيته الدينية المسيحية. في مهرجان المربد الذي شهد فترة ذهبية ثمانينيات القرن الماضي، وكنت أتابع معظم نشاطاته المبثوثة عبر التلفزيون العراقي، وكان إرساله يصلنا في الجزيرة السورية واضحاً صافياً قبل أيام البثّ الديجتالي، وكنت يومها أخطو عتبة العشرين، مأخوذاً بالشعر، الشعر الذي أدهشني به رجل غريب وغامض اسمه يوسف الصائغ، شعر العراق الذي غمسنا به مواجعنا في أغنيات ناظم الغزالي، عن الفتاة الـ " طالعة من بيت أبوها" و " من ورا التنّور ناوشني رغيف"، كان يوسف الصائغ يعيد الشعر إلى طفولته وبراءته، ذلك الرجل الذي لم ينظر إلى وطنه من ثقب الباب، بل من قلب مثقوب، في إشارة ذكية إلى سنوات السجن التي حطمته. منذ سنوات وأنا أبحث عن آثاره، فلا أجد غير نصوص مبعثرة، في بعض المواقع، إلى أن وصلني منذ أيام قليلة رابط لأعماله الكاملة بصيغة الـ PDF التي تنشط على تقديمها مشكورة مجموعة مواقع وصفحات لناشطين في الأدب. ولعلّ فرحي الأكبر كان بقصيدة المعلم التي تعدّ أحد النصوص المهمة في الشعر العربي الحديث، رغم تردّيها السياسي المباشر في المقاطع الأخيرة، إلا أن ذلك لا يلغي جمالها المتأتي من حوارية بسيطة، يلتقطها شابّ كذكرى ماكثة كوسم: " هي سبّورةٌ/ عرضُها العمرُ/ تمتدُّ دوني وصفٌّ صغيرٌ/ بمدرسةٍ عندَ (باب المعظّمِ)/ والوقتُ/ بين الصباحِ/ وبين الضّحى/ لَكَأنّ المعلمَ يأتي إلى الصفِّ/ محتمياً، خلفَ نظارتيْهِ/ ويكتبُ فوقَ طفولتِنا بالطباشيرِ/ بيتاً من الشعرِ / - من يقرأُ البيت؟/ قلتُ: ـ أنا../ واعترتْني، من الزهوِ في نبرتي رعْدةٌ/ ونهضتُ../ ---على مَهَلٍ / قالَ لي: - تهجّأْ على مَهَلٍ../ إنها كِلْمةٌ... / ليسَ يُخطِئُها القلبُ يا ولدي.. فتحتُ فمِي.. / وتنفسّتُ../ ثم تهجّأتُها، دفعةً واحدةْ / - وطني/ وأجابَ الصّدى: (وطني.. وطني)/ فمِن أينَ تأتي القصيدةُ/ والوزنُ مختلِفٌ/ والزمانُ، قديمْ؟/ كان صوتُ المعلمِ، يسبِقُنا: / - وطني لو شُغِلتُ.. / ونحن نردّدُ: - بالخلدِ عنْهُ/ فيصغي إلينا / ويمسحُ دمعتَهُ، بارتباكٍ/ فنضحكُ/ الله../ يبكي.. ونضحكُ / حتى يضيقَ بنا.. فيهمسُ / - ما بالكم تضحكون / أيها الأشقياءُ الصّغار/ سيأتي زمانٌ../ وأُشغَلُ عنه/ وأنتم ستبكونَ..". ** مات يوسف الصائغ قبل سنوات دون ضجة، وما زلنا نبكي أوطاناً تئنّ بين الوعيد والوعد، على مفترق طرق محيّر، كان معلّم يوسف الصائغ الأوفر حظّاً من كلّ المعلّمين اللاحقين.

