رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تعيد جائزة بوكر العربية السؤال من جديد إلى دائرة الاهتمام، السؤال الذي طرح مراراً عن دور الجوائز في تنمية الإبداع العربي، ودفعه إلى بقعة الضوء، فما الذي قدمته جوائز الدولة التشجيعية والتقديرية في بلاد العرب أوطاني، وهل تقيس هذه الجوائز قيمة المنتج في السوق، وهل يباع من نسخ أي كتاب فائز بجائزة بالآلاف؟ هل يترجم إلى عشرات اللغات؟ أزعم أن الجوائز العربية قبل بوكر ظلت تدور في مدارات "المحلية الضيّقة"، فجوائز رياض الريس مثلاً لم تكمل مسارها، ثم إن الجائزة توقفت لتوقف المجلة (مجلة الناقد) عن الصدور، ولكن جوائز أخرى كسعاد الصباح والبابطين والشارقة وسلطان العويس وغيرها من الجوائز التي حملت أسماء أشخاص ومدن ومؤسسات ثقافية وسياسية، لم تغادر فتنتها الأولى، ونشوتها الإعلامية الأولى، قبل أن تنطلق سلسلة برامج الواقع، وتذهب إلى الفنّ من الغناء إلى الشعر، وجاءت مسابقة شاعر المليون وأمير الشعراء، لتسقط حجراً في المياه الراكدة، غير أن مسابقة أمير الشعراء استنفدت شعراءها في أربعة مواسم فقط، فاستهلكت الأسماء الشعرية الشابة التي تداولها المشهد الأدبي في العشرين السنة الأخيرة.في بوكر العربية ثار لغط كبير حول معاييرها التي تختلف من دورة إلى أخرى، ولكن ارتباطها بالبوكر العالمية أعطاها دفقاً متواصلاً، ولأن الهم الروائي المتعاظم في الوطن العربي يشدّ من أزرها، فمن واحة الغروب لبهاء طاهر إلى عزازيل يوسف زيدان إلى (ترمي بشرر) لعبده خال، إلى القوس والفراشة لمحمد الأشعري وطوق الحمام لرجاء عالم، إلى دروز بلغراد لربيع جابر إلى ساق البامبو لسعود السنعوسي يكون تراثا معتبرا قد تكون في هذه السنوات القليلة.أسماء روائية كبيرة ذات خبرة كبيرة في الرواية شاركت في أكثر من دورة مثل واسيني الأعرج وأمير تاج السرّ دون أن تتوج بالبوكر، ولكن المشغل الروائي لا يتوقف عند جائزة رغم أن الضجة التي تثار حولها أكبر من قيمتها، فمن يتذكر النقاش الذي دار حول إدارة الشاعرة جمانة حداد للمسابقة، أو السجال الدائر بين الروائية علوية صبح ونقاد الدورة التي شاركت روايتها (اسمه الغرام) فيها.. سجالات تثير شهية المواقع والصحف الباحثة عن إثارة ناعمة بعيداً عن إثارات الحروب.بعد فترة قليلة سيتعرف الجمهور المتابع فائزاً جديداً من بين ستة روائيين هم: خالد خليفة وروايته لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة للسوري خالد خليفة، وأحمد سعداوي فرانكشتين في بغداد، ويوسف فاضل عن رواية طائر أزرق نادر يحلق معي وإنعام كجة جي عن روايتها طشاري، تغريبة العبدي» المشهور، وعبد الرحيم لحبيبي عن روايته الحمرية.لاشك أن الفائز سيحظى بشلال ضوء عابر، ولكن الروايات العربية التي تشهد نسب توزيع عالية لا تمرّ من بوابة البوكر.
442
| 01 أبريل 2014
في كلمتها بمناسبة اليوم العالمي للشعر تساءلت الشاعرة الإيطالية دوناتيلا بيزوتي: "هل يستطيع الشعر أن ينقذ الحياة؟"، السؤال الذي يقترحه المشتغلون على الكلام، إذ طرح أهل الفكر والنقد سؤالاً مماثلاً: "هل تستطيع الأفكار أن تغيِّر العالم"؟، وفي كلتا الحالين ثمة طرف خفيّ مسكوت عنه، ولكنه المسؤول عن كل هذا الخراب. دوناتيلا متفائلة وتتحدث عن أملها الذي تضخم إلى كتاب تصدر جواب سؤالها: "الشعر منقذا للحياة" تؤمن فيه بأثر الشعر في النفس، شريطة أن يكون داخلنا: "الشعر هو الجزء "الخارق" فينا الذي يتوجب علينا اكتشافه أو استعجال اكتشافه اليوم لمقاومة ترسبات انكسارات اليوم".لا تهمل الشاعرة الإيطالية أن العالم اليوم فقد مفتاحه السحري (الكلمة)، بعد أن تفشت ثقافة الديجيتال مكان الكلمة وصارت الشفرة في بطاقة ممغنطة تفتح باب محل أو حساباً في البنك، مكان الطاقة المكثفة في بيت شعر أو نص كما فعلت عبارة " افتح يا سمسم" في عبارة شعيرة راحت مثلاً. ورغم هذا فهي تؤكد على أن الشعر ليس وصفة مهدئة، ولا بديلاً للهاربين من واقعهم، فللشعر عند دوناتيلا: "قدرة على حملنا إلى مركز فقدناه، فهو ما يصلنا بالجزء العميق فينا". وفي الكلمة التي ألقتها في المغرب تدعو إلى التخلي عن النزعة النفعية التي تسعى إلى السيطرة على العالم بالعلم والتكنولوجيا والهيمنة التي ستأخذنا إلى الجدب الروحي، زاعمة أن الشعر يضع الحكمة مكان العلم.من جهة أخرى يكتب شاعر عربي في المسألة ذاتها وفي المناسبة ذاتها، قارئاً الشعر من خلال قرينه النثر، كأداتين بين فريقين من الباحثين، النثر ذلك المُفسِّر الهادئ المهيب الذي: "يُفسِّر ويُحلّل الظواهر والعيوب والهفوات، السياسية والثقافية والاجتماعية، ويجد تأويلات لحضورها". كما أنه يضع تحت الشمس الظواهر المستعصية والعيوب والهفوات، ويَصِفُها، فالنثر مفسّر ووصّاف، ولكن الشعر يبدو، بين الطرفين كأنه (جملة اعتراضية) فهو فعلاً مغاير للتفسير والوصف.فالشعر عند الناقد العراقي شاكر لعيبي جملة اعتراضية تقع بين المسند والمسند إليه كالمبتدأ والخبر، أو كالفعل والفاعل بغرض التوكيد وتقوية الكلام وتحسينه. ومن هذا الباب فالشعر: "جملة اعتراضية لكن لها وظيفة عميقة ولا يمكن حذفها ولا تفسّر شيئاً، وهي ضرورة ماسة. إنها تعقيب على جملة الوجود، وتوقف مستمر في تأمل الموجود". وبهذا فهو مربك لأنظمة اللغة المألوفة.إن المعول على الشعراء كثير، لأنهم مستأمنون على كلمة الحق، إن لم يجرؤوا على النطق بها، فلا أقل من تغطيتها بمجازٍ يضمن رأس صاحبها، أو حتى الامتناع عن قول الباطل، وإن المعول على الشعر الكثير في عالم ينزّ فيه القبح، وهو الذي يكتنز من الجمال ما يكفي ليصبغ الكون بقيم الحرية والعدل والمحبة.ربما كان بيت شعر جاهلي قد نجح في الإعلان عن حرب أو دم، ولكنّ كثيراً من شعرهم لجم القتل في النفوس، وأعادها خضراء. الشعر بخير، ونحن أيضاً، إذا استطعنا ألا نموت.
402
| 25 مارس 2014
تزعم الروائية السورية مها حسن أن مراهقي الحارات الذين يلعبون الكرة في الشارع ويعاكسون الفتيات العابرات بألفاظ سوقية، صاروا يعايدونهنّ عبر الفيسبوك، الذي عدّل سلوكهم وهذّبه، وهذا ما يحمد لموقع التواصل الشهير الذي أحدث ثورة بحسب الكاتبة في أقاصي الأرض. يصعب التعالي – تنظيرياً- على العمّ فيسبوك ونحن نستظلّ بحيطانه أكثر مما نستظل بحيطان أهلنا، ولكننا اليوم بعد سنوات من انتشاره نقلّب في الأمر على مهلٍ، بين من يراه إحدى الثورات المهمة بداية الألفية الثالثة، ولعله أهم ما وسم هذه البداية، وبين من يراه حبل غسيل عام نشر الجميع عليه ثيابهم، وتبادلوا مسرّات النميمة، و الاعترافات العابرة، وفضفضات المقاهي وألعابها، دون فائدة تذكر على صعيد الإبداع، ولهذا كان كثير من الكتاب يغادرون حارة الفيس بعدما أحسّوا بالضجر، فصفحات الأصدقاء متشابهة ولا فائدة كبيرة من إضافة أصدقاء جدد.تشبه صفحات الفيس المتنقلة خيام البدو الرحّل التي تلحق منابت العشب في كل ربيع، وتضربها أياماً معدودة تنقضي بتعارفٍ وعلاقات عابرة أنجبت عشرات القصائد الجميلة التي فتحت معاني جميلة في الوداع بعد الألفة، و الحنين إثر الفراق، فكم من صفحة مهمة على الفيس طويت وضاعت، أو بهتت أخبارها وفقدت أعضاءها، صفحات الفيس تتبعت مساقط الغيث الإخباري، وأنشئت على عجل صفحات متناسلة تجمع وتؤلّب وتغطّي الأحداث، وأعطت كلّ من يمتلك حساباً في البريد الإلكتروني (إيميل) الحق في منبر شخصي، يخط فيه حصة أفكاره وأحلامه ويكتب عن يومياته، ويقول كلمته، في هايدبارك عالمي لا يحدّه مكان، فاق عدد سكانه مليار مستخدم، ويمكن القول إن سدس سكان العالم يستعير فضاءات الفيس بوك، دون كلفة مالية تذكر. إن هذه القوة المتنامية تلعب دوراً فاعلاً في تكوين الاتجاهات ومعرفتها باستبانات قصيرة لا تكلف الزائر سوى ضغطة زرّ، الأمر الذي يثير شبهة في تلك الروائز العابرة التي تستنهض فينا العواطف الإنسانية أو الدينية لمعرفة نسبة الذين يؤيدون مذهباً أو ديناً أو نادياً رياضياً أو فكرة.بعد عشرة أعوام من اختراع ماك زوكر بيرج وتناميه إلى درجة تصلح لقراءتها درامياً، فقد استطاع هذا الموقع أنسنة العالم الضارع في الشرور، وأن يرتفع به فوق جراحه في رحلات متناثرة نحو الممتع والمفيد. لم يخطر في بال مايك زوكر أن اقتراحاً طار من الفكرة إلى الفعل سينقل العالم إلى مقهى عام جمع كل أسباب التواصل، من النميمة إلى القرار السياسي، في المقهى ذاته الذي يطوف به الصعلوك رفقة النجم الفنان رفقة الرئيس الذي يمكنك دخول صفحته دون الخوف من حرسه الشخصي.