495

| 20 أكتوبر 2013

ما الشعر؟

قلم المُطلق يدوّن الجمال والحرية والموت، ورطة الحياة في لعبتها الأزلية مع الموت، شهر أبريل فاتحاً ذراعيه لغواية الصيف، زبدة اللغة بين يدي طفل، نهار يعبر وحيداً في خريف غريب. الشعر انهماك المجازات في تجميل الغامض، و توتر اللغة في ترجمة الألم، الصعوبة بوصفها قنطرة إلى الواضح، والغروب بوصفه برزخاً بين لونين، و " آخر دمعة للكون". ارتجاف موجة في عين سمكة، و موقد نار في شتاء. الشعر لعبة الوَلَه بين الفضول والألم، خيط الإبرة في ثياب وسادة هبطت للتوّ من حبل الغسيل.الشعر؛ العيد والوعيد، القمر والذئب، الرغيف و السوط، دموع بطل متوّج يسمع نشيد بلاده، رحلة حزمة حطب فوق ظهر فلاحة، الشعر آهة مقرور، و بهجة تنّور في الخامسة صباحاً، أكفّ الباكستانيين المغتربين في وجه هلال أول الشهر لحظة الغروب قارئين الفاتحة، الشعر ما بقي من ريش العصفور الهارب من قبضة صيّاد، الدينار الفالت من جيب مثقوب يتدحرج على مهل، الشعر قوس احتمالات اللغة تتدبّر خطاب الطغاة. الشعر وجع السحابة وقد تلاشت على كتف الجبل، ذات الجبل " طماح الذؤابة" في دفتر طالب الثانوية، ذات الجبل صديق المطاريد والمغامرين في رواية فتحي غانم. الشعر؛ طفولة الضوء في حضن العتمة، إجفالة الظبي في فلم وثائقي، وردة الموسيقا تتبرعم في حضن المشاهد الأخيرة من مسلسلات عربية، الصفحة الأولى من روايات نجيب محفوظ، الضحكة في عيون قراء روايات كازانتزاكي و كونديرا، صوت مدرّس يقرأ نصّاً للمتنبّي وينسى أنه مدرس ويتماهى بالنصّ. النهايات تستحمّ بالذكريات، النهر شاهداً تراكم الحجارة الهشّة، سوار امرأة يغفو في يدها على مرأى من لص وعاشق، عربات الدرجة الثالثة تعاند المكان و ظلال الأنفاق العابرة، جمهوريات الأمل في حديث المعارضين، و لثغة الحمل في كلمة الديكتاتور، الشعر منظور هندسي لا يتقنه طلاّب كليات الهندسة، وجع استثنائي تحذفه الطبيعة في جوف الكلام، حوار بين عينين لحظة وداع، طيور القطا في أول الصيف على بعد فخّ وسنبلة، دفتر طفل أتقن للتو كتابة حرف الألف والرقم1.الشعر ( فلتر) تعبر من خلاله الزوابع إلى الغابات بوصفها نسائم، و ( شاشة) تكشّر فيها الوحوش كأنها غزلان ترتع في فضائية لاتعنى بالأخبار العاجلة. الشعر فريق البرازيل عام 1982 بين يدي الشاعر سانتانا، معزوفة بصرية مذيلة بتوقيعات تذوب على شاشات الأسود و الأبيض. الشعر؛ نظرات ماجدة الصبّاحي البلهاء في أفلام الستينات، صفحة وجه محمود مرسي في أدوار البطل المهزوم الحزين، حارس الفضيلة، كلمات الزير سالم على لسان سلوم حداد، العشق الفلسطيني الفقير في التغريبة الفلسطينية، الشعر أن تدسّ المرثيّة في أذن أجيال لم تتقن الصعود، وأن تجرّ الملحمة إلى جيل لا يجيد الصهيل، الشعر أن نشرب و نهرب ونعرب ثم نكتب على مهل كلمتين للبنت التي عذبت الولد، الشعر لمسة الأعمى لعكازه، و نظرة الأصمّ لأولاده، الشعر طلقة اليقين تفلت من بارودة صيد فتصيب غيمة.الشعر؛ الكلام الذي أعوز اليتيم ليستعيد أباه، و الكتاب الذي نسيه طالب سنوات، ليعود إليه مستعيداً عشرات الإملاء واصفار القواعد، الشعر الحذف بوصفه تطهيراً، والإضافة بوصفها غلافاً.الشعر؛ انتظار اللغة في حضرة أولاد مشاغبين، و عشاق ممسوسين، و عابري طريق نازحين إلى السماء.