2546
| 18 مارس 2014
لي حكمته، وله النارُ التي تشبُّ في الليالي، ولي من كلّ قوسٍ دريئة، ومن كلّ سهمٍ طريدة، أنا آخر الواقفين على الطلل، وآخر الباكين في المرثيّة، أرافق الشهداء إلى منازل النجم، وأخطّ قلق الباقين، أتدبّر الجمر لليل، والورد للقصائد، وعلى مفرق كلّ أمل كنت أحبس دعاءً وانتظاراً، ولم أكن أملّ عودته، فالشيخ شمس وإن مكث الغيم، وسنبلة وإن جفّ الربيع. له انتظاري، توهمته وأيقنته، نسيته وحفظته، أهملته واجتهدته، في كلّ تنورٍ أنضجت رغيفي، ولكلّ فانوس ادّخرت زيتاً، وفي انتظاره رأيتُ المعدن استيقظ من ضمّة التراب، والنار تضرّمت في الصدور، والأرض تهرب من عتاب العاشقين، في انتظاره تغافلتُ وتغاضيت، وقلت لعله يعود، فأصرخ، لعلّ ليله الذي خبرتُ يُنسي، له انتظاري، ولي قهوته، وحفنة التمر، والضحى والأباريق والركائب. له انتظاري، منذ ثلاثٍ لا ثلاثةٍ، ثلاثٍ غمّسناها بالضغائن والإحن، ثلاثٍ لم تكفِ، وتستزيد، ثلاثٍ نذرت فيها النذور، وشبعت فيها الطيور، ثلاثٍ لم تبقِ دمعةً في محجر، ولا قمراً في أغنية، ولا ذئباً في حكاية، ثلاثٍ أنسنا فيها الموت والكراهية والذلّ والبرد والجوع، ثلاثٍ.. اعتذرنا فيها لقابيل، واستعطينا فيها من قارون، واستبقنا فيها إلى كلّ جهة، وعكفنا على كلّ بئرٍ، وارتسمنا في كلّ قميص.له انتظاري، وإن استُعدِيت، وطريقي وإن حجبته العاصفة، له سرجُ المركبة، وعصا الرحلة، له كلّ عودةٍ تكحّلت بدمع، وكلّ صبرٍ منسوجٍ في رداءٍ راوغت به امرأة، له الشتاء ببرقه ورعده وغيمه ومائه، له البيوت التي انحنت على ساكنيها، والشجر الذي يركض خلف الطيور المهاجرة، له كلّ دمعة نازح، كل مركبة غرقت في البحر، وكلّ خيمة تهدمت في الثلج.كأنّي به على بعد فرسخٍ أو فرسخين، يجاهد الوقت كي يصل، على حصانه الأشهب ينهب الدرب، كأني به يترجّل، يقبّل الصغار، يمسح على رؤوسنا جميعاً، يفتح صرّته عن بلحٍ وبهجة، كأنّي به جدار من طين، نبكي عليه، كأنّي به يواري سوءاتنا، ويمدّ سعفاً لواقفين، وسماطاً لجوعى، كأنّي به وقد صنع السفينة يدفعنا إليها اثنين اثنين، لنوقن ألاّ جبل يعصمُ، ولا أصدقاء دائمون، كأنّي به يشير إلى السفينة أن تهبط على أرضٍ طهرها الطوفان، وعادت إليها الطيور.له انتظاري، أكمن فيه لكلّ أمنية مضناة، وأمل مهرّب، وأغانٍ شاردة، وربيعٍ مغدور، له انتظاري.. جلجلة بعد جلجلة، وبسوساً بعد بسوس، وفينيقاً بعد فينيق، له انتظاري ماكثاً في كلّ خبر عاجل على شريط أخضر.
622
| 11 مارس 2014
لا أدري لماذا تقترن رواية العمّ توم بقصة "تودّد الجارية" كلّما تردّت الإنسانية في مهاوي الظلم السحيق، وانضمّت شرائح جديدة إلى الجماعات الأقلّ فقراً، وبرغم أن الحكايتين تنتميان إلى عالمين مختلفين من حيث الزمان والمنبت الثقافي، إلاّ أنهما مرتهنتان إلى نظام اجتماعي يبيح استباحة الكرامة بمقابل.تقول القصة إن تودّد جارية لرجل شاب، تكاملت فيها صفات الفطنة والذكاء والعفّة والجمال والحُسن، إلاّ أنّ الرجل قد أفلس، ولم يعد أمامه إلا بيع أشيائه القديمة، ومنها تلك الفتاة التي يمكن لبيعها أن يكفيه الإفلاس، فما كان منه إلاّ أن عرضها على ما يشبه الفحص الفنّي للسيارات في زماننا، إذ تنعقد لجانٌ مختلفة مهمتها سبر مستوى الفتاة في الفقه واللغة والمنطق والتنجيم، في سرديةٍ بالغة التشويق تنتصر للفتاة المظلومة في عوالم بغداد الفاتنة والقاسية في الوقت ذاته، وبعد أن تنال استحسان لجان الاختبار المتعددة تجد من يتبرّع بثمنها ويعيدها إلى حبيبها الهائم المغلوب على أمره، ثمة سردية هشة تقوم على محاورات تعليمية لا تخرج عن أمالي العصر العباسي، غير أن الوحدات التكوينية الكبرى تتحدّث عن ضياع القيمة الإنسانية، فالبشر صاروا مجرد مهارات قابلة للبيع، وليست مهارات محدّدة لوجود الفرد في المجتمع.في حين تبدو رواية " كوخ العم توم" للأمريكية هرييتبتشرستاو أصلب عوداً، وأكثر إقناعاً في لغة السرد، العم توم أقرب إلى مملوكه من عبد، لقد عاشا معاً عمراً طويلاً، أثمر عن مزرعة وعائلتين متحابّتين، وفق نظام اجتماعي مقبول، ولكن وفاة السيد وانتقال أمر المزرعة إلى الورثة جعل الورثة يبيعونها بما فيها وبمن فيها ليفكّوا الدين، ليقع توم رهينة النخّاسين.مرويّة كوخ العمّ توم أثرت في إبراهام لنكولن الذي أعاد للعبيد حريّاتهم في الحرب الأمريكية ستينيات القرن التاسع عشر، وقصة تودّد الجارية لم تتعدّ غير حكاية دافئة من حكايات ألف ليلة وليلة في المجتمع الأسطوري المنسوب إلى هارون الرشيد، وكانت إشارة لم ينتبه إليها أغنياء بغداد، وكانت النتيجة في خراب البصرة بعد ثورة الزنج. الحرب الأهلية الأمريكية قامت بين ولايات الجنوب وولايات الشمال وأسفرت عن انتصار الشماليين وتحرير العبيد، فهي حرب بيضاء فاز بنتيجتها السود، البيض دائماً في المتنكما يقول إدوار سعيد، في حين كانت ثورة الزنج ردة فعل لم تسفر إلا عن تخريب بلاد عامرة، ومرات تشير إلى مخربين. في الحضارة الحديثة تباع قدرات الإنسان ومهاراته ووقته في مسميات جديدة تستبطن ما استكملته الحضارات الغابرة، ولم يعد معيباً أن تقول إن سعر اللاعب بلغ مائة مليون دولار، أو أن مهندساً في شركة حواسيب قد وظّف بمبلغ محترم، أو أن مطرباً وقع عقد احتكار مع شركة جديدة بمبلغ خرافي، فلاعبو الكرة ومجاميع الغاوين الجدد (المشجعون) يهتمون بالأرقام التي تدفع لهم، ولا يجدون ضيراً أنهم معرضون للبيع في أي لحظة، لأن المشتري مجموعة من الشركات العملاقة التي تقيّم السلع الجديدة باحترافية عالية. وكذا العقود التي يبرمها المطربون والممثلون ومذيعو نشرات الأخبار الرئيسية، في معايير قد تشارك فيها عدد زيارات اليوتيوب وعدد الأهداف والمشجعين ونسبة مبيعات القمصان. فالإنسان الحديث وبرغم سعيه إلى ملامسة فضاء الحريّة في القرنين الماضيين، إلاّ أن النظام الاجتماعي السابق الذي وسم الجارية والعبد بميسمه لم يمت تماماً.
997
| 04 مارس 2014
أبحث عن غيمة ماشيتها صغيراً، عن دربٍ سعت فيه خطاي، عن دوابّنا التي أخذتها إلى مراعٍ بعيدة، عن بيدر العدس الذي ركضنا فوقه، أبحث عمّن يعيد لي طفولتي، عمّن يدفع لي نفقة هذا الحلم الباهظ، الحلم الهارب من السكاكين والذئاب والضباع، أبحث عن جملةٍ قالها أبي، عن ضحكته، عن ثيابي الفقيرة، أبحث عمّن يسدد أقساط الحياة البليدة، ويأخذني إلى الغدير الذي تخطيناه بقفزات طويلة دون أن نغطس في مائه الضحل، أبحث عن شوارع من صخب، ملأتها عربات البطيخ الأحمر، و سلال العنب والتين، أبحث عن أغنية رددناها تحت المطر " مطر مطر عاصي".لم نكن طيبين كما ينبغي، ولكنّ الحياة علّمتنا أن نطاردها بسكاكين نظيفة، لم نكن نحنو على الطفولة كما ينبغي، ولكنّنا تركناها خلفنا عالية خضراء، الموت هو الموت، ولكنّنا وجدنا بطولة تنتظر القاتل، وقصيدة تنتظر الشهيد، وسوقاً ومقاهي ومكتبات عامّة، ومستشفيات تمتلئ ردهاتها بالزائرين، بيوت الشَّعر للعزاء بعد أن كفّت القبيلة عن الترحال، بيوت بأعمدة وأوتاد تعيدنا لبضعة أيام إلى أيام عبس وذبيان.أريد طفولتي في جنيف2 ويمكن أن أصبر عليها إلى جنيف3 بأثر رجعي، أريد الفرات بحجارته السوداء الملساء، أريد جامعة حلب وكليتنا القديمة التي يسمونها سفينة الحبّ، أريد الأرصفة التي اشتريت منها الكتب القديمة، أريد الوعر التي "شممت تربها" جندياً على أعتاب الثلاثين والقصيدة، أريد بيتي القديم في (دمّر البلد) فوق التلّة التي تستضيف مقبرة الحيّ، أريد قطار حلب-القامشلي غاسلاً ركّاب الدرجة الثانية بعجّاج الدير، أريد ملعب الكرة الذي ركضنا عليه طويلاً وقذفنا الكرة صوب كلّ مرمى، إلى أن ملأته بيوت جديدة بناها شباب مطرودون وزوجاتهم من جنّة العائلة الكبيرة، أريد شتاءات المطر، وربيع الموت، أريد النجوم التي تبعثرت في سهراتنا بين غفوة (العقرب) وسهرة ( الميزان)، أريد وطناً يتسع لحروفه، وليلاً يسمع ناياتنا، وكتاباً يحتضن الكتابة.أبحث عمّن يمثلني، بين كلّ نجمتين قبر، وفوق كلّ غيمة مرثية، من يمثّلني غير وسيم زكريا باحثاً عن حضن ولقمة قبل أن يعثروا عليه بقايا جثّة، من يمثّلني غير بائعة الكبريت وهي ضيفة في بلد شقيق، مَنْ يمثلني غيرُ شيخ عجوز في مخيّم، من يمثلني غير أم تطبخ لأولادها العشب بين أطلال البيوت، مَنْ غيرُ ولدٍ يجلب الماء بحذاء من أكياس النايلون، مَن يا ساكني القصور والفنادق، غيرُ بيتٍ قديم، ظلّ هناك معلقاً في الذاكرة، يغنّي أطفاله :" يا مطر يا عاصي، طوّل شعر راسي"؟.