450

| 08 أكتوبر 2013

أعبر ليلي مثل قمر كسول

جهدت سنين القحط أدعو صحابيا وأرسم وجه الغيم يحدو شتائيا وأصرخ ملء الليلِ هذي قصائدي توافدن أبياتاً وعدن قوافيا وكان انتظار الغيم ديدن أمّةٍ وكان انتظارُك في الملمّات زاديا فلا أنتِ بلّلت الصباحات بالمنى ولا حسرات الغيم جئن بواكيا أكاد أقول :" يميناً لَنِعم السيدان" ولكنّي انتظرت، فالغد سيبدي لنا أسباباً نؤجّل فيها طقوس المدح والقدح، صحيح أن عبساً وذبيان :" تفانَوا ودقّوا بينهم عطر" الكيمياوي الرخيص، ولكنّ الصحيح أيضاً أنكما لم تتداركاها، بل أعدتما المتصارعين إلى دائرة الحلبة. أكاد أقول: هذه النار لا تسكت إلاّ بنفاد حطبها، نحن لم يبق عندنا حطب، فمن أينَ ينسكب الحريق؟ أكاد أقول: تعالوا نمُت بحبّ، نتبادل الشظايا والصواريخ والملاجئ، تعالوا نفلِّ خريطة المِلل والنِّحَل، و نشهر خوفنا في كلّ ليل. اكاد أقول: لي دمي ولكم دمي أيضاً، هناك كنت أدلّل الانتظار، وأرتكب الأمل، وهناك كنت أعبر ليلي مثل قمر كسول، وهناك تشتبه عليّ المراثي، فأحمل طباشيري كأي معلّم يكتب حكمة اليوم لأكتب اسمك. *** الجمل الذي كنْتُه/ الجمل العابر مهيباً صامتاً .. وكُنتُهُ / الجمل المثخن بلون وحيد/ الجمل المرسوم بخيوط التطريز على مخدّات أمهاتنا / الجمل في براري التاريخ الغامضة/ هل كان عليّ ألّا أصرخ طيلة هذا الوجع لكي أظلّ جملاً؟ ** أعرف أن دمي دمعي، و ندائي ذبلانُ، و بلادي جُثّةْ، أعرفُ أنّكِ تبتعدين، في نرد الكلمات وأوجاع المدن الرثّة، و البحر الماكث في عينيك حزينٌ، والمهر الصاهل في صوتك بردانٌ وحزينٌ، والنخلة تمشي في وجع يديك حزينةْ، أعرفُ .. كيف تشدّ الريح وثاقك، كيف ترجّ الطفلة في الملجأ قوس يديك وكيف تبلّل أحداقَكِ، كيف نجا الدوري من عاصفةٍ حين أوى إلى كفيك، أعرف كيف تلمّين جراح المنفيين، و تسوقينا ولداً ولداً للذبح، و أجهشت بنا، أعرف كيف يمر الخيط الأبيض في سمّ الخياط ، وكيف يفرّ الموتى من صخب الناجين. ** على قدر طفولتهم يأتي الصاروخ، وعلى قدر أنوثتها يأتي النخّاسون، وعلى قدر النكبة يأخذنا التّجار إلى مزاداتٍ بعد مزادات.