928
| 19 فبراير 2014
يقترب الأدب العربي من استعادة شعر المهجر، الشعر الذي أضاف إلى الأدب العربي ألواناً جديدة، عرف فيها العربي معنى الاغتراب والحنين والبحث عن الهوية المفارقة، وإن كان بعضٌ مما سبق قد أضيء بأكثر من صوت شعري، كاغتراب امرئ القيس الطارئ، ومالك بن الريب، وحنين شعراء الفتوح ومن جايلهم، إلاّ أن شعراء المهجر أعادوا سيرة الحنين بتموضع مختلف، تختفي فيه سيرة الفتح والدين الغالب، وتنمو فيه سردية موازية، الفتح هنا لايتعدى فتح باب الرزق في بلاد غريبة، ليس الفتي العربي فيها إلاّ "غريب الوجه واليد واللسان"، ولكن تلك المعاناة غذت عود الأدب العربي المعاصر، واستقام به، واستوى على ساق حداثته، وكان يمكن لهذه الموجة الصغيرة أن تمضي واسعاً في اليمّ لولا امّحاء الأبناء في الهويات الجديدة، ولم يعد الجيل الأول إلاّ مجرد ذكرى عزيزة، مقطوعة عمّا بعدها.ولكن الظروف الموضوعية التي جعلت من الوطن العربي بلاداً طاردة لعقولها ومبدعيها وكثير من كفاءاتها، بعد الاستقلال الذي أعقبته حكومات وطنية، جاءت في ظروف مرتبكة، وأمام إرث ثقيل، واحتلال فلسطين؛ جعلها أسيرة ارتجالات متنافرة المسعى، وضيقة الأفق من جانب آخر، وهذا ما أودى بالمبدعين بالهرب إلى فضاءات أكثر أماناً ودفئاً وأمناً، وتأتي قضية فلسطين فينزح أبناؤه إلى جهات الأرض الأربع، وكانت كتيبة المهجريين الأولى من اللبنانيين والسوريين، وفي الأمريكيتين برزت أسماء جبران خليل جبران، إيليا أبو ماضي، وميخائيل نعيمة، وشفيق معلوف، وإلياس فرحات، ونسيب عريضة، وغيرهم.هاجر الفلسطينيون إلى البلاد العربية، ولا نعثر إلا على أسماء قليلة متناثرة في المهاجر الغريبة كإدوارد سعيد في الولايات المتحدة، والشاعر حسين راشد، والروائي حليم بركات في المكان ذاته، ورغم أن أصواتاً هنا وهناك إلا أنها لم تشكّل ظاهرة كجماعات المهجر التي كثرت في البرازيل والأرجنيتن والولايات المتحدة.تأتي الهجرة العراقية الممتدة منذ عام 1990 وحتى الآن، وشملت قطاعات واسعة من المبدعين العراقيين في مختلف ضروب الكتابة، هاجروا إلى البلاد العربية كسورية والأردن والخليج واليمن وتونس، وإلى الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا، ومن الصعوبة بمكان حصر أسماء المهاجرين، إلا أنه من الواجب القول إنهم شكلوا ظاهرة في كثير من البلدان التي استوطنوها، وكان نشاطهم ملحوظاً، فأسسوا المنتديات والجماعات الأدبية، رغم أن منهم من عاد في السنوات الماضية إلى بلده.تبقى الهجرة السورية (ولعلها الأخيرة) ففي النزوح السوري الأكبر بعد تحوّل البلاد إلى ساحة حرب، هاجر قسم كبير إلى تركيا ومصر وبلاد الخليج والأردن وأوروبا وأمريكا، وبدأت تظهر سمات الأدب المهجري في النصوص الجديدة.غير أن المهجريين الأوائل سيظلون الأكثر تأثيراً، لأكثر من سبب، منها أن قرار الهجرة الأول كان بهدف اللاعودة ومن هنا فقد كان حنينهم قاسياً، عكس المهاجرين الجدد، الذين لم يقطعوا صلتهم بالبلاد ويتوقعون الوصول إليها بأسرع مما يفترضه واقع الأحداث، ثم إن وسائل الاتصال الحديثة أفسدت كلّ ما يأخذ بالحنين والشوق إلى منارة الشعر.
1208
| 04 فبراير 2014
ربما نعثر على تاريخ مشابه لدومة الجندل؛ فالحرب التي لم تضع أوزارها إذّاك، هي الآن ترتع وتلعب في الديار، وثمة من يفكّر في إخراجها، دومة الجندل بلبوس جديد مع حفظ الفارق، فبعد كلّ صفين ثمة دومة جندل، ثمة أصحاب يتخاذلون، وآخرون يقفون مع الطعام الأدسم، وقبل كلّ صفّين داحس والغبراء، والبسوس، وبعد كلّ هذا لم يبق من حكايات الانتصارات العابرة إلا كلمات في نصوص يستأنس بها صبيان المدارس، ويسمر بها الشيوخ في الشتاء. كانت دومة الجندل تبعد تسع مراحل بالضبط بينها، وبين كلّ من دمشق والكوفة، ويقال إنها كانت واحة في صحراء وبها بحيرة صغيرة، فما قصة البحيرات والسلام؟ لم تكن دومة الجندل مشهورة بالحلوى ولا بالساعات العتيقة، ولكنها كانت أولى بلمّ الشعب العربيّ من بلاد أخرى، فضول عدسات فضائياتها لا يطاق حتى إنها تتجسّس على مشاهيرها، ربما تقولون إن اسم (جنيف) جميل وسهل، ويدخل القلب والشعر دون زحافات كأن يقول شاعر عربي هامَ حبا بجمال المكان وحسناواته: ألا ليت شِعري هل أبيتن ليلة بوادي (جنيفٍ) والسلام بعيدُوهل ألقين فرداً (جنيفا) مــــــرة تجودُ لنا من ودها، ونجـــــــودُوستقول السماح يا جدّي جميل بن معمر، فقد أخذ عليّ الاسم كل مأخذ، وتقول سامحني يا درويش، لأني قصصت بعض كلماتك في الطريق إلى جنيف لأرتقي وجعاً أكبر من كلّ خرق:وأنت تحاور خصمك.. حول النشيد والعلم الوطنيّ.. ولون النجوم.. فكّر بمن يسكنون الخيام.. وأنت تحاور هذا الذي كان يوماً أخاك .. تذكرّ أنّ الذي ضاع منك (أخوك).. وأنت تلوّح للفاتنات.. بنات جنيف.. تذكّر نساء المخيّم (ملك اليمين).. يطاردهن ذئاب النخاسة كلّ صباحٍ.. بفتوى إمام.. وأنت هنا تتحاور.. تشير إلى الكهرمان.. ووهج الثريّات في البهو.. فكّر بمن يسكنون الظلام. ***فيا من كنتما "أخيّين أرضعا بلبان".. ها أنتما الآن في دومة الجندل؛ هو مشدوخ الرأس، وأنت تستعين بعكاز، ها أنتما الآن هنا دائخَين، ثملَين، تقطّعان قميصيكما بكلمات آبقة، ها أنتما الآن هنا؛ ولم تدركا بعد أنّ الشمس لن تكفّ عن الشروق والغياب، وأنّ أمكّما وحدها تنتظركما معاً، ستجدان موتاً مناسباً، وبلاداً أخرى، ستجدان البريد بكامل طيوره، يتفقّد الغروب قبل صعود الصخرة إلى القمّة.
385
| 28 يناير 2014
ربّما كان علينا إعادة الاعتبار إلى "عامر وسلول"، اللتين وقعتا في معرض القذف والذمّ من قبل شاعر جاهلي ضعفت أسانيد رواية قصائده، وربّما كان علينا إعادة الاعتبار إلى " بني العنبر" الذين خذلوا قريط بن أنيف. وإلى " بني عذرة" الذين تركوا حديث الحرب إلى حديث النساء فـ "كلّ قتيلٍ عندهنّ شهيد".أسكت خطاب الحرب في الحماسة العربية كلّ خطاب معارض، ولا نظفر إلا بقدر ضئيل من هذه المرويات الشفوية نسبة إلى حديث الحرب والرماح النواهل والسيوف الباترة التي وصلت 99% كما هي نسبة الانتخابات العربية. ولكنهم يقفون على معنى الحياة إذا عادوا إلى بيوتٍ ترملت دونها نساء، وتيتّم أبناء، وبعد أن تركوا "وقع الصياصي كالنسيج الممدّد" و"نورد الرايات بيضاً ونصدرهنّ حمراً" و "جارنا عزيزٌ وجار الأكثرين ذليل".. يعودون إلى بيوت خاوية خالية: "عفت مصايفها منها وأقوت ربوعها"، ويعرفون أن ضلال القبيلة ترغم أبناءها على الضلال والغواية، وأن القانون الناظم لأي حرب أهلية يلغي الجانب الإنساني، إذ لا يرى الناظر من خلالها إلا بعين واحدة، ولا يسمع إلا بأذن واحدة، ولا يبكي إلا على فقيد جهة بعينها، ورغم أن أجدادنا لم يمتلكوا فضائيات تنقل الحدث وتفاصيله، إلا أنهم كانوا يرون بعيون إنسانيتهم، تتذكر الحرب فتسيل الدماء، وتتذكر صلات ذوي القربى فتسيل الدموع، وأننا: "يغار علينا واترين فيشتفى.. بنا إن أصبنا أو نغير على وتر"، وأن الدهر لا ينقضي: "إلا ونحن على شطر". الحروب لعنة الحضارة حسب فلاسفتها، ومعيار البقاء حسب أقوائها، وشرّ لابد منه عند المتبصرين في دفع الله الناس، وخلاصة كلّ فساد عند قارئي التاريخ، الحروب فواصل في مسبحة التاريخ، وسلالم الأمم الشابّة، ومدرسة المغامرين الفتية، الشمطاء التي أغوت في شبابها كلّ نزِق، وأصابت بحمّاها كلّ معافى.الحرب التي يعرفها السوريون الهاربون من جماعات التطهير والتحرير والتكرير، الحرب التي جمعتنا على بكاء الدار، وضيق ذات اليد، والغربة والهوان، الحرب التي جعلتنا نكره كلّ شيء، ونكره أنفسنا أيضاً. لعلّكم لن تتأثروا بعد اليوم بمشهد طفل مهشّم الرأس عند حاوية، أو طفلة تبيع العلكة في بلد عربي، أو شيخ يشدّ على بطنه في مجاعة، أم شابة تناوب على اغتصابها ثمانية من جيراننا الذين استضافونا، لعلكم لن تتأثروا بزوارق في عرض البحر تلقي بأهلكم إلى التهلكة، لعلكم لن تتأثروا بثلج على سقف متداعٍ، لعلّ أولادكم في الفنادق لم يشتكوا مخمصة، وفي القصور لم يمشوا حفاة في صقيع كانون.أيها الباحثون عن يوم جديد في عمر المأساة، ابحثوا لكم ولنا عن وطن نتبادل فيه الشتائم، والموت النظيف، ابحثوا لكم ولنا عن مأوى، وطمأنينة، أيها اللاعبون ابحثوا لكم ولنا عن قمصان جديدة نتبادلها بعد كلّ مباراة من دم.. أيها المتفرجون ابحثوا لكم ولنا عن هتافٍ صالح قبل كلّ حرب، يحيي الأرض والحكم.