426

| 01 أكتوبر 2013

لم يكن غيمة فأتخذه شتائي

وقال: "أضئنا؛ ها ترى النصوص تتفاقم عن ليلٍ وركوة ودم، جمّع من النجم ما يكفي لنار، وانثر من الورد ما يكفي لمذبحة، سيذكرنا قومنا إذا جدّ جدّهم، تقدّم؛ فكما تراني أجهش بكم، القمصان في يدي بيضاء، والوعد على مقبض سيف، تعال؛ وشاركني مقامي، لك منا ما للأماني، ولنا منك ما تنتج الغيوم في الربيع". ثمّ حطّت يده على كتفي، ونظر في البعيد، وبعثر النار الواهنة في موقد الصمت، وكتب في الفضاء بخطٍ واضح استعاره من جمرةٍ في طرف عود، كتب: " بلادي" وأثث ما بيننا بحزن دامع، حتى سوّلت لي نفسي أن أسأل، والمقام عزيز، وفاض الصمت، حتى إن الجمر سال، والموقد استحال أخضر. وقال: "إذا كلمتك المراثي، وعاتبتك في الدار والأرواح، فاصطبر، فما المراثي إلا نداء قنوط، احبس بكاءك عن الأهل والدار، البكاء نزوة الحزن في غفلة عن العابر، خذ من الأمل ما يوقظ مدينة، ومن الحزن ما يشيّع صاحباً، المراثي تكاءة العاجز، وبشارة النادب". كان غيمة، قيل لم يكن، وكان قمراً وشاهدته مرتين، يوم ودعت طفولتي ذات يوم، وها أراه اليوم، وقيل بل شاهدته دائماً، وراء كلّ محنة، يشدّ إزارك، ويمنحك بعض الأمل وكثيراً من الحزن. لعلي اليوم أضيء، فأكتب وأكتب، عن الشجر الذي ذوى، وعن البراعم التي سقطت، عن أكسير الموت الأصفر، ودرب الشهداء المعبّد في الشمال من الوجع، لعلي أضيء إن أجّلت دمعتين لأمنح طفلي ضحكة مزورة، أو ضحكة من القلب، لعلي أكتب مثلاً:" لي بلادٌ لست فيها / كي أسميها بلادي. لي بلادٌ من ترابٍ ومطر/ وجنونٍ يرتدي الرعدَ إذا جاء الشتاء / وعصافيرَ وخبزٍ وقمر/ وأكفٍّ لوّحت لي / لي بلادٌ مشتهاةٌ / كلّما أزهر حزنٌ.. فوق شرفتها.. أنادي / يا بلادي. أتناسى أنها ليست بلادي / أخطف الياء من الصفّ.. وأدنيها قليلاً / ثم أقرؤها..بلادي". كان يهزّ رأسه، فيمطر، ولم يكن غيمة فأتخذه شتائي، وكان على بعد قمرٍ من ليل الفتنة، ثم إن القبائل ائتزرت بالدم، فما عدت أرى منه إلاّ قوساً بعيداً يذوب في الظلمات، وبقية من صوته ليست صدى وليست صوتاً: " جمّع من النجم ما يكفي لنار"، وكان الشهداء يصعدون، حتى امتلأت السماء بالنجوم، وسمعت صوته من بعيد:" هذه مأدبة السوريين"، وكدت أن أقول بخٍ بخٍ. وتمثلت: " سأل الناس المغنّي/ بعدما اختار السكوت/ كيف أغمضت عن الموتى ولم تنبس بلحنِ/ يا شقي الحرف ها نحن نموت". ثم كان ليل.

613

| 24 سبتمبر 2013

طريد الكتابة المرة ثمّ ماذا بعد؟

الأساطير على حالها؛ تنام في ثنايا الكتب العتيقة، وتحتسي معنا الأناشيد في المدرسة، الجبل كما هو؛ يسرّح الهواء في كهوفه. "أمسِ الذي مرّ عن قربه// يعجز أهل الأرض عن ردّه"، ما لي وللأمس، فقد تركت البلاد قبل خمسة عشر عاماً، ولكنّ لي أهلاً هناك، مازالوا ينتظروني في الصيف. وكنت أحب المعرّي قليلاً، أجلس إلى نونيّته، وألمس بيض الأماني، ثم أغفو، فتطاردني الحروف، وأركض. لست عداءً، ولكنّي أجزم أنني ركضت يوماً ما كعدّائين محترفين، كان باص النقل يهمّ بالتحرّك، ربّما استوقفوه لدقيقة، كانت السادسة والربع تماماً، وكان يجب أن أقطع أكثر من مائتي متر، لألحق باص المدرسة قبل أن يفوتني. نجحت.. نعم نجحت. كنت يومها في السابعة عشرة، شاباً نحيلاً، وكانت البلاد مثلي تركض خلف باص السادسة والربع، وتثير وراءها غبار الأمل، وكان ثمة. الأساطير لم تنم بعد، الولد يحمل دونكيشوت خلفه في عربات " التري سيكل" الناريّة، تلك "الطريزينات" الصارخة على الإسفلت السوري، حاملة نبلاء الثمانينيات السوريين، مع فؤوسهم ونسائهم إلى مزارع البطاطا والخيار، كان دونكيشوت مثلنا يحمل فأسه، ويشق بطن الحكايات، وكنت ألهو مع أساطير تدبّ في أمسيات يونيو، تبكي معي فأبكي، وتضحك أحياناً، والحروف ذاتها، تركض خلفي في الليل، وأنا أركض، أركض، لكن ركضي يختلف حتماً عن تلك الركضة التي جريتها خلف الباص يوماً. لم أترك طاحونةً إلا وأفرغت قمحي فوق رحاها، لعلّ الدون كيشوت مرّ من هنا، لعلّه الآن خلف كيس طحين على ظهر دابّة، أو لعلّه يشتري طعاماً من دكّان. لعلّه لاجئ، أو سجين، أو حتى نازح يجمع بينهما، لعلّه يستمع إلى أخبار الحادية عشرة، أو يشارك في ندوة، أو يجري وراء عاصفة من غبار. كنت أتمنّى لو أقول: "ولكنّ مثلي لا يذاع له سرّ" أو " جِدِي مثل من أحببت تجدي مثلي" غير أني أسير خبر عاجل، أتحرّى مفردات معجمي فلا أجد غير: " تفجير – تكرير-تطوير- تهجير-تسفير- تقرير - تدمير-تحرير-تطهير-تبشيرـ هاون-سكود-توماهوك-ميغ-كيماوي-سارين-طفل-مذبحة-اغتصاب-اعتقال-اختطاف-نزوح-لجوء-مفاوضات-حلول-التنحّي–الانتخاب-التأجيل-التعليل-الشبيح-مندسّ-طائفي-وطني......". لا أجد مفردات نزار عن العصافير والياسمين والأيادي البيضاء الناعمة، لا أجد مفردات الدرويش حين يدسّ المأساة تحت مائدة حلم عريض. ها أنا تطاردني الكتابة كلّ يوم، بمفردات حادّة، وصراخٍ لا يهدأ، وأنا أركض أركض باحثاً عن فسحة للأخضر، الأخضر الذي صنعه أهلي هناك، وهم يقطعون يومياً ذلك الطريق المتعرج عبر الأودية، بـ"طريزيناتهم" المجهَدة إلى حقول صارت مساحة خضراء، جعلت الطعام متاحاً لفقراء البلاد. الأساطير تصحو أحياناً، تصحو لأيام معدودة، ثم تتمدّد وتنام، وتبتسم بينما أطفال في مدرسة ينشدون، وحدها أسطورة السوريين لا تنام، وجبتها اليومية مكلفة، وقريتي خسرت شباباً كانوا سيحملون فؤوسهم ويصنعون طعام الفقراء. هل استمرت طروادة سنتين ونصف السنة؟ هل استطاع أخيل أن يهرب من ذاك السهم اللعين؟ وبينيلوبي التي تنسج ثياب الانتظار، كيف ظلّت سنين عددا دون أن يمسها أحد، من أين جاء كلّ هذا الشرّ؟ من أين؟ هذه الحروف الحادة لا تنام.

450

| 17 سبتمبر 2013

alsharq
سابقة قضائية قطرية في الذكاء الاصطناعي

بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...

2487

| 30 نوفمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1320

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
أهلاً بالجميع في دَوْحةِ الجميع

ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...

1131

| 01 ديسمبر 2025

alsharq
الكلمة.. حين تصبح خطوة إلى الجنة أو دركاً إلى النار

في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات، وتُلقى فيه الكلمات...

648

| 28 نوفمبر 2025

alsharq
المجتمع بين التراحم والتعاقد

يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...

588

| 30 نوفمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

576

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
التوافد الجماهيري.. والمحافظة على السلوكيات

كل دولة تمتلك من العادات والقواعد الخاصة بها...

498

| 30 نوفمبر 2025

486

| 27 نوفمبر 2025

486

| 01 ديسمبر 2025

alsharq
بكم تعلو.. ومنكم تنتظر قطر

استشعار نعمة الأمن والأمان والاستقرار، والإحساس بحرية الحركة...

462

| 27 نوفمبر 2025

alsharq
أيُّ عقل يتسع لكل هذا القهر!؟

للمرة الأولى أقف حائرة أمام مساحتي البيضاء التي...

450

| 26 نوفمبر 2025

alsharq
إعدامات في الظلام وصرخات خافتة!

أكدت اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، في المادّة...

438

| 28 نوفمبر 2025

أخبار محلية