1085
| 21 يناير 2014
ثمة ثلم كبير، ثلم لا مجال لمحوه كأثر في رمال، ثلم محزوز الذاكرة بقلم رصاص، يعود كلما هبّت رياح البلاد، ويغفو كلما تماثلت بعدها للغربة، ثلم يجعلك تنسى أنهم هناك موجوعون بما هم فيه، فتجلسهم إلى جانبك وتحاسبهم واحداً واحداً، وتجلدهم واحداً واحداً، صارخاً: لماذا؟ وكيف؟ البلاد تغفو بين يدي سيدة الحرب كما قال شاعر في أمسية بعيدة، البلاد أيضاً على وشك أن تلوّح لنا، ثمة من ينتظر نشيداً، أو بكاءً، أو حلقةً في مسلسل درامي، أو عشاء أخيراً يزيّنه امتثال الشرق لشهيدهم العابر في وجوه متعددة، البلاد التي ألفناها على عيشها الخشن، وغصصها المريرة، وهنيهاتها العذبة، تمرّ السحابة كما يهذي الأعشى، يقول صديق عارف ذاق ويلات الحرب بفقد أخيه: "اللهم لا نسألك ردّ القضاء بل نسألك التعجيل فيه"، فتلك السحابة (الحمراء) تداوم في فضائنا منذ ثلاثٍ وأكثر، ولكنّنا على البعد لا نودّع بحجة أن عشبة الأمل كعشبة الخلود موجودة على الأقلّ في الأساطير.أبحث عن وداع يليق بمركب، يليق بفتاة تعلق بها شاعر أحمق، عن وداع دار سكنها عربيّ، أو وطن عيث فيه، فصار قاب قوسين من الجحيم، ولأننا نستثمر في المصائب فما أجدرنا ببكّائين على باب مقبرة، نزيّن الألم لكل فاقد وثاكل ويتيم، الوداع لغة في الانتظار، يقول خائب مثلي، ظلّ يودّع ويبكي ولا يغادر، ليس الفراق في ذاته مشكلة، بل في ذلك الموقف الذي أُتخم بكلمات تتجدد، وقصائد تبكي، ستقول تعالَ نلقي النظرة الأخيرة على الوطن، من باب أننا مشطنا سنابله بالركض حفاةً طيلة الدرب الملتوي الضيق بين القرية وسكّة الحديد، من باب أننا قفزنا كرياضيين الغدران في أيام الربيع، من باب أننا شاركنا ذئابها العواء في شتاءات متلفّعة بالبرد، نحن لم نتعلّم الانتظار جيّداً، قفزنا هكذا من عربات القطارات إلى الهواتف النقّالة، كان أجدادنا يتقنون الوداع، يعدّون للأمر عدّته؛ زوّادة الطريق، الهديّة، الكلمات المعدّة سلفاً، الكلمات التي تقال في وقتها ساعة مجيء الباص بالضبط، (التعليلة) الأخيرة. لم يكونوا معنيّين بالدوام والوظيفة وراتب الشهر، كانوا أصلب عوداً، وكانوا يودّعون جيّداً.ومع ذلك، لا أدري كيف أودّع البلاد التي شتمتها يوماً، أنا أعرف أنّ أي اعتذار لن يكفي، وأنّ أيّ "نزق" جديد سيأخذ موتانا وحرائقنا وأطلالنا إلى شاشات عرض عملاقة تمنح الفرجة مجاناً لمحبّي التسلية، ولكنّ البلاد التي ودعناها عاتبين، نتركها اليوم للغربان والبوم. قلت يوماً: "يكفي: بأنّي أخذت نصيبي من النهر قبل الجفاف، وأني رأيت الطيور، تمرّ بحزني، وتذبحه بالغناء، ويكفي: بأني "تدلّلت" جدّاً على الأصدقاءْ، قسوت عليهم، وغبتُ طويلا عن الموت، حين أتاهم، وهدّ الجدار، الذي.. كم وقفنا عليه، جميلين كالصمت، مليئين بالوقت، والحبّ، والأسئلة".والآن يا بلادي؛ ها أنا أفتح أمامك بوابةً للعتاب قبل الوداع، الأصدقاء تبعثروا في المنافي، والجدار هدمه القصف، والوقت خرج من ساعتي، ولم يبق لي غيرُ الحبّ والأسئلة.
1221
| 14 يناير 2014
في الـ 2013 حذفت قلبي بغيمة، فبكى بعضي على النار التي علّلتني بالمطر، وبلّلتني بالخوف، وفي الـ2013 ذهبت إلى الأخضر حافياً فأُدميت، وقرأت " يا زمان الوصل في الأندلس" فعادت إلى الغيمة " شقراء الهدب"، ولم نكن " عدنا عدنا، بدفاترنا". وفي الـ 2013 نشفت الإنسانية تماماً، ثمة طفل مفدوغ الرأس أمام مطعم الشاورما، ثمة زرع أصفر جانب شلالٍ مجنون، ثمة نغم حزين في رسالة القناص إلى ابنته العاقّة، وناي مسروق من خطاب الطاغية.وفي الـ 2013 تصالحت والقوس في خصر الربابة، والخبر العاجل على حاشية مدينتي، والمراكب تغرق بأهلي في بحار الدنيا.وفي الـ 2013 شددت أذن الموسيقى لتعلمني كيف أبكي على وطنٍ دون دموع، وقلّبت ورق التاريخ لأهتدي إلى امرأة تصنع خبزاً لقاتلي زوجها، وشيخا يعلّم أولاده الحرب في الصيف، والحبّ في الشتاء، وأنّ شجرة باقية في بستان خيرٌ من عشرٍ اقتلعها عصفور الميغ.وفي الـ 2013 تعلمت أن الضرب يؤدي حتماً إلى التقسيم، وأنّ الجمع (ممّن ضمّ مجلسنا) يُجرّ بحرف، وأن الأفعال الخمسة تبدأ من وقف نزف امرأة لا تزال تبتسم، وتنتهي بصباحٍ كتب عليه: صناعة وطنيّة.وفي الـ 2013 وقفت على النيل دون ثرثرة محفوظ، وعلى الخليج دون صدى السيّاب، وعلى الأطلس دون خبز محمد شكري، وعلى الماضي دون دموع أبي العتاهية.وفي الـ 2013 كان الشهداء يمدون لحافهم على مقاس خوفنا، وكان الشايب الذي يصرخ (هرمنا) يبحث عن اللحظة التاريخية في مطعم فلافل، وكان عرب ذ فويس يهتفون:" الشعب يريد محمد عساف"، وعرب مخيم الزعتري يقولون:" المذلة ولا الموت".وفي الـ 2013 استضاف مخيّم السماء مائة ألف نجمة، ظلّت مجرّد أرقام في الدفاتر، وجثث في المقابر، وقصيدة في فضاءات افتراضية موهومة بالغلبة والقوة. **وفي الـ 2013 كانت القافلة تنبح والكلاب تسير.
497
| 08 يناير 2014
بمرور العام 2013 يكون العرب قد أمضوا ثلاثة أعوام في تقليب ربيعهم على نار الأمل والانتظار، ومناوشة عقابيله، والدفع عن شبهة انحرافه وانكفائه، واستمطار الوعود والآمال والأماني، والتوسّم خيراً بما بعد تبعثر الحجر، وتعثّر البشر. ليست متاهة بورخيس، ولا متاهة الأعرابي، فردّ الفعل الشعبي المؤجّل فاق كلّ تصوّر، وارتدادات الغضب العربي طالت الجميع، بمن فيهم جنودها المجهولون، وسدنتها، وحرّاس انتصارها، وليست نبوءة نوستراداموس ولا أحاديث العرافين الذين تستضيفهم الفضائيات التافهة، فالله سبحانه وتعالى لم يشرك في علمه أحداً. يقف العربيّ على قمة تفصل بين هاويتين، حسيراً إلاّ من همةٍ تحتاج بصيرة، كليلاً إلاّ من صرخات عبس وذبيان تعاضده في دفع التعب إلّى نشاطٍ له مساراته، عليلاً إلاّ من عافية تدفع بساقيه إلى طلب الرزق، ويديه إلى طلب الدعاء. يقف العربي بين حلمٍ داعب بؤسَه، ونتيجةٍ أكّدت يأسه، رائياً بعين واحدة، وسامعاً بأذن واحدة، وصارخاً بنبرة واحدة. يقف العربي إلى الماضي والحاضر ويقنع نفسه أنه ديمقراطي (سكر زيادة) وليبرالي بدرجة امتياز، وأن فائض حكمته وذكائه يجب أن يوزّع على العالم بالقسطاس، وأن الحظ والمؤامرة وأحابيل أعداء الداخل هي التي أخذته إلى موقع لم يكن يستحقه. يقف العربيّ وقد (فرمتَ) حاسوبه، ليجد أن قدرات الجهاز عاجزة عن تشغيل برنامج حديث، لأن بناه المتهالكة لاتحتمل غير برنامجه القديم الذي فقد عمره الافتراضي أيضاً، يكتشف العربيّ أن حداثته كانت قشرة هشّة مزيّفة، لم تكن غير بدلات أنيقة، وربطات عنق فاخرة، وحفظ أسماء العواصم الأوروبية، يكتشف أن الدولة عميقة، وأن التنظيمات عميقة، وأن الطوائف عميقة، وأنّ القبائل عميقة، وأنّ عناصر جيشنا الوطني ليسوا غير (جندرمة) القرن الثامن عشر، وأن جيش الموظفين الوطني ليس غير كتيبة أفندية استبدلوا بحديث المقهى أحاديث الفيسبوك والتويتر، وأن التليفزيون الوطني محاكاة للحكواتي في مقهى الحارة، ويكتشف أن ثمة نظام عمره قرون لا تمحوه فضيلة ولا توقفه إيدولوجيا، نظام يقول:" أطعم الفم تستحِ العين، ورشرش حبك يا جميل، ويجب أن تطاطئ كي تعلو". يقف العربي على تخوم السنين الثلاث، أملاً في انتصار إرادة الشعب، وأملاً في توقّف حمام الدم، ففي بلادي عجزت كل القوى في العالم أن تسكت صوت الرصاص ولو ليوم واحد، ولم يبق غير ربّ العالمين ملاذنا الأول والأخير، وفي بلادي بات رغيف الخبز حكاية، فعلى كلّ رغيف يجتمع الطاغية والضحية، والقنّاص والهدف، والدم والجوع. ولأن الشمس تشرق كلّ يوم، والزهور تطلع كلّ ربيع، فإن لنا في 2014 أملاً يستمدّ مشروعيته من إيماننا بقدرة الله على كلّ شيء. ** كلمة: عَرَض طلابي قبل أيام مسرحية شبابية (يمعة خميس) باسم نادي قطر، وكان مؤثراً أن يرى المرء طلابه (مُخرجاً) يعبرون عن انتمائهم إلى عصرهم، وبالرغم من خبرتهم القليلة في الوقوف على الخشبة ومواجهة الجمهور، إلا أنهم كانوا حاضرين بمواهبهم وقدراتهم وإخلاصهم، فتحية لهم لجهودهم، ولكلّ من ساندهم ليساهموا مع زملائهم في استمرار الصحوة الجديدة للمسرح القطري، الذي بات المهرجان الشبابي أحد أهمّ روافده.
578
| 31 ديسمبر 2013
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
2640
| 05 ديسمبر 2025
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله...
2610
| 30 نوفمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1596
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
1548
| 02 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1221
| 06 ديسمبر 2025
ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...
1185
| 01 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1152
| 04 ديسمبر 2025
مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...
1143
| 03 ديسمبر 2025
لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...
813
| 03 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
627
| 05 ديسمبر 2025
يحكي العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري في أحد...
618
| 30 نوفمبر 2025
في مايو 2025، قام البابا ليو الرابع عشر،...
543
| 01 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